رواية ضروب العشق الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الجزء الحادي والأربعون
رواية ضروب العشق البارت الحادي والأربعون
رواية ضروب العشق الحلقة الحادية والأربعون
صك سمعه صوت اصطدام شيء بالخارج ، فعقد حاجبيه بريبة وهب واقفًا يهتف محدثًا كرم في الهاتف :
_ ثانية ياكرم خليك معايا كدا
تحرك باتجاه الباب في خطا ثابتة حتى امسك بالمقبض وجذب الباب إليه ليلقي نظرة برأسه على الخارج ، لم يجد شيء !! .. اتاه صوت كرم في الهاتف وهو يسأل :
_ في إيه ياحسن ؟!
حسن بأعين تدور في الأرجاء وقسمات وجهه حادة :
_ اصل سمعت صوت برا فافتكرت في حد بيتنصت على الباب
اخذتها قدماها وهي تسير إلى خارج الشركة ودموعها بدأت في التساقط ، وما انقذها من أن تقع في موقف محرج أمام العامة هو نقابها الذي يخفي دموعها .. لا تستوعب ما سمعته وتحاول تكذيب أذناها ولكن كيف !! ، لماذا اخفي عليها ولم يخبرها ؟ .. أهذه هي الثقة الذي حاولوا بنائها وتعاهدوا على أن تظل قائمة دومًا ؟ ، أهذا هو الوعد الذي قطعوه لبعضهم بأنه لن يخفي أحدًا منهم أمرًا عن الآخر ؟ .. كيف فعلها وتمكن من إخفاء حقيقة كهذه عنها ؟!!! .
***
رنين الهاتف الصاخب لا يتوقف ، والمتصل لن يتوقف إلا عندما يجيب عليه .. استيقظت على صوته وفركت عيناها لتزيح عنهم بعض أثار النعاس ، ثم مدت يدها تهزه بلطف وتهمس بصوت ناعس وخافت :
_ علاء قوم رد على الموبايل .. عـــــلاء
تقلب في الفراش بنعاس والتقط الهاتف يرى اسم المتصل فوجده أمه ، كتم صوت الرنين ثم اكمل نومه وماهي إلا لحظات قليلة وعادت تتصل من جديد فتأفف بصوت مسموع وخنق ليجيب عليها :
_ الو
سمع صوت أمه وهي تهدر بهلع :
_ علاء اختك اتخانقت معايا ومع أبوك وصممت تمشي وحدها وكانت بتعيط ودلوقتي برن عليها مش بترد
استيقظت جميع حواسه حيث هتف وهو يهب جالسًا :
_ اتخانقت معاكم ليه ؟!
_ موضوع كبير مش هعرف احكيهولك على التلفون .. المهم شوف اختك واطمن عليها لأحسن أنا هتجن من الخوف عليها
جذب التيشرت الخاص به واجابها بإيجاب وقلق :
_ حاضر ياماما متقلقيش هشوفها واطمنك
انهي معها الاتصال واستقام من الفراش يرتدي تيشرته ثم اسرع نحو الحمام .. اعتدلت ميار في جلستها بعدما سمعت آخر كلماته ولم تفهم شيء لكنها نالت بعضًا من قلقه حول إذا صاب أحدهم مكروه ، دقيقتين بالضبط وخرج فغمغمت بصوت مضطرب :
_ إيه اللي حصل ياعلاء ؟
أجابها بإيجاز وهو يخرج ملابسه ويشرع في التغيير مهمهمًا :
_ مش عارف ياميار ، شكله في مشكلة حاصلة في البيت فهروح اشوف في إيه
ميار بصوت ناعم :
_ طيب تحب البس وآجي معاك
رفض بهدوء :
_ لا خليكي هنا .. أنا شوية بليل هرجعلك
ضيقت عيناها باستغراب وقالت بفضول :
_ هو احنا هنقعد هنا مش هنرجع البيت ولا إيه ؟!
