روايات

رواية آصرة العزايزة الفصل الثاني 2 بقلم نهال مصطفى

رواية آصرة العزايزة الفصل الثاني 2 بقلم نهال مصطفى

رواية آصرة العزايزة الجزء الثاني

رواية آصرة العزايزة البارت الثاني

آصرة العزايزة
آصرة العزايزة

رواية آصرة العزايزة الحلقة الثانية

♣️ الآصرة الثانيـة ♣️
لم أجد وصفًا مؤلمًا للحب أكثر ما ذكره نزار قباني :
“الحب ليس رواية شرقية في ختامها يتزوج الابطال ..
الحُب هو أن تظل على الأصابع رجفة وعلى الشفاه المطبقات سؤال .. ”
-بل مائة سؤال وألف حُلم ومليون فرضيـة لفرصة لقاء واحدة .. وبقيـة العمر في شوق وحنين .
#نهال_مصطفى.
•••••••
حُسم رعد التمرد والكبرياء والموقف ، فتاة مدللة مثل ليلة الجوهري لم يخلق من يفرض عليهـا آرائه كما تربت على الدلال المفرط لوحيدة أبيها وأن كل طلباتها مُجابة ، و هارون العزايزي لن يمتلك رفاهيـة الصبـر التي تجبره أن يتحمل دلال وتمرد إمراة مثلها .
مع غروب سيارته أحست ” ليلة ” بالخوف والصقيع في آنٍ واحد ، أخذت تتلفت حولها بذعرٍ حتى وصل لمسامعها صوت عواء الذئاب كأنه جاء ليذكرها بتلك الكارثة التي تُحيط بها ورحل.. بدون تفكـير هرولت مسرعة لتختبئ بسيارتها قافلة جميع أبوابها بإحكام ، دفنت وجهها بين راحتي يديها وهي تلهث بفزع لتواسي نفسها حتى دخلت في نوبة هستيرية .. بصرخة متقنة الإخفاء في مكان خالٍ:
-إن شاء الله مفيش حاجة عادي ده مجرد صوت من بعيد ، بس الصوت يدل أنه قُريب مني .. لالا أنا مش هموت هنـا آكيد .. يامامي !!
في تلك اللحظة أخذت أنياب الشهامـة تأكل برأسه مما جعله لأول مرة يكسر كلمته ويتراجع عن قرارٍ أتخذه ، لف مقود السيارة وعاد مرغمًا لعندها فكانت وصلت لذروة خوفهـا ، طرق على نافذة السيارة المقفولة فهبت صارخة بوجهه ، فبادرها قائلًا :
-شوفتي عفريت إياك ؟!! اندلي .
فتحت النافذة تدريجيا لتتأكد من هويتـه برعب :
-ااه أنت ، الكابتين الـ كُنت من شوية .. أنت رجعت !!
ثم شرعت لتسرد له معاناتها :
-انا سمعت صوت الثعلب ، كان قريب أوي أوي ، أهو اسمع كده لسـه شغال .. هو كان ممكن يأكلني صح ؟!
كز على فكيـه بنفـاذ صبـر :
-ده ديب مش صعلوك .
ما زالت تحت سطو خوفها ولكنها لم تنكر نفحات الونس التي هلت عليها بعودته :
-هااه ؟! يعني أيه ؟! معلش استحملني بس عشان أنا بخاف من أي حاجة عندها رجلين وبتمشي .
زفر باختناق:
-ياستي فُضيني وخفي عَطلة ، طلعتي لي منين أنتِ بس ؟! يلا انزلي هوصلك .
ردت بعجـلٍ وهي تلملم أشياءها :
-حاضر حاضر ، أخد حاجاتي بس .. استنى عليا وبلاش تزعق عشان بتوتر .
ثم نظرت له بتوسل :
-ممكن يا كابتن تنزل شنطتي من العربية .. معلش كمل جِميلك معايا للآخر .. شكلك شهم وابن بلد وجيت لي من السمـا والله .. أنت بركة دعوات عمو حسن ليا !
قفل جفونه للحظة يستوعب طلبها الذي لم يجرؤ عليه أحد:
-كمـان شيال ؟!! ومين حسن ده “راخر” !!
ضرب كف على الأخر قبل أن ينتظر جوابها :
-افتحي الشنطة لحد ما أشوف أخرتها معاكٍ يا بت الناس .
وضع هارون حقيبتها بسيارته في تلك الأثناء فرغت ليلة من جمع أغراضها المبعثرة بحقيبة يدها الكبيرة .. أخذت مفتاح سيارتها وهبطت لتقطع تلك المسافة القصيرة التي لم تتجاوز بضعة أمتار فاصلة بين السيارتين ركضًا .. تأفف هارون ممتعضًا :
-هو يوم باين من أوله .. اصطباحة كانت على وش زينة ونغم ؟!! مستني أيه أخر اليوم ؟! مبروك ربحت المليون !
أكمل دمدمة حتى وصل لمقعد سيارته المخصص بالقيادة وهو يتحدث بصوت مسموع :
-وقال صفية عايزاني اتجوز واحدة منيهم ؟! عشان يبقى الفقر ملازمني لآخر عمري !!
ثم نظر إليها ناطقًا بسؤاله التعجبي :
-يرضيكي يا بت الناس الحديت ده !!
حركت كفتيها بجهل تام وبأعينها المتسعة غمغمت متبعة نهجه :
-لا طبعًا ، مادام حاجة مزعلاك أوي كده متعملهاش.
-شكلك نبيهه !!
استقبلت جملته الغامضة بابتسامة مزيفة تكسر بها حاجز الخوف المسيطر على قلبها والحرج ؛ فأكملت :
-مرسي ليك يا كابتن، كنت متأكدة وحياة ربنا أن الصعيد كله رجالة جدعان والشهامة بتجري في دمهم .. أهو أنتَ أكبر مثال .
اكتفى بنظرة مطولة تحمل السخرية والاستهزاء ثم عاد ليواصل سيره .. تعجبت للحظة من رد فعله الغامض ثم عادت لتفتح مسارًا جديدًا للحوار :
-نتعرف .. أنا ليلة الجوهري .
رفع حاجبه وعلى محياه ضحكة ساخرة :
-دي هي ليـلة هارون المقندلة !!
تصلبت تعابير وجهها مكذبـة مسامعها ولكنها تجاهلت وأكملت بنفس الابتسامة
-إعلامية على أدها .. ولو الموضوع الـ جاية عشانه تم ، هابقى إعلامية مشهورة و هتشوفني كل يوم على التليفزيون.. وكمان هحلي لك بؤك .
ثم تمتمت بحماس الطفولة :
-قول بس يا رب يتم .
رد ببرود دون أن يلتفت إليهـا :
-ما عتفرجش على تلفيزيون .
أحست بقليل من الإحراج انعكس في ابتسامتها المهزوزة ، ثم عادت لتسأله :
-أنت عارف طريق الفندق صح ؟!
رد باختصار وهو يهز برأسه التي أوشكت أن تتفجر من ثرثرتها المبالغـة :
-عارفو …
-“لو مش عارفه ممكن الـ GpS يساعدنا .. أنا مش بعرف أمشي من غيره في أي مكان . ”
نفذ صبـره وهو يتأفف بضيق ، فجهر بصوته الأجش:
-قلت لك عارفو ، واسكتي خليني أركز في الطريق والليلة الغَبرة دي !
لم تشم رائحة جزعه إثر ثرثرتها المُبالغـة ، فأتبعت مبررة لعصبيته وملتمسة له العُذر :
-ااه حضرتك من النوع الـ بيحب يركز أوي في السواقة ، وهدوء بقا ومش عايز صوت والجو ده ، تعرف أنا مش كده خالص .. أنا بعرف أسوق من وأنا عندي ١٤ سنـه .. وكل سباق لازم اشارك فيه وكمان باخد مركز اول على طول .. بابي الله يرحمه هو الـ حببني في السواقة والعربيات وو
قذفها بنظرة حادة جعلتها تبتلع ما تبقى بفاهها من كلمات وتندس بمقعد سيارته الفارهة .. التزمت الصمت تمامًا مكتفية بسيل من النظرات المتأرجحة نحوه ذهابًا وإياباً.. أحس هارون بتأنيب الضميـر على أسلوبه الفظ في معاملتها ، فقرر أن يكسـر حاجز الصمت وكأنه يعتذر بلطف خفي :
-جاية الصعيد تعملي إيه لحالك ؟!
كالغريق الذي تعلق بالسؤال ليفتح لها مجالًا للحديث فهي تكره الصمت والسكوت مؤمنة بأن شخصية المرء لا تبرز إلا بالكلمات ، دارت نحوه بشغف وهي تلوح بكفها :
-جايه أعمل تقرير إعلامي عن عائلة العزايزي ..
دقت الدهشة برأسه فدار لعندها مشدوهًا:
-لا ياشيخة !!
أكملت بنفس الحماس :
-العيلة دي عاملة قلق جامد عندنا .. وفي اتهامات كتير موجهة لرجالتهم رغم أنهم بيمسكوا مناصب قيادية في البلد ، والتقارير عن الكسب غير المشروع ، ناس بتقول مصدر دخلهم آثار .. وناس تانية بتقول سلاح .. بس جدو الله يرحمه يارب، اللواء رفعت الجوهري كان ماسك هنا ، فاكرة زمان أنه حكى لي أن جدهم العزايزي وهما بيحفروا في الجبل لان زي ما سمعت بردو أن كل شغل في الجبل .. حكى لنا انه لقى مقبرة فرعونيـة كبيرة أوي ، ودي كانت سبب سعدهم .. بس للأسف الحكومة معرفتش تمسك عليهم أي دليل .. بس بردو درجة الثراء الـ العيلة دي وصلت لها من مصادر مجهولة أمر يحير ..أنتَ أيه رأيك في كلامي؟!
ثم وضعت سبابتها على ثغرها وقالت متحيرة :
-تفتكر يطلعوا تُجار سلاح ولا آثار ؟!
أخذ يسحب منها الكلام دون الإفصاح عن هويـته الحقيقية ، رفع حاجبه مستفسرًا :
-وأنتِ جاية إهنه ليه يعني ؟!
ردت بصوت مدجج بالحماس :
-عشان أفضحهم واكشف حقيقتهم للعالم كله .. هما فاكرين نفسهم مين عشان يتحايلوا على القانون ..
لم يستطع التحكم في تمدد ثغره بـ سخرية :
-أصلًا ؟!!! ودي هتعمليها أزاي ؟! الـ خلى جدك الراجل الكُبرة معرفش يعملها !!
-أنا عندي أساليبي الخاصة الـ هكشفهم بيها .
ضحكة مكتومة بدى طيفها على محياه مستهزءًا بهمس :
-في المشمش !!
ثم أكملت ” ليلة ” بنفس ذات النبرة الحمقاء متأملة:
-وأثبت نفسي عشان دي فرصتي الوحيدة يكون ليا برنامجي الخاص على أكبر المحطات .. لازم موضوع هيفرقع الرأي ويعمل بووم …
دمدم بسخرية وهو لم يتوقف عن الضحك الساخر الغير مسموع :
-ده هيفرقع في وشك إن شاء الله .
عقدت حاجبيه مستفهمة وهي تتابعه عن كثب :
-أفندم ؟!!
جهر معلنًا وهو يجز على فكيه :
-ربنا يوفقك يا استاذة .. وتجيبي رأسهم الأرض ، ونخلصوا منهم ومن أذاهم .. معاكِ حق دول عيلة لوش وليهم تقاليع عجيبة .. افضحيهم وأنا معاكِ .
رفعت سبابتها بإعجاب شديد ، وبنفس النبرة الحمقاء :
-أنتَ أجدع حد أنا قابلته في حياتي والله العظيم ..
فتحت ” ليلة ” النافذة لتستنشق الهواء البارد باستمتاع وهي تقفل جفونها وتسترخي متلذذة بنسمة الهواء الممزوجة برائحة المطـر الخفيف وكأن نجوم السماء تُزين ملامحها ، التفت إليها بدون رغبة منه ولكن شعور ما بداخله أجبره أن يتأملها مليًا .. ربما السر يكمن في خصلة شعرها القصيرة المتطايرة ، أم بملامحها الرقيقة التي تحمل براءة الطفولة .. تنهد وكأنه أراد أن يبتلعها دفعة واحدة لداخل صدره .. فتحت مُقلتيلها كمن تذكر شيئا ودارت نحوه لتسأله بوميض من الإحراج :
-أنا عارفة إني تقلت عليك .. بس ده والله آخر طلب … بليز ممكن .
اكتفى بنظرة واحدة فتحت لها مجالًا لاستكمال حديثها وقالت :
-كُنت عايزة أوصل لحد هنا اسمـه ..
فتحت حقيبتها بعجلٍ وهي تخرج هاتفها تبحث عن اسم ذلك الرجل الذي تريد لقاءه ، فتشت لدقيقة بهاتفه ثم هبت متحمسة :
-ايوة أهو ، اسمه هارون العزايزي .. ده العُمدة بتاعهم مكان باباه الـ اسمه خليفة مش كده ؟! بيقولوا عليه رجل صعب أوي وأصعب من باباه ، فاتح صدره على الناس ومحدش هامه .. وصعب التفاهم معاه وخُلقه ضيق ومحدش بيعرف ياخد معاه حق ولا باطل .. بيلعب بالسبع ورقات !
دمدم لنفسه متعجبًا :
-أنا عملت كل ده ميتة !!
وهنا تفرض التساؤلات نفسها في ساحة فضوله عن هوية تلك الفتاة تبحث عنـه وتفتش وراء عائلته عامة ووراءه بالأخص ، تعامل بهدوء وجهل تام مع سؤالها وقال :
-و سمعتي أيه كمان ؟! قولي قولي ، دا أنتِ طلعتي لقُطة .
ردت باندفاع متبعة فضولها وهي تتساءل :
-صحيـح القبيلة دي حاطة قانون جواز الدم ، ممنوع أي حد يتجوز من بره القبيلة ؟! يعني مش بيتجوزوا غيـر قرايب بعض وبس؟!
رد بثبات :
-ده أهم عُرف للـعزايزة .
ابدت اعتراضها معبرة :
-what?!
فاتبعت دهشتها بضحكة ساخرة وأكلمت بتلقائية :
-أحيـ**ـه ؟!
يبدو لوقع الكلمة أثار فجة على قلبـه فظهرت بوادرها بإحمرار جمر الغضب على ملامحه :
-اسمعي يا بت الناس ، طول ما أنتِ قاعدة إهنه متقوليش الكلمة دي حتى قِدام عيل صغير .. فاهمة ؟!
بدون اقتناع :
-كلمة أيه ؟! ااه ليـه يعني ؟! عندنا كلمة اعتراضيـة أن الكلام مش عاجبني أو مندهشة .. !! فين المشكلة ؟! وبعدين دي لهجتنا كلنا كاسكندرانية ومش مسموح لأحد حد مهما كان يتريق عليها .
يبدو أن حديثها لم يرق له ، اكتفى بتنهيدة عقبت خلفها زفيرًا قويـًا ليتخلص مما يشعر به ، غيرت مسار الحوار ومازالت تحت تأثير صدمتها من عُرف تلك القبيلة :
-نرجع لمرجوعنا .. لو واحد مثلًا حب واحدة تانية ومش عايز يطبق العرف ده ، مفيش أي ثغرة ممكن يستخدمها ، خلاص كده يتجوز حد مش بيحبه ولا متقبله عشان أعراف وتخاريف ؟!! أحنا فـ الجاهلية !! دول عيلة متخلفة بجد وتستاهل تتفضح .
بات الغضب كحبات الفشار التي تتقاذف من عينيه وهو يشيعها بنظراته الحادة ليجيب بحزم وانتماء لقوانين قبيلتهم :
-عرف العزايزة متخلقش اللي يكسروا ، والقوانين سيف يحترمه الصغير قبل الكبير ، بعيد عن الحب والمياعة اللي عتتكلمي عنِها دي؟!
تراجعت للخلف برعب يتطاير من مُقلتيها :
-حضرتك اتعصبت لي ؟! أحنا مش خلاص بقينا صُحاب وبندردش. عادي !! ليه الأفشة دي يا كابتين ؟!!
طريقتها الطفولية كانت مرهمًا على شروخ غضبه التي جعلتها تتخدر في نفس اللحظة .. التوى ثغره مبتسمًا عندما رأي خوفها فبادر ليطمئنها بعودته لهدوئه مبررًا لنفسه إنه ضيفته وبلداه ، تحمحم بخفوت وهو يجادلها :
-كملي سمعتي أي كمان على العُمدة ولد المجلحف ( مُجحف ) ..
بفضول مُلح بجهل :
-مُجـ..مجلفح يعني أي؟!
ببسمة كبرياء ممزوجة بـ الشكوى :
-أنتِ جِيتي لي منين يابت الناس ؟! فتحي مخك معاي مش كل كلمة هنزلك بقاموسها ؟!
ثم ولى النظر إليها للمرة الثانية التي انحرفت فيها عينيه عن الطريق وقال :
-مجلحف يعني ظالم مفتري بلغتكم في بحري .. ومش دهوت كلامك !!
-أهااه فهمت يا كابتين.. سوري مش متعودة على اللهجة بتاعتكم ، أصل دي أول مرة انزل فيها الصعيـد .
ثم تململت في جلستها بحماس الطفولة :
-متحمسة أوي أشوف العمدة بتاعهم وبالأخص الحج خليفة ، أنا متخيلاه راجل رجله والقبـر ، هلقى سنانه واقعة ولابس عمة وجلابيـة بس له هيبة تخض أي حد يقرب منه ، أنتَ شوفته ؟! قصدي تعرفـه ؟! احكي لي كمان عن ابنه هارون ده !!
رد بإنكار :
-لا هعرفه من فين أنا على قد حالي؟! راجل بالسُمعة دي وآثار وفلوس هيقابل أي حد والسلام زيي إكده على باب الله !!
حدجته بعدم تصديق وهي تتأمل ماركة السيارة التي يقودها :
-مش باين الصراحة !!
تفهم قصدها شارحًا :
-قصدك العربية !! دي بتاعت الجماعة الـ شغال عنديهم .
-اااه فهمت .
أصابها اليأس في مقتل لصعوبة مهمتها بخلق حوار صحفي مع ذلك الرجل الغامض الذي قطعت مسافة أميال لأجله .. سألته بفضول :
-قولي تعرف أيه عنهم كمان ؟! حضرتك من هنا ؟! يعني من البلد ..
أكمل مسرحيته المزيفة :
-أنا من البلد اللي بعيدهم طوالي .. بس قوليلي عايزة تعرفي أيه ؟!
-قول لي مثلًا أيـه أغرب حاجة سمعتها عنهم ؟!
فكر مليًا ثم قال بإختصار متعمدًا إخافتها :
-أيام جدهم العزايزي الكبير ، ولد أخوه حب واحدة قهراوية واتجوزها من وراهم .. ولما وصلهم الخبـر ..
قطعته مع اتساع بؤبؤ عينيها بفضول رهيب :
-وبعدين ، عملو فيـه أيه المجرمين دول ؟!
وصلت سيارتـه لبوابـة الفندق ، فهدأ السرعة تدريجيًا وأجابها :
-من يومها محدش سمع خبرهم ، في أقاويل بتقول أنهم حبسوهم في كهف في الجبل لحد ما ماتوا ، واللي يقولك قتلوهم ورموهم للديابة ..
زام فاهها من هول ما سمعته :
-يا حرام ؟! دول مجرمين بجد ؟! طيب ليه بيعملوا كده ؟!
صف سيارته أمام مدخل الفندق ثم أبطل المُحرك وطل عليها للمرة الثالثة ليجيبها بنبرة أهدى عن بداية لقائهم وكأنه يذكر نفسه بقوانين قبيلته التي قطع عهدًا للحفاظ عليها أمام عينيها النبدقية :
-العزايزة دمهم عزيز وشرفي .. ومش أي حد يستحق يكون منيهم .. هما إمبراطورية اكتفت بحالها في وسط الجبل .. وأي دم غريب عليهم مصيره القتـل …..
بللت حلقها إثر الخوف الذي دب في أوصالها حتى أوشكت على البكاء :
-يامامي !! أنا عايزة أروح ….
انفجر ضاحكًا بصوته الأجش وملامحه الجادة التي لا يغازلها الضحك :
-تقلي قلبك عاد ، بدأتي مشوار يبقى تقطعيه لأخره ميبقاش قلبك خفيف … وصلنا .
تعرقلت الأعين المختلفة ببعضهـا أعين تحمل رائحة موج البحـر الرطبة بتلك الأعين التي ينعكس منها رمال الصحراء الحارقة ، كتعرقل سمكة بكمين صيادها المخادع.. يا ترى هل ذلك إثر حماقة السمكة أم للذة الطُعم ؟! أم لدهاء صيادها ؟! أحست لوهلة بشعور ليس من المفترض أن تشعر بـه ، قلب يرتجف وكأن قطرات المطر الخفيفة غسلت قلبها بدلًا من أرصفة الشوارع .. بتنهيدة تشبه شهقة الغريق وكأنها تود الاعتذار عما سببته له من إحراج :
-مرسيي أوي تعبتك معايـا يا كابتن .. جميلك ده أنا عمري ما هنساه .. حسابك كام بقا ؟!
تعجب بغرابة :
-حساب ايه !!
-التوصيلة !!
زفر بضيقٍ:
-انزلي وبطلي حديت ماسخ !!
شكرته بعرفان :
-ماشوفتش عمري في جدعنتك والله .. أنتَ رجل بصحيح وكُلك ذوق بجد ..
كادت أن تهبط ولكنها تراجعت متسائلة :
-والعربية ؟!! عربيتي ؟!!
رد بثقة :
-الصُبح هتلاقيها قدام اللوكاندة .. والمفتاح مع الموظف .
أردفت ممتنـة بإعجاب وبثرثرة :
-حقيقي أنت أجدع حد قابلته .. بجد مفيش منك ، بس أنا معرفتش اسمك لحد دلوقت تصور ؟!
أشار بيده لرجل الأمن كي يأتي ليأخذ حقيبتها متجاهلًا الرد على سؤالها حتى يئست من تلقي الجواب فترجمت صمته :
-خلاص مش مهم ، شكلك من الناس الـ بتحب تعمل الخيـر وترميه في البحر .. أنا هفضـل فاكرة الجميل ده طول عمري .. وهحكي لكل الناس عنك .
اكتفى بميلة خفيفة برأسه التي تحمل بداخلها مسئولية ومشاكل عائلة من أكبر وأهم عائلات الصعيـد .. هبطت ” ليلة ” من سيارته فلم ينتظر دخولها لبوابة الفندق .. انطلق مُسرعًا نحو قبيلتـه التي تنتظره على مراجل من نار .. وقف رجل الأمن على الرصيف ملقيًا التحية :
-معالي الباشا نورت نورت ..نورتنا .
اقتربت ليلة من موظف الأمن وسألته بفضول قاتل :
-واضح إنك تعرفه .. هو مشهور أوي كده!!
مع ابتسامـة حمقاء أكملت :
-مين ده ؟!!
رمقها الموظف بذهول يحمل ألف سؤال ناتج سؤالها الأبله :
-ده هارون بيـه … هارون بيه العزايزي.
وقع الاسم على رأسها كالصاعقـة التي رجت كيانها فأغمضت عينيها لتسترد أنفاسها محاولة تلقى هذه الصدمة التي طاحت بجميع أحلامها وأن ماتبحث عنه يجلس بجوارها ، فغمغمت بصوت خفيض يحمل البكاء :
-أحيـــه !!
••••••••
تقف ” صفيـة ” وراء الجدران تلطم على وجهها بقلق يتتطاير من معالم وجهها المنكمشـة رغم بياض وصفاء بشرتها .. نادت هامسـة لهيثم برعب :
-أخوك مش بعادته يعوق على الناس إكده ، ما تمشي رجلك للجسر ليكون دق في حد على الطريق ..
فاض صبر ” هيثم ” الذي بدا عليه التوتـر من ضجيج عمومته وأبنائهم من طيلة انتظارهم لـ هارون ونظرات أبيه التي تحمل التوعد :
-ياما مش أنتِ وهما علىّ !! دي مابقتش عيشـة ، وهارون ولدك مش بتاع عراك عشان يمشي يدق في خلق الله .. أقولك روحي نامي يا صفية .
-أنام كيف بس والدوار والع حريقة وكلهم هيدقوا في روس بعض ! طيب هلال أخوك فينه !
-فـ الجامع ، وروحت له قال لي أُغرب عن وجهي يا أخ هيثم .
ثم انصرف هيثـم ليكرر مهاتفة أخيه للمرة الذي لا يعرف عددها وهو يركض نحو مندرة اجتماع العائلة .. هرولت صفية فاتبعت زينـة خُطاها :
-روقي يا عمتي .. ربنا يجيب العواقب سليمة .
ضربت صفية على صدرها بارتباك :
-كلميلي الداكتورة هاجر بتي ، هاجر هي اللي هتقدر توصل لهارون أخوها .. هي الـ عتريح قلبي .
-وتشغلي هاجر لي بس دلوك وهي متغربة في أسيوط لحالها ؟! سبيها تركز في جامعتها ومذاكرتها .
جلست صفية على أقرب مقعد :
-متقاوحيش معاي يا زينة وكلمي هاجر .
لبت زينة طلب عمتها وهاتفت هاجر الأخت الصغرى لهارون صاحبة العشرين عامًا طالبة بكلية الصيدلة وتقيم بأحدى المدن الجامعية التابعة لجامعة أسيوط .. ردت ” هاجر ” على هاتفها باستغراب :
-زينة ؟!! أزيك ؟!
هتفت زينـة بـ عجلٍ :
-خُدي أمك عايزاكي يا هاجر … خدي يا عمة أهي هاجر على المحمول .
شدت صفية الهاتف من ابنة أخيها :
-ألو .. يا هاجر .. سمعاني يابتي ؟!
وضعت هاجر غطاء رأسها وخرجت للنافذة :
-معاكي يا صفصف ، مال صوتك متاخد ليه ؟
-سوقت عليكي حبيبك النبي يا بتي شوفيلي فين مكان أخوكي على النت بتاعكم دهون ، لو مجاش هتحصل عركة كبيرة وأبوكي مش هيعديها وأنتِ عارفة عمامك ما عيصدقوا يمسكوا في بعض .
تبسمت هاجر مستخفة بالأمر :
-عمامي بردك ؟! ولا قلبك اللي مش هايهدأ غير وهارون جاره ، هكلمهولك متقلقيش .
-مش وقت مقلدة وشوفي لي أخوكي فين يالا استعجلي ..
دبت عجلات سيارته الفارهة دهليز القصـر ، فدلف منها على الفور وهو ينُادي على كبير الحرس :
-جابر خد المفتاح ده هتلاقي عربية عطلانة عند الكيلو ” —” وديها لدنقل وقوله البيه بيقول لك تسيب كل اللي في يدك وتخلصها قبل طلعة النهار .. اتحرك يلا .
ركض هثيم على أخيـه :
-كنت فين يا هارون ؟!!
-حصل أيه ؟!
حذره مغمغًا :
-أبوك على آخره !! هارون ما فكرتش في موضوعي أنا ورحاب ؟!
زفر بضيق:
-وده وقته ياهيثم !!
مسح بكفه على صدره وقال متيمًا :
-حاسس أن رحاب دي هي حُب عمري يا خوي وغير كل البنات الـ عرفتهم !هنتقدمولها ميتة ؟!
تجاهل سؤال أخيه وهو يسير بخطوات سريعة ناحية المندرة المتجاهر منها الأصوات المبهمة والهمهمات الغاضبة ، ما وطأت قدميه عتبة المكان جهر بشموخ :
-عاملين غاغا لي .. طارت الدنيا ما تاخدوا نايبكم صبر ؟!!!!
••••••••
“مرسى علـم”
ضحكات متكررة من فاه ” هاشم ” وهو يتحدث مع أختـه عبر الهاتف وهي تشكي له أمه .. ثنى سيجارته بقلب المطفأة وقال بنبرته الصعيدية التي لا يمكن أن يتجاوزها وينساها مع أهله :
-ولدها البكري اللي مخلفتش غيره !! صفيـة هي صفيـة مش هتتغير .
جلست ” هاجر ” على طرف مقعد مكتبها وهي غارقة بالضحك :
-حقيقي أنا وأنت المتغربين مش بتفكر فينا كيف ما هارون شاغلها ..
جلس على الأريكة بجوار ” رغد ” بعد ما طبع وسام حبه على جدار عنقها بقُبلة صامتـة ولكنها قادرة على وصف مدى حبـه فلبت ندائه وتركت هاتفها ومالت برأسها على صدره ثم عاد لحديثه مع هاجر :
-هو اللي على الحجر ياستي .. بكرة يتجوز وتيجي اللي تأخده منها .. وهنشوف صفية هتعمل فيها أيه !
هبت معترضة :
-مين دي ؟!!دي صفية هطلع عين اللي جابوها .. وقول هاجر أختي قالت .
-يحيينا ويورينا يا ستي ، قوليلي ناقصك حاجة عندك ، فلوس، حد مزعلك ؟!
قفلت الكتاب المفتوح أمامها :
-مين ده اللي يقدر يزعلني ، دول بس يسمعوا إني بت العزايزة يخافوا يقربوا مني .. عاملين رُعب أنتوا في كل مكان .
-أومال أنتِ فاكرة أيه !! بطلة كيف أخوكِ ..
-قعدتك في بحري علمتك الحديت المزوق والبكش ، بس هعمل أيه أخوي وعحبـه .
ظلت يده تمسح على رأس رغد النائمة بحضنـه ثم قال :
-وحشتيني يا مقرودة ..
-كلها يومين وهنتجمعوا على فرحة هيام وهزهقك مني .
-مقدرش ..
-ربنا يخليك لي يا هاشم أنت وهارون وهلال وهيثم ، أنتوا سندنا من بعد أبوي ربنا يديم حسه .. اسيبك عشان تشوف شغلك ماتقولش عليا رطاطة ، بس أنت عارف عحب الحديت وياك .
-وأنا عحبك أنتِ .. خلي بالك من روحك .
رسمت البسمة على محياها :
-من عيني .. هاشم لا اله إلا الله .
-محمد رسول الله يا حبيبتي .
أنهى المكالمـة مع أخته الصغرى ثم ألتفت لتلك الأعين التي تتغزل به في صمتها .. رفع حاجبه مندهشًا ومازال محافظًا على لهجته الصعيدية :
-أنا مش قد البصة دي يا بت الحلال !!
اتسعت ابتسامتها الرقيقة وسألته :
-لسه النظرة من عيني بتهزمك زي أول مرة اتقابلنـا ؟!
-بتهزمني ؟! أنا اتمسح بيا أسفلت مرسى علم .
قال جملته بتلقائيـة جعلتها تخر ضاحكة ، تلك الضحكة المسروقة من لحن قديم لفنان ماهر .. بزهوة الملامح التي اختارها الورد لتكون مرآته لتردف تحت سطو ازدهارها :
-أكبر بكاش شوفته في حياتي .. حتى هاجر متفقة معايـا إنك بكاش.
احتمت بالوسادة عندما قرب منها ، فأنقذها من شروره رنين هاتفـه ، عض على شفته السُفليـة :
-فلتتي المرة دي ..
رد على هاتفه بعجل فتحركت من جاره بأقدامها الحافية ، تلقى التعليمات الخاصة من الفرقة المسئول عنها حتى بعد انتهاء المكالمة واصل حديثـه المُزيف وهو يتقدم إليهـا بخطوات خفيفة تلك الواقفة بداخل الخزانة تبحث عن ملابسـها ، جهر مكملًا مسرحيته وهي يعبث بشعرها :
-يعني أيه مش عارفين تتصرفوا من غيري ؟! بقولك مش هينفع أجي ..
دارت نحوه بأعين خائفة من رحيـل منتظرة بقية حديثه برهبة ، عقد هاشم حاجبيه :
-هجوم مسلح ؟! لا اله إلا الله ، أمتى ده ؟؟!! خلاص قلت جاي …
خيمت معالم الحزن على ملامحه :
-رغد أديكي سمعتي ووو
قفلت الخزانة بضيق وهي تخفي عبراتها المترقرقة:
-لا يا هاشم ، أنا ما بصدق تيجي هنا ، أنا مش بطمن غير ونفسك معايا في البيت ، واليوم اللي عشمت نفسي هتنام جمبي تنزل وكمان ضرب نار وهجوم ، أقولك اترفد وتعالى اقعد جمبي .
جفف عبراتها بإبهامه مكملًا مسرحيتـه :
-طيب الشغل ودي تعليمات .. أنا لو عليـا عايز أقعد جمبك عمري كله ..
انفجرت باكيـه خارجة عن صمتها :
-بس دي مش عيشة ، أفضل مستنياك من الشهر للشهر على كام ساعة وبعدين نلف في نفس الدايرة ، أنتَ لا سامح لي اشتغل ولا حتى أخرج من بره البيت ، البازار بتاعي وشغلي كله وقف عشانك والنتيجة كانت أيه ؟! قاعدة محبوسة بين أربع حيطان .. أنا مش قادرة أكمل كده شوف لنا حل ؟؟
ضمها إليها قبل أن تنهار كليًا أمامه :
-رغود حياتي بهزر .. مش رايح لحتة ولو عايزني منزلش الصعيد مش هعارض بس بلاش دموعك دي .. غاليين عليا.
حاولت التملص من يده ولكنه لم يمنح لها فرصة للهرب :
-بس بس طيب بصيلي كده !!
تحاشت النظر إليه :
-لو سمحت يا هاشم ؟!
-هاشم أيه بس ؟!!! أنتِ عايزة تبقي معايا وفي حضني وكمان تعيطي ؟!! ليه كوافير حريمي أنا هنا .. بنت أنت بصي لي ..
رفع وجهها عنوة لعينيه وقال بنبرة خافتة :
-أنتِ عايزة تعذبيني بالدموع دي .. ولا بتعاقبيني!! هو الواحد ما يعرفش يهزر معاكِ !!
عبرت عن حزنها ببكاء :
-غصب عني يا هاشم والله مابقتش قادرة ، أنت في شغلك وانا هنا عمري بيتسرق ، حتى الخلفة مش عايزنا نخلف ؟!! أنا زي اللي غمضت عيني ونزلت معاك البحر حتى ولو هغرق بس المهم معاك … ضريبة حبي ليك تعذبني كده ؟!
لملم شعرها الغجري بحنان ذاخر ثم قطف منديلًا ورقيًا وشرع بتنشيف قطرات الحزن من فوق وجنتيها بحنـو ثم طبع قبلتي إعتذاره على كل واحدة منهم وقال :
-الكلام ده ما ينفعش يتقال من غير عياط يعني ؟! ولا أنتِ حابة توجعي قلبي وخلاص .
عضت على شفتيها بحيرة :
-أنا عايزة اتكلم ومش عارفة اشتكي لمين ، غصب عني صبري له آخر يا هاشم .
هب بنبرته الصعيدية قائلًا :
-طيب أيه يراضيكي دلوك وأنا أعمله .. تعوزي لبن العصفور هيجيلك ..
-خليني ارجع لحياتي وشغلي اللي بحبه .. يعني مش هجبرك على الخلفة دلوقتي أنا مقدرة الظروف أهلك وانهم لازم يفرحوا بهارون الأول .. بس على الأقل يكون لي حياة في غيابك ، الوحدة بتقتلني يا هاشم .
احتوى وجنتيها براحتي كفيه :
-وعد هفكر في الموضوع ده ، ولما اتأكد مفيش خطورة عليكي هخليكي تنزلي .
هتفت معارضـة :
-هاشم أنا مش طفـ ….
سد أبخرة عتابها وعنادها بأنامله :
-رغود مش هيبقى نكد هنا وفي الشغل وفي البلد ؟!! ارحمي اللي خلفوني .. أنا بهرب من الدنيـا ليكِ .
هزت رأسها منسحبة من رحى الحرب بينهم :
-تمام اللي تشوفه ، أقفل النور عايزة أنام ..
شد قبضته على خصرها :
-بس أنا مش عايز أنام ..
-هاشم ….. !!
بعينيه نظرة متحفزة للاعتذار قائلًا بنبرته الصعيدية التي تذوب بها :
-انسي .. معندناش حريم تنام قبل رجالتها ..
ابتلعت ابتسامتها الخفيفة كي لا تنهزم ككل مرة أمامه :
-هنا عندنا عادي .. لما أجي الصعيد عندكم أبقى مشي عليا عاداتكم ..
بنبرته الحادة هتف :
-رغد ؟!!!
تأففت مُجبرة :
-نعم يا هاشم ؟!
-غيري هننزل نشم هوا .
-ماليش مزاج .
حك ذقنه الأملس وقال :
-خلاص نامي وأنا هنزل أشوف واحدة متنكدش عليا .
اتسعت عينيها بتحدٍ وحزم وهي تقفل باب الغرفة بالمفتاح وتخفيه بداخلها :
-هاشم أنا هروح أنام ، وسيادتك هتسبقني وتنام قبلي ومفيش خروج من البيت .. ولا من الأوضة دي .
-يعني ليلتنا dry night ؟!
هتفت بإصرار :
-هاشم !!!
مسح على شعره بطاعة دون أي جدال وبنبرته العسكرية المعتادة :
-علم وجارٍ التنفيذ معاليـكِ .. تمام يافندم .
أشارت له ناحية مرقده بنفس النبرة الآمرة بعد ما قفلت الباب عليهما بالمفتاح كأنها أعلنت الحرب عليـه :
-اتفضل نام يلا …
اقترب مطاوعًا من فراشه وهو يرمقها بنظرات خبيثة حتى باغتـها بحملها بقبضة يده القـوية متجاهلًا صرختها وهو يدلف بها إلى المرحاض ويقفل الباب عليهما … هبت متمنعة لقربه :
-هاشم متفقناش علي كده ، أنا كلامي مش بيتسمع ليه ؟!
أجلسها فوق رُخامة الحوض :
-أي الشراسة دي كلها دا أنا اتهزيت ؟!! أنا محدش يستجرى ويكلمني كده في الشغل ولا في البلد.
تمردت قائلة :
-متحاولش مش هصالحك لا .. ووسع بقا عايز مني أيه مش بكلمك يا اخي لحد ما تبطل رخامة !
-مش بعرف أنام من غير ما احلق ؟!
رغد باستنكار :
-ده من أمتى بقا ؟!!
-من الساعة دي ؟!
نال بشدقه فوهة غضبها معتذرًا عما سببه لها من آلام ، رغم عنها هزمت أمام سيف الحب القوي ، فلم تُخلق امرأةً هشة ولم تكن يومًا من النوع الذي يغلبهُ هواه ولكن الأمر كلهُ انحصر في كونه هو …. هو الذي تنحني أمامه جميع القواعد والقوانين ….
••••••••
-أنتَ واعي لحديتك ؟!!
فوهة سلاحه انغرست بجبين ” معتز ” ابن عمه عندما علم بحقيقة ميله لفتاة آخرى لا تنتمى لنسل العزايزة .. لم يغمض جفن الرحمة لهارون وهو يشد السلاح من يد أحد الخفر ليستقر بين عينه .. ما زال معتز محتفظًا بثباته معارضًا :
-يعني لو هاشم أخوك جيه وقالك إنه رايد واحدة من بحري هتعمل معاه إكده ..
هجر هارون بعنفوان وهو يوبخه :
-أخويا هاشم لو فكر بس قبل ما ينطقها هتكون روحه طالعة في يدي ؟!! مش أنا ولا أنت ولا حد يستجرى يكسر عرف لهوارة العزايزة … أنت فاهم … ؟!
تدخل هيثم ليدافع عن ابن عمه :
-استهدى بالله يا هارون ، معتز آكيد ما يقصدش …
جهر بصوته الأشبه بالرعد :
-ولا يقصد …. عند الأعراف الكل يخرس وينفذ ويحط مركوب بخشمه .
هب معتز معارضًا :
-وطالما إكده أنتَ متجوزتش ليه لحد دلوك ؟! ولا أنتَ فالح بس تقول مين يتجوز ومين لا …؟! طالما عارف الأصول زين فين حفيد ووريث خليفة العزايزي ؟؟!
لكزه هارون بفوهة السلاح بكتفه كي يتراجع جالسًا على الأريكة :
-أنتَ كمان جاي تحاسبني يعني بجاحة وقلة أدب ؟!!!
جادله معتز :
-لا جاي أعرف عقوبتي لما اتجوز بت الإعرابي …
طال صمت هارون وهو ينظر لأييه الذي يراقب أسلوبه بالحكم بدلًا منه حتى قطعه مجمهرًا :
-هخلي أبوك اللي معرفش يربيك يرد عليك … سمعنا يا عم رفاعي ردك على حديت ولدك الماسخ ؟!!عشان موال كُل سنة ده مش هنخلصوا منه .
انتفض العجوز من جلسته وهو يحدج النظر بالحاضرين بخجل :
-يتقل هو وهي في الكوشة ..
قطم هارون الحديث وأكمل :
-سمعت، قبل ما يتخلط دمه بدمها ، بنشربوا من دمهم …
ثم أغمض عينيه وآمر :
-كمل يا عمي وسمعنا …
أكمل العم رفاعي ذلك العجوز الذي أصابه الهرم :
-يا أما يتطرد من العيلة ومن البلد كلها ونتبروا منه قصاد كُل الناس .. ويبقى مقطوع مش شجرة العمر كله .. ومالهوش في ذمتنا جنيه …
عارضه معتز غاضبًا :
-أنا مش مجبر أنفذ أعراف وقوانين ناس ماتت وشبعت موت ؟!
حدجه هارون بانفعال :
-ولو مكتمتش وقفلت خشمك وقمت حبيت على راس أبوك وأبويا ، هبعتك ليهم وابقى اتعارك معاهم تحت الأرض … قلت أيه ؟؟!!!!
صدر صوت جمهوري من محشد الرجال وهم يؤيدون حديث هارون بإعجاب :
-عداك العيب يا عمدة ..
تراجع هارون وترك السلاح بيد الحارس ليعود لعرشه بشموخ :
-الحديت خِلص ومعتز وِلد عمي عقل ومستحيل يكسر هيبة العزايزة بينات الخلق .. نورتوا يا رجالة …
نهض كبار العائلة واحد تلو الأخر حتى تقهقر العم رفاعي آخر واحد ، فأوقفه نداء هارون الذي لا يحمل الا الوعيد :
-عم رفاعي ، يا تعقل ولدك يا أما البت اللي رايدها مش هيطلع عليها نهار … والموضوع دِه ما يتفتحش مرة تانية ..
قَبل رفاعي على مضض :
-آومرك يا ولدي ، ماتعتلش هم ، أنا هكلمه……
••••••••
~ صباح اليوم التالي ~
بعد ليلة طويلة وصعبة حملة ممنهجة هجمت على رأس” ليلة ” محاولة استيعاب ما مرت بـه ليلة أمس ، هربت من العالم برُمته بعدما طمئنت أمها بوصولها ثم قفلت هاتفها وأخذت تهذي مع نفسها حول هويـة ذلك الرجل الذي فشت أمامه أسرارها ومحاولة بحثها عن كبير العزايزة لـ كونه هو من تبحث عنه حتى غلبها النعاس على أحد المقاعد ….. داعبت أشعة الشمس أعينها فاستيقظت لتحكم غلق الستائر وتواصل نومها على فراشها لتغتال مشقة سفر الأمس …
جاءت ” صفية ” حاملة كوب الشاي لابنها الجالس بحديقة منزلهم مع طلوع الشمس يتفحص أوراق المحاجر والأراضي التي تقع في حيازة آل العزايزة .. وضعت الكأس أمامه :
-كوبايـة شاي من يد صفية هتروق عليك .. وتروق يومك .
رد باهتمام :
-سلم يدك ياما …
-حالك مش عاجبني يا حبيبي ، أيه شاغل راسك مش مريحك من إمبارح؟!أوعاك كلام معتز فرق معاك !! أقول لك ما تتجوز وتخرسه ، الحديت كتير يا ولدي وكل الخلق مركز معاك .. ومستني يشوف عروستك .
ترك ما بيده ثم نزع نظارته الطبية وبعدها تناول كأس الشاي ليرتشفه .. رشفة واحدة منه ثم قال :
-مشاكل العزايزة ماعتخلصش يا صفية .. من يوم ما قعدت على الكرسي ده مش عارف ارتاح .. كل يوم بمصايبه ..
ثم تنهد بكلل:
-جواز ويبقى زيادة الهم همين ياما !!
انتقلت من مقعدها لتجلس للمقعد المجاور له:
-طيب أنت مش ناوي تريح قلب صفية يا حبيبي ، العُمر بيجري يا هارون والقعدة مافيش منها لازمة .. لازمًا تتجوز يا نور عيني.
أكملت صفية بنبرة لا تقبل أي نقاش :
-الليلة هكلم خالك على زيـنة وتخطبها وتخشوا بعد العيد الصغير ..
ونغم دي غاوية علام ودماغها بحري كيف فكر هاشم .. وزينة غاوياك ، اخطب لك أنت زينة وهاشم نغم .. وافرح بيكم في ليلة واحدة .. هروح أخبر أبوك .
كاد أن يجادلها معترضًا فتوسلت له بنبـرتها الاستعطافية :
-وغلاوتي عندك ما تكسر بخاطر أمك ، زينة دي هتحطك جوة نين عينها .. ونغم خسارة تروح منينا أخوك هاشم أولى بيها .. وافق لو أمك ليها عندك خاطر يا هارون .. ولا عايزني أموت من قهرتي عليك ؟!
وثب من مكانه وقبل رأسها مبتلعًا غصة اقتراحها وقال على مضض :
-اللي تشوفيه يا صفية ، أعملي اللي عايزاه …
صفية بفرحة تتقاذف من مقلتيها :
-يا فرج الله ، يا ما أنت كريم يارب ، آخيرًا ، آخيرًا هفرح بيكم ، متتصورش أنا روحي ردت فيّ كيف … الليلة هكلم خالك ، ويجي هاشم نروحوا نطلبوا يدها رسمي..
رد كالمضطر لأمر لا مفر منه خاصـة بعد توبيخ معتز له ليلة أمس :
-أعملي اللي عايزاه يا صفية .. مش فارقـة .
ثم تراجع ممازحًا :
-هو مفيش غير زينة قصادك يا صفية ؟!! ما تدوري إهنه ولا إهنه يمكن تعتري في واحدة غيرها .. أصل زينة دي عفية وراسها فاضية وأنا راجل شقيان .
-رايداك يا حبيبي ودي تربية يدي ، يعني هتقولها شرقي هتشرق ، غربي هتغرب .. مفيش أغلب منها.
فرغ من ارتشاف كأسه ثم ضب جلبابه وهمّ راحلًا :
-خدتي اللي عايزاه بكوباية شاي أهو يا صفية ، أهملك أنا عاد ..
ردت بلهفة :
-الود ودي ازغرد بس مش دلوك عشان النقم والعين ما بترحمش .. وعيون حريم عمامك مفنجلة كد إكده علينا .. أنتَ وهاشم في ليلة واحدة بعون الله .
ضرب كف على الأخر وهو يتساءل ألف مرة بينه وبين نفسه ما الذي يجبره أن يوافق بعرض أمه ؟! أن يقبل بفتاة لم يتحرك لها قلبـه للحظة ، ما الذي يجبره لقبول أمرًا رفضه قطعًا ، جاءت ” هيام ” تركض بلهفة أن تلحق به :
-هارون فينه يا ما أنا مش عارفة أعتر عليه من امبارح؟!
-مشي يا هيام .. يلا يلا تعالي نشوفوا عفشتك ناقص فيها أيه ؟!
صرخت هيام بوجهها :
-مش عايزة أشوف حاجة ولا عايزة اتجوز من أصلو وهملوني لحالي عاد .. والجوازة دي على جثتي لو تمت .
تجاهلت صفية صراخ ابنتها وحرقة قلبها إثر سطو فرحتها بهارون وهاشم ، اتسعت ابتسامتها بفرحة :
-أهو جلع البنتة دهون بعينه ؟! أعيش واشوفك متستتة يابت بطني وأنتِ بتصرخي إكده عشان متهمليش جوزك ..
مرت أحداث اليوم المعتاد سريعًا حتى ذابت الشمس بصحن السماء ، نهضت ” ليلة ” مفزوعة من نومها وهي تنظر للساعة لتجدها السادسة مساءً .. وضعت يدها على شدقها :
-يا خبر ؟!! أنا نمت كل ده ؟!!
ثم فزعت من مرقدها :
-شريف قالب عليـا الدنيـا ..
أخذت تركض بالغرفة كالمجنونة وهي تبحث عن أشياءها وتبدل ملابسها وتصفف شعرها وترتب حقيبتها التي انسكبت أرضًا بتوتر وقلق حتى ألغت جميع المهام واكتفت أن تهبط بمظهر مناسب كي تصلح خطأها الفادح بحق خطيبها ..
نزلت من الغرفة تركض كالهائم على وجهه حتى وصلت لاستقبال الفندق وأعطته بصمة الغرفة .. فسألها الموظف :
-آنسة ليلة اتفضلي مفتاح عربيتك ، كانت هنا من ٨ الصبح ..
شدت المفتاح بذهول لن يدوم طويلًا مصحوبًا بإعجاب :
-عربيتي ؟!! ده كمان رجعها في نفس المعاد ؟!!
ثم نظرت للموظف بعجل :
-مرسي مرسي اووي ، لازم امشي ….
~على الجهة الآخرى ~
احتشـد رجال الشرطة بسرايا خليفة العزايزي يبحثون عن ” هارون ” .. خرج لهما مرتديًا عباءته الصعيدية وجهر :
-محسن باشا خير ؟!!!!
تقدم إليه الضابط باحترام ينعكس بخطواته :
-أنا أسف يا عمدة .. بس ممكن تشرفنـا في القسـم ؟!
-خير ؟!!!
رد محسن بهدوء :
-استجواب على السريع وهتروح على طول .. لو حابب تيجي بعربيتك مفيش مشاكل ..
هز رأسـه هو يتقدم خطوتين:
-هات العربية يا جابـر ..
****
“لا مكان لليأس في قلب يؤمن بأن الله هو متولي أمره .”
تلك كانت آخر جُملة اختتم بها الشيخ هلال خِطبته بعد صلاة العشـاء ليلة الجمعـة كما اعتاد أن يلقى خطبته على المُصليين عشاء الخميس وظهر يوم الجمعـة .. أومئ بخفوت وهو يذكر الله في سره ويحمل مصحفه الكبير ويضعه بمكانه بمكتبـة المسجد .. ثم ألتفت لنداء أحد الشباب بأدب :
-شيخ هلال .. ممكن كلمتين .
طالعه بنظـراته الاستكشافية :
-أنتَ مين !! أنا أول مرة أشوفك تصلي معانا ؟!
عرفه الشاب على نفسـه قائلًا :
-أنا مرتضى وِلد سعيد الغنامي مش من إهنه ، أنا من قِبلي ، بس سمعت عنك كتير وقولت لازمًا أجي أصلي وراك في يوم .
ربت هلال المرتدي زيه الإسلامي الأزهري وقال :
-تعالى أقعد ونتحدتوا براحتنا .
جلس الرجل بمحاذاته تحت أحد أعمدة المسجـد وشرع في التحدث عما يدور بخاطره:
-شوف يا شيخنا …
قاطعته هلال قائلًا بابتسامة يحاصرها نور الرضا :
-ياا لله !! أنا مش شيخ ، أنا عـحب ربنـا .. والـ عيحب ماعيفارقش حبيبه واصل .
تفهم الشاب عدم حبه للفظ شيخ ، فتقبل الأمر بترحاب وقال :
-وأنا جاي عشان اتعلم منك وتاخد بيدي .. شوف أنا مش عارف انتظم في الصلاة واصل .. وكُل ما أصلي وانتظم ارجع اقطع تاني ، قولت اجيلك يمكن يكون عندك الحل ..
انكمشت ملامحـه لغيرتـه الشديدة على العلاقات المُقدسـة بين العبد وربه التي يفرط فيها العبد بسهولة ، هز رأسه بخفة حتى ألتقطت أنظاره الدبلة التي تُنير يمين الشـاب ؛ غير مسار الحديث وسأله :
-أنتَ خاطب يا مرتضي!!
رفع الشاب يمينه وهو يتأمل محبس خطبته بارتياح :
-أيوة ، خاطب بت عمي وحُب عمري ، وفرحنا الشهر الجاي ، لازمًا هتنورنا وتكتب الكتاب بنفسـك .. سمعت إنك مسكت المأذونية من قريب .
وضع هلال كفه على صدره مُرحبًا بدعوة الشاب بتواضع ثم عاد لمحور سؤاله :
-و لما خطيبتك ترن عليك ، بترد عليها طوالي ولا بتعوق فـ الرد !!
رد الشاب بعفوية:
-دي تخلي يومي مقندل لو مردتش عليها في نفس الوخت .
اتسعت ابتسامة هلال التي لا تُفارق وجهه وقال :
-و أنا كيفك بالضبط .. ساعة ما أسمع صوت الآذان أجري عشان ألحق الصلاة ، ده لو مكنتش قاعد مستنيه ، علشان لو معملتش إكده يومي هيكون مقندل زيك ..
تأرجحت عيني مرتضي بذهول و هو يحاول إدراك المغزى من كلامه، فأتبع هلال موضحًا :
-زي ما عقول لك ، أحس بأن ربنا قفل في وشي كل أبواب الرزق والراحة !! مانا تجاهلت لقائه ونداءه !! شوفت مش عـ قول لك الحبيب هاوي لُقاء ، وأجمل هوى في حُب خالق هذا القلب .
قال جملته الأخيرة وهو يُشير بسبابته على قلبه ، فأكمل واعظًا:
-خلي علاقتك مع ربنا كـ حبيب ، مش كعبد وربه ، صدقني عمرك ما تفارق سجادة الصلاة ولا يهون عليك تسمع النداء ومترمحش عليه ..
-الله يفتح عليك .. كلامك عيريح قوي .
برق الإعجاب بعيني الشاب وببدو أنه اقتنع بنصيحته ، لذا عاد متسائلًا :
-حاجة كمان .. أنا عملت ذنوب كتير قـوي ، بس توبت !! لكن شعور الذنب وأن عمر ربنا ما هيسامحني دايما ملازمني .. قول لي حاجة تريح بالي من وسوسة الشيطان ..
ربت هلال على كتفه بنفس الابتسامـة الهادئة ونظر بعيني الشـاب وهو يروي على مسامعه أحدى قصص الصحابه بتأثر شديد :
-في قعدة صفى كده بين الصحابه ، فجاة (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ) ضحك ؛ فسأله احد الصحابة
“ما الذي يضحكك يا أمير المؤمنين ؟! ”
اتسعت ابتسامته وهو يذوب بحب النبي وصُحبته :
-عارف رد عليه بصوت كله فخر وقاله “لانني اكثركم حسنات !! ”
كان رده غير متوقع خلاهم يبصوا لبعض ، فسأله واحد كمان منهم :”كيف ذلك يا عمر ؟! ”
كمل بنفس اسلوبه المتباهي وقال: “ألم أكن في الجاهلية أكثركم سيئات !! ”
ثم أغمض هلال جفونه وواصل حديثه بسكينة لحلول القرآن بقلبه راويًا حديث سيدنا عمر :
-وربنا قال في كتابه :
: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾
فاكمل :”وانا تُبت وأسلمت ، فبدل الله سيئاتى بإذنه ، فأصبحت أكثركم حسنات .. وهذا هو وعد الله الذي لا يخلف وعده ”
أشاد الفتى بابنهار:
-الله!! الله يفتح عليك يا أخ هلال .
في تلك اللحظة كان ” هيثم ” واقفًا على باب الجامع يخلع نعله ، فانتبه له هلال الذي وثب مستئذنًا من الشاب وأقبل إليه:
-أي رياح طيبة أتت بك لهنـا يا أخ هيثم ؟!
أمتعض هيثم لطريقة أخيه التي يحدث الجميع بها وإصراره على اقتناء المفردات العربية بالحديث العامي ، زفر هيثم ليبخ سُم أخباره التي لا تعرف الطيب :
-خدوا هارون على المركـز ، يلا نروح له ..
ثم هتف متوعدًا :
-علشان شريف أبو العلا ولد الـ *** لو عملها المرة دي ومشلش هارون من راسه هأخد فيه إعدام ..
تمتم واعظًا وهو يتأهب للرحيل معه ، وبنبرة منفعلة:
-يااااا لله .. ألفاظ خارجة ببيته!!
لا تُكن فظًا غليظ القلب متسرع الحُكم .. سنستنبط الأمر أولًا .
وبخه أخيه بغضب يتقاذف من بين أنيابه :
-مش وقت حكم ومواعظ وأنا عارفك لا هتحل ولا تبر معاي ، شريف أبو العلا لو ملمهاش هرجعه بلدهم فـ قُفة يا هلال .
***

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية آصرة العزايزة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى