رواية من أنا الفصل الثالث 3 بقلم حليمة عدادي
رواية من أنا الجزء الثالث
رواية من أنا البارت الثالث
رواية من أنا الحلقة الثالثة
عندما رأى الفتاة واقفة في ركن المطبخ، وهي تضع السكين على شرايينها، وكان ارتجاف يدها قويًا وصوت بكائها يتصاعد ببطء، ولّدت لديه صدمة كبيرة، فآندفع نحوها بسرعة أمسك بيدها بقوة وضغط عليها بشدة حتى سقطت السكين من يدها. ثم أطلق سراح معصمها ونظر إليها بنظرة غضب قائلاً:
-أنت مجنونه عايزه تقتلي نفسك فاكره كده راح ترتاحي تبقي غلطانه.
لم تصدر منها أي كلمة، بل عبرت عما بداخلها من خلال بكاءٍ شديد. جلست على الأرض، وجسدها يرتعش بقوة، بينما جلس القرفصاء بجانبها محاولاً السيطرة على غضبه. لقد شعر بالشفقة عليها عندما رأى حالتها و قال:
-مش عارف السبب يلي وصلك للحاله دي بس الانتحار عمره ما كان حل انت عارفه انه حرام ما تعسرت الا و تيسرت، و ما ضاقت إلا فرجت.
أجالت نظرها نحوه، وكانت عيونها تفيض بالدموع، وأشارت بيدها كأنها تحاول أن تتحدث، لكنها لم تنجح في ذلك. وعندما شعرت بالعجز، انهالت بالبكاء. لم يكن يعلم كيف يتصرف وهو يشاهدها تعجز حتى عن التعبير عما يختلج في صدرها تنفس بعمق وشعر بالحزن، ثم تحدث قائلاً:
-بصي مهما كانت مشكلتك راح نساعدك فيها ياله مسحي دموعك و راح جهز لكم فطور انت و حسام و تروحي،معنا للبيت حتى نلاقي حدى من اهلك.
شعرت بالقلق من فكرة الذهاب معهم، إذ لم تكن تعرفهم جيدًا، مما جعلها تتساءل كيف يمكنها الوثوق بهم. ومع ذلك، لم تكن تعرف أي طريق تسلكه، فباتت في حيرة من أمرها. في تلك اللحظة، قطع شرودها دخول حسام، الذي كان يفرك عينيه من تأثير النوم و تحدث قائلا ً:
-صباح النور يا جماعه يونس عملت ايه للبنت مخليها خايفه كده.
أكمل يونس تجهيز الإفطار وأجاب قائلاً:
-ما عملت شي اقعد مكانك و انت ساكت علشان بعد الفطور نروح الهاتف فصل شحن و اكيد بابا قلقان عليا.
توقف حسام عن الكلام، ثم خرج ليغسل وجهه ويجهز المائدة في الخارج. بعد فترة، أنهى يونس جميع ما كان يقوم به، وجلسوا يتناولون الطعام في صمت. بعد فترة من السكون، قاطع يونس هذا الصمت قائلاً:
-مش عارف اسمك بس راح يبقى اسمك تقى لحد ما نعرف فين اهلك و اطمني نحنا مش راح نأذيك.
ألقت عليه نظرات تحمل الشكر والامتنان، ثم عادت لتتأمل طبقها دون أن تتناول شيئًا. كسر صمت اللحظة صوت رصاصة اخترقت زجاج النافذة…
*******
شعرت بصدمة عارمة عندما رأت ابنتها في قبضتهم، حالتها كانت مؤلمة للغاية، وكاد قلبها أن ينفطر من شدة الألم. صرخت عليهم لتطالبهم بفك قيودها، لكنهم تجاهلوا نداءها وكأن قلوبهم متحجرة. انهالت أدمعها بعد فشل محاولتها، وتحدثت بعبارات مفعمة بالحسرة قائلة:
-اسفه يا بنتي ما قدرت احميك من شرهم انت و اخواتك.
انفجرت نورهان بالضحك حتى طغى صوتها على المكان، ثم تركت إيلول واقتربت من منّة، مستمتعةً بمعاناتها دون أن تشعر بأي شفقة تجاه حالها، فقد تمكن الحقد والكراهية من السيطرة على قلبها.
-بصي يا منة الصمت ليس لصالحك اتكلمي بسرعه و راح سيبك انت و بنتك تروحي من هنا.
لم تستطع منة التحكم في غضبها أكثر، فانفجرت قائلة بصوتٍ غاضب:
-انا خبرتكم من قبل مش عارفه مكانها و لا عارفه ايه هي الامانة دي عادل ما خبرني بشي ليه مش عايزه تفهمي انت و زوجك.
سيطر الغضب على نورهان، فانطلقت نحو إيلول ممسكةً بخصلات شعرها، مما جعل إيلول تصرخ بكامل قواها، فاندفع صراخها ليكسر سكون المكان. في حين كانت منة تشبه طائرًا محبوسًا، تحاول جاهدةً التحرر والركض نحو ابنتها، لكن القيود اللعينة كانت تحول بينها وبين ذلك ثم صاحت بصوت متأثر يعكس شعورًا بالعجز قائلة؛
-نورهان سيبي بنتي هي مش عارفه شي و لا لها دخل كلامك معي انا، انت عارفه اذا زوجك عرف انك خطفتيني راح يقتلك.
أطلقت نورهان زفرة من الغضب، ثم دفعت إيلول بقوة، مما أدى بها إلى الارتطام بالأرض الصلبة تحتها وهي تبكي بذعر. بعدها، التفتت إلى الأشخاص الذين يقفون خلفها قائلة:
-اخضروا ليا الكرباج سوف اجلد ابنتها و لن اتوقف حتى تتحدث و تخبرني عن مكان الامانة و الا لن اتوقف حتى تموت إيلول.
انتفضت منة بفزع، وصاحت بصوت مفعم بالذعر، وقلبها يكاد ينفطر من الخوف على صغيرتها، قائلة:
-نورهان،بنتي لا صدقني مش عارفه حاجه لو كنت اعرف كنت خبرت زوجك.
لم تُعطِ نورهان اهتماماً لكلمات منة، إذ كانت مشغولةً فقط بالسعي للحصول على الأمانة التي يطمح الجميع إلى استعادتها، والتي اختفت بعد وفاة عادل منذ عدة سنوات. ورغم ذلك، استمر الجميع في البحث عنها.لأن الشخص الذي يسعى للحصول عليها هو رجل ثري، وقد أعلن عن مكافأة مالية كبيرة لمن يتمكن من العثور عليها.
-بصي يا منة حقيقه انا زهقت منك و من عدم تكلمك عنها و لا فين هي.
أمسكت السوط، وكان يلمع في عينيها شرٌ واضح، ثم رفعته في الهواء استعدادًا لضرب جسد الطفلة النحيفة. لكن فجأة، شعرت بشيء يعوقه، كأن قبضة قوية تمسك به وتثبته في مكانه.
**********
منذ أن قرأ الرسالة، تجلى عليه الخوف بشكل واضح، وهو يحاول إجراء اتصال دون جدوى. لاحظت زوجته تغير ملامحه وقلقه، فتوجهت إليه بالسؤال:
-وليد مالك قول لنا شي ليه ساكت و مين بعتلك رساله دي؟
هتف بصوت يحمل نبرة من القلق، قائلاً:
-وصلتني رساله من احدى اصديقائي ان هما قدروا يوصلوا لمكان يونس و هو مش برد خايف عليه.
غرقت زينب في مشاعر الخوف العميق، إذ تغير لون وجهها وبدت عليه علامات القلق، فنادت بقولها:
-وليد اعمل شي او نروح لهم انا قلبي مش مطمن مش راح اتحمل يحصل لهم شي مستني اية.
شعر بالعجز بينما يرى أبنائه في خطر، حيث يقف عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء. حتى لو حاول الذهاب إليهم، فلن يتمكن من الوصول في الوقت المناسب. لو كان لديه جناحان، لكان قد طار إليهم بسرعة:
-حتى لو روحت مش راح اوصل لهم عايزهم بس يردوا عليها خبرهم يغيروا المكان بسرعه بس مافيش رد يونس قافل و حسام مش برد.
توقفوا في حالة من الحيرة والعجز، بينما الخوف يسيطر على قلوبهم. أمامهم، كانت ابنتهم تنظر إليهم بدهشة، تشعر بالقلق من توترهم، وتتبادل التساؤلات في ذهنها حول ما يجري وما الذي يثير قلق عائلتها.
-ماما بابا اية يلي مخوفكم كده و ليه خايفين على اخواتي ممكن تفهموني ايه يلي خايفين منه انا حاسه مش فهمه حاجه.
أخذ والدها نفسًا عميقًا ورد عليها قائلاً:
-مش وقته يا سارة روحي لغرفتك مش وقت الحكي ياله
استمعت إلى والدها ودخلت غرفتها، بينما ظل وليد مع زوجته محاولاً الاتصال بهم مرة أخرى، ولكن دون جدوى. وفجأة، سمعوا صراخ ابنتهم الذي ملأ المكان و دب الذعر في قلوبهم.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)