كان قد انتهى من ارتدائه للبنطال والقميص ولا يتبقى سوى الحذاء فاقترب منها يخطف قبلة من وجنتها وهو يغمز بلؤم :
_ نرجع البيت إيه دلوقتي بس .. احنا عايزين ناخد راحتنا اليومين دول ياحبيبتي من غير ماحد يزعجنا
ابتسمت له باستحياء ملحوظ دون أن تجيب وتابعته بعيناها إلى أن انتهي من ارتداء ملابسه بالكامل حتى الحذاء ، وودعته قبل أن يغادر .
***
انتهت من تحضير الطعام ووضعت الصحون على صينية متوسطة الحجم ، وسارت بها إلى غرفتهم .. فتحت الباب بهدوء تام ودخلت ثم وضعت الصينية على الفراش أمامه وغمغمت بنبرة مقتضبة :
_ متنساش تاخد العلاج قبل الأكل !
كان هو جالسًا وبيده أحد كتب الفلسفة ( نوعه المفضل من الكتب ) ، ويرتدي نظارة القراءة خاصته . فترك الكتاب ووضعه بجانبه ثم نزع عنه النظارة وهتف بنظرة ذات معنى :
_ مش هتفطري معايا ؟!!!
تمتمت بنبرة جافة وهي لا تنظر له :
_ مش جعانة شوية كدا هفطر .. كل إنت بالهنا والشفا
ثم استدارت بجسدها وهمت بالانصراف لولا يده التي قبضت على رسغها وحدثها بصوت متضايق :
_ تمام براحتك طالما إنتي عايزة تاخدي موقف مني بسبب كلامنا إمبارح .. بس ياترى هل أنا استاهل التجاهل والقسوة دي منك وبلأخص في اكتر وقت أنا محتاجك فيه تكوني جمبي وتسانديني ؟!
اغمضت عيناها بقوة فقد اصابها في الهدف بكلامه ، وجعلها تشعر بالخزي من نفسها .. لكنه لم يترك لها حلًا سوى أن تتخذ منه موقف قاسي حتى يعود لعقله ويدرك حجم الاخطاء التي يرتكبها ! .
جذبت يدها من قبضته برفق والتفتت له كاملًا بجسدها تهمس بنفس ضعيفة وأعين منطفئة تلمع بالدموع :
_ لازم اخليك تفوق من اللي إنت فيه ياكرم .. إنت بقيت شخص مخيف غضبك بيسيطر عليك بطريقة مرعبة لدرجة إنك بتخليني اتخيل إنك ممكن تقتل حد فعلًا ، وكنت هتعملها فعلًا يوم لما اتخطفت ولولا حسن اللي لحقك كنت قتلته بالفعل ، وأنا كنت بحاول امنعك واهديك وابعد الأفكار دي عن تفكيرك ، كنت مدركة حجم الألم والعجز اللي حاسس بيه عشان مش قادر تاخد حقها .. بس إنت مفكرتش غير في أروى وفي غضبك وركتني أنا على الرف ، مفكرتش إنك لو كنت قتلته فعلًا ودخلت السجن كان هيحصلي أنا إيه وأنا مليش غيرك ، ولنفس السبب دلوقتي وهو غضبك كنت هخسرك وكنت على أبواب الموت وفوق ده كله لسا بتقول إنك هتنتقم منهم .. قولي المفروض اتصرف إزاي ولا أعمل إيه ، بنسبالي أقل حاجة إني أخد منك موقف عشان تعرف إنك غلط
كرم بصوت خافت وحزين :
_ وهو أنا مش بعمل ده كله عشانك وعشان احميكي !!
صرخت به بانفعال وقد انهمرت دموعها بحرارة :
_ وأنا قولتلك مليون مرة مش عايزاك تعمل حاجة عشاني .. إنت كدا بتأذيني مش بتحميني ، في حاجة اسمها قانون هو اللي بيعاقب الناس .. مش إنت ياكرم !! ، ارجوك كفاية أنا مش عايزة اعيش في احساس الخوف ده تاني ، يكفي إني كنت بحسه مع سيف لما كان بيروح لمهمة تبع الشغل وبنبقى أنا وماما حاطين إيدنا على قلبنا خوف إنه ميرجعش لينا وفي الآخر مرجعش فعلًا .. إنت مش عايز تفهمني ولا تفهم كم الرعب اللي بيتملكني وأنا خايفة أن حد يأذيك
جذبها من ذراعها واجلسها بجواره على الفراش ثم ضمها لصدره وقبَّل مقدمة رأسها هامسًا بأسف :
_ أنا آسف
شفق بصوت متلقلق من البكاء :
_ أنا مش عايزة أسفك أنا عايزة كرم اللي أنا اعرفه من قبل ما نتجوز
_ أنا لسا كرم اللي تعرفيه ومتغيرتش معاكي ياشفق أبدًا ، بس لازم أكون الشخص اللي إنتي بتكرهيه ده مع اللي يستاهل إنه يشوف الجزء المظلم ده مني
ابتعدت عنه فورًا ورمقته بدهشة وسخط اعتلى معالمها من جديد :
_ يعني إيه ؟!
ابتسم بحنو وانحنى يطبع قبلة أخرى لكن هذه المرة على وجنتها مردفًا بخشوع :
_ بس متقلقيش من هنا رايح هتصرف بحكمة ومش هسمح لغضبي إنه يسيطر عليا ولا هسمح إنك تحسي بإحساس الخوف ده تاني ابدًا
لانت قسماتها واستقرت في عيناها نظرة بريئة قادرة على أثر قلوب اعتى الرجال واشرسهم وهي تهمس برقة جميلة :
_ وعد ؟!!
هز رأسه بالإيجاب وهو يضحك بخفة ويعود يختطف القبلات منها بعاطفة جيَّاشة وغمزة مشاكسة :
_ وعد ياقلب الكوكو بتاعك
أخيرًا أظهرت عن اسنانها في أبتسامة عريضة وعادت ترتمي بين ذراعيه من جديد مغمضة عيناها بسكينة ….
***
كان مشغولًا بعمله عين في الورق وعين على الحاسوب أمامه ، يحاول إنهاء الأعمال المتراكمة في غياب أخويه الأثنين ، وإذا به يجد الباب ينفتح وتظهر من خلفه يسر التي دخلت واغلقته خلفها ثم تسمرت بأرضها تحدق به بدموعها التي تملأ وجهها ، ضيق عيناه باستغراب واستقام واقفًا بارتعاد يهتف :
_ مالك يا يسر ؟!!!
هرولت إليه والقت بنفسها بين أحضانه تهتف ببكاء :
_ اتخانقت مع بابا وماما !!
لف ذراعه حولها وتمتم بحيرة :
_ اتخانقتي معاهم ليه ؟!
_ حكيتلهم وقولتلهم إني لسا حامل
تراجع خطوة للوراء وتشدق بصوت خشن امتزج بالضجر :
_ روحتي وحدك ليه ! .. أنا مش قولتلك إن أنا اللي هكلم عمي ، بتتصرفي من دماغك ومن غير ماتقوليلي يايسر !
يسر برزانة :
_ مكنتش هتعرف تتصرف مع بابا ومش بعيد كنت تتكلم وتحكي الحقيقة وبابا كان هيخرب الدنيا لو عرف
حسن بانزعاج يشمله بالكامل :
_ أنا مش غبي للدرجة دي .. بس كان لازم أنا اللي اتكلم معاه واعتذر منه وافهمه عشان أنا اللي غلطان مش إنتي ، لكن إنتي طبعًا مش بتسمعي كلام حد !
_ أنا شايفة إن كدا أفضل ياحسن .. وأهو حصل اللي حصل خلاص وبابا زعل واتعصب عليا أوي وحتى ماما .. هما مضايقهمش حاجة قد موضوع الحمل وإني كدبت عليهم
قطع حديثهم صوت رنين هاتفها المتكرر فاخرجته من حقيبتها وقرأت اسم المتصل لتقول بخنق :
_ ده علاء .. أكيد ماما حكتله
جذب الهاتف من يدها دون أذنها وأجاب بصوت أجشَّ :
_ أيوة ياعلاء ؟
_ يسر معاك ياحسن ولا إيه ؟!
_ أيوة معايا
قال علاء بنبرة تحمل الريبة :
_ طيب هي كويسة .. أصل ماما اتصلت بيا بتقولي اتخانقت معاهم وطلعت من البيت بتعيط و مش فاهم إيه اللي حصل ؟
أجابه حسن بنبرة رجولية ثابتة :
_ أنا هاجي البيت عندكم بليل وهنتكلم أنا وإنت وعمي
رفع حاجبه بتعجب وقد حدثه حدسه بأن هناك أمرًا ليس بهينًا حقًا ، فهتف يجيب على حسن بالموافقة :
_ طيب مستنيك
انزل الهاتف من على أذنه وضغط على زر الأنهاء فقالت يسر باعتراض :
_ لا إنت بذات مينفعش تتكلم مع علاء .. سيبني أنا هقوله
رمقها بنظرات ثاقبة كالصقر وهتف بلهجة لا تقبل النقاش :
_ ملكيش دعوة أنا عارف أنا هتصرف إزاي
تأففت بنفاذ صبر بعدما فهمت أنها لن تتمكن من جعله يتراجع ، وقالت بعدم حيلة من أمرها :
_ طيب أقعد هحكيلك اللي قولته لبابا وماما على الاقل عشان متروحش تتكلم مع علاء أو بابا وتقول كلام غير اللي قولتله
حسن بصوت حازم ومتحشرج :
_ لا هقول اللي حصل يايسر .. كفاية أنا زهقت من الموضوع ده هنفضل نكدب لغاية إمتى !
حجظت عيناها بذهول وقالت مسرعة تنهاه عن الذي يقوله :
_ إنت مدرك للي بتقوله .. لتكون فاكر إن لو بابا وعلاء عرفوا باللي عملته معايا هيعدوا اللي حصل بسهولة ويقولوا خلاص مش مشكلة ، مش بعيد بابا بنفسه هو اللي يخليك تطلقني
رأت في عيناه نظرات قوية وهو يهتف بوعيد بدا لها غريبًا وجديدًا تمامًا عليه :
_ مش هسمح لحد إنه يبعدك عني حتى لو كان أبوكي ، هقول الحقيقة عشان اريح ضميري لإني مش قادر ابص في عينهم وأنا بكدب عليهم
احتضنت وجهه بين كفيها وتمتمت بتوسل وخوف :
_ بلاش ياحسن أنا عارفة بابا كويس أوي والله ، ابوس إيدك ياحبيبي بلاش
أجابها بوجه جامد ولكن بنبرة دافئة وهو يلتقط كفيها من على وجهه :
_ متخافيش
***
داخل أحد السجون بين أربعة جدران يوجد على سريرين منهم كل من جاسر وكمال …
يستند كمال بظهره علي الحائط وهو جالسًا ويحدق في السقف بشرود وبجهة أخرى يجلس جاسر نفس الوضعية ، ولا يلاحظوا عيون الباقية التي تتابعهم بشر وابتسامات شيطانية ، اتجها أثنين نحو جاسر وانحنوا عليه يهمسوا بلؤم ونبرة صوت مريبة :
_ شكلك مش قد البهدلة يا*** ماتقولنا كدا إنت وأبوك عملتوا إيه يدخلكم السجن وإنتوا باين عليكم ولاد ناس واكابر
رمقه جاسر بقرف واشمئزاز هاتفًا :
_ ابعد عن وشي احسن اوريك ولاد الأكابر دول ممكن يعملوا إيه معاكم
نظر الرجل إلى صديقه وكركر بسخرية ثم عاد له وقال بوعيد :
_ ده بيهددنا كمان .. وأنا اللي صعب عليا وكنت ناوي انسى التوصية اللي اتوصتلنا عليهم .. بس شكلك تستاهلها !
اغار عليه هو وصديقه يبرحانه ضربًا فوثب كمال واقفًا وهرول راكضًا نحو أبنه حتى ينقذه من بين إيدهم ، لكنخ تلقى لكمة قوية في وجهه من أحد المساجين اطاحته أرضًا وهو يقول بصوت به بحة مرعبة :
_ خليك بعيد إنت راجل كبير ومش عايزين نمد إيدنا عليك
استقام كمال واقفًا بعد أن وضع يده على ثغره الذي سالت منه الدماء واتجه نحو ابنه الذي كانوا قد انتهوا من ضربه .. انحنى عليه يسنده وقد ادمي وجهه الدماء ، فنظر كمال إليهم وكان على وشك أن يتحدث لولا أن واحد من الأثنين الذين اعتدوا بالضرب على ابنه همس وهو يبتسم بخبث :
_ كرم العمايري باعتلكم سلامه وبيقولكم مقدمًا مبروك عليكم المؤبد
***
كان إسلام جالسًا على مقعده داخل غرفته بالمستشفى أمام النافذة ويتأمل في السماء الملبدة بالغيوم في راحة نفسية ، حتى قطع لحظات خلوته دخول زين الغرفة ، فالتفتت له برأسه وسمعه يقول صوت غريب :
_ عايز اتكلم معاك شوية يا إسلام !
_ تعالي يازين !!
أخذ نفسًا عميقًا قبل ان يخطو خطواته ناحيته ويجلس على المقعد المجاور له ، فقد حانت اللحظة لكشف كل شيء مخفي منذ البداية !! .
خرج صوت زين مختنق :
_ هتكلم معاك في موضوع ، أنا عارف إني المفروص كان أقوله من بدري ومن أول ماعرفت بس للأسف مكنتش جاهز إني اواجهك بيه أو حتى اواجه نفسي
لم يفهم شيء من الالغاز التي القاها عليه للتو بكلامه ، لكنه شعر بأن الأمر شديد الخطورة حقًا .. فلم يسبق له ورأى زين يتحدث بهذه الطريقة أبدًا ، ثواني بالضبط وبدأ زين في التكلم بصوت مرير وشجن :
_ أنا دخلت مصحة إدمان من عشر سنين .. كنت مدمن ومتعالجتش إلا لما دخلت المصحة والحمدلله ربنا هداني وانقذني من الوحل اللي كنت فيه .. بس قبل ما ادخل المصحة كنت في يوم راجع البيت ومش في وعي فخبطت واحد وللأسف كنت بني آدم قذر وحيوان لدرجة إني سبته وهربت بسبب إني شارب ومش مدرك لأي حاجة ، بعد ما دخلت المصحة وطلعت قلبت الدنيا على الشخص ده عشان اعرفه مات ولا عايش ، محتاج مساعدة اقدمهاله ولا لا ، اثبتله ندمي وإني حرفيًا مكنتش بعرف أنام من الكوابيس اللي بتلاحقني كل ليلة ، وإن ضميري بيقتلني ومش عارف أسامح نفسي .. قضيت العشر سنين وأنا بكفر عن ذنوبي بالصلاة والدعاء والتقرب من الله وبدعي ربنا إنه يوصلني ليه عشان استسمحه واخليه يسامحني على اللي عملته معاه يمكن ضميري يرتاح شوية ، وبعد ما اتجوزت بفترة طويلة اكتشفت إن الشخص ده هو إنت .. حسيت بالعجز اللي عمري ماحسيت بيه وكأن ربنا بيمتحني بحاجتين أصعب من بعض ، مبقتش عارف أعمل إيه وبقيت تايه .. كل مرة كنت بقول هواجهك وهقولك إنت وملاذ كنت بتراجع وبخاف ، لأن أنا شخصيًا مش عارف اسامح نفسي على اللي عملته فمكنتش عارف هخليكم تسامحوني إزاي ، حاولت اساعدك عشان تعمل العملية وأحاول أصلح اللي عملته ومكنش في نيتي حاجة غير إن اساعدك واصلح ذنبي اللي عملته .. سامحني يا إسلام
حالة من الذهول والصدمة استحوذته بالكامل ، هل مايسمعه حقيقيًا أم أنه يهلوس بأشياء لا وجود لها ، فهذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا أبدًا ولا يستوعبه عقل !! .
تمتم إسلام بنظرات مدهوشة وصوت يبدو عليه عدم الاستيعاب والتصديق :
_ إنت بتقول إيه .. لا إنت أكيد بتهزر ؟!
رمقه زين بوجه بائس ومتأسف ولم يجيبه بأي شيء ، فاطال النظر فيه يقرأ معالم وجهه التي تثبت صحة كلامه !! ، فيطلق ضحكة مستنكرة مكتومة .. ضحكة لم تكن سوى تعبيرًا على صدمته وأنه لا زال لا يستوعب أنه كان السبب في عذابه كل هذه السنوات ! ، استقام واقفًا وهتف بصوت بدأ يأخذ طريقًا مغايرًا في نغمته :
_ إنت عايز تفهمني إنك كنت السبب في كل اللي حصلي ده !!
توقف زين أيضًا وقال بخزي من نفسه وعجز :
_ كنت متهور وعيل مش فاهم حاجة .. مكنتش في وعي ، أنا ندمان على كل حاجة عملتها في حياتي زمان .. ومكنش قصدي اخبطك كل اللي فاكره إنك طلعت في طريقي مرة واحدة
تحرك إسلام إيابًا وذهابًا في الغربة وهو يمسح على شعره نزولًا إلى وجهه ويلتهب بنيران الغضب ، يطلق من بين شفتيه زفيرًا أشبه بشرارت النار الأحمر كالدم ، ثم توقف وصاح منفعلًا :
_ إنت عارف أنا كنت ناوي لما نرجع مصر هفتح القضية من تاني عشان يرجعوا يدوروا عليه من تاني .. أنا شوفت أيام لا يمكن تتخيلها ، كنت حرفيًا بتعذب .. عشر سنين يازين وأنا عاجز وبمشي على عكاز بسبب الحادث ده
زين بثبات تام ونظرات جادة :
_ وأنا بقولك اهو لو هترتاح لما تبلغ عني بلغ عني .. لإني مدرك ألمك واللي عشته قد إيه كان صعب لأن حتى أنا جربته لفترة ومكنتش بمشي غير على كرسي متحرك .. ليك الحق لو عملت إي حاجة ولا يمكن الومك
هدر إسلام بنظرات عاجزة ومستاءة :
_ للأسف مش هقدر !!
قالها ثم اندفع إلى خارج غرفته تمامًا حتى لا يفقد أعصابه أكثر من ذلك فهو بحاجة إلى أن يخلو بنفسه لبعض الوقت ويفكر في كل هذا بعقلانية وليس بتسرع ، أما زين فعاد وجلس على المقعد يمسح على وجهه بكفه الكبير وهو يزفر بخنق وضيق ! …..
***
في مساء ذلك اليوم ……
تقف على مسافة بعيدة نسبيًا عنه وتتابعه وهو يخطو خطواته بمفرده دون مساعدة منها .. يسير ببطء مسافة ثلاث خطوات ذهابًا ويعود بهم إيابًا ، اقتربت منه بعد لحظات وجيزة وعانقته هاتفة بسعادة :
_ الحمدلله وضعك اتحسن أوي ياحبيبي .. بالمنظر ده قريب أوي هترجع تمشي على رجلك تاني زي الأول واحسن
كرم بتمنى :
_ يارب ياشفق والله ، لاحسن أنا اتخنقت من البيت والسرير وعايز اطلع
فغرت عيناها بصدمة مصتنعة وهي تجيبه بغضب ليس حقيقي :
_ إيه اتخنقت من البيت ده .. قصدك اتخنقت مني أنا يعني !!
كتم ضحكته وهتف مقوسًا ملامح وجهه بقرف مزيف مشاكسًا إياها :
_ آه جدًا ومش طايقك كمان !
نسخت نفس ملامح وجهه وأجابته مازحة :
_ ولا أنا طيقاك على فكرة برضوا !
كركر بصوت مرتفع فزينت هي وجهها بابتسامة عريضة نتيجة لضحكته وساعدته في التسطح على الفراش ، ثم التفتت من الجهة الأخرى وتمددت بجواره تضع رأسها على صدره .. عم الصمت بينهم للحظات طويلة ، هي تحدق في اللاشيء أمامها بفراغ وهو إحدى ذراعيه حول جسدها يضمها إليه وبأنامله يعبث في خصلات شعرها الناعمة برفق ، حتى قرر هو اختراق فقاعة الصمت القاتلة وهو يغمغم بصوت هاديء ومهموم :
_ مش إنتي وحدك اللي خايفة تخسريني ، أنا مش بحس بنفسي لو شعرة منك اتلمست بس ، بخاف عليكي من نفسي ياشفق أحيانًا .. وزي ما إنتي معندكيش استعداد تخسريني أنا كمان معنديش ، لإنك بنسبالي جوهرة لو ضيعتها بإهمالي مش هلاقيها تاني أبدًا ، وآخر حاجة هبقى عايزها إني اشوف الخوف في عينك مني أو تشوفيني بقيت شخص مختلف .. أنا بعمل ده كله من خوفي لأخسرك ياشفق مش لمجرد إني عايز اخد حقك من أي حد أذاكي ، من وقت جوازنا اعتقد إن كل مرة كنت بتخانق معاكي أو بزعقلك بيكون خوفي هو السبب ، صدقيني أنا مهما اتغيرت وبقت واحد قاسي مع الناس معاكي هرجع لحقيقتي .. إنت نقطة ضعفي
اعتدلت شبه جالسة وطالعته بابتسامة دافئة وعينان تنضج بالعشق ، ثم مدت كفها وملست على وجنته برقة هامسة بنظرتها المعتادة القادرة على أذابته بالكامل :
_ أنا فاهمة كله ده ومش خايفة أبدًا إنك ممكن تتغير معايا لإني الراجل اللي حماني وكان جمبي وضهر ليا في الوقت اللي ضهري كان فيه مكسور بعد وفاة أخويا مستحيل يكسرني .. أنا مش غبية على انسى اللي عملته معايا لإن بالعقل والمنطق لا يمكن أن واحد كان بيعاملني معاملة الأميرات لدرجة إني كنت بحس إنه بيحبني فعلًا وهو كل ده مكنش بيحبني ولما يحبني يبقى شخص تاني ! ، أنا لما قولتلك إني بخاف منك مكنش قصدي بالمعنى اللي فهمته لإني مستحيل احس بخوف منك إنت الشخص الوحيد اللي اسلمله نفسي وأنا مغمضة عيني .. أنا كان قصدي إني خايفة منك لتأذي نفسك بتصرفاتك اللي بقت متهورة ، لإن كرم اللي اعرفه كان دايمًا حكيم ومش بيمشي خطوة إلا لما يحسبلها ألف حساب الأول .. إنت خايف عليا من الناس وأنا خايفة عليك من نفسك ، عشان كدا اتخانقت معاك لإني مش عايزاك تكون كدا أبدًا ياحبيبي ، بعدين مين المتخلفة دي اللي تخاف من الكوكو ياراجل ده إنت كيوت ولطيف أكتر مني
قالت آخر جملها وهي تضحك بمداعبة لكي تبعث القليل من المرح على هذه الكآبة التي هيمنت فجأة عليهم ، فرأت ابتسامته التي تسحرها ترتفع لثغره مع أعين تحدقها بهيام ، لف ذراعه حولها ويجذبها إليه مغمغمًا وأنفاسه الدافئة تلفح رقبتها فأصابتها بشقعريرة جميلة :
_ وكنتي بتسأليني قبل كدا بحبك ليه ! .. وهو مين اللي ميكونش معاه ست زيك بكم الجمال والرقة دي وميحبهاش .. إلا بقى لو كان راجل حمار
سمع صوت قهقهتها البسيطة وهي تجيبه بعاطفة وغنج أنوثي ساحر بعد أن ابتعدت برأسها وجعلت وجهها مواجهًا لوجهه مباشرة :
_ أنا مش محتاجة أقول بحب الكوكو بتاعي قد إيه لأنه عارف عارف كويس أوووي .. كفاية ضحكته بس
وكأنها قالتها عمدًا ليضحك حيث قهقه بقوة ثم أجابها من بين ضحكه وهو يغمز بلؤم :
_ طيب تعرفي إنك وحشتي الكوكو أوي !
تحلت بالأنوثة ولم تتصرف كطبيعتها الخجلة والبريئة التي أشبه بطبيعة طفلة ، حيث لفت ذراعيها حول رقبته وهمست بفحيح أنوثي مثير :
_ وهو كمان وحشني أوي !
مالت شفتيه للجانب في ابتسامة ماكرة وهو يرفع حاجبها بإعجاب من جرائتها غير المألوفة عليه !!! …..
***
عيناها عالقة على التلفاز ولكنها لا ترى شيء .. ترغب كثيرًا في البكاء كلما تتذكر ماسمعته ، ليس لديها الحق في محاسبته على ماضيه سواء كان جيدًا أم سيئًا ولكن لديها الحق في المعرفة وهو رأى أن ذلك الحق كثيرًا عليها !! .. اخفى عليها شيئًا لا يمكن إخفائه ، وما يمزقها لأربًا أنها لا تستوعب فكرة أنه هو الذي صدم أخيها ، ترفض التصديق أو بالاحرى عواطفها التي تأبي التصديق .. كيف فعلها وماهي مبرراته لفعلته الشنيعة !! ، هل لديه أسبابه التي تستحق أن تجعلها تلتمس له العذر بعد سماعها وتسامحه أم أن أسبابه هراء وليست مقنعة ؟! ، كلها اسئلة تطرحها على نفسها منذ الصباح وأجابتها ستكون لديه هو لذلك هي تنتظر عودته حتى تواجهه بالشيء الذي لم يمتلك الشحاعة ليواجهها به !! .
انتشلها من قاع أفكارها المظلم صوت رنين هاتفها فالتقطته وحدقت في شاشته بسكون وخنق دون أن تجيب لتسمع صوت أمها التي كانت تشاركها جلستها أمام التلفاز :
_ ماتردي على التلفون يابنتي !!
انتبهت لأمها فاخفت الهاتف بجانبها وضغط على زر كتم الصوت تهتف بجفاء :
_ ده رقم غريب
دققت أمها النظر في قسماتها بريبة ثم عادت تثبت نظرها على شاشة التلفاز من جديد ، فيعود صوت رنين الهاتف مرة أخرى وتفعل كما فعلت بالرنة الأولى عندما كتمت صوت الرنين ، تابعتها أمها بنظراتها في تشكيك خاصة عندما لاحظت اهتزاز قدماها بعصبية وتلون وجهها باللون الأحمر وعيناها بدأت تلمع بالدموع ، فانتصبت في جلستها ومدت يدها تجذب الهاتف لكن الرنين انتهى ، وماهي إلا ثواني وعاد يرن من جديد فوجدت أن المتصل هو ” زين ” .. رفعت نظرها لملاذ وقالت بجدية :
_ ده زين !! .. مش عايزة تردي عليه ليه ياملاذ ؟!!
هبت واقفة وقالت بصوت مبحوح وهي تقود خطواتها نحو غرفتها :
_ لو هتردي عليه قوليلوا إني نايمة
_ ملاذ تعالي فهميني في إيه ؟!!
_ مش دلوقتي ياماما مليش نفس اتكلم
استمعت إلى صوت باب غرفتها وهو ينغلق ، فبقت مكانها تنظر في الفراغ بتفكير وتعجب فحتى الأمس كانت تتحدث معه بطبيعية ولم يكن هناك أي شيء بينهم .. مالذي حدث من الأمس !!! .
***
خرج حسن من باب المنزل وسار بخطواط هادئة نحو سيارته حتى استقل بها وكان على وشك أن ينطلق لولا باب المقعد المجاور له الذي انفتح وركبت يسر بجواره فخرج صوته رجولي وقوي :
_ بتعملي إيه ؟!
أجابته بتصميم وعند :
_ مش هسيبك تروح وحدك
حسن بشيء من الانفعال :
_ وأنا قولتلك مش هتروحي .. انزلي يايسر
قالت بإصرار وغضب عارم :
_ مش هنزل ياحسن .. ويلا اتحرك
تأفف بقوة وبعصبية منها ثم وضع المفتاح وحرك محرك السيارة لينطلق بها متجهًا إلى منزل طاهر العمايري .
وصلا إلى المنزل ودخل حسن ليتحدث مع عمه وعلاء بالداخل ، بينما هي فبقيت بالخارج تستمع لحديثهم بعدما رفض أن تدخل معهم ، سمعت حديثهم الذي كان كالآتي ….
_ أظن إن اللي حكتهولي يسر كفاية أوي ياحسن
كان هذا صوت والدها فسمعت حسن يجيب عليه بنبرة خافتة ومخنوقة :
_ يسر محكتش كل حاجة أو بمعنى أصح مقالتش الحقيقة ياعمي
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)