رواية نيران نجع الهوى الفصل الثامن 8 بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى البارت الثامن
رواية نيران نجع الهوى الجزء الثامن
رواية نيران نجع الهوى الحلقة الثامنة
” للقلب أحكام والقدر رأي آخر”
وقفت تشاهده بذهول وعدم تصديق وهو على استعداد لقتلها حقًا، بل هو مَن سيقتلها بيده، تحرك رأسها نافية بتعحب والدهشة تسيطر عليها أغمضت عينيها برعب عندما وجدته يرفع السكين عليها، وتراجعت مسرعة نحو الخلف مغمغمة بدهشة وعدم تصديق:
– أنت رايد تجتلني بعد عني ملكش صالح بيا.
قلبها يرتجف رعبًا لنظراته المصوبة نحوها وهي لا تصدق الإصرار التي رأته داخل عينيه الغاضبة تود الفرار هاربة مرة أخرى إلى منزلها، تريد الهروب من نظراته التي تقبض روحها، وإصراره على قبضها حقًا.
أغمضت عينيها المرتشعتين بصدمة عندما رأته سينفذ تهديده على قتلها لبوحها بالرفض صراحةً وبالفعل قد فعلها، شعرت بالسكين وهي تُغرز بها دون رحمة مصطحبة بصرختها العالية المتألمة دوت في أرجاء الغرفة.
وضعت يدها سريعًا فوق ذراعها باكية بألم وهي لا تفهم سبب فعلته فهو قام بخدش ذراعها عن عمد، كانت ترمقه بعدم فهم لكنها لم تسأله بسبب بكاءها المستمر وعينيها مثبتة عليه تبادله نظراته النارية المصوبة نحوها.
كان يرمقها بسخرية، ولم ينكر غضبه الشديد منها خاصة بعد رفضها له الصريح لكن مهلًا سيجعل كل شئ يسير مثلما يهوى، ويجعلها تعلم كيف تتعامل مع زوجها؟! إلى الآن يقف يراها بعدم تصديق هل حقًا أصبحت زوجته بعدما كان يرى استحالة الأمر، أسرع يجلب نسيج القطن الرقيق الذي كان بجانب الفراش وأمسك بذراعها المجروح بقوة ليحصل على قطرات من دمائها فوق النسيج بعدما قرر عدم اقترابه منها بعد حديثها الجارح.
كانت مستسلمة تمامًا بين يديه وقد فهمت ما سيفعله وتنفيذه لرغبتها بعد حديثها وذلك ما لم تتوقعه، أراد ان يجرحها هي بدلًا عن ذاته عن عمد ليعاقبها عن حديثها يجعلها تعلم جيدًا مَن هو؟! وماذا يستطيع أن يفعل؟!
يريد أن يجعلها تشعر بالوجع بعد حديثها ورفضها الصريح له، لكن هناك رغبة بداخله تجذبه نحوها تدفعه للاقتراب منها ليُطفئ تلك النيران المنبعثة بداخله وكادت الفتك بقلبه المغرم بها.
دفعها بغضب فارتدت إلى الخلف ساقطة أرضًا لكنها كانت مستسلمة تمامًا واضعة يدها فوق الأخرى حيث جرحها وألمها لم يضاهي ألم قلبها المجروح وعقلها الذي يصور لها بعض الأفكار التي ستحدث معها على يد ذلك القاسي الغير مبالي بمشاعرها..
رمقها بغضب قوي دون أن يهتم لأمرها واقترب منها مغمغمًا بقسوة والشر يلتمع داخل عينيه الكاحلة:
– ميخلصنيش موتك من اللي هعمله فيكي، أني اللي هخليكي تتمني الموت بجى طالما رايداه.
طالعته بتوتر والخوف سيطر عليها تمامًا فبدأت تزحف أرضًا برعب وهي ترمقه بذهول متعجبة لأمره لكنها لم تستطع الصمت، فصاحت أمامه بشراسة متغلبة على مخاوفها منه:
– چوازي منيك هو الموت بنفسيه وأني وافجت وخابرة زين اللي عيحصُل فيا على يدّك.
تحدثت تصبر ذاتها بعزيمة مأومأة برأسها امامًا بينما شفتيها ترتعش بضعف:
– بس كل دِه يهون لچل عيون حسن.
شعر بغضب جامح بعصف بداخله بعد حديثها حاول أن يسيطر على ذاته حتى لا يؤذيها، لكنه لم يستطع وقد فشلت جميع محاولاته وظهرت عروقه المشحونة بدمائه التي تغلي بداخله، فاقترب منها أكثر بجسد متشنج ووجه مكهفر لم يفصل بينهما شيء، حيث تلامست أجسادهم للمرة الأولى لكن غضبه كان يعميه عن أي شئ عينيه تلتمع بالقسوة التي جعلت قلبها يهوى بداخلها رعبًا من نظراته المميتة، أغمضت عينيها هاربة منه متمنية الفرار من أمامه لكنها لم تستطع بسبب حصاره لها أسرع قابضًا فوق يدها المجروحة قبضة حديدية بقوة ضارية مسببًا لها ألم قوي مصطحبًا بصرخة متأوهة خرجت منها بضعف فابتلعها بداخله، وقد كانت مرته الأولى ليقبلها ويتمتع بقربها ونعيم شفتيها ذات مذاق خاص لا يُنسى، كانت في البداية قبلته لها قاسية تؤلمها لكنها سرعان ما تحولت إلى أخرى عاشقة متلهفة بشغف قوي يسيطر عليه..
حاولت دفعه بيديها وهي تحرك رأسها محاولة إبعاده شاعرة بنيران متأهبة تعصف بداخلها وهي تراه يحل مكان حسن وهذا ما لم تريده، كانت تتخيل كل ذلك وتتمناه معه ولكن واقعها مؤلم وصدمها بأكبر صدمة وتعيش كل ما تمنته لكن مع شخص آخر تبغضه وتبغض اقترابه شاعرة أن لمساته تؤلمها لكن كيف ستجعله يبتعد عنها!..
تخشى أن يكون تراجع في فعلته وسيتمم زواجها اليوم، ازدادت مقاومتها له ليبتعد عنها معلنة رفضها له.
ابتعد عنها عندما شعر بحاجتها إلى الهواء وهو يرمقها ببرود غاضب ووجه محتقن ولازال يضغط فوق يدها صائحًا بها بحدة قاسية:
– أني دلوك چوزك يعني سيرة حسن متچيش على لسانك واصل بدل ما اجطعه.
تغلبت على خوفها وألمها لتقف معتدلة قبالته بقوة متطلعة داخل عينيه بتحدٌ وأجابته بشراسة غاضبة:
– كنك مخابرش يا چوزي إيه اللي خلاني اوافج على چوازنا اللي عتجول عليه.
التقطت نفس كبير وأكملت حديثها غير مبالية بغضبه الذي ازداد وحدة ملامحه المكهفرة لتكمل حديثها دون خوف كما هي غير مدركة ما سيحدث لها وما سيفعله:
– كل دِه حصل لچل حسن وأنت خابر إكده زين يُبجى ملوش عازة الحديت الماسخ.
ازداد من ضغطه فوقها مستمتعًا بالالم الذي يراه داخل عينيها مهما حاولت تخفيه من معالم وجهها الجامدة أمامه ليصيح منفعلًا عليها باحتداب قوي:
– خابر ولا لاه ميفرجش أنتي دلوك مرتي يعني حديتي يتنفذ لو على رجبتك السكين فاهمة وحسن أخوى تنسيه بدل ما اجتلك بيدّي.
لم تقتنع بحديثه الذي جعلها تغضب وهي تراه يتعامل معها هكذا يود أن يكون الآمر الناهي مثلما اعتاد دون الإهتمام لمشاعرها يطلب منها أن تنسى مَن أحبت وضحت بسعادتها لأجله، هو تزوجها وهو يعلم بحبها له كيف ستنساه بتلك السرعة الجنونية تناست وجوده أمامها وزواجها منه لتعلن أمامه حبها لشقيقه دون خوف متبجحة متناسية تمامًا انها تقف أمام زوجها:
– متجدرش تهوب يمّتي وتجتلني، أنت خابر أن جلبي مع حسن وعحبه لاخر يوم في عمري معيهمنيش حاچة واصل، ولا في حد يجدر يمنعني عن حبه اللي بيچري چوايا مهـ..
باغتها بصفعة قوية اطاحتها أرضًا وجعلت رأسها ترتطم بالحائط فاعتلت صرخاتها بألم والصدمة سيطرت عليها واضعة يدها فوق وجنتها بذهول، وقد علمت أن ذلك نتيجة حديثها وخطأها فيما تفوهت، معقبًا بقسوة ضاغطًا فوق كل كلمة يتفوهها:
– وأني هخليكي عمرك ما تنسي أني چوزك وتجفلي خشمك عن الحديت الماسخ اللي عتجوليه.
الغضب سيطر عليه ليجعله ينسى مَن هي، وحبه الكبير لها وحل مكان ذلك القسوة والغضب أسرع قابضًا فوق شعرها المغطى أسفل وشاحها الأبيض ليدفعها بغضب فوق الفراش وعينيه مثبتة نحوها.
علمت ما ينوى فعله والرعب دب في أوصالها عالمة أن اقترابه منها وهو بتلك الحالة الغاضبة يعني موتها بالفعل، هو لن يرحمها سيتخذ من ذلك وسيلة لتفريغ غضبه بها، لكنها لن تتحمل لن تستطيع تحمل مرور ليلتها الأولى هكذا، هي رفضت اقترابه بسبب خوفها منه ماذا ستفعل وهو بتلك الحالة الغاضبة، بدأت دموعها تسيل فوق وجنتيها دون توقف لوهلة واحدة، وحاولت الرجوع فوق الفراش مبتعدة عنه حتى لا ينقض عليها وينهي حياتها بتلك الطريقة القاسية بعد أن هوت أسيرة لبراثن ذلك الوحش الكاسر.
أسرع يقبض فوق كاحل قدمها يقربها منه مثلما كانت ويثبتها فوق الفراش وهي تنتحب بقوة واعتلت صرخاتها الرافضة لما سيحدث لكنه لم يبالِ لكل ذلك والغضب سيطر عليه وهو يتخيل أنها تمنعه لأجل الحفاظ على ذاتها عند عودة شقيقه، اقترب منها برغبة قوية كالأسد الجائع الذي ينقض على فريسته حقًا..
أسرع يفتح سحاب ثوبها الأبيض ويحررها من جزءه العلوى وهو يقوم بخلع جلبابه الأبيض فأغمضت عينيها الباكية وصرخاتها لم تتوقف عندما رأت اقترابه القاسي لها، تشعر أن قبلاته كالنيران تحرقها كان يريد أن يوجعها عن عمد بقبلاته القاسية واقترابه منها بتلك الطريقة ليجعلها تندم عن حديثها وغضبه وكبرياءه يعميانه عن حبها المتغلغل في قلبه، صرخت بضعف ونبرة لاهثة متقطعة تترجاه ملتقطة أنفاسها بصعوبة لتتحدث:
– أحِب على يدّك يا سي عمران بعّد عنيّ بلاش تعمل إكده فيا، كل اللي رايده هيحصُل بس بالهداوة، مهجدرش عاللي عتعمله فيا، بلاش تكسرني وتخوفني منيك أكتر من إكده، أحِب على يدك هملني دلوك.
كان حديثها كالأنذار الذي جعله يعلم مَن هي، هي مَن تمنى اقترابها ليلًا ونهارًا المستحوذة عن أحلامه وأفكاره، آخر شيء يريد ان يراه هو وجعها وكسرتها مثلما تقول ماذا لو هو المتسبب بهما!. يعلم أن بالرغم من شراستها وقوتها هي كالهشة لن تتحمل ما يريد فعله بها، حقًا ستكون نهايتها إذا تمم الأمر بتلك الطريقة الغاضبة.
توقف عن تقبيلها متطلعًا داخل عينيها الباكية وشفتيها المرتعشة، يرى حالتها والرعب المتواجد فوق وجهها المغرق بدموعها التي تسيل إلى الآن دون توقف، شعر أن قلبه يؤلمه على حالتها أضعاف ألمه من حديثها، هو الآن المتسبب في كل ما يحدث لها..
نهض مبتعدًا عنها لكنه كان يقف قبالتها وعينيه مثبتة عليها لم تستطع الصمت والصمود مكانها ما أن نهض وبدأت تلتقط أنفاسها بصعداء ونهضت مسرعة متحاملة على ذاتها ممسكة بطرف ثوبها من الأسفل وسارت بضعف وهي تستند على الحائط لكن سرعان ما ضغطت فوق ذاتها وسارت بخطوات راكضة عندما رأت عينيه المثبتة عليها لا يعلم إلى أين ذاهبة، خشيت أن يلحق بها ويستكمل ما كان يريده فدلفت المرحاض الملحق بالغرفة غالقة الباب خلفها مسرعة بيد مرتعشة وما أن غلقته حتى سقطت جالسة أرضًا شاعرة أن قدميها لم تتحملها وبدأت في البكاء لكن بصوت مرتفع وهي لا تصدق ما كان سيحدث لها الآن لولا تراجعه، علمت مدى قسوته وجبروته وكم هي كالهشة أمامه يستطيع أن يكسرها متى يحب ويفعل بها ما يشاء وما يهوى!..
وقف في الخارج ولازالت عينيه معلقة نحو الباب الذي أغلقته لاعنًا ذاته على فعلته التي تسببت في رعبها هكذا لكنه فعل ذلك عنوة، لم يشعر بذاته بعد حديثها الذي شعر بالإهانة لكبرياءه بسببها.
حاول سريعًا السيطرة على ذاته والتوقف عن التفكير في الأمر متذكر ما يجب فعله أسرع يلتقط النسيج الملطخ بالدماء الذي كان ملقاه أرضًا وسار متوجه نحو الشرفة يرفعه بفخر أمام الحشد الهائل من الرجال المنتظرين قدومه فسرعان ما ارتفعت الطلقات النارية مجددًا والبعض ذهب يهنيء شقيقها بينما هو يقف يراقب كل ذلك في صمت وعقله شارد معها يفكر بها.
كانت لازالت في الداخل ووصل إليه صوت الطلقات النارية فأسرعت تضع يديها فوق أذنيها في محاولة منها لعدم استماع تلك الأصوات واعتلى بكاءها من جديد متذكرة ما كان سيحدث لها في تلك الليلة التي من اسوأ ليالي حياتها أن لم تكن اسوءهم، وعقلها يفكر في القادم ما سيحدث لها على يد عمران الجبالي وحياتها معه التي ستصبح جحيم.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر..
استيقظ عمران على دقات مرتفعة فوق باب الغرفة تطلع سريعًا بعينيه باحثًا عنها في أرجاء الغرفة وها قد وجدها كانت نائمة فوق الأريكة وهي جالسة محيطة جسدها بذراعيها بحماية، ولازالت ترتدي ثوبها الأبيض مثلما هي، اقترب منها يحملها برفق ليضعها فوق الفراش حتى يخفي هيئتها عند فتح الباب، وجد الدموع لازالت عالقة في عينيها وشفتيها ترتعش وقد أصبح لونها أزرق خفيف من ضراوة الخوف المتواجد بداخلها، ما أن وضعها فوق الفراش حتى وجدها تفتح عينيها بذعر، وقد انكمشت ملامح وجهها وأخذت تلتقط أنفاسها بصوت مرتفع وجسدها يرتعش مغمغمة بنبرة لاهثة باكية:
– أ… أني معملتش حاچة بعّد عني بزياداك إكده.
حاول السيطرة عليها ليهدئ من روعة خوفها مغمغمًا بجدية هادئة:
– أني مهوبتش يمّتك دلوك، بس لازمن افتح الباب كيف عيشفوكي وانتي إكده لساتك بفستانك ياعروسة.
اومأت برأسها أمامًا وفهمت ما يريده، فجلست فوق الفراش منكمشة على ذاتها وعينيها معلقة نحوه برهبة كبيرة خوفًا من أن يستكمل ما كان ينوى فعله، اقترب نحو الباب ليفتحه عندما اعتلت دقاته مجددًا.
وجد صفية الخادمة التي تعمل في المنزل وهي تحمل الطعام الشهي ذو رائحة رائعة مردفة بسعادة مبتسمة:
– العواف يا سي عمران مبروك الچواز.
تناولها منها بحذر تام حتى لا ترى هيئة عهد الدالة على عدم اقترابه لها مغمغمًا بجدية كعادته:
– الله يبارك في عمرك.
أغلق الباب مرة أخرى ووضع الطعام فوق المنضدة بهدوء وعينيه معلقة نحوها، لا تعلم لماذا شعرت بالخوف من نظراته وقد هوى قلبها بداخلها رعبًا من نظراته التي تشعر أنها تعتريها بالكامل وها قد ازداد خوفها عندما رأته يسير مقتربًا منها شاعرة بقبضة قوية تعتصر قلبها المتألم بداخلها مطالب بالرحمة لكن هيهات لم يحصل عليها سوى من شخص واحد في تلك الدنيا القاسية وها قد ازدادت الدنيا قسوة ومرارة عليها وجعلتها تفترق عنه للأبد لتعيش مع ذلك الشخص الذي لا يفهم معنى للرحمة.
كان يعلم بخوفها منه فاقترب منها أكثر حيث التصق بها وعينيه مثبتة داخل عينيها لم ترى سواهما وقد تناسى كل ما حوله، كل شئ يذهب دون أن يهتم لكن لمعة عينيها الباكية تؤلمه لم يشعر بذاته، ويده تلتف حول خصرها ليقربها إليه أكثر مستنشق عبيرها الخلاب الخاص بها، وشفتيه تقترب من خاصتها الناعمة لكنها أسرعت تلتف نحو الجهة الأخرى مانعة إياه من تقبيلها وترمقه بنفور رافضة اقترابه، جسدها يهتز خوفًا فحاول السيطرة على ذاته بغضب من رفضها الصريح له مغمغمًا بحدة محتدبة وهو يبتعد عنها وهب واقفًا قبالتها:
– اهدي بلاش كل اللي عتعمليه دِه أني اللي مرايدكيش ولا رايد اجربلك وإلا كنت عملتها ومكنتش هملتك جبل سابج اللي حصُل كان عجاب ليكي لچل ما تعرفي مين هو عمران الچبالي واللي يجدر يعمله وتحترمي چوزك.
استردت قوتها من جديد بعدما شعرت بالغضب من حديثه المهين، فنهضت تقف قبالته صائحة بكبرياء:
– ولما أنت مرايدنيش كيف ما عتجول، اتچوزتني ليه اومال.
السؤال الوحيد الذي يهرب من إجابته وسيظل هاربًا منها حتى لا ينكشف أمره متطلعًا نحوها بنظرات غامضة مشحونة بالغضب القاسي، وصاح بها بنبرة مرتفعة تزداد حدة:
– انتي خابرة أني اتچوزتك ليه، لو عليا اخرچك برة العيلة كلياتها والنچع كمان ايه جولك، لتكوني فاكرة حالك مهمة إهنيه، انتي اللي چيتي لحد عندي.
تطلعت نحوه بحزن شاعرة بالإنكسار من إهانته لها الصريحة تخشى أن ترد عليه حتى لا يفعل بها مثل ليلة أمس لكنها أيضًا لم تستطع الصمت وهي تستمع إهانته لها وحديثه القاسي فأجابته بكبرياء غاضب:
– لو أنت مرايدنيش في غيرك رايدني، ومهبجاش مغصوبة عليه وچيتي لحد عنديك كانت لچل انك كبير النچع كيف ما عيعملوا البجية.
أسرع قابضًا فوق ذراعها بقوة، وأداره غاضبًا خلف ظهرها فتأوهت بضعف متألمة بين يديه لكنه لم يبالِ، بل ازداد ضغطه بعنف وأكمل يرد عليها هامسًا داخل أذنيها بقسوة:
– اعجلي حديتك يا عهد، الله في سماه إن جولتي إكده تاني ولا سيرته چت على بالك لأجتلك بيدّي ومهرحمكيش واصل، أنتي دلوك مرت عمران الچبالي.
سالت دموعها بضعف متأوهة وهي تشعر بالألم يعصف بداخلها من قبضته الحديدية ولم تنكر خوفها من حديثه القادر على تنفيذه عندما يشاء، فتمتمت بتوتر خافت:
– يدّك عتوچعني خلاص مش هجول حاچة.
كانت تتحدث بنبرة متحشرجة باكية في صمت لكنه علم بما تشعر، شعر بخنجر قوي يُغرز في قلبه وهو يقف مشتت بينها وحبه الكبير، وبين أخطائها وكرامته التي تُهان بحديثها، دفعها بغضب فوق الفراش فسقطت خوفه بذعر متحاشيًا النظر نحوها حتى لا يضعف ويقترب منها وتنهار حصونه بالكامل التي بدأت في الانهيار منذُ رؤيته لها، معقبًا بحدة ولهجة آمرة بصرامة:
– جومي غيري خلجاتك ديه لأحسن حد يشوفها.
نهضت تفعل ما يطلبه في صمت تام، وخطوات بطيئة متعثرة تعلم أن قوتها وشراستها ما هي سوى قناع مزيف كانت تحاول إظهاره لتتخفى بداخله أمام الجميع وقسوتهم لكن أمامه هو كل شيء ينهار تصبح ضعيفة محطمة يفعل بها ما يشاء لاعنة ذاتها على ذلك الضعف لكنه استطاع التغلب عليها منذُ أول ليلة بعد فعلته التي زرعت الخوف منه في قلبها.
أحضرت عباءة استقبال منزلية لترتديها من اللون الأبيض المطرز مثلما يعتاد أهل النجع، لكن هناك مشكلة واحدة لم تستطع التخلص من ثوبها الأبيض بمفردها تحاول أن تستكمل فتح السحاب لكنها فشلت وقفت تشعر بحيرة كبيرة مترددة في طلبها منه، لكنها لم تجد سواه يفعلها اقتربت منه بوجه أحمر قاني مغمغمة بتلعثم:
– سـ… سي عمـ… عمران.
تطلع نحوها متعجبًا لأمرها ونبرتها الخافتة بتلك الطريقة لكنه أجابها متسائلًا بدهشة:
– إيه يا عهد حصُل إيه لساتك كيف ما كنتي، هملي اومال؟
ابتلعت ريقها الجاف بتوتر مغمغمة بخجل ودقات قلبها تتسارع وتدق بعنف:
– كنت رايدة مساعدتك.
قطب جبينه بدهشة تزداد متعجبًا من حديثها ويتطلع نحوها بعدم فهم فأسرعت تلتف توليه ظهرها وقف لوهلة دون أن يفهم ماذا تريد، لكن سرعان ما وضح له الأمر فابتسم مستمتعًا بخجلها واقترب منها بضراوة ملتصقًا بها باستمتاع وبدأ يستكمل ما فعله أمس ويفتح باقي السحاب ببطء ويديه تلامس ظهرها العاري أمامه شاعرًا بالضعف والانجذاب نحوها ليسرع مقبلًا كتفها العاري أماظ عينيه برغبة قوية تدفعه للاقتراب، فانتفضت بخوف شاعرة بأنفاسه الحارة تلفح جسدها العاري متمسكة بثوبها حتى لا ينسدل أرضًا، شعر بتشنج جسدها فاسرع بحتضنها بحنان هادئ ولازال مستمر في تقبيلها قبلات رقيقة هامسًا داخل أذنيها بشغف:
– عمران بس يا عهد، مفيش سي عمران بعد إكده.
ارتعش جسدها بين يديه وهو مستمتع بها وباقترابه بدأت قبلاته تزاد رغبة متجهًا نحو عنقها بعدما أدارها ليرى ملامح وجهها المتيم بها طابعًا ملكيته عليه وهي تقف بين يديه بخجل متناسية ذاتها بين لمساته وهمساته الشغوفة نحوهها تشعر أنها في عالم تاني معه لم تتذكر سوى نظراته المُحبة نحوها لكن قبل أن تستسلم تمامًا له ويفعل ما يريد، دوى الإنذار داخل عقلها ليعيدها إلى واقعها المؤلم من جديد وبدأت تدفعه بقوة في صدره ليبتعد عنها، مغمغمة بتوتر وتحرك رأسها نافية:
– لاه.. لاه يا سي عمران هملني.
شعر بالمياه المالحة فوق وجهها عالمًا بدموعها التي تسيل رافضة ما يحدث الآن بعدما رأى تأثيره القوي عليها فأسرع يحاول استجماع شتات ذاته من جديد مبتعدًا عنها مثلما تريد وقبل أن يتحدث أو يفعل شيء، انطلقت مسرعة من أمامه وبدأت تلتقط أنفاسها بصوت مرتفع لاهث، واعتلى صوت بكائها المنتحب وهي تتطلع نحو خاتم الخطبة الخاص بحسن المحتفظة به في يدها إلى الآن، وتبكي شاعرة بالغضب من ذاتها متذكرة أمنياته وحديثه عن اشتياقه لها وانتظاره لـ ليلة زفافهما بلوعة وهي الآن تضعف أمام همسات كاذبة من عمران.
ازداد بكاؤها بعنف تحمل ذاتها الخطأ وأنها المذنبة في حق حسن، فغمغمت بندم وعينيها تلتمع بسعادة وهي تطلع نحو الخاتم:
– أني اسفة يا حسن، والله اللي حصُل ما هيحصُل تاني من دلوك سامحني يا حبيب جلبي وروحي.
تشعر أنها سقطت أسيرة لتحترق في نيرانٍ قوية لا تعلم مصيرها وكيفية الخروج منها بأقل خسائر، لكنها الآن تخسر أهم شئ وهو قلبها بالطبع أغمضت عينيها بقوة وهي ترى ذاتها امرأة خائنة الآن لزوجها بتفكيرها في رجل آخر، ومنذُ لحظات كانت خائنة لحبيبها الذي حدث له كل ذلك بسبب تمسكه بها أمام الجميع وحبه الكبير لها.
ارتدت عباءتها البيضاء وتوجهت نحو الخارج وجدته يجلس أمام الطعام في انتظارها وعينيه تلتمع بابتسامة سعيدة عندما رآها لكنه يتطلع بذعر نحو الوشاح الذي يخفي شعرها منه كما لو أنه شخص غريب عنها ليس زوجها، قرر التمهل وعدم التحدث في الأمر الآن حتى لا يضغط عليها وهو يرى دموعها التي لم تجف إلى الآن، أشار لها بالجلوس أمامه مغمغمًا بجدية:
– هملي يلا الوكل چاهز مدي يدّك يا عروسة.
جلست أمامه تشاركه الطعام بذهن شارد مشتت لا تعلم ماذا تفعل!.. وكيف ستنقضي حياتها وقلبها ملتهب بتلك النيران القوية التي تعصف به وكادت أن تنهي حياتها تمامًا، لا تعلم في النهاية مَن تُرضي قلبها المتعلق بحبيبها حسن الجبالي أم عقلها الذي يزجرها بعنف ويذكرها أنها الآن زوجة لرجل آخر، اعتى رجال النجع وكبيره عمران الجبالي وهي الآن خائنة له، فهل هي حقًا خائنة مثلما تفكر بسبب زواجها من شخص وتفكيرها في الآخر؟!.. وكيف ستمنع ذاتها من فعل ذلك؟!..
❈-❈-❈
في الصباح..
بعد أن انتهت ليلتها الأولى نزلت عهد بصحبة عمران إلى أسفل كما طلب منها حيثُ يجتمع الجميع، كانت فهيمة ترمقها بنظرات يملأها الغل والغضب متمنية أن تقبض فوق عنقها وتقتلها ثأرًا لحق ابنها وعائلتها.
تفاجأت به يقترب منها محاوط خصرها بذراعه يجذبها نحوه أكثر حتى تلاصقت به، مغمغمًا بنبرة هامسة بحدة لم تصل سوى لمسامعها:
– اعدلي خلجتك واضحكي إكده.
شعرت بالخوف والضيق نتيجة لهمسه واقترابه منها بتلك الطريقة التي جعلت قلبها يهوى بداخلها لكنها شعرت بقبضته تزاد فوق خصرها بطريقة مؤلمة فأغمضت عينيها بتوتر ملتقطة أنفاسها بصعداء، وبدأت تنفذ ما طلبه بتوتر جابرة شفتيها على الابتسام عنوة، بابتسامة مهزوزة يعلم الجميع أنها زائفة.
جلس بشموخ فوق مقعده وهي بجانبه غمغمت والدته بضيق غاضبة موجهة حديثها نحوه، ونظراتها مثبتة عليه بغضب:
– مش اتچوزت وعِملت اللي رايده خرِچ أخوك يا عمران بكفياك عِناد وتنشيف عجل لحد إكده.
تطلعت عهد نحوه بدقات قلب متعالية بعنف، وقد انتبهت للحديث بجميع حواسها بدلًا من جلوسها شاردة وعينيها تطالعه بأمل قوي لتنفيذ اتفاقه معها حتى تستطيع فيما بعد التخلص من تلك الزيجة الملتفة حول عنقها تدمر حياتها..
باغتها برده القاسي لوالدته متجاهلًا نظراتها المعلقة نحوه ويفهم معناها جيدًا:
– الوضع دلوك مبجاش في يدّي يمّا مع الحَكومة
تطلعت نحوه بذهول متعجبة ما يقوله وقد شحب وجهها شحوبًا ملحوظ، مغمغمة بتوتر ونبرة لاهثة شاعرة بقبضة قوية تعتصر قلبها قلقًا على حسن:
– كـ… كيف يعني عتجول إكده؟
ازدادت نظراته حدة بغضب أخرسها تمامًا وقد توقف بقية الحديث بداخل جوفها بعد أن ارتعش جسدها وجلست صامتة تتابع الأجواء المشحونة حولها بعقل مشتت تفكر في أحوال حسن، وكيف ينقضي يومه وهو مسجون ظلمًا بسبب حبه الكبير لها.
لم تفوق سوى على حديث نعمة الماكر، وهي ترمقها بنظرات حادة تخترقها:
– مش واچب برضك أن أهلك كانوا ياچوا ومعاهم الوكل والحِلوان ولا انتم مش جد عيلة الچبالي عتدخليها ليه أومال.
مصمصت شفتيها وهي ترمقها بشماتة منتصرة بعدما استطاعت إهانتها مثلما تريد.
اهتز جسد تلك المسكينة بقوة شاعرة بالتقليل في حديثها ونظراتها المحتقرة، لكنها حاولت السيطرة على ذاتها وردت عليها ببرود مفتخرة بابتسامة مصطنعة:
– والله اللي مش جد المجام وعتجولي عليها دِه، بجت مرت كبير النچع وميصُحش انك تتحدتي وياها إكده.
ابتسامة واثقة زينت محياه، وهو يراها تعلن عن زواجهما بفخر مستمدة الثقة والقوة منه، كما فعلتها من قبل عالمًا كم هي قوية مع الجميع لكن أمامه ومعه تظهر شخصية أخرى كالهشة ضعيفة تهرب منه دومًا ناهية نظراته المصوبة نحوها والتي لم تستطع فهم معناها، لم يعجبه هذا الحال ولم يعجبه استسلامها معه لكنه يعلم أنه المتسبب فيما حدث بعدما أنقض عليها في ليلتها الأولى محطما لقوتها وشراستها جعلها تعلم كم هي ضعيفة أمام نفوذه ونوبات غضبه؛ لذا عليها أن تتجاهلها حتى يمر يومها بسلام دون اقترابه، اطلق تنهيدة حارة دالة على عدم رضاه لما يحدث وندمه على التعامل معاها بتلك الطريقة القاسية عليها..
لم ينتهي الأمر بعد ردها على حديث نعمة التي هبت واقفة مقتربة منها بغضب وثارت ثائرتها منفعلة:
– مبجاش اللي زييكي هو اللي يتحدت، اجفلي خشمك يا جليلة الحيا عتنسي حالك أومال، ما عاش ولا كان اللي يرد على نعمة الچبالي اجتله بيدّي فاهمة ولا لاه.
اندلعت ثورة غاضبة تهتاج داخل عقلها الذي وصل إليه اهانتها وهبت واقفة قبالتها ترمقها بنيران مندلعة من داخل روحها فصاحت ساخطة منها باحتدام:
– أني مش جليلة الحيا وعشان إكده مهجبلش حديتك عليا، اللي كيفك هو اللي عينسى حاله، أني زينة ستات النچع كلياتها وتفكري زين جبل ما تتحدتي ويايا بكلمة واحدة لأن اللي يجول معتعجبنيش اجفله خشمه طول حياته.
اهتاج عقلها غاضبة هي الأخرى وملأ الغيظ قلبها، لترد عليها بغرور متعالية:
– عتنسي حالك لما كنتي عتيچي إنتي وأمك تشتغلي عندينا اللي كيفك طلعله حِس دلوك بس الحج علينا لما وافجنا أن واحدة زييكي تدخل العيلة وتوسخ اسمها بفُچرها.
قبل أن ترد عليها نهض عمران يرد هو على حديث عمته بصرامة جادة والغضب يلتمع داخل عينيه رامقها بانفعال وجسد متشنج ذو عروق بارزة:
– مين ديه اللي فاچرة يا عمة أعدلي حديتك مرت عمران الچبالي كيف ما جالت زينة ستات الدنيا كلياتها مش النچع بس، وحديتها يمشي على الكل غلط أو صُح.
ابتسمت بانتصار وترمقها شامتة بعدما ازدادت ثقة بحديثه حتى لو تعلم أنه فعل ذلك حفاظًا على هيبته أمام النجع ليظل كبيره ويحظى على احترام وخضوع الجميع لكن حقها قد عاد بتلك الفعلة لم تحتاج أكثر من ذلك وقفت تستعرض ذاتها بثقة متعالية على نعمة التي شحب وجهها بضراوة، ولم تستطع الرد خوفًا من إثارة غضبه أكثر عن ذلك..
تدخلت والدته معترضة بشدة، وترد على حديثه الأحمق الذي سيجعل تلك الفتاة تتعالى عليهم:
– عمران ميصحش اللي عتجوله دِه، عمتك مغلطتش ياولدي شوف مرتك اللي عترد عليها من غير حيا ولا حساب لوچودك.
رد يجيبها بجدية واقفًا أمامها بشموخ وهيبة كبيرة:
– هي اللي غلطت فيها من اللول ومرتي ردت عشان تاخد حجها منيها ومجالتش حاچة غلط، جالت أنها مرت عمران الچبالي لتكونوا نسيتوا.
انتهزت نعمة انشغاله بحديثه مع والدته، واقتربت منها هامسة بمكر كالأفعى متوعدة لها بغضب بعدما شعرت بهزيمتها الساحقة:
– مش نعمة الچبالي اللي عتسيب حجها، لازمن تخافي من دلوك وتفكري في اللي هيحصُل فيكيّ على يدّي.
حاولت السيطرة على ملامح وجهها لتظل جامدة حتى لا تشعر بتأثيرها، وطدفعتها ببرود لتبتعد عنها وردت عليها مغمغمة بسخرية لاذعة وروح التحدي طاغية عليها بشدة:
– وأني معخافش منيكي ومن أي حد واصل لساتك متعرفنيش زين، أني لحمي مُر.
دفعتها بقوة أكبر إلى الخلف مبتسمة وسارت واقفة بجانبه متشبثة بذراعه منتصرة ببرود تقابل جميع نظراتها الغاضبة بلا مبالاه، ابتسم على فعلتها واضعًا يده فوق يخصرها ليقربها منه مثلما كانت، وسار بها يسحبها متوجهًا إلى أعلى بابتسامة واسعة.
وقفت نعمة تتابع اختفاءها بأعين ملتمعة بالغضب ملتقطة أنفاسها بصعداء، والنيران تأهبت داخل عقلها تجعلها تفكر بطريقة غاضبة للانتقام منها وعودة حقها من جديد، ستدهس تلك الحية أسفل قدمها لتجعلها تفكر جيدًا قبل التحدث معها، مقررة أن تذيقها العذاب والألم لكن بخبث ماكرة حتى لا تُعاقب وتفقد مكانتها المرموقة لأجل واحدة مثلها… صدر عنها تنهيدة حارة حارقة ونظراتها لم توحي بالخير بل عقلها يفكر فيما ستفعله بـ عهد لتنتقم منها..
أغلق الباب خلفه محكمًا بقوة مما جعله يصدر صوت مرتفع جعلها تنتفض لكنها سرعان ما حاولت التحكم في ذاتها حتى لا تجعله يشعر بقلقها من نظراته متعجبة من تغير ملامحه المباغت، لكنها لم تهتم لمعرفة السبب كل يشغل عقلها مستحوذًا عليه بقوة هو ماذا يعني حديثه حول مساعدة حسن وخروجه، هل سيتراجع عن اتفاقه معها حركت رأسها نافية متراجعة عن تلك الفكرة وقلبها يهوى داخلها خوفًا شاعرة بعدم انتظام دقات قلبها المرتعش..
لكن قبل تتحدث معه لتفهم مغزى حديثه، وجدته يغمغم بجدية حادة وعينيه معلقة عليها برغبة شديدة تدفعه للاقتراب منها لكنه يحاول أن يسيطر على الأمر حتى لا ينكشف أمامها، ولا تستغل ذلك في فعل شئ ماكر:
– بعد إكده طول ما أني جاعد صوتك ميطلعش تكتمي خالص وتجفلي خشمك، راچلك واجف وأنتي خابرة زين أني جادر اچيبلك حجك لحد عنديكي.
تطلعت نحوه مندهشة بأعين متسعة محاولة تهدئة ذاتها وردت عليه ببرود:
– لو محدش اتحدت ويايا وجالي حاچة عِفشة هعمل إكده ليه! هما بيجللوا منيّ جدامك ورايدني متحدتش كيف يعني.
عاد حديثه عليها مرة أخرى بنبرة تزداد صرامة وغضب، وقد تشنج جسده أمامها واكفهرت ملامح وجهه بضيق:
– تحترمي وچود چوزك يا عهد أني هجدر عليهم كلياتهم ومحدش يجدر يجلل منيكي إنتي دلوك مرتي يبجى لازمن تعملي اللي عجوله.
أغمضت عينيها بقوة مأومأة برأسها أمامًا متطلعة نحوه بجدية، ووقفت قبالته مغمغمة بتحدٍ:
– وأنت ميتى عتعمل اللي اتفاجنا عليه وتخرچ حسن.
الشرر تطاير من عينيه وسار بغضب مقتربًا منها بطوله والغضب سيطر على عقله مجددًا فشعرت بالخوف من هيئته الغاضبة، سارت بخطواتها إلى الخلف مبتعدة عنه وقد انكمشت على ذاتها بقلق.
أسرع قابضًا فوق ذراعها بقوة جاذبًا إياها ليعيدها مكانها أمامه كما كانت فاصطدمت بصدره القوي متأوهة بين يديه بضعف، وأغمضت عينيها بقوة لم يهتم بكل ما حدث همس داخل أذنيها وبغضب مشددًا من ضغطه فوق ذراعها:
– سيرة حسن متچيش على لسانك واصل وإلا هجطعه بيدّي أنتي مرتي، يُبجى تفهمي إكده بلاش خربطة عجل.
رعشة قوية أصابت جسدها بين يديه نتيجة اقترابه فغمغمت بضعف لاهث وشفتيها ترتعش بتوتر ملحوظ يبدو بوضوح داخل عينيها:
– بـ… بس ده اتفاج بيناتنا وأني وافجت وعِملت اللي بدك مني، ناجص أنت تعمل انتي طلبته منيك ولا يُبـ…
ابتلع باقي حديثها بداخله بعدما انقض فوق شفتيها في قبلة عاشقة وقد انهارت جميع حصونه في السيطرة على ذاته أمام جمالها الخلاب وإنجذابه القوي نحوها، لا سبيل للعقل أمام نفوذ القلب العاشق لغرامها، أصفاد الغرام القوية تلتف حول روحه تسلب عقله وفؤاده.
وجدها تدفعه تلك المرة سريعًا إلى الخلف معلنة رفضها فبادر بابتعاده عنها وتركها معقبًا بحدة:
– سيرة حسن متچيش تاني كيف ما جولت، أني هعمل اللي اتفجنا عليه من غير حديتك.
ظلت تلتقط أنفاسها بصعداء، وقد تحول وجهها لهيئة أخرى يملأها الخجل واضعة يدها فوق موضع قلبها مخفضة عينيها أرضًا بتوتر ملحوظ متخذة الصمت طريقها لإنهاء ليلتها معه، وعقلها شارد فيما يحدث منذُ بداية زواجها منه إلى الآن، لا تعلم طبيعة شخصيته ولم تستطع تحديدها وهي ترى التناقض الكبير في طباعه وطريقة تعامله معها..
❈-❈-❈
وقف حمدي داخل مركز الشرطة التابع للنجع لزيارة حسن الجبالي كما طلبت منه زوجته وأصرت على ذلك، كان يقف ينتظر قدومه لمقابلته والإطمئنان على أحواله بعد مكوثه طوال الفترة الماضية في السجن لم يستطع أحد منهم الإطمئنان عليه.
بعدما مر عليه عدة دقائق وجده قد آتى لكنه في حالة سيئة ليس مثلما يعتاد عليه الجميع، آتى بملامح شاحبة وجسد هزيل سيطر عليه كما أن لحيته التي بدأت تنمو غيرت من ملامحه، احتضنه حمدي مغمغمًا بهدوء وهو يرمقه بنظرات مندهشة متعجب لحال ابن الجبالي المدلل:
– كيفك يا حسن طمني عنيك يا ولدي، ايه اللي عيحصُل إهنيه؟
وقف بملامح غاضبة والشرر يتطاير من عينيه صائحًا بضيق:
– كنك افتكرتني دلوك سايبني كل دِه من غير ما حد ياچي يتطمن عليّ، إيه اللي حصُل هخرچ ميتى من الوجعة المنيلة ديه.
أخفض بصره أرضًا بخجل لا يعلم بماذا يجيبه؟! كيف يخبره أن لا أحد يستطيع مساعدته والأمر يزداد سوء حمحم بتوتر ومحاولًا أن يجيبه بهدوء متعقلًا:
– بنحاول يا حسن عنعمل كل اللي نِجدره عليه، طول خُلجك اومال ومتفكرش في حاچة دلوك.
وضع يده فوق رأسه بغضب يفكر معه في وجود طريقة لخروجه من هنا بعدما علم بتخلي عمران عنه وأنه المتسبب الأول في إيذاءه، كور قبضة يده بقوة ضاربًا الحائط معقبًا بغضب والنيران تندلع من عقله الغاضب:
– والله ما ههمله اخرچ بس من إهنيه وهيعرف أن اجدر اجف جدامه، أني احسن منيه كُمان هبجى كبير النچع.
توقف عن التفكير المتوعد فيما سيفعله بـ عمران عندما تجمعت صورة رائعة لها داخل عقله المتلهف لرؤيتها بشغف كبير، فأسرع متسائلًا عنها بقلق:
– عهد كيفها هي زينة صُح مچاتش إهنيه غير مرة واحدة فاللول طمن جلبي عنيها.
أسرع حمدي هاربًا من نظراته متطلع نحو الجهة الأخرى بتوتر هاربًا من إجابته ومعرفته بفعلة تلك الحية، فعاد عليه السؤال بنبرة تزاد قلقًا:
– بجولك عهد كيفها زينة صُح؟
شعر بالقلق من صمته الذي طال فحاول الآخر أن يتهرب منه مغمغمًا بتوتر ونبرة متقطعة:
– عمران أخوك اتچوز كُمان.
لم يهتم لأمره ولا يريد أن يعلم شئ عنه، لكنه شعر بالغضب عندما علم بزواجه فهو مَن كان سيتزوج لكنه دمر سعادته بذلك الأمر، هتف بنبرة تزداد غاضبًا مضيق عينيه بضراوة متوعد لعمران فور خروجه سيجعل حياته تنقلب رأسًا على عقب:
– والله ما ههمله يدوج الفرح يوم واحد من وجت خروچي من إهنيه.
تابع بنبرة تزداد حزنًا ولازال يفكر بها ملتقطًا أنفاسه بصعداء:
– كان زماني دلوك متچوز من عهد حبيبتي لولا عملته بس هعوضها عن كل اللي حصُل.
شعر الآخر بالغضب وهو يراه يفكر بها وهي لم تهتم لأمره بل أسرعت تتمم زواجها من شقيقه دون الإلتفات لحبه الكبير لها، تلك المخادعة التي استطاعت أن تدّعي البراءة وهي في الحقيقة تفكر لأجل تحقيق مطامعها بزواجها من أكبر عائلة في النجع وتحقق الحلم المستحيل حتى تحظى بمكانة مرموقة ونفوذ عالية بين أهل النجع، صاح به بغضب غير واعٍ لما يقوله بعدما رآه غارق في أحلامه وأفكاره بها بدلًا من ذاته:
– كنك اتجنيت إياك فكّر في حِالك وسيبك منيها، عهد اللي عتفكر فيها، هي اللي اتچوزت عمران اخوك وهملتك من غير ما تفكر فيك عتفكر في حالها ومصلحتها وهي دلوك مصلحتها مع عمران وافجت عليه على طول، حديت الست فهيمة ونعمة مرتي عنيها كان صُح.
شعر بالصدمة حلت عليه وقد وقع عليه الخبر كالصاعقة، غير مصدق ما استمع إليه، كيف استطاعت فعلتها، هل بالفعل نست حبه لها، تخلت عنه عندما كان يحتاجها ويفكر بها فقط لأجل ذاتها، كيف استطاعت خداعه تلك الفترة وجعلته يهواها، في النهاية كانت كاذبة في جميع مشاعرها نحوه وتعيشها مع شقيقه، شعر بقبضة حادة قوية تعتصر قلبه الذي اخطأ وأحب فتاة مثلها..
حاول السيطرة على ذاته ولا زال يقف شاعرًا بعدم التصديق كذب ما استمع إليه بضراوة متمسك بحبه الكبير الذي كان متغلغل في قلبها الأسير لها:
– لاه عهد معتعملش إكده امّا اللي جالتلك تجول إكده عشان اهملها صُح؟
صدر عنه تنهيدة حارة ولا يعلم كيف يخبره لكنه أسرع يحضر صورة تجمع عمران شقيقه بـ عهد في حفل زفافهما معقبًا بنبرة متوترة:
– أهي في الليلة اللي عملها أخوك، أنت لازمن تخرچها من حساباتك وتركز دلوك في طريجة نخرچك بيها من إهنيه جبل ما المصيبة تجع على الكل.
أومأ برأسه أمامًا بذهن شارد ولازال الصدمة مسيطرة على خلايا عقله بقوة كادت الفتك بروحه، إلى الآن لم يصدق كيف فعلتها؟! كان يثق بها إلي حد كبير أعطاها قلبه لتعيش بداخل مملكته العاشقة الخاصة بها، كانت ملكة متوجة بداخله جميع طلباتها حاضرة ما أن تفكر بها، وفي النهاية ألقت كل ذلك خلفها دون الإلتفات إليه وأصبحت زوجة لشقيقه بدلًا منه متناسية حبه الكبير لها..
هو مَن أخطأ باختياره وعليه تحمل النتيجة، لكن كيف ابدعت في إظهار البراءة وجعلته متيم بها كان على استعداد لخسارة جميع عائلته فقط لأجلها، ولأجل إتمام زيجته بها، كان يفكر بها وهو في ذلك الوضع متلهف للخروج مسرعًا لأجل رؤيتها، هي لم تهتم لكل ذلك واستطاعت نسيانه وتبديل جميع مشاعرها دون التفكير به وبمشاعره، إلى الآن لا يصدق ما استمع إليه لكنها الحقيقة ومن الواجب تصديقها حتى إن كان تؤلمه وتدمر قلبه المخطئ في اختياره..
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران نجع الهوى)