رواية قلوب حائرة الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الثاني والخمسون
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني والخمسون
رواية قلوب حائرة الحلقة الثانية والخمسون
🦋 الفصل الحادي عشر 🦋
تحركت أيسل وخرجت من باب الجامعة،رأها إيهاب الذى كان مثبتاً بصرهِ على البوابة،فتح باب السيارة وترجل منهُ وهرول إليها مسرعاً ثم أردف متسائلاً بتعجُب:
-حضرتك خرجتي بدري ليه يا دكتورة؟
واكمل برِيبَة:
-مش قولتي إنك هاتقعدي كمان ساعة في المكتبة علشان محتاجة تَطَلعِي علي مَرجع مُهم؟
نظرت لهُ بضيق وتحدثت بنبرة حادّة تنمُ عن مّدي وصولها إلي المنتهي في غضـ.ـبها:
-فيه إيه يا إيهاب،هو إنتَ بتحقق معايا ولا حاجة؟!
تحمحم إيهاب بحرجٍ من إسلوبها المستفِزٌّ وتحدث بإعتذار بطريقة رسمية:
-أنا آسف يا دكتورة،أنا ماقصدتش أبداً من كلامي إني أضايقك أو أتدخل في شؤنك الخاصة
واسترسل بإعتراض هادئ:
-لكن إسمحي لى أوضح لك،سؤالي لحضرتك ده من صميم شُغلي
واستطرد شارحاً:
-حضرتك إتصلتي بيا من حوالي تِلتْ ساعة وبلغتيني إنك هاتتأخري ساعة ونص علشان هاترُوحِي المكتبة تَطَلعِي علي مَرجع مهم،وأنا بناءاً عليه قعدت في العربية أنا والرجالة وبعِدنا عن مدخل البوابة
وأكمل بتذكُر:
-وزي ما حضرتك عارفة أوامر ياسين باشا اللى بتجبـ.ـرك بإنك لازم تبلغينا قبل ما تخرجي من البوابة علشان نأمن خروجك كويس
سَارت بجانبه متجهةً في طريقها إلي السيارة ثم أردفت بإعتذارٍ هادئ بعد أن رأت بوادر اِسْتِياء إرتسمت فوق ملامح وجههِ الجادة:
-خلاص بقى يا إيهاب ماتزعلش،أنا عارفة إني غلطت وإني كان لازم أبلغك إني كنسلت حوار المكتبة
واسترسلت وهي ترفع كتـ.ـفاها بتهاون:
-بس حقيقى نسيت.
سبقها بخطوة وفتح لها الباب الخلفي الخاص بالسيارة وتحدث وهو يُشير إليها بالصعود:
-حصل خير يا دكتورة
توقفت عن الحركة ونظرت إليه وتحدثت بإلتماس:
-إيهاب،ممكن ماتقولش لبابى
نظر إليها بإستغراب فتحدثت وهي تُميل برأسها إليه في نظرات تستدعي بها تعاطفهُ: please
ضيق عيناه وهو ينظر إليها بشك وتسائل مُستفسراً:
-هو فيه حاجة حصلت جوة أنا ما اعرفهاش يا دكتورة؟
هزت رأسها سريعاً وتحدثت نافية:
-لا طبعاً يا إيهاب،هايكون حصل إيه يعني.
واسترسلت بنبرة زائفة:
-كُل الحكاية إن في الفترة الآخيرة حصل لي مشاكل كتير،وبابي إضطر يسيب شغله وييجي علشان يقف معايا فيها،وده طبعاً أثر علي كفاءة شغله المُعتاد عليها
واستطردت بتأثر زائف:
-مش حابة إنك تحكي له الموقف وينشغل باله وممكن كمان تلاقيه هنا بكرة،ما أنتَ عارف يا إيهاب بابي بيحبني وبيخاف عليا إزاي
وأكملت لإقناعه:
-وبعدين ماحصلش حاجة أصلاً علشان تحكيها له
تنهد إيهاب وهو ينظر إليها بتَرَدُّد،عادت هي تتوسلهُ بعيناها،حرك عيناه بموافقة إجبـ.ـارية تحت إستعطافها له وتحدث:
-مع إن ده بيتعارض مع طبيعة شُغلى،لكن موافق علشان خاطرك
واسترسل وهو يُنبهها بتذكير:
-بس يكون فى معلومك يا دكتورة،دى أول وآخر مرة هخبى فيها حاجة عن سيادة العَميد
قال كلماته ثم أشار لها بالدخول،إبتسمت له بشكر وامتنان وأستقلت السيارة وجلس هو بالمقعد المجاور للسائق الذي إنطلق سريعاً حتي وصل بها إلي المنزل
بعد قليل توقفت السيارة داخل حديقة المنزل وترجل منها إيهاب تلتهُ أيسل التى تحركت وسارت متجهةً إلي الداخل،وجدت والدتها تجلس أمام شاشة التلفاز تُشاهد بإهتمام وتركيز بالغ أحد البرامج الطبية الألمانية التي تستضيف طبيب تجميل يتحدث عن أخر صيحات عمليات التجميل
نظرت أيسل عليها وزفرت بضيق بعدما وجدتها تضع كُل تركيزها فى حديث ذاك الطبيب حتى أنها لم تشعر بقُدُمها من الأساس
ألقت بجـ.ـسدها بإهمال فوق الأريكة لتجاور بجلوسها تلك الغائبة عن الواقع،نظرت إليها ليالي وتحدثت مستفسرة:
-إنتِ جيتي يا سيلا؟
إبتسمت الفتاة بجانب فمها بمرارة وأجابتها ساخرة:
-لا لسة يا مامي
عاودت ليالي مرة آُخري ناظرة إلي الشاشة وهي تُشاهد بمنتهي التركيز متغاضية عن تهكُم صغيرتها عليها،أمسكت هاتفها ودونت به رقم هواتف المركز الظاهرة أسفل الشاشة،ثم تحدثت إلي إبنتها بنبرة حماسية:
-المركز ده هايل،هاتصل بيهم وأحجز علشان أروح أظبط نفسي عندهم قبـ.ـل أجازة العيد،لازم أظهر قدام الكُل بشكل غير اللي شافوني بيه آخر مرة
واسترسلت بانتشاء:
-هاخلي كل اللي يشوفني يتأكد إني رجعت عشر سنين لورا
واسترسلت بإبتهاج وإعجابٍ شديد وهي تنظر بتدقيق للفيديو المعروض على الشاشة:
-شايفة يا سيلا غيروا إزاي شكل الشِـ.ـفة وخلوها جذابة؟
أمـ.ـسكت الفتاة بجِهَازُ التَّحَكُم عَنْ بُعْد ( الريموت كنترول) وقامت بغلق الشاشة بعدما طَفَحَ بها الكَيْلُ وشعرت بالإختناق من تصرفات تلك اللامبالية سوي بحالها ولا تَكْتَرِثْ بغير ما يهمها وفقط،حولت ليالي بصرها سريعاً وتحدثت بنبرة حادة معاتبة صغيرتها:
-إيه قلة الذوق اللي إنتِ فيها دي يا سيلا !
زفرت الفتاة وظهر علي وجهها الإستياء وهتفت بنبرة غاضـ.ـبة:
-ممكن تسمعيني شوية،أنا في مشكلة ومحتاجة أتكلم معاكي.
إنتفض داخل ليالي رُعباً من هيئة صغيرتها المستاءة وتحدثت متلهفة خشيةً من أن يكون أصابها مكروهً وهلعاً أيضاً من ذاك الياسين:
-مشكلة إيه يا سيلا،إتكلمي؟
تنهدت الفتاة بثُقل وأردفت قائلة بنبرة تحمل الكثير من الهموم:
-أنا عملت مُشكلة النهاردة مع اللي إسمه نوَّاف والموضوع وصل لأمن الجامعة
شهقة عالية خرجت من ليالي مع إتساع حدقة عيناها مما يُوحي إلي إنزعـ.ـاجها بشدة وهتفت بإرتياب:
-إنتِ بتقولي إيه يا سيلا؟
زفرة الفتاة بقوة وبدأت تروي علي مسامع والدتها ما بدر من ذاك المستفز وأوصلها إلي قمة إستفزازها منه وأجبـ.ـرها علي الرَد عليه ومبادلتهُ التهديد واللعـ.ـن
هتفت ليالي مُعـ.ـنفةً لصغيرتها:
-ليه عملتي كدة،مش بابا قال لك تتجنبي الولد ده خالص وما تديلوش أي فرصة في إنه يفتح معاكي كلام؟
تذمرت الصغيرة ودبت بساقيها علي الأرض في حركة تدل علي مّدي غضـ.ـبها وهتفت بإنزعاج:
-هو اللي وصلني لكدة يا مامي،ما قدرتش أمـ.ـسك لساني قدام إستفزازه ليا وغروره وهو بيكلمني
ونظرت إليها بعيناي حائرة وتسائلت بتَلَجْلُج:
-مامي،تفتكري لو بابي عرف ممكن يزعل مني ويعنـ.ـفني؟
هتفت ليالي بإرتياع ظهر علي ملامح وجهها:
-بابي مش لازم يعرف أبداً بالموضوع ده،وكويس أوي إنك طلبتي من إيهاب إنه ما يبلغهوش بإنك خرجتي بدري من الجامعة
تحدثت الصغيرة بإِبَانَة:
-بس أنا خايفة لبابي يعرف اللي حصل بطريقته،أنا لما طلبت من إيهاب إنه ما يبلغش بابي علي إني خرجت قبل ميعادي ومن غير ما أبلغه إني خارجة علشان التأمين الشخصي،كان كُل قصدي إني أدي لنفسي فرصة أفكر فيها وأرتب كلامي وأعذاري اللي هقولها له،مش إني فعلاً أخبي عليه
تأففت ليالي وتحدثت بمنتهي السطحية والأنانـ.ـية:
-إسمعي الكلام اللى بقولهُ لك يا سيلا،بابي لو عرف هايخرب الدُنيا علي دماغي وأنا الوحيدة اللي هاتإذي من ورا الموضوع ده كله
واسترسلت شارحة:
-إنتِ دلوعته اللي ما بيحبش يشوف دموعها ولا بيهون عليه زعلها
وأستطردت بأنانـ.ـية وحَمـ.ـاقَة:
-وأكيد زي عوايده هايدفعني أنا تمن الفاتورة،وطبعاً كالعادة هايعاقبني ويمنعني إني أروح مركز التجميل علشان أظبط نفسي قـ.ـبل ما أنزل مصر
وأكملت:
-يعني من الآخر كدة ياسين هايشيلنى أنا حساب الليلة دى كلها
كانت الفتاة تنظر إلى والدتها بإستغراب وداخلها يتسائل بتعجُب شديد…كيف لياسين المغربي رجُل المخابـ.ـرات والمؤامـ.ـرات والذي يمتلك عقلاً داهياً وشديد الذكاء بأن يكون لهُ زو جة بتلك السذاجة والفراغ الداخلي؟!
الآن وفقط تأكدت من أن والدها كان معهُ كُل الحق في بحثه عن زو جة آخري لتلبية إحتياجـ.ـاتهُ الفكرية والرَوحية علي الأقل
تنهدت ثم هبت واقفة وتحدثت وهي تصعد الدَرج بتراخي:
-أنا طالعة أوضتي أغير هدومي وانام علي ما المغرب يأذن
واسترسلت:
-ومن فضلك خلي هيلين تعمل لي just food (شوربة كريمة)
أومات لها ليالي بموافقة وأمـ.ـسكت بيـ.ـدها جهاز التحكم من جديد وأشعـ.ـلت شاشة التلفاز وجلست تُشاهد تكملة البرنامج وكأن شيئاً لم يكُن
❈-❈-❈
كانت تجلس فوق مقعداً موضوعاً أمام الباب المؤدى إلى الحديقة الخَلفية،تستند بكف يـ.ـدها على وجنتها،تنظر شاردة للأمام فى اللاشئ بملامح وجه أصبح الحُزنُ لا يُفارقُها بفتراتها الآخيرة
أما هو،فكان ينزل الدرج حيثُ فاق للتو من غفوة قيلولتهْ،كان يُمشط المكان بعيناه باحثاً عنها وبالأخير إهتدى لمكانها،سار بخطوات هادئة إلى أن وصل لجلوسها وتحدث مُبتسماً:
-قاعدة لوحدك كدة ليه يا نرمين؟
لم تنظر إليه،فقط إكتفت بإخراجها لتنهيدة حَـ.ـارة من داخل أعماق صـ.ـدرها،سحب مقعداً وجاورها الجلوس وتسائل من جديد:
-مالك يا نرمين؟
أنا ملاحظ فى الفترة الآخيرة إنك دايماً قاعدة هنا لوحدك وسرحانة،ده أنتِ حتى ما بقتيش بتروحى الڤيلا تجهزى معاهم الفطار زى عادتك
حولت بصرها إليه وتحدثت بنبرة صوت يملؤها الإحباط:
-كويس إنك أخدت بالك من حاجة تخصنى يا سراج
ضيق عيناه بإستغراب وسألها مستفسراً:
-فيه إيه يا نرمين،إنتِ ليكِ مُدة متغيرة معايا ليه؟
ليكِ فترة يا إما قاعدة هنا لوحدك،يا عند يُسرا أو مامتك وبتتجنبي القُعاد معايا
إعتدلت بجلستها وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة فتحدثت بصياحٍ عالى وإنفـ.ـجار:
-إنتَ إمتى كُنت موجود علشان أقعد معاك؟
واسترسلت بنبرات معترضة:
-ده أنتَ بتقوم من النوم على شُغلك،ترجع منه تتغدى وتدخل تنام وبعدها تقوم تشرب قهوتك وتروح تقعد مع عمى عز وعمي عبدالرحمن لحد بعد المغرب،وبعدها ترجع هِنا علشان تتعشي وتروح عند ماما تشرب معاها القهوة وتكمل سهرتك
واستطردت بنظرات غاضـ.ـبة:
-وبعد ما تشرب قهوتك ترجع لى علشان تنام بدري وتصحى فايق لشُغلك،وكأن البيت بقى عبارة عن لوكاندة لأكل ونوم وخدمة سيادتك!
كان يستمع إليها بعيناي مُتسعة مُتعجباً لنوبة الغـ.ـضب الشديدة التي إنتابتها وتملكت منها،تحدث بإسلوبٍ لبق ووتيرة صوت هادئة كي يمتـ.ـصّ غضـ.ـبها:
-إنتِ شكلك واخدة على خاطرك منى قوى،هو أنا للدرجة دى مزعلك يا نرمين؟!
إغرورقت عيناها وتلألأت بداخلها حبات الدموع وتحدثت بهدوء نتيجة تهذيبهُ العالى:
-المُصيبة إنك حتى مش عارف إذا كُنت مزعلني ولا لا يا سراج
واسترسلت بدموعها التي تُقطّع نياط القلب:
-ده إنتَ لا شايفنى قدامك ولا حتي حاسس بوجودى
بسؤال خرج مُتألـ.ـماً من داخل قلبها أردفت بعيناى حزينة:
-تقدر تقول لى أنا إيه بالنسبة لك يا سراج؟!
مـ.ـراتى وحبيبتي وأم إبني…جُملة حنون نطق بها ذاك المُهذب
وأسترسل موضحاً:
-أنا حبيت أهلك وأعتبرتهم أهلي وعيلتي التانية من شدة حبي ليكى يا نرمين،يمكن أكون مابعرفش أعبر عن اللي جوايا بشكل كويس،لكن والله بحبك
واسترسل شارحاً لها شخصيته:
-أنا راجل عادي جداً،بتعب في شُغلي وعاوز أرجع بيتي أرتاح مع مـ.ـراتى وأولادى،مش عاوز من الدُنيا غير إنى أعيش فى هدوء ومن غير مشاكل،ويمكن دي أكتر حاجة شدتني لعيلتك وخلتني أحب صُحبتهم،عمك عز وعبدالرحمن ووالدتك بيوصلونى للسلام النفسي اللي عيشت طول عمري بدور عليه
سألته بإستفسار مُتعجب:
-طب وأنا يا سراج،حياتنا مع بعض وسعادتنا فين من حساباتك وسلامك الداخلى اللي مبسوط إنك أخيراً لقيته؟
واسترسلت بإعتراض:
-إحنا لا بنخرج مع بعض ولا لينا أى حياة بعيد عن تجمعات العيلة
تحدث بإبتسامة رضا:
-طب وهو فيه أحسن من لمة العيلة يا نرمين؟
صاحت بنبرة عالية بعدما وصلت لذروة غضـ.ـبها من ذاك المستفز:
-فيه يا سراج،فيه إن يبقي لنا حياة بعيد عن الروتين اللي خنـ.ـقني وطَبقْ على نفَسِيْ لما قرب يطلع روحي معاه
واستطردت بنبرة ساخـ.ـطة:
-بص كدة بعيونك علي حياة ياسين إبن عمى،ما هو شغال ومنصبه أعلى منك ومشغول وعنده إلتزامات أكتر منك، ومع ذلك مش مقصر مع مليكة فى اي حاجة،كل مُدة بيحدد لها يوم بيخرجها فيه ويعشيها ويباتوا كمان فى الأوتيل،بيحاول يسعدها بأى طريقة
وسألته بعيناى حادة:
-ليه ماتبقاش زيه؟
أجابها بنبرة جادة بعدما رأى عدم قناعتها وسخـ.ـطها عليه وعلى حياتها معهْ:
-علشان تكوين شخصيتي وإحتياجاتي من الدُنيا ونظرتي ليها مُختلفة عن نظرة ياسين
واسترسل بنبرة صارمة:
-أنا مش مطلوب مني أبص لحد وأحاول أكون شبههُ وأقلده علشان أعجب مِـ.ـراتى،هو ده أنا وهى دي شخصيتي اللي إتجـ.ـوزتك بيها واللي ظهرتها لك من أول يوم عرفتك فيه
ثم وقف بحدة وتحدث بنبرة حازمة:
-أظن إن المشكلة عندك إنتِ،وحلها يكمُن فى كلمة الرضا
قال كلماتهُ وتحرك إلي الحديقة بملامح وجه عابـ.ـسة،أمـ.ـسك خُرطوم المياة وبدأ بري الحشـ.ـائش والأشجار والزهور
أخرجت تنهيدة حارة وهي تنظر إليه وتهز رأسها بلا أمل وعدم رضا
❈-❈-❈
بمنزل سالم عُثمان
تقف أمام الموقد مُمسكة بالملعقة الخشبيه تُقلب بها الحَساء داخل القدِر الموضوع فوق النـ.ـار،تجاورها الوقوف نُهي التي سألتها بإستفسار هادئ:
-أخبارك إيه مع سيادة العميد يا مليكة؟
أجابتها بإبتسامة سَاكنة:
-الحمدلله يا نُهى،بخير
لكـ.ـزتها نُهي في ذراعها بخفة وتساءلت بإبتسامة مرحة:
-لسة بتحبوا بعض بجنون زي أول ما أتجوزتم ولا شُعـ.ـلة الإشتياق اللي كانت بينكم هديت شوية
تبسمت مليكة بخفوت في حين هتفت علياء بنبرة حماسية موجهةً حديثها إلي نُهي:
-شُـ.ـعلة مين دي اللي هِديت يا بنتي،دي إسكندرية كُلها مابقاش ليها سِيرة غير عِشق سيادة العميد ياسين المغربي لمراته التانية
وأكملت شارحة:
-الباشا أصله مقضيها من ملوكة ومش راحم نفسه من عيون الناس،ده أنا في مرة كُنت بتعشي أنا وشريف في مطعَم وشوفناهم هناك بالصُدفة،كان بيرقص بيها علي أنغام كلمات لماجدة الرومي
توقفت عن الحديث لبرهة،ثم أخدت نفساً عميقاً وهمهمت بصوتها بهيام مغمضة العيناى:
-أمممم،صدقيني يا نُهي اللي كان يشوفه وهو بيبص لها وهياكُـ.ـلها بعيونه ومحاوط وسـ.ـطها زي ما تكون أغلي جواهرة،يقول إنهم إتنين في شهر العسل ومتجوزين بعد قصة حب أفلاطونية كمان
واسترسلت بحماس:
-ده غير إن الباشا مخصص لها يوم من كُل شهر بياخدها فيه علي الأوتيل ويقضوا فيه اليوم من أوله ويباتوا فيه كمان
إتسعت عيناي نُهي بإنبهار وتساءلت بإندهاش:
-ده بجد يا مليكة؟
إنتوا فعلاً بتعملوا كده؟
أجابتها مليكة بنبرة هادئة وإبتسامة إمرأة عاشقة:
-ياسين بيحاول على قد ما يقدر يجدد في حياتنا ويغير من الروتين علشان يكـ.ـسر الملل الزو جي
سألتها نهى بإستغراب:
-طب والأولاد فين من ده كُله؟!
أجابتها تلك العالية بفخرٍ بعمتها الحنون:
-الولاد بيفضلوا مع عمتي طبعاً،عمتي ثُريا دي مافيش في حنيتها وعقلها
أكدت نُهي علي حديثها وأردفت قائلة بثناء:
-معاكي حق يا عالية،السِت دي أثبتت فعلاً إنها قوية وجميلة من جواها،واحدة غيرها بعد اللي حصل لإبنها كانت لا يُمكن تسمح لمراته تعيش حياتها مع جـ.ـوزها الجديد بالأريحية دي، ده مش بس كدة،دي كمان بتساعدهم وتهئ لهم الجو في إنهم يخلقوا فُرص يختلوا بيها بنفسهم ويجددوا من حياتهم
تنفست مليكة براحة وحمدت الله في سريرتِها علي رزقهِ إياها بذاك العاشق التي باتت تتنفسُ عشقهْ وبدونهُ تشعُـ.ـر بغُربة روحها،وعلى تلك الحما جميلة الخُلق والطباعِ
أخرجها من شرودها إستماعِها لصُدَاح جرس الباب، إنتفـ.ـض قلبها وبات يدُق بوتيرة عالية وحينها تيقنت أن الطارق ما هو إلا متيم روحِها،وتأكد ظنِها عِندما وصل لأذنيها صياح أنس وهو يُهلل بسعادة ظهرت بصوتهِ ويُناديهْ بأبي
تنفست بسعادة وباتت تُحرك الحَساء بحماس،ثم تحركت إلي موقد الخَبز وفتحت بابه وأخرجت منه أحد الصَوَانِي التي تحتوي علي صنفاً من الطعام اللذيذ والمُفضل لدي زو جها ولذا فقد صنعتهُ خصيصاً لهْ بكل الحُب والإهتمام
❈-❈-❈
بالخارج
وصل حمزة بصُحبة ياسين وتم الترحاب بهما بحرارة من قِـ.ـبل الجميع،جلس الفتى بصُحبة فتِيان المنزل،أما ياسين فجاور سَالم وسَيف الجلوس بأحد الأرائِكْ وجلس يُشاهد معهم برنامج حديث الروح لفضيلة الشيخ الجليل مُحمد متولي الشعراوي،
نظر علي صغيرهُ الجالس فوق الأرضية مُنشغل باللهو مع أنس وابناء المنزل الصِغار
لاحظ بجانب عينه نظرات صغيره الخاطــ.ـفة وهو يستـ.ـرق النظر إليه،نظر عليه فسحب ذاك اللئيم بصرهِ سريعاً وتظاهر بإنشغاله بألعابه.من جديد،إبتسم علي صغيرهُ الذي ورث عنه الدهاء والذكاء والكرامة،كانت هُناك من تراقب نظرات الصغير وأبيه، إنها سُهير التي تحدثت إليه متسائلة:
-ما سلمتش علي بابي ليه يا عزو؟
نظر عليها الصغير وتحدث بغيـ.ـظٍ طفولي:
-عزو مش بيكلمه أصلاً وكمان مخاصمه
قهقه ياسين وكُلً من سَيف وشريف وسالم الذي سأل الصغير بدُعـ.ـابة:
-وياتري عزو باشا مخاصـ.ـم سيادة العميد ليه؟
هتف أنس متطوعاً بالرد كعادتهْ:
-هقول لك أنا يا جدو،عزو زعلان لأن بابي زعق له علشان رفض يرجع ورا معانا وما يضايقش أختي اللي في بطن مامي
أشار ياسين إلي الصّبي وأردف بنبرة حنون:
-تعالي يا حبيبي
نظر الصّغير له ومَط شـ.ـفتاه بحركة طفولية وهز رأسهُ برفضٍ قاطع،إبتسم ياسين واستقام واقفاً وتحرك إليه وقام بحمله وسار إلي الأريكة وجلس مُجدداً ثم قام بتقـ.ـبيلهُ وتحدث متأسفً بنبرة حنون:
-أنا أسف،ماتزعلش مني أنا كُنت متضايق شوية لما زعلتك
نظر الصغير وأردف متسائلاً بإبتـ.ـزاز عاطفي:
-يعني مش هتزعل عزو تاني؟
هز رأسهُ وتحدث بتأكيد:
-أكيد مش هزعله،حد يزعل حبيبه منه؟
إبتهجَ داخل الصغير الذي عبر عن بالغ سعادته بلف ذراعيه الصغيران حول عُنـ.ـقْ والدهُ وقام بتقـ.ـبيل وجنتهْ بحماس وتحدث:
-عزو بيحبك قوى يا بابى
تنفس ياسين براحة وتحدث إلى صغيرهُ إبن غاليته:
-وبابى بيحبك قوى يا حبيبي
تنهد بقلبٍ مهموم بفضل ما أصابهُ من تلك التى غـ.ـرزت بخِنـ.ـجرها المـ.ـسموم عُمق صَـ.ـدره بحديثها،تنفس عالياً فى محاولة منه لإخراج حالهِ من حالة الغليـ.ـان تلك،ثم عاود بنظره إلي شاشة التلفاز ليتابع مشاهدة تفسير الشيخ لبعض أيات القرءان الكريم
إنهت مليكة ما كانت تتابعهُ بالمطبخ وخرجت سريعاً بقلبٍ مُتلهـ.ـفاً لتُشبع عيناها من رؤية وجه حبيبها الغاضـ.ـب،نظرت عليه وتحدثت بنبرة تقطرُ عِشقاً وإشتياقاً:
-حمدالله علي السلامة يا ياسين
أجابها بإقتضاب دون إحالة بصره إليها:
-الله يسلمك.
شعرت بالخجل عندما نظرت إليها والدتها وهي تتنهد بإشفاق، تحدثت سُهير إلي صغيرتها كي تُخرجها من حالة الحُزن التي أصابتها:
-يلا يا مليكة جهزوا السُفرة وطلعوا السلطات والعصاير،المغرب خلاص قرب
هزت رأسها بإيجاب وانسحبت عائدة إلي المطبخ من جديد وبدأت بتجهيز المائدة هي وزو جتي شقيقاها
تحدث سالم إلي ياسين بترحاب:
-منورنا إنتَ وحمزة يا سيادة العميد
أجابهُ بإحترام:
-ده نور حضرتك يا سالم بيه.
بعد قليل،إلتف الحضور حول مائدة الطعام التي إحتوت علي العديد من الأكلات المتنوعة والمحببة لدي الجميع،وبدأوا بتناول طعام إفطارهم بتلذُذ وشهية عالية عَدا ذاك الثُنائي
كانت تجلس بالمقعد المجاور لهْ،أمـ.ـسكت قطعة من اللَحـ.ـم المُتبل والمُعد علي الطريقة المُحببة لدي حبيبها والتي صنعتهْ خصيصاً لأجلهِ،كادت أن تضعها بصَحنهِ وهي تقول:
-عملت لك البوفتيك في الصَينية زي ما بتحبه
بملامح وجه حاول جاهداً برسم الهدوء فوقها كى لا يظهر كلاهُما بمظهر غير لائق أمام الجميع،أشار بكف يـ.ـده رافضاً الطعام وأردف بنبرة خرجت إلى حدٍ ما هادئة:
-تسلم إيـ.ـدك مش عاوز،أنا أكلت فراخ خلاص
إبتلعت لُعابها من شدة خجلها الذي أصابها جراء رفضه لتقبُـ.ـل الطعام من يـ.ـدها،وبرغم محاولاتهُ المُستميتة بعدم ظهور أية بوادر لتشاحنُهما إلا أن الجميع لاحظوا تغيُر ذاك العاشق مع زو جته التى إعتادوا على رؤيتهم لتدلـ.ـيلهُ لها أمام الجميع،تحمحمت وسحبت يـ.ـدها وأعادت قطعة اللحم إلي حيثُ كانت،وبدأت تتناول طعامها وتمضغهُ وتبتلعهُ بمـ.ـرارة
تناولت سُهير الطعام ووضعته بصَحن حمزة وتحدثت بنبرة حنون:
-كُل يا حمزة
شكرها الفتى قائلاً بنبرة مُهذبة:
-تسلم إيـ.ـد حضرتك يا تيتا،الأكل حلو قوي
ردت عليه بنبرة رحيمة:
-بألف هنا علي قلبك يا حبيبي.
شَـ.ـعر ياسين بإنتباه البعض لتغيرهُ الواضح مع زو جته فأراد أن يُغير تلك الأجواء فأختلق بعض الأحاديث المُشتركة واندمج معه الجميع عَدا تلك التي تشعُـ.ـر بالخِزي والألـ.ـم
وجه لهُ سالم حديثهُ قائلاً:
-ياريت يا سيادة العميد تجيب مليكة والأولاد وتفطروا معانا بُكرة في عزومة الباشمهندس حسن وعيلته
أجابهُ ياسين بإحترام:
-معلش يا سالم بيه،إعفينا إحنا من العزومة دي وخليها بينكم وبين عمي حسن
واسترسل بإبتسامة مجاملة:
-وبعدين ما إحنا معاكم النهاردة أهو
إنتهي الجميع من تناولهم للإفطار وأنتقلوا إلي الردهة وجلسوا يتناولون مشروب الشاي تحدثت نُهي إلي ياسين:
-مش ناوي تشرفنا إنتَ ومليكة والأولاد وتقضوا معانا إسبوع في لندن يا سيادة العميد؟
أجابها بإحترام:
-إن شآء الله يا مدام نُهي،ربنا يسهل
تحدثت سُهير إلي علياء التي تعتبرُها إبنتها التى أنعم بها الله عليها ورزقها إياها:
-هاتي لي”السبرتاية”وعِدة القهوة يا عالية علشان أعمل لسيادة العميد قهوته.
نظر عليها وإبتسم شاكراً وتابع إحتساءه لمشروب الشاي تحت مراقبته لنظرات مليكة الحزينة
أحضرت علياء ما طلبته منها والدة زو جها وتحدثت بنبرة لينة:
-إتفضلي يا ماما
صنعت سُهير القهوة للجميع بحرفية ومذاقاً مميز،وناولت إلي ياسين قدحهُ،وتحدثت علياء وهي تُبسط له ذراعها وتُقدم لهُ صَحناً من الحلوي قائلة:
-إتفضل بقى كُل حتة الكُنافة بالنوتيلا والمكسرات دي مع القهوة
واستطردت بإنتشاء حماسي وهى تنظر على تلك الجالسة بجانب والدها:
-دي من صُنع إيـ.ـدين مليكة
أشار لها بيـ.ـده وتحدث بإعتذار هادئ:
-متشكر يا عالية،أنا مباخدش أي حاجة حلوة مع القهوة.
واسترسل وهو ينظر إلي سُهير قائلاً بإمتداح:
-بحب أستمتع بطعمها وخصوصاً قهوة ماما.
إبتسمت لهُ سُهير وتحدثت بعيناي شاكرة:
-بألف هنا علي قلبك يا حبيبي
وجه سالم حديثهُ إلي ياسين بمشاكسة:
-يا بخت اللي حماته راضية عنه يا سيدي
إبتسم لهُ ياسين وتحدث بثناء:
-هو فيه في حنية ولا ذوق حماتي،ربنا يخليها لي
إبتسمت سُهير وشكرته قائلة:
-تسلم وتعيش يا أبن الأصول
تحدث سيف إلي شقيقتهُ الجالسة تتابع ما يحدث بصمتٍ تام:
-عملتي سُونار للبيبي وعرفتي نوعه يا مليكة؟
أجابته بنبرة حنون:
– أه يا حبيبي،مِـ.ـسك إن شاء الله
نطق شريف قائلاً بإنبهار:
-واااو،مِـ.ـسك،ده إيه الإسم الجامد أوي ده،ده أكيد ذوقك إنتِ يا مليكة؟
تنهدت ثم نظرت لذاك الذي يعرض عن النظر إليها ويتحاشاه وتحدثت بنبرة بها فخر واعتزاز:
-لا يا شريف،ده إختيار ياسين
نظر شريف إليه لمتابعة رد فعله علي ثناء شقيقتهُ عليه وأغتاظ بشدة حينما وجدهُ يتجاهل حديثها وكأن وجودها والعَدم أصبحَ سواء،هتفت نُهي بإعجاب:
-حلو قوي الإسم يا سيادة العميد
متشكر يا مدام نُهي… جُملة نطقها ياسين وهو ينظر إلي نهي بإحترام
بدأ يرتشف قهوته ولكن لم يتلـ.ـذذ بطعمها لسببين،أولهما أنه حينما يتشاحن مع حبيبته يُصبح كل شئ بلا طعمْ،أي بلا حياة،
والسبب الآخر وأهمهما أنهُ ما عاد يتذوق شيئاً من صُنع يـ.ـداي غيرها وبالأخص قهوتهُ
مّر الوقت بصعوبة وتخطت الساعة من التاسعة مساءً،وقف ياسين منتصـ.ـب الظـ.ـهر وتحدث إلي الجميع قائلاً بإستئذان:
-أستأذن أنا،وكل سنة وإنتم طيبين
ثم نظر إلي سُهير وتحدث بإحترام:
-تسلم إيدك يا ماما علي كُل حاجة وعقبال كل سنة إن شاء الله
أجابته بإستغراب:
-بألف هنا يا ياسين،بس مستعجل ليه يا أبني،ما لسه بدري
وقف سالم وتحدث إليه بتعجُب:
– رايح فين يا سيادة العميد بدري كدة؟!
أجابهُ مُعللاً:
-معلش يا سالم بيه،أصلي مرتبط بميعاد ضروري ولازم أتحرك حالاً
وتحدث إلى نجله المشغول بالحديث مع أقرانه ليحثهُ على التحرُك:
-يلا بينا يا حمزة
وقف الفتى إستعداداً للذهاب بصُحبة والده،فى حين تسائل مروان بتعجُب:
-هو إحنا مش هنروح مع حضرتك يا عمو؟
حول ياسين بصره إليه وتحدث بنبرة حنون:
-لا يا حبيبي،إنتوا هتباتوا النهاردة مع تيتا وخالو سيف وأولاده علشان تشبعوا منهم
هلل الصغار وصفقوا بأيـ.ـاديـ.ـهم ونظر مروان إلى إبن خاله وتحدث بسعادة:
-كدة هنكمل دور البلاي ستيشن
حول هو بصره إلي تلك الجالسة بإستسـ.ـلام تام وأرتسم علي ملامحها الخُزن والألـ.ـم،وتحدث بنبرة هادئة:
-جهزي نفسك بكرة علي الساعة 12 الظهر هبعت لك عربية الحراسة علشان تروحك إنتِ والأولاد
ظلت ساكنة بجلستها ولم يتحرك لها ساكن،هي نظراتها المُلامة فقط من كانت تتحدث إليه وتسألهُ بصـ.ـراخ…ماذا فعلت لأُعاقـ.ـبُ بكل تلك المهانة والقسوةِ،أخبرني عن جُـ.ـرمي لكى يرتاح قلبي
سحب بصرهِ عنها سريعاً قبل أن يضعف أمام نظراتها المتوسلة ويُجبـ.ـرهُ قلبهُ علي الرضـ.ـوخ لها والإرتماء تحت قدمـ.ـيها ذليـ.ـلاً ليعتذر منها علي ما سببهُ لها من جـ.ـرح بقلبها الرقيق، لكنها الكرامةِ لا غيرها من منعتهْ
نظر سالم على إبنته وعلم حينها أن فى الآمر شيئاً ما
إنسحب بصُحبة نجلهِ إلي الخارج مع توديع سيف وسالم له وإيصالهُ إلي باب المنزل بإحترام وتقدير تحت صرخـ.ـات قلبها المُستغيث به وهو يتوسلهُ بألا يتركها ويرحل
تحاملت علي حالها ووقفت وسارت نحو باب غُرفتها وأختفت داخلها بعدما أغلقت بابها،رمت بحالها فوق الفراش وبدون مقدمات نزلت دموعها الحبيسة التي إحتجزتها بإعجوبة
إستمعت إلي طُرقات فوق الباب،إعتدلت سريعاً وجففت دموعها ودلفت سُهير من باب الغرفة واغلقته خلفها،جاورت إبنتها الجلوس وتحدثت بنبرة حادّة ناهـ.ـرة إياها بعدما رأت بعيناها أثاراً لدموعها الحَـ.ـارة:
-عاملة في نفسك كل ده ليه؟
واسترسلت بنبرة حادة تكشفُ عن مّدى غضـ.ـبها:
-سيبيه يتفـ.ـلق وإوعي تعبريه لحد ما ييجي لحد عندك ويقول لك حقي برقـ.ـبتي
وهُنا لم تستطع تلك المِسكينة كَبح دموعها أكثر،فهطلت بشدة بعدما أطلقت لها العنَـ.ـان،خرجت شهقة عالية منها مما جعل سُهير تهتف بحِـ.ـدة وغيـ.ـظ:
-إنتِ بتعيطي ليه الوقت،بلاش تبقى ضعيفة قدامة كدة يا بنتي
واسترسلت لائمة بنبرة حـ.ـادة:
-ما هو ضعفك ده هو اللي خلاه يستقوي ويشوف نفسه عليكي
هزت رأسها يميناً ويساراً باعتراض مما جعل قطرات دموعها تتطاير وأردفت بقلبٍ يتمـ.ـزقُ ألـ.ـماً:
-ياسين مش وحِـ.ـش يا ماما،ياسين بيحبني ومابيقدرش يبعد عنى ولو ليوم واحد،هو بس فِهم اللى سمعه غلط وزمانه موجـ.ـوع
كانت تنظر إليها بتعجُب واستغراب وتحدثت بنبرة معترضة:
-موجـ.ـوع!
إنتِ كمان بتبررى لهُ اللي عمله؟!
وسألتها بذهول:
-فيه إيه يا مليكة؟
أنا عُمري ما شُفتك ضعيفة وخايبة كدة يا بنتي،ده سابك وأخد إبنه ومشي وبكُل قلة ذوق بيقول لك هبعت لك الحَرس بكرة بالعربية؟!
واسترسلت وهى تتوعدهُ بنبرة صارمة:
-طب إيه رأيك بقى إنك مش هتروحى مع الحَرس بتوعه دول،ويبقى ييجى يورينى نفسه إبن منال
واستطردت بقَسَمٍ:
-والله يا مليكة لو ما جِه لحد هنا علشان ياخدك بنفسه ما أنتِ مروحة
هو فاكر نفسه إيه علشان يعاملك كدة قدام أبوكِ وإخواتك الرجالة
واستطردت بتبرير:
– أنا سكِت له بس وما رضيتش أرد عليه علشان ما أعملش مُشكلة قدام أبوكى وإخواتك والموضوع يكبر،لكن والله ما هعديها له
اجابتها بدموعٍ غزيرة وضعفٍ مُهين:
-يا ماما أرجوكِ حاولى تفهمينى،اللي ياسين سمعه صعب على أى راجل عادى يستوعبه،فما بالك بياسين اللى غيرته مجنونة لوحدها
واستطردت بملامح وجه تُظهر كّم الألـ.ـم الذي أصابها لأجلهْ:
-ياسين لما الموضوع بيتعلق بيا بيفقد عقله وإتزانه وما بيقدرش يتحكم فى غيرته،أنا أكتر واحدة حاسة بيه وعارفة قد إيه هو موجـ.ـوع وبيتـ.ـألم
جحظت عيناي سُهير من الحالة المُزرية التي ظهرت عليها صغيرتها وطالعتها بنظرات مصدومة وتحدثت بنبرة مُستاءة للغاية:
-ياسين ياسين ياسين،إيه يا بنتي اللي وصَلتي نفسك ليه ده؟
زادت مليكة من شهقاتها وانزلت بصرها للأسفل بأسي،زفرت سُهير وحاولت جاهدة في تهدأت حالها كى لا تُحزن صغيرتها وتُحملها أكثر مما يحتمل قلبها البرئ،ثم استطردت بتعقل:
-بصي يا بنتي،مش عيب إن الواحدة مننا تحب جـ.ـوزها وتوصل معاه لدرجة العشق والجنون، “بالعكس”دي حاجة حلوة قوى
واسترسلت بحديث ذات معني ومغزي:
-بس كمان علشان الحُب ده يعيش ويستمر لازم الست يكون عندها كرامة وتعرف أمتي توقف جـ.ـوزها عند حَده لو حَـ.ـسِت إنه بيهـ.ـين كرامتها وبييجي عليها
واسترسلت شارحة بنبرة مستاءة:
-وياسين هانِك وإتجاهل وجودك قدامنا كُلنا،وما أكتفاش بكدة وبس،ده كمان ماعملش حساب إنك بين أهلك وإن معانا نهي وعالية اللي يُعتبروا غُرب عننا وكان لازم يعمل لشكلك قدامهم حساب،ودي قلة ذوق منه وجليطة ولازم يتحاسب عليها منك
هزت رأسها بهيسترية وتحدثت بدفاع مستميت عن رجُـ.ـلها التي باتت تتنفسهُ:
-إنتِ ليه حضرتك مش مقدرة خطورة الموقف اللى أنا محطوطة فيه
ضيقت سهير عيناها وانتظرت تكملة حديثها بترقب شديد فأكملت تلك الضعيفة:
-يا ماما ياسين بيعشقني وبيحبني أكتر بكتير من درجة حُبي ليه،بس هو كرامته أهم عنده من أي حاجة تانية،واللي عمله ده بيأكد لي إنه فعلاً سمع كلامي مع مروان عن رائف الله يرحمه،وزمان الشيطان بيوز له وبيقول له إني لسه بحب رائف وإني كُنت بكذب عليه في كل السنين اللي عيشناها مع بعض لما قلت له إني بحبه
تحدثت سُهير بإعتراض:
-حتي لو زى ما بتقولى إنه سمعك وإنتِ بتتكلمى عن رائف الله يرحمه،هو مالوش حق إنه يزعل منك،ده راجل كان جـ.ـوزك وعندك منه عَيليِن هيفضلوا رابطينك بيه لأخر العُمر،وحق عِشرته الحلوة عليكِ إنك تُذكريه بالخير قدام أولاده وتخليهم يفتخروا بأبوهم،وبعدين هو رائف ده حد غريب،ده إبن عمه وكان زي أخوه الصُغير
إستمعت كلتاهما إلي طرقات خفيفة فوق الباب،جففت دموعها سريعاً ودخل شريف الذي نظر علي شقيقتهُ وتحدث بنبرة قلقة حينما رأي إنتفاخ عيناها وإحمرارها وانفها مما يدل علي بكائها:
-إنتِ بتعيطي يا مليكة؟
تنهدت سُهير في حين هتف هو بنبرة حادة:
-والسبب طبعاً قليل الذوق المغرور اللي إسمة ياسين
حزن داخلها من وصف شقيقها لمُتيمها بتلك الاوصاف الشنيعة من وجهة نظرها،فتحدثت سُهير لنجلها كي لا تزيدها علي تلك الحزينة:
-خلاص يا شريف،ملوش لازمة الكلام ده ويلا نطلع برة علشان نسيب أختك تنام لها شوية
واكملت وهي تُربت علي كتـ.ـفَها بحنان:
-حاولي تنامي لك شوية علشان ماتصدعيش وانا هاجي أصحيكي كمان ساعة علشان تسهري مع أبوكي وإخواتك
هزت لها رأسها بإيماء وخرجت سُهير ساحـ.ـبة شريف بالإجـ.ـبار
بالخارج،جلست سُهير بجانب سالم الذي سألها مستفسراً بعدما شَـ.ـعر بتغير إسلوب ياسين مع إبنته:
-بنتك وجـ.ـوزها مالهم يا سُهير؟
أجابته بنبرة هادئة لعدم حدوث بلبلة:
-مافيش حاجة يا سالم،ما تشغلش بالك إنتَ
نظر لها وتحدث معترضاً على حديثها:
-إنتِ إتجننتى يا سُهير،مش عوزانى أشغل بالي ببنتي الوحيدة؟
تنهدت وتحدثت بتهاون كي تبث الطمأنينة داخل قلبه:
-شادين مع بعض شوية،عادى زي ما أي إتنين متجـ.ـوزين بيشدوا مع بعض فى الكلام،الموضوع مش مستاهل إننا نشغل بالنا بيه أصلاً
هز سالم رأسهُ بتفهم ونظر أمامة ليُشاهد شاشة التِلفاز من جديد
❈-❈-❈
عاد ياسين إلي حي المغربي،توجه إلي ثُريا وأبلغها بمبيت مليكة وأطفالها الليلة بمنزل أبيها مما أحزن قلب ثُريا لكن وجود شقيقها حسن وعائلتهُ خفف عنها واقع الصدمة،وتحرك منطلقاً بسيارته وبات يجوبُ شوارع الإسكندرية في محاولة بائسة منه لتهدِئة حالهْ من بُركـ.ـانهِ الثـ.ـائر بداخله
أما داخل منزل سالم عُثمان،وبعد إنتهاء سهرتهم التي خلت من وجود مليكة التي ضلت بغرفتها تنتحب وتبكى بمرارة،دخلت علياء إلي غرفتها المخصصة لها ولزو جها، وجدت شريف يجلس فوق تخته ويبدوا علي وجههُ الغضـ.ـب،قطبت جبينها وسارت بإتجاهه ثم جلست بجانبه وسألتهُ مستفسرة:
-مالك يا شريف؟
أجابها بوجهٍ كاشر وهو ينظر أمامهُ:
-مافيش
وضعت كف يـ.ـدها علي وجنته وأجبـ.ـرته علي النظر إليها وأردفت قائلة بنبرة جادة:
-هو إيه ده اللي مافيش،إنتَ مش شايف وشك مقلوب إزاي،ولا وإحنا قاعدين برة،ده أنتَ ما نطقتش بكلمة واحدة
يووووه،ماخلاص بقي يا عالية،إنتِ جاية تفتحي لي تحقيق…كلمات غاضـ.ـبة نطق بها شريف بنبرة حادة في وجه علياء
تجهمت ملامح وجهها وأنزلت بصرها للأسفل بحزن مما جعلهُ يلـ.ـعن حالهُ ويقترب منها متحدثاً بإعتذار:
-أنا أسف يا حبيبتي،ماتزعليش منى أنا اصلي متضايق شوية ومش طايق نفسي.
سألته بإستغراب:
-ما أنا لاحظت ده وجيت أسألك علشان أخفف عنك لقيتك هبيت فيا بالطريقة دي
زفر بضيق ثم أرجع ظهـ.ـرهُ للخلف مستنداً به علي خلفية التخت وتحدث بنبرة مُحملة بالهموم:
-زعلان علشان مليكة
سألتهُ متعجبة:
-وهي مالها مليكة،دي مافيش سِت فيكي يا إسكندرية عايشة سعيدة زيها؟!
هتف بنبرة حادة:
-بامارة إيه،إنتِ ما شفتيش البيه كان بيعاملها إزاي قدامنا؟
واسترسل بنبرة غاضـ.ـبة:
-ده ما اتكسفش مننا وهو في قاعد في قلب بيتنا وعاملها بمنتهي المهَـ.ـانة والذُل،ده إنسان قليل الذوق ومريض نفسي ومعداش علي تربية
إنتفض داخلها بغضـ.ـب لأجل إبن عمها التي تعتبرهُ بمثابة شقيقها الأكبر وتَكِنُ له كثيراً من الإحترام والتقدير مما جعلها تحتَـ.ـدُ في حديثها وهي تهتف قائلة بشـ.ـراسة:
-شريف من فضلك،ياريت تتكلم بإسلوب أحسن من كدة وماتنساش إن اللى بتتكلم عنه ده يبقى إبن عمي.
إحـ.ـتدم غيـ.ـظاً من دفاعها المستميت عن ذاك المتغطرس وهتف بنبرة شديدة الحِـ.ـدة:
-ومالك زعلانة ومحموقة علي البيه قوي كدة،هي مليكة دي مش المفروض إنها صاحبتك؟!
تنهدت بأسي وأردفت قائلة بنبرة هادئة في محاولة منها لإمتصَـ.ـاص غضـ.ـبهْ:
-يا حبيبي حاول تفهمني،أنا لا بدافع عن ياسين ولا بنصره علي حساب مليكة زي ما وصل لك،إحنا أصلاً ما نعرفش إيه اللي حصل بينهم وخلي ياسين غضـ.ـبان قوي كدة لدرجة إنه ما يعملش حساب لشكلهم قدامنا كُلنا
واسترسلت بتعقُل:
-ودي مش عادة ياسين ولا دي طريقة تفكيره،وده اللي بيأكد لي أنا شخصياً إن فيه حاجة كبيرة حصلت بينهم وعملت شرخ فى علاقـ.ـتهم
واستطردت برجاء:
-فياريت ما نحكمش علي ياسين وخصوصاً إننا ما نعرفش إيه اللي ممكن يكون حصل ولا نعرف مين فيهم اللى غلطان
زفر بضيق وتمددَ علي التخت مُندثراً تحت الغطاء الوثير وتحدث بنبرة صارمة:
-إقفلي النور يا مدام
سألته مستفسرة وهي تنظر إليه بتعجب:
-إنتَ هتنام قبل ما تتسحر يا شريف؟!
أخرج زفيراً قوى ثم هتف بنبرة حَـ.ـادة:
-قُلت لك إقفلي النور وأخرجي
تنهدت بأسي علي وصول زو جها لهذا الحد من الإحتـ.ـدام وأغلقت له إضاءة الغُرفة وخرجت من جديد تاركة إياه ليختلي بحاله كي يهدأ من ثورتهْ
❈-❈-❈
داخل غُرفتها شديدة الظلام إلا من شُعاع ضوء ضعيف ينبثق من خلال باب الشُرفة الموارب،كانت تقبع فوق الفراش مُتخذة وضع الجنين،تبكي وتنتحب بشدة وتحدث حالها مستنكرة:
-كيف أطاعك قلبُك بأن تضعَنِي بتلك الصورةِ المُهـ.ـينةِ أمام عائلتي!
ألهذا الحَدُّ لم تهتمَّ بكرامتي؟
أين حديثُك الذي طالما أسمعتَنِي إياه عن أن كرَامتِكَ من كرَامتِي وأن عليكْ الحِفاظُ عليها وصِيانَتها أمام البشرِ؟
أين وعودك حينما قُلتَ لي أن ما يحدث داخل غُرفتنا لن يتخطي بابها وسيظلُ سِراً بيننا
أتبخرت وسَارت مُجردِ وعوداً واهية؟!
لما لا تستجِب لتوسُـ.ـلاتِ عينَاي وهي تترچاكَ بألا ترحل وتترُكني وحيدة أشعر بالخَلاء والصَقيعِ دون أحضَـ.ـانكَ؟
ماذا دهاكَ ياسيني،ماذا دهاكَ يا مَنْ تُخبرنى دوماً بأنكَ لأنفاسي ولعيناى سِرتُ مُـ.ـدْمِنِ
بنفس التوقيت
كان يقف أمام البحر ينظر لأمواجه شديدة السَواد جراء ظلام الليل الحَالك،فقد كانت السماءُ خالية من النجوم مُعْتِمةٍ كاحالِ حياتهُ بدونها،تنفس عالياً وزفر بضيق مما يُظهر كّم الغـ.ـضب والحُزن الذي يسكُن داخلهُ
مد كف يـ.ـدهُ داخل جيب سُترتهُ وأخرج عُلبة سجائرهُ،سـ.ـحب منها واحدة ثم ثبتها بين شـ.ـفتاه،أمـ.ـسك قَدّاحتهُ واشعلها وبات يُنفث بها بشراهة وكأنهُ بتلك الطريقة يُعبر عن مّدي غضـ.ـبه العارم
حدث حالهُ بكيانٍ مُشتـ.ـعلْ:
-أمِن المُمكِنِ أن يكون جُلْ ما عايشتهُ مع من سلمتُها روحى ولُبى وكُلُ كيانى مُجردِ سراباً واهياً؟!
مُجردْ أكذُوبةٍ جعلتني أتعايش بداخِلُها لكي لا تجـ.ـرح مشـ.ـاعري وتصُد عِشقيَ الذليـ.ـلُ لها
تنفس عالياً ورفع رأسهُ للأعلى مُغمضاً عيناه،يا لهُ من شعورٍ مُهيـ.ـن ومُوجِـ.ـع ومُجـ.ـلدُ للنفسِ والذَاتِ
حدث ذاتهُ مُتألـ.ـماً:
-كَمْ أشـ.ـعُر الآن بضآلتي وبصُغرِ حَجمِى بعيناها،مُميتُ هو إِدْراكَكَ بأنك أخفقَتُ فى الوصول لقصرِ أميرتُكَ العالي.
ينتابنى شُعُوراً بالإشمئزاز من ذاتى كُلما مَرّ بمُخيلتى مَجرد تصورى أن كَل ما عايشتهُ معها لم يكُن سوىّ شَفَقَةً منها على حالى المُزرى
هز رأسهُ كي يطرُد منها تلك الأفكار التي تكَادُ تفقِدهُ صوابهُ وتسوقهُ إلي الجنون والعَتهْ،ألقي بما تبقي من سيجارته فوق الرِمال ودهـ.ـسها بمقدمة حِذائِه بحِدة، ثم نظر إلي السماء وأخرج تنهيدة حارة شـ.ـقت صـ.ـدرهُ، وبدأ بتنظيم أنفاسه في أخذه شهيقاً وإخراجهُ بهدوء،وكرر العملية في محاولة منه لتهدأة حاله
كان هُناك من يقف داخل شُرفته الخاصة بجناحه،وقع نظره علي ذاك الواقف مُتسمراً أمام البحر فى ذاك الصَقيع،بات يُدقق النظر عليه حتي كَشف ضوءاً بسيطاً يأتي من عمود الإنارة البعيد عن شخصيتهُ
شَعر بمن وقفت خلفـ.ـهُ ثم إحتـ.ـضنته وتحدثت من خلف أذنه:
-واقف لوحدك ليه يا حبيبي؟
تنفس بهدوء وسألها مُتغاضياً عن حديثها:
-مش ياسين اللي واقف هناك علي الشط ده يا چيچي؟
خطت بساقـ.ـيها وجاورته الوقوف وباتت تنظر علي ذاك الواقف يُدخن سيجارتهُ بشراهة،نطقت بتردد:
-مش عارفة يا طارق،مش قادرة أتأكد في ملامحة علشان الضلمة،بس تقريباً كدة هو
تحرك إلي داخل الجناح وإلتقـ.ـط مِعطفهُ المُعلق وشرع بإرتدائه تحت تعجُب تلك التي سألته بإستفسار:
-إنتَ بتلبـ.ـس الجاكيت ورايح علي فين؟!
أجابها بنبرة مُتعجلة:
-رايح أشوف ياسين ماله
أجابته بتهاون:
-هايكون ماله يعني يا طارق،واحد واقف علي الشَط بيشـ.ـم هوا،إنتَ ليه مكبر الموضوع كده؟
أمـ.ـسك كتـ.ـفيها وتحدث وهو ينتوي التحرُك بإتجاة الباب:
-من وقفة ياسين وشكله لشُربه للسِيـ.ـجارة أقدر أقول لك إنها واصله معاه للأخر
هروح أشوفه وأرجع لك علي طول
أومأت لهُ وخرج هو مُتجهاً إلي الشاطئ بعدما وضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها وبعد دقائق معدودة كان يقف بجانب شقيقهُ،
أردف بنبرة هادئة مترقباً ردة فعلهُ عن طريق ملامح وجهه:
-الباشا واقف بيعمل إيه لوحده في البرد ده؟!
إلتفت إليه ياسين بعدما إنتبه لصوتهْ وذلك لشدة تعمقهُ داخل أفكاره المُبعثرة،تنهد ورفع سيجـ.ـارتهُ العاشرة إلي فـ.ـمه وأخذ منها نفسَاً مطولاً ثم أخرجهُ وألقي عُقبها علي الرمال ودعـ.ـس عليها بحذائه ثم تحدث بنبرة حـ.ـادّة:
-مافيش يا طارق
ضيق طارق عيناه وهو ينظر بذهول علي الأرض والكّم الهائل من أعقاب السجائر المُلقي وسألهُ من جديد:
-مالك يا ياسين؟
أخرج زفرة محملة بهواءٍ ساخناً من أعماق صـ.ـدرهِ المُثقل بهمومٍ توازي جبالاً راسيات ثم تحدث:
-ولا حاجة
شـ.ـعر طارق بتشتُت روح شقيقهُ،وضع كف يـ.ـده فوق كتفه وهمـ.ـس بنبرة حنون:
-ولا حاجة إزاي هو أنا تايه عنك
واسترسل بإصرار:
-إحكي لي يا حبيبي إيه اللي تاعبك قوي كدة
نظر علي شقيقهُ وسألهُ بنبرة تحمل بين طياتها الكثير من الوجـ.ـع:
-طارق،هي ممكن مليكة تكون ماقدرتش تحبني وحاولت تبين لي عكس ده علشان ما توجـ.ـعنيش وتقلل من رجولـ.ـتي قدام نفسي؟
واسترسل:
-ممكن أكون ما قدرتش أوصل لقلبها؟
رفع طارق حاجبيه مُتعجباً من سؤال شقيقه الذي تخطي المنطق بمراحل فتحدث بنبرة ساخرة:
-إيه الكلام اللي بتقوله ده يا ياسين؟
إنتِ سامع نفسك بتقول إيه؟!
وضع كفاي يـ.ـداه داخل جيباي بنطاله ورفع رأسهُ للسماء وأغمض عيناه بحِدةٍ جعلت ملامح وجههُ تنكمش بشدة، فتسائل طارق من جديد:
-إيه اللي حصل بينك وبين مليكة وخلاك تقول الكلام الفارغ ده؟
زفر بضيق وتحدث وهو مازال علي وضعه:
-روحت أجيبها هي وعمتي والأولاد من المقابر علشان كُنت قلقان من إنهم يرجعوا لوحدهم،لقيتها قاعدة بتتكلم عن رائف الله يرحمه وبتقول فيه شِعر
وهُنا حول بصره إلي طارق وهتف بنبرة حـ.ـادّة وعيناي
تصـ.ـرخُ من شِدة ألـ.ـمِها:
-كانت بتقول إن رائف كان أحسن راجل في الدُنيا،وإنها عَاشت معاه أجمل أيام حياتها اللي عمرها ما هتنساها ولا هتقدر تنساه
واسترسل بعيناي تئنُ من الألـ.ـم:
-تخيل يا طارق،مـ.ـراتي اللي بتنـ.ـام كُل يوم في حُـ.ـضني قاعدة بتتكلم عن راجل غيري
نظر لهُ طارق بإشفاق علي حالة الجنون الذي بَلَغَ إليها وتحدث بنبرة ساخرة كي يحثهُ علي الإستفاقة:
-إنتَ بتتكلم جد يا ياسين؟!
إنتِ عامل في نفسك كدة علشان سمعت مليكة بتقول لأولادها الكلام ده عن أبوهم؟!
واسترسل بتساؤل سَاخر:
-وإنتِ بقى كُنت عاوزها تقول لهم إيه،أبوكم ده كان أسـ.ـوء راجل في الكون وعيشت معاه أسود أيام حياتى؟!
رمقهُ ياسين بنظرة حـ.ـادّة لإعتراضه على نبرة السُخرية التى وصلته،فتنهد طارق وتحدث من جديد كي يُهدئ من روع أخيه:
-يا ياسين فكر شوية بعقلك وإركن قلبك علي جنب،ما تنساش إن مروان وأنس ولاد رائف،ومليكة ست محترمة وبنت أصول ولازم تتكلم قدام الأولاد وتظهر أبوهم في أبهي صورة ليه
ثم نظر له وتحدث بنبرة مُلامة:
-مالكش حق يا ياسين،إنتَ مستكتر علي رائف إن سيرته الحلوة تتقال لأولاده؟
واسترسل بنبرة تئنُ من شدة الألـ.ـم لتذكرهُ لصديقهُ المُقرب والذي مع إفتقاده إفتقد الونس والأليف:
-اللي بتتكلم عنه ده يبقي رائف يا ياسين
صرخ بكامل صوتهِ قائلاً بإِبَانَة:
-إنتِ ليه مش قادر تفهمني يا طارق،أنا أكتر واحد بقعد مع الأولاد وأكلمهم عن رائف علشان أخلد ذِكراه وارسخها في عقولهم وخصوصاً أنس لأنه مالهوش أي ذكريات معاه
واسترسل بنبرة رجل عاشق يتمـ.ـزق داخله من شدة غيرته علي آُنثـ.ـاهُ:
-ماحدش فيكم حاسـ.ـس بالنـ.ـار اللي مولــ.ـعة جوايا وبتاكُل فى قلبي بقى لها سنين،أنا بتقـ.ـطع من جوايا كُل ما أفتكر إن مِـ.ـراتي اللي بعشقها كانت مع راجِـ.ـل غيري في يوم من الأيام
واستطرد وهو يدُق علي رأسه بيـ.ـداه بحِـ.ـدة وجنون:
-أنا ساعات بحِـ.ـس إن دماغي هتُقف من شِدة رفضي للفكرة
سألهُ طارق بتعجُب:
-وليه تعمل في نفسك كدة،ليه تدي للشيطان فرصة بإنه يستولي علي دماغك ويقعد يصور لك مشَاهد لحد ما يوصلك لدرجة الجنون اللي وصلت لها دي؟
هز رأسهُ بإستسلام وأردف قائلاً بنبرة مُستكينة واهنة:
-ياريته كان بإيـ.ـدي يا طارق كنت رحمت نفسي وإشتريت راحتي،
واسترسل متوجـ.ـعاً:
-ياسين المغربي وَحـ.ـش المخابرات زي ما بيقولوا،اللي بيقدر يتحكم في إنفعلاته ويحجم كل حاجة في حياته، مش قادر يُطرد إحـ.ـساس الغيره وشـ.ـعور المَـ.ـرارة اللي دايماً ملازمني من النقطة دي
تنهد طارق وتحدث بصدق كي يبعث داخل قلب شقيقه الطمأنينة والراحة:
-إهدي يا ياسين وهون علي نفسك،أنا أكتر حد شاف وشاهد على اللي كان بين مليكة ورائف الله يرحمه،وأنا الوحيد اللي أقدر أقول لك إن مليكة عُمرها ما حبت غيرك
إلتفت سريعاً إلي شقيقهُ وكأنهُ وجد ضالتهْ التى كان يبحث عنها،فأكمل طارق لطمأنته:
-هي دي الحقيقة يا ياسين،اللي كان في قلب مليكة لرا
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)