روايات

رواية أنا لها شمس الفصل السابع والأربعون 47 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الفصل السابع والأربعون 47 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء السابع والأربعون

رواية أنا لها شمس البارت السابع والأربعون

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة السابعة والأربعون

إخترقت صرخاتها المتألمة جدار قلبه قبل أذنيه ليأن وجعًا ورُعبًا على شريكة الروح،يقود سيارته بجنون فقد أوشك على فقدانه لعقله كلما استمع لأنينها وصوت صرخاتها المستنجدة،تارة يتابع الطريق بعيناه الزائغة وتارةٍ أخرى يتطلع بانعكاس المرآة على حبيبته القاطنة بالمقعد الخلفي تتلوى من شدة الألم تجاورها والدتها حيث تؤازرها وتحاول التخفيف عنها ببعض الكلمات كي تتحمل ألم المخاض الذي هاجمها بضراوة على حِين غِرَّة:
-إتحملي لحد ما نوصل،وإجمدي كده هي يعني أول مرة ليكِ
ضغطت على يد والدتها المحتضنة كفها لتنطق قائلة:
-ما أنا مستحملة أهو يا ماما، هعمل إيه أكتر من كده
ثم صرخت مستنجدة به بطريقة حادة:
-بسرعة يا فؤاد،هو إنتَ طالع رحلة
برغم غضبها وحدتها بالحديث إلا أنهُ أوجد لها العذر وتحدث بصوتٍ أظهر كم الهلع الذي أصابهُ من وجعها:
-حاضر،حاضر يا حبيبي،حاولي تاخدي نفس وتهدي وإحنا خلاص قربنا من المستشفى،أنا أتصلت بالدكتورة وهي في انتظارنا
يجلس بالمقعد المجاور له وجدي بينما أيهم وعزيز يتبعاهُ بسيارة أيهم وبصحبتهم أميرة التي أصرت على ألا تترك خطيبها وعائلته بهذا الظرف الطارق فأخذت الإذن من والدها حيث سمح لها على الفور بأن ترافقهم.
بكثيرًا من التوتر أخرج هاتفهُ بيدٍ مرتجفة لينطق وهو يبحث عن رقم والدته:
-أنا هكلم ماما تحصلنا على المستشفى هي والباشا
نطقت على عجالة وهي تصرخ:
-خليها تجيب لي عزة معاهم
صاحت والدتها باعتراض يرجع لعدم تقبلها لشخصية تلك الـ عزة لما لهما من جولاتٍ وصولات من التراشق بالكلمات الاذعة بالماضي جعلت كلًا منهما تبغض رؤية الأخرى وتتجنب الإجتماع بها:
-أنا مش عارفة يا بنتي إنتِ مستحملة الست دي لحد الوقت إزاي،دي عليها لسان عاوز قطعه من لغلوغه
-ماااااما…نطقتها بصراخٍ معترض كي تجبرها على الصمت والتوقف عن الحديث فيما يثير غضبها بشأن تلك الـ عزة لتنطق الاخرى وهي تضع كفها تسد به فمها:
-خلاص،هخرص خالص ومش هجيب سيرة الست عزة هانم
لينطق وجدي وهو يحاول تهدأت شقيقته:
-إستحملي يا إيثار،شوية ونوصل إن شاءالله
أغمضت عينيها تعتصرهما مع ضغطها بقوة على كف والدتها لتكظم ذاك الألم المبرح فاستمعت لصوت فؤاد وهو يتحدث مع والدته:
-بسرعة يا ماما،ومتنسيش تجيبي عزة معاكِ، وبلغي فريال وهاتيها هي كمان
هاجمتها تقلصات المخاض لتُلقي بجسدها للأمام فلم تشعر بحالها إلا وهي تقبض على كتفي ذاك الذي يستقل مقعد القيادة وتهزه بعنفٍ قائلة بصراخٍ هيستيري:
-إقفل الزفت ده وزود السرعة،إنت فاكر نفسك طالع رحلة وقاعد توزع الدعاوي
واسترسلت بصراخٍ بعدما أصيبت بنوبة فزع:
-إنتَ السبب في اللي أنا فيه ده كله يا فؤااااااد
اتسعت عينيه بذهولٍ ولولا ثباتهِ وقوته الجسدية لاهتزت الطارة من بين يداه وواجهوا كارثةٍ كبرى،صاح بها لتترك كتفيه:
-إهدي يا بنتي وسيبي هدومي،هتودينا في داهية
اعتدل وجدي بجسده وحاول فك قبضة شقيقته المتشنجة من فوق تلابيب فؤاد وهو يهتف عاليًا:
-إهدي يا إيثار مش كده، سيبي الراجل لنعمل حادثة
ساعدت منيرة نجلها بفكاك قبضتيها المتشبثة لتنطق وهي تعيد ظهر ابنتها للخلف:
-بسرعة يا ابني الله لا يسيئك،البت شكلها تعبان قوي ومش قادرة تتحمل
رد يجيبها:
-أنا سايق بأقصى سُرعة مسموح بيها يا أمي،لو ذودت أكتر من كده هعرض حياتنا للخطر وخصوصًا مع زحمة الطريق
ثم استرسل بنبرة حنون وهو ينظر لحبيبته في المرآة:
-استحملي يا بابا علشان خاطري
تطلعت لانعكاس عينيه لتنزل دموعها وكأنها تشتكيه مر الألم لينشطر قلبه في الحال لشعوره بالعجز حيال ألامها الشرسة.
بعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة وصلا للمشفى ليجدا عائلة علام بانتظارهم خارج المشفى نظرًا لقرب القصر من المكان،هرولت عصمت عندما رأت سيارة نجلها الذي خرج سريعًا ليفتح الباب لزوجته المتألمة،بسط ذراعه ليتمسك بخاصتها وهو يقول بحنو:
-هاتي إيدك يا بابا وإنزلي بالراحة
تطلعت عليه بعينين دامعتين وما أن وقفت حتى مالت لتستند برأسها على كتفه لتنطق وهي تشهق بنبرة شقت صدرهُ لنصفين:
-هموت يا فؤاد
حاوط كتفيها برعاية وضمها إليه لينطق بصوتٍ خافت تجلى الرعب بين نبراته:
-بعد الشر عليك يا قلبي، متقوليش كده علشان خاطر حبيبك
نطقت عصمت وهي تتفحصُ وجنتها الموضوعة على كتف فؤاد والهلع يظهر بين قسمات وجهها:
-إنتِ كويسة يا حبيبتي؟
أجابتها وهي تبكي:
-موجوعة يا ماما،موجوعة قوي
ترجل أيهم من السيارة وهرول مسرعًا ليهتف بعجالة وهو يقوم باستعجال فريق المساعدة:
-إتحركوا بسرعة
كان علام يتابع الأمر وهو يقف بجوار ماجد وهو من أمر فريق المساعدة بألا يتقدموا وذلك بعدما رأى إيثار قد سندت برأسها على كتف زوجها فتيقن حاجتها الملحة لحُضنه كي تستمد قوتها منه،إقتربت عزة من إيثار وتحدثت بنبرة حنون وهي تربت على ظهرها:
-طمنيني عليكِ يا بنتي
لوت منيرة فاهها باستنكار لتنطق الأخرى وهي تتمسك بكفها:
-تعبانة يا عزة تعبانة
رفع فؤاد رأسها وتحدث ليحثها على الإعتدال:
-يلا يا حبيبي علشان ندخل المستشفى
وكأنها وجدت ملاذها بين أحضانها رغم ألامها الغير محتملة،ساعدتها عاملتان بالجلوس فوق المقعد المتحرك وسحبوها للداخل والجميع يرافقها حتى وصلت إلى غرفة الفحص فتوقف الجميع بالخارج وولجت معها عصمت فقط بطلبٍ من الطبيبة،وأثناء ما كانت عزة تستكشف المكان فؤجئت بتلك الـ “منيرة”ترمقها بازدراء وعدم القبول يظهر على محياها لتلوي عزه فاهها وهي ترمقها بحدة،لتهمس الأخرى لنجلها عزيز قائلة:
-سبحان من زرع كره الولية دي في قلبي،أطيق العمى ولا أطيقهاش
نطق عزيز بنبرة جادة:
-كبري دماغك يا أم عزيز وتجنبيها،إحنا مش جايين نعمل مشاكل، وبعدين الست ما هي واقفة في حالها أهي
مرت الساعات وولجت إلى غرفة العمليات تحت ارتعاب قلوب الجميع وأدعيتهم لها،تحرك فؤاد ليقف بجانب الباب وكلما استمع لصرخات زوجته انتفض قلبه هلعًا ليغمض عينيه يعتصرهما بألم،ليته يستطيع الدخول إليها والوقوف بجانبها،لكنهُ لم يتحمل رؤيتها وهي تتألم لذا فضل البقاء بالخارج،إقترب عليه والدهُ ليربت على كتفهِ قائلاً:
-متقلقش يا حبيبي،إن شاء الله شوية وهتخرج بالسلامة وتشوف ولادك وتفرح بيهم
نطق بصوتٍ متحشرج نتيجة تأثره:
-أهم حاجة هي تبقى بخير يا بابا،أنا مش عاوز غيرها
وتابع وهو يهز رأسه بتأكيد:
-والله العظيم ما عاوز من الدنيا غيرها
غامت عينيه بلمعات الدموع لينطق علام بقوة كي يحث صغيره على الثبات لكي لا تهتز صورتهُ أمام الحضور:
-إهدي يا فؤاد وحاول تتماسك،مينفعش اللي بتعمله ده يا ابني،إدعي لها ربنا يقومها بالسلامة هي وولادك
أما منيرة فوقفت بجوار باب الغرفة وقلبها ينتفض هلعًا على صغيرتها،نزلت دموعها وهي تستمع لصوتها الصارخ وباتت تدعو الله كي ينجي ابنتها وصغيراها لتجاورها عصمت تربت على كفها بمؤازرة،لتنضم لهما عزة التي تحدث بقلبٍ لا يقل هلعًا عن منيرة:
-إدعي لها يا اختي ربنا يقومها بالسلامة،إنتِ أم،ودعوة الأم مستجابة
تطلعت عليها منيرة بعينين دامعة،لتخرج بتلك اللحظة إحدى الممرضات حاملة أحد الصغيرين وتحدثت وهي تُسلمها إلى فؤاد:
-سمي الله وخد بنت حضرتك يا افندم،حمدالله على سلامتها وتتربى في عزك إن شاءالله
شعورًا عجيبًا ومختلفًا لأول مرة يحتل قلبه حين نظر لوجه تلك الملاك،هل حقًا هذه البريئة هي مِلكٌ له،استعاد توازنه وبسرعة رفع رأسه يسأل عن خليلة روحه قبل أن تسحبهُ تلك الساحرة الصغيرة بعالمها الجديدُ عليه:
-إيثار كويسة؟
أجابته بابتسامة مطمئنة:
-المدام زي الفل، والبنوتة أهي قدام حضرتك،وأخوها دكتور الاطفال بيكشف عليه وهخرجه أول ما يطمن عليه
هرول الجميع وأحاطوا فؤاد الذي بسط ذراعيه ليحمل صغيرته ويتمعن بوجهها الملائكي،وبدون ادنى شعور مال بشفتاه يلثم وجنتها الناعمة لينطق بنبراتٍ مرتبكة من هول الموقف:
-حمدالله على السلامة يا قلب بابي،نورتي حياتي يا تاج،يا تاج راسي وأمل حياتي اللي عيشت أتمناه
استمع لصوت شهقات والدته حيث انهمرت دموعها تأثرًا بهيئة صغيرها وهو يحمل ابنته أخيرًا وبعد مرور كل هذا العمر في الإنتظار،إقتربت لتسند رأسها على كتفه تتطلع على ملاكهم وهي تقول:
-مبروك يا حبيبي،الحمدلله اللي ربنا مد في عمري وشوفت ولادك يا فؤاد
وعى على حاله لينطق بنبرة حنون:
-هأذن في ودانها وهديها لك تشيليها يا حبيبتي
أومأت بموافقة فقد كانت تشتاق حمل الصغيرة بين ذراعيه لكنها ستتحلى بالصبر إلى النهاية،اقترب من أذن الصغيرة وبدأ يأذن بصوتٍ هادئ في أذنها اليمنى ثم انتقل لليسرى ونطق الإقامة، لتتناولها منه عصمت لتقربها من حضنها وتميل تشتم رائحة وجهها وتقبل كفها الصغير،إحتضنت فريال شقيقها وباتت تربت على ظهره بحنان
أخرجوا الصغير أيضًا وتكرر ذاك المشهد مع فؤاد والجميع، بعد قليل كانت تتمدد فوق تختها والجميع يحاوطوها برعاية:
-تحدث إليها عزيز بنبرة حنون،فقد بات يعلم أن شقيقته تكن لهم كل الحب وتتمنى لهم الخير:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار
-الله يسلمك يا عزيز…نطقتها بصوتٍ واهن ليتحدث إلى علام الذي يحمل الصغير ويتطلع عليه بسعادة الدنيا،تجاوره زوجته لتشاركه الفرحة:
-يتربوا في عزكم يا باشا
اجابه علام:
-متشكر يا عزيز
أما أميرة فكانت تحمل الصغيرة بيدين ترتجفتين خشيةً إفلاتها،يجاورها أيهم حيث تحدث بملاطفة:
-عقبال ولادنا يا قلبي
خجلت وأنزلت بصرها للأسفل لتقبل عليهما عزة تلتقط الصغيرة وهي تقول:
-هاتي يا اختي البت لتقع منك بإديكي اللي بتترعش دي
نطقت اميرة وكأنها وجدت طوق النجاة:
-متشكرة بجد
تحركت بها ووقفت بوسط الغرفة لتتحدث وهي تنظر إلى منيرة كنايةً بها:
-العيال دول محدش هيدق لهم الهون غيري،وهوصيهم يسمعوا كلام مين ويطنشوا مين
رمقتها منيرة بنظراتٍ نارية في حين نطقت عصمت وهي تقبل الصغير:
-لما ييجي السبوع إبقي إعملي اللي إنتِ عوزاه يا عزة
هتفت الأخرى بنبرة حماسية:
-إنشالله يخليكِ يا أصيلة يا بنت الأصول
مال بجزعه لينطق بصوتٍ حنون وهو يلثم كف يدها:
-كنت هموت عليكِ يا قلبي
أجابته بصوتٍ خافت ووجهٍ شاحب:
-بعد الشر عنك يا حبيبي،الحمدلله،عدت على خير
نطق أمام عينيها بنبرة صادقة:
-ربنا يخلي لنا ولادنا التلاتة وحلو قوي كده،أنا مش عاوز من الدنيا غيركم
إبتسمت بسعادة ليلثم كفها من جديد تحت استحسانها،عادت إيثار باليوم التالي إلى المنزل واستقلت غرفة مجهزة بالطابق الأرضي،قامت عصمت بالإشراف بنفسها على التجهيزات كي تستقبل زوجة نجلها والصغيرين إستقبالاً يليقُ بهم،كانت الغرفة رائعة حيث زُينت بأشرطة الزينة وعمودين من البلالين عمودًا باللون الازرق والأخر باللون الزهري ليناسب الفتاة،يجاورهما تختان واحدًا باللون الازرق خاص بالفتى والأخر بجوار عامود البلالين الزهري، ولجت عصمت حاملة بين يديها الصغير “زين”تقربهُ من حضنها وتضمهُ بحرصٍ شديد وكأنهُ أغلى كنوزها،تلتها فريال حاملة الصغيرة لتتوجها بهما إلى السريرين وقامت كلٍ منهما بوضع الصغير بالتخت المخصص له،خطت إيثار بساقيها تتوسط حبيبها حيث يسندها بكفه وبيده الأخرى يحاوط خصرها،تجاورها والدتها من الجهة الأخرى حيث نطقت وهي ترى جسد صغيرتها المتراخي والمنهك:
-إتحملي يا بنتي،هما خطوتين اللي فاضلين وتنامي على سريرك
وبالفعل وصلت إلى التخت ليساعدها فؤاد على أن تتمدد ثم وضع لها إحدى الوسائد خلف ظهرها وسألها باهتمام:
-مرتاحة يا حبيبي؟
-إمممم…قالتها بصوتٍ خافت دل على شدة وهنها لتدثرها منيرة بالغطاء وتحدثت:
-المفروض تتغدا علشان تاخد العلاج بتاعها
نطقت عصمت التي انضمت إليهم بعدما اطمئنت على الصغير ودثرته بغطاءٍ وثير:
-عزة بتجهز لها الغدا وشوية وهتجيبه
ثم استرسلت وهي تُشير إلى منيرة:
-إتفضلي معايا يا مدام منيرة علشان سعاد توصل حضرتك للأوضة اللي هترناحي فيها
لم تريد ترك ابنتها وصغيريها فتحدثت رافضة:
-تسلمي يا دكتورة،أنا هقعد مع إيثار لحد ما تتغدى وترضع الولاد
نطقت عصمت بإصرار تخوفًا على صحة صغيراي نجلاها:
-إيثار هتدخل تاخد شاور وتغير هدوم المستشفي،وكلنا هنعمل كده علشان الجراثيم والأطفال
لوت منيرة فاهها بعدما أدركت مقصدها لتتابع الأخرى مسترسلة بنبرة جادة:
-إتفضلي حضرتك معايا وعلى ما تاخدي شاور وتغيري هدومك هيكونوا البنات جهزوا السفرة علشان نتغدى
طلبت أن ترافق إبنتها إلى الحمام كي تساعدها فاعترض فؤاد وأصر على أن يساعد هو زوجته،تحركت بمساعدته ودخلت إلى الحمام المرفق بالغرفة،فساعدها بخلع ثيابها وتحدث وهو يساندها كي تصل إلى كبينة الإستحمام:
-براحتك يا حبيبي
توقفت داخل الكبينة وفتح هو صنبور المياه لتنسدل على جسدها وبات يساعدها بالحموم،وضع قليلاً من سائل صابون الشعر ثم قام بتدليك شعرها برفقٍ ليتحدث بهدوء:
-إسندي عليا يا حبيبي وشوية وهنخلص على طول
تنهدت لتنطق بإشفاقٍ عليه:
-ياريتك طلعت إرتحت في جناحنا يا فؤاد وعزة وماما كانوا هيقفوا معايا
أجابها بإصرارٍ ونبرة حنون:
-مستحيل أقبل إنك تنكشفي على حد وحبيبك موجود
نطقت بحنوٍ:
-يا حبيبي إنتَ معايا في المستشفى من إمبارح ومردتش تيجي تبات هنا وبيت معانا والأولاد صدعوك طول الليل،فأكيد محتاج تاخد شاور وترتاح شوية
نطق وهو يجفف جسدها بالمنشفة ويساندها ليخرجها من الكبينة:
-وأنا أطول أتعب لخليلة الروح وولاد عمري كله
ساعدها بارتداء ملابسها وخرجت لتجد العاملات بانتظارها ليساعدوها بالتمدد بعدما قاموا بتغيير جميع الأغطية حسب التعليمات الصارمة اللواتي تلقينها من ربة عملهن”عصمت”،وصعد هو ليحصل على حمامًا دافئًا كي لا يُحرم من حمل صغارهِ حسب تعليمات عصمت الصارمة،وحضرت عصمت وفريال ومنيرة بعدما حصلت كل منهن على حمامًا دافئًا وتغيير ثيابهن لأخرى نظيفة، أخذن الصغار وبدلن لهن الثياب لتدخل عزة وهي تحمل بين يديها صينية وهي تقول بنبرة حماسية:
-عملت لك شوية شوربة وحتة فرخة بلدي هتاكلي صوابعك وراهم
وضعت الصينية وبدأت بإطعامها لتنطق إيثار باستحسان:
-تسلم إيدك يا عزة،الشوربة طعمها حلو قوي
ليلاً،ذهب الجميع لتناول وجبة العشاء وظل هو بجوارها وصغاره،كانت تحمل الصغير فوق ساقيها تريح ظهرها للخلف مستندة على الوسادة، يجاورها شريك رحلتها يحمل بين يداه تلك الساحرة الصغيرة حيث استطاعت سرقة لُبه من الوهلة الأولى التي رأتها به عيناه،كانت تفتح عينيها تتطلع من حولها ثم قربت كف يدها الصغير من فمها وبدأت بمص أصابعها ليخرج صوتًا ينم عن جوعها،ابتسم بحبورٍ ليقول لحبيبته:
-تاجي شكلها جعانة يا إيثار
نطقت وهي تطالعها بقلبٍ حنون:
-حطها هنا جنبي وتعالي خد زين نيمه في سريره وأنا هرضعها
مد يده ليُبعد أصابعها عن فمها فالتقطت إبهام أبيها وباتت تمتصهُ بنهمٍ ليطلق الضحكات وهو يبعد إبهامهِ عنها ويقول:
-هو حبيبي جعان قوي كده،إصبري يا قلبي ومامي هتأكلك حالاً
مدد صغيرته برفقٍ على الفراش لتصرخ بعلو صوتها بتذمرٍ فحمل الصغير الذي غفى بعدما حصل على إشباعهِ من حليب والدته ومدده بتخته ليغفى بسلام بينما حملت هي تلك الباكية وبدأت بإطعامها تحت انتفاضة قلب إيثار وشدة سعادتها،تحرك ليجاور زوجته وبات يطالع عزيزتاي عينيه مستمتعًا بأجمل مشهد تراه عينيه،قرب كفه ليمسك كف تلك الصغيرة فتشبثت بأصبع والدها مما أدخله بحالة رائعة وجعل قلبهُ يرفرفُ من شدة الحبور لينطق بصوتٍ يهيمُ فرحًا:
-البنت دي خطفتني خلاص يا إيثار،إستحوذت على اللي باقي من فؤاد علام
طالعته لتسألهُ بما تتيقن من إجابته لكنها أرادت مشاكسة زوجها وحثهِ على التغزل بها قليلاً:
-ويا ترى اللي باقي من اللي باقي ده راح لمين يا سيادة المستشار؟!
-لروح قلب جوزها الغالية…قالها وهو ينظر بعينيها ليقترب من شفتها يلثمها برقة نالت إستحسانها لتميل برأسها على كتفه وينظران على صغيرتهما الجميلة،نطق بصوتٍ ظهر به مدى تأثره:
-حاسس إني عايش جوة حلم حلو قوي،من أول ما عرفت إنك حامل وأنا بتخيل فرحتي لما أشوف ولادي وألمسهم،بس اللي اتخيلته حاجة،وشعوري بلمستهم حاجة تانية خالص
تنفس بسلامٍ لينطق بصوتٍ تجلى به الانتشاء:
-أتاري شعور إنك تشيل إبنك لأول مرة شعور لا يوصف،فيه مشاعر مهما حاولت توجد لها كلام يوصفها مش هتلاقي
تنفست بانتشاء لتنطق وهي تتطلع عليه بنظراتٍ جمعت حنان الدنيا بأكملها لتقدمه لذاك الراقي:
-قد إيه إنتَ حد جميل يا حبيبي،أحلا زوج وأعظم إبن وأحن أب في الدنيا كلها
وتسائلت بعينين عاشقتين:
-ياترى أنا عملت إيه حلو في حياتي علشان ربنا يكافئني بيك؟
-مش يمكن ربنا بيكافئني أنا…قالها بعينين تفيضُ عشقًا ليميل على شفتيها يلثمهما برقة أسعدت قلبها
مرت سبعة أيام سريعًا وجاء يوم السبوع كما يطلقون عليه،اهتم علام بالجانب الديني حيث قام بذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين وقاموا بصنع الطعام وأطعموا المحتاجين، ثم أقام حفلة وقام بدعوة جميع الأحباء والأقارب فقط،اجتمع الحضور ببهو المنزل،عائلة أحمد الزين وباقي أفراد عائلة الزين،وعائلة أيمن الأباصيري وأيضًا عائلة غانم الجوهري،إنبهر جميع الحضور بالتجهيزات التي أشرفت عليها عصمت مع تكليفها لشركة قامت بجميع التحضيرات تحت تعليماتها،جلس الجميع بانتظار خروج الأم وتوأمها وأعينهم مصوبة نحو باب تلك الغرفة الأرضية حتى اتسعت أعينهم وهم يتطلعون بأعين منبهرة على تلك التي خرجت بجوار زوجها
فقد كانت ترتدي ثوبًا باللون الزهري ما رأت العين أجمل منه،بدا وكأنهُ صُنع خصيصًا لها وبالفعل هذا ما حدث،فقد طلب فؤاد من دار الأزياء التي تتعامل معها زوجته أن يقوموا بصُنع ثوبًا مميزًا ورقيقًا يليق بتلك المناسبة الرائعة،ارتدت حجابًا بنفس اللون،وقد إختار لها فؤاد مجوهراتٍ تليقُ برقة الثوب وقام بتقديمها كـ هدية لتلك التي ولچت إلى حياته لتُنيرها وتزيد من روعتها،لم تكن حياته هو فقط من تغيرت وتأثرت بحضرة تلك الـ إيثار،فقد نثرت الزهور داخل أرواح جميع من بالمنزل لتنتعش وتتبدلُ وتمتلئُ بالفرح.
لم تتوقف مفاجأتهُ لها عند هذا الحد،بل استغل نظرات الجميع المصوبة عليهما ليشير إلى رئيسة العاملات “سعاد”فناولتهُ الأخرى صندوقًا ليخرج منه تاجًا يشبة تاج الأميرات مرصعًا بحبات الألماس الأبيض وبه بعض الأحجار ذات اللون الفيروزي مما أعطاهُ بريقًا ومظهرًا خلابًا استطاع سحر أعين الحضور،وقف أمام تلك التي اتسعت إبتسامتها بحبورٍ شديد ليقوم بتتويجها في حركة أراد بها الإعلان على أن تلك الساحرة هي ملكة حياته ومالكة الفؤاد،نطق بنبرة قوية:
-ملكة قلبي ونور حياتي وأم أمرائي
سألتهُ بذهولٍ وعدم استيعاب:
-إيه اللي بتعمله فيا ده يا فؤاد
وتابعت بأعين شغوفة وهي تراه يضع لها التاج فوق حجابها:
-بقيت مجنون رسمي
-بيكِ،بقيت مجنون إيثار…قالها بأعين تفيضُ غرامًا وهو يتعمق بمقلتيها قبل أن يحيط وجنتيها بكفيه واضعًا قُبلة إحترام وتقدير ومحبة تحت تصفيق الجميع منهم المحب السعيد لأجلهم ومنهم الحاقد كـ”سميحة” التي رمقتها بنظراتٍ كالرصاص و”سالي”التي ترى أن تلك الماكرة إختطفت ذاك الوسيم الرائع سليل لك العائلة الثرية وتراها غير مناسبة لتلك الزيجة وهذه العائلة العريقة، فاقت تلك الحقودة على صوت لارا التي صاحت بسعادة وهي تهلل لصديقتها:
-واااو،التاج حلو قوي وإيثو تستحق تكون ملكة بجد
إلتفتت لترمقها بحدة وهي تقول:
-ملكة! قصدك طلعت لئيمة ونشنت صح
واسترسلت بنبرة اظهرت كم سوء نفسيتها الغير سوية:
-صدقيني الجوازة دي مكنتش هتستمر لولا إن صاحبتك السكرتيرة دبستهم وجابت لهم الولاد اللي كانوا بيحلموا بيهم،علشان تجبر فؤاد على إستمرار الجواز اللي كلنا عارفين ظروفه كويس
ثم أعادت بصرها من جديد على تلك التي احتضنت زوجها بسعادة لتسترسل بعينين حاقدتين:
-تخطيط شيطاني ميخرجش غير من عقل حد خبيث،مكذبش اللي قال لؤم فلاحين
اتسعت أعين لارا بعد ما استمعته من زوجة شقيقها بحق جميلة الروح التي اتخذتها كصديقة مقربة لها منذ أن رأتها بعدما استلمت عملها كـ سكرتيرة خاصة لدى والده،صدمتها من تلك الكلمات الحاقدة ألجمت لسانها ومنعتها عن الرد،فلم تجد كلماتٍ مناسبة لذا قررت عدم الرد على تلك المهاترات.
عودة لتلك التي شعرت بأن روحها تطيرُ وتقفز فرحًا بذلك الحبيب الذي أصبح يُعلن عشقه لتلك الحورية على الملئ بمناسبة وبدون وكأنهُ يريد إخبار العالم بأكمله بملكيته الخاصة لها،نطقت وهي تتطلع بعينيه العاشقة:
-فؤاد أنا بحبك قوي
خرجت من خلفيهما عزة تحمل الصغير داخل ما يُسمى بـ “الغربال”المزين بقماش من الشيفون الرائع بلونهِ الأزرق الخفيف لتجاورها منيرة تحمل”تاج”بغربالٍ باللون الزهري لتباغت عزة الجميع بإطلاقها للزغاريد مما أضفى على الإحتفال نوعٕا من البهجة ورونقٍ خاص أدخل الحضور في حالة من الحماس،أقبل الجميع على” إيثار”وباتوا يقدمون التهاني والمباركات لها ولزوجها السعيد في حين وقفت عزة بالمنتصف وباتت تصيحُ بصوتها المحبب لدى الجميع عدا تلك الـ منيرة التي لم تغفر لها أخطاء الماضي على حسب قولها،فهي تتهمها بأنها كانت السبب الرئيسي لعناد صغيرتها وابتعادها عن عائلتها وليس أفعالهم الشنيعة،نطقت بنبرة عالية حماسية بعدما افترشت الارض ووضعت أمامها الصغير:
-يلا يا حبايب علشان ندق الهون
اتسعت أعين فريال وعصمت التي اعترضت حينما وجدت ذاك الشئ المصنوع من النحاس “الهون”:
-أكيد مش هتخبطي جنب الاولاد وتسببي لهم إزعاج بالصوت العالي ده يا عزة!
نطقت تلك المشاكسة بنبرة إعتراضية وهي تشيحُ بكفها:
-لا بقول لك إيه يا ست الدكتورة،إنتِ تقعدي على الكرسي بفستانك الحلو ده وتسبيني أشوف شغلي، دق الهون ده أنا ندراه من يوم ما عرفت إن إيثار حامل
واسترسلت وهي تتطلع على علام:
-وبعدين أنا خدت الإذن من سعادة الباشا الكبير،يعني كلامك يبقى معاه هو مش معايا
تطلعت عصمت إلى زوجها حيث أومى لها للتأكيد على صحة حديث عزة وحثها على الموافقة فابتسمت بحنانٍ ونطقت باستسلام:
-وهو فيه رأي بعد رأي الباشا،الباشا يؤمر وما علينا إلا الطاعة
ابتسم ليحييها باحترام تحت غضب نجوى زوجة شقيقه التي همست لابنتها سميحة:
-مرات عمك فاكرة نفسها لسه بنت العشرين وبتدلع عليه قدام الناس
لم تلتفت لها ولم تعير لحديثها أدنى اهتمام،فلديها ما يؤرق عليها حياتها ويجعلها تفقد زهوة كل شئٍ،وذلك لما رأتهُ من عشقٍ واهتمام من حبيب العمر إلى زوجته،هي من عشقته بكل ذرة في كيانها ليفضل عليها تلك التي تراها من وجهة نظرها لا تليق ولا ترتقي لذاك الوسيم المميز.
نطقت عزة وهي تدق الهون بعدما أقنعت إيثار بأن تخطو بقدميها من فوق الاطفال كما هو موثق بالطقوس المصرية وتوارثتها الاجيال:
-الأولة بسم الله، والتانية باسم الله، والتالتة باسم الله، والرابعة بسم الله، والخامسة باسم الله، والسادسة باسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله»
أمسك فؤاد يد زوجته وساعدها بالجلوس وتطلعوا على عزة التي باتت تتحدث وهي تتابع دق الهون:
-إسمعوا كلام أبوكم الباشا إبن الباشا الكبير
أشار لها يشكرها بطريقة درامية ليضحك الجميع لتتابع وهي تتطلع إلى إيثار:
-وإسمعوا كلام بنتي حبيبتي ست البنات كلهم
شملتها إيثار بنظراتٍ تشعُ حنانًا وامتنان لتلك الجميلة صاحبة القلب الذهبي التي طالما شملتها بحنانها وعطفها،أكملت عزة بخفة ظلها التي نالت بها استحسان الجميع:
-إسمعوا كلام جدكم علام باشا المحترم،وست الهوانم جدتكم الدكتورة عصمت
ضحكت عصمت ونال ما تفعله عزة استحسانها،هتفت فريال بنبرة حماسية وهي تشير على حالها:
-وأنا يا عزة، إوعي تنسيني
نطقت بانتشاء:
-ودي تيجي يا ست البنات
هزت غربال الصغير وهتفت بنبرة حماسية:
-وكمان عمتكم فريال،لازم تسمعوا كلامها،وجوزها الدكتور ماجد علشان راجل محترم
واسترسلت وهي تتطلع على يوسف وبيسان المجاورين لها يستمتعان بتلك الطقوس الجديدة عليهما:
-وإسمعوا كلام أخوكم الكبير يوسف،وكمان القمر بيسان إسمعوا كلامها
صفقت بيسان بسعادة ومالت على وجنة الصغيرة تُقبلها كما فعل يوسف
رمقت عزة منيرة وعزيز الجالس بجوارها بنظراتٍ ازدرائية وهي تقول:
-أما بقى جدتكم منيرة فاللي تقوله تعكسوه على طول
أطلق الجميع ضحكاتهم لتسترسل وهي تتطلع على عزيز:
-وخالكم عزيز حطوه في نفس خانة جدتكم منيرة
ثم تطلعت على أيهم الواقف بجوار خطيبته:
-إنما الواد أيهم غلبان وأنا بحبه، إبقوا إسمعوا كلامه
-وكمان خالكم وجدي ومراته نوارة علشان بحبهم…إتسعت إبتسامة نوارة وبعثت لها بقبلاتٍ في الهواء
ثم نطقت من جديد وهي تُشير على نفسها بتفاخر وكبرياء مصطنع:
-وطبعًا مش محتاجين اقول لكم إنكم تسمعوا كلامي
أطلق الجميع ضحكاتهم على خفيفة الظل ثم حملت إيثار غربال الصغير وجاورها فؤاد بعدما حمل غربال صغيرته التي استطاعت الإستحواذ على عقله والتف من حولهما الأطفال يحملون الشموع المشتعلة مرددين الاغانى الجميلة التى توارثناها عن الأجداد:
-حلقاتك برجالاتك حلقة دهب فى وداناتك”و “يارب يا ربنا تكبر وتبقى زينا”
ثم أمسكت عزة وعاءٍ مملوء بالملح وأخذت تُلقيه فى جميع أركان المنزل كما جرت العادة
حمل علام الصغير وبات يتطلع عليه بنظراتٍ حنون تحمل أمل البقاء والإستمرارية الذي تجدد بحضور ذاك الملاك،وكأنهُ أتى إلى الدنيا ليزرع الأمل داخل قلب جده
وبنهاية اليوم وبعدما رحل الجميع أخرج علام ورقة وقدمها إلى فؤاد قائلاً:
-ده تنازل مني عن حصتي في كل أسهم شركات الزين
اتسعت أعين فؤاد لينطق بنبرة رافضة:
-أنا مقدر فرحة سعادتك بولادة زين وتاج يا باشا،لكن أكيد مش هقبل العرض ده وأظلم أختي
رفع علام حاجبه مستنكرًا تفكير نجله لينطق بكلماتٍ ثابتة:
-ومين جاب سيرة ظُلم فريال،أنا قبل ما أكون أب فأنا قاضي،يعني يد الله في تحقيق العدالة على الأرض يا سيادة المستشار
واسترسل بإبانة:
-أنا كتبت لـ أختك حصتها من الشركات وكنت هكتب للدكتورة هي كمان، لكن رفضت وتنازلت عنهم لـ زين وتاج
وتابع لايضاح فكرته من ذاك القرار:
-أنا حبيت أجمع كل أسهمنا في إيدك علشان تاخد منصب رئيس مجلس الإدارة والمالك الأكبر من أسهم الشركة،أنا عاوزك تكبر إسم الزين واولادك يكملوا المسيرة يا فؤاد
واسترسل غامزًا وهو يربت على كتفه:
-عاوزين صفقة جامدة زي صفقة زين وتاج في أقرب وقت يا سيادة المستشار
-للدرجة دي مستغني عني يا باشا…قالها بضحك ليطالعه بنظراتٍ هادئة وهو يتابع:
-الحمدلله على كده يا باشا،ربنا يبارك لنا فيهم ويخلي لي إيثار ومش عاوز حاجة تاني من الدنيا.
*********
بعد مرور أربعة سنوات
أمام أحد المباني شاهقة الإرتفاع بوجهتها الزجاجية،توقفت سيارة فارهة تدل على رفاهية من يستقلها، تسبقها سيارة دفع رباعي سوداء ترجل منها ثلاثة رجال ذو أجسادٍ ضخمة وعضلاتٍ بارزة تدل على مدى قوتهم البدنية،أسرعوا ليحاوطوا تلك السيارة الفارهة حيث ترجل من الباب المقابل للسائق ضابطًا للحراسات الخاصة كان قد عينهُ زوجها ومعهُ بعض رجال الحراسة المدربون بأعلى مستوى ليقومون بحراستها وتأمين حياتها من ألا يصيبها أي مكروه من ذاك الذي مازال هاربًا خارج البلاد،بات الضابط يمشط المكان بعينيه بينما أسرع سائق السيارة لفتح الباب الخلفي لتترجل منها تلك التي أصبحت عضواً هامًا وبارزًا في شركات”الزين”بل أصبح اسمها يتردد كثيرًا في سوق الأعمال لما أحرزته من تقدم في عملها التي استلمته من علام شخصيًا
وضعت قدميها في الأرض وارتدت نظارتها الشمسية لترفع رأسها تتطلع بشموخٍ لذاك المبني،حاوطها الرجال أخذين وضع الإستعداد ليتحركوا سريعًا خلف تلك الشامخة التي تتحرك بقوة وثبات باتجاه بوابة الشركة،كانت ترتدي بدلة نسائية رائعة المظهر بلونها البيج يعتلي رأسها حجابًا من نفس اللون بدرجة أغمق،سار بجوارها ذاك الضابط حيث سألها باحترام:
-حضرتك هتخلص شغل زي كل يوم يا افندم ولا هتتأخري زي إمبارح
نطقت وهي تتحرك للأمام قاصدة وجهتها:
-إمبارح كان يوم إستثنائي يا صفوت،كان لازم أجهز أوراق الصفقة الجديدة وأشرف على الترتيبات بنفسي
سألها صفوت من جديد:
-جنابك مش هتخرجي بدري علشان ترتيبات عيد ميلاد يوسف؟
نطقت بثبات إمرأة ناجحة:
-لو هخرج أكيد هنبهك يا صفوت
تحدث الرجل على استحياء بعدما شعر بضجرها من كلماته:
-أنا أسف سعادتك،أكيد مش قصدي أضايقك بأسألتي،أنا بس بحب أكون مستعد ومرتب لشغلي من قبلها
نطقت وهي تتخطي بوابة الشركة الإلكترونية المصنوعة من الزجاج والتي فُتحت على مصراعيها فور اقترابها:
-أنا فاهمة ده كويس يا صفوت
واسترسلت بإبانة:
-ومش متضايقة بالعكس،أنا طول عمري بحب النظام في كل حياتي
ثم اعتدلت لتقابلة وهي تتابع:
-بس تقدر تقول إني مبحبش كتر الكلام في بداية اليوم،ربنا خلقني كده
-فهمت سعادتك… قالها الرجل وهو يشيح بنظرهِ أرضًا كما يفعل دائمًا خشيةً إثارة غضب ذاك الغيور عاشق زوجته،أومأت له وتحركت باتجاه المصعد الكهربائي ورافقها صفوت ورجل الحراسة المسؤول عن حمله للحقيبة الخاصة بأوراق العمل،أوصلاها لحيث مقر مكتبها ورحل كلًا منهما لوجهته،سألتها السكرتيرة الخاصة:
-أجيب لحضرتك القهوة يا افندم؟
أجابتها بنبرة جادة:
-هاتي لي الأول ملف الصفقة الجديدة بالكامل،وابعتي لي الموظف المسؤول عن التعاملات البنكية مباشرةً
اومأت الفتاة برأسها لتنطق وهي تعود للخلف:
-تحت أمرك إيثار هانم
قالت كلماتها وتحركت للخارج،بعد قليل،كانت منكبة على الأوراق التي أمامها تراجعها بتمعنٍ ودقة أثناء تناولها كوب قهوتها الساخنة،استمعت لدقاتٍ خفيفة فوق الباب لتنطق ومازالت على وضعيتها:
-إدخل
ولجت السكرتيرة تتحرك بخطواتٍ ثابتة قبل أن تنطق بنبرة جادة:
-باشمهندس بسام الزين برة وعاوز يقابل حضرتك يا افندم
تنهدت لعلمها سبب مجيأة لتنطق وهي تنظر للأوراق تراجعها بتمعن:
-خليه يتفضل
تحركت السكرتيرة إلى الباب وأشارت بكفها بابتسامة خافتة