رواية من أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم حليمة عدادي
رواية من أنا الجزء الثاني عشر
رواية من أنا البارت الثاني عشر
رواية من أنا الحلقة الثانية عشر
الله لايضيق عليك الحياة كرها عليك ان تعلم ان الله خلق الحزن إلى الأجل الفرح .ماغايت خلق الحزن الا لأجل الفرح
فتحت عينيها بذهول وقلق، تتفحص المكان حولها. كانت غرفة متهالكة، تستند إلى الجدار، وإبنتها بجانبها. أدركت أنها مختطفة، واسترجعت في ذهنها آخر ما حدث، تلك السيدة التي قدمت لها قطع الحلوى. حاولت أن تأخذ نفسًا عميقًا، إلا أن شعورًا عميقًا ومؤلماً كان يتغلغل داخلها بلا رحمة. إحساسًا يصعب وصفه، يمزق كيانها من الداخل، على الرغم من أنها كانت تتظاهر بالصمود أمام الظروف. حتى أن ريقها أصبح كقطع الزجاج المكسور، حتى بلعه مؤلمًا. حيث كانت تظن أنها قد عانت بما فيه الكفاية وأنها قد هربت من جحيم وليد، لكنها وقعت في فخٍ أشد قسوة، حيث أعادتها الأمور إلى جحيمها من جديد. تساءلت في حيرة عما إذا كان وليد هو من قام بذلك، أم أنه شخص آخر. نظرت أمامها، عيناها تائهتان، وغارقَتان في الفراغ، لم تعد تسمع حتى نداء ابنتها. فقدت قوتها ورغبتها في تحمل كل الخطط التي وضعتها من أجل الهروب، فقد تهاوت كل تلك الآمال فوق رأسها وتهدمت أشلاءً. رفعت رأسها ببطء، وجالت بنظرها في كل ركن بصمت، لم تعد تفكر في الهروب، لقد استسلمت، وبقيت تنتظر ما سيحدث لاحقًا.
بعد مرور بضع دقائق، ظلت في نفس وضعها، ساكنة، غارقة في دوامة من الحزن. كان بكاء ابنتها بمثابة يد تُنشلها من بئر أحزانها. التفت نحو ابنتها، تحدق بها في حسرة وشعور بالعجز. ثم احتضنتها برفق ومسحت على شعرها بحنان، متجاوزة غصتها، وقالت:
-مش عارفه أقولك ايه ياحبيبتي أنا حتى مش قادره أصبر نفسي ولا استحمل أكتر من كدا ..
بينما كانت تتحدث مع ابنتها، سمعت خطوات تقترب من المكان فجأة، تحرك مقبض الباب وفتح ببطء، مما جعلها تتجمد في مكانها، وكأنها تنتظر حكمًا. عند فتح الباب، دخل رجل قوي البنية، وكان الغضب واضحاً على ملامحه. اقترب منها، ودقق النظر في وجهها، ثم تغيرت ملامحه فجأة، وضرب الحائط خلفها بيده، مما جعلها تشعر بالفزع. ثم استدار ، ووجه كلمة إلى الشخص الذي خلفه بغضب قائلاً:
-مين الست دي ياغبي أنا قلت لكم هاتولي حد تاني جبتوا البلوة دي منين رجعوها حالاً للمكان اللي جبتوها منه ..
-أوامرك يابيه هنرجعها قومي يلا يامصيبة ..
لم تصدق منة ما سمعته هل يعتزمون إطلاق سراحها؟ هل تم اختطافها عن طريق الخطأ؟ عادت البسمة إلى وجهها واستعادت روحها، فأغمضت عينيها و هي تشكر الله. أمسكت بيد إيلول وبدأت تتحرك خلف الرجل، ولكن قبل أن تخرج، استوقفها. اقترب منها، شعرت بالقلق من نظراته، وقبل أن تتمكن من التحدث، أخرج شريطًا من جيب معطفه ووضعه على عينيها، ثم قال:
-القماشه دي تفضل على عينيك لحد ما تخرجي من هنا لو حاولتي تشيليها هقتلك ..
أومأت برأسها ثم تحركت خلفه، وهو يرشدها إلى الطريق حتى وصلا إلى السيارة. دفعهم نحو الداخل بلا رحمة، مما جعل إيلول تتأوه من الألم عندما اصطدمت بباب السيارة. ثم انطلقت بهم، وهم لا يبصرون شيئاً.
***********
حدقوا به بدهشة واستفسار حول كيفية معرفته بتقى، لكنه لم يلتفت إلى تعبيراتهم المتعجبة، بل عجل نحوها وجلس على الأريكة المقابلة لها، وكانت مظاهر الصدمة واضحة على وجهه، إذ لم يكن بعد يصدق ما يحدث. ثم تحدث قائلاً:
-حنين بنتي إنتي هنا بجد كنتوا فين إنتي وأختك و والدتك من بعدما عادل اتوفى ما لقيت لكم أثر ..
فتح يونس فمه في صدمة مندهشًا كيف يمكن لوالده أن يعرف تقى؟ ولدت في ذهنه ألف فكرة، ولكن سرعان ما نزع تلك الأفكار من رأسه، وبدأ يتحدث عندما لاحظ صمت تقى قائلاً:
-بابا تقى مابتقدرش تتكلم ممكن نفهم إنت تعرفها منين وليه بتنده لها بإسم حنين ..
انتاب أحمد شعور بالصدمة، فتغيرت ملامحه، وحاول استيعاب ما قاله يونس. نظر إلى تقى، ثم تحدث بتساؤل قائلاً:
-يعني ايه مابتقدرش تتكلم حنين كانت بتتكلم حصلها ايه ..
تقدم يونس نحوهم وجلس بجانب والده، ثم رد قائلاً:
-أنا معرفش يابابا من لما قابلت تقى وهي مش بتتكلم ..
ثم أضاف متسائلاً قائلاً: -بابا إنت تعرفها منين ..
استعاد أحمد ذكرياته التي مضى عليها زمن طويل، وانفرجت شفتاه بابتسامة وهو يسترجع تلك اللحظات، فهتف قائلاً:
-حنين بنت عادل صاحبي عادل دا كان أكثر من أخويا هو اللي كان بيهربك من مكان لمكان لما كنت صغير لحد ما مات غدر من ساعتها عائلته اختفت وما قدرت اعرف لهم طريق ..
تذكّر يونس فور أن والده ذكر اسمه؛ فقد قضى وقتًا طويلًا معه أثناء ملاحقتهم له. وبعد فترة، اختفى ولم يعد لديه أي أخبار عنه. لكن ما أثار حيرته هو تقى؛ لماذا كانت تهرب، وأين كانت عائلتها؟ كل هذه التساؤلات جالت في ذهنه، ثم نظر إلى شقيقته وقال:
-مريم هاتي ورقة وقلم علشان تقى تقول لنا فين أهلها ومين اللي كانت بتهرب منه ..
عجلت مريم بتنفيذ طلب شقيقها، في حين ظل الجميع جالسين في صمت. كانت تقى تراقبهم بنظرات تائهة وقلقة، وقد غلب الحزن على ملامحها مما جعلها تبدو في حالة من الانكسار. شعرت بالحيرة حين وضع أمامها الورقة التي أحضرتها مريم، ثم قال:
-تقي ما تخافي من حاجة تمام اكتبي هنا اهلك فين وكنتي بتهربي من مين ..
أمسكت بالقلم بيد مرتعشة، وعيونها تتنقل بين يونس والورقة، بينما كان وجهها خاليًا من التعبيرات، يحاكي حالة من الضياع. شعرت بأن كل شيء قد تلاشى من ذاكرتها، فباتت غير قادرة على استرجاع أي شيء أو إدراك ما يحيط بها. اجتاحت رأسها دوّامة من الدوار، ورغم محاولاتها المستميتة لاستجماع أفكارها، لم تُجدِ نفعًا. انحنت برأسها نحو الورقة وكتبت بعض الحروف، وهي تردد في ذهنها عبارة “من أنا؟”، ثم وضعت الورقة أمامهم.
تطلع كلاهما إلى الورقة بتركيز، وعند رؤيتهما للكلمتين، تبادلا النظرات بصدمة وهتفوا بصوت موحد:
-أنا مين !؟.
أغلق أحمد عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، ثم أعاد فتحهما وتحدث بهدوء قائلاً:
-حنين إسمعيني احنا مش هنأذيك إنتي مش فاكراني طيب فين والدتك فين أختك ..
نظرت تقى إلى أحمد، وتجمعت الدموع في عينيها، بينما بدت ملامح الخوف واضحة على ملامحها. ثم نهضت بسرعة من مكانها ووقفت خلف يونس كأنها تبحث عن الحماية، متأملة فيهم برعب. وكلما التقت نظرات أحمد بها، تمسكت بأريكة يونس بقوة. وعندما رأى يونس خوفها، ترك الورقة من يده وتوجه إليها قائلاً:
-تقى اهدى مافيش حاجة تعالي اقعدي خلاص من هيسألك خالص مافيش حد هيقرب منك انا هنا ..
كأن كلماته قد زرعت الطمأنينة في قلبها، فتوجهت نحو مكانها بينما كانت تلقي نظرة خلسة على محمد. وعندما جلست، انكمشت في مكانها وذهنها مشغول بالأفكار. في تلك الأثناء، كسر يونس صمتهم قائلاً:
-تقى دا بابا أحمد هو عايز يساعدك علشان ترجعي لأهلك وتعيشي معاهم ما تخافي محدش هيأذيك بس قوليلي تعرفي ايه ..
تراخت ملامحها قليلاً، ثم تركزت على الورقة التي بين يديها، حيث بدأت بتدوين بعض الكلمات بيد ترتجف. مع كل كلمة تكتبها، كانت تشعر بتيارات الخوف تتجلى بوضوح. وعندما انتهت، قدمت الورقة له وعينيها تجوب المكان بحذر. أمسك يونس الورقة بسرعة، ثم قرأ ما كتبته بصوت مرتفع قائلاً:
-أنا مش فاكره أي حاجة عن حياتي آخر حاجة فاكراها إني فتحت عينيا لقيت نفسي في مكان قديم وجسمي كله دم وشكلي متبهدل كنت مرميه على الارض قمت من مكاني و قدرت اهربت.
نظر الجميع إلى بعضهم البعض بدهشة، متسائلين هل تخبرهم الحقيقة أم أنها تخفي شيئاً ما. وإذا كانت صادقة في حديثها، فهذا يعني أنها تعاني من فقدان الذاكرة، مما سيجعل من المستحيل عليهم معرفة مكان عائلتها. زفر أحمد زفرة حانية، فقد شعر بالحزن لفشله مجدداً في العثور على عائلة صديقه. نهض من مكانه ثم قال:
-الظاهر إن حنين اتعرضت لحادثه وفقدت الذاكرة والمشكلة إنا ماتقدرت تتكلم أنا هطلع أرتاح شوية بكرة نبقى نفكر في حل ..
أنهى أحمد حديثه ثم دخل إلى غرفته، في حين توجهت زينب إلى المطبخ لتحضير وجبة العشاء. نظر يونس إلى تقى التي كانت تبدوا خائفه، وقال:
-تقى خليكي مع البنات ماتخافي اعتبريهم إخواتك هنا مافيش حد هيأذيكي حاولي تتعودي على وجودك معاهم ..
أومأت برأسها وهي تستمع إلى حديثه، محاولًة تنفيذ ما أوصاها به والتكيف مع الوضع. وفي تلك الأثناء، شعرت بيد تربت كتفها. عندما استدارت، رأت مريم بجانبها تنظر إليها بابتسامة، وقالت:
-بصي يا سكره ماتخافيش إحنا هنا إخواتك ماشي والبت شوكي هتقوم تعملنا كيكه ونسهر مع بعض نتعرف على بعض أكثر ..
هزت رأسها بالموافقة، ثم قامت من مكانها واتجهت نحو النافذة، حيث وقفت تراقب المارة وضجيج الشوارع. كان على شفتيها ابتسامة تحمل في طياتها حزناً عميقاً، بينما كانت تشاهد العالم من حولها يتحرك بحرية. كان البعض برفقة عائلاتهم، وآخرون مع أزواجهم، وكل منهم يسير في طريقه. لكنها كانت تفتقر إلى الوضوح، فلم تكن تعرف أين تتواجد أو من هي، وأين عائلتها. تغلغل الحزن والقهر في قلبها، حيث شاهدت فتاة في نفس عمرها تجلس بين والديها، وتحتضن يديهما وتخطو معهم بفرح. ولم تستطع السيطرة على دموعها وهي تراقب المشهد، بينما كان الألم يعتصر روحها.
**********
بينما كانت تحتضن ابنتها وتدعو بأن تمر الأمور على خير وتصل إلى وجهتها بسلام، شعرت فجأة بتوقف السيارة، ثم سمعت صوت فتح الباب، وتحدث أحدهم قائلاً:
-شيلي القماشه من على عينيك ونزلي يلا بسرعه ..
بمجرد انتهاء حديثه، أزلت القماشة عن عينيها وأغمضت عينيها لفترة ثم فتحتهما مجددًا لتعتاد على الضوء . بعدها، أمسكت بيد ابنتها ونزلت، وانطلقت السيارة. نظرت حولها إلى الشارع، حيث كان الظلام يكتنف المكان، ولم تكن هناك سوى بعض الأضواء القليلة المنبعثة من نوافذ المنازل المحيطة. لم يتبقَ في الأجواء سوى صوت صفير الرياح وهي تحرك الأشجار، مما أضفى جواً من الخوف على قلبها، فشعرت برعشة تسري في عروقها. قبضت على يد ابنتها وتحركت ببطء، تشعر بالتيه والرعب يسيطران عليها في ظلام الليل الموحش. بدأ عدد المارة يتضاءل ببطء، وكل شخص يسعى للعودة إلى منزله وملاذه. جلست على أقرب مقعد، تفكر في ما يجب أن تفعله. كانت تعرف موقع منزل الهلالي، إلا أنه بعيد بعض الشيء. ومع ذلك، أدركت أن الطريق لن يكون آمناً في هذا الوقت، فكل الأروقة مليئة بالخطر. أخذت نفساً عميقاً، وتنهدت بضيق، ثم نظرت إلى ابنتها وقالت:
-إيلول إحنا مش هنقدر نمشي في الشارع في وقت زي دا إحنا نستخبى هنا والصبح نبقى نروحلهم ..
ما أن أنهت كلماتها حتى سمعت صوت خطوات تقترب منها، وكانت هناك محادثة مستمرة بين شخصين. شعرت برعشة تسري في جسدها وانتابها رعب شديد، بينما كانت تلتفت بعشوائية بحثًا عن مكان للاختباء، لكن الزمن كان قد فات ووصل شخصان أمامها. كان كل منهما يتمايل في مشيه، كانوا في حالة سُكر ولا يشعرون بشيء. اقتربا منها احدهم،وقفت في مكانها كأن حركتها قد شلت، وعينيها تحدقان فيهما بذعر.مدّ يده ليمسك بذراع إيلول، لكن منة كانت أسرع منه، حيث سحبت ابنتها إلى الوراء. ومع كل خطوة تتراجع فيها، كان يقترب منها أكثر، حتى وصلت إلى ركن ضيق. قامت منة بتوزيع نظراتها على المكان، ووعَت أنها محاصَرة ولا مفرَّ لها. استجمعت قواها وصاحت بأعلى صوتها:
-ساعدونا في حد سامعني ابعدوا عني أنا مافيش عندي حاجة ..
لم يكترثوا لصرخاتها، واندفع أحدهم نحو ابنتها ممسكًا بها من ثيابها بشدة. لم تتحمل منة هذا التصرف، فاستلّت حجرًا من الأرض وضربت به رأسه بقوة، مما أدى إلى ارتخاء جسده وتركه لابنتها التي كانت تصرخ بفزع. هرعت الطفلة نحو والدتها واحتضنتها بقوة. انشغلت منة بطمأنة ابنتها، متجاهلة الأمر مع الرجل الآخر الذي كان خلفها، ولكن سرعان ما شعرت بشيء حاد يخترق ظهرها، مما جعلها تصرخ وسرعان ما ارتخى جسدها وسقطت على وجهها. عندما رآى الرجل سقوطها، ساعد صديقه على الفرار، بينما جلست ابنتها أيلول تبكي بجوار والدتها قائلة :
-ماما،ماما ردي عليا أنا خايفه ماما ..
**********
اجتمعوا حول المائدة لتناول وجبة العشاء، لكنهم انغمسوا في صمت ثقيل، حيث كان كل منهم غارقًا في أفكاره ومشاغله، بعضهم يحمل الحزن في قلبه، وآخرون يكتنفهم الخوف. أما تقى، فكانت غارقة في شرودها، تتأمل في طبقها بلا اهتمام، غير قادرة على تناول أي لقمة. كان التفكير ينهش عقلها، والحزن قد استقر في قلبها، فلم تستطع استحضار أي ذكريات عن ماضيها، ولا تعرف أي طريق تسلكه أو إلى أين تتجه، فهي وحيدة، ومكوثها في منزل يونس لن يطول، إذ لا تربطها بهم روابط سوى الصداقة التي كانت تجمع والدها بهم، ولا تزال حتى الآن تجهل الكثير عن ذلك. إن الشعور بالوحدة قاسٍ للغاية، كأنك محاصر داخل متاهة بلا مخرج، حيث تسيطر عليك الفراغات، ويكاد ذهنك ينفجر من كثرة الأفكار التي تنهشك كمرض.
كسر سكون المكان صوت مريم المرِح، حين لاحظت صمت المكان الرهيب، فقالت:
-ايه ساكتين ليه ؟ بسبب سكوت دا حاسه إن ماليش نفس للأكل ..
أجابت زينب بهدوء، قائلةً:
-حبيبتي نتكلم نقول ايه، كلنا تعبانين عايزين نكمل أكل ونقوم علشان نرتاح ..
تألقت بسمتها على وجهها وهي تسترجع ذكرياتها مع حسام، ثم هتفت قائلة:
-حسام كان دائماً يعمل جو جميل ومرح حسام وحشني أوي ..
تحدث الجميع عن حسام وذكرياته معهم، رغم أنه ابتعد عن المنزل لفترة وجيزة، إلا أن مكانه ظل شاغرًا، وكأنه قد غاب لأعوام عن موطنه. لم تستطع زينب أن تخفي دموعها، فقد شعرت بفراغ عميق في قلبها، تعودت على وجود ابنها وصوته الذي كان يشبع الأجواء بالحيوية والمرح. تنهدت بحزن، ثم قالت:
-ربنا يقوموا بالسلامه ويرجع وسطينا ونفرح بيه قريب إن شاءالله ..
حل الليل سريعاً وانتهى الجميع من تناول وجبتهم، فتوجه كل فرد إلى غرفته بعد إتمام ما كانوا يقومون به.
في غرفة شهيرة، جلست على سريرها غارقة في أفكارها، وقد غلبها الحزن الذي يجتاح قلبها. كانت تشعر بالحيرة وعدم اليقين حول ما ينبغي عليها فعله. فقدت والديها، وأصبح حسام خارج الصورة أيضاً، مما جعل استمرار وجودها في منزل عمها بلا معنى، وشعرت بأنها بحاجة للعودة إلى حيث كانت. مسحت دمعة انهمرت من عينيها وتنهدت بضيق، ثم أغمضت عينيها،لعلها تنال بعض الراحه.
شق سكون الليل صوت أذان الفجر، ليبعث الحياة من جديد ويعلن قدوم يوم جديد مليء بالأمل. انطلقت كافة أفراد الأسرة لأداء الصلاة؛ فتوجه أحمد وابنه إلى المسجد، بينما قامت النساء بأداء الصلاة في المنزل. نظرت مريم إلى والدتها وقالت:
-ماما ليه ماصحيتي تقى علشان تصلي معانا يمكن ماسمعتش الأذان ..
-البنت كانت مرعوبه لما دخلت علشان أصحيها كانت نايمه والتعب باين على وشها ماقدرت أصحيها سيبيها ترتاح ومن بكرة إن شاء الله هبقى أصحيها معانا ..
أنهت حديثها، ثم جلست كل واحدة منهن ممسكة بمصحفها، تقرأ ما تيسر من القرآن الكريم.
“وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا” .
بعد فترة من الزمن، انتهوا ،جلست زينب تسبح في يدها بينما توجهت شهيرة إلى المطبخ لتحضير فنجان من القهوة لتخفيف صداعها. في تلك الأثناء، أخذت تقى كوبًا من الماء لترتشف منه.فجأة كسر سكون المكان صرخت مداوية قوية من شدتها صمت الأذان، و ادخلت الرهبة الى قلوبهم وهتفوا بصوت واحد:
-تقى!؟.
**********
بعد انتهاءه من الصلاة، شعر براحةٍ نفسيةٍ عميقةٍ، حيث تلاشى كل همٍ كان يثقل صدره. استند بظهره إلى العمود خلفه وبدأ يستغفر، بمرور وقت قصير. فجأة، شعر بيدٍ تربت برفقٍ على كتفه، فرفع رأسه ليجد والده أمامه.
-يونس إنت كويس؟ عدى وقت طويل وإنت قاعد مكانك ماتحركت.
نهض من مكانه مبتسمًا وقال:
-أنا ما نتبهت للوقت حسيت براحة نفسيه الحمدلله يلا بينا نروح ..
أنهى حديثه وخرج من المسجد ليجد تجمعًا من الناس يتحدثون بكلمات متداخلة وغير مفهومة، وكان بعضهم يظهر عليه القلق بينما كانوا يتطلعون إلى ذلك التجمع. وفجأة، اقترب منهم شاب في سن يونس، يركض وهو يلهث. وحين وصل إليهم، جلس على الأرض ليسترد أنفاسه. اقترب يونس منه بقلق، وهتف بتساؤل قائلاً:
-في إيه ياعلي الناس دي متجمعه كدا ليه ..
-في ست مقتولة في آخر الشارع وماحدى قدر يقرب منها ..
-ايه…؟
………………
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)