روايات

رواية زهرة الأصلان الفصل الخامس عشر 15 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان الفصل الخامس عشر 15 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان البارت الخامس عشر

رواية زهرة الأصلان الجزء الخامس عشر

زهرة الأصلان
زهرة الأصلان

رواية زهرة الأصلان الحلقة الخامسة عشر

– تنهد أصلان بحسرة وهو يشعر بحريق يلتهم جوفه .. و ألم يقبض على قلبه .. و غصة تملئ حلقه .. فحبيبته الصغيرة تتجنبه تماما .. ليس تجاهلا
منها له ولكن تتجنبه ألما منه واﻷسوء خوفا فهى بعد أن تعافت تماما منذ
خمسة أيام لم تتحدث كثيرا بعد أن اطمئن عليها كل أهل المنزل .. وقد استجابت لرغبة أمه بالنزول إلا أنها لا تتواجد أمامه .. فهى أما تجلس مع جده و أمه و إما بالمطبخ مع أم أحمد أو بالحديقة تساعد أبو أحمد .. و تجلس قليلا مع سوما و أسماء إذا توافر لديها وقت .. فالعصابة الصغيرة
المتمثلة بجده و أمه و أسامة و محمد وسوما و أسماء و المتوحش بودة وللأسف أم أحمد و زوجها و لم يخلو اﻷمر من فاطمة و ورد شكلوا حولها
حصنا منيعا لحمايتها منه .. فهو ليس أحمقا لتفوته محاولاتهم المستميتة
لإخفائها عنه .. إن تواجد خارج المنزل بالحديقة اﻷمامية أدخلوها للمطبخ
يلتف حولها أم أحمد و فاطمة وورد .. إن تواجد بمكتبه او يجلس مع أمه وجده بغرفة الجلوس اصطحبها أبو أحمد إلى الحديقة لتساعده فى الاعتناء بها .. وعند الوجبات التى حرص بشدة على حضورها حتى يتسنى له رؤيتها تتناولها غالبا بغرفتها أو بالمطبخ بعد إلحاحا من أم أحمد وزوجها و فاطمة و ورد … …. …… ….. ……. ……. ……. ……
– لا يخفى عليه ضعفها و كأن كلماته المسمومة التى ألقى بها على مسامعها قد استهلكت كل طاقتها و أطفأت حيويتها و أظهرت الدموع بعينيها
و أحزنت قلبها فلم تعد رمزا للحياة كما عهدها .. واﻷسوء حينما قابلها بالصدفة المقصودة من قبله فهو يعلم حبها للنزول إلى الحديقة والجلوس على اﻷرجوحة عصرا .. ولم يشأ أن يراها قبل نزهتها البسيطة التى لا تتخطى أبواب منزله فيضيق عليها بل انتظر حتى انتهت من نزهتها البسيطة و عودتها .. ثم خرج من مكتبه لملاقاتها فانقبض قلبه من مشيتها
البطيئة المنكسرة وعيناها التى لا تفارق اﻷرض و انحناء كتيفيها الواضح ..لم يستطع أن يقول شيئا لجذب انتباهها الذى تمنى لاحقا لو أنها لم تنتبه له .. فعندما رأته أمامها أدمعت عيناها وتسارعت أنفاسها وتلمست حولها عن أى شئ تستند عليه فهى بالكاد تقف على قدميها .. لم تجد إلا الحائط الذى اسندت عليه يدها للحظات معدودة رمقته فيها بنظرة شكلت لوحة فنية يتجسد فيها الخوف .. ثم أخفضت عينيها و خالفت طريقها الذى تعمد أن تمر بجانبه للوصول للسلم المؤدى إلى غرفتها و أتجهت للمطبخ كعادتها تهرب منه .. ولم يتصور فى أسوء أحلامه أن يجعلها تخاف منه بهذا الشكل الذى أمات له قلبه و جعله يجلد نفسه بسياط الندم الذى أصبح مؤخرا يتغذى على روحه .. من بعد تلك الحادثة أصبح هو من بتجنبها فليس له طاقة لمواجهة ما رسمته أفعاله على ملامح وجهها و جسدها و روحها فأحالها من زهرة جميلة تنشر عبيرها لكل من حولها ﻷخرى يابسة متحطمة.. أوليس هذا ما أراده ؟ .. إذا لم ليس سعيدا ؟ .. لم قلبه يتقطع ألما ؟ .. لم تحترق روحه؟
.. لم تتشكل غلالة رقيقة من الدموع تغشى عينيه ؟1
– أهذا حاله وهى أمامه ؟ .. فما سيكون حاله وهى بعيدة عنه ؟ .. ألديه القدرة أصلا على تنفيذ ما ينتويه بشأنها ؟
ولم يعلم أن القدر استجاب فعلا لمخططاته أسرع مما يظن .. وسيسترد منه هديته وكأنه يعاقبه على عدم احتفاظه بهديته أو بالأصح رفضه لها .
– فى غرفة الجلوس التى أغلقت أبوابها دلالة على سرية الحديث المتبادل بداخلها .. يجلس الجد و السيدة صفية تكللهم ملامح الحزن :
– الجد :
إسراء هتيجى أمتى ؟
– تنهدت السيدة نعمة بحزن :
هتيجى بكرة العصر هى وجوزها يسلموا علينا وبعدين يسافروا
بعربيته .
– الجد :
ربنا يوفقها … ويهديها .
– السيدة نعمة :
اللهم آمين ..” ثم تنهدت وقد أثقل الهم صدرها “.. استغفر الله
العظيم .. عمى .
– انتبه الجد الذى كان شاردا هو اﻵخر :
أيوه .
– السيدة نعمة على استحياء :
أنا بقول يعنى .. ما تحاول تتكلم مع زهرة تانى انهاردة يمكن تغير
رأيها و متمشيش بكرة .
– الجد بضيق :
اتكلم إيه … أنتى مش شايفة حالتها عاملة إزاى … دى يا دوب
قادرة تمشى … عاوزانى أضغط عليها و تقع مننا تانى .
– السيدة نعمة برجاء :
أنا بقول بس أتكلم معاها يمكن تسمع منك … أنا مليش وش أكلمها.
– الجد بوجه جامد :
سبيها يا نعمة .
– السيدة نعمة بحزن :
أعذرنى ياعمى … أصلى اتعلقت بيها أوى … زى ماتكون بنتى مش
مرات أبنى .
– الجد :
وعشان أنا عارف أن أنتى بتحبيها فبقولك سبيها تشوف حياتها … حرام
علينا اللى بنعمله معاها … ذنبها إيه هيا عشان نقف أدام مستقبلها
… البنت مش هتستحمل أدام ابنك … يمكن يكون نصيبها أحسن مع
غيره … كفاية أنها اتبهدلت و راحت فى الرجلين و اتخدت من غير
ذنب وفى اﻵخر هتخرج مطلقة … وأخوها و بنتك متهنيين ولا على
بالهم الغلبانة دى … مقدرش أقول غير أنا السبب … يا رب قدرنى
بس أكفر عن ذنبى فى حقها .
أنا عارف إنى مش هقدر أرجع اللى فات بس على اﻷقل نسيبها
تروح فى حالها من غير مشاكل … مش نبقى زى اللى ما يرحموا
ولا يخلو رحمة ربنا تنزل …….” ثم تنهد بحزن و أكمل” …….
مع أنها هتقطع بالواحد بس ده اللى يمليه عليا ضميرى.
– السيدة نعمة :
لا حول ولا قوة إلا بالله … ومن سمعك يا عمى والله هتقطع
بالواحد … ثم بكت .
– الجد مهدئا لها :
استهدى بالله يا نعمة … وخليكى جنبها … وزى ما قولتلك بلاش حد
يعرف إلا إما تمشى زى ما اتفقنا عشان المشاكل .
– السيدة نعمة :
حاضر يا عمى … بس مش هنقول ﻷصلان دا هيقلب الدنيا لو مشيت
من وراه .
– الجد غاضبا :
ابنك بالذات لأ … أنا خايف يهد الدنيا ويقولك الاتفاق اتغير و مينفعش
و مشاكل ملهاش آخر … فالكل يتفاجأ أحسن .
– السيدة نعمة :
طاب وأهلها عرفوا أنها هترجع … أبوها مش هيسكت لو شافها
عيانة كده .
– الجد :
هيا كلمت أبوها و هيا معايا وفهمتوا كل حاجة … وبعدين خلتنى
أكلمه و الراجل الصراحة أتفهم الوضع … وزى ما يكون كده الموضوع
على هواه … ولما يشوف حالتها الموضوع هيكون على هواه أكتر …
من زمان وهو باعدها عن البلد و مشاكلها … وبعد اللى حصل
هيبعدها أكتر .
– السيدة نعمة :
و مين اللى هيجى ياخدها؟
– الجد :
أبوها هيجى ياخدها ويسافر بيها هو وعمتها للقاهرة من غير حس
ولا دوشة … أنتى عارفة مش من مصلحة حد أن الحكاية تتعرف
دلوقتى .
– السيدة نعمة بقلق :
أنا خايفة أخوها عابد يعرف … وأكيد هيعرف …دول فى نفس المكان
… و الموضوع يأثر على إسراء .
– الجد بحنق شديد :
ﻷ … أخوها مش هيعرف … هي طمنتنى … يعنى المحروسة
بنتك هتكون بخير … ” ثم صرخ فى نهاية كلامه ” ….
ولا نحبس الغلبانة دى هنا عشان بنتك تكون بخير .
– السيدة نعمة بحزن :
والله ما قصدى يا عمى … هدى نفسك بس … اﻻتنين بناتى أنا
مش عاوزة الموضوع يأثر على إسراء عشان المشاكل … هيقولوا
الاتفاق اتلغى ونرجع التار تانى … دا بس كل خوفى والله .
– الجد متمالكا غضبه :
طيب خلاص … محصلش حاجة .
– نعمة بحزن :
مش عوزاك تشيل فى قلبك من إسراء يا عمى انا عارفة …………
– قاطع الجد كلامها بحزن :
أنتى إيه يا نعمة … إسراء اللى هتيجى بكرة مش هى اللى ربتها
…غلطتها إنها أنانية مفكرتش غير فى نفسها وبس … تقدرى
ت قوليلى كان إيه اللى هيحصل لو أصلان قتل عابد وبعد كده حد منهم
قتل حد من ولادك ولا رمل بنتك ويتم أبنها … كنا هنعمل إيه ساعتها
… لو هما فعلا كانوا بيحبوا بعض كان حاول بسلامته يحل الخلاف بين
العيلتين و لا استرجل وجه قال أنا عاوزها وخدها فى النور لبيته ….
مش يبلطوا فى الخط هما الاتنين ويناموا فى العسل وحاطين أيديهم فى
المياه السقعة ومستنينها تفرج من نفسيهم لحد ما سيرتهم بقت على كل
لسان فى البلد … ومحدش خسر فى اﻵخر غير أخته … اللى بيتبنى
على جتت الغير مش دايم وإن دام ربنا مش بيبارك فيه … فهمانى.
– نعمة وهى تعلم أن الحق معه :
فهماك يا عمى .
– الجد وقد أراحه فهم نعمة لوجهة نظره :
طاب الحمد لله … يبقى أقل شئ نعوض بيه البنت اللى راحت فى
الرجلين دى إننا نطلعها ﻷهلها سليمة مع إن البيت هيضلم من بعدها .
– نعمة بحزن :
ومن سمعك يا عمى … الواحد خد عليها زى ما تكون موجودة هنا من
زمان … وكانت أعدتها حلوة … والبيت تحسه منور كده من الضحك
اللى فيه …ليه كده بس يا بنى … أنا قلت لما شفته هادئ معاها
فى الأول إن ربنا هداه و هيبقاله بيت وعيلة ويرجع زى ما كان
أيام بثينة الله يرحمها …. بس شكل كده ربنا لسه ما أردش .
– الجد متنهدا:
ادعيله يا نعمة ربنا يهديه .
– نعمة :
اللهم آمين … أنا هروح لزهرة .
– الجد :
روحى يا نعمة خليكى معاها .
-فى غرفة السيدة نعمة :
هدأت زهرة من موجة بكائها بأعجوبة إلا أن آثارها لم تختفى بعد … لم تجد فى نفسها القدرة على حمل قطعة واحدة خاصة بها بعيدا عن مكانها فتعاودها نوبة بكاء جديدة … و لما يأست من انتهاء بكائها اتجهت إلى الحمام للاستحمام خوفا من دخول السيدة نعمة أو أى أحد آخر عليها … خرجت زهرة من حمامها إلى الغرفة وهى تجفف شعرها بفوطة صغيرة اﻷمر الدى يشكل لها صعوبة لطوله … وجدت أمامها السيدة نعمة وقد أدمعت عيناها تفتح لها ذراعيها … فسرعان ما تركت منشفتها و سكنت أحضانها فهى تحبها كثيرا و تعدها أمها فقد أحتوتها بحنيتها عليها … حنية لم تجدها عند وحشها اللطيف … فتهدجت أنفاسها و أتضح بكائها مما جعل تلك اﻷم الحنون تبعدها عن أحضانها وتقبلها من وجنتيها فهى يعز عليها فراقها
… ثم ضحكت لها من بين دموعها قائلة لها :
أنا مش هقضى اللى باقيلى معاكى فى العياط .. تعالى
واتجهتبها إلى الفراش جالسة خلفها حتى تتمكن نعمة من تصفيف شعرها
كعادتها معها منذ مجيئها لملاحظتها أنها لا تستطيع ذلك …وعند انتهائها شرعت زهرة فى الاعتدال إلا إن السيدة نعمة منعتها وقد ألبستها سلسال
ذهب فى نهايته مصحف متوسط الطول … وقد أدمعت عيناها و تهدج صوتها وهى تحدث زهرة قائلة :
السلسلة دى بتاعة بثينة الله يرحمها .. فضلت معاها لحد اﻵخر ..
دى أعز حاجة عندى .. من ريحتها .
– تأثرت زهرة لحزن السيدة نعمة وقد أنتقلت دموعها لعينيها وهى تحرك رأسها فى الاتجاهين دلالة على الرفض :
مقدرش يا ماما .. دى بتاعة بثينة .. أنا عارفة أنتى بتعزيها أد إيه
.. أنا مينفعش أخدها .. أنا زى ما أنتى شايفة ماشية بكرة .
– السيدة نعمة وهى تمسك بيدى زهرة :
لو ليا خاطر عندك خديها .. ربنا يعلم أنا بحبك أد إيه .. لما ماتت بثينة
استعوضت ربنا فيها واهتميت باخواتها .. بس ولا واحدة منهم سدت
مكانها .. أنتى الوحيدة اللى من يوم ما شوفتك وأنا حساكى هي
كانت حنينة زيك وعلى طول تمسح دموعى إللى محدش شافها غيرك
أنتى وهيا .. خوديها وأبقى أفتكرى إن فى ست طيبة حبتك من كل قلبها
هنا وكل ماتلمسى السلسة أدعيلها ربنا ينور قبرها ويجمعنى بيها
.. أنا كان نفسى اديهالك وانتى متجوزة أصلان وتديها لبنتك بس مفيش
نصيب .. خليها معاكى يابنتى.. و متخلعيهاش من رقبتك .. هتسعدى
بيها ست عجوزة اعتبرتك بنتها .
– تأثرت زهرة لكلمات نعمة واحتضنتها وبكت معها .. بكت تلك الابنة التى
خطفوها من أحضان أمها تحت اسم الثأر .. بكت على أمنيتها فى أن تكون
لها ابنة من أصلان لتعطيها لها .. بكت قسوة هذا الأصلان الذى لا يتقبلها كعاشقة و حبيبة قبل أن تكون زوجة .. بكت الظروف التى تجبرها على ترك
رجلا هامت به وعشقت تفاصيله.. و بعد فترة هدأت كل منهما وتحدثا فى مواضيع مختلفة دون التطرق لموضوع علاقتها بأصلان إلى أن اخذهما
النوم
.. ولا تعلم تلك الزهرة أنه ينتظرها يوم حافل باﻷحداث لم تنساه طالما حيت .
– فى الصباح استيقظت زهرة على صوت طرقات على الباب وحيدة بفراشها
.. فخمنت أن السيدة نعمة سبقتها .. وبعد أن أذنت للطارق بالدخول والذى لم يكن سوى أسماء وسوما تتحدثان بمرح عن أسامة ومحمد اللذان ينتظران بالحديقة للعب معهن وقد دعواها معهم .. استغربت زهرة وجود أسامة ومحمد بالمنزل حتى هذا الوقت .. ولكن زال استغرابها بعد أن أوضحتا لها
أن الكل بالمنزل اليوم لمجئ إسراء وزوجها الذى وللأسف تعرف عنه مسبقا
..ثم أكملتا بمرح أنها لابد أن تلحق بهم ﻷن فريقهم اى سوما وأسماء ينقصه
فرد مقابل فريق أسامة و محمد و بودة .. ثم خرجتا بعد أن وعدتهما زهرة باللحاق بهما .. فدخلت للحمام لتنعش نفسها و محاولة منها لنزع الحزن البادى على وجهها فهى تريد أن تكون آخر ذكرياتها سعيدة معهم .. ووقفت
أمام المرآة تمشط شعرها و ضفرته بشكل مريح على ظهرها فتعدى منتصف فخذيها و جعلها كأميرات الحكايات الخيالية وارتدت بنطلون من خامة الجينز وبلورة بيضاء بأكمام ثلاثة أرباع ضيقة من الصدر وتتسع من اﻷسفل
فتشبه الفستان الصغير و كذلك حذاء مسطح أبيض .. فتحولت لقطة صغيرة
ظريفة بيضاء تخطف القلوب برقتها .. لم يستطع الجد والسيدة نعمة اللذان يجلسان بالصالة سوى ذكر الله والصلاة على الحبيب النبى عند رؤيتها وهى تتجه للحديقة لتلعب مع سوما وأسماء و بودة وأسامة ومحمد الذى لا يقل اندهاشهم من جمالها ورقتها عن الجد والسيدة نعمة فابتسوا لقدومها بصدق نابع من محبتهم لها كأخت لهم .. ثم انطلقت أصوات اللعب بينهم وكذلك الضحك على حركات بودة الذى لا يريد لأحد أن يشاركه بالكرة سوى زهرة التى خالفت توصيات الكل لها وأصبحت مهربا تحت يدى بودة تمرر له الحلوى دون علمهم فكانت خير صديقة له .. كما جذبت تلك اﻷصوات شخصا آخر فاض قلبه حبا لها وقد استبشر خيرا لسماعه ضحكها دلالة على قرب عودتها لما كانت عليه معهم .. ولا يعلم أن ضحكها هذا إشارة منها للرحيل .
– دخل الجد مكتب أصلان لمتابعة سير العمل .. وجده واقفا أمام الشباك المطل على الحديقة اﻷمامية للمنزل متأملا شيئا ما بالخارج .. غافلا عن جده الذى دخل عليه كذلك عن رنين هاتفه الذى لم ينقطع .. اقترب الجد منه بهدوء حتى أصبح خلفه تماما ليرى الشئ الذى سرق انتباه حفيده والذى يعلمه بفراسته مسبقا .. وكما توقع وجده يتابع قطته تلك التى سرقت جزءا
كبيرا من الجمال واحتفظت به لنفسها .. ووجده ينظر إليها بنظرة
غريبة لا يريد تفسيرها طالما لاحظها عليه وعلى تلك القطة .. نظرة حرمان ممزوجة بشغف .. خاف منها الجد ﻷن تلك النظرة التى ينظر بها أحدهما لﻵخر ستطالبه بهدم كل وعوده و مخالفه قسمه بابعادهما عن بعض .. ويتبقى السؤال الذى لطالما شغله ……. ……. ……. ……
إذا كان يحبها لم يبعدها عنه بهذا الشكل ؟
تنهد الجد داعيا الله أن يلهمه الصبر والبصيرة لسبر أغوار هذا اﻷصلان الذى لطالما أخفى أدق ما يشعر به عمن حوله .. وضع الجد يده على كتف أصلان الذى للغريب لم يلتفت له بل استمر بمتابعتها وكأنه يستشعر بقلب عاشق أنها لن تظل أمامه طويلا .. وقد سأله الجد بهدوء :
……….. ………. ……….. بتحبها ؟ ……….. ………… .
-أجابه أصلان ببساطه أشبه بالاستسلام لهذا العشق الذى أرهق روحه :
و مين ميحبهاش .
– سكت الجد قليلا وهو يتابع حفيده الهائم بتلك القطة القابعة بالخارج وتجلس مع أحفاده :
طاب ليه مبتقولهاش ؟
– أجابه أصلان بصوت ملئ بالحسرة وهو يتلمس وجهه من الجانب الذى أصيب بالحرق :
أنت مش شايفها جميلة أد إيه .. وصغيرة أد إيه ..لدرجة إنى بخاف عليها
منى .. خليها تعيش فى مكانها الطبيعى هنا مش مكان للزيها… صدقنى
يا جدى الميزة الوحيدة الموجودة فى موضوع إسراء أنه خلانى
أشوفها وأعيش معاها الفترة دى .. وفى نفس الوقت وجودها بيفكرنى
باللى حصلى أنا وبثينة الله يرحمها .. مش لأنها من العيلة دى .. بس
عشان ﻷول مرة أغضب من إصابة جسمى ﻷنه مخلنيش اتقرب منها
و أغضب من سنى ﻷنه كبير عليها أوى .. و أغضب من القدر اللى
خلاها بنت العيلة اللى طول عمرى بأحقد عليها .. هى الحاجة الوحيدة
الصح وسط كتير غيرها غلط .. والشئ الوحيد النقى وسط الدوامة
اللى إحنا فيها وعشان كده بقولك مكانها مش هنا .. مش معايا ..
مش فى حضنى زى ما أتمنيت أيام كتير إنها تكون ………
………. ثم صمت قليلا وبعدها أكمل ……………………….
أنت فاكرنى متضايق منها.. بالعكس دى هيا الوحيدة اللى مصبرانى
أنى ميحصليش حاجة .. ببقى ساعات كتير مش مصدق أنها معايا فى
نفس المكان أو فى نفس اﻷوضة .. اتمسكت بكل قوة ليا أنى مبينش
ليها أنى بحبها أو أنى فرحان بوجودها أو أنى نفسى أكمل حياتى
معاها وأن ولادى يبقوا منها هيا .. بس يفضل فى اﻵخر تمنى ..
والزمن ده الأمنيات فى مبتتحققش .
– الجد محاولا التخفيف عن حفيده :
طاب ليه متفرضش أنها راضية بيك وأنها عاوزاك فى حياتها زى
ما انت عاوزها ؟
– أصلان :
عشان هظلمها.
– الجد :
هتظلمها ليه يا بنى إذا كان هي بتحبك .
– أصلان بحزن :
أيوه هظلمها .. لما تبقى أقرب فى السن إنها تكون بنتى يبقى
بظلمها .. لما تبقى رقيقة أوى لدرجة إنى لما اتعصب بس عليها
تقع من طولها يبقى بظلمها .. لما يبقى كل أملى إنى أكمل جوازنا
وأبقى عارف إنها مش هتستحمل شكل جسمى يبقى بظلمها .. أكيد
هتخاف أو هتنفر منى واﻷسوء إنها تحس بالشفقة فتكمل معايا غصب
يبقى بظلمها .. بعد مكون وهبتلها كل حاجة فيا .. أو اضطر اسيبها
بعد ما أكون حملتها ذكرى تعيسة لجسم مشوه تفضل معاها طول
حياتها .
– الجد :
وأنت مش كده بتظلمها لما تحكم عليها من غير ما تجرب اﻷول ؟
– أصلان :
كده أحسن .. خلينى محتفظ بصورتى أدمها .. أفضل إنها تشوفنى
وحش مفيش فى قلبه رحمة عذبها وطلقها بعد الفرح بكام شهر
أحسن مما تشوفنى إنسان ضعيف بائس بجسم متشوه .
وانطلق خارجا تاركا الجد و كأن الشياطين تطارده .. لا يعلم أين يتجه ولكن لن يتحمل أن ينظر فى وجه جده بعد أن كشف ﻷول مرة عن مكنون قلبه ..
تتابعه بعينيها تلك التى لم ولن تكف عن حبه حتى هذه اللحظة .. وقد أقسمت على نفسها أن يكون حبها له مؤنسها الوحيد فى وحدتها .
لم يتمالك الجد نفسه من صدمته فيما سمعه من حفيده .. فهو وﻷول مرة يكتشف مقدار عذابه من الحادث الذى تعرض له .. أو أنه أثر عليه لتلك الدرجة التى وصلت لليأس فأهمل روحه و أهتم بأسرته .. ومع أنه يحمد الله كثيرا على هذا الحفيد الذى تحمل مسؤلية العائلة من صغره ولم يقصر بها إلا أنه استصغر مجهوده هو وأفراد أسرته فى مواساة أصلان بمصابه فحقا لا يشعر اﻹنسان بالشئ إلا إذا مر به .. ثم انحرف تفكير الجد لاتجاه آخر وهو أن الأصلان الذى يهابه الجميع خائف .. فلم يتخيل الجد أن سبب بعده عن زهرة هو خوفه من أن ترى تشوهه وتنفر منه وكذلك فارق السن بينهما فى حين أنه لا يعلم أن زهرة تعلم عنه كل هذا وتتقبله .. وكأن الله أرسلها تعويضا له وتطيبا لجروحه .. ولكن حفيده المتسرع خرج هائمة على وجهه دون أن يقول له أن قطته تعلم عنه كل شئ واﻷسوء أنه لن يأتى للمنزل إلا لمقابلة أخته مما يعنى ضيق الوقت أمام الجد .. لكنه أبتسم بخبث رجل عجوز رأى فى حياته الكثير بأن هذا هو اﻷفضل مع حفيده تاركا إياه
أمام اﻷمر الواقع .. ويجعله مواجها لقطته فى اللحظات اﻷخيرة .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زهرة الأصلان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى