رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الثالث والأربعون
رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الثالث والأربعون
رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الثالثة والأربعون
حالة من الذهول والصمت المريب استحوذت عليها بالكامل وهي تستمر في التحديق به وترمش بعيناها المتسعة، كانت تنتظر ذلك الاعتراف على أحر الجمر لكنها لم تكن تتوقع أن حالها سيكون هكذا عندما تسمعه مباشرة يتفوه به وبصوت يملأه المشاعر الجيَّاشة والعاشقة مع نظراته الساحرة، وجدت نفسها بالنهاية عاجزة عن الرد ومتسمرة أمامه لا تملك القدرة على الحركة ولا حتى الكلام، فقط ترمقه مندهشة وبعينان مبتسمة، فرأته يبتسم باتساع على منظرها ويقول بهمس رجولي يذيب القلب:
_ساكتة إكده ليه.. مش هتقولي حاچة؟
تهربت بعيناها من خاصته خجلًا وهو تبتسم وتتمتم في خفوت جميل:
_اقول إيه؟
رفع حاجبه باستنكار ثم قال في نبرة جادة:
_هو أنا اللي هقولك تردي تقولي إيه!
ضحكت بصمت ثم مالت بوجهها للجانب في استحياء أنثوي بينما هو فانحنى عليها وطبع قبلة دافئة فوق وجنتها وراح يهمس في أذنها بنبرة جعلت القشعريرة تسري في جسدها كله:
_أنا قولتلك بحبك واللي أعرفه أن المفروض تردي وتقوليلي أنا كمان بحبك وياسلام لو اسمع يامعلم معاها
أغلقت عيناها وهي تبتسم بحياء وبنفس الوقت تحاول التحكم بنبضات قلبها، لكنها عقلها أعطى الأوامر بإفراز هرمون الإدرينالين ولا إراديًا كانت أنفاسها تتسارع وجسدها كله تجتاحه البرودة وكأن دلو من المياه المثلج سكب فوق رأسها، أما معدتها فقد شعرت كما لو أن هناك فراشات داخل بطنها وتتطاير محلقة دون توقف.
ابتعد عنها يراقب تعبيرات وجهها وتأثير عباراته وقبلته عليها وكما توقع تمامًا كانت في حالة يرثى لها، كانت ملامحها تتحدث بدلًا عن لسانها ولكنه لا يكتفي بهذا القدر بل يريد سماعها بأذنيه أيضًا وليس الاحساس بها فقط، بلحظة شعر كأنه يقف أمام امرأة مختلفة لا يعرفها عن زوجته التي تزوج بها مجبرًا ومنسحقًا أسفل الظروف القاسية، تلك المرأة الناعمة والرقيقة ليست نفس المرأة التي حاولت قتله لمرتين، ماذا حدث لها وأين ذهبت لا يعرف، من أعماق الألم والجحيم ظهر النعيم، وبنهاية الحرب ارتفعت راية العشق تعلن عن انتصارها.
كان يتمعنها بعشق منتظرًا الرد لكن صمتها وخجلها كان هو سيد الموقف، فتنهد الصعداء بنفاذ صبر وقال:
_انا سامعك يلا.. كنتي عاوزة تقولي إيه؟
رمقته مطولًا وهي تبتسم باتساع دون رد لكنها تجرأت واقتربت منه أكثر ثم رفعت جسدها تقف على أطراف أصابعها لكي تصل لمستوى طوله وطبعت قبلة ناعمة فوق وجنته ولحيته الكثيفة، ثم انزلت قدمها وتطلعت في وجهه لتراه يبتسم بعاطفة مغلقًا عيناه ثم فتحها ببطء بعدما ابتعدت عنه ودون أن تمهله اللحظة للرد كانت تستدير وتهم الفرار منه، لكنه قبض على ذراعها واوقفها هاتفًا بنظرة قوية:
_خدي إهنه رايحة وين؟!!
ردت عليه مبتسمة بخفوت:
_رايحة الأوضة هغير هدومي
رفع حاجبه بنظرة استهزاء ثم أجابها ضاحكًا بخبث:
_أنتي بتثبتيني يعني ولا إيه باللي عملتيه ده!!
اتسعت عيناها بدهشة وبسرعة هزت رأسها له بالنفي وهي تضحك في صمت لكن في ظرف لحظة وجدت نفسها فوق كتفه وهو يحملها متجهًا بها نحو الغرفة ويقول بغيظ:
_أنا صبرت عليكي كتير قوي وده مش عادتي
صرخت ضاحكة بخوف وخجل:
_نزلني ياعمران بتعمل إيه.. طيب خليك رومانسي شوية!
لوى فمه ساخرًا وهو يجيب عليها بغيظ أشد:
_ما أنا كنت رومانسي وچنتل مان كيف ما بتقولي بس شكلك مش بتنفع معاكي الرومانسية
كانت تحاول التملص من بين قبضته والنزول لكن ذلك كان مستحيلًا فاستمرت بالضحك مغلوبة حتى سمعته يكمل متوعدًا لها:
_طالما مش عاوزة تتكلمي برضاكي يبقى هتتكلمي على طريقتي
ضربت على ظهره برفق وهي معلقة فوق كتفه تتوسله ضاحكة:
_طب خلاص نزلني وهتكلم والله
رد عليها مبتسمًا بنظرات لعوب:
_بعد إيه عاد اتأخرتي خلاص ياغزال
كان عند باب الغرفة عندما تفوه بتلك العبارة فردت هي عليه مبتسمة بدلال:
_نزلني عشان خاطري يامعلم
أجابها ضاحكًا وهو يدخل للغرفة ويغلق الباب بطرف قدمه:
_توقيت غلط خالص يعني مش وقتها أبدًا دلوك
***
كانت تجلس على المقعد المجاور له وهي تبتسم في حياء دون أن تنظر له، فقد كانت تتعمد النظر في كل شيء حولها باستثناء وجهه، مازالت لا تصدق أنه للتو تقدم لزواجها وتم الاتفاق على كل شيء حتى أنهم قرأوا الفاتحة مقدمًا والخطبة ستكون بعد أسبوعين من الآن، كأنها داخل حلم جميل وغريب لم تكن تتخيله حتى!.
انتبهت على صوته وهو يقول ضاحكًا بمرح:
_هتفضلي ساكتة إكده كتير ولا إيه ياحور لاحظي أننا اخدنا أذن بربع ساعة نتكلم فيها شوية مع بعض يعني ممكن تلاقيهم دلوك دخلوا وأبوكي بيقولي كفاية عليك قوي إكده
ضحكت بصمت ثم رفعت نظرها له وتمتمت في خجل:
_مش عارفة اقول إيه.. اتكلم أنت!
رفع حاجبه بابتسامة ماكرة ثم رد عليها غامزًا متعمدًا إضافة البهارات على جلستهم الهادئة:
_مش عارفة كيف يعني.. اللي يشوفك دلوك ميشوفكيش وأنتي من كام يوم بتهدديني عشان متكلمش مع أي بنت، ولا أنتي بتقوليلي أنت ملكش حق تسألني على أي حاچة
بالفعل كما توقع رأى ملامح وجهها تتبدل وتتحول للحزم وهي ترمقه وهتف مغتاظة:
_أيوة يابلال بهددك.. أنت أصلًا كنت بتعمل إيه معاها وبتتكلموا في إيه؟
قهقه بخفة ثم رد عليها مبتسمًا في نظرة مغرمة:
_إيوة إكده كان لازم يعني اعصبك عشان تتكلمي.. عمومًا كنت بنتكلم في أمور عادية يعني مثلًا هي كانت بتحكيلي أنها معچبة بيا
اتسعت عيني حور بصدمة واشتعلت نظراتها له فهتفت بسرعة مستاءة:
_بــلال
ازداد ضحكه أكثر فرد عليها بلطف وحنو من بين ضحكه:
_خلاص أنا كنت بناكف فيكي بس مش اكتر
عقدت ذراعيها أسفل صدرها واشاحت بوجهها عنه للجهة الأخرى وهي تلوي فمها بخنق وتضرب بباطن قدمها الأرض بشكل متتالي من فرط الغيظ، فابتسم لها في حب وهمس معتذرًا:
_طيب حقك عليا متزعليش مكنش قصدي اضايقك صُح والله
رمقته بطرف نظرها في امتعاض بينما هو فقابل نظراتها القاسية بأخرى عاشقة وهمس لها بإعجاب حقيقي:
_شكلك حلو قوي النهاردة على فكرة
فغرت عيناها بدهشة وسرعان ما ارتفعت الحمرة لوجنتيها ثم وجدت ثغرها يميل للجانب لا إراديًا مبتسمة وهي ترد عليه بتعجرف مزيف:
_شكرًا
طالعها وهو غاضن حاجبيه مبتسمًا ثم اعتدل في جلسته ونظر لها بجدية تامة وقال في نظرة ثاقبة:
_عارفة أنا بفكر في إيه دلوك؟
ضيقت عيناها بتعجب بعدما رأت تحول ملامحه فجأة وسألته بفضول:
_إيه؟
تابع بنفس التعبيرات السابقة لكنه زين ثغره ببسمته الجذابة:
_بفكر اعرض على الحچ نخلي خطوبة شهر ولا أتنين وبعدين كتب كتاب علطول لغاية الفرح.. أنا مبحبش الخطوبة والكلام ده
رمقته مطولًا بذهول وهي فاغرة عينيها وشفتيها ثم هتفت في عدم استيعاب:
_أنت بتتكلم جد!!
بلال بكل بساطة وهب يبتسم بثقة:
_طبعًا چد هو ده شكل واحد بيهزر!
ضحكت مغلوبة في عدم تصديق لتجيبه بجدية:
_هو الموضوع بالسهولة دي في قايمة وفي جهاز وحجات وتجهيزات كتير تاني
طالعها برجولية طاغية وهتف في لهجة قوية:
_ملكيش صالح أنتي عاد بالحچات دي أنا هظبطها متقلقيش
ضحكت بصوت منخفض وهي ترد مندهشة:
_لا أنا لازم أقلق يابلال أنت مش طبيعي
ابتسم على ضحكها بنظرة مغرمة ليجيب في حنو:
_فرحان ومش قادر اصبر لليوم اللي تكوني فيه مرتي ابقى إكده مش طبيعي!
طال تحديقها المندهش له بعد كلماته المفعمة بالحماس والعشق، ودون أن تشعر كان وجهها يتلون للأحمر مجددًا ولسانها ينعقد عن الرد خجلًا وتوترًا، فمالت بوجهها بسرعة للجهة الأخرى تفر من نظراته حتى لا يسوء وضعها أكثر…
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل عمران بالقاهرة…..
فتحت عيناها ببطء منزعجة على أثر أشعة الشمس الذهبية المتسللة من النافذة، رفعت أناملها تفرك عينيها بخمول وهي تبتسم لا إراديًا لكن اختفت الابتسامة في لمح البصر والتفتت بوجهها له ورأته نائم وهي بين ذراعيه، اتسعت عيناها مندهشة وهي تتذكر ليلة الأمس ثم تدفقت الدماء لوجنتيها وعادت بسمتها الخجلة في الارتفاع مجددًا على ثغرها.
ابتعدت عن ذراعيه ببطء شديد حتى لا تزعجه في نومه، واستقامت واقفة من الفراش تقود خطواتها الهادئة باتجاه الحمام وهي مرتدية ثوب وردي قصير، فور دخولها أغلقت الباب واستندت بظهرها عليه وهي تضحك بصمت في خجل، لم يعد زواجهم مجرد صفقة أو اتفاق بل أصبحت زوجته فعليًا، استمرت في ضحكها وهي تتذكر محاولاته البائسة في نيل اعترافها الصريح ولكنها تدللت عليه ولم تمنحه، كانت ليلة لا تُنسى يغمرها الرومانسية والضحك والعشق ولن تكون الأخيرة.
انتفضت مفزوعة عندما وجدت الباب طرق على الباب خلفها مصاحبًا بصوته:
_إيه ياغزال مطولة چوا ولا إيه؟
تسارعت نبضات قلبها وأجابته مرتبكة:
_أنت صحيت؟!
ابتسم مغلوبًا ليجيبها ساخرًا:
_لا لساتني نايم وبكلمك من الحلم
ضحكت رغمًا عنها ثم تمتمت في سذاجة من فرط خجلها:
_طيب عاوز إيه؟
رفع حاجبه مستنكرًا ردها السخيف فأجابها في لهجة قوية:
_واقف على باب الحمام وبخبط هكون عاوز إيه يعني!!
تنهدت الصعداء في قلة حيلة، لا مجال للهرب من مواجهته وحتمًا ستقع أثيرة بين براثينه كالأمس، رغم أنه يروق لها لكن خجلها دافع أقوى ليجعلها تحاول الهرب منه، استدارت وفتحت الباب ثم خرجت وافسحت له الطريق للدخول مشيرة له بيدها لكنه رمقها مبتسمًا بنظرة لعوب وبحركة مباغتة كان يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه ثم يلثم وجنتها بحب متمتمًا:
_صباح الخير.. ولا نقول صباحية مباركة!
اتسعت عيناها بصدمة وبلحظة كان وجهها يتحول لكتلة من الدماء الحمراء، فانزوت نظرها عنه وهي تبتسم بخجل ثم قالت بسرعة محاولة إنقاذ نفسها من ذلك الوضع المحرج:
_أنت مش داخل الحمام؟!
حرك حاجبيها بمعنى لا وهو يبتسم في لؤم فبادلته الابتسامة لكن بأخرى مرتبكة وبسرعة طرحت سؤالًا آخر:
_أنت معاك شغل النهاردة؟
ضحك بخفة بعدما فهم محاولاتها في كسر حاجز خجلها ولكي تجعله يتوقف عن جرأته في الكلام، فرد عليها مبتسمًا بنظرة زادت من ارتباكها:
_ معايا بس لغيته
للمرة الثالثة تسأل وهي تحاول فتح أي موضوع:
_ليه؟
هنا رأته يضحك بقوة وهو يجيبها غامزًا بخبث:
_حابب اقعد مع مرتي ومش عاوز اسيبها.. إيه هو أنتي عاوزاني اطلع؟!!
هزت رأسها بسرعة نافية خشية من أن يظن أنها لا تريده حقًا، وهتفت بابتسامة دافئة ومتوترة:
_لا طبعًا عاوزاك تفضل چاري و… بص أنت ادخل خد دش وأنا هروح احضر الفطار
أنهت عبارتها وهمت بالفرار من قبضته والفرار لكنه احكم الإمساك بها جيدًا وهو يطالعها بنظرات جريئة ويهمس:
_رايحة وين لساتني مخلصتش كلامي!
استسلمت له أخيرًا وظلت تتطالعه مغلوبة وتترك نفسها تسعد بقربه بدلًا من الخجل حتى سمعته يكمل بمكر:
_أنتي امبارح كنت بتقوليلي حاچة بس أنا مسمعتكيش.. قوليها تاني إكده!
فهمت تلميحه وأنه يقصد اعترافها فابتسمت وتنهدت الصعداء وهي تطالعه بتحدي ودلال، رفع حاجبه اليسار بطريقة مثيرة بعدما رأى تلك النظرات وقابلها بابتسامة وقحة وهو ينحني عليها بالقرب من أذنها يهمس لها ببعض الكلمات التي جعلت من عيناها تتسع بصدمة وتتورد وجنتيها خجلًا، ابتعد عنها وهو يبتسم ويراقب تأثير كلماته على وجهها متمتمًا:
_هااا قولتي إيه؟
طال تحديقها الصامت به، التوتر والخجل يظهر بوضوح عليه وهي تفكر لكن طال تفكيرها أكثر من اللازم فوجدته يقول بلؤم وهو يهم بحملها:
_براحتك
انتفضت مبتعدة وهي تصرخ به ضاحكة بخجل:
_لا لا خلاص هقول
انتصب في وقفته وهو يبتسم بثقة ويطالعها منتظر سماعها، فأخذت هي نفسًا عميقًا ورمقته بتوتر ثم تجرأت ت أخيرًا وهمست بصوت منخفض:
_بحبك
منع ابتسامته بصعوبة ليجيبها بوجه جاد وهو يهز رأسه:
_مش سامع!
لوت فمها مبتسمة بخجل ثم كررتها ثانية بنبرة اعلى قليلًا:
_بــحبـك
زم شفتيه وهو يعيد الكرة مجددًا ويهز رأسه مجيبًا بوجه منزعج:
_برضوا مش سامع!
تأففت بصوت مسموع وهي تضحك في نفاذ صبر وسكتت للحظة تحدقه مطولًا وقررت أن تصوب الهدف هذه المرة حتى ترضيه تمامًا.
تمتمت بصوت أنثوي مفعم بالرقة ومشاعر العشق وهي تكرر للمرة الثالثة:
_بحبك يامعلم
وختمت عبراتها بقبلتها الناعمة على وجنته فرأت البسمة العريضة أخيرًا تشق طريقها لثغره معبرة عن رضاه وهو يرد بحب:
_إكده سمعت
وجدته سيهم بالتجرأ ثانيًا وربما ستسقط هذه المرة أثيرة ولن تستطيع الهرب، بسرعة كانت تسحب جسدها من بين يديه وتسرع باتجاه الباب رغم أن قدماها مازالت لم تتعافي مليًا لكن القوة هيمنت عليها فجأة، ظل هو واقفًا مكانه رغم غيظه لكنه ابتسم مغلوبًا متوعدًا لها بعد انتهائه من حمامه الصباحي…
***
كان منصور يجلس على مقعد خشبي أمام ذلك الشاب المكبل بالحبال وجالسًا على الأرض، يستمر منصور في النظر إليه بنارية والشاب يحيد بنظره عنه خوفًا، وعلى الجانب الآخر كان يجلس علي يتابع والده وذلك الوغد الملقي على الأرض.
طال الصمت المزعج فهب “على ” ثائرًا واندفع نحو ذلك الشاب يلكمه في وجهه بعنف صارخًا:
_ما تنطق يا*** احنا هنقعد قصادك إكده كتير.. مين اللي وزك
ابتسم منصور بثقة وقال في خبث وعين يتطاير منها الشر:
_سيبه يا علي هو عارف زين أن أنا عارف مين اللي قتل أخوي بس مستني اسمع الأكيد منه وسواء قال أو مقالش أنا يعتبر عارف وهاخد حق أخوي لكن هو اللي مش هيطلع سليم من إهنه
تطلع الشاب مطولًا في منصور بخوف، يفكر مترددًا هل يتحدث أم لا، لا يهمه ماذا سيحدث بعدما يكشف تلك الحقيقة فبالتأكيد لن يكون القادم خيرًا أبدًا لكن يكفيه أن يخرج سالمًا من بين هذه الحرب الذي لن تنتهي بنتائج مرضية أبدًا.
باغته منصور بصرخة مرعبة نفضته في أرضه:
_هتنطق ولا لا
ازدرد ريقه باضطراب ثم تحدث أخيرًا يعطيه المعلومة التي يريدها:
_ابراهيم الصاوي
ابتسم منصور بثقة وعينان تلمع بوميض الشر والانتقام بينما “علي” فرغم أن المعلومة لم تدهشه كثيرًا لكن هتف بغضب ولهجة محذرة:
_متأكد
هز رأسه لهم بالإيجاب وهو ينقل نظره بينهم في خوف، فوجد منصور يهب واقفًا وهو يتجه للخارج لكن ” علي ” لحق به ركضًا واوقفه هاتفًا بحزم:
_أبوي اهدى رايح وين.. احنا مش هناخد حق عمي إكده خلينا نروح البيت ونتكلم مع چدي ونقول لچلال ونشوف هنعملوا إيه
توقف منصور مجبرًا بعدما سمع ابنه وأدرك أنه قد يكون على حق فلن يصل لنتيجة أذا تصرف بتهور دون تفكير وتخطيط ليثأر لأخيه…
***
داخل منزل جلال بالعين السخنة……
خرج من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة الصغيرة، فسقط نظره على الفراش ليجدها مازالت نائمة بعمق، ضيق عيناه متعجبًا ثم القي بالمنشفة على الأريكة في أهمال واتجه نحوها وهو يبتسم بعبث ليجلس على طرف الفراش بجوارها وينحني عليها يلثم شعرها هاتفًا بخفوت:
_فريال اصحي الضهر أذن وأنتي لسا نايمة!!
همهمت دون كلام كدليل على انزعاجها منه، بينما هو لم يهتم وتابع ضاحكًا وهذه المرة يتجرأ أكثر حيث ينتقل بقبلاته على وجهها كله متمتمًا:
_يلا عاد قومي كفاية نوم
أبعدته عنها ومالت على الجانب توليه ظهرها وهي تهتف بخنق وضيق:
_اوووف هملني أنام ياچلال
عانقها من الخلف وهو يهتف في أذنها بخبث:
_لا مش ههملك.. احسن أنا مش مسئول على اللي هعمله
أبعدت ذراعه من حول خصرها وهي تقول بابتسامة خافتة:
_بعد عني
لم يكترث لها وعاد يعانقه مرة أخرى فانتفضت بعيدًا عنه وهي تهتف بغيظ تحاول إخفاء ابتسامتها:
_يوووه وبعدين عاد ياچلال
ابتسم لها وقال في هيام ونفاذ صبر:
_وبعدين معاكي أنتي ياچبارة
مال ثغرها للجانب في بسمة عجرفة ودلال ثم ولته ظهرها وهمت بالنزول من الفراش لكنها تجمدت مكانها وظهر الارتيعاد عليها عندما رأته يضع يده على يساره ويتألم في صمت مغلقًا عيناه من شدة الألم، فأسرعت تمسك بيده وتهتف برعب:
_چلال مالك؟
لم يجيبها وتألمه زاد أكثر حتى بدأ يظهر تأوهًا مسموعًا موجوعًا، فرت الدماء من وجهها وتحول الشحوب من فرط خوفها عليه حتى صوتها بدأ يخرج مرتجفًا:
_چلال رد عليكي متقلقنيش أبوس يدك.. انا هتصل بالأسعاف
رآها تلتفت حولها بزعر تبحث بنظرها عن الهاتف فابتسم بخبث وتمتم أخيرًا بصوت ضعيف:
_مش عارف حسيت بألم فجأة بس أكيد هيروح لو ….
غمز لها بعينه وهو يشير على ثغره فاتسعت عيناها بدهشة امتزجت بالغضب فراحت تضربه في كتفه بخفة هاتفة:
_إيه الهزار الماسخ ده.. حرام عليك والله انا مش حاسة برچليا من الخوف
ضحك باتساع وغرام وبلحظة عاد يضع يده على يساره مجددًا وهو يتألم يزيف ويرمقها بطرف نظره مبتسمًا ويتأوه:
_آاااه أنا بقول اتصلي بالأسعاف احسن قبل ما تحصلي حاچة
رمقته بعتاب وحب متمتمة:
_بعد الشر عليك متقولش إكده
لمعت عيناه بفرحة وعشق لكن لم يتوقف واستمر في تصنع الألم المزيف لكي يحصل على مبتغاه فضحكت وهي تهز رأسها بقلة حيلة ثم تنهدت الصعداء مطولًا وانحنت عليه تقبله من وجنته برقة متمتمة:
_أهو حلو إكده!
ظهر وميض ماكر في عيناه وهو يهز رأسه بالرفض دليلًا أنه لم يكتفي وبينما كان على وشك أن ينقض عليها سمعوا طرق الباب المصحوب بصوت عمار وهو يقول:
_أبوي يلا عشان نفطر وبعدين ننزل نتفسح كيف ما وعدتنا
مسح على وجهه متأففًا ليجيب على ابنه بالموافقة:
_طيب ياعمار طالعين أنا وأمك استنونا برا
ابتسمت له فريال باستمتاع ثم ابتعدت عنه ونزلت من الفراش تتجه نحو الحمام وهي تضحك عليه….
***
بتمام الساعة الثانية ظهرًا في القاهرة…..
وقف عمران أمام المصعد الكهربائي وعندما انفتح الباب دخل وضغط على زر الطابق الثاني، بعد لحظات معدودة توقف المصعد وانفتح الباب ثانية فخرج وقاد خطواته الثابتة باتجاه الغرفة التي بآخر الطرقة.
وقف أمام مكتب السكرتيرة يسألها بلهجة رجولية قوية:
_عدنان الشافعي موجود
رفعت ليلى نظرها له ترمق ملامحه الحازمة ونظراته الثاقبة مطولًا ثم تمتمت بنبرة رقيقة:
_حضرتك أستاذ عمران؟
هز رأسه لها بالإيجار فابتسمت بنعومة وأشارت له بيدها نحو الباب هاتفة:
_اتفضل مستر عدنان منتظرك
تحرك عمران باتجاه الباب وكانت ليلى تسبقه حيث طرقت على الباب وفتحته وهي تبتسم لعدنان الذي استقام واقفًا فور رؤيته لعمران وهتف مرحبًا به بحرارة:
_أهلًا وسهلًا يامعلم نورت الشركة كلها والله
ثم نظر لليلى وقال بجدية:
_خلاص روحي انتي ياليلى واطلبي لينا فنجانين قهوة
هزت رأسها له بالموافقة وغادرت لتتركهم على انفراد، اقترب عمران من عدنان وعانقه بحرارة ليسمع الآخر يهتف:
_فينك كدا محدش بيشوفك ليه
ابتعد عمران عنه واقترب من الأريكة يجلس عليها وهو يقول مبتسمًا:
_ما أنت عارف مش باچي القاهرة غير نادرًا
اتجه عدنان وجذب مقعد يجلس عليه أمام يقول ضاحكًا:
_نشكر الجواز بقى اللي خلانا نشوفك.. بس أن شاء الله نشوفك كتير من هنا ورايح
ضيق عينيه باستغراب وقال له مبتسمًا بعدم فهم:
_هو موضوع إيه الضروري ده اللي طبتني على ملا وشه عشانه
رتب على كتفه مبتسمًا بحماس:
_خير يامعلم خير.. المهم قولي أنت اخبارك إيه والمدام؟
تنهد عمران بضيق وقال في انزعاج ملحوظ:
_كويسة الحمدلله.. من وقت ما چيت إهنه والمصايب مبتخلصش ياعدنان
أجابته بجدية ونبرة حازمة:
_الحمدلله انكم بخير وكفاية إنك خلصت من الأشكال الـ****
تنهد الصعداء بخنق وقبل أن يجيب انفتح الباب ودخلت ليلى وهي تحمل القهوة ثم اقتربت ووضعتها أمامهم وهي تبتسم بعذوبة ثم اعتدلت في وقفتها واستدارت وغادرت مجددًا ليهتف عدنان بجدية:
_أنا قولتلك قبل كدا أني بفكر افتح مشروع جديد وكويس جدا
التقط عمران فنجان القهوة يرتشف منه وهو يهز رأسه بالإيجاب ويستمع لعدنان باهتمام حتى وجده يقول مبتسمًا:
_المشروع هيكون سلسلة مطاعم مختلفة في أماكن مختلفة وبما إنك ليك خبرة في الأسماك وكدا فكنت حابب اعرض عليك الفكرة ولو عجبتك ننفذها مع بعض.. إيه رأيك؟
ابتسم عمران وانزل الفنجان يضعه مكانه على المنضدة وهو يجيبه:
_ده أنت عاوز تخليني إهنه صُح عاد
قهقه بخفة وهو يجيبه مازحًا:
_وماله هو أنا أكره يعني
تنهد عمران مبتسمًا ثم تمتم بجدية:
_طيب اشرحلي المشروع ده باستفاضة اكتر عشان افهم الدنيا هتمشي كيف
***
داخل البناية التي يوجد بها منزل عمران.. تحديدًا بالطابق الذي فوق منزله كانت جلنار داخل منزل المريبة الخاصة بها السيدة انتصار، اشتاقت لها بعد وفاتها كثيرًا ولم تجد طريقة لتطفأ بها نيران شوقها سوى زيارة منزلها وقضاء الوقت به علها تشعر بوجودها حولها.
خرجت من الغرفة الداخلية وهي تصيح منادية على ابنتها:
_هـنــا
لم يكن بالمنزل أي أثر لها أو صوت حتى فضيقت عيناها باستغراب وبسرعة اندفعت تبحث عنها بأرجاء المنزل كله في فزع وسط صراخها عليها لكن بحثها كان دون فائدة، وتسمرت بأرضها منظهشة عندما رأت باب المنزل مفتوح فشعرت بقلبها يقفز من مكانه من فرط الرعب وبسرعة ركضت باتجاه الباب وهي مستمرة بالصياح عليها حتى أنها نزلت الدرج مسرعة وهي تنده عليها مفزوعة.. وصلت حتى الطابق الأرضي ولم تجدها بأي جزء من أجزاء البناية وسألت الحارس عنها لكنه لم يرها.. بدأت دموعها في الأنهمار على وجنتيها وراحت تجوب الشارع والمنطقة المحيطة بها بحثًا عنها وأيضًا لم تجدها،شعرت لوهلة بأن قدماها لم تعد تتحملها وأنها ستفقد وعيها وهي تقف عاجزة بمنتصف الشارع تبحث عن ابنتها ولا أثر لها، لكنها حاولت الصمود وواصلت البحث عنها وعندما لم تجد فائدة منه عادت مجددًا للبناية متأملة أنها قد تكون عادت للمنزل وعندما صعدت ووصلت للمنزل مجددًا لم يكن لها وجود، فخرجت ونزلت الدرج حتى الطابق الأسفل فوجدت نفسها لا أراديًا تسقط عليه جالسًا وهي تدفن وجهها بين كفيها وتبكي بقوة وحركة.
في تلك اللحظات بالصدفة سمعت آسيا صوت بكائها الشديد بالخارج ففتحت الباب بتعجب حتى ترى من تلك التي تبكي بهذا الشكل، رأتها تخرج هاتفها تتصل بأحدهم وبعد ثواني كانت تهتف بصوت مزعور ومرتجف وهي تبكي بشدة:
_عدنان الحقني
ضيق عدنان عيناه باستغراب وبسرعة هتف مفزوعًا:
_في إيه ياجلنار مالك؟
كان عمران يجلس أمامه وقد ظهر عليه التعجب أيضًا بعدما رأى تبدل ملامحه فجأة، على الجانب الآخر ردت جلنار بصوت مبحوح:
_هنا مش لاقية هنا دورت عليها في كل مكان مش لاقياها
هب واقفًا وهتف يجيبها بزعر وصوت صارم:
_مش لاقياها ازاي يعني.. أنتي فين أصلًا؟
أجابته بصوت ضعيف وباكي:
_أنا روحت عند بيت دادة انتصار واخدتها معايا بعدين ملقيتهاش ولقيت باب البيت مفتوح
صاح منفعلًا بغضب فقد فعلتها مجددًا وخرجت دون أن تخبره:
_وأنتي إيه اللي يوديكي هناك أساسًا ومن غير ما تقوليلي
هتفت بانهيار وبكاء شديد متوسلة إياه:
_مش وقته دلوقتي تعالي بسرعة وشوفها راحت فين أنا خايفة اوي عليها
أغلق الاتصال وهو يصرّ على أسنانه مغتاظًا محاولًا تمالك أنفعالاته، هتف عمران يسأله بقلق:
_في إيه؟
عدنان بوجه يظهر عليه الزعر والرعب الحقيقة وهو يجذب مفاتيحه وهاتفه:
_هنا كانت مع مامتها وتاهت منها مش لقياها
عودة لآسيا التي اشفقت بشدة على حال جلنار وهي تراها تبكي بانهيار شديد هكذا فاقتربت منها بهدوء وهتفت بنبرة دافئة:
_متقلقيش أن شاء الله هتلاقيها.. انتي سألتي البواب طيب ودورتي عليها كويس
هزت رأسها بالإيجاب مجيبة آسيا بوجه غارق بالدموع:
_ايوة دورت عليها في كل مكان ملهاش أثر
تقدمت منها آسيا أكثر ورتبت على كتفها بحنو محاولة تهدأتها وهي تقول:
_طيب اهدي وتعالي ادخلي لو حابة استني چوزك چوا لغاية ما ياچي بدل ما تقعدي على السلم إكده وان شاء الله هيلاقيها متخافيش
لم تكن تشعر بقدميها ولا حتى يديها التي ترتجف فاستقامت واقفة واتجهت مع آسيا للداخل حتى وجدت نفسها داخل الصالة وجلست على الأريكة وهي منخرطة في نوبة بكائها العنيفة، ذهبت آسيا تجاه المطبخ وملأت كأس من الماء لها وعادت لتجلس بجوارها وتمد يدها بالكأس لها متمتمة:
_خدي اشربي
التقطت منها كأس المياه وارتشفته كله دفعة واحدة لكن فجأة صك سمعها صوت ابنتها وهي تصيح عليها:
_مامي أنتي فين؟
وثبت جلنار واقفة وهرولت راكضة باتجاه الباب وعندما فتحت الباب سمعتها من الأعلى أمام منزلهم تصيح منادية عليها فردت عليها بوجه مشرق:
_أنا هنا ياحبيبتي
نزلت الصغيرة الدرج بسرعة عندما سمعت صوت والدتها، التقطتها جلنار وهي تضمها لصدرها بقوة وتهتف معاتبة إياها وسط بكائها:
_كنتي فين ياهنا.. كدا ياحبيبتي تقلقيني عليكي
هتفت الصغيرة بقلق من بكاء أمها الشديد:
_العروسة بتاعتي وقعت في الشارع يامامي ونزلت أجيبها وبعدين شوفت بنت عمو البواب وهي عجبتها العروسة بتاعتي ولعبنا أنا وهي شوية وبعدين طلعنا
ابتسمت آسيا بحب وهي تستمع لتلك الطفلة البريئة بينما جلنار فرمقت ابنتها بحدة وقالت:
_وهو ينفع برضوا تنزلي ما غير تقوليلي وتلعبي كمان مع حد منعرفهوش
زمت هنا شفتيها بعبوس وقال في أسفة:
_آسفة يامامي مش هعمل كدا تاني.. ممكن متقوليش لبابي
جلنار بنظرة صارمة ومستاءة:
_انا اتصلت ببابي عشان يجي يدور عليكي لما ملقتكيش يعني زمانه جاي دلوقتي ومتعصب أوي
رغم الخوف الذي استحوذ على هنا إلا أنها قالت بثقة وغرور:
_لا بابي بيحبني ومش هيقدر يزعل مني
اخفت جلنار بسمتها وهي تهز رأسها بقلة حيلة من صغيرها ثم استقامت واقفة والتفتت لآسيا تبتسم لها بصفاء وتردف:
_متشكرة جدًا
آسيا بلطف وهي تنظر لهنا بدفء:
_العفو على إيه المهم أنها بخير الحمدلله
جلنار بتنهيدة طويلة:
_الحمدلله.. أنتي مش من القاهرة صح؟
هزت آسيا رأسها بالنفي وهي تجيبها بخفوت تام:
_لا من الصعيد وچاية زيارة بس مع چوزي يعني أول مرة آجي إهنه
ابتسمت جلنار باتساع وقالت في لطف:
_لهجتك عجبتني أوي.. آه أنا جلنار
همت آسيا بأن تمد يدها لتصافحها لكنها تجمدت عندما رأت رجل يصعد الدرج ويقول بتلهف:
_هنا
ورأت خلفه عمران فضيقت عيناها بصدمة وفور وصوله لها مالت عليه وسألته بعدم فهم:
_إيه اللي بيحُصل ده أنت تعرفهم ولا إيه؟!
رفع يده ومسح على ظهرها بحنو ويهمس في أذنها:
_بعدين هقولك
لأول مرة هنا لم تركض على أبيها خشية من غضبه لكنه هو ضمها لصدره وهو يلثم شعرها بعدة قبلات متتالية في خوف ويهتف:
_كنتي فين ياحبيبة بابي
ردت هنا بقلق وأسف حقيقي:
_آسفة يا بابي أنا مقصدش والله أخرج من غير ما اقول لمامي بس عروستي وقعت في الشارع ونزلت أجيبها
أبعدها عنه ببطء وعاد يلثم شعرها وجبهتها مجددًا في حنو وهو يقول وسط نظراته الساخطة لزوجته:
_أنتي متقصديش ياحبيبتي بس مامي تقصد.. المهم أنتي كويسة؟
أماءت له بالإيجاب وهي تبتسم بحب له وسعادة أنه لم يغضب بينما هو فاستقام واقفًا والتفت لعمران الذي رتب على كتفه وهو يقول:
_حمدلله على سلامتها الحمدلله أنها بخير
هتف عدنان في عذوبة وجدية تمتزج ببسمته:
_الحمدلله.. انا همشي بقى ونبقى على تواصل أن شاء الله
قبض عمران على ذراعه بحزم وهو يقول:
_رايح وين تعالى ادخل تبقى واقف قصاد البيت ومتدخلش.. ادخل ونكمل كلامنا چوا
اجابه عدنان ضاحكًا بخفة رغم أن ملامحه كان يظهر عليها الانزعاج الحقيقي:
_خليها مرة تاني ياعمران الجايات كتير أن شاء الله
لم يرد أن يضغط عليه أكثر بالأخص بعدما أدرك أن علاقته بزوجته توترت ويبدو أنه غاضب منها بشدة فتركه على راحته وودعه بحرارة….
***
داخل منزل عدنان الشافعي….
دخلت جلنار الغرفة أولًا ولحق بها عدنان ثم أغلق الباب واندفع نحوها يهتف بغضب:
_وبعدين ياجلنار.. وبعدين
زمت شفتيها بضيق واقتربت منه تمسك بلياقة قميصه هاتفة في رقة تليق بها:
_والله كنت هتصل بيك واقولك ومعرفش ازاي نسيت بس كنت مخنوقة وزعلانة جدًا وحسيت أنها وحشتني أوي عشان كدا روحت هناك
أبعد يدها عن ملابسه بعصبية يصيح بها:
_أنا مليش دعوة بالكلام ده كله.. أنا اللي يهمني أنك طالعة من غير أذني والحمدلله أنه محصلش حاجة لهنا ورجعت
رددت بخفوت وحزن:
_الحمدلله
ثم عادت تلف ذراعيها حول رقبته وتقترب منه أكثر لتعانقه وهي تتمتم في نعومة:
_أنا آسفة واوعدك آخر مرة ياحبيبي مش هتتكرر تاني
نجحت في امتصاص غضبه بعناقها الناعم ونبرتها الساحرة فهدأت حدة انفعالاته وسكن بين يديها بالأخص عندما شعر بها تقبله من وجنته وتهمس له بدلال:
_تهون عليك رمانتك خلاص بقى اضحك
ابتسم رغمًا عنه وهو يزفر مغلوبًا ويقول لها بلهجة حازمة:
_ماشي ياجلنار هعديها عشان بس النهاردة عيد جوازنا ومش عايز يكون في خناق
ابتسمت بسعادة غامرة وعادت تقبله من وجنتيه مجددًا وهي تهمس بغرام:
_بحبك أوي
مال عليها يلثم رأسها بعشق:
_وأنا كمان يارمانتي
طال تمعنها المغرم به وكان على وشك أن يقترب أكثر منها لينغمسا معًا في عشقهم وحبهم الخاص لكن الدخيل المعتاد لأفساد لحظاتهم وصل حيث دخلت هنا وهي تصرخ بسعادة طفولية:
_بابي لقيت اللعبة اللي انت جبتهالي وضاعت
كانت جلنار تنظر لزوجها بأشفاق وهي تضحك لتجده يقول بنفاذ صبر وهو يمسح على وجهه متأففًا:
_متبصيش كدا ياحبيبتي أنا اتعودت خلاص.. دي لو ضرتك مش هتبقى كدا
اقترب من ابنته وهو يبتسم باتساع ويقبل رأسها بحنو مجيبًا عليها:
_بجد طب كويس يابابي تعالي يلا نطلع نتفرج على التلفزيون كدا كدا مفيش فايدة
رغم أن الصغيرة لم تفهم والدها لكنها سارت معه مبتسمة بسعادة وكانت جلنار تقف مكانها تتابعهم وهي تضحك بقوة…
***
بتمام الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل داخل منزل جلال…….
كانت فريال تجلس فوق الفراش بغرفتها وبيدها الهاتف تشاهد أحد البرامج على الأنترنت، وبينما كانت منشغلة بالمشاهدة ومندمجة انتفضت عندما شعرت به يضع رأسه فوق حجرها وهو يبتسم لها بحنو فضيقت عيناها بتعجب تسأله:
_بتعمل إيه؟!
جلال بصوت مرهق ونظرات ميتمة:
_حاسس بصداع ومحتاچ احس بيدك وانتي بتعمليلي المساچ كيف ما متعود
ابتسمت له بدفء ثم تركت الهاتف ورفعت يدها برأسه تدلكها بكل لطف ورقة وهو يغلق عيناه بتلذذ الراحة تظهر بوضوح على صفحة وجهه، استمرت يدها في أساء مهمتها لوقت ليس قصير والصمت هو سيد الموقف بينهم حتى خرج صوتها أخيرًا وهي تسأله بصوت محتقن:
_أنت قولتلي أني سبتك من غير ما افهم واتخليت عنك ومديتكش فرصة تدافع عن نفسك قصادي، تعرف أن أنا كنت مستنية مكالمة تليفون منك بس تقولي فيها ارچعي لبيتك وكنت هرجع طوالي حتى لو مبررتش موقفك ليا كنت هرچع عشان بحبك، بس أنا لقيتك اتچوزت عليا بدل من نلاقي حل ونصلح مشكلتنا أنت اخترت الطريق الأسهل.. ليه ياچلال إيه اللي خلاك تعمل إكده
تنهد الصعداء بخنق ثم ابتعد عنها وهب جالسًا وهو يطيل النظر إليها بأسى ليجدها تكمل في قهر:
_حابة أعرف إيه تفكيرك كان وقتها لما قررت تتچوز.. ومتقلقش أنا المرة دي عاوزة اتكلم معاك وافهم أنت عملت إكده ليه وافهمك أنا كمان سبب تصرفي عشان ميبقاش في سوء فهم بينا
اقترب منها وضمها لصدره وهو يمسح على شعرها وظهرها برفق متمتمًا في وجع:
_ليه مصممة تضايقي روحك وتفتكري كل ده يافريال صدقيني أنا ندمان ولو رچع بيا الزمن عمري ما كنت هاخد القرار ده واصل
ابتعدت عنه وهي ترمقه بضيق ونظرات متوسلة أن يتحدث ويلبي رغبتها فأخذ نفسًا عميقًا واطلقه زفيرًا حارًا قبل أن يردف بانزعاج واضح:
_معرفش كان تفكيري فين وقتها بس غضبي كان عاميني ولما أبوكي قالي أنك عاوزة تتطلقي ومصممة على الطلاق لقيت نفسي من غير ما احس بقول لأمي أني موافق اتچوز، حسيت أنك مش عاوزاني ومش فارق معاكي وأنا كنت بتعذب في بعدك فكنت عاوز اثبت لنفسي أني عادي هقدر اعيش من غيرك بس طلعت غلطان وارتبكت أكبر غلطة في حياتي لما اتچوزتها وندمت قوي وبعدين بقيت كل ما اكون عاوز أطلقها الاقي في حاچة بتمنعني أو حاچة تحصل وتأجل الموضوع لغاية ما الموضوع وصل بينا لإكده
كانت تستمع له ودموعها مستمرة في الإنهمار بغزارة حتى ملأت وجهها كله، فانفطر قلبه عليها ورفع أنامله يمسح عبراتها بحنو متمتمًا:
_حقك عليك أنا آسف، أنا غلطت ومعترف بغلطي أن مهما كان غلطك بس ميتقارنش باللي عملته فيكي بس اقسم بالله ياحبيبتي ما في ست قدرت تدخل قلبي غيرك ولا تاخد مكانك، سامحيني يافريال واوعدك أني هعوضك عن كل اللي عشناه
طالعته بعيناها الغارقة ووجهها الذي يميل الاحمرار من فرط البكاء وهي تسأله بنبرة ضعيفة وموجوعة:
_أنت لساتك بتحبني صُح كيف الأول؟
رأت الاندهاش يرتفع على صفحة وجهه ثم تبعه ابتسامته المغلوبة وهو يعود ويضمها لصدره مجددًا ويقول ساخرًا:
_بعد كل اللي قولته ده واللي بعمله عشانك لسا بتسألي السؤال ده كيف!!!
تلاشت ابتسامته تدريجيًا وهو يكمل بمرارة وشجن حقيقي:
_بعدين المفروض أنا اللي أسألك السؤال ده مش أنتي لأنك عارفة زين أنا بحبك كيف لكن أنا اللي معدتش متأكد هل أنتي لساتك بتحبيني ولا لا يافريال
ابتعدت عنه ببطء ثم ثبتت نظرتها العاشقة على عيناه بعمق، ظلت تتأمله للحظات وهي صامتة، حتى قررت أن يكون ردها عليها ليس بالقول بل بالفعل، ربما يظن أن وحده هو الذي اشتاق لها لكنها تعاني أكثر منه وقلبها يصرخ شوقًا وتلهفًا لمعشوقه، وحتى هي لم يصبح لديها طاقة أكثر لتتحمل ذلك الهجر والبعد، وربما قد حان الوقت لوضع النقاط للأزمة لهذا الوضع المؤلم.
لم تتحدث ولكنها فعلت حيث اقترب منه وغاصت معه داخل بحور عشقهم التي لا نهاية لها، يعيدوا لحظاتهم الخاصة التي حرمتهم منها الظروف القاسية، معلنة عن بداية جديدة…
***
في القاهرة…….
استيقظ عمران من النوم على أثر صوت الرسائل المتتالية لهاتفه، ففتح عيناه منزعجًا وهو يتأفف بخنق ثم نزل بنظره لزوجته النائمة بين ذراعيه ورأسها فوق صدره ليتنهد بحرارة ويلتقط الهاتف يتفحصه لكي يرى تلك الرسائل المزعجة ومن الذي أرسلها.
عندما فتح الرسائل ظهر أمامه رقم مجهول دون اسم فضغط عليه لتظهر أمامه الرسائل ويقرأها بصمت ” محبتش اسيبك على عماك كدا وكان لازم اقولك أن أبوك متچوز لتالت مرة على أمك ومعاه بنت صغيرة وكمان مراتك عارفة “
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)