روايات

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الفصل الثامن 8 بقلم آية شاكر

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الفصل الثامن 8 بقلم آية شاكر

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) البارت الثامن

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الجزء الثامن

روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي)
روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي)

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الحلقة الثامنة

وقفتُ أمام دراجته النارية، وطالعتُ شرفة حاتم لبرهة قبل أن أركب ولازالت نظراتي مسلطة على الشرفة، وحين ظهر حاتم أخفضت بصري ودقات قلبي تشتد، وأنا على يقين أنني الآن نزلت البحر الذي دفعني أحدهم إليه في منامي، ولا أعلم ما الذي ينتظرني مستقبلًا وها أنا أعود لتلك البلدة مجددًا، فهل سأغرق، أم سأنجو؟
★★★★
«حاتم»
قبل أن تستقل إيمان الدراجة النارية خلف ذلك الرجل الذي أجهل هويته، رأيتُ في عينيها نظرةً لو نطقت لقالت أنا خائفة!
ظللت مكاني أنظر لأثرها حتى غابت، فأفل نور الشارع بأكمله، نظرت لأثرها وأنا أتسائل إلى أين ذهبت هذه؟ وما سر نظرتها تلك؟!
رفعت رأسي أُطالع شرفتها فرأيت أخاها الأصغر ينظر لأثرها هو الأخر والحزن يتجلي على ملامحه، ناديته:
-أيـــــمـــن!
انتبه لي وقال بابتسامة مغلفة بالحزن:
-نعم يا دكتور.
قلت:
-هات عودين نعناع وتعالى نشرب شاي، عايزك.
حرك أيمن رأسه نافيًا وقال بقلق زائف:
-ما بلاش أنا أخر مره شربت شاي بالنعناع عكيت الدنيا!
تذكرت ما قال ذلك اليوم فضحكت وأنا أقول:
-يا عم عكيت ايه! انزل متقلقش أنا نسيت اللي إنت قولته أصلًا.
-أصلًا! طيب احلف بالله.
ابتسمت حين تذكرت ما قاله أيمن ذلك اليوم…
فقد أخبرني أن إيمان قابلت عريس أخر، فتجهمت وشعرت أنه لا فائدة مما أفعل! وأنني أركض خلف سراب.
وحينها لاحظ الصبي انقباض ملامحي وندم على تلقائيته معي، مما دفعني أن أتظاهر بالتبسم، لكنه فطن وأخذ يعتذر ويحاول التبرير أن أخته لا تستحق إنسان مثلي وأنها حمقاء، كما أنه وصفها أن أنفها ضخم، فنهرته عن ذلك وتجهمت بحق.
فقد رأيتها أكثر من مرة قبل أن ترتدي النقاب، فسُلب عقلي، جذبتني بطلتها وعفويتها وملامحها الرقيقة، لم أنتبه لأنفها أبدًا، انتبهت لوجهها المستدير المضيء كقمرٍ في تمامه، وابتسامتها اللطيفة وضحكتها حين تغطي أسنانها بيدها في حياء، وكيف كانت تزم شفتيها متبرمة حين تنزعج، وكيف كانت تخطف النظرات إليّ كلما التقينا…
كثيرًا ما حاولت أن أبتعد عنها وما ألبث كثيرًا إلا وأحن إليها وأرتد على عقبي، تذكرت حالة أخي «حازم» وقصة حبه «لنجمه» وكيف كنت أسخر منه في سريرة نفسي وها أنا ذا أتذوق مرارة الحب ولوعة الشوق والهيام، الآن فقط فهمت مشاعره وأرقه وألمه، لو كنت أعلم وجع ذلك المـ ـرض لحصنتُ قلبي بحصونٍ من فولاذ.
انتشلني من أفكاري صوت أيمن الذي ناداني عدة مرات، وما أن انتبهت له قال:
-أنا عندي مذاكره هبقا أجي وقت تاني.
-يلا يا أيمن انجز… مستنيك.
قلتها ودخلت لأضع قدر الماء على النار وقد جثم على صدري خليط من القلق والحيرة والتعب، وأنا أتسائل إلى أين حملت حقيبتها ورحلت!؟ وما مصير قلبي!؟ فأنا لا أستطيع تخيل حياتي دونها، فقد رسمت حياتنا معًا، وبت أدعو في كل ليلة أن ترق ولا يدق قلبها إلا لي وأن نجتمع في الحلال عاجلًا…
عدتُ بذاكرتي لأول لقاء بيننا حين كنت ببيتها مع أخي، ودفعها إخوتها لغرفة الجلوس، فأجفلت وارتبكت وارتعشت نظراتها وهي تنطق بكلماتٍ عفوية أزعجت والدها، ضحكت حين تذكرت جملتها:
-جاين لوحدكوا ليه! أومال فين شروق وأبو شروق وأمها.
انتشلني من شرودي دويّ جرس الباب فعلمت بوصول أيمن، فتحت له، فبسط يده بالنعناع وهو يقول:
-النعناع أهوه ومتكترليش منه ولا تزودلي سكر عشان أنا اكتشفت إن المشكله في النعناع والسكر، بيخلوني مش في وعيي ولامؤاخذه.
-ماشي يا سيدي مش هكتر السكر… ادخل.
قلتها بضحك وتوجهت للمطبخ فأغلق هو الباب وتبعني، وقف خلفي وأنا أضع الشاي والسكر بالكوب، فقال بخفة:
-معقوله يا ناس سكر بيحط سكر.
قلت بابتسامة:
-بكاش أوي.
ذلك الصبي ينتزع ابتسامتي رُغمًا عني، يُذكرني بإيمان، ملامحه؛ بندقيتيه الواسعتين ونظراته الدافئة عفويته وضحكته، انتبهتُ من تحديقي عندما حمحم أيمن، وقال:
-على فكره أختي راحت عند جدتي هتقعد هناك فتره عشان خالي مسافر…
-راحت البلد؟ هتقعد أد ايه؟!
-مش عارف بس باين كتير.
قالها أيمن وأطرق ثم أضاف بحزن:
-أنا زعلان أوي، البيت مبيبقاش ليه طعم من غيرها… لولا الدراسه كنت روحت معاها…
رفع رأسه وابتسم وهو يقول:
-أصل إيمان دي هي الحته الطريه اللي في البيت، بستمتع جدًا وأنا بضايقها وأكاد أجزم إن هي كمان بتستمتع بده.
ابتسمت وأنا أقلب الملعقة بكوب الشاي وقلت:
-ربنا ميحرمكوش من بعض.
توجهنا للشرفة بالشاي، وهو يسألني:
-هو إنت تعرف واحد اسمه ميسره؟!
قلت وأنا أجلس:
-تقريبًا، ليه؟!
-أصله طلب إيد ايمان من بابا…
وضعت كوب الشاي من يدي، وميلت نحوه بجزعه العلوي وأنا أقول بنبرة مرتفعة:
-نـــــــــعــــــم! وهي قالت ايه بقا؟
عاد أيمن للخلف بخوف وقلب عينيه بالمكان في اضطراب، ثم قال بتلعثم:
-هـ… هي مقالتش حاجه لسه!
ران علينا الصمت، حاولت كظم غضبي ولم أستطع، فشعر أيمن بي، وفي محاولة للتخفيف من حدة الموقف نطق:
-هو إنت لما تتجوز ايمان هتقعد هنا في الشقه برده صح؟!
ظهر شبح ابتسامة على زاوية فمي، وقلت:
-يسمع من بوقك ربنا… وأكيد هقعد في المكان اللي هي تختاره.
قال بتلقائية وهو يضحك:
-انا مش عارف والله هي رفضاك ليه! تخيل بتقول لماما إنها عاوزه تتجوز ميكانيكي أو حداد أو نجار!
طالعته وأنا أرفع إحدى حاجبي فعض لسانه، ثم أضاف وهو يشير لكوب الشاي:
-مش قولتلك متكترش نعناع ولا تزود سكر…
ضحكت وقلت:
-والله إنت اللي سكر يا أيمن…
ربت أيمن على صدره وقال:
-ربنا يعزك يارب.
نهضت واستندت على سور الشرفة أطالع الأفق أمامي، مضيقًا جفوني وأنا أردد:
-ماشي يا ميسره مش هغلب معاك.
أرسلتُ تنهيدة طويلة، ورددت تلك الجمله مرة بعد أخرى، فسألني أيمن:
-بتقول حاجه يا دكتور؟!
التفتت له وقلت:
-بكلم نفسي… قوم… قوم انزل ذاكر.
-أيوه ما حضرتك أخدت غرضك مني…
قالها ووثب واقفًا ثم شرب كوب الشاي دفعة واحدة، فقلت:
-غرضي منك! انزل يا أيمن ذاكر ربنا يهديك.
-ماشي يا هندسه.
قالها وخرج، فقلت بنبرة مرتفعة:
-هندسه! إنت خدت عليا أوي!
عاد وقال بقلق:
-هو حضرتك زعلت عشان قلت هندسه؟
-لا يا أيمن بهزر معاك…
قلتها بابتسامة وتؤده، فابتسم أيمن ولوح لي قبل أن يغادر…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★★★
«إيمان»
الحياة كبحرٍ مدلهم، تتقلب أمواجه بين شدة وتراخي ولكنك تستطيع التأقلم مع اضطراب أمواجه، إنما المشقة كل المشقة تكمن في التعامل مع مخلوقاته.
******
بمجرد وصولي لبلدة جدتي شعرت بغصةٍ في حلقي، وعند مروري من أمام بيت شروق شعرت باختناق في صدري وكأن الأكسجين نقص من الهواء…
دقيقة أخرى مرت حتى وصلت لبيت جدتي وارتجلت عن الدراجة النارية واستقبلتني جدتي المُسنه بترحاب وفرحة.
خاطبني خالي:
-أنا لسه قدامي يومين تلاته على ما أسافر، هكون فهمتك نظام العلاج وكل حاجه.
-ماشي يا خالو.
قلتها بهدوء عكس طبيعتي معهما، فسألتني جدتي:
-مالك يا بت هو خالك جايبك بالعافيه ولا ايه؟!
رسمت ابتسامة صغيرة على شفتي، وقلت:
-لا يا تيته أنا بس اللي عايزه أنام… هو أنا هنام فين؟
قلتها وأنا ألتفت حولي فأشار خالي لفراش مقابل لفراش جدتي، وتركنا بعدما اطمأن علينا…
فقالت جدتي:
-مش هتحكيلي قصة حلوه من اللي إنتِ بتكتبيهم.
-بطلت الشغلانه دي يا تيته.
-ليه يابت؟! دا أنا مستنياكِ عشان تسليني شويه بقصصك.
تذكرتُ حاتم، فطالعت جدتي بابتسامة وقلت:
-ننام النهارده وبكره أحكيلك قصة حلوه، إيه رأيك؟
استلقت جدتي وقالت:
-ماشي عشان أنا عايزه أنام برده… تصبحي على خير.
-تلاقي الخير دائمًا يا تيته.
قلتها وشرعت في وضع أشيائي بمخدع الملابس، ثم بدلت ملابسي واستلقيت قبالة جدتي، ولم يغمض لي جفن وأنا أتسائل! ثم ماذا بعد؟ متى سأغرق؟ وماذا سيحدث؟
ولكن لم يحدث أي شيء مرت الأيام متوالية رتيبة، لا يخفف مللها إلا حكاوينا أنا وجدتي كل ليلة قبل النوم…
حكيت لها عن حاتم وعما فعلته أسماء وشروق وكل شيء لم أخفي ذرة خير أو شر عنها، وأوهمتها أنها قصة من خيالي، لكنها عارضتني بشدة في رفضي لحاتم وقالت:
-هي البطله بتاعتك دي معتـ ـوهه! واضح من كلامك إنها بتحبه رافضاه ليه بقا؟! بتعاقب نفسها! أنا شايفه إنه يستحق فرصه، وهي ممكن تعمله اختبارات وبناء عليه توافق أو ترفض، وإلا هتندم أشد الندم في المستقبل، هو عيبه الوحيد أخته ومرات أخوه زي ما بتقولي! ودا مش عيب.
-إنتِ شايفه كده يا تيته؟!
-طبعًا لأن الحياه مش هتمشي من غير مشاكل لو العيب مكنش في أهل البطل هيكون في البطل أو في البطله نفسها لازم يكون في خلل في مكان مفيش حاجه كامله! وكمان هو بعد عن أهله وكأنه بيقولها بطريقه غير مباشره إنه مستعد يكتفي بيها…
قرضت أظافري وأنا أنصت لها بتركيز، وشردت أفكر فيما نطقت به لبرهة، ثم قلت:
-ممكن يكون عندك حق يا تيته أنا هفكر تاني.
-فكري ياختي.
استلقت جدتي ونامت، وتركتني أفكرت فيما أفعله مع حاتم، هل أنا أُخطأ بحق نفسي! هل أحبه! لا لم أحبه! ربما أحببت حبه لي ورغبته بي ليس إلا! لكنني أُمقت اسمه!
وحين التفتت لجدتي لأخبرها بذلك، سمعت صوت انتظام أنفاسها، فأدركت أنها نامت، فاستلقيت وأغلقت جفوني وأنا أُحاول إقناع نفسي أنني لا أحبه!
تذكرت ميسره، فوالدتي لم تُحدثني بشأنه، وأخبرني أيمن أنه لم يرسل رفضًا أو يعرض الأمر مرة أخرى فسكت والداي عنه، ونسينا الأمر حتى أنني لم أره بعدها ولم أتحدث مع أخته تسنيم.
كنت أخرج لتدريبي يومين بالأسبوع نهارًا ويوم بالليل، وخلال ساعات دوامي تلك، تأتي أخت جدتي الصغيرة «والدة أسماء» أو خالتي أو والدتي لرعاية جدتي…
لم أرَ حاتم خلال تلك الفترة، لأنني انتقلت لقسمٍ أخر بتدريبي، لكن هناك مشاعر داخلي لم تخمد بل كانت تزداد يومًا بعد يوم، فكل يوم كنت أخرج على أمل رؤيته ويخيب رجائي حين أعود للبيت ولا أراه! ادركتُ أنه كان يُضيف لأيامي نكهة خاصة وافتقدتها…
وخلال دوامي
كثيرًا ما كنت أصادف «شروق» فتُحيني بابتسامة وتتعمد أن تحكي لصديقتها لتُسمعني كيف أن علاقتها وأكرم غايةً في الإستقرار، لا أدري لمَ تحاول إثارة غيظي! وأنا لا أكترث!
استغفروا♥️
★★★★★
بداية ٢٠٢٠ مساءًا
رائحة الهواء بعد هطول الأمطار لها عبق يشرح صدري، وأعشق تلك القشعريرة العذبة التي تنتاب جسدي لبرودة الجو، كم أحب هطول الأمطار لأدعو بكل ما أريد، يُقال أن أبواب السماء تكون مفتوحة على مسرعيها ذلك الحين، فما أجمل الشتاء!
وصلت قبالة المستشفى لدوامي الليلي…
فأبصىته جواري قد ارتجل من سيارة الأجرة لتوه، تظاهرت بأنني لم أره، نظرت أمامي وقلبي يخفق فرحًا، بينما نظر هو إليّ، وقطعنا الطريق معًا، دنا مني لأسمعته يقول:
-ازيك يا إيمان؟
رمقته بنظرة استعدتها سريعًا وقلت بثبات زائف:
-ازيك إنت يا دكتور؟
-الحمد لله، فينك اختفيتِ فجأة؟… إنتِ في قسم إيه دلوقتي؟
-آآ… عناية جراحه.
أومأ بصمت وبابتسامة عذبة، واتجه كل منا لعمله، وأنا أبتسم أسفل نقابي، يا لحُسن حظي الليلة! ما هذا الشعور؟ هل استعذبت صوته وكلماته وحتى هيئته راقت لي!؟ تلك المشاعر أجبرتني على الإعتراف أنني اشتقت إليه، حقًا!
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★
وفي قسم العناية دار حوار بين طاقم التمريض…
قالت أحدهما:
-الحاله اللي في أوضه ٣ متشخصه كرونا أنا مش همسكها.
قالت الأخرى:
-ولا أنا! أنا حامل.
وردت الأولى:
-طيب ما أنا كمان حامل.
نظرتا للممرض الوحيد بالدوام، فقال بعبوس لا يفارقه:
-متبصوليش أنا مسكت حاله خلاص وأصعب منها.
نظروا جميعًا نحوي، فنظرت خلفي لتصطدم نظراتي بالحائط، فقلت بتلعثم:
-أنا امتياز يعني أكيد مش همسك حاله لوحدي!
قال الممرض بغلظة:
-وفين باقي زمايلك إن شاء الله؟!
استغربت طريقة كلامه معي، وقلت باقتضاب:
-معرفش.
حدجني بنظرة حادة، وانصرف، وخاطبتني الممرضة:
-بصي أنا همسكها معاكِ بس أنا حامل، يعني هقولك تعملي ايه لكن مش هدخل عندها.
نظرت نحو ذلك الممرض المتغطرس لبرهة، ثم حيدت ببصري عنه وقلت:
-ماشي… تمام.
في ذلك الوقت لم يكن الكرونا انتشر سيطه وخطره بعد! فلم أكترث أو أخذ حرصي إطلاقًا، وكنت أتعامل مع الحالة وأجلس قبالتها وأتحدث معها وأُطعمها بيدي ولا أُبالي، وحين خرجت من الغرفة، قالت زميلتي الإدارية:
-إنتِ هـ ـبله يا بت، كنت بتعملي إيه عند الحاله دي جوه؟
-وزعيني عليها أنا مسكتها مع مس ماهي…
-دي كرونا!
-يعني ايه كرونا! الست زي الفل وبتفكرني بجدتي، أنا حبيتها أوي… أنا همسك الحاله دي ويا ستي هبقا ألبس ماسك.
قلتها ببرود، فقالت زميلتي وهي تكتب اسمي:
-إنتِ حره.
أكملتُ دوامي مع تلك المُسنه التي كانت أقل الحالات تدهورًا…
وفي منتصف الليل كنا قد انتهينا من إعطاء العلاج، وعم الهدوء المكان وقُسمنا إلى فريقين سيتناوبان النوم…
قلت:
-أنا مش هنام متعملوش حسابي.
رمقني الممرض شزرًا، فاستغربت نظراته تلك! لا أعلم لم تشي نظراته بمدي بُغضي رغم أنني أقابله للمرة الأولى فلم أصادفه قبلُ في دوامي…
كان منشغل بكتابة أحوال المرضى فسألته الممرضة:
-ممكن أقوم أصلي وأرجع يا مستر غِيّس.
قال دون أن يرفع بصره عن الدفتر:
-غَيْث مش غيس.
قالت بابتسامة مستفزه:
-إنت اللي اسمك غريب!
-مش أغرب من اسمك يا مس مَهِيرة.
-ماهي اسمي ماهي لو سمحت.
قلب فمه دون أن يعقب، فنهضت الممرضة تزمجر بغضب، وهي تردد:
-هو شيفت باين من أوله.
وحين انتهى غيث من التدوين، رمقني وزميلتي باستهانه ونهض يمر على غرف المرضى، فقلت لزميلتي:
-ماله ده! مش طايق نفسه ولا طايقنا! شكل مراته ضـ ـرباه قلمين قبل ما يجي!
-لا دا مش متجوز، خريج من قريب أعتقد! بس بيقولوا مستر غيث ده صعب أوي.
-على نفسه.
قلتها بثقة، فضحكت زميلتي وقالت:
-يعجبني فيكِ ثقتك بنفسك وإنك جاهزه دائمًا للهجوم، لكن أبوس إيدك عدي الشيفت ده على خير ومن غير مشاكل.
قالتها ونهضت لتجيب هاتفها، فابتسمت وفتحت هاتفي على المصحف لأرتل القرآن بهمس…
وبعد دقيقتين عاد غيث وسأل بغلظة:
-صاحبتك راحت فين؟!
-مش عارفه!
قلتها باقتضاب، فقال بانفعال:
-يعني إيه مش عارفه! هو أنا كل ما أسألك عن حاجه مش عارفه!
-لو سمحت متعليش صوتك عليا!
نهضت لأترك المكان فقال:
-لو خرجتِ من هنا هعمل فيكِ مذكره.
-ابقي هاتها وأنا أمضيلك عليها.
تجاهلته وهممت أن أخرج، فسمعت صوته الغاضب:
-ماشي… هتشوفي هعمل ايه!
-تمام وريني.
قلتها ببرود وخرجت كنت أشعر ببعض القلق، ولكن كرامتي فوق كل شيء…
وبعد فترة
دخلت مجددًا مع زميلتي، وكانت الممرضة الأخرى تدون عملها، سألتني:
-إنتِ عملتِ ايه! دا مستر غيث شايط منك وكتب فيكم مذكره.
شوحت يدي بلامبالاة، وسألتني زميلتي والقلق يقبع بين عينيها:
-إنتِ عملتِ ايه يا ايمان؟ مش قولتلك عدي الشيفت على خير.
لم أعقب…
وجلس غيث بوجهٍ متجهم بعدما رمقني باستهانة، وخاطب الممرضة «ماهي»:
-سبحان الله أنا عمري ما قابلت واحده منتقبه إلا وكانت قليلة الذوق.
-لو سمحت احترم نفسك.
قلتها بحدة، فلم يكن غيري بالمكان يرتدي النقاب، تجاهلني، فأضفت:
-أنا ممكن أعمل فيك مذكره برده دلوقتي عشان شتمتني.
تجاهلني أيضًا، فصمتت هنيهة أفكر، وخيم الصمت على المكان إلا من أصوات الأجهزة، فخاطبت زميلتي بصوت واضح للجميع:
-ظننت الغيث كله خير إلا أنني حين صادفت غيثًا رأيت شره.
اعتدل في جلسته أثر جملتي، فعلمت أنني نجحت في إثارة غضبه، وابتسمت، التهبت نظراته وقال وهو يصر على أسنانه وبانفعالٍ شديد:
-تصدقي بالله أنا…
بتر جملته هطول غيث قلبي حين دلف حاتم للمكان وهو يسير برتابة، ألقى السلام، ثم وجه نظره لغيث وسأل:
-فيه إيه صوتك عالي ليه يا مستر؟!
نفخ غيث وقال:
-ولا حاجه…
قالت زميلتي:
-حل الموضوع إنت يا دكتور وشوف مين اللي غلطان…
ولأن زميلتي تعلم أن حاتم يقربني بشكل ما، طفقت تحكي ما حدث إجمالًا، وبعدما انتهت، قلت:
-نسيتِ تقولي إنه شتمني وقال إني قليلة ذوق.
-هو قال كده؟!
قالها حاتم وهو يرشق غيث بنظرات حادة، فأنكر غيث، وقال:
-اولًا أنا مقولتش كده، ثانيًا أنا عملت فيها مذكره لأنها سابت القسم وخرجت من غير استئذان!
-وإنت مالك تستأذن منك ليه؟!
قالها حاتم بجمود، فقال غيث بتجهم:
-لأن أنا سنيور الشيفت.
-إنت مالك بيها برده! حد كان موصيك على الامتياز! إنت ليك الاستف بتاعك يا أستاذ؟!
-لأ يا دكتور… أنا مسؤول عن كل التمريض هنا.
اشتد الحوار بينهما فقلت بتلعثم:
-آآ… خلاص يا دكتور حاتم…
-لا مش خلاص!
قالها حاتم بانفعال، فترك غيث المكان، قال حاتم بغيظ:
-والله إنت اللي قليل الذوق… يلا يا إيمان مش هتقعدي هنا ويبقى يوريني هيعمل ايه؟
وقبل أن أعترض على أمر حاتم، أتى غيث وقال:
-هعمل كتير وهتشوف.
-تمام ابقى وريني هتعمل ايه!… يلا يا ايمان.
حدج حاتم غيث بنظراتٍ حادة، وهو يصر على أسنانه، فتدخلت ماهي:
-معلش يا دكتور دا والدته لسه متوفيه من فتره بسيطه وهو أعصابه تعبانه وبيتخانق مع أي حد قدامه… بالله عليك متعملش حاجه وأنا هتكلم معاه وهخليه يجي يعتذرلك.
ازدردت ريقي وقلت:
-خلاص يا دكتور لو سمحت.
-يلا تعالي يا ايمان.
-لا مش هينفع أسيب القسم دلوقتي.
قلتها وجلست فزم حاتم شفتيه ولم يعقب…
سار خطوتين ثم رمقني بنظرة سريعة وخرج، شعرت حينها أنه ابتلع كلماته…
وبعد فتره طويلة…
جلسنا قبالة مكتب التمريض في صمت ثقيل، نتابع أجهزة المرضى حتى استيقظ باقي الطاقم وتناوبا…
دخل غيث ينام، فتنهدت بارتياح وجلست أعبث بهاتفي وشردت وأنا أكتب بعض الخواطر ولم أنتبه إلا على صوت زميلة لي:
-تعالي ورايا يا إيمان بسرعه… قومي.
-فين؟!
قلتها لكنها لم ترد وهرولت أمامي وهي تشير لي لأتبعها، فتبعتها وأنا أسأل:
-أجي فين؟! عايزه ايه؟
لم تنطق حتى وقفنا أمام غرفة مغلقة، وقالت:
-ادخلي الأوضه دي وريحي شويه للصبح معدش غير ساعة ونص على الفجر.
-لـ… لأ أنا مبعرفش أنام غير في…
قاطعتني:
-ادخلي اقعدي على السرير يا إيمان، هو إنتِ هتفضلي قاعده كده طول الليل!!
قالتها ببعض الانفعال، ودفعتني لداخل الغرفة وأغلقت الباب عليّ، فقررت ألا أجادل وأن أمكث بالغرفة لفترة وجيزة ثم أعود للقسم…
كانت غرفة مرضى تضم أربعة أسرة فارغة ومرحاض…
أوصدتُ الباب وجلست على الفراش لبرهة ثم خلعت نقابي وتنفست الصعداء، قبل أن أنهض وأتوجه صوب المرحاض لأتوضأ وأصلي ركعتين قبل الفجر، مددت يدي لأفتح المرحاض تزامنًا مع فتح أحدهم للباب فأجفلت، وعدت خطوتين للخلف، وما أن ظهرت هوية ذلك الشخص تصنمت مكاني وجحظت عيناي بصدمة…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى