رواية بأمر الحب الفصل الرابع عشر 14 بقلم تميمة نبيل
رواية بأمر الحب البارت الرابع عشر
رواية بأمر الحب الجزء الرابع عشر
رواية بأمر الحب الحلقة الرابعة عشر
تسللت صبا الى غرفتها بصمت و أغلقت الباب خلفها وهي تزفر أخيرا بارتياح أنها وصلت الى البيت آنة دون عواقب وخيمة…
خلعت حجابها وهي ترميه على الفراش متنهدة بتعب، لم تكن تظن أن الخروج من البيت أصبح شاقا بالنسبةِ اليها لهذه الدرجة، و ياليته جاء بفائدة.
فُتح الباب فجأة بعنف و دخلت حنين الى الغرفة كالقذيفة دون اذنٍ ثم أغلقت الباب خلفها و هي تقول دون مقدمات (ماذا فعلتِ يا صبا؟، لقد احترقت أعصابي و أنا أنتظرك)
التفتت اليها صبا و نظرت اليها طويلا قبل أن تقول بحزمٍ يضم بعض العطف (إنه شخص غير سهل بالمرة يا حنين، ولا مفر من اخبار عاصم و الجميع حتى نستطيع تطليقك منه إن كان كلامه صحيح)
رفعت حنين يديها الى فمها وهي تقول بإرتياع (اذن لم تنجحي في إقناعه؟).
ازداد التعاطف في عيني صبا وهي تقترب من حنين لتقول برفق (أقنعه بماذا يا حنين؟ إنه مهووس كلية و أنتِ من المؤكد تعرفين ذلك، حنين، كوني أقوى من ذلك، أنتِ لم تخطئي في شيء لتخافي هكذا من الجميع. سنخبرهم معا بكل شجاعة و حينها سنتمكن من تطليقك منه في خلال عدة أشهر لا غير).
ظلت حنين تنظر اليها و كأنها لم تسمع شيئا مما قالته صبا للتو، ثم نطقت أخيرا بصوتٍ مبهوت و نظراتٍ زائغة (وماذا كانت ردة فعله؟، هل هدد و توعد حين أخبرته عن القضية؟)
مطت صبا شفتيها بإمتعاض و هي تقول (لم يقل سوى، هنئي زوجك الى أن أراه، بمنتهى الصلف و الغرور)
ضربت حنين و جنتها بيدها وهي تقول بذهول (هل علم أنكِ زوجة عاصم؟).
قالت صبا بهدوء (بالتأكيد يعرف من الإسم، من الواضح أنه يراقب كل حركةٍ من تحركاتكم مؤخرا)
رددت حنين بهوس و هي متسعة العينين (يا مصيبتك يا صبا، بل يا مصيبتنا أنا و أنتِ)
اقتربت صبا من حنين وهي تضع يدها على ذراعها تهدئها و تقول بحزم و قوة (لا ترتعبي كذا يا حنين، أنا لا أخاف من عاصم و أنتِ أيضا لا تخافي، نحن لم نفعل شيئا خاطئا، بل نحن نحاول اصلاح أخطائهم).
ظلت حنين تضرب و جنتها وهي رافضة حتى أن تسمع صبا، وهي تهمس و تردد (أنتِ لا تعرفين غضب عاصم، لقد ضيعتك و ضيعت نفسي معكِ)
حينها أمسكت صبا بكلتا ذراعي حنين و هزتها بقوةٍ وهي تقول بصرامة (كفي عن هذا الإستسلام يا حنين و اصلبي عودك، لا تكوني بمثل هذا الجبن و انعدام الشخصية).
نظرت اليها حنين بعينين دامعتين، بينما حاجبيها منعقدين كطفلةٍ ضُربت للتو، فهزتها صبا مرة أخرى وهي تقول (تمالكي نفسك، لا تكوني هكذا، أنا لن أتركك، هل تفهمين؟)
اومأت حنين بملامح متجمدةٍ و على الرغم منها شعرت بقليل من الراحة، أن هناك من يعرف بما تخبئه و يساندها و سيواجه الطوفان معها…
رفعت صبا احدى يديها عن كتف حنين و ربتت على شعرها الطويل وهي تهمس بغضب (كيف استطاعو فعل ذلك بكِ؟).
انسابت دمعتانِ على وجنتى حنين بصمت ثم همست مبررة (لم يكن لديهم علم بأن كل ذلك سيحدث، كنت لربما الآن زوجة منذ سنين و عندى أطفال قاربو طولي ككل الفتيات في مثل سني)
ازداد الغضب في عيني صبا وهي تقول (إياكِ و أن تبرري ما حدث أبدا، لم يكن من المفترض أن تتزوجي في ذلك السن أصلا، لم يكن من المفترض أن تمري بكل ذلك، و بالتأكيد ليس من المفترض أن يبتزك ذلك المهووس الآن).
همست حنين بوجوم ووجهٍ شاحب (ماذا سنفعل يا صبا؟، لا أريد الفضائح في المحاكم، من سيقبل بي بعدها؟)
اتسعت عينا صبا دهشة من المنطق الذي تسمعه، تركت حنين لتهتف بيأس (يالهي، لا أصدق، هل هذا هو كل ما يهمك؟).
أخفضت حنين رأسها و قد شعرت باليأس التام، منذ فترةٍ قصيرة كانت تلك هي أعظم مشاكلها، أن يقبل بها عمر على الرغم من ماضيها، أما الآن فلم تعد متأكدة من شيء، جزءا منها لا يزال يحلم بعمر، ذلك الحلم الجميل الذي داعب خيالها ليمنحها الذي طالما أرادته…
عادت صبا لتخفض صوتها قليلا و هي تسيطر على انفعالها ثم قالت بهدوء (حنين، لا تفكري سوى بنفسك الآن، سعادتك الحقيقية ستأتي باستقلالك و كل ما يأتي بعد ذلك هو مجرد مكملات)
فجأة فتح الباب بقوةٍ، لتستديرا كلاهما الى عاصم الواقف في الباب بوجهٍ ينبىء بالشر، شهقت حنين بصمت وهي تبتعد عن صبا دون وعي و تتراجع الى الخلف بينما نظرت صبا الى وجه عاصم المخيف بتوتر.
قال عاصم بصوت خافت يحوي الشر بين طياته (أين كنتِ؟، ومع من؟)
عقدت صبا حاجبيها قليلا لكنها قالت بهدوء و صوتٍ خافت (هل أنا مُراقبة؟)
شهقت حنين وهي ترفع يدها الى وجنتها و تشعر بأنها على وشكِ الإصابة بالإغماء، بينما انطلق صوت عاصم يهز جدران الغرفة (طبعا مراقبة، هل كان عندك شك في ذلك؟).
لم ترد صبا، فوق عاصم أمامها وهو يغلي غضبا و نارا سوداء، وغيرة همجية، و، و خوفا عليها، يوما ستكون هذه الفتاة سببا في موته خوفا عليها، لكنه لم يسمح لخوفه بالظهور وهو ينظر اليها ببأسٍ و قسوة، فقال بقوة أفزعت حنين (مع من كنتِ؟)
قالت صبا بعد لحظات بصوتٍ خافت (لماذا؟، الم يخبرك رجالك؟)
لم يرد عاصم لكن ازداد احمرار عينيه حتى بات منظره مخيفا، ثم قال بصوتٍ خافت (حنين، اخرجي من هنا الآن).
ازداد اتساع عيني حنين ارتياعا، لكنها تحاملت على نفسها و همست بصوتٍ يرتجف غير مسموع تقريبا (عاصم، صبا كانت)
لكن عاصم صرخ عاليا (اخرجي الآن يا حنين)
قفزت حنين الى الخلف مع صوته الجهوري، و نظرت الى صبا برعب، لكن صبا أومأت لها أن تخرج الآن، فمشت حنين متثاقلة بساقين ترتجفان و لا تقويان على حملها، فخرجت من الباب وهي تنظر الى صبا بنظرةٍ مرعوبةٍ أخيرة ثم أغلقت الباب خلفها…
ظل عاصم واقفا متصلبا كتمثالٍ مجسدٍ للشر، ثم أعاد مرة أخرى بخطورة (مع من كنتِ؟)
أطرقت صبا برأسها، وهي تسأل نفسها هل تخبره و تسبق ذلك المهووس قبل أن يخبره بنفسه، أم أن من الحكمة أن تنتظر قليلا فربما قلب الحلول التي عرضتها عليه في رأسه و ربما أنهى الامر في صمت…
وحين طال صمتها، صرخ عاصم و قد فقد السيطرةعلى أعصابه (مع من كنتِ يا صبااا؟).
انتفضت صبا في مكانها ثم تراجعت للخلف مع تقدمه ناحيتها الى أن وصل اليها و أمسك بكتفيها بقوةٍ يكاد يرفعها عن الارض و هدر بغضب (، خرجت من البيت دون اذني ولم يكد يمر على زواجك خمس أيام، لأعرف بعدها من أحد رجالي أنكِ كنتِ مع رجلٍ غريب في مكانٍ عام)
لم ترد صبا وهي تنظر اليه بصمت، ثم قالت بخفوت (وهل أنا موضع شك؟)
شدد عاصم على كتفيها يكاد يكسرهما وهو يصرخ بغضب (كفي عن أسئلتك الغبية و أجيبيني، مع من كنتِ؟).
ردت صبا دون جدال (كنت مع خصم أحد موكليني)
هزها عاصم مرة أخرى حتى اغمضت عينيها و اصطكت أسنانها وهو يصرخ (أي أحمق قد يدخل هذا الكلام عقله؟، احد الخصوم و دون أن تعلميني، و في خامس يوم لزواجك؟)
رمشت صبا بعينيها عدة مرات، ثم قالت بصوت يرتجف قليلا (ليس الأمر كذلك، شخصا ما احتاجني لذا خرجت بسرعة و انا معتادة على مقابلة موكليني، لذا لم، افكر مليا قبل أن أخرج).
شدها اليه يكاد يرفعها وهو يهمس أمام وجهها بشراسة (كيف امكنك تصغير شأني الى هذه الدرجة، كنت على وشك ان أطلب من رجالي اخذك قسرا إلى البيت دون اعتبارٍ لأي شيء، لكن في آخر لحظة و حين وصلت أنا كنتِ قد رحلتِ، هل تدركين مقدار سوء منظري أمام رجالي؟)
ظلت صامتة قليلا. ثم همست اخيرا (أنا، آسفة)
و كأنه لم يسمعها، ظل ممسكا بكتفيها دون أن تلين ملامحه، فهمست مرة أخرى (أنا حقا، آسفة).
ظل عاصم صامتا قليلا ثم دفعها أخيرا عنه وهو يستدير عنها، اقتربت صبا منه بعد لحظات لتقف خلفه ثم همست (شخص احتاجني و لم اجد الفرصة لأفكر قبل أن اتصرف)
و حين لم يرد عليها، تابعت (من المفترض أن أكون محل ثقتك إن أردت أن نبدأ حياة صحيحة)
حينها استدار اليها و قال بغتة (وهل أنا محل ثقتك؟، وهل ما فعلتهِ اليوم يؤهل لحياةٍ صحيحة)
قالت بصوتٍ أكثر خفوتا (لقد أخطأت و اعتذرت لك).
قال بصوتٍ قاطع بعد عدة لحظات (مع من كنتِ؟)
قالت بعزم محاولة إخفاء قلقها من معرفته، خوفا على حنين و ليس خوفا منه (أخبرتك يا عاصم، وهل سيشكل الإسم أي فارق؟)
نظر عاصم إلى عينيها نظرة طويلة، شعرت حينها صبا بأن شيئا ما قد تغير بداخلها، لم تعتد أن تخطىء، تتهور ربما، لكنها لم تعتد الخطأ، و حتى أنها كذبت عليه.
أطرقت برأسها وهي تهمس بداخلها دون صوتٍ أو حركة.
استغفر الله العظيم، سامحكِ الله يا حنين، لم أكن أنوي الكذب عليه…
فجأة سمعت صوت خطواته فرفعت رأسها لتجد أنه قد غادر الغرفة صافقا الباب خلفه، وقفت صبا مكانها للحظات تحدق بالباب المغلق، ثم استدارت ببطء لترى نفسها في المرآة، وماذا بعد يا صبا، الى الآن و انت قادرة على استيعاب وضعك الجديد، الى اى دوامةٍ رميتِ نفسك؟
دخلت حنين الى غرفتها جريا و ما ان دخلتها حتى اغلقت الباب خلفها و استندت اليه بظهرها وهي تلهث توترا، يالهي، يالهي، عاصم سيفترس المسكينة، مالذي فعلته بها؟، و لماذا أقحمتها مع ذلك المجنون؟، ظلت تتنفس بسرعةٍ وهي تتوقع صوت صراخ صبا بين لحظةٍ و أخرى، ثم حين مرت الدقائق دون أن تسمع شيئا فتحت عينيها وهي ترتجف، ثم اتجهت جريا الى الطاولة و التقطت هاتفها لتطلب الرقم البائس بأصابعٍ سريعة مرتجفة، ووضعته على اذنها وهي تنتظر الصوت الذي باتت تحفظه عن ظهر قلبوحين وصل الى اذنها الحساسة، التقطت معه نغمة التسلية الخطيرة و التي تحوي تهديدا دائما (اهلا. اهلا بحرمنا المصون، الى من أدين بمثل هذا الشرف؟).
قالت حنين بصوتٍ خشن يرتجف ارتجافا (جاسر)
سمعت ضحكة خشنة تحاكي خشونة صوتها، فساد الصمت بينهما بعدها طويلا الى أن قال جاسر بصوتٍ لا يحمل أي اثر للتسلية (ترى ماذا استفدتِ من ذلك العرض المثير للشفقة؟)
قالت حنين بصوتٍ يرتجف (هل أخبرت عاصم؟)
ضحك جاسر مرة أخرى ثم رد بنعومة خطيرة (بأن زوجنه أتت لتقابلني دون علمه؟، لا ليس بعد، أنا أدخر المعلومة لوقت حاجة).
هتفت حنين بقوة (لا تخبره، صبا ليس لها أي ذنب، حاول مرة أن تتخلص من اسلوبك المرعب، المتوحش، ال، ال)
قاطعها بنعومةٍ وهو يقول (اهدئي، اهدئي أيتها الفرسة الجامحة، كم أتوق لرؤيتك الآن، لكنت أستطعت تهدئتك، لأربت على عنقك الناعمة، ل)
صرخت حنين بهيستيريا؛ (توقف، توقف، الا تمل من نفسك، أنت شخص مريض، مهووس)
رد عليها بعد لحظة بصوتٍ خافت هادىء (و سيريك المريض المهووس ماذا بإمكانه أن يفعل).
اغمضت عينيها ثم فتحتهما، ثم همست بضياع (جاسر، ارجوك، اعتقني لوجه الله، ارجوك)
لحظة صمت مرت بينهما و كأنها دهر ثم سمعت همسة خشنة (اعتقك؟)
همست هي الأخر و هي تومىء برأسها بقوةٍ و كأنه يراها (نعم، نعم، ارجوك، اتوسل اليك، أنت تستحق امرأة تحبك، و أنا لا أحبك، أنا لا أحبك)
لحظة صمت أخرى، ثم بعدها سمعت صوته واضح المعالم يقول بلا مبالاة (و تعتقدين أن ذلك يهمني؟، لا أريد حبك يا حنين، ابقيه لنفسك إن أردتِ).
اغلقت شفتيها، بينما في داخلها شعرت بغضب، غضب و قسوة يتزايدان في نفسها يوما بعد يوم، ثم همست أخيرا وهي تشدد قبضتها على الهاتف (وأنا لست جارية عندك، أنا لست شيئا رميته منذ سنين لتعود فجأة مقررا أنك تريد استعادته، أنا أريد من يحبني و يريد حبي).
للمرة الثالثة ساد الصمت الذي انهك أعصابها المحترقة، ثم قال أخيرا بصوتٍ خافت خطير ارسل رعشة في أوصالها (وهل وجدتِ شخصا بهذه المواصفات؟، أخبريني لأتمنى لكِ الخير).
اطرقت برأسها وهي ترتجف، تطالعها العينان اللتان طالما داعبتا عينيها و قلبها، ذلك الحب الذي قُتل قبل حتى أن يولدتنهدت ترتجف بخوف ثم همست بخفوت بنبراتٍ تختنق بدموعٍ حبيسة ٍ (لو كان هناك أحدا لنت عرفته أنت بمنتهى السهولة، أنت أصبحت تتلاعب بحياتي كالقط و الفأر)
قال بصوتٍ غريب عميق (نعم، نعم، لكنت عرفته يا حنين، أخبريني ماذا كنتِ لتتوقعين أن تكون ردة فعلي لو علمت أنكِ سلمتِ قلبك لغيري).
فقدت حنين سيطرتها على نفسها و اندفعت تسير بجنون الى وسط الغرفة وهي تهتف بجنون (يا مجنون، يامجنون يا سليل المجانين، وهل كنت أعلم بوجودك أصلا من قبل، كنت تتوقع أن أظل مرهونة لشيءٍ ما مجهول خلف الأفق، لأفاجأ فجأة بأن سبع الرجال يريدني بل و يهددني أن تجرأت و سلمت مشاعري لأحد).
مرت عدة لحظات قبل أن سمع ضحكته الخشنة، ثم قال بتسليةٍ خشنةٍ خفية (كم أنتِ شجاعة و أنتِ تتحدثين في الهاتف، لهذا أحب أن اهاتفك دائما، لأتعرف أكثر على الفرسِ الجامحة التي تزوجتها، أما حين تكونين أمامي فتكونين مسكينة مثيرة للشفقة كالكتكوت المبتل).
اتسعت عيناها وهي تستدير حول نفسها بجنون و هي تهتف بغضب و شراسة؛ (أنا؟، أنا مثيرة للشفقة؟، أنا كالكتكوت المبتل؟، من تظن نفسك؟، السيد المرعب. الفظيع، أحمد ربك أنني لست أمامك الآن، و الا لكنت سمعت بعضا من الألفاظ المنتقاة و أنت تعرفها جيدا).
قاطعها صوت ضحكه العالي و الذي كاد ان يصم أذنها، وكم تعجبت من صوت ضحكاته و كأنها نابعة من أعمق أعماقه، سكتت حنين وهي تستمع إلى ذلك المجنون، لماذا يضحك هكذا و كأنه مشتاقا للضحكِ منذ سنيننفضت تلك الأفكار عن رأسها وهي تقول بعد أن سكت أخيرا (جاسر، اسمعني أرجوك، اليس هناك مجال لنتفاهم؟، إنها حياتي التي نتحدث عنها).
سكت جاسر تماما وهو يصدرصوتا ينم عن التفكيير العميق، ثم سأل بخشونة (بدلا من المحاكم و الفضائح؟)
قالت حنين بسرعةٍ وهي تقبض على الهاتف أكثر (نعم، نعم يا جاسر، و أنا ايضا لا أريد فضائح، أرجوك)
سكت عدة لحظات كانت قد انهارت فيها تماما، ليقول أخيرا (حسنا لتقابل و نتفاهم في الأمر)
أغمضت حنين عينيها بيأس وهي ترفع رأسها للسماء هامسة (مرة أخرى؟).
قال جاسر ببساطة (أنتِ لم تأتِ، بل لعبتِ دور المتذاكية و ارسلتِ زوجة ابن عمك لتهدني)
قالت حنين بتضرع (لم يكن تهديدا، لم نقصد صدقني)
أخذ جاسرنفسا وهو يتظاهر بالتفكير، ثم قال أخيرا (حسنا يا حنين، آخر كلام لدي، سنتقابل في حفل الشركة و بعدها سنتكلم)
عقدت حنين حاجبيها وهي تهمس بخوف (حفل الشركة؟، لا، لا، لن اذهب اليه، لا أريد)
رد عليها جاسر بصوتٍ قاطع نفذ الى اذنها مباشرة (بل ستذهبين، و الا فسآتي أنا اليكِ).
قالت حنين تترجاه، (جاسر)
قاطعها جاسر بقوة و دون أن يسمح لها بالتردد (سأكون هناك و أريد أن أراكِ)
أغمضت حنين عينيها، هو وعمر مرة أخرى جنبا لجنب، لا تظن أنها تستطيع احتمال ذلك مرة ثانية ٍأكمل جاسر بصوتٍ غريب (أريد أن أراكِ مسدلة شعرك الطويل، و بثوبٍ أحمر)
فتحت عينيها بدهشة وهي تقول و كأنها لم تسمع ما قاله للتو (عفوا، ماذا قلت؟).
قال جاسر بصوتٍ عميق نفذ إلى أوردتها وفي مجرى الدم (أريد أن أراكِ بثوبٍ أحمر قانٍ، و شعرك، شعرك اتركيه مجنونا من حولك)
سقطت حنين جالسة على السرير وقد فقدت القدرة على الوقوف و التماسك، ثم همست بخفوت و يأس (جاسر، قلت أننا سنتفاهم)
رد عليها جاسر بتأكيدِ صوته القوى (و سنفعل، لكن بالصورة التي أريد)
ردت عليه حنين بصوتٍ مهزوز (أنا، لا أرتدي اثوابٍ حمراء)
رد جاسرقاطعا (بل ستفعلين إن أردتِ أن نصل لحل).
همست حنين بتأوه (ليس لدي ثوبٍ أحمر)
قال جاسر بتملق و تسلية (تلك مشكلتك)
تنهدت حنين وهي جالسة على الفراش بكتفين محنيتين و رأسٍ ساقطةٍ كزهرةٍ ذابلةٍ و شعرها الساقط من حولها فبدت مثالا لليأس، إنه يتلاعب بها، بعد عدة لحظات أخذت نفسا عميقا ثم همست بحزم (حاضر يا جاسر، سأفعل ما تريد).
أغلقت حنين هاتفها ثم رمته بأعلى يدها على الفراش و نهضت بقوةٍ تنفض شعرها بجنون، يريد ثوبا أحمر، فليكن له ثوبا أحمر. فلنرى ما هو آخر الأمر معه، اندفعت بقوة إلى الباب و فتحته و مشت وهي تسب و تلعن، يريد ثوبا أحمر، الاحمق فليكن له الثوب الأحمروصلت وهي تبدو كالمجنونة حتى وصلت الى غرفة حور ففتحت الباب و دخلت ثم صفقته خلفها بكل قوةوقفت في منتصف الغرفة واضع يديها في خصرها تلهث بغضب ثم هتفت في الغرفة الخالية (تريد ثوبا أحمر، حاضر، وماذا أملك إن كنت تحت إمرة مجنون).
اتجهت إلى خزنة الملابس وفتحتها تنظر الى الأثواب العديدة المرصوصة و التي لا تقارن بالعدد الذي اخذته حور معها، قالت حنين بغضب و عينيها تلمعانِ جنونا؛ (قسما بالله لن أنفق مليما واحدا من أجلك، و قسما بالله لن أطلب اذن حور و لأرى من يجرؤ على ان يلومني).
اخذت تنتزع كل ما هو أحمر اللون، وقد كان العدد يفوق العد، فحور هي عاشقة الأحمر بلا منازعأمسكت حنين ملىء ذراعيها أشياءا حمراء وهي لا تزال تهمهم غاضبة و مجنونة ثم رمتهم بقو على السرير و أخذت تقلب فيهم بجنون وهي تبدو كماكينة دوارة و الأثواب الحمراء تتقاذف هنا وهناك. عاليا لتحط على السرير و على الأرض، الى أن أمسكت بواحد أخيرا وفردته أمامها وهي تلهث بقوةٍ و تنظر اليه بكره و غل، ثم قالت بشراسة (ليلتك ستكون داكنة اللون معي، حظك السيء أن وقعت في يدي).
فجأة فتح الباب فالتفتت حنين بسرعةٍ و ذهول، ونظرة سارق الغسيل المنشور من فوق الأسطح تعلو وجهها بوضوح لتجد أن الحاج روعة واقفة تنظر اليها بريبة من منظرها الغريب، دخلت الحاجة روعة و هي تنظر الى الغرفة التي تحولت الى مكبٍ للملابس الحمراء تحديدا، فشعرت حنين و كأنها تتمنى ان تبتلعها الأرض من شدة الخزيقالت الحاج روعة بتعجب وهي تضع يدها على صدرها ناظرة حولها (ماذا حدث هنا يا حنين؟).
أمسكت حنين بالثوب الأحمر و ضمته بشدةٍ بين ذراعيها و التزمت الصمت وهي تشعر بمنتهى الغباء، انحنت الحاجة روعة تلقائيا و هي تجمع الأثواب القريبة من قدميها، لتضعهم على السرير ثم اقتربت من حنين لتقول بتوجس؛ (حنين ماذا بكِ يا ابنتي تكلمي، لا تقلقيني عليكِ أكثر).
ظلت حنين مطرقة برأسها دون أن تجيب، فجذبتها الحاجة روعة من ذراعها و أجلستها قسرا على السرير و جلست بجوارها وهي لا تزال متمسكة بالثوب الأحمر، مدت الحاجة روعة يدها لتحاول أخذه منها الا أن حنين شددت ذراعيها عليه بقوة وهي مطرقة برأسها و شعرها يغطي وجهها. بينما حاجبيها منعقدان بعندٍ كالأطفال ترفض التخلي عنهتركت الحاجة روعة الثوب بين ذراعيها طالما أنها تريد الإمساك به، ثم قالت مبتسمة برفق (الا تخبريني على الأقل عن ماذا كنتِ تبحثين؟).
ظلت حنين مطرقة برأسها بصمت عدة لحظات قبل أن تجيب بخفوت متصلب دون أن ترفع رأسها (عندي حفلا في الشركة و أريد ثوبا أحمر)
ربتت الحاجة روعة على كتفها وهي تقول بحيرة (و لماذا لا تشترين أجمل و افخم ثوب؟)
قالت حنين بتصلب و بتشديد على كل حرف (لا أريد)
ابتسمت زوجة عمها و هي تقول (لماذا؟، لما لا تطلبي من صبا أن تذهب معك و تختارين أجمل ثوب؟).
قالت حنين بخفوت وهي لا تزال متشبثة بالثوب بين أحضانها (لا، لست مهتمة، أنا أصلا لا أريد حضور اي حفلات، لكن)
ثم سكتت عن الكلام فقالت الحاجة روعة و هي تربت على شعرها (ولماذا لا تريدين الذهاب؟، اذهبي و افرحي و عيشي سنك ككل من في مثل عمرك).
ضحكت حنين ضحكة مريرة حزينة، فجذبتها الحاجة روعة لتنام على ركبتيها و أخذت تربت على شعرها كما كانت تفعل دائما، حينها انسابت دموع حنين غزيرة، غزيرة، دون كلام، و أيضا زوجة عمها لم تتكلم، لم تجد ما تقوله وهي تعرف تماما سبب حزن حنين، من المؤكد أنها تشعر بأنها أولى بأحد أبناء عمها، وهي محقة في ذلك، تنهدت الحاجة روعة بأسى و هي تتابع تمشيط شعرها بأصابعها، ثم قالت أخيرا محاولة ارضائها (حسنا، ما دمتِ مصرة على هذا الثوب، قيسيه أمامي لأضيقه لكِ، من المؤكد أنه أوسع من مقاسك فحور ذات إمكانيات متألقة).
استقامت حنين من على حجر عمتها وهي تمسح وجهها من الدموع لتقول عابسة من بين بكائها (ليس من الضروري يا عمتى أن تذكريني بأن الأميرة حور ذات الروائع و التضاريس الجغرافية بينما أنا أبدو ككارت الشحن).
ضحكت عمتها وهي تأخذها رغما عنها بين أحضانها و الثوب لايزال بين أحضان حنين بإصرار لتقول عمتها ضاحكة (أنتِ مثل الفل، الحمد لله كنت قلقة عليكِ في سنين مراهقتك و أنتِ كالصبية، أما الآن فأنت رائعة، لكن حور هي المتفجرة قليلا أكثر من اللازم)
هتفت حنين مرة أخرى بغيظ (عمتي!).
شددت الحاجة روعة من ضمها إلى صدرها وهي تقول بحنان (حسنا، حسنا، المهم سأعدله لكِ كي يليق بكِ، لكن افضل لو ذهبت و اشتريتِ لنفسك أجمل ثوب)
نهضت حنين وهي تهز رأسها نفيا ثم قالت بصوتٍ اجوف (لن أشتري أي ثوب، أنا ذاهبة رغما عني)
أومأت الحاجة روعة باستسلام وهي تقول برفق (كما تحبين حبيبة عمتك، كل شيء جميل عليكِ)
ظلت حنين جالسة بجوار عمتها بقنوط، الى أن قالت عمتها أخيرا بقلق (الا تعرفين ما دب بين عاصم و صبا؟).
اتسعت عينا حنين بخوف و نبض قلبها بقوةٍ، ثم ابتلعت ريقها و همست (لا، ما، ماذا بهما؟)
قالت الحاجة روعة بقلق (الان و أنا في طريقي اليكِ وجدت عاصم خارجا من غرفته كالصاروخ و حين سألته عما به، لم يجبني و خرج مندفعا و على وجهه غضب الله)
نظرت حنين أمامها بعيني من تسبب في مصيبةٍ، بينما تابعت الحاجة روعة بقلبٍ مهموم وهي تضع يدها على وجنتها (لقد أغضبته صبا في شيء ما، كيف تبدأ حياتهما بهذا الشكل؟).
ظلت حنين ناظرة أمامها بعينين متسعتين دون حتى أن ترمش بهما، ثم همست بتلعثم (أنها عروس، جديدة، و أكيد، تتدلل عليه قليلا، فقط)
تنهدت الحاجة روعة بينما قطبت حنين جبينها و هي تعض شفتيها مفكرة، سامحيني يا صبا، الجبن هو سيد الاخلاق في مثل تلك اللحظات العصيبة…
وقفت رنيم اليوم التالي منتظرة المصعد وهي تفرك يديها قلقا، و الآن ماذا؟، اي يومٍ معقد ستعيشه؟، لقد حضرت بعض الإجابات و الردود المحفوظة و الجاهزة لترد بها على كل أسئلة عمرفإن كانت قد تعلمت شيء من نائل فهو أن كل سؤال في الدنيا له إجابة دبلوماسية تستطيع أن تخرج بها من حرج السؤال دون أن تجيب بالواقع، و في أثناء انتظارها للمصعد، سمعت صوت خطواتٍ متمهلة تقترب الى أن وقف بجوارها شخص ضخم القى بظله عليها، نظرت اليه فوجدته جاسر رشيد الذي ينظر اليها هو الآخر بتسليةٍ و اضعا يديه في جيبي بنطاله بينما وجد خشبة تسليك أسنان في فمه!، يتلاعب بها بأسنانه دون أن يمسكها، اتسعت ابتسامته المتسلية لها حين نظرت اليه، فزمت شفتيها بغضب و نظرت أمامها، لكم هي مغتاظة من ذلك الشخص الذي هو على وشكِ تدمير حياة حنين إن لم يكن قد دمرها بالفعل، وصل المصعد فدخلت اليه رنيم بنرفزٍ يتبعها جاسر متسليا من منظرها الغاضب، و بعد أن أغلق المصعد أبوابه، أخذت رنيم نفسا عميقا و عدت من واحد الى عشرة، وهي تفكر أنها لن تتدخل فيما لا يعنيهاعلقت عينيها بالأرقام المضيئة للمصعد وهي تعد، واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة، خمسة، (أنت يجب أن تكتب على حنين رسميا).
ارتفع حاجبي جاسر بدهشةٍ وهو يتطلع إلى اندفاعها المفاجىء و صرختها المتوترة، لم يرد وهو يتلاعب بالعود الخشبي الصغير ما بين أسنانه، ثم قال لها أخيرا بهدوء مبتسما (وهل هذا رأي حنين؟)
قالت رنيم بقوةٍ وهي تهتف (نعم طبعا هو رأي حنين، أنت ستضيع مستقبلها و حياتها بزواجك العرفي بها و لو عرف أبناء عمها بالأمر لن يرحموها).
رفع جاسر حاجبا مفكرا وهو يتأمل الموضوع من كل زواياه ثم قال أخيرا من بين أسنانه؛ (اذن، ماذا تقترحين؟)
قالت رنيم بكل عزم و كل ما تمتلك من قدرةٍ على الإقناع (أن تذهب إلى بيتها و تطلب يدها من عاصم ابن عمها، و تعقد عليها رسميا)
أخفض جاسر راسه مفكرا و يديه لازالتا في جيبي بنطاله، و العود الخشبي يذهب يمينا و يسارا مع تفكيره ثم قال أخيرا بلهجةِ من يخبر سرا (آخر مرةٍ أصرت حنين على قطع كل علاقةٍ بي).
اندفعت رنيم تقول بحرارة (وصدقتها؟، إنها تحثك على التقدم لها رسميا، لا تخلى عنها أبدا و أذهب و طلبها بكل قوة، أشعرها أنك متمسكا بها)
قال جاسر بحاجبٍ مرتفع (أترين هذا حقا؟)
ردت رنيم مبتسمة بحرارة (نعم، نعم، بكل تأكيد، لا تسمح لها بأن تتسرب من بين أصابعك)
رفع جاسر عينيه مفكرا ثم نظر اليها وهو ينزع العود الخشبي من فمه مشيرا به اليها بقوة، وهو يقول (أتعرفين).
كاد العود الخشبي أن يصيب عينها مباشرة فأرجعت راسها الى الخلف بسرعةٍ، فقال هو ببساطة (لا مؤاخذة)
ابتسمت له رنيم بتوجس بينما تابع و وهو يشير اليها بالعود الخشبي متابعا (أتعرفين أنكِ تتكلمين كلاما صحيحا مئة في المئة، لما لا أذهب و أطلبها من ابن عمها لنصحح تلك الخطوة المتهورة)
أومأت رنيم برأسها بكل حرارة وهي تقول (عين العقل).
مد جاسر يده اليها، فصافحته تلقائيا ليشدد على يدها بيده الأخرى وهو يقول بوجهٍ تبدو عليه ملامح الجدية و العرفان بالجميل (أشكرك للغاية آنسة رنيم، كنتِ نعم العون و حنين ستكون ممتنة لكِ للغاية).
ابتسمت رنيم وهي تحمد الله سرا، يا فرحك يا حنين لو علمتِ أن مشكلتك ستحل قريبا، فتح المصعد أبوابه فوضع جاسر العود الخشبي بين أسنانه ويديه في جيبي بنطاله ليخرج من المصعد بعد أن أومأ لها برأسه، لكنها لم تره وهو يبتسم بتسليةٍ بينما عيناه تبرقانِ استمتاعااتجهت رنيم بخطواتٍ سريعة و متعثرة الى مكتب عمر، أخذت نفسا عميقا ثم طرقت الباب و دخلت. كان عمر جالسا إلى مكتبه يطالع شاشة حاسبه وهو منهمك التفكير، فتنحنحت رنيم وهي تهمس بصوتٍ مرتبك (صباح الخير سيد عمر).
لم يرد ولم ينظر حتى اليها بل تابع التقليب بين صور مشروعه، و تركها واقفة أمامه، حينها تميزت رنيم غيظا لكنها مضطرة لتحمله، لذا أخذت و قتها لتهدىء من نفسها، و في نفس الوقت طافت عيناها تتأمله، انه وسيم، ذو وجهٍ جذاب حنون وقوي في نفس الوقت، يشع رجولة و قوة، و على الرغم من معاملته المتحاملة عليها الا إنه شخص حنون و جدير بالثقة، تاهت شفتيها في ابتسامةٍ معجبةٍ كمراهقة. وفي لحظةٍ و أثناء شرودها المبتسم الحالم، كان قد رفع عينيه اليها و تلاقت نظرتهما في لحظةٍ فاجأت كلا منهما على حدٍ سواء، لماذا دائما ما تتعلق عيناه على جرح شفتيها؟، الا يدرك أنه ذلك من الوقاحة بما يجرح شعورها؟، رفعت يدها لتغطي بهما جرح شفتيها وهي تخفض جفنيها احراجا، غطت وشمها الوردي الداكن، شعر بالغضب وهي تحجب وشمها عنه، لكم يحب النظر اليه دون أن يعرف لذلك سببا، لا يعرف سوى أنه يزيدها جمالا، تبا، إلى ماذا تقوده أفكارهقال بصوتٍ قوي ينافي افكاره الغريبة (تفضلي اجلسي يا رنيم).
تقدمت رنيم ببطءٍ لتجلس على الكرسي المواجه له وهي مطرقةٍ برأسها، فتأمل شعرها الناعم في موجاته الطبيعيه و هي تغطي جانب وجهها، ليلة أمس حين رآها مع خطيبها لم يستطع أن يفسر تلك المشاعر الغامضة التي انتابته، غضب و تعجب من ذلك الشخص الغريب الجالس معها و الذي يبدو متشنجا بدرجةٍ غريبة، ولم يولها نصف الإهتمام الذي تستحقه، الى أن رفع يده في إشارة واضحة منه لتسكت، حينها شعر بمشاعر همجية تطوف بداخله، من هو ليأمرها بأن تسكت بمثل هذه الطريقة المهينة، و الذي أثار حنقه بدرجةٍ أكبر هو خنوعها و استسلامها، قال عمر بجفاء مهذب بعد عدة لحظات (اذن يا رنيم، لنبدأ من جديد، هل يمكنك أخباري موقع تلك الوظيفة بالنسبةِ لكِ من الإعراب، هل هي وسيلةٍ لتضييع بعض الوقت و تجربة شئيا جديدا مثلا؟).
في لحظةٍ واحدة كانت قد نسيت كل الأجوبة الدبلوماسية التي حفظتها و تاه منها كل ما حضرته سابقا، لم تستطع التلاعب بالكلمات أمامه، كل ما استطاعت هو أن مالت على سطح مكتبه لتقول بهمسٍ قوي (أنا أريد هذه الوظيفة، إنها أهم شيء في حياتي حاليا، وقد يكون احتياجي لها أكبر من غيري على عكس ما تتصور، عمر انا لدي مشاكل في حياتي الشخصية و لا أنكر ذلك، لكني أقسم لك أنني لن اقصر في عملي أبدا، أنا، أنا حتى تغيرت و تقدمت كثيرا في تلك الفترة القصيرة، الم تلاحظ ذلك؟).
كان ينظر اليها مبهورا قليلا، طريقة همسها و استجدائها و على الرغم من ذلك بما فيهما من قوةٍ و شجاعة جعلاه ينظر اليها مأسورا، صوتها الناعم الحزين و نظرتها التي تحوي أمل طفولي و شجاع في نفس الوقت. أطرق بنظره لكي يخفي انفعاله بها و نظر الى قلمه الذي يتلاعب به بين أصابعه، ثم قال أخيرا بجدية دون أن ينظر اليها (حسنا يا رنيم، أنا لا أملك محاسبتك على حياتك الشخصية، لكني سأكمل معكِ فرصتك في العمل الى النهاية، و أرجو الا تخذليني).
فغرت شفتيها قليلا، و امتلأت عينيها بمشاعرٍ غريبة وهمست بعد لحظةٍ بغصةٍ في حلقها (لن أخذلك أبدا).
رفع عينيه اليها حين سمع همسها، وعادت تلك النظرات لتتقابل و كأن أعينهما تحكيان قصةٍ سرية، هما نفسهما لا يسمعانها، أخفضت رنيم عينيها بسرعةٍ وهي تتطلع الى خاتم خطبتها الثمين و الذي يعادل ثمن سيارة أجرة من الممكن أن تفتح بيتا. و أخذت تتلاعب به، ثم نهضت من مكانها بسرعةٍ وهي تقول دون أن تنظر اليه، (أنا، أنا سأذهب إلى عملي، و، و أشكرك على كلِ شيء).
استدارت لتبتعد دون أن تنظر اليه خوفا من نفسها، الا أن صوته أوقفها وهو يقول بخفوت (رنيم)
تسمرت مكانها ثم التفتت اليه و عيناها تسبحانِ من حوله من جديد، حينها قال عمر بخشونة قليلا (رنيم، سأعتذر لكِ أولا عما سأقوله لكِ الآن، لكن أنا مضطر، أنا أريدك أن تراعي طريقتك في ارتداء ملابسك، خاصة حين نذهب الى أحد مواقع البناء، و حتى هنا أيضا).
كانت تستمع اليه عيناها تتسعان مع كل كلمةٍ ينطق بها حتى أصبحت مذهولةٍ حين انتهى، وهمست بذهول (طريقة، ماذا؟)
تنهد عمر غضبا و هو يعلم أنه تجاوز حدود الا أنها أصبحت تثير أعصابه وهي تختال هنا وهناك، حتى أنه أصبح يخاف عليها كأمانةٍ وهي معه في أي موقع بناء، قال عمر قبل أن يتراجع (لا أقول ذلك الا، الا لمصلحتك، نحن في عملنا نختلط بأناسٍ كثيرين و، وأنا لا أريد أن يجرحك أحد بأي نظرة، كأي واحدة أخرى هنا).
ظلت تستمع اليه و كأنه يتحدث من كوكب آخر، كلماتٍ غريبة على مسمعها، لا يريد لأحد أن يجرحها بنظرة؟، همست بذهولٍ وهي تبدو حمقاء تماما، (لكن أنا، لا أعتقد أنني أجذب، الانظار إلى أبدا)
نظر عمر إلى قلمه بين أصابعه ليقول بغضب وهو في نفس الوقت متردد من ذلك الموضوع الحساس (بل أنتِ، تجذبين الانظار اليكِ أينما ذهبت، قلة ثقتك بنفسك تمنعك عن رؤية ذلك).
ازداد ذهولها، و فغرت شفتيها و احمر وجهها بشدة، و للحظةٍ افلتت ضحكة غبية خافتة من شفتيها، ضحكة من سمعت أول عبارة مدح من شاب، ظل عمر يتلاعب بقلمه وهو يتوقع انفجارة وقاحة منها، الا أنه سمعها تهمس بعد لحظة (حاضر، سأحاول أن انتبه بعد الآن أكثر).
رفع نظره اليها بدهشة، إنها بريئة للغاية، بريئة ووديعة، حتى علا الصغيرة تنهكه جدالا و تذمر حين يأمرها بتغيير ثيابها، أما رنيم، أي حماقةٍ تجعلها فاقدة الثقة في نفسها إلى هذا الحد؟، استدارت رنيم بقلبٍ خافق لتذهب الى مكتبها لتتمكن من الاستمتاع بصدى كلماته وحدها و في خصوصية، الا أنه ناداها مرة أخرى و حين التفتت اليه مبتسمة هذه المرةقال لها بتردد (ستحضرين الحفل، اليس كذلك؟).
ظلت صامتة للحظة ثم أومأت برأسها مبتسمة برقة دون أن تصدر صوت، فأومأ برأسه هو الآخر و اخفض نظره الى قلمه، حينها اسرعت رنيم للخروج قبل أن يناديها للمرة الثالثة، بينما جلس هو يسأل نفسه غاضبا، عن أي جحيمٍ جعله يسألها هذا السؤال.
ذهبت رنيم الى مكتبها جريا و ما أن وصلت إلى كرسيها حتى ارتمت عليه وهي تنظر إلى السقف متعة العينين بإبتسامةٍ ساذجة وهي تضع يدها على صدرها الخافق، لماذا تبدو بمثلِ هذه البلاهة؟، ضحكت ضحكة عالية ثم و ضعت يدها على فمها لتكتمها، ظلت عيناها تشعانِ سحرا و سعادة، لكن فجأة، بدأ نورهما يخبو تدريجيا و راحت نظرتهما في شرودٍ كسير، لا تعلم لماذا أتتها في تلك اللحظة ذكرى غبية لا تحبها، تذكرت قبل أن تخطب لنائل، حين كانت كل فترةٍ تتعرض لمهذلةٍ الخطاب المتقدمين لها، كانت قد تعرضت الى الرفض المهذب عدة مرات بعد أن يعرف الخاطب و امه بعمق إصابتها، الى أن يأست تماما و أصيبت بإحباط بالغحينها تقدم اليها شابا و سيما، وسيما بحق، ما أن راته حتى تمنت أن يرضى بها، منصبه و مستواه يلائم تماما مستوى أسرتها أي أن كل الظروف رائعة بالنسبة لهما معا، كم أرادت الا تخبره، أن تعطيه فرصة ليحبها، وحين يحبها من المؤكد سيرضى بكل عيوبها، لكن طبعا والدها ووالدتها رفضا تماما، أصرا على الصراحة من أول الامر، حتى لا تتم الخطبة ثم تفشل ما أن يعرف، و أخبرت أمها والدة العريس، فصمتت متجهمة بنظرةٍ متعالية ثم وعدت والدتها أن ترد عليها في خلال أيامأثناء تلك الايام احترقت أعصاب رنيم تماما، وهي تتمنى مع كل رنة هاتف أن يكون هو ذلك العريس يخبرها أنه وافق عليها، و بالفعل تكلمت والدته، لكنها طلبت طلبا واحدا، أن تأتي هي و أخته ليريانِ رنيم وهي متخففة من ملابسها بدرجةٍ تسمح لهما من معاينة جسدها، لأن الزواج شيئا مهم وهي ليست لديها سوى ابن واحد و تريد أن تفرح بسعادته، و قد كانت كارثة، حيث ثارت والدة رنيم ووالدها و رفضا تماما، بينما بكت رنيم طويلا وهي تحاول إقناعهما أن الأمر ليس بمثل هذه الخطورة، صحيح أنها كانت تشعر بالإهانة و في نفس الوقت الخوف من الا يعجبهما ما ستريانه، الا أنها كانت تريد أن تفعل كل ما في وسعها ليتم الأمر، وحين ذبلت تماما و تورمت عيناها من شدة البكاء، وافقت والدتها و أقنعت والدها على مضض خوفا على رنيم، و جاء اليوم الموعود، وحاولت رنيم التزين قدر استطاعتها، و ارتدت ما يشبه ثوب السباحة تقريبا، و جلست على فراشها تنتظر و قلبها يخفق بعنف و أغمضت عينيها وهي تدعو، وتدعو، وتدعو أن يرضون بها، و حين دخلت والدة العريس و أخته و قفت رنيم وهي تشبك أصابع يديها تبتسم بخوف، لم تشعر بالخجل يوما كما شعرت في تلك اللحظة، ووالدته و شقيقته تدورانِ من حولها و ملامحهما غير مفهومة أبدا، الى أن انتهيتا و خرجتا. و بعد ذلك مر يوم، ويومان، و اسبوع، و الاسبوع تحول إلى شهر، دون أن تسمع عنه شيئا، الى أن عرفت أخيرا أنه خطب فتاة أخرى من نفس المستوى، اقل منها جمالا، لكنها بالتأكيد بالمقارنةِ بها تعتبر مكتملة، هكذا، دون حتى كلمة اعتذار واحدة، لم تدري رنيم وهي جالسة الى مكتبها أن دموعها تنساب على وجنتيها في صمت من تحت جفنيها المطبقين، و لم تدرك أن أصابعها قد أمسكت بالقلم أمامها و خطت على أول ورقة من دفترها الخاص بالعمل، جملة واحدة و سلمت بأنني لم أعد أنثى.
تلك الليلة كانت صبا تذرع الغرفة جيئة و ذهابا و هي تفرك يديها، عاصم لم يأتِ الى الآن إلى البيت و على مائدة العشاء حاولت التهرب من عيني الحاجة روعة المتسائلتين، بينما نظرات حنين ضائعة و معتذرة و حزينة مما جعل صبا تشفق عليها أكثر، و الآن و قد قارب الوقت على الواحدة صباحا و لم يصل بعد، التفتت بسرعةٍ إلى الباب حين سمعته يُفتح و تنفست الصعداء لتجد عاصم يدخل الغرفة بهدوء. تطلعت اليه بطرفِ عينيها وهو يدخل دون حتى أن يلقي التحية اليها، ليخلع سترته و يليقيها على الفراش، قالت صبا بخفوت (السلام عليكم).
لم يرد عليها فقط التقت عيناه بعينيها للحظة، بدا متعبا متجهما وهو يفك أزرار قميصه، وأمام نظرها خلعه ليتبع السترة، احمر وجهها بشدة فاستدارت عنه و اقتربت من الفراش تلتقط القميص و السترة، علقت سترته مكانها بينما طوت القميص بين ذراعيها لتاخذه للغسيل، لكن و هو بين ذراعيها اخترقت أنفاسها رائحة عطره القوي مختلطة برائحة رجولته الغير قابلة للخطأ فيها، فعلى مدى الايام الماضية وهو يصر عليها كل ليلةٍ أن تنام بين احضانه أصبحت تعرف رائحته الخاصة حق معرفة، حتى و لو أغمضت عينيها فلن تخطئها أبدا، عضت على شفتها وهي تلف القميص على ذراعها تنوي الخروج من الغرفة الا أنها، توقفت مكانها واستدارت اليه محاولة الا تنظر لعضلاته القوية، مثبتة نظرها على الستائر من خلفه لتقول بصوتٍ اكثر خفوتا (عاصم، أنا آسفة).
توقفت يداه ثم نظر اليها طويلا، كم تبدو أجمل كل مرةٍ تنظر فيها اليه، تبدو كإمرءةٍ تنبع بجمالٍ دافىء، قميص نومها الحريري بلون الشوكولا الذائبة وشعرها، شعرها الافتح قليلا منه ينساب عليه لينافسه نعومة، هل تتبع خطة لتعذيبه أمام كل ما تسبب فيه لها، حين طال صمته و لم يرد اقتربت منه قليلا على الرغم من وجهها الذائب خجلا ووقفت أمامه لتقول بأسف (لن أعيدها مرة أخرى).
ظل عاصم ينظر إلى رأسها المحنى و أعصابه تحترق غضبا و شوقا، ثم قال دون مقدمات (مع من كنتِ؟)
رفعت نظرها اليه بسرعةٍ ثم اخفضته بسرعةٍ مجفلة من شدة بأسه، عضت على شفتها و همست بعد لحظة (شخصا ما احتاج مساعدتي، ووعدته الا اذكر اسمه، أرجوك يا عاصم لا تجبرني على ذلك، يجب أن، أقصد أتمنى أن، تستطيع التعامل مع ذلك، تلك طبيعة عملي و لها خصوصيتها).
أمسك بذراعيها بقوةٍ جعلتها تصرخ ألما و هو يشدها اليه غاضبا ليقول (هل تكلمين إنسانٍ جاهل؟، من ليقبل بهذا الوضع؟)
صرخت صبا بفزعٍ وألمٍ من اصابعه التي تحفر في ذراعيها (و أخبرتك أنها آخر مرةٍ ستكون على هذا النحو و اعترفت بخطئي فماذا تريد مني بعد؟، أنت لم تشتريني لتملكني).
التمعت عيناه غضبا و شراسةٍ أضعافا حتى ارتعبت منه، لكنها لم تستطع الإفلات من يديه اللتين كانتا كفكي الكماشة، بنما قال هو بهسيسٍ مجنون؛ (لم أشتريكِ، لكني أملكك).
ثم جذبها اليه بقوةٍ و هو يفجر كل إحباط الايام الماضية في لحظةٍ جنون ليرتوي من شهدِ شفتيها كاد أن يدميهما، تلوت صبا بعنف بين ذراعيه و قاومت بكل قوتها و التي لم تكن تساوي شيئا بالمقارنة بقوته، ظلت تقاومه بشراسةٍ محاولة الا تصدر صوتا حتى لا يسمعها أحدا، لكنه كان كمن فقد عقله تماما وهو ينهل من شفتيها و عنقها و وجنتيها و كأنه أعمى لا يراها، كانت صبا تحاول التماسك على الرغم من شدة الرعب الذي تشعر به، لكن ما أن حملها بين ذراعيه و اتجه بها إلى السرير ليضعها عليه حتى صرخت بصوت مخنتق وكأنها تشهق غير قادرة على التنفس و أخذت تهمس رعبا و الدموع تنساب بغزارةٍ على وجنتيها، و أصابعها تحفر في ذراعيه بهلع (لا، لا، أرجوك، أتوسل اليك لن أستطيع، أرجوووك).
للحظاتٍ صم قلبه واذنيه عن توسلاتها اليائسة المرعوبة وهو ينعم بتلك الجنة التي تمناها طويلا، الا ان ضربات قلبها على قلبه جعلته يتوقف، و التي بدت و كأنها ضربات شخصٍ ينازع ما بين الحياة و الموت، اخذ يتنفس بصعوبةٍ فوق جبهتها بينما ذراعيه تشتدان على جسدها المرتجف برعب وهي تهمس من بين بكائها (لن أستطيع، لن أنجح)
. وما أن وجد صوته حتى همس فوق جبهتها وهو يلهث (حسنا، حسنا اهدئي، لا تخافي).
أخذت تبكي على صدره حتى بللته بدموعها و هي تشهق بقوة، (لن أنسى، لن أنسى أبدا)
ضمها إلى قلبه الملتاع و ملامحه تتغضن ألما و أخذ يهمس (هشششش، أنا السبب، فقط اغمضي عينيكِ و نامي).
ظلت تبكي طويلا كما فعلت ليلة زفافها الى أن غفت أخيرا بين ذراعيه، وهو، هو لم يكن أفضل منها حالا و هو يود لو يقتلها في هذه اللحظة تحديدا، بعد أن يطمئن عليها، استيقظت صبا مبكرة لتجد نفسها وحيدة في الفراش، استقامت ببطءٍ و ضعف و هي تجيل نظرها في أنحاء الغرفة لتتأكد من أنها وحيدة، رفعت ركبتيها و ضمتهما الى صدرها وهي تتذكر أحداث الليلة الماضية، تستحق كل كرثة أسقطت نفسها بها، و مع ذلك الطريق لم ينتهى بعد، ستظل تسقط و تسقط لكن إلى أين ستصل؟، وهل ستصل قبل أن تدق عنقها يوما، فتح عاصم الباب برفقٍ ودخل الى الغرفة ليجدها جالسة أمامه كأجمل لوحةٍ وهي شاردةٍ تتطلع للبعيد، تضم ركبتيها الى صدرها و شعرها ينساب بموجاته الناعمة حول وجهها و كتفيها، للحظاتٍ لم يشأ أن ينبهها لوجوده، لعلمه أن هالة السلام المحيطة بها ستنقشع ما أن تراه، اليوم حين نظر إلى نفسه في مرآة الحمام ود لو يكسرها غضبا منها ومن نفسه، ضرب الحائط المصقول بقبضة يده دون أن يهتم للألم، لقد هدم صبر الأيام الماضية في لحظة غضب، تنهد بقوةٍ و على الفور أجفلت صبا منتفضة وهي ترفع رأسها لتنظر اليه بوجل، تنهد عاصم مرة أخرى بيأس و أغلق الباب و هو يدخل إلى الغرفة، وما أن وصل اليها و جلس بجوارها على الفراش. لم يفته ابتعادها الغير مرئي عنه ببضع شعراتٍ وهي تتجنب النظر اليه. لكنه لم يأبه وهو يمد يده الى فكها ليدير رأسها اليه برفق، و بعد عدة لحظات تمكنت من النظر إلى عينيه بصمت، حاول أولا أن يشبع عينيه من وجهها الصبوح و حين فشل و زاد جوعه و شوقه، قال بصوتٍ جاف (هل نبدأ من جديد؟).
تشوشت عينيها بندى دموعها، و تمكنت من الهمس بغصةٍ في حلقها (هل، تثق بي؟)
قال بعد لحظةٍ بصوتٍ خشن يحوي الكثير (وهل تثقين أنتِ بي؟)
أخفضت عينيها و يده التي تمسك بجانب و جنتها تجرأت على أن تحاوطها كلها مع يده الأخرى ليضمها بين ذراعيه وهو يرفعها برفقٍ على ركبتيها، حتى رفعت ذراعين ترتعشين لتحاوط بهما عنقه و هي تخفي وجهها بينهما…
وطال بهما الوقت دون أن يدرك كلاهما أن أحدهما لم يجب على سؤال الآخر!..
كان عاصم جالسا في مكتبه يطالع أحد ملفات عمله بوجوم بعد أن سلم صبا لأمه يدا بيد، حين دخل اليه مالك مبتسما ليقول بطريقة استعراضية فاردا ذراعه (صباح الخير يا شيخ الشباب)
قال عاصم بفظاظة دون أن يرفع نظره عن أوراقه (ماذا فعلت في بيت القاسم؟)
أجفلت ملامح مالك و اكفهرت، ثم قال بوجوم بعد لحظات (يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم، رد الصباح أولا).
لم يرفع عاصم عينيه وهو يقول بغضب الساعات الماضية؛ (انجز و اخبرني ماذا فعلت في بيت القاسم؟، المشروع كان من المفترض أن يبدأ منذ أشهر)
تنحنح مالك وهو يعرف أخاه في حالات غضبه حق المعرفة، لذا لا بد و أن يكون حكيما، فقال بهدوءٍ كاذب (خلال أيام، سنبدأ، إن شاء الله، ثق بي)
رفع عاصم عينيه الغاضبتين ليرمي الملف على سطح المكتب بغضب وهو يقول (كما وثقت بك من شهرين و لم يتم رفع قشة من البيت).
ابتسم مالك ابتسامة اودعها مظاهر الثقة وهو يقول (خلال أيام، صدقا، و سأشرف على المشروع بنفسي كما وعدتك)
زفر عاصم بنفاذ صبر وهو يرمقه بنظرةٍ غاضبة. ثم نظر إلى شاشة حاسبه متجحاهلا وجوده، سكت مالك قليلا ثم قال بعد فترة (عاصم)
رد عليه عاصم دون أن ينظر اليه (همممم)
حك مالك شعره بيده ثم قال أخيرا بتوجس (أريد شقة في المشروع الجديد).
نظر اليه عاصم نظرة سريعة ثم عاد الى شاشته ليقول (حسنا لكن لدينا أبراج في أماكن أفضل بكثير، اختر منها ما تريده)
حك مالك شعره مرة أخرى، ثم قال بتردد (ليس لي، لأحد، أصدقائي)
نظر اليه عاصم مرة أخرى ليقول بدهشة (ستهادي أحد أصدقائك بشقة؟)
قال مالك بسرعةٍ (سيدفع ثمنها بالطبع، فقط سأساعده في تسهيلات الدفع)
قال عاصم بنفاذ صبر (اذن أين المشكلة؟).
رفع مالك حاجبيه بدهشةٍ مصطنعة وهو يقول (مشكلة؟، من ذكر مشكلة؟، أنت من ذكرتها)
زفر عاصم مرة أخرى وهو يعود الى عمله، بينما كان مالك يحك شعره للمرة الثالثة وهو لا يعلم كيف يطلبها، فقال أخيرا بحزم و قوة (عاصم)
أجفل عاصم من نبرة مالك فقال هادرا بغضب (ماذا؟، ماذا؟، الا تراني مشغولا؟)
تراجع مالك في مقعده وهو يفكر في نفسه، لكِ الله يا صبا، لكنه أخذ نفسا عميقا و قال قبل أن يتراجع (أريد وظيفة لأحد معارفي).
تأفف عاصم وهو يقول (حسنا يا سيدي، اخبرني مؤهلاته و سأرى له و ظيفة في أحد مشاريعنا)
حك مالك شعره، اللحظة الحاسمة قد أتت، فنظر الى عاصم بنظرة وديعة ثم قال بخفوت (لا مشكلة، لكن هناك نقطة بسيطة في الأمر قد، تتطلب بحثا أفضل قليلا، أنها فتاة)
نظر عاصم اليه بسرعةٍ و حاجبيه يرتفعانِ بدهشةٍ، ثم قال (منذ متى تعرف فتيات؟)
عقد مالك حاجبيه ليقول بصرامة (لا أعرفها بالمعنى الملوث الذي يدور في رأسك، إنها، ابنة).
قال عاصم مقلدا لهجة مالك و حركة يده (نعم، ابنة؟، من؟)
قال مالك بسرعةٍ وحسم، (ابنة أحد أصقائي)
رفع عاصم حاجبيه أكثر فعدل مالك كلامه بسرعة (اقصد ابنة أحد أباء أحد أصدقائي)
رفع عاصم يده الى وجنته، ثم قال بنظرة وجوم؛ (الاجابة، أخت أحد أصدقائك)
ابتسم مالك وهو يقول بانتصار (
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بأمر الحب)