روايات

رواية من أنا الفصل الثامن 8 بقلم حليمة عدادي

موقع كتابك في سطور

رواية من أنا الفصل الثامن 8 بقلم حليمة عدادي

رواية من أنا الجزء الثامن

رواية من أنا البارت الثامن

من أنا
من أنا

رواية من أنا الحلقة الثامنة

توقفت منة للحظة لتستوعب أن كل شيء بخير، حين مرت الرصاصة بجانبهما دون أن تصيبهما بأذى. كادت أن تتوقف أنفاسها عندما سمعت صوت الطلقة النارية، وتجمدت في مكانها، حيث سرت في أوصالها قشعريرة، وجفّ حلقها. لم تعد قادرة على التحمل و سقطت على ركبتيها وهي تحتضن ابنتها في يديها، تحاول استعادة أنفاسها المسلوبة. وفجأة، شعرت بفوهة سلاح موجهة إلى رأسها. احتضنت منة جسد ابنتها النحيل بين ذراعيها، محاولة حمايتها من بطشهم. عندما أدركت أنه لا مفر لهما، شعرت بكآبة تسكن حلقها، وتجمعت الدموع في عينيها بسبب مرارة الهزيمة التي تذوقتها، ولم تستطع الهرب. لعنت في سرها تلك الأمانة التي كانت سبباً في معاناتها. وفجأة انتشلها من تفكيرها عندما انتزعتها قبضة قوية من ذراعها وسحبها بقوة، حتى كادت تسقط ثم تحدث قائلا ً:
_ المرة دي الرصاصة عدت من جنبك لكن المرة الجايه هتيجي في دماعك فما تحاوليش تهربي مرة تانيه ..
أنهى حديثه المليء بالتهديدات، ثم ألقى بها نحو السيارة. و أمسك بابنتها التي كانت تبكي بفزع، ولم يُظهر أي تعاطف. سحبها خلفه كما يُسحب قطعة قماش بلا معنى. شعرت بالقهر حين عجزت عن فعل أي شيء من أجل ابنتها، وصرخت بصوت يملؤه الألم قائلة:
_ سيب بنتي ماتعملش معاها كدا البنت مريضه أرجوك سيبنا نمشي ..
توقفت الكلمات في حلقها وسقط قلبها هلعًا حين رأت ابنتها تغلق عينيها ويسقط جسدها على الأرض بلا حراك. صرخت بفزع، ودموعها تتناثر على وجنتيها، حتى كاد صوتها أن ينحبس.
_ بنتي إيلول إنتي سمعاني اعمل حاجة بنتي بتروح مني ..
دفعها بقوة حتى اصطدمت بالسيارة، دون أن يبالي كأنه يدفع شيئًا غير ذي قيمة. ثم حمل إيلول ووضعها في السيارة، وعاد إلى منة، سحبها من ذراعها ودفعها إلى الداخل بجانب ابنتها. بعد ذلك، أشار إلى الرجال الذين كانوا معه، ثم استقل مقعده وانطلقوا. بينما في الخلف، بكت منة بمرارة وفزع، وهي تمسك برأس ابنتها بين يديها، منادية بصوتٍ مفعم بالحزن قائلة:
_ أيلول أيلول ردي عليا أنا آسفة ياحبيبتي ماقدرتش احميكِ ..
ازداد بكاؤها حين لم تجد منها ردًا، فأخذت تقلب جسدها الضعيف البارد بين يديها.
************
انتفضت تقى خوفًا، ثم استدارت ببطء وهي تحاول طمأنة نفسها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. فوجئت بـ وليد خلفها، حاملاً سكينًا حادًا، وعيناه مليئتان بالشر. ثم اقترب منها، و مرر السكين على وجنتيها، وهتف بغلٍ قائلاً:
_ شكلك نسيتي اللي كنت بعمله فيكي أنا هفكرك بيه ياقطة وهعرف السبب اللي يخليكِ تدافعي عن الشيطان دا ..
نظرت تقى إليه بثبات، ولم تتزحزح جفونها رغم مخاوفها الداخلية، إذ كانت ترفض أن تُهزم أمامه. من جهة أخرى، كان يونس يشعر بقلق عميق، ليس بسبب نفسه، بل خشيةً أن تتعرض تقى لأي أذى نتيجة وجودها معه، بينما هو مقيد اليدين وعاجزاً عن فعل أي شيء بسبب تلك القيود اللعينة. وفي تلك اللحظة، نظر وليد إليهم بملل، ثم سحب تقى بعيداً عن يونس، وأمسك بالسوط ورفعه في الهواء.
ثم بدأت تضرب جسد يونس بقوة وغضب دون رحمة. حاولت تقى الاقتراب نحو يونس، لكنهم أمسكوا بها بشدة، وهي تكافح من أجل الإفلات من أيديهم وعيناها تشتعلان غضباً. إلا أنهم كانوا أقوى منها، فلم يكن بإمكان جسدها الضعيف أن يقاوم، فسقطت على ركبتيها بينما هم يمسكون بها من ذراعيها. ولكنها لم تستسلم، بل استجمعت كل قواها ووقفت ثابتة، محاولة الصراخ، ولكن صوتها خذلها وكُتمت الكلمات في حلقها. حين رأى وليد يونس وقد غطى جسده بالدماء، واستشعر التعب والألم بوضوح على ملامحه، توقف عن ضربه.و ترك السوط من يده وهو يلهث، ثم صرخ قائلاً:
_ ماعنديش وقت أضيعه معاك قولي الأمانة فين وإيه اللي تعرفه عنها ..
رفع يونس رأسه بصعوبة، حيث كان الألم يمزق جسده نتيجة الجروح النازفة. وقد تغير لون وجهه وأصبح مظهره مخيفًا لمن ينظر إليه. ضغط على أسنانه بألم، ثم نطق بصوت ضعيف قائلاً:
_ أنا معرفش حاجة عنها ولا أعرف هي فين لو عايز تقتلني أقتلني بس سيب البنت تروح هي ما تعرفش حاجة ..
انفجر وليد غضبًا من رد يونس، وتقدم نحوه بسرعة، ممسكًا بكتفه وضاغطًا بأظافره على إحدى جروحه، متحدثًا بصوت يسوده الغضب قائلاً:
_ لو متكلمتش هفضل أعذب فيك ليل نهار لحد ماتتكلم والبنت مش هسيبها أنا همشي دلوقتي وهرجع ثاني لما عقلك يرجع لك ..
أنهى حديثه وتوجه نحو تقى قائلاً:
_ أنا هرجع بالليل علشان أخذك هرجعك لنفس المكان يمكن عقلك يرجعلك ..
أنهى حديثه ثم أشار إلى رجاله بالخروج تاركين تقى خلفهم. وغادروا المكان بينما تبعهم وليد ، حالما خرجوا، انتفضت تقى من موضعها، وازدادت عيناها تألقاً، ونظرت بتركيز نحو شيء ما،و البسمة على ثغرها.
**************
حاولت والدته تهدئته بصعوبة، إذ بدا كأنه أصيب بالجنون منذ أن شاهد شهيرة. أمسكت بيده وبدأت تربت عليها، ثم هتفت قائلة:
_ حسام اهدى ياحبيبي شهيرة مالهاش ذنب إنت تعبان لازم ترتاح صحتك أهم ..
أدار وجهه بعيدًا عنها محاولًا كبح جماح غضبه، بينما تلاحقت ذكريات الماضي في ذهنه وكأنها أعادت فتح جراح كادت تندمل وفجأة، انتفض عندما تذكر شقيقه، وهتف بقلق قائلاً:
_ ماما بابا يونس فين هو كويس صح إنتوا لقيته صح ..
خفض أحمد رأسه إلى الأسفل، وهتف بحزن قائلاً:
_ لسه منعرفش عنه حاجة مش عارف اخذوه فين قلبي وجعني عليه ربنا يحميه ..
حاول التحرك ولكنه لم يتمكن من تحريك قدمه، فنهض متحركاً بعشوائية، مصمماً على الذهاب إلى شقيقه مهما كانت الظروف، دون أن يعود من دونه. حاولت والدته وشقيقته تهدئته، وعندما عجز عن ذلك، أطلق صرخة انفعالية قائلاً:
_ إنتوا هاديين كدا إزاي ويونس مش هنا مش عارفين إذا كان كويس ولالا هما أكيد بيعذبوه ..
أمسكت مريم بيده، وهي لا تقل حالاً عنه، والدموع تجمع في جفونها، ثم هتفت بصوت مبحوح قائلة:
_ يونس قوي وهيكون كويس وإن شاءالله هيرجعلنا بالسلامة ..
بينما كانا يتبادلان الحديث، ويحاول كل منهما طمأنة الآخر، وقفت شهيرة على مسافة بعيدة عنهما، تتابع المشهد بعيون تملؤها الدموع، بينما تسعى للتماسك. تمنّت لو كانت والدتها ووالدها بجانبها، لترتاح قليلاً، لكنهما رحلا عن الدنيا، مما جعلها تشعر بالوحدة والانكسار في غيابهما.
“تعد الحياة بدون الوالدين كالعالم المظلم الذي يفتقر إلى النور، وهي تشبه الجماد الذي يفتقر إلى الروح. فلا معنى للحياة دون وجودهم، فهم نبضها وجوهرها.”
لاحظت مريم ما يدور في ذهنها، إذ إنها الأقرب إليها وتعرفها جيدًا. فنهضت نحوها وأمسكت بيدها، ثم قالت:
_ مالك ياشوكي زعلانه ليه تعالي إقعدي معانا ..
_ مش هقدر حسام بيكرهني مش عايزني افضل معاكم خليني هنا ..
تنهدت، فهي تدرك جيدًا أسباب كراهية حسام لشهيرة، وتفهم أنه لا يعكس مشاعر حقيقية، بل هو ناتج عن جروح الماضي. ثم قالت:
_ مش كدا ياشوكي حسام لسه مجروح من اللي حصل هو مش عارف الحقيقه كلها تعالي معايا ..
لم تترك لها الفرصة لتعبر عن أي شيء، بل سحبتها معها نحو حسام، ثم وجهت إليه الكلمات، قائلة:
_ حسام كدا مش هينفع لازم تسمع من شوكي أو من ماما هي ليه عملت كدا ماتحكمش عليها من غير ماتعرف ..
ضغط على قبضته، محاولًا السيطرة على مشاعر غضبه، ثم نطق بصوت منخفض يحمل في طياته الغضب قائلاً:
_ ليه هربتي يوم كتب كتابتا ليه؟عايز جواب واحد بس ..
*************
تجلت البهجة في عيني تقى عندما لمحت المفاتيح ملقاة على الأرض، حيث سقطت من وليد أثناء ضربه لـيونس الذي لم يكن مدركاً لذلك. اندفعت تقى نحوها بسرعة، والتقطتهما بفرح، ثم رفعتهما أمام عينيها وهي تحركهما عشوائيًا لإصدار صوت. وقد جذب هذا الصوت انتباه يونس، الذي رفع رأسه بفضول ليكتشف مصدره. وعندما رأى المفاتيح في يدها، استفسر منها بدهشة قائلاً:
_ تقى إنتي جبتي المفاتيح دول منين وهتعملي بيهم ايه ..
عندما أنهى حديثه، اقتربت منه ووضعت المفتاح في قفل السلاسل وأدارتها ببطء، وهي تدعو أن يفتح القفل وأن ينجوا من هذا السجن. وفجأة، انفتح القفل، فقفزت بفرحة وكأنها طفلة، وشرعت في فك باقي السلاسل، وكانت مفعمة بالسعادة. وعندما انتهت، وقف يونس يتألم، وهتف قائلاً:
_ طلعتي شطوره وذكية وأنا اللي كنت فاكرك جبانه، لازم نخرج من هنا بسرعه قبل مايرجعوا ..
نظرت إليه وهي تضم يدها إلى صدرها بتعبير متجمد، ثم اتجهت نحو الباب. رفع حاجبه بتعجب من تصرفها، ثم تبعها ببطء نتيجة لألم جسده. عندما وصل إليها، بدأت تجرب المفاتيح واحداً تلو الآخر، ولأن العدد كان كبيراً، بدت متوترة. لحسن حظهم، عندما جربت آخر مفتاح، انفتح الباب، ودخل ضوء الشمس إلى المكان. شعرت بسعادة غامرة وفتحت الباب بسرعة، ثم خرجت ببطء، لكنها عادت مسرعة عندما رأت عددًا من الرجال يراقبون المكان. تحرك يونس ببطء، وكانت خلفه، حتى اقترب من الرجال، ثم التقط صخرة صغيرة من الأرض ورماها في الاتجاه المعاكس ليشوش انتباههم عندما ألقى تلك الحجرة، تفرق الرجال يبحثون عن مصدر الصوت. هنا استغل يونس الفرصة وانطلق بسرعة تجاه الأشجار، متسارعًا بينما كانت تقى تلاحقه. ومع تقدمهم في عمق الغابة، تفاجأوا بظهور صوت من خلفهم ينادي قائلاً:
_ أقف مكانك إنت رايح على فين بالسرعة دي ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى