روايات

رواية أكل الذئب زينب الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية أكل الذئب زينب الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر

رواية أكل الذئب زينب الجزء الثاني

رواية أكل الذئب زينب البارت الثاني

أكل الذئب زينب
أكل الذئب زينب

رواية أكل الذئب زينب الحلقة الثانية

داعبت نسمات الصباح بشرتها الرقيقة، لتتململ مع اختراق الضوء اجفانها المغلقة، حتى استسلمت في الأخير، لتفتح اهدابها للنور ، وتنهض جالسة بجذعها توقظهم:
– ابوي، جوم يا بوي، مريم، جومي يا خيتي الشمس بجت تنزل على الحيطان،
سمع منها مطاوع لينهض جالسًا هو الاخر، ثم يوقظ الصغيرة:
– مريم، جومي يا بتي، خلينا نلم الفرش، جومي يلا.
تفوه بالاخيرة يداعبها بأنامله في تجويف عنقها حتى تخلت عن التمثيل بادعاء النوم لتكركر بضحكاتها ثم تنهض سريعًا، ليرفعها والدها ثم يخاطب زينب:
– ارفعي معايا الحصيرة والغطا يا زينب نسندهم ع الحيطة عشان ننزل نفطر، زمان امك حلبت الجاموسة وفورت اللبن كمان.
– يارب يا بوي انا جعانة
تمتمت بها زينب بعفويتها وقد اتمت ما أمرها به، لتنال منه قبلة على وجنتها قبل ان يسحبها من يدها ويهبط بها مع شقيقتها الى الطابق الأرضي في المنزل والإفطار قبل ان يذهب كل فرد الى شئونه
❈-❈-❈
أنهى مطاوع وجبة إفطاره ، ليسحب على الفور حماره نحو مهمته الصباحية في الذهاب الى الحقل لرعاية عدد من المزروعات بقطعة الأرض التي يملكها ، فتكفيه بإنتاجها في سد احتياجات المنزل من الخضروات والثمار وإطعام الماشية ، ثم في الأخير يأتي بفروع النخل والسعف ليعود بها إلى المنزل ، ويقضي باقي يومه في صناعة الأقفاص للطيور والمقاطف والسلال، حرفة ورثها من أبيه، وتساعده بها زوجته وبناته الصغار ، حتى أذان العصر فيأتي وقت المرعى، وهو ذهاب الفتاتين بالغنم إلى الأرض القريبة منهم ، تلك التي تنتشر بها الحشائش مصدر أساسي للطعام لهم.
ندهت عزيزة على الفتيات وهي تفتح الباب الخشبي للحظيرة:
– بت يا زينب إوعي تنسي زمزمية المية وتاجي من غيرها، انا مش كل شوية هدورلك على واحدة.
– حاضر
تمتمت بها الأخيرة بتركيز تام مع صغار الحملان التي كانت تشرد بعيدا عن القطيع، وشقيقتها من الناحية الأخرى نفس الأمر، ثم يتم السير بهم في صف مستقيم، حتى الوصول لوجهتهم
اثناء المرور بهم قابلت زينب صديقتها نورا والتي اوقفت بمشاكسة صف القطيع كي تصافحها
– بس اجفوا هنا على ما اسلم على صاحبتي.
تبسمت لها الأخرى لتقترب منها وتصافحها بتقبل ، عكس مريم التي زفرت بعبوس طفولي، غير راضية عن هذا التعطيل.
– عاملة ايه يا صاحبتي، محدش شايفك
– انا يا إما في البيت يا في المرعى .
– انتي كل عيشتك في المرعى، ولا بشوفك خالص.
قالتها نورا تؤديها بفكاهة استجابت لها زينب لتضحك، حتى انتبهت على فزع الغنم باقتراب الأحصنة التي تركض بخفة باتجاههم، فانتفضت تأمر شقيقتها.
– سوجيهم معايا يا مريم نبعدهم بعيد عن الطريج.
دبت المذكورة اقدامها على الأرض، تحدج نورا بنظرة غاضبة:
– ابويا كذا مرة ينبه علينا الوجفة في نص الطريج اساسًا غلط.
قالتها وانكفئت تنفذ الأمر بسوق الغنم:
– هرررر ، هرررر.
ساعدتهم نورا حتى حشروا القطيع في ركن واحد كي تمر الاحصنة دون أن تؤذيهم، والتي ما أن اقتربت منهما حتى تبين اصحابها:
– حامد الدهشوري والذي مر بظهر منتصب وغرور ليس بغريب عنه، يوزع أبصاره في كل النواحي، بجولة يفعلها دائما لمباشرة زراعاته، ومن خلفه ضاحي، ذاك الذي يتخذ الجولة بلهوه كعادته، حتى أبصر زينب وشاكسها كعادته:
– بعدتي النعاج ليه يا زينب؟ كنت عايز اخدلي واحدة منهم، ولا اخطفك انتي بدالهم……..
عبست زينب بضجر قابله هو بضحكاته الصاخبة حتى اختفى عنهم بحصانه، لتعلق نورا:
– ضاحي بيهزر معاكي يا زينب
– بيغلس مش بيهزر، دا واد لطخ أساسًا تمتمت بها، لتعود لغنمها فتوجههم لنفس الطريق الاول، فسارت هي معهم ترافقها وشقيقتها الساخطة لوجودها معهم من الأساس:
– نفسي انا كمان ارعى معاكم، كذا مرة اتحايل على ابويا يشتري حتى عنزتين، يجولي احنا مش كد وكلهم، اجولوا هرعى بيهم مع زينب صاحبتي، يجولي وغداهم وعشاهم نجيبوا منين؟
– زني عليه تاني يا نورا وانا ابجى اديكي حشيش من عندينا توكليهم. نفسي تروحي معانا يا صاحبتي.
– وانا كمان والله يا صاحبتي نفسي جوي.
قالتها نورا، قبل ان تنتبه على نظرة الأخرى والتي تعلقت بجهة منزل عمتها حيث كان واقفًا بانتظارها بابتسامته الحلوة، ذاك الوسيم الصغير ابن عمتها المقارب لها في نفس العمر.
بادلته نفس الابتسامة، قبل ان تعود لصديقتها التي لكزتها بمرفقها على خصرها بمرح، ثم يستمر الحديث الطفولي البريء بينهما حتى تتفرقا، تعود نورا ادراجها نحو منزلهم، وتتابع زينب وشقيقتها حتى يصل القطيع الى الأرض الشاسعة، فتجد الصغيرتان الفرصة مرة أخرى باللعب حولهم ، بالركض او إدخال أقدامهم في حوض مياه الزرع المالحة بعض الشيء نظرا لطبيعة الأرض، وهنا المتعة الخالصة، ضحكات تصدح وتبادل رشها على بعضها حتى يقترب موعد غروب الشمس، فيتم جمع القطيع نحو الذهاب .
فتتعلق زينب عينيها كالعادة بهذه التلة
– نفسي اعرف ايه ورا الجبل ده هناك يا بت يا مريم.
– اكيد ديابة وعفاريت، امال ابويا بيحذرنا منها ليه؟
كانت هذه الاجابة الروتينة من مريم والتي تلقيها بوجه شقيقتها في كل مرة ذكرت امامها امنيتها، لتعبس ملامح زينب بضجر، وتلتف نحو طريقها دون رد ، ولكن هذه المرة لفت نظرها شيء ما، لتهتف بلهفة:
– ارنب جبل يا مريم؟
نظرت مريم نحو ما تشير لتقفز هي الأخرى بلهفة:
– اه والله صح، تعالي نمسكه يا زينب، ونروح بيه على بيتنا، دا بيجولوا لحمه حلو جوي .
– وكبير كمان، شايفة ازاي؟
اضافت بها زينب قبل أن تصدر امرها لشقيقتها:
– تعالي بسرعة نحلج عليه.
– طب والبهايم.
– اهي جاعدة في الحشيش وبتاكل، همي معايا يا مريم.
سمعت منها الأخيرة، وصارت تفعل مثلها في ملاحقة الأرنب الجبلي المراوغ بطبيعته، فكلما اقتربن منه بعد تربص، يركض سريعًا، حتى ابتعد بهن بمسافة بعيدة عن القطيع ، ليلتفتا فتجدا الاثنتين نفسها امام التلة المحظورة مباشرة، فخرج صوت مريم بفزع.
– وبعدين يا زينب، احنا كدة بجينا عند التلة بتاعة العفاريت وزمانهم هياجوا يا خدونا، اول ما الشمس تغيب والدنيا تضلم.
صاحت بها زينب بحنق:
– عفاريت ايه يا مجنونة انتي كمان؟ انتي صدجتي خليكي هنا استني مكانك، وراجبي البهايم، انا هطلع وراه، دا دخل في الجحر بتاعه، يعني بسرعة هيبجى في يدي .
لم تعترض مريم، ف الشغف داخلها هي الأخرى كان يقتلها نحو الإمساك بهذا الارنب الضخم ، ولكن الخوف يمنعها من الفعل مثلها:
– ماشي بس بسرعة عشان بخاف
اومأت رأسها زينب بعجالة:
– هوا
قالتها وانطلقت على الفور تعرج هذه التلة بالدعس على الأحجار بها ، أبصارها على الجحر ، تخفف من خطواتها حتى لا يشعر ويهرب قبل الإمساك به، خطوة، اثنان، وفي الثالثة، حطت قبضتيها عليه، ولكنه انزلق منها سريعًا هاربا منها، فصرخت بغيظ:
– والله لاطبك النهاردة، مش هسيبك.
قالتها واصبحت تركض خلفها فوق التلة، وقد اخذها العند وروح التحدي ، للقبض على هذا المراوغ، فلم تعطي بالا لشقيقتها وهي تنادي عليها من الأسفل:
– انزلي خلاص يا زينب، بلاها منه الارنب ده.
– كفاية يا زينب، ابويا هيدبحنا لو عرف ان احنا قربنا من التلة
في الاخير حينما ضجت من تحذيراتها، التفت إليها صارخة
– لا يا مريم ، النهاردة مش هروح غير وهو في يدي، لازم…… ااه
قطعت في الأخيرة، بصرختها، وقد وجدت نفسها تنزلق دون ارادتها، ثم تتدحرج بجسدها عدة مرات، وهي تصرخ مع دفعات الالم تشعر بتكسر عظامها، حتى انتهي بها الأمر ليستقر مقرها خلف التلة من الجهة الأخرى، غير قادرة على الوقوف او حتى تحريك ذراعها الايمن، وقدمها اليسرى، تتوجع بضعف شديد بألم لا يمكنها وصفه، عيناها تجول في الخلاء الغريب حولها، ودموعها تسقط بعجز، تشعر أنها نهايتها
– ااه، اااه، مريم….. مريم…. حد ينجدني
طال مكوثها بهذا الوضع، حتى اصوات شقيقتها التي كانت تأتيها مع تردد الصوت، صمتت منذ لحظات، والرؤية أمامها اصبحت تتشوش، لحظة لحظتان، فجأة ظهرت شقيقتها الصغرى أمامها فوق التلة:
– انتي ايه حصلك؟ مالك؟
أخرجت صوتها بصعوبة، رغم الدوار الذي بكتنفها:
– ارجعي يا مريم ع البيت بالبهايم، واندهي حد ياجي يرفعني من هنا.
– ليه انتي حصلك ايه؟ اجي انا ارفعك.
تحركت رأسها تحذرها وتنهيها، لكن الأخرى رفضت ان تذهب وتتركها.
– انا هاجي ارفعك، وانتي هتتسندي عليا، مش هسيبك لوحدك ياخدك العفريت ولا ياكلك ديب .
– بجولك روحي اندهي ابويا.
ظلت تردد بها وصورة شقيقتها التي تحاول النزول على الاحجار الزلقة، تزيدها دوارا وتشوشا، خوفا ان يحدث وتقع هي الأخرى، رويدا رويدا حتى غطت عينيها سحابة سوداء، ولم تعي بأي شيء آخر.
❈-❈-❈
استيقظت اخيرا لتفتح عينيها للنور ، ترفرف اهدابها وتجول مقلتيها على السقف الغريب وهذا الجدار الذي يختلف تماما عن منزلهم، كادت ان تفزع ولكنها انتبهت على وجود جدتها بالقرب منها، والتي هللت فور ان اصطدمت عيناها بها مستيقظة:
– حمد الله ع السلامة يا بنيتي اخيرا صحيتي.
– صحيت.
تمتمت زينب بغرابة، وجدتها الحنون تقبل رأسها، وكفها وظهر كفها، لتستدرك الآن لوضعها بداخل مشفى الوحدة الصحية، فهذه الغرفة تعرفها جيدا، هي غرفة الطبيب الذي تدخلها للكشف حينما تكون هي مريضة او شقيقتها……. شقيقتها.
عاد إليها وعيها جيدا لتتذكر ما حدث وتتذكرها؛
– مريم يا جدة، فينها مريم؟
تحركت شفتي جدتها بعجز لم تفهمه مع هذه النظرة الغريبة والغامضة، وقبل ان ينبت فمها بكلمة مفيدة، وجدت والدتها تخرج من حمام الغرفة، بشرود غير مفهوم ، قبل ان تسألها مباشرة:
– انتي متعرفيش مريم راحت فين؟ دا احنا مستنينك تصحي عشان نسألك.
– تسألوني على ايه؟
سقطت عزيزة تجيبها ، وقد خارت قوتها عن الصمود والوقوف:
-،عن اختك يا بت…. اختتتك.
اردفت الأخيرة بشفاه مرتعشة، لتنطلق في بكاء مرير، ادخل في قلب ابنتها الرعب بعدم فهم، فالصورة ما زالت غير واضحة امامها، تريد الاستفسار، تريد التذكر ، حتى اندفع باب الغرفة فجأة يلج منه اباها بهيئة غاضبة، وأعين حمراء تفزعها بالسؤال دون مقدمات:.
– اختك فين يا بت؟ كيف انتي جاعدة وهي اختفت ؟
انكمشت زينب مرتعبة منه، حتى حاولت التحرك، ولكن اوقفها الوجع الشديد في يدها وقدمها الملتفة حولهم الجبيرة فتأوهت بألم،
اشفقت عليها جدتها لتنهض فتحول بينها وبينه:
– براحة يا مطاوع، البت توها فايجة
صرخ بها مقاطعًا:
– لكن حية ياما، اما اختها بجى مختفية من ليلة امبارح، من ليلة امبارح ياما ما حد عرفها عايشة ولا ميتة،
انطجي يا بت اختك فين وايه اللي وداكي عند التلة.
ابتلعت ريقها بجزع ودموعها تسقط بغزارة تجيب بما تتذكره:
– والله يا بوي انا جولتلها امشي وهاتي ابويا، هي اللي اصرت تنزلي، بعد كد معرفش ايه اللي حصل.
افلت مطاوع من قبضة والدته المتشبثة به خوفا على حفيدتها، ليلتف نحو التخت من الناحية الأخرى
بصيحة غاضبة ارتجفت لها الصغيرة:
– وانتي ايه اللي وداكي عند التلة من اصله؟ عملتي ايه في اختك يا بت؟
نهضت عزيزة أيضًا لتحمي ابنتها من الفتك بها ، فتحول بينهما مع روحية التي حشرت نفسها بجوار الصغيرة تضمها جسدها إليها بحرص
– البت جسمها متكسر، هتطلع روحها كمان!
زجرها على الفور دون تردد:
– بعدي يا عزيزة بدل ما ارمي عليكي اليمين، خليها تنطج وتجول ودت اختها فين، بدل ما اخلص عليها
خرج صوت زينب بصعوبة من فرط خوفها منها، لتقر بسجيتها عما حدث:
– كنت بفر ورا الارنب، واتزحلجت من فوج التلة ، نزلت مكحكلة، لجيت نفسي ع الارض في الناحية التانية من التلة،…. بعدها جات مريم تشوفني، انا كنت بصرخ عليها متنزلش بس هي جالت هنزل اسندك تروحي معايا….. وبس كدة….. مش فاكرة اي حاجة تاني والله .
– أرنب! ضيعتي اختك عشان بتجري ورا أرنب؟
صارت صرخاته تصدح لاخر المشفى، لا يستطيع التحكم في غضبه يريد ان ينقض عليها، حتى وهو
يراها في هذا الوضع، حتى اجبر الرجال في الخارج، ليلجوا اليه ويسحبوه بقوة للخارج.
– تعالى معانا يا مطاوع، مينفعش العمايل دي.
– يا عم سيبوني، سيبوني ادعكها بت الكلب دي…
خرج اخيرا وابتعدت عنها عزيزة لتسقط على الأرض تنتحب وتولول، فظلت زينب لمدة من الوقت ترتجف بحضن جدتها ، وهي تهدهد فيها رغم حزنها، حتى اذا هدأت قليلا خرج صوتها الى المرأة ببرائة:
– هو ابويا بيصرخ ليه يا جدة، ما تخليه يدور عليها مع البهايم، يمكن نامت على النجيل من الخوف للعفريت يطلعها ولا الديب ياكلها .
ربتت المرأة على رأسها بحنان تعقب بحسرة:
– ابوكي ويا رجالة العيلة كلهم من امبارح بيدعكوا ويدورا على شجيجتك، مخلوش حتة في الجبل مدورش فيها، اما عن البهايم، فدول رجعوا لوحديهم ع البيت لما الدنيا ليلت عليهم.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أكل الذئب زينب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى