رواية مقيدة لأصفاد مخملية الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة أسامة نيل
رواية مقيدة لأصفاد مخملية البارت السابع عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الجزء السابع عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الحلقة السابعة عشر
«مُقيدة بأصفادٍ مخملية»
<الفصل السابع عشر> -١٧-
– يُونس!!
اسم يحمل بين طياته الكثير والكثير، الكثير من الألم والتعجب والتساؤلات التي لا حصر لها..
ما وسِع شريف نُطقه بهذا الموقف هو ترديد اسم “يُونس” بكثيرٍ من العجب والصدمة وعدم التصديق .. وانقطعت الكلمات وبقت أعين شريف تسرد صدمتها ودهشتها.
فاللكلام ساعات تبطل فيه معانيه، والآن جميع الكلمات غير وافية، جميع الكلمات باطلة.!!
موقف ساكنًا، يزدحم بالعديد من المشاعر العديدة والمختلفة، كان سكون مُوحش للجميع، ولم يُقطع هذا الصمت والسكون إلا بصدمة سقطت على قلب قطوف كالطامة..
حين اقترب يونس بملامح وجهه التي تحمل حنين وشوق غير مفهوم، حتى أصبح أمام شريف..
وفجأة جذبه بكل قوته في عِناقٍ طويل سرعان ما أفاق شريف من صدمته وبادله العناق بأخر أشد حرارة.!!
صُوِّبت تلك الصدمة على رأس قطوف وعقلها لا يُترجم ما تراه أمامها..
ما تفسير ما يحدث الآن.؟!
ردد يُونس بحنين وهو يربت على ظهر شريف:-
– ليك وحشة يا شريف .. طولت الغيبة.
ورغم محاولة شريف في الثبات لكن خرجت كلماته مرتعشة مصبوغة بصدمته:-
– يُونس أنا شايف صح، أنت عايش..
أنت قدامي .. بس أنا شوفتك بعيني، إزاي دا حصل..
كانت قطوف بقمة صدمتها تتبادل النظرات مع جبريل الذي علم أن هناك أمرٌ ما مجهول، ثمة جانب خفي لا تعلمه قطوف..
جاءت قطوف تندفع نحو شريف بقلب مُحملّ بالغضب لكن أوقفتها يد جبريل الذي جذبها نحوه يُسيطر على انفعالها برفق ثم تحدث بهدوء وصوتٌ حاني:-
– إهدي يا حبيبتي، هنفهم كل حاجة اتعلمي متتسرعيش يا قطوف، دايمًا حطي إحتمال أن أكيد في جانب مجهول غير ظاهر .. وأكيد يونس باشا هيفهمنا الموقف.
رغم رفض عقلها هذا الحديث فقد رأت بأم أعينها ولا مجال للتخيل أو الشك، تمتلك الأدلة الدامغة..
لكنها استكانت بين يديّ جبريل فيكفي هذا الغموض فقد اتعبتها تلك الحرب حقًا واستنزفت ما تبقى لديها من شعور..
لكن ماذا ستفعل قطوف إن علمت أنها كانت على غير الحق..
وأن تلك الحرب كانت مجرد حربٌ باطلة.
وأنا الجاني بنظرها هو الضحية..
وأنا المتهم بريء .. كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب…
براءة خالصة..
ابتعد يونس عن صديقه شريف ثم التفت نحو قطوف وتحدث برزانة وابتسامة خفيفة:-
– شريف يا قطوف صاحب عمري وأخويا وأقرب الناس ليا.
إللي حافظ على أمانة أخوه وهو أنتِ بكل وفاء وإخلاص وحبك زي بنته وكان بيعملك أحسن من بناته كمان..
التفت يونس مرةً أخرى نحو شريف المتعجب وقال موضحًا:-
– قطوف يا شريف في الليلة دي شافت كل حاجة وطبعًا هي طفلة ومتعرفش الحلقة المفقودة من الحكاية.
بس أنا هحكيلك الحكاية من الأول يا قطوف..
في الليلة دي إللي اتهجم علينا وقتـ.لني وقـ.تل أمك الله يرحمها مكانش شريف الهواري..
توسعت أعين قطوف وتطلعت لوالدها بتعجب فكيف يمكن أن يقول هذا وقد رأى القا’تل حينها، لماذا يُنكر الحقيقة.
امتثلت الهدوء وتسائلت بترقب:-
– أمال مين عملها.!!
ردد بهدوء:-
– أشرف الهواري .. توأم شريف الهواري..
شريف كان ليه أخ توأم يشبه في الشكل بالظبط بس كان في فروقات بسيطة في الشكل … وفي الطبع والحقيقة فدا كان شخص وشريف حاجة تانيه خالص.
شريف رجل سياسي عنده ضمير مخلص في شغله ووطني وعنده أمانه..
لكن أشرف مجر’م اتحد مع أكتر شخص بيكره شريف وبيكرهني..
شريف صاحبي الروح بالروح .. وأنا ظابط وبينا وبين بعض شغل وكنا شغالين على أكتر شخص مجر’م وفاسد .. حامد الجندي..
كنا خلاص قربنا ننهيه وكان بين إيدي ورق هو إللي هيكتب نهايته..
بس هو مكانش سهل واستغل كره أشرف وغيرته من أخوه شريف وعرف يجره لطريقه ويغريه بالسطلة والمكانة والفلوس..
واشتغل على خطته ونجحت..
يتخلص مني ومن الأوراق إللي معايا ويدمر شريف ويلزق فيه جريمة قتلي علشان الشبه إللي بين أشرف وشريف وبكدا يحس أشرف أن دمر أخوه وانتهى منه وإن هو بقى أفضل منه..
تستمع للحديث دون استيعاب يموج على وجهها التيهة والصدمة، قالت بنبرة مُجعدة في محاولة منها للفهم:-
– يعني دلوقتي .. إللي أنا شوفته مكانش بابا .. أقصد يعني شريف الهواري..
تفهم يونس ما تمر به فاقترب منها يحتويها ثم أكمل بنبرة لينة:-
– لا مش هو بابا شريف يا قطوف، شريف إللي جه بعد ما هربوا وحاول ينقذني بس أنا أصريت عليه ياخدك ويمشي بسرعة..
أنا عرفت أنقذ نفسي بس ملحقتش سندس .. ووقتها مكانش ينفع أبقى عايش ألا علشان أخد حقها بس وعلشانك، وعلشان تفضلي بأمان كان لازم أفضل مختفي وكنتي في أمان مع شريف، ولما لقيت منافسين شريف بيستخدموا بناته تهديد ليه بعت لحمايتكم جبريل .. طول الوقت ده وأنا حواليكِ مسبتكيش ولا لحظة يا قطوف.
علشان تفضلي في أمان كان لازم أختفي أنا.
في الحقيقة يا قطوف شريف الهواري مقدمش ألا كل خير..
اقترب شريف من قطوف من الجهة الأخرى وببعض التردد مد يده يحوي كفها بحنان ثم أردف بغصة مريرة:-
– أنا مش اعتبرتك بنتي يا قطوف، أنتِ بالفعل بنتي وأول فرحتي ويشهد ربنا أن مكانتك في قلبي متختلفش عن أخواتك.
يونس مكانش بس صاحب عمري، وكمان أخويا بعد ما عانيت من كره أخويا الله يرحمه بقى ويسامحه..
عرفت أن أشرف حط إيده في إيد حامد الجندي ودا بس علشان يدمرنا لأنه بيكرهنا وعلشان حامد يلوي دراعي وأسلم رقبتي ليه وأخون بلدي..
تعرفي أنا طول الفترة دي كنت فعلًا محمل نفسي ذنب إللي حصل ليونس في اليوم ده؛ لأن أنا إللي سلمت الأوراق إللي تنهي حامد الجندي بإيدي لأبوكِ..
يومها اتصل عليا حامد وقالي بكل فخر أن الورق بقت معاه وأن صاحبك ومراته كانوا ضحية عنادكم..
يومها مكونتش شايف قدامي جريت بدون تفكير على بيت يونس وشوفت إللي حصل .. حاولت أنقذهم لكن يونس أصر أن أخدك وأمشي بسرعة بدون تفكير وبدون راجعة ويومها خلاني أحلف ليه وأوعده، كان فاهم وقتها إللي أنا مش فاهمه .. لو بقيت الجر’يمة دي هتلزق فيا ودي كانت خطة حامد الجندي..
يومها أخدتك من مكان ما كنتِ مستخبية وهربت بيكِ لبعيد وكانت أهم حاجة عندي حمايتك وأبعدك عن أي خطر..
ابتلع ريقه وأثبت النظر فيها ثم أكمل بصوتٍ مبحوح:-
– أغمى عليكِ وبعدين الدكتور قالنا أنك اتعرضتي لصدمة وفقدتي الذاكرة، حمدت ربنا أن دا حصل وإلا كنتِ هتعيشي إزاي مع البشاعة إللي شوفتيها.
مكونتش بقى أعرف أن رجعت الذاكرة والأحداث لعقل قطوف وبقت شيفاني مجرم … كنت مجرم وقا’تل في نظرها..
حبيناكِ كلنا يا قطوف وكنتِ بنتي الأولى حقيقي..
كنت بخاف عليكِ علشان كدا زي ما كنتِ بتقولي مقيدك بأصفاد مخملية .. بس علشان كنت بحميكِ، بس كنت كارهه أنتِ قيودي..
حضرتها الكثير من الذكرى، ما فعله لأجلها، حنانه الصادق، بذله كل ما لديه لأجل إسعادها، كانت وقتها تبرره أنه يفعل هذا فقط لأجل شعوره بالذنب..
عذابها، حربها مع نفسها، سوء ظنها، الكره الذي كانت تجاهد لزرعه بقلبها، جميع هذا كان باطل..
خطتها لتدميره..!!
كان لها هو الجاني وهي الضحية..
والآن اتضح عكس ذلك..
هي الجانية الوحيدة..
لكن..!
هي لم تستطع، رغم معرفتها في هذا الوقت أنه من دمر حياتها وأنهى ما لها في الحياة، لكن كانت ثمة أشياء غريبة تحدث لها تتعجبها كثيرًا..
لم تستطع أن تكرهه أبدًا..
لم تستطع أذيته رغم كل شيء!!
وما تلبثت إلا يسيرًا حتى انفجرت باكية والدمع يحرق جفنيها منسكبًا بغزارة ولم يحدث إلا أن احتواها شريف بحنان أبوي صادق وهي تشبثت به بكامل قوتها، تقول من بين شهقاتها:-
– أنا آسفة يا بابا آسفة .. آسفة لسوء ظني..
آسفة أن كنت كدا..
عيشت نفسي في حرب أنا إللي خلقتها وألفتها … بنيت كل حاجة على سوء ظن..
أنا آسفة .. سامحني يا بابا..
أغمض شريف أعينه براحة وقبل رأسها بحنان قائلًا:-
– أنتِ بنتي يا قطوف ومفيش أب بيزعل من بنته .. وبعدين أنا عاذرك إللي عملتيه أقل حقوقك..
كل مواقف الحياة بتعلمنا دروس والدرس إللي تتعلميه من إللي حصل يا قطوف..
المواجهة .. الصراحة .. علشان قبل أي حاجة نفسك..
علشان راحتك أنتِ … أوقات بيبقوا الأشخاص مش زي ما إحنا شايفينهم..
أوقات سوء ظننا بيعمينا وبيضبع علينا حاجات جميلة جدًا أهمها راحتنا.
متتعوديش أبدًا تعيشي وفي حقد في قلبك وكره وزعل..
أوعي قلبك يشيل المشاعر دي ويعيش بيها..
حركت رأسها بإيجاب وأردفت وهي تتنفس بعمق شاعره أن أثقالًا كالجبال سقطت عن كاهلها..
لم تكن تصدق أن خلف ما رأته بأم أعينها حقيقة أخرى..!
– اتعلمت الدرس يا بابا .. اتعلمته جدًا..
أقترب يونس من الجهة الأخرى يحتضنها بحنان ثم قال بمزاح:-
– دا مفيش حظ بعد كدا .. الناس يبقى ليهم أب واحد .. وأنتِ اتنين يا قطوف..
– ولها أمها إللي بتحبها وبتموت عليها وجدتها وأخواتها..
أتى الصوت من خلفهم ولم تكن سوى عبير زوجة شريف التي تقف ودموعها تغرق وجهها..
لتتابع بألم وعتاب:-
– هونت عليكِ يا قطوف .. هونا عليكِ…
ركضت نحوها قطوف محتضنها بقوة وهي تقبل وجنتيها وتمسح دموعها، قائلة والندم يملأها:-
– آسفة يا ماما .. يشهد الله أنكم أبدًا عمركم ما هونتوا عليا..
– وإحنا كمان مش لنا نصيب في الحضن ده ولا أيه..
واقتربا شقيقتي قطوف يلتفون حولها محتضنينها بقوة وشوق..
– دا أنتوا حبايبي..
كان جبريل يشاهد ما يحدث بسعادة غامرة، ذاك الموقف جعله يرى الكثير من الأشياء بأعين أخرى..
إلتماس الأعذار لغيرنا، الصفاء لقوبنا، والعفو .. العفو عند المقدرة..
لنكن من الداخل طاهرين القلب، نواجه نعاتب .. نقدم الحب لغيرنا..
الحقد والكره لا يزيدنا إلا أثقالًا وألآمًا..
جميعهم كانوا أقوياء..
قطوف، فما مرت به وما حدث لها لم يكن باليسير ومع كل كرها وألامها لما حدث لوالديها لم تستطع تقديم الأذية لشخص قدم لها الخير من قبلهِ الأذية كما كانت تراه..
يونس، الذي بذل عمره كاملًا وأفناه لأجل أن تُزهر قطوف..
شريف، الذي قدم الحب دون مقابل، الإحتواء والأمان والأبوة الصادقة..
*************
كان يقف كلًا من شريف ويونس يتحدثان باهتمام..
تسائل شريف باهتمام:-
– طب دلوقتي هنعمل أيه يا يونس..
طالعه يونس بهدوء ورزانة ثم تحدث بثقة وفوق فمه إبتسامة خفيفة:-
– انتهى حامد الجندي يا شريف .. بقى لعبة في إيدي .. اتفرج أنت بس على المفاجأة..
كان جبريل يقف وحيدًا بعيدًا عنهم قليلًا يشاهد ما يحدث..
يشاهد قطوف الضاحكة بقوة تجلس وسط عائلتها بأعين مليئة بالحنان والحب.
الآن أصبحت إبتسامتها صافية، أصبحت من القلب …لقد زالت تلك الشوائب أخيرًا..
جاء يتحرك نحوها مبتسمًا بخفة يريد أن يختطفها قليلًا لقلبه، لكن أوقفه صوت شريف الحاد:-
– استنى عندك .. رايح فين..
عقد جبريل حاجبيه بتعجب وقال بهدوء وقوة في آنٍ واحد:-
– هاخد مراتي يا شريف بيه، في حاجة ولا أيه..
سار شريف حتى وقف أمام جبريل ثم تشدق بحزم قاطع ووجهه مكفهر:-
– انتهينا يا فتوه .. خلاص كدا مهمتك انتهت..!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقيدة لأصفاد مخملية)