رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل السادس والخمسون 56 بقلم فاطيما يوسف
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء السادس والخمسون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي البارت السادس والخمسون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الحلقة السادسة والخمسون
#بسم_الله_الرحمن_الرحيم
#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ #قدير
#الجزء_الأول_من
#البارت_الثالث_والعشرون
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
ظهرت نتيجة الاختبار بما جعل وجنتيها تصاب بالاحمرار الشديد بشرطتين دمويتين ظاهرين للأعمى وقد تبدلت معالمها الى منتهى البؤس واظلمت الدنيا في عينيها وهي لم تستعد بعد لإنجاب طفل وهي في حالتها تلك وداخلها قرر أن لايعرف أحداً بوجوده وانتوت على إجهاضه مهما كلفها الأمر .
وجلست تحدث حالها بحالة من الذهول عن ذاك المولود الذي سيأتيها على حين غرة وهي لم تستعد بعد:
ــ أعمل ايه يارب في اللي أني فيه دي ، هقدر ازاي أتحمل مسؤلية طفل وأني في حالتي داي !
طب والأدوية اللي هاخدها هتسبب له أصلاً تشوهات ؟
يارب دبرني يارب .
وظلت على حالها هكذا تشاور عقلها وتستفتي قلبها ولم تستطيع الوصول لحل غير إجهاض الطفل فهي لن تستطيع أن تتحمل مسؤوليته بعد وظلت هكذا حتى قررت أن تهاتف “سكون” كي تأتيها في التو واللحظة فهي أقرب شخص لها وبالفعل هاتفتها وطلبت منها أن تجئ إليها ولم تكذب سكون خبراً فأتت إليها على وجه السرعة فـ”رحمة” قد أكدت عليها أن تأتي سريعاً وما إن وصلت حتى تحدثت إليها “رحمة” بعيناي تلتمع بالدمع:
ــ الحقيني يا سكون اني في مصيبة كبيرة ومعرفاش هتصرف فيها كيف .
ابتلعت “سكون” ريقها بصعوبة بالغة وقد شعرت بالرعب من كلمات “رحمة” وهي تسألها :
ــ مالك يا رحمة مصيبة ايه كفى الله الشر ؟
بكت هي الأخرى بشدة وهي تصف معاناتها :
ــ البريود أخرتني بقالها أسبوع وهي عمرها ما حوصلت طلبت من الصيدلية اختبار حمل وعملته ولقيت الشرطتين باينين قووي واكتشفت اني حامل يا سكون ، حامل وابني او بنتي هيجوا الدنيا هيلاقو أمهم عاجزة وقاعدة على كرسي متحرك ، هيجوا الدنيا مش هيلاقو ام تعرف ترعاهم وتشوف أمورهم وحد غيري هيهتم بيهم ، حد غيري هيجرى وراهم في كل مكان ، واني محدايش استطاعة اني اقدم لهم أي حاجة حلوة .
أغمضت “سكون” عينيها بألم لأجل كلتاهن فسبحان الله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء ذكورا ويجعل من يشاء عقيماً ويهب لمن في نظره غير مستعد فهو له في ذلك حكم ،
ركنت ألمها جانباً ثم ربتت على ظهرها بحنو وتحدثت بتعقل :
ــ يارحمة اهدي اني هشوف انك مكبرة الموضوع قووي ومدياه اكبر من حجمه الطفل دي يمكن نفحة رحمة من عند ربنا ليكي ولماهر اللي عانى في حياته كَتير وكمان كان مستني ربنا يبعت له العوض عن التعب ، اعتبري فترة الحمل نقاهة ليكي وافرحي بابنك أو بنتك يا رحمة ومتخليش الشيطان يلعب في دماغك علشان ساعة الغضب بيعمي البصر وبعد اكده هتتندمي اسأليني اني .
ما زالت تبكي على حالها ثم رددت من بين شهقاتها :
ــ طب ازاي يا سكون واني هاخد أدوية ملهاش اول من الآخر ولا تمارين العلاج الطبيعي اللي هعملها قاسية جداً ممكن الجنين يجي له تشوهات من العلاج ولا التمارين ممكن تنزله أعمل ايه وقتها ؟
جذبتها “سكون” بين أحضانها الحانية وهي تهدهدها براحة توغلت في أعصاب تلك الرحمة وشعرت بها :
ــ طب هنشوف العلاج اللي هتاخديه ينفع مع الحمل ولا له ولو مينفعش اكيد فيه بديل وبالنسبة للتمارين إنتي متعرفيش إن الستات الأجانب وهما في فترة حملهم هيلعبو رياضة عادي جداً وهيرقصوا كماني وأكيد دكتورة العلاج الطبيعي هيوبقى ليها طريقة تانية في العلاج معاكي لما تعرِف ظروفك ولو شايفة إن الحمل مينفعش في الوقت دي هي اللي هتحدد وعلشان اكده لازم ماهر يعرف يا رحمة وهو اللي يسعى ويدور معاكي وهو اللي يحدد مع الدكتورة إذا كان الحمل ينفع يكمل ولا له مينفعش تعملي حاجة من وراه أبدا دي غلط وأكبر غلط كمان متعمليش زيي وتغلطي غلطة كبيرة تعمل فجوة ما بينكم مش هتقدري على تصليحها بعد اكده.
ــ ماهر ! انتي عايزاني أعرفه اني حامل واني مش عايزة الجنين ؟ جملة استفهامية نطقتها رحمة باستنكار وأكملت بنحيب :
ــ اصلك ما تعرِفيش هو نفسه في اطفال كد ايه ومرته الأولى عيملت فيه ايه وكانت السبب في موت بنته بالهباب اللي كانت هتشربه هاجي اني اقول له اني حامل وعايزة أنزل الجنين !
طب هيتقبلها ازاي ؟
طب شعوره وقتها وهو نفسه يوبقى أب وقبل اكده حته منيه ماتت بسبب أمها واني برده بسببي وبسبب حالتي ؟
اني موجوعة قوي يا سكون فوق ما تتخيلي ؟
وضعت كف يداها علي كف يدها الموضوعة فوق فخذها ثم ربتت عليها بحنو وأردفت قائلة :
ــ لازم يشاركك وجعك يا رحمة ، وكلام الدكتورة اللي هتقوله لك اذا كان ينفع الجنين يكمل ولا ما يكملش لازم يكون معاكي خطوة بخطوة فيه ويكون على معرفة بكل شيء مينفعش تلغي رأيه في حاجة مهمة زي دي علشان خايفة على مشاعره ومهما كانت مبرراتك هو مش هيتقبلها ،
لازم يا رحمة تقولي له ومش همشي من اهنه الا لما توعديني ان انتي هتقولي له كل حاجة ،
صدقيني يا رحمة ما ينفعش تخبي عنه اي حاجة وهو مش صغير علشان ما يقدرش على الوجع لازم يتحمل معاكي كل شيء لازم الراجل يشيل مع الست بتاعته وجيعتها زي ما هي بتهنيه وبتطبطب عليه وقت وجعه وما بتسيبهوش وبتوبقى معاه هو كمان لازم يوبقى معاها وأعتقد ان ماهر راجل قوي وعمره ما هتلاقيه اتغشم معاكي أو هتحسي حتى إنه متضايق بسبب إن ابنه ممكن ما يكملش وياجي للدنيا دلوك ،
ماهر راجل محترم جدا وعلشان اكده لازم النهاردة يعرِف كل حاجة عن اللي في بطنك .
أ
خرجت تنهيدة حارة وأنزلت بصرها وأردفت قائلة بنبرة محملة بأثقال من الهموم :
ــ طب هعملها كيف داي ؟!
ثم نظرت إلى السماء وهي تتضرع إلى الله :
ــ يا رب قويني على ان انا رايحة له يا رب اديني الصبر من عندك اني اقدر اتحمل يارب .
أخذت “سكون”نفساً عميقاً ثم زفرته بهدوء وتسائلت باستنكار كي ترزقها الشجاعة والقوة والإرادة:
ــ على فكرة يا رحمة إنتي أقوى من اكده بكتير ، أقوى من إن حبة مرض هيهزموكي ، أقوى من انك تقعدي تبكي على حالتك انتي رحمة القوية اللي بتقدر تساعد اي حد انه يتخطى أزمته لازم تقفي مع أزمتك وقفة شديدة لازم تحفزي نفسك وتجبريها إنها تتقدم ما تنخرطيش جوة دوامة الحزن وتنسي ان انتي لازم تكملي حياتك اللي هي أمانة في رقبتك ، فوقي يا رحمة لنفسك الحزن أول حاجة بتهد الست فما بالك بقى لما يوبقى حزن ومرض،
دايما بصي في حالتك للي اسوء منك في ستات بيجي لهم المرض اللعين وهما شعرهم هيتسقط وجلدهم بيتسلخ من شدة المرض اللي عنديهم وهيعيشوا على الكيماوي اللي بيبهدلهم خالص وبالرغم من اكده بتلاقي ابتسامتهم مالية وشهم ،
فوقي يا رحمة علشان تكملي رحلة علاجك بسلام بمعرفة جوزك لكل شيء ولازم تسمعي نصيحتي وصدقيني مهما كانت صعبة في وجهه نظرك هي الصح لأنك ما ينفعش تتحركي خطوة واحدة من غير علمه .
تنهدت وبعيناي نادمة أومأت لها بأهدابها وتحدثت بتلبية:
ــ حاضر يا سكون هعمل اللي إنتي قلتي لي عليه هستناه لما ياجي النهاردة وأعرِفه كل حاجة وهنشوف الدكتورة هتقول لنا ايه والأدوية اللي هتقول لي عليها أكيد هي بتوبقى عارفة تنفع للحمل ولا له وربنا معاي .
وضعت كفاي يداها الحنونتان وحاوطت بهما وجنتاي تلك البائسة وتحدثت بحب صادق ظهر بينا داخل عيناها :
ــ ان شاء الله كل حاجة هتوبقى جميلة وهترجعي رحمة الشقية المرحة تاني بس ربنا بيختبر صبرك عشان يشوفك هتتحملي ولا لا فلازم تبصي للسما وتقولي الحمد لله على كل شيء وربنا هيشوف منك الرضا فيرضى عنك ويراضيكي صدقيني الموضوع كلاته ما هو الا اطمئنان إن رب الخير لا يأتي إلا بالخير .
ضحكت “رحمة” أخيراً وهي تحتضن “سكون” بحب صادق فهي تعتبرها أكثر من أخت وليست زوجة أخيها وهي تردد بجانب أذنها بامتنان :
ــ بجد شكرا من كل قلبي ليكي على إنك هونتيها عليا وخليتيها بعد ما كانت كبيرة قوي في نظري بقيت حاجة سهلة وشلتي هم جبال من على صدري ربنا يخليكي ليا ياسكون وما يحرمنيش منك أبداً ويبارك لك في عمران ويخليكم لبعض ويرزقكم الذرية الصالحة يا رب على أتم الكمال .
شددت “سكون” على احتضانها وهي تردد بعيناي تلتمع بدموع من تأثرها باللحظة :
ــ ما تشكرينيش يا هبلة احنا اخوات وأكتر من الاخوات كمان يعلم ربنا اني هحبك كد ايه انتي بالنسبة لي ما تفرقيش عن مكة ومها يا قلبي انتي ،
يلا نتغدى مع بعض وسيبك من النكد اللي انتي فيه دهي مش لايق عليكي عاد .
تبسمت كلتاهن وزارت الضحكات وجههن وبرغم أوجاعهن إلا أنهن صابرات متحسبات أجرهن عند الله ،
فعندما ينزل البلاء فيكون التوهم شطر الداء والطمأنينة شطر الدواء، وأما الصبر فهو الخطوة الأولى للشفاء فدرجة إيمان المرء تقاس بدرجة صبره،
فتصبح المصيبة مصيبتان عند عدم صبر المبتلى عليها ولكن عليك التحلي بالصبر واليقين، وليس كل ما تتمناه تدركه فالصبر شجرة جذورها مرة وثمارها شهية.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
كان يجلس أمام حمام السباحة الخاص به وهو يشعر بالأرق فقد علم أن والده على وصول ولم يتبقى سوى عدة سويعات بسيطة وستبدأ معركة الفارس مع ذاك الصلب المتبلد المشاعر وجميع ذكريات الطفولة القاسية التي عاشها تتردد في ذهنه بكثرة ،
جميع مشاهد والدته التي تعـ.ـذبت على يده تتكرر أمام عيناه كشريط سينمائي مما جعله يشعر بأنه يود أن يخـ.ـتنقه بين يديه ولكن ما عليه سوى أن يتحلى ببعض الشجاعة والجمود كي يستطيع مجابهة ذاك العماد دون أي خوف ولكنه الآن في أشد لحظات ضعفه ويشعر أنه وحيد وذاك العماد يحتاج جيش قوي لمجابهته ثم فاق من شروده على رنات هاتفه وجدها ملاكه الآمن التي ترزق قلبه السكينة والإطمئنان دوما فهي بالنسبة له الحصن الآمن لمشاعره ولقلبه فهي نصل الحياة والشفاء من جميع أمراضه النفسية التي عانها ،
أجابها بصوت خفيض من تأثره بحالة الحزن التي يعيشها ولكنها استشفت حزنه فعلى الفور أغلقت الهاتف وأعادت رناتها عبر الفيديو كي ترى ماذا به؟
فإذا بها تجده حزيناً وملامحه يبدو عليها القهر الشديد فسألته بقلب يرجف خوفاً لأجله :
ــ مالك يا فارس شكلك متغير خالص وملامحك بتقول إن في حاجة حوصلت مضايقاك هو عماد جه ؟
ابتلع أنفاسه بصعوبة وهو يوجه عينيه جانباً بعيداً عنها كي لا تلمح بهما لمعة الضعف والشرود :
ــ عرفت إن هو كلها ساعة ويشرف يعني على بالليل هكون ناهي معاه كل حاجة .
هلع قلبها بل ووقع بين قدميها من فكرة رجوعه وتواجد فارس معه ولكنها حاولت استدعاء الهدوء بعيداً عن خوفها الشديد كي لا يشعر به ثم طمئنته كي تجعله يهدأ وملامحه المنزعجة تلك تروق :
ــ طب ما فيها ايه انه جاي بقى لنا كتير مستنييه مالك حساك شكلك متغير هو انت حاسس بالخوف منيه يا فارس ؟
أغمض عينيه لوهلة فهو سيقابل ذاك القاسي مرة أخرى بل وسيواجهه بأنه يريد الابتعاد عنه فتلك المواجهة إما أن تحكم بموته وإما أن تكون مولداً جديداً في حياته :
ــ هكذب عليكي لو قلت لك اني مش حاسس بالخوف عشان انا لوحدي مش معايا ولا حواليا عزوة تقف جنبي هو معاه كل جيوش الحماية اللي تقدر تمحيني من على وش الدنيا أما أنا وحيد هقف قدام جبروت فطبيعي لازم أحس بالخوف .
دق قلبها رعباً بوتيرة سريعة من خوف الفارس وكلماته ولكنها ابتلعت أنفاسها وهي تحاول أن تتحلى ببعض الشجاعة كي ترميها داخل صدره فتقويه على مرحلته القادمة :
ــ اذا كان هو معاه جيوش الإنس كلاتها فانت ربنا سبحانه وتعالى معاك يا فارس ،
ما تخافش من أي شيء في الدنيا غير اللي خلقك ما تخافش من مجرد إنسان ما هو الا روح ممكن ربنا يسحقها في لمح البصر لازم تبقى قوي وما يجيش يشوف نظرة الخوف ولا الضعف دي في عينيك لازم تثبت له ان ولا حياتك ولا أي حاجة في الدنيا هتفرق معاك لو إنت عشت معاه ،
لازم تثبت له إن انت مش خايف من أي حاجة في الدنيا حتى الموت ذات نفسه لأنه بيد ربنا سبحانه وتعالى لازم يشوف جبروت القوة في عينيك يا فارس .
ما زال يشعر ببعض من الخوف ولكنها بكلماتها رزقته كثيرا من السكينة ليقول بشجن :
ــ تفتكري هقدر يا فريدة اني اطالب بحريتي بعيد عني وانه يعتبرني ما ليش وجود في الحياة ؟
تفتكري عماد هيتقبل فكرة بعدي عنه او اني مش عايز أي حاجة تربطني بيه ويسيبني بالسهولة دي ؟
ابتلعت غصتها بمرارة مثل مرارة الصبار وقد نقل لها خوفه بشدة ولكن تركت لسانها يتفوه بنفس كلمات الإطمئنان كي لا تضعف جبهته :
ــ يعني سيدنا موسى عليه السلام كان يمتلك ايه وهو رايح لفرعون يقول له انه مش ربنا ولا له حكم على الناس كان مجرد شاب لا حول له ولا قوة وكان كمان هو اللي مربيه وما كانش معاه غير اخوه ولكن قصاد جبهة فرعون مكانوس يعتبروا حاجة أصلا سبحان الله قدر موسى إنه يقنع الناس بربنا سبحانه وتعالى وقدر على فرعون اللي كان مالك الدنيا بحالها يفتري عليهم ويقـ.ـتل الصغار قبل الكبار وعلى راي المثل يا فارس قالوا لفرعون ايش فرعنك قال عبيدي علشان هم اللي رضيوا بالخضوع والذل اما انت لازم تبقى قوي وتدافع عن وجودك في الحياه بأمان ومتعملش زي عبيد فرعون وترضي بالذل.
ضاقت عيناه برهبة وسُرعان ما كان يشيح عيناه عنها يُكرر سؤاله لها مرة أخرى بنبرة خشنة :
ــ هو انا لو اتأخرت عنك هستنيني لحد ما اخلص نفسي منه ولا هرجع ألاقيكي مش موجودة يا فريدة ؟
عيناها كانت مرتكزة نحو شفاه التي يتحدث وأخذت تنظر إليه وهي لم تستوعب أنه لن يعود أو أنها ستكون مع غيره وهتفت بتأكيد وثقة :
ــ هستناك العمر كلاته هستناك حتى لو ملامح الشيب بانت على وشي هستناك واني معيزاش غيرك راجل وزوج وحبيب وسند هستناك ولو عارفة ان انت هتتأخر ومش هترجع في مدة معروفة لحد ما أموت يا فارس مفيش راجل هيبقى لفريدة غيرك تأكد من اكده مهما مر بيا الزمان والناس والوقت انت وبس اللي هتفضل في قلبي يا كل قلبي .
دمعت عيناه وهي تخبره بحزنها الشديد
ثم انتصب واقفاً ونظر حوله بنظرة ثاقبة ثم عاد ينظر إليها بنظرة تحمل من العشق ما يكفي العالم أجمع بل ويفيض وهو يعدها بعدما رزقه قلبه السكينة :
ــ انتي أجمل حاجة قابلتها في حياتي يا فريدة أوعدك اني مش هخذلك ولا هخذل عبير اللي وصتني قبل ما تموت اني ابعد عن طريقه والنهاردة بإذن الله هحدد مصيري معاه .
تنفست بوتيرة سريعة وهي ترتعب من الداخل ثم سألته :
ــ طب هتأمن نفسك ازاي ممكن اعرف ؟
ضم شفتيه بأسف :
ــ للأسف ما فيش ولا وسيلة أمان لنفسي غير إني أدعي ربنا ينجيني منه .
انصعق داخلها ولكن نطقت بتمهل :
ــ ربنا فوق كل شيء بس قال اعقلها وتوكل فلازم نستخدم العقل اللي ربنا اداه لنا ولازم تأمن نفسك يا فارس .
سألها بحيرة :
ــ طيب اعمل ايه بالظبط ؟
فكرت سريعاً ثم عرضت عليه:
ــ تروح لشركه أمن كبيرة دلوك ما يهمهمش أيا كان اللي هتتعامل معاه مين عشان لو هددهم وتتفق معاهم على أمانك وخلي بالك من عدم ولائهم ليك علشان عماد ممكن يشتريهم لازم تأمن نفسك كويس يا فارس .
لم تكن تلك الفكرة في باله ثم راقت له فكرتها ونظر في ساعته ليقول بتعجل :
ــ خلاص هعمل كده هقفل معاكي دلوقتى وهكلم واحد صاحبي رجل أعمال مش بيمشي غير بالبادي جارد هشوف كدة .
طلبت منه قبل أن يغلق:
ــ طب ممكن وانت بتتكلم مع عماد تتصل عليا وصدقني مش هعمل صوت وهقعد في مكان هادي عايزة أكون مطمنة عليك .
خلل أصابعه بين خصلات شعره الذهبي هاتفاً برفض :
ــ معلش يا فريدة مش حابب تشوفيني في أشد لحظة ضعفي قدام عماد ولا حابب ان انت تسمعي طريقته معايا أو تتخيليها سيبي كل حاجة على الله .
وافقت على مبرره ثم ودعته وأغلقت الهاتف وهي تنتظر أن تنتهي تلك الساعات التي بمثابة السنوات بالنسبة لهما وقررت أن تقرأ القرآن وتصلي صلاة الخوف وتدعي الله له كثيرا حتى يفك الغمة عنه ويصرف البلاء ويبعد عنه شر ذاك العماد ،
اما هو فور أن أغلق معه ارتدى ملابسه سريعا وتحدث مع صديقه وحكى له ما يريد فقبل طلبه على الفور وتلاقيا وأخذه معه إلى شركة الأمن المعروف عن صاحبها الأمانة والولاء لعملائه مهما كانو وأرسل معه خمس من البودي جارد المدربين وهيئتهم تبعث في النفس الخوف وكما أنهم مأمنين بأحدث الأجهزة الأمنية الالكترونية المخفاة ولا يستطيع أحداً اكتشافها مهما فعلوا ومهما فتشهم أحداً ،
فشعر “فارس” ببعض الراحة عندما أصبحوا معه وذهب بهم إلى الفيلا فقد علم أن أبيه قد عاد واستقر منذ ساعة وعلم أن “فارس” هنا في القاهرة وهاتفه أن يأتي فهو قد استوحشه كثيراً فبرغم قساوة “عماد” وأن قلبه كما الحديد إلا أنه مع “فارس” يختلف كثيراً فهو يحبه لكن بمنطق حب غريب ،
وأخيراً أتت اللحظة الحاسمة فأرسل رسالة لـ”فريدة” قبل أن يدلف إلى الفيلا :
ــ حبيبتي انا كويس متقلقيش عليا معايا البودي جارد وداخل لعماد هو كلمني وعرفت إنه وصل أول ما انهي معاه بإذن الله هخلص كل حاجة وأجي لك علطول مش هقعد هنا ثانية واحدة.
استلمت رسالته سريعاً وقرأتها بقلب ينبض بالقلق وبأعصاب ترتعش خوفاً من القادم ثم أرسلت إليه هي الأخرى:
ــ في رعاية الله وحفظه ، ربنا يشرح لك صدرك ، وييسر لك أمرك يارب ، استودعتك اللهم الذي لاتضيع ودائعه.
قرأ رسالته وأمن عليها ثم أخذ نفساً عميقاً ودلف إلى أبيه ويتبعه الحراس ،
ما إن رآه “عماد” حتى فتح ذراعيه كي يحتضنه ولكن “فارس” قابل سلامه بفتور لم يستدعي دهشة أبيه ثم نظر ورائه وجد هؤلاء الحراس فاندهش لوجودهم وسأله :
ــ مين دول يا فارس أول مرة تمشي ببودي جارد فيه حاجة مخوفاك ولا ايه ؟
أجابه “فارس” سريعاً وهو يتحلى بالقوة الواضحة وضوح الشمس في كبد النهار في عينيه:
ــ مبقاش فيه حاجة اخاف منها في الدنيا أنا اتغيرت مبقتش فارس العيل اللي كنت بتحركه يمين وشمال على كيفك يا باشا.
اندهش “عماد” لنبرته ونظراته ثم اهتز فكه ساخراً:
ــ طب كويس والله إنك كبرت وعقلت والفترة اللي رحاها في الصعيد جمدت قلبك وخليتك من شاب مستهتر وخمورجي لواحد يستاهل يبقي ابن عماد الألفي .
اهتز فك الآخر بنفس السخرية وهو يتحدث بثقة :
ــ طب بمناسبة حوار عماد الألفي ده ، بقولك يا باشا من الآخر انت تنسي إن ليك ابن وأنا أنسى إن ليا أب وكل واحد فينا يبعد عن التاني ويستكفى بنفسه .
اتسعت دائرة عينيه بغضب شديد وهو ينطق بفحيح مستنكراً ما قال :
ــ انت بتقول ايه ياض انت هو في حد بيتبري من أبوه وابن عايز يمحي اسم أبوه من حياته يابن عبير ؟!
نظر له الآخر بنفس النظرات الغاضبة وود أن يختـ.ـنقه بين يديه لإتيانه بسيرة والدته التي دمرها على يديه بكل جبروت ولكن ما زال يراعي أنه والده :
ــ متجيبش سيرة ماما على لسانك يا عماد ، ماما دي كانت أحسن ست في الدنيا اللي معرفتش تعيش منها يوم واحد بسببك ، دمرتها في كل لحظة عاشتها ، هديت صحتها بالقوي وخليتها عايشة مذلولة ومريضة وفي الآخر كنت عايز تاخد منها اعز ما تملك علشان إنت مريض فلوس يا عماد .
اصيب الآخر بغضب وصل عنان السماء والأرض من ذاك الفارس ثم قام من مكانه وأقدم كالأسد الضاري وكاد أن يهوى على وجهه بصفعة دامية إلا أن فارس علق يديه في الهواء وهو يردد بفحيح مماثل وبشجاعة جندى باسل في معركة شرسة:
ــ مش هيحصل اني هسيبك تتحكم فيا زي زمان ولا تمد ايدك عليا ولا ليك حكم عليا من النهاردة يا عماد .
ردد بنظرات مفعمة بالجنون :
ــ انت اتجننت يا ولد ده أنا أفعصك زي الحشرة تحت رجلي ومخليش دبانة تعرف لك طريق جرة .
ثبت نظراته القوية داخل عينيه بنفس القوة والجبروت :
ــ ده كان زمان في عز شبابك يا عماد لما كنت بتفتري على واحدة ست وتستضعفها لما كنت عيل صغير لكن دلوقتي الست اللي كنت بتحمل علشانها ماتت والعيل الصغير اللي كان متحمل جبروتك علشان ضعيف كبر وعضمته بقت ناشفة ومرة زي العلقم ومبقاش هامه من اي حاجة في الدنيا ولا باقي عليها .
ضحك ذاك العماد بهستيرية وهو ينزع كف يده منه مردداً من بين ضحكاته كي يرهبه كما تعود :
ــ بس جثة امك تحت ايدي وهبيعها للي هيستفادوا بيها وهحـ.ـرق قلبك عليها لو مانظبطش يا بن عبير .
ما إن قال له ذلك حتى اشتعلت ثورة الغضب العارم في كل خلايا جسده ولكنه حاول رسم الجمود بامتياز وهو يتذكر نصائح ملاكه الجميل وتحدث متهكماً بصوت هدر اخترق صدره :
ــ اعمل في الجثة اللي انت عايزه أنا سألت وعرفت إن الإنسان طالما مات بتصعد روحه للي خلقها والجسد كدة كدة بيتحلل في القبر لحد مايبقي تراب ياعماد ودلوقتي روح عبير الطاهرة بين أيادي الله في الجنة ونعيمها بتتنعم فيها على اللي شافته معاك من سواد طول حياتها اللي دمرتها يعني اللي كنت هترعبني بيه مبقاش يهز لي شعرة من راسي أنا اطمنت على ست الكل .
شعر ذاك العماد بسخونة جسده فلأول مرة يقف ابنه أمامه ويعلن عصيانه عليه ولأول مرة يرى ذاك الجحود والجبروت في عينيه بتلك الدرجة ولكنه فكر سريعاً وبسهولة هدده :
ــ أه اللي إنت سألتها وطمنتك وخليتك تقف قدام ابوك الند بالند تبقي البت الدكتورة بنت البواب حتة الحشرة اللي أفعصها بصباع رجلي الصغير هي وبلدها كلهم اللي انت كنت مقضيها معاها رايح جاي ومفكرني هنا نايم على ودني .
تحداه “فارس” بكل قوته :
ــ انت عارف يا باشا مش أبوها بواب زي ما بتقول وبتملى بقك بيها إلا إنه في عيني راجل مفيش زيه في الزمن ده ، راجل عرف يحتوي مراته ويعززها ويكرمها علشان هو من اللي الرسول عليه الصلاة والسلام قال عليهم ما اكرمهن إلا كريم وما اهانهن إلا لئيم ، في ناس محيلتهاش غير جلابية وعمة بس ينضرب بيهم المثال في الأخلاق والشرف والسمعة الطيبة وده بقي مش بس كدة ده ربى بناته أحسن تربية ابنه طلع ظابط وبنته دكتورة وبيكمل رسالته مع البنتين الصغيرين رسالة كل اب شريف انت متعرفش عنها حاجة للأسف وعلشان كدة هرجع وهعيش هناك علشان أبدا رسالتي في تعمير اللي باقي من عمري بالخير بعيد عنك وعن مستشفياتك وفلوسك اللي مش عايز منها ولا جنيه.
لم يتحمل “عماد” كلامه فهدر به وقد وصل لقمة الانفعال:
ــ إنت بتقول ايه يا ولد انت ! شكلك اتجننت هو إنت مفكر أنهم كلمتين هتيجي ترميهم لي وتمشي لاااااا فوق يابن عبير ده أنا اجيب عالي البت واهلها واطيها وأخليك تبوس جزمتي علشان ارحمهم من اللي هعمله فيهم، بنت قليلة التربية علشان تعصيك على ابوك .
لم يتحمل هو الآخر أن يسب ملاكه الجميل التي جعلته فاق ورأى الكون بمنظور البشر الطبيعيين فهتف من بين أسنانه بصوت هدر :
ــ وماله نجيب عاليها واطيها إحنا الاتنين يا باشا وهتـ.ـضرب هضـ.ـرب ، هتغدر هغدر ، هتيجي ناحيتها وتلمس بس صباع واحد منها هطلع المكشوف وهصيتك عالمياً ودولياً وهخليك أشهر من النار على العلم في اللي بالي بالك أما هتبعد عني وعنها وتسيبني اعيش حياتي بالطريقة اللي تريحني تمام ثروتك ابقي اوهبها للأعمال الخيرية والإنسانية على الأقل تكفر حبة عن ذنوبك قدام ربنا أما أنا حرمتها عليا ،
ثم اقترب منه ونظر داخل عينيه مهددا إياه بقوة :
ــ وحذاري حذاري تقرب من فريدة ولا حد يخصها الله الوكيل هجيب عاليها واطيها يا عماد يا الفي ومش هبكي على حاجة بعد كدة واعمل حسابك حياتي خط أحمر وفريدة خطوط دم مش هتنتهي واللي معايا وتحت ايدي كتييير قوووي ياباشا يخض ويخلي اللي مايشتري يتفرج ،
ثم أخرج هاتفه وأتى بفيديو من الثلاث فيديوهات الذي سجلهم له وهو شاباً في مرحلة الثانوية عندما علم بمهنة أبيه وعرضه عليه وهو يردد :
ــ اتفرج يا باشا على الحاجات اللي دبلجتها ومنتجتها ولسه طالعة من الفرن حالاً وقبل ما تتهور عندي منه نسخ ملهاش اول من آخر ومش معايا لوحدي لااااا ده عند أربعة خمسة ميخطروش على بالك ولا تعرف عنهم حاجة من الأساس ومعرفهم إني لو جرالي حاجة أو اختفيت ساعتين بس أو فريدة واللي حواليها حد مسهم الفيديوهات كلها تتشير وتروح للنائب العام ويا نعيش عيشة فل يا نمـ.ـوت إحنا الكل وكل اللي عملته ده هيروح هدر وهتبقي السفاح العالمي عماد الألفي.
انصعق “عماد” كمن أصيب بماس كهربائي من هول ما رأى وما سمع فإبنه الذي رباه وعلمه وكبره هو الشوكة التي تقف في ظهره الآن وأي شوكة إنها حادة تصيب الإنسان في مقـ.ـتله ثم انقض عليه ولكمه لكمتين قويتين في وجهه مما جعل الدماء تسيل بجانب فمه وأنفه وهو يمسكه من تلابيب قميصه يهزه بعنف مما جعل الحراس يقدمون عليه وهم يشهرون أسلحتهم في وجه “عماد” ولكن “فارس” أبعدهم بإشارة من يده وهو يمسح الدماء التي تسيل من فمه إثر لكمة أبيه القوية له الذي يردد بفحيح:
ــ أه يا كلب بقي اربيك واكبرك واعلمك واخليك تمشي تقول يا ارض اتهدي ما عليكي قدي وفي الآخر تقف قصادي وتهددني بقى بتصور ابوك يا حقير وبتساومني كمان ده انا مش هخلي فيك حتة سليمة يا ابن عبير .
ضحك “فارس” بهستيرية وهو ينفض يد أبيه بعنف وقد دخل في حالة من الغضب الشديد من كلماته هادراً به :
ــ بابا مين يا باشا ده انت ما وريتنيش يوم حلو اعيشه في حياتي ما شفتش معاك غير المر والقسوه وجحود القلب اللي ما فيش منه في الدنيا دي غير عندك بس ،
خليتني أبص على اللي حواليا وهما عيشتهم مستقرة بين أب وام اسوياء وانا كنت عامل زي اليتيم ماما الله يكون في عونها كانت عيانة وعمليات على طول بسبب جحودك وانت في وادي تاني سفر وشغل ومقابلات وتيجي تنكد علينا وتجيب لماما المرض وبهدلتها وخلتني كل يوم انا وهي نحضن بعض ونبكي بدل الدموع دم على العيشة اللي احنا عايشينها خوف ورعب عمري ما هنسالك اللي انت عملته فيها ولا هسامحك عليه ولا عمري هعتبرك اب انت شيطان يا عماد بيتحرك على الأرض واللي زيك خطر على البشرية ومن دلوقتي بعرفك انك لو استمريت في شغلانتك الوسـ.ـخة دي ورب الكون لهجيب عاليها واطيها وهبلغ عنك وهخلي سمعتك في الأرض إما بطلتش تستنزف ارواح الغلابة وتعمل فيهم اللي انت بتعمله ده،
كفاياك بقى وفلوسك اللي انت عمال تحوشها دي انا مش هاخدها وفر تعبك ومرمطتك للناس علشان أنا متبري من فلوسك ليوم الدين و أول ما تودع هتبرع بيها للأيتام والمستشفيات على الأقل أنقذ بيها أرواح ناس كتير يشفعو لك عند ربنا من الأرواح اللي انت دمرتها .
ظل كلاهما يدور حول الآخر ينظران لبعضهم بتوعد كمثل الواقفين على حلبة المصارعة كل منهم يريد أن يدمـ.ـر الآخر و النظرات بينهم كالجحيم السعير وحقا من يراهم يظن انهم أشد الأعداء وليس الإبن وأبيه في موقف مهيب يبعث في النفس البشرية الخوف منهم ليردد “عماد” بوعيد :
ــ انت كده بتلعب في عداد عمرك يا ابن عبير ابعد عن طريقي أحسن لك وغور في ستين داهية وفلوسي هاخدها معايا القبر ومش هخلي حد يتهنى بيها طالما انت وش فقر ولو فكرت بس تقرب مني هتبقى وقتها الجاني على نفسك ويوم ما هتفضح ستر ابوك يا خاين يوم ما هصفي لك حبيبة القلب وأهلها كلهم .
حدجه بريبة لينهره بحدة:
ــ اعمل حسابك انا هبعد عن طريقك خالص بس وقسما بالله لو قربت مني او منها او من اي حد فينا او لو حتى جرى لهم حاجه بالصدفه بالنسبه لي انت اللي هتبقى مرتكبها ههد المعبد على اللي فيه ومش هبقى على اي حاجة كفايه طفولتي اللي راحت مش هقضي كمان شبابي وعمري كله معاك في الرعب والخوف والقلق ،
وأكمل بتوعد :
ــ وحذاري تورطني في أي حاجة من بلاويك اللي انت بتعملها ولا تكون مزور امضتي او استغلتها في يوم من الايام لاي حاجه من شغلك الشمال ده برده مش هبكي على اي حاجه وخلي بالك ان انا ملجم اللي معاهم الفيديوهات دي واول ما يحصل لي حاجه اعرف ان انت رايح ورا الشمس وقتها ،
ثم اهتز فكه ساخرا مكملاً :
ــ وابقي خلي الفلوس تعفن جنبك في القبر علشان تبقى شاهد عليك يوم القيامة قدام ربنا اللي انت ما تعرفش عنه حاجة أصلاً مش هتنفعك يا عماد مش هتعرف ترشي بيها ربنا زي ما رشيت البني آدمين اللي همهم زيك يبقو كلاب فلوس من لحم البشر الحي .
أجابه بقوة وغيظ من طريقته المستفزة :
ــ ابقى خلي الفقر والجوع اللي انت ما اتعودتش عليهم يا أبو لبس براندات وماركات عالمية وساعات ونضارات وحوار كبير قوي من اللي انت متعود عليهم وانت صغير ومش هتعرف تجيبهم بعد كده على الملاليم اللي انت هتعيش عليها يعني بمعنى اصح شكلك الجان اللي مفيش منه محدش هيبص عليه والكاريزما والهيبة هتضيع يا ابن الألفي .
#الجزء_الثاني_من
#البارت_الثالث_والعشرون
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
قهقه “فارس” بضحكة عالية استفزت ذاك العماد وهو يردد من بين ضحكاته بلا مبالاة لما قاله :
ــ انت متعرفش إن القالب غالب وان العتبة وأسواق شبرا مخليتش للشياكة عوزة وأنا بصراحة بليق في اي لوك حتى لو لبست الخيش والكاريزما بتبقى قبول كده من عند ربنا وطالما الواحد بيفهم يبقى مهما يلبس هيبقى جان برده اصل ما تعرفش ان عبير كانت معوداني على الأناقة والشياكة من وانا طفل صغير وبصراحة انت عملت فيا معروف طلعتني دكتور جراح ايدي تتلف في حرير هفتح عيادة خالي بعت لي الورث بتاع ماما هبدأ بيه وهفتح عيادة صغيرة هتكبر مع الزمن ومش عايز حاجة منك عايز ابدا نضيف وأبني أسرة كريمة واعلمهم أحسن تعليم واربيهم بالحلال واللي انا افتقدته في طفولتي هعوضه معاهم بعيد عنك وانت خليك وحيد في دنيتك اللي اخرتك فيها الجزاء من جنس العمل ووقتها والله ما هتصعب عليا علشان الأرواح اللي انت بتدمرها كل يوم ما صعبتش عليك في يوم من الأيام.
هدر به “عماد” بفحيح وهو يطرده من البيت بغضب شديد:
ــ اطلع بره بيتي يا كلب مش عايز اشوف وشك تاني وهنسي إن ليا ابن وهتجوز وهخلف غيرك عشرة ومش هتطول ولا مليم من فلوسي .
ارتفع دقات ضحكاته الرنانة ودقت في أرجاء الغرفة وأردف :
ــ تتجوز مين يا عماد هو بعد ما شاب ودوه الكتاب لا تكون مفكرني مش عارف ان انت ملكش في الجواز أصلاً وان ماما خلفتني بالتلقيح الصناعي وعلشان كده كنت بتطلع عقدتك فيها ووريتها المرار كله،
مين دي اللي هترضى تستحملك وانت شبه راجل ابقي سلملي على عيالك يا باشا ،
ثم بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره ولكنها ابتسامة توعد وسرعان ماختفت وتبدلت إلى ابتسامة مرعبة وهو يقترب منه ويردد أمام عينيه بملامح تملؤها القسوة :
ــ ودلوقتي آخر حاجة في المسرحية دي لازم تنتهي جثة ماما أينعم هي دلوقتي ما بقتش مهدداني ولا مسببة لي خوف بس مزاجي ان انت تسلمها لي وادفنها عشان أنغص عليك يا عماد .
رفع جفونه ببطء ثم قال برفض قاطع وبنظرة شيطانية :
ــ مش هسلمها لك يا فارس ومش هنولك اللي في بالك وهخليها الركن اللي قايد نـ.ـار في قلبك ومشعلل فيك وبتحاول توصل لي انها مش فارقة معاك بس انا عارف انك بتمـ.ـوت من جواك وهي تحت قبضة ايدي زي ما هي .
تلج الذكريات المحزنة كالمطارق وهو يتذكر جثة والدته والمشهد ما زال حياً في صدره وقال بيقين :
ــ هاخدها منك ودلوقتي يا إما برنة واحدة وأنا واقف مكاني دلوقتي هخليهم يشيروا الفيديوهات وهتروح في خبر كان وبردو هعرف أأمن نفسي منك يا عماد .
أمسكه “عماد” من تلابيب قميصه يهزه بعنف مرة أخرى وهو يشير ناحية الحراس :
ــ انت مفكر ان شوية البهايم دول هيقدرو يحموك مني فوق ياض ده انا أمحيك من على وش الأرض ما اخليش دبانه تعرف لك طريق جرة انت والخرفان اللي انت مجرجرهم وراك دول .
تأفف بامتعاض لحماقته لينطق بنبرة استفزازية :
ــ ما انت عندك منهم يا باشا الخرفان دول بيحموك من زمان وجرب كده تقرب مني وشوف هيعملوا ايه بلاش تهور في ساعة غضب هيخسرك حياتك خلينا ماشيين كده أحسن .
لم يستمع إلى كلماته ثم نظر إلى الحراس الخاص به قائلاً لهم :
ــ كتفوا الواد ده وارموه تحت رجلي وانا هديكم كل واحد مليون جنيه كاش في التو والحال وسيبوكم منه وخليكم معايا وانا هاكلكم الشهد .
ارتعب “فارس” من تلك النقطة التي كان يخاف منها بشدة ان يبيعه هؤلاء الأمن وانقلب وجهه إلى معالم الخوف ولكن حاول أن يداريه كي لا يقرأه عماد فهو أذكى من يقرأ الوجوه في دقيقة من الصمت المرعب حتى كاد أن يهوى قلبه بين قدميه فلو أطاعه رجال الأمن الخاصين به لذهب الآن في خبر كان ولن يعود وظل في حالة الرعب الشديد كل منهم ينظر للآخر بتحدي الى ان نطق قائد الحراسة بحزم :
ــ لو اديتنا مال قارون كله السمعة والشرف والأمانة ما يتعوضوش بكنوز الدنيا احنا جايين مع فارس باشا وهنخرج مع فارس باشا .
هدر بهم وهو يشير إليهم بسبابته غاضباً:
ــ ما بتفهموش ، بهايم ، الفلوس هي كل حاجة في الدنيا الضمير ما بيأكلش عيش حاف .
ابتسم قائد الحرس مرددا بقناعة:
ــ بس بيأكلنا عيش حلال وندخل بيه على ولادنا بيوتنا واحنا مبتسمين اننا بناكل لقمة حلال من عرق جبينا ما فيهاش شبهة حرام والغدر والخيانة من أكبر الحرام يا باشا الله الغني عنهم وعن الكنوز اللي هتيجي من وراهم .
نظر إليه “فارس” نظرة فخر واعتزاز وهو يشكره بعينيه بامتنان وكأن هؤلاء جنود الله الذي بعثهم لإمداده ضد جيش أبيه المستفز :
ــ عاش يا رجالة تترد لكم في عز الشدة ما تقلقوش أبو الفوارس رجولة برده وبيسد .
ملَّس قائد الحرس على صدره كعلامة للإعجاب بكلماتك وهو يردد :
ــ ولا يهمك يا باشا احنا تحت الطلب .
وأخيراً عاد بنظره إليه وهو يطلب منه للمرة الأخيرة :
ــ فين جثة امي يا عماد يا إما مش هتشوف خير لو خرجت من هنا ؟
أجابه الآخر ببرود :
ــ ملكش حاجة عندي وبعدين دي جثة مراتي وانا حر فيها .
بمجرد أن استمع إلى ما قال اندفع إليه ليشن حروب أفعاله فوق رأسه بتمرد لسنوات قضاها ذليلاً وبرغم نظراته الحادة لم ترغمه أن يبتلع ماعلق في حلقه من كلمات ولا أن يتراجع للخلف ولا يوجد في باله غير صورة جثة أمه وضـ.ـرب بقوانين الحرام والحلال عرض الحائط ولم يراعي حرمة الأبوين ،
فتقدم خطواته بقدر نظرة الخوف الذي رآها من والده لأول مرة وهو يمسكه بتلابيب قميصه ويغرس خنجر سؤاله في صدره :
ــ انا كده جبت أخري معاك يا عماد وانت اللي جبته لنفسك والحرس بتوعي قصاد الحرس بتوعك ونقلبها معركة دم هنا وانت الخسران فيها ما تجيبش لنفسك الإهانة وانت راجل كبير على آخر الزمن وقول لي جثة ماما فين ؟
قبض علي معصمه المتمسك بتلابيب قميصه بقوة وعنفه بصوته المملؤ بالجبروت:
ــ عايز تمد ايدك على ابوك أو تموته يا متربي !
هي دي تربية عبير اللي انت بتحلف وبتتحلف بيها اخص عليك وعلى تربيتها الزبـ.ـالة .
تشعب الغضب برأسه وتكاثر بلا رادع من كلماته عن والدته وهدر به بنفس نبرة الجبروت وكأنها قوة الله أرسلها في صدره ضد ذاك الجاحد :
ــ تصدق ليك حق تكرهها علشان كانت دايما بتحسسك بالنقص وانك مش راجل وانك عايش في الدنيا زي الحيوانات بالظبط وانتقمت منها وهي حية وما وريتهاش يوم حلو وريتها العـ.ـذاب ألوان وبتنتقم منها دلوقتي وهي ميتة بس انا برده مش هسيبها لك يا عماد ،
عبير ربت راجل هيعرف يجيب لها حقها من عينيك وغصب عنك دلوقتي هتسلمني جثتها .
انتفضت أعينه بحدة وهي يطالعه بشراسته لاتختلف عن شراستة وظل يقلب الموضوع في رأسه ووجد أنه لا مفر من أن يعطيه جثة أمه وهو ينظر بعينيه إلى منزله والامبراطورية التي بناها برعب ان تنسحب من بين يديه او أن برسل عليه الله قضباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غورا كجنة الصاحبين الذي عاير أحدهما الآخر فلجأ إلى ربه كي يقر عينيه ،
ثم ردد أخيراً بما جعل الفارس ينظر إلى السماء وكأنه يريد أن يعانقها شكرا لرب العباد :
ــ خدها وغورو انتوا الاتنين واعمل حسابك لو الزمن دار بيك ورجعت لي ندمان على اللي انت عملته معايا هفعصك تحت رجلي زي الحشرة بالظبط وزي ما انت ما اعتبرتنيش أبوك مش هعتبرك ابني حتى لو هتموت ،
هتكون موجودة هنا في التابوت بكرة زي دلوقتي تيجي تاخدها ومش عايز اشوف وشك تاني .
ــ وليه مش دلوقتي يا عماد ؟ .. قالها فارس بقلب ينبض لرؤيا جثة والدته التي ماتت دون أن يراها أو يودعها فأجابه ذاك الجاحد :
ــ ايه هو انت مفكرها كوز درة هجيبه لك تاخده وتمشي كده عادي !
جهز انت المقبرة وتيجي تستلمها مني زي دلوقتي بالظبط .
استوعب كلماته وأردف بنبرة جادة متجنبا سخريته منه :
ــ تمام على الله تعمل الدنيئة معايا مش هبكي على حاجه وقتها مهما كان وبكرة اعمل حسابك ان انا هأمن نفسي اكتر من النهاردة،
ثم أولاه ظهره وهو يشير للحرس أن يتحركوا ويخرج من المكان بأمان ليسترسل باستفزاز له :
ــ ومن غير سلام يا باشا أغداً ألقاك يالا شوقي وانتظاري من لقاء الموعدِ .
وأخيراً غادر الفارس المكان وانتهت مسرحية الرعب التي عاشها وانتهت اللحظات الموجعة ولم يتبقى سوى اللحظة الأخيرة صاحبة نبض الوجع الأكبر وهو يتلهف لها فعجيب أمر الزمان احدهم يهرب من لحظات الوجع وأحدهم ينتظرها كي يُجبر بها فأحياناً يخلق الأمل من الألم فحروفهم واحدة ولكن معانيهم مضادة لبني الإنسان.
«««««««««««»»»»»»»»»»»»
أدى فريضة الفجر وجلس يردد أذكار الصباح والمساء باطمئنان كما علمته سكونه فكانت دوما تردد له الآية القرآنية
” فإذا فرغت فانصب & وإلى ربك فارغب”
أي حينما تنهي صلاتك لا تفر إلى مشاغلك قبل أن تذكر الله وأنت راغب لذلك كي يطمئن قلبك فكم علمته سكون كثيرا من التعاليم الدينية التي كان غافلاً عنها وبعد ان انهى صلواته وذكره شعر الآن بوحشتها بشدة فقد غابت عنه ليلتان لم يرى طيفها فيهم فهو قد قصد أن لا يجعلها تراه كي يمهلها الفرصة أن تنسى وتهدأ ولكن هو الآن وبالتحديد في الساعة السادسة صباحاً لم يستطيع أن يتحمل شوقها أكثر من ذلك وقرر أن يذهب إليها في ذاك التوقيت وليحدث ما يحدث فهو قد زهق الصبر من صبره ،
ارتدي ملابسه الكاجوال عبارة عن تيشرت باللون السماوي و أسفله بنطالا باللون الكحلي ثم ارتدى ساعته وأخذ مفاتيحه وانطلق إليها في ذاك التوقيت المبكر ،
كانت مثله تجلس على المصلاة تناجي ربها بعد أن أنهت فريضتها ووردها القرآني فأفضل وقت لقراءة القرآن بعد الفجر فحيث تشهده الملائكه لقوله تعالى :
“إن قرآن الفجر كان مشهودا ”
ثم أنهت وردها وبدأت بقراءة أذكار الصباح والمساء بقلب خاشع وكانت “مكة” ووالدتها نائمتين في ذاك الوقت ثم استمعت إلى صوت الجرس يعلن عن وصول أحدهم فاندهشت بأن ذاك التوقيت مبكرا للغاية ولم يزور أحدا أناساً في ذاك الوقت ،
انطلقت إلى الباب كي لا يستمر الطارق في ضغطه على زر الجرس ويستيقظ الطفل الذي غفى بأعجوبة ونظرت من العين السحرية للباب واذا بها تجده عمرانها يقف بتشوق متلهفاً لرؤياها فاستندت على ظهر الباب وهي تضع يدها على صدرها تهدئ من ضربات قلبها فهي قد اشتاقته هي الأخرى بشدة ،
ولكن والدتها استمعت إلى صوت الجرس فخرجت سريعاً هي الأخرى كي ترى من الطارق فأعلمتها “سكون” بأنه “عمران” كي تهدأ من قلقها ثم فتحت له وهي تنظر له باندهاش:
ــ تعالى يا ولدي في حاجة حوصلت كفى الله الشر ؟
راعى قلقها فطمئنها على الفور :
ــ ما تقلقيش يا امي أني جاي عايز سكون في كلمتين وماشي طوالي قبل ما اروح الشغل معلش اني أزعجتكم أني عارف إنها صاحية دلوك.
قرأت ماجدة شوقه في عينيه لابنتها فتبسمت له واصطنعت النوم كي تتركهم ثم همست لابنتها دون أن يسمع :
ــ جوزك ما قدرش على بعدك يا سكون ريحي جوزك يا بتي وشوفيه عايز ايه واعملي له اللي هو عايزه .
ثم تركتهم ودخلت تكمل نومها فهي قد صلت الفجر وليس وراءها اي أعمال منزلية فهي من النوع التي تنهي جميع أعمالها المنزلية قبل ان تنام وفور أن اطمئن “عمران” إلى دخولها والمكان اصبح فارغ حولهم فجذبها إلى أحضانه حتى ارتطمت بعظام صدره القوية مما جعلها شهقت من اختطافه لها داخل احضانه المتشوقة لها وهو يردد بوله أمام عينيها :
ــ وحشتيني قوووي ياسكون وأيام وساعات بعدك على عيني ،
ثم احتضن وجهها بين كفاي يديه وقبلها من عينيها ثم انتقل إلى جانب شفتيها مكملاً بتلهف :
ــ كل حاجة فيكي وحشتني قوووي ، عيونك ولهفتهم عليا ، شفايفك وهما بين شفايفي ، حضنك وهو هيدفي حضني ، قلبي اللي مش مبطل دقات دلوك بقي عايش حزين بقى له يومين في بعدك ، ولا البيت وحش عامل زي الميتم في بعدك عني .
حاولت أن تفلت وجهها من بين يديه لكنها لم تستطيع فهو متملكاً منها بقوة وتمتمت بخجل من اقترابه فما زالت سكون تخجل من لحظات اقتراب عمرانها وهي تومئ بعينيها لأسفل:
ــ طب بعد يا عمران مينفعش اكده حد يخرج علينا وانت حاضني اكده .
نظر لشفتيها و ابتلع لٌعابه وبدأ صدره ينتفض ويعلو ويهبط من شدة إحتياجه لها،
وماكان حالها أفضل منه، كانت تنظر لعيناه بفاه مفتوحة مٌرتعشة وقلبٍ يرتجف يريد الإرتماء داخل أحضانه ونسيان كل ما أحزنها منه تلك الفترة الماضية ،
بقيا مدة علي وضعهما هذا كلاً منهما يحتـ.ـرق شوقاً للأخر حتى نطق هو :
ــ طب تعالي نروح بيتنا ونتكلم براحتنا علشان مش قادر أطلعك من حضني يا سكوني.
إستجمعت قواها وتحركت بداخلها روح الأنثي المتمردة، نفضت يدهِ من عليها و ابتعدت عنه وما زال الخجل يسيطر عليها فتفوهت بكلمات بلهاء :
ــ ابعد عني اني مخصماك علشان انت زعلتني .
ابتلع أنفاسه بصعوبة بالغة وهو يذوب شوقاً للقاها:
ــ مش قادر ابعد يا سكوني مش قادر .
إبتلعت لعابها من هيئتهِ المٌدمرة لإنوثتها، نظر إليها وجدها تبتلع لعابها فابتسم بإنتشاء لهيئتها التى تأثرت باقترابه منها ثم
اقترب منها ليزيح خصلة فوق عينيها يتلمس وجنتها نزولاً إلي فكها ثم صعد إلي شفتيها يتلمس كل منهما بإبهامه ، نظرت بعيد عن عينيه تحاول كبت عبراتها، لكنها إستعادت قواها وأخفت كل مشاعرها التي تملكت منها كلماته بكل قوة نظرت له بعيون تخفي ضعف يستكين بداخلها وقلب يخفق ألماً وعشقاً معاً، ترتجف من لمساته التي تجعلها تود أن ترتمي علي صدره ويدفئها بحرارته المنبعثة من توهج عشقه لها، لكن كبريائها كان يصرخ بداخلها يحثها بأن تصم أذنيها عن كلماته ورجائه وأن لاتتأثر حتي بإعتذاره ولكنه إبتسم بهدوء وأمسك كفها وطبع بداخله قبلة لثوان ثم نظر إليها وقال :
ــ خلاص بقى قلبك ابيض وانتي اخدتي تارك مني بعد وهجر وحرمان طلعتي قاسية ياسكوني .
قالها وأنهال علي شفتيها بعشق ووله، يعلو بداخلها أصوات صراع صاخبة بين قلبها وكبريائها فقامت بدفعه في صدره وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من هجومه الضاري وهي تمنعه :
ــ يا عمران بزياداك عاد إحنا مش في بيتنا وممكن حد يطلع يشوفنا بالمنظر دي ،
ثم أكملت بابتسامة مصاحبة للدعابة فأشرقت شمس ظلامه لسحر ابتسامتها :
ــ خلاص عفوت عنك بس اياك …
قبل أن تكمل وضع يده على فمها يمنعها أن تكمل مطمئناً إياها:
ــ متكمليش مش هيوحصل دي انتي قلب العمران وروحه وحياته .
ثم أكمل وهو يود سماعها منها كي يطرب أذنيه :
ــ بتحبيني ياسكوني؟
احتضنت وجهه بين كفاي يديها وهي تجيبه بلهفة تعادل لهفته بل وتزيد :
ــ أحلف بإيه أول مادق القلب دق القلب ليك
أحلف بإيه أول ما قلت هحب كانت بين ايديك ،
ثم أكملت وهي تطلب منه :
ـــ هو انا ممكن اطلب منك طلب ؟
غمز لها بطريقة أخجلتها:
ــ موافق عليه من غير ما اعرفه .
ضمت شفتيها بدلال وأردفت :
ــ لا ده اهم طلب في حياتي .
أكد لها دون أن يعرف :
ــ موافق برده عليه من غير ما اعرفه .
أجابته بشجن :
ــ ممكن ما تتغيرش انا حبيتك زي ما انت اكده يعني اني بشوف المشاكل اللي بين اي اتنين بيحبوا بعض إنهم بيتغيروا فأرجوك متتغيرش .
قبلها من يدها مؤكدا لها بدعابة:
ــ لا احنا زي ما احنا والله ما تقلقيش .
ما اجمل لقاء يجمعك بمن تحب فهو ينسيك حنين الأمس وذكريات الغد ، فعند اللقاء خفـق قلبي في دقاته، ويقول حُبك للأبد والشوق لك يزيد فما أجمل لقاء الحبيب بعد طول فراق، وبعد سيل من الأشواق، إنها لحظة ترسم أحداثها في لوحة ربيع العمر، لحظة يزاد فيها نبض القلب، وتتجمد المشاعر من فرح القلوب، لحظة فيها من الوفاء مايروي الأحاسيس ،
لقاء الحبيب هو العلاج للقلوب، وهو الطبيب. عندما تبتهج الوجوه بلقاء من لهم الوجدان يَسُر، تكفي الابتسامة في التعبير عن ما يذخر القلب من غلا وحب لهم وفي بعض الأوقات تسبق الابتسامات دمعة الفرح لترقص على خد كاد أن يجف ويذبل من طول الفراق، وتصدم الأجساد ببعضها لبعض لتولد حرارة الشوق وتلتمس الكفوف بالأيدي لتنقل أحاسيس الجوف ومشاعر الروح أعلم جيداً أن هناك حبيب متلهف ينتظرني كعهده وهكذا كان لقاء العمران والسكون لقاء مملوء بالأشواق التي كانت كالكهرباء حينما تعانقوا بمشاعر ملتهبة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من نبض الوجع عشت غرامي)