روايات

رواية زهرة الأصلان الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان البارت الرابع والعشرون

رواية زهرة الأصلان الجزء الرابع والعشرون

زهرة الأصلان
زهرة الأصلان

رواية زهرة الأصلان الحلقة الرابعة والعشرون

عند انتهاء زهرة من تجهيز طعام الغداء اتفقت مع السيدة نعمة و أم أحمد و فاطمة و ورد على تقسيم مائدة الطعام التى تضم لأول مرة منذ زواجها جميع أفراد عائلة الحج قدرى إلى ثلاثة أقسام بحيث يحتوى كل قسم على مجموعة متشابهة من الأصناف المعدة حتى يستطيع الجميع الوصول لكل الأصناف .. ترأس الجد المائدة وعلى يمينه ابنه زاهر يليه زوجته صفصف صاحبة الملامح المتكدرة منذ وصولها ومنير وزوجته سلوى ورائد ونانى بالترتيب .. وعلى يسار الحج قدرى جلس محسن يليه زوجته سعاد ثم السيدة نعمة ومحمد و أسماء وأسامة وسوما وبوسى و عادل بجوار نانى .. فيكون على يمين الحج قدرى الصف المحتوى على زاهر قدرى وينتهى بكرسى فارغ بعد عادل وعلى يسار الحج قدرى الصف المحتوى على محسن و ينتهى ببوسى و الكرسى الفارغ بجانب بوسى و الذى جلس عليه قطة الأصلان الذى زاد من ضم كرسيها بجانبه لتكون هى و الأصلان فى مواجهة الحج قدرى على الطرف الآخر من المائدة .
و قد حرصت السيدة نعمة و معها زهرة على إرضاء كافة الأذواق خاصة لعلم السيدة نعمة أن صفصف زوجة زاهر لا يعجبها شىء و دائمة التعليق
و الانتقاد للإنتقاص من سلفتها السيدة نعمة و هو ما أدركته السيدة نعمة على مر السنين و المواقف بينها وبين صفصف لذا أعدت هى وزهرة بمساعدة نساء المطبخ الأصناف التقليدية المصرية المفضلة لدى الحج قدرى وأهل المنزل و كذلك الأصناف الجديدة حتى ترضى كل الأذواق .. و قد أصرت زهرة على إعداد قطع لحم مقطعة بحجم كبير و ناضجة جدا وسهلة المصغ وهى المفضلة لدى الحج قدرى و الأصلان كذلك الملوخية و المحشى و الأرز وغيرها من الأصناف .. و كالعادة حرصت زهرة برقتها على ملىء طبق أصلانها و عدم إنقاصه كذلك هو .. كما قربت له كوب من العصير .. الأمر الذى اعتادت عليه أسرة الحج قدرى ماعدا منزل سعاد و زاهر قدرى .. و قد ابتسمت سعاد على طريقة زهرة فى وضع الطعام لابن أخيها خلسة من أسامة و لم تفهم السبب إلا بعد أن أطلق أسامة سلسلة تذمرات أسامة من سوما حتى تضع له الطعام كزهرة ورفض الجد لذلك ثم توسله لجده من أجل إسراع زواجه بسوما و رفض الجد أيضا لذلك .. و ضحك زاهر و نعمة و محسن .. و تعليقات بوسى و دودى ومحمد .. كذلك غيرة رائد من أصلان بعد أن رأى اهتمام جنيته الصغيرة به تبتسم له برقة و يبادلها الابتسام كما يضع لها الطعام فى طبقها مما جعلهما يجذبان اهتمام الجميع دون استثناء مع اختلاف نياتهم من فرح أو حقد أو غيرة .
– سعاد التى أحبت مشاكسة زهرة :
كلى أنتى يا رورو .. بدل ما أنتى عمالة
تأكلى أصلان وناسية نفسك .. اتغذى
شوية يا حبيبتى .
– زهرة التى أحمرت وجنتيها قالت بصوت
منخفض :
أنا بأكل أهو يا طنط .
– أسامة مداعبا :
أيوه قوليلها و النبى يا عمتى .. دا
أصلان وزنه زاد من بعد جوازه .. خليها
تحطلى شوية فى طبقى على ما اتجوز
أنا و سوما يارب أنا زهقت .
– ردت بوسى :
و أنت فاكر إنك لو اتجوزت وزنك هيزيد
.. ” ثم مسحته بنظراتها ” .. دا أنت محتاج
سحر و لا عمل سفلى .
– ردت أسماء :
و أصلا سوما أكلتها قليلة .
– أسامة موجها كلامه لزهرة :
حطيلى يا زهرة و النبى من اللى بتحطيه
لأصلان .. أنا لازم اتخن و أغيظ بوسى .
– بوسى بسخرية :
عشم إبليس فى الجنة .
– أسامة متقربا من سوما و بصوت منخفض :
عشم أسامة فى سوما .. ” ثم على
صوته ” .. دا حتى أسامينا واحدة بس
الحروف ملغبطة .. جوزنا بقى يا جدى .
– فضحك الكل على كلامه .
– أضافت صفصف بفشخرة ليس لها داعى :
آه يا ريت يا عمى .. بس أبقوا
بلغونا بدرى شوية يا جماعة لأحسن
يكون ميعاد فرحهم قريب من ميعاد فرح
رائد و نانى .
ابتسمت نانى بدبلوماسيتها المعتادة و تجهمت ملامح رائد بعد أن نسى تماما
موضوع زواجه ب نانى بعد رؤيته ل زهرة ولم يعلق حتى لا يعطى كلمة أمام جده و بالتالى يكون ملتزما بها .. أما الجد الذى لم يفته إعجاب حفيده رائد بزهرة و على إتفاق مع رغبة صفصف على غير العادة أراد إسراع زواجه من التى اختارتها له أمه .. و على الرغم من عدم اقتناعه بها إلا أنها من شاكلتهم و تتلاءم معهم .. كما أنه لا يريد الانفراد برائد لسببين أولا حتى لا يعطيه فرصة أن يغير قراره من الزواج بها ليس لشىء إلا لانبهاره بجمال زهرة الخارجى و أنه فى كل الأحوال تزوج الأصلان من زهرة وانتهى الأمر و السبب الثانى أن يلومه رائد على زواج زهرة مع أن الحج قدرى قد أعطى حفيديه فرص متساوية و بنفس الظروف فكلاهما لم يراها سابقا إلا أن منهم من أطاعه طاعة عمياء و وثق فى اختياره و منهم من تمرد لمعايير سطحية أولها المستوى الاجتماعى و الثقافى و المادى ففاز بها أحدهما و خسر الآخر إلا أنه فى كلتا الحالتين لن يعطى فرصة للأمر أن يتطور عن ذلك و يدخل حفيديه فى صراع .. خاصة بعد أن عرض رائد أن يتابع أعمال العائلة مع الأصلان مما يستدعى وجوده بشكل دائم فى منزل جده أو على الأقل سيتواجد بكثرة مما آثار قلق الجد و ارتيابه فالحج
قدرى ليس بساذج حتى لا يعلم أن رائد يريد التواجد بالقرب من زهرة و هو ما لم يسمح به أبدا إلا إذا ارتبط بتلك الفتاة التى جلبتها صفصف معها وهو ما سيوافق عليه حتى تستقر الأمور .. مما جعله يبتسم فى وجه صفصف لأول مرة منذ سنوات ولكن ابتسامته لا تقل خبثا عنها .
– الحج قدرى موجها كلامه لصفصف :
عندك حق يا مرات زاهر .. لو العروسة
و أهلها معندهمش مانع نسرع جواز رائد
.. و بعدها إن شاء الله نجوز أسامة .
انتفض أسامة فرحا كطفل صغير بعد أن كاد ييأس من أمر زواجه من سوما
– أسامة :
يحيى العدل .. يحيى العدل .. هنتجوز
يا سوما أخيرا .
و ضحك الكل مجددا على حركاته تحت خجل سوما و مباركة بوسى و أسماء و سلوى و زهرة لها .. كذلك تجمد رائد فى مكانه من الصدمة فهو فقد رغبته فى هذا الأمر نهائيا و لم يتكلم .. على عكس صفصف التى طارت فرحا و قد اعتقدت لوهلة أن مخططها فى إلصاق نانى ل رائد قد نجح و انطلقت فى الحديث عن زواج ابنها وأنها تريد إقامته فى أفخم قاعات إسكندرية و يحضره أشهر الشخصيات فى مجتمعها و أغناهم مع إنسجام نانى فى حديثها بعد أن لاقى قبولا لديها كما أعربت بصوت دبلوماسى راقى أنه ليس لديها مانع فى تحديد أقرب موعد الزواج بعد التنسيق مع أهلها .. و قد طلبت صفصف أن تقوم هى بهذه المهمة مع صديقتها اعتماد .. كل ذلك ولم ينتبه أحد لرائد الذى بهتت ملامحه و غرق فى دوامة من أفكاره و منير الذى وضع يده على يد أخيه التى يستند بها على المائدة مواسيا له كذلك لم ينتبه أحد الى الجد الذى لم يفته ردة فعل رائد و أخيه منير و قد تأكد من صحة قراره و أن به مصلحة الجميع .
انتهى الغداء بهذه الأخبار السعيدة بالنسبة لأغلبية الموجودين و الحزينة لقلة منهم .. و انتقل الجميع لتناول الشاى فى الصالة فى جلسة ودية خاصة بعد أن استئذنت نانى بالانسحاب لغرفتها متحججة بالأرهاق الذى أصابها فهى لم تعتاد بعد على البيئة التى بها كذلك ترغب فى إيصال الأخبار لوالدتها .. كذلك انسحب محسن للراحة بعد إرهاقه فى السفر و زاهر
وصفصف أيضا .. و أسامة و محمد ذهبا لمتابعة بعض الأعمال مع توصية من بوسى و أسماء و سوما بشراء أكبر قدر من الحلويات و المسليات تعويضا عن خروجهم للأعمال .. و اتجهت أسماء للنوم تحت أوامر من زهرة فى الخفاء حتى تحصل على أكبر قدر من الراحة قبل مجىء زوجها و الاستعداد له كما أوصتها و احتفظت زهرة ب بودة ابنها للعب معهم كذلك حتى تجعله يخلد للنوم باكرا الأمر الذى لم يفت السيدة نعمة و أسعدها بهذه الفتاة الحريصة على مصلحة ابنتها كذلك لم يفت ذلك الأصلان العاشق لها مما جعلها تكبر فى نظره أكثر و تثبت له أنها مساوية له و تليق به كزوجة لكبير العائلة بعد جده تتولى إدارة شئون منزله بعد أمه و تحرص على مصلحة كل فرد فى المنزل كعائلة لها .
اتجه الأصلان الى مكتبه لمتابعة أعماله تاركا وراءه نساء المنزل فى جلسة ودية يتخللها الحديث عن الاستعداد للزواج و التى على وشك القدوم .. و كذلك منير و رائد فى ركن بعيد عنهن أحدهما مراقبا و مواسيا لأخيه و الآخر يركز بصره على قطة الأصلان ولا يحيد بعينيه عنها و تعالى وجهه تعابير مبهمة غامضة آثارت القلق فى نفس أخيه .. و قد فقد منير كل كلمات
المواساة لأخيه و اكتفى فقط بمرافقته و عدم تركه بمفرده .
غرفة مكتب الأصلان :
أثناء مراجعة الأصلان لبعض الأوراق الخاصة بالعمل و التابعة لآخر صفقاته صدع رنين هاتفه فى الأرجاء .. ألتقطه رغبة فى فصل الاتصال و معاودة متابعة الأعمال إلا أنه وجد صاحب الاتصال هو ” وجيه ” ابن عم أبيه صاحب الخمسة و الأربعون عاما .. ذو شخصية حقودة أكثر شرا من شخصيته السابقة لدرجة مقاطعة الحج قدرى له لأكثر من عشرون عاما و خاصة من بعد أحداث الثأر و التى راحت ضحيتها أخته بثينة و كذلك هو .. إلا أن الأصلان كان من وقت لآخر يلقى عليه التحيه بسبب مجال الأعمال الذى يحرصون فيه على بقاء الأصدقاء قريبين و الأعداء أقرب .. و قد اتفق وجدى مع الأصلان فى حقدهم تجاه عائلة المنصورى و حرصهم على الثأر و اختلفا فى الغرض من الكره أو سبب الكره .. فالأصلان سببه واضح و هو مقتل أخته بثينه و تشوهه فى حادث حرق له قلبه قبل جسده أما وجيه فهو حتى الآن لا يعلن عن سبب هذا الحقد الأعمى منه تجاه عائلة المنصورى .. و للأسف قد جمعهم هذا الحقد لفترة و لكن انفصلا بعد ذلك لاختلاف الغرض من كرههم للعائلة .. كذلك الأصلان كان لا يتعرض لهم إلا إذا سبق أحد بأذى كما حدث مع أخته أما وجدى فهو منبع أذى سواء لهم أو لغيرهم بالقول أو بالفعل كما يقولون عنه لم يسلم أحد من شره .. أعاده
لواقعه ولمأساته التى ندم عليها و يخفيها فى طيات قلبه إعادة اتصال وجيه له بشكل ملحوظ مما أضطره للرد عليه لعلمه يقينا أن تفادى الاتصال ليس حلا للأمر .. حرص الأصلان على جمود صوته و أجاب اتصاله
– أصلان :
أيوه يا وجيه .
– وجيه بصوت خشن و ضحكة مقززة :
السلام لله يا ابن عمى .. جرا إيه مفيش
سلام و لا كلام
” ثم حول صوته لنبرة أهدء كلها مكر ”
و لا تقولى حصل إيه فى الموضوع اللى اتكلمنا فيه ليلة فرحك .
– تمالك أصلان أعصابه لا يريد أن يبين له قلقه من إفشاء الأمر .. و استعاد رباطة جأشه و قال بجمود :
الموضوع ده تنساه خالص و ميخصكش
فى شىء أنا بس اللى اتحكم فيه ..
” و قد فقد أعصابه أخيرا و صاح فى آخر
كلامه ”
فاهم ؟؟
و لم يعطيه فرصة للردو قد أغلق الاتصال مباشرة و لكنه علم أنه لابد من تلجيم وجيه حفاظا على سره حتى لا يخسر قطعة من روحه بل هو على يقين من هلاكه بعدها و هو ما لا يرجوه أبدا .. أكمل أصلان أعماله بعد أن
علت وجهه تعابير متجهمة و تعكر مزاحه بشكل عام .. و لا يجد حلا لتهدئة روحه المعذبه و اضطراب قلبه إلا بتواجد قطته بجانبه و استنشاق عبقها و إغراقها و إغراق نفسه بقبلات محبة عاشقة و هائمة لا نهاية لها بل من الأفضل لو ينتهى كل شىء قبلها و تبقى زهرته فقط معه .. لذا ترك أوراق عمله مبعثرة على مكتبه و اتجه لها .
تجمعت السيدة نعمة و سعاد قدرى ومن حولهم زهرة و وسوما و بوسى و سلوى و بودة الذى يتخذ من الصالة مضمارا للجرى هنا وهناك لا تفارقه أعين السيدة نعمة و زهرة التى أعطت وعدا لأسماء بالاعتناء به .. و قد لاحظت زهرة وحدة سلوى التى ظهرت بطنها و قد تقربت منها بشكل لا يقل رقة عن صاحبته و أخذت تسألها عن صحتها كما أوصت لها بطبق به مجموعة مختلفة من الفواكه المقطعة بجانب أكواب العصير التى قدمت للجميع .. و أصرت زهرة على جعلها تتناولها و تبادلت معها الأحاديث البسيطة حتى اعتادت سلوى على بساطة زهرة و أحبتها و انطلقت معها فى الأحاديث حيث اكتشفتا الكثير من الموضوعات المشتركة بينهما و التى سرعان ما انضمت لهن الأخريات و انتشرت الضحكات هنا وهناك .. كل ذلك تحت أنظار منير الذى أعجب بأخلاق زوجة ابن عمه و احتوائها لزوجته التى لطالما شعرت بالوحدة بين عائلته و حتى فى حملها لم تهتم بها أمه أو ترعاها كما تفعل الأم مع كنتها بل انشغلت عنها بمخططات السيطرة على أفراد المنزل و كذلك بالمزيفة نانى متناسية زوجة ابنها الأخرى و
التى أحست بالغربة فى منزل عائلته و هذا ما جعله يفاجأها بالعودة لمنزل زوجيتهم بعد عودتهم من السفر على عكس وعده معها بالانتقال إلى منزلهم بعد ولادتها فهو لن يضع حبيبته تحت هذا الضغط باقى شهور حملها لأى كان و لتفعل والدته الفاضلة ما تريده فليس هناك أهم من حبيبته و ابنه .. و قد عاهد منير نفسه بشكر تلك الجنية الصغيرة فى وقت لاحق لاعتنائها بزوجته .. كذلك رائد الذى رأى بساطة زهرة فى الحديث مع الجميع و هدوئها و تقربها من سلوى زوجة أخيه التى لطالما عاملته كأخ لها على العكس من نانى والتى لم تترك مجال من أول لقاء إلا و أشعرت زوجة أخيه بالنقص لأى سبب .. لم يترك رائد أفكاره و تأمله لزهرة إلا بعد إحساسه بزيادة فى نبضات خافقه بشكل أوشك على خنقه .. و لم يتبقى له سوى أسئلة لا يجروء على الإفصاح عنها لأحد
– ما هذا الشعور ؟
– هل يصل الاعجاب بشخص حد أن يراه
كامل فى كل شىء ؟
– أم أن هذا الوصف ينطبق على شعور آخر
يدعو الله أن لا يكون هو ؟
– هل فى كل مرة يتعدى الأمر من رؤيتها إلى
التركيز فى تفاصيلها مثل هذا الشال
الحريرى الذى ترتديه على أحد كتفيها
كأميرة راقية ؟
– و هل فى كل مرة يركز فى تفاصيلها
تنطلق نبضات خافقه بهذا الشكل الذى
يؤلم له قلبه ؟
– هل هى فعلا لا تراه أم تتجنبه فقط ؟
– فهو لطالما أشاد الكثيرين بوسامته ..
فهل لا تراه وسيما و لو قليلا بشكل
يجعلها فقط تنظر له ؟
– فهو يراها تحدث الجميع بابتسامة صادقة
ماعداه هو .. لما ؟
– هل لاحظت نظراته لها والتى لا تمت بصلة
النظرات العادية نهائيا .. لذا فضلت تجنبه ؟
أفكار و أفكار و أفكار لم يخرجه من دوامتها إلا فتح باب غرفة المكتب و
خروج الأصلان منه بملامح مبهمة و أقرب للفزعة و بحثه كرجل فقد ضالته إلى أن وجدها بجانب أمه تتبادل الضحكات والكلمات البسيطة مع الجميع و حينها فقط .. فقط .. حينما وقعت عينيه عليها أختفت الملامح المتجهمة و الفزعة من وجهه و حل محلها القليل من تأمله لكافة تفاصيلها .. يا إلهى .. أنه يتأمل زوجته كما يتأملها هو و هنا .. هنا فقط .. أيقن رائد بأنه وقع فى حب تلك الجنية الصغيرة و ليحدث ما يحدث .
حاول الأصلان تهدئة اضطرابه بعد أن لفت خروجه المفاجيء انتباه الجالسين .. لذا غير وجهته من حبيبته الى أبنى عمه منير و رائد
يتبادل معهم الأحاديث حول العمل و المزرعة إلا أن عينيه تلاحقان تلك الجنية الصغيرة .. و التى ارتبكت قليلا و تورد وجهها من وجود أصلانها قربها و هو الأمر الذى لا تمل منه أبدا .. تحت غفلة الجميع إلا عن عينيى رائد و الذى التهمت الحرائق صدره و أوقفت له تنفسه و سببت له شعور عظيم بالفراغ .. وقد استقامت تلك المعنية من مكانها بعد أن استئذنت من الحاضرين و مرت بهدوء بالقرب من أصلانها و من معه متجهة للطابق الثانى و قد لحقها بودة و ذلك من أجل إيقاظها لأسماء فقد أوشك المغرب و أقتربت عودة محمد و أسامة .. تمت زهرة مهمتها و أسلمت بودة لأسماء و اتجهت الأسفل مرة أخرى .. حيث انضم أصلانها و منير و رائد للنساء و معهم عادل الذى اختفى فجأة ثم ظهر فجأة .. انضمت لهم زهرة و تبادل الجميع الضحك إلى أن داعبها دودى
– دودى واضعا يديه على قلبه بطريقة درامية بعد أن وجد زهرة تقطع الفاكهة و تقدمها لأصلان :
زهرة .. اتجوزينى أنا و سيبى الأصلان
.. الكويت كلها خير و هتتنغنغى .
– تلقى دودى قطعة فاكهة فى وجهه و بالطبع لم تكن إلا من الأصلان .
– زهرة ضاحكة على منظر دودى و هو يدلك جبهته من أثر قطعة الفاكهة :
لأ .. أنا عاوزة أصلان .
– دودى بتلقائية :
أسمعى كلامى لمصلحتك .. أنا انفعك
أكتر منه .
– زهرة ضاحكة :
لأ .
– دودى بتلقائية :
أنا أحسن .. على الأقل الفرق بينى
و بينك أربع سنين و الفرق بينك أنتى
و أصلان ١٧ سنة .. أنا أحسن منه .1
توقفت الضحكات فجأة من الجميع وساد صمت مطبق من الجميع لم يخلو من وكز بوسى لعادل على حماقته و التى انطلقت منه بالطبع دون قصد إلا أنها أصابت قلب الأصلان .. و لما وجدت زهرة توتر الجو و خافت على جرح حبيبها و عودته الى التقوقع حول نفسه ونفيها بعيدا عنه ردت بهدوء و بسمة رقيقة موجهة حديثها لدودى
– زهرة :
و فيها إيه يا دودى .. الفرق بين بابا
و ماما الله يرحمها ١٧ سنة بردو .. و كانوا
بيجيبوا بعض جدا .. و السن عمره ما كان عائق أبدا .. و كمان أصلان عندى بالدنيا .
عادت الوجوه ثانية و تبادلت الأحاديث فى موضوعات أخرى فتحتها زهرة وساعدتها بوسى و السيدة نعمة للتضليل قليلا عن الأصلان لعله يتناسى الأمر .. و قد فهمت السيدة نعمة على ابنتها الروحية و انطلقت بداية من زواج سوما و توبيخ أسماء على تأخرها فى النزول .. و قد أنقذ الجميع قدوم محمد و أسامة بصخبهم حاملين كم كبير من الأكياس بها مختلف التسالى فرحة من أسامة بقرب زواجه من سوما التى خجلت و اتخذت الأكياس هاربة منه للمطبخ تحت تعليقات بوسى عليها و ضحك الجميع بشدة إلا زهرة التى رسمت بسمة مزيفة على شفتيها و لكن الغصة كانت مستحكمة فى حلقها فقد عزل حبيبها نفسه عنهم و قد تجمدت تعبيراته و بردت ردوده .
لم تتحمل زهرة أكثر من ساعة أخرى كان قد استيقظ من خلد للنوم و تجمع الكل مرة أخرى فى الطابق الأول و لكن تفرقوا فى تجمعات بعد أن غربت الشمس وتعدت الساعة السادسة و النصف .. انطلقت زهرة هاربة لجناحها بعد أن صم دوى قلبها أذنيها فما كادت تجارى الأحاديث المتبادلة خاصة بعد رؤيتها لعزيز قلبها يتجهم أكثر و يتقوقع حول نفسه فى هالة من الغموض أكثر و أكثر و قد أيقنت قطته أن محاولاتها فى التغطية على كلام دودى فشلت و أن الضرر وقع لا محالة و مس قلبه .. فتوجهت لجناحها تجمع شتات نفسها وتخفى دموعها كذلك مشاعر الخيبة و الخوف من القادم
بعدما انعزل حبيبها فى مكتبه ولم يستجب لمحاولات الآخريين فى ترك العمل و الجلوس معهم و قد علمت أنه يخفى نفسه عنها و يتهرب منها .
أما عزيز قلبها القابع فى مكتبه يزرع الغرفة ذهابا و إيابا لعله يهدىء قليلا النيران المستعرة فى جوفه و التى بدأت من مكالمة ابن عمه وجيه الذى شكل له تهديدا فى استقرار حياته مع ابنة قلبه و قطعة روحه قطته و حبيبته و انتهاءا بكلمة دودى و التى شكلت خنجرا طعن فى صميم قلبه و هيج له مخاوفه القديمة بأن يكون ظلم حبيبته مع فارق السن بينهما .. هذا الفارق الذى يشكل ثغرا تتسلل منه المخاوف و كذلك الطامعين فيها .. فهو ليس ساذجا كى لا يرى الاستغراب بل و الاستنكار فى وجه بيت عمته سعاد و عمه زاهر و الذى سيتحول إلى استغراب و استنكار فى وجوه كلا من يصادفهم مستقبلا .. مما أشعره قليل بالخوف .. نعم هو الأصلان الذى خاف منه الكثيرون لحدة طباعه و لشدته بل و فى بعض الأحيان لتشوهه خاف أن يفقد تلك الصغيرة لأى سبب .. سواء كان فارق السن السلاح الذى سيلوح به الكثيرون ممن يرفضون تلك الزيجة فى وجههم أو بسبب سره مع ابن عمه و الذى يخاف من تأثيره على زهرته إذا ما باغته ابن عمه و أفضى به للجميع .. خاف الأصلان بعد أن بدأت ملامح الخطر تلوح فى الأرجاء بشكل أفقده أعصابه و آلم روحه و جرح قلبه كما أفقده القدرة على التفكير السليم .. بل واعاد له طباعه الوحشية كدرع يحمى به نفسه الهشة من جديد تحت مبدأ هاجم قبل أن تهاجم و اجرح قبل أن تجرح بل و اترك قبل أن
تترك .. مما جعله ينطلق خارجا بشكل أثار قلق بعض الموجودين بالخارج باحثا عمن أفقدته صوابه إلا أنه لم يجدها و قد أنقذته عمته سعاد و التى فهمت عمن تبحث عيناه و أشارت له بصمت الى الطابق الثانى حتى لا تثير انتباه العائلة .. ولم ينتظر الأصلان أكثر و انطلق لوجهته زهرة بملامح لاتقرأ لدرجة أنه لم ينتبه أيضا لأمه التى أختفت من الأرجاء .
انقبض قلب السيدة نعمة بعد أن رأت تجهم ملامح ابنها من بعد إلقاء دودى لكلمته فى الأرجاء و التى كانت متأكدة أنها آذت قلب ابنها عزيز روحها من تجهم وجهه كذلك من خوف زهرة الذى اتضح من عينيها .. فالسيدة نعمة خير من تعلم كم عانت زهرة فى حبها للأصلان حتى تخرجه من قوقعته و تجعله يعيش حياته كأى رجل بعد أن أضاع شبابه فى لوم الذات .. كما عانت المسكينة حتى ترسم ابتسامة زائفة على شفتيها تغطى بها عنه حتى انسحب هو لمكتبه و هربت هى لغرفتها .. و لم تستطع السيدة النعمة بقلب أم إلا أن تنتظر بعض الوقت القليل حتى لا تثير الأقاويل ثم ذهبت خلف زهرة و التى شحب لونها متحججة بقيامها بشىء ما فى غرفتها الأمر الذى لم يفت سعاد و لكنها جارت صديقتها خوفا على الأصلان و زهرة .. فتحت نعمة باب جناح الأصلان و بحثت بعينيها فى الأرجاء عن زهرة التى وجدتها متكومة على الفراش و منخرطة فى بكاء يقطع نياط القلب .. أغلقت السيدة نعمة باب الجناح و اتجهت لزهرة ترفعها من الفراش و تحاوطها بذراعيها تهدئها من بكائها ..
– السيدة نعمة :
بسم الله عليكى يا بنتى .. أهدى ..
أهدى يا حبيبتى وصلى على النبى .
– أعجزها بكائها عن الرد .
– السيدة نعمة و التى لمحت بوادر الخوف
على زهرة .. قالت متعجبة :
لا حول ولا قوة إلا بالله .. إيه بس يا
بنتى اللى مخليكى تعيطى بالشكل ده
.. أصلان شوية ويروق و يعد يحايل
فيكى .
– نفت زهرة يرأسها يائسة و قد تهدج صوتها من البكاء :
لأ .. أنتى متعرفيش أصلان .. هيبعد عنى
تانى .. دى عادته لما يزعل .
– السيدة نعمة التى توجست بدورها لعلمها بطباع إبنها :
لأ .. متخافيش ..و أنا يا ستى لو لقيته
لسه زعلان هكلمه .. متخافيش بقى .
– زهرة بحزن على زوجها :
أنا مش خايفة منه .. أنا خائفة عليه
هو يا ماما .. أنا ما صدقت يبقى فرحان
و يتكلم معانا و هو بيضحك .. مش
هستحمل أشوفه بيعذب نفسه تانى .
– السيدة نعمة بحب لتلك الفتاة التى أهداها الله لأبنها :
إن شاء الله خير .. متخافيش .. تعالى ننزل
و ندخله المكتب .. و نطلعه غصب عنه
و لا إنك تزعلى يا رورو ..همممم .
– ابتسمت زهرة قليلا وسط دموعها و أشارت برأسها موافقة على كلام السيدة نعمة .
– السيدة نعمة :
بس امسحى وشك كده .. و اضحكى و
أنت نازلة .. مش عاوزين حد يأخد باله
.. يلا يا بنتى .
و ما كادت زهرة تخرج هى و السيدة نعمة من الجناح حتى وقفتا وجها لوجه أمام الأصلان الهائج و قد أسود وجهه و أسقط قلب حبيبته معه خائفة من بعده عنها و هى التى وعدت نفسها بمعاقبته هذه المرة إن تقوقع حول نفسه و نبذ حبها بعيدا عنه .. أخرجها من خوفها صوت السيدة نعمة التى أدركت توتر الجو بين العاشقين .. حيث الفتاة المسكينة تبدو تائهة بعالم آخر تتأرجح عينيها فى كل مكان و قد ألتمعت بسبب دموعها التى ظهرت من جديد و ابنها فى الجهة المقابلة و الذى لا يلقى لها بالا و يبدو أنه تفاجأ من وجودها و يركز بعينيه على تلك المسكينة بوجه متجهم و عينين اختفى منها الحب و تجمع بها الغضب و الحنق و شىء من الخوف .. خوف تراه أمه جديدا عليه جعلها تسرع لإنقاذ الموقف .. فقالت مدعية المرح
– السيدة نعمة تدعى المرح :
يوه خضتنا يا بنى .. على العموم ابن
حلال دا أنا و رورو كنا لسه هننزل نعد
معاك شوية فى المكتب .. أصلنا
صدعنا من الدوشة اللى تحت ..
بس أنت بقى سبقتنا ..
” ثم أكملت قائلة بارتباك بعد رؤيتها
لجمود وجه ابنها ”
و لا على إيه تنزلوا للمولد اللى تحت ..
اسهروا هنا لو عاوز…………………………………
– رد أصلان بجمود :
هنا .. هنا فين ؟
– وما كادت أمه تجيب إلا وقد ألقى بحكمه
الغير عادل كالعادة :
زهرة هتنام معاكى الليلة .. مفيش داعى
تبات هنا أنا ورايا شغل كتير .. و هشتغل
هنا .
– ردت زهرة كمحاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و بكلمات تحمل أكثر من معنى :
أنا راضية .. مفيش مشكلة .
– أصلان الذى فهم ما تعنيه حبيبته :
لأ فى مشكلة .. و لما أقولك كلمة
أسمعيها .. فاهمة و لا لأ ؟
فقدت زهرة أنفاسها للحظة من كلماته و لم تستطع وقف دموعها بعد صراخه بها بهذا الشكل .. فأدارت له ظهرها و بكت
– لم تحتمل السيدة نعمة الوقوف مكتوفة اليدين خاصة و هى ترى ظلم ابنها لزوجته والتى ليس لها ذنب .. و تكلمت بحدة خوفا عليه وعليها :
أنت أتجننت يا أصلان .. من أمتى و أنت
بتخرجها برة أوضتها .. حرام عليك يا
ابنى البت ملهاش ذنب .. و إذا كنت
مضايق ولا وراك شغل زى ما بتقول
سيب أنت الأوضة وهى تفضل .
لم يرد أصلان على والدته و لم ترق تعبيراته
.. و قد علمت زهرة أنه كالعادة يجرح نفسه ويجرحها فى و جود أى مشكلة .. إلا أنه أحزنها بالفعل تلك المرة .. لذا اتجهت إلى غرفة السيدة نعمة دون قول شىء .. و تفاجأ هو من صمتها و طاعتها لأوامره بنبذها و عدم تشبثها بالبقاء فى جناحها .. و قد أحس من لحظة اتجاهها لغرفة والدته بفجوة كبيرة فى نفسه و ألم بقلبه و غربة روحه إلا أنه عاند واستمر بجرح نفسه وجرحها .. عندها صاحت به أمه وقد طفح كيلها من عناده :
إيه اللى عملته ده يا بنى .. و هى
ذنبها إيه .. طاب والله و الله و الله يا
أصلان ما لسانى هيخاطب لسانك إلا
لما تاخد بخاطرها يا إما هكون قايلة لجدك
و هو هيعرف شغله معاك .. و تركته و الدته متجهة للطابق الأول فلم ترد أن تتجه لزهرة و هى فى تلك الحالة على الرغم من خوفها عليها و فضلت تركها قليلا بمفردها بعد أن أخجلها أصلان أمامها و طردها من غرفته كما أنها ليس لديها ما تقوله و قد فرغت جبعتها من الحيل ..أما الأصلان فهو لم يلاحظ مغادرة والدته حيث كانت عينيه تتابع تلك التى جرحها و هى تتجه لغرفة والدته حتى دخلت الغرفة .. و اتجه هو مثلها الى جناحه يعزل نفسه فيه تاركا جروحه تنزف مثلما أنزف قطته .
1
جلس الأصلان على أحد الكراسى بجناحه فى الظلام الذى لم يلاحظه فقد كانت روحه أكثر ظلاما .. و قد فقد إحساسه بالوقت فلا يعلم إن كان فات ساعات أم دقائق و لكن كل ما يدركه حزنه الشديد بعد أن أبعد زهرته عنه .. فهو يعلم نفسه لا ينتبه فى لحظات غضبه حيث يفقد صوابه بشكل يجعله يهاجم تلقائيا من يقترب منه .. لم يهمه الأمر سابقا فهو طبع تأصل فى نفسه من سنين إلا هذه المرة فهو يكاد يشعر بطعم المرارة فى حلقه و التى تنبع من قلبه الذى لا يكف عن إيلامه .. كما تنبع من روحه بعد أن أبعد عنها نصفها الآخر .. و من جسده الذى يصرخ بقربها .. يخبره قلبه بالذهاب لها و عقله يأمره بالراحة بقربها .. فيعاند هو و يضغط على نفسه لا يريد شفقة فى عينيها على هذا الوحش الذى يكاد يكون ضعف عمرها .. و يتمرد على حواسه .. فتنهره عيناه والتى لمعت حزنا يحاكى الحزن الذى كان متجسدا فى عينيها .. فيغمضها لعله يهدىء الصخب الذى يجرى بداخله و يكاد يجعله يقتلع منابت شعره الذى يستمر بشده للخلف .. حتى أحس بقرب إنتهاء أنفاسه و لم يشعر بنفسه و هو يخرج من جناحه متجها إلى غرفة والدته حيث يستعيد أنفاسه التى فقدها .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زهرة الأصلان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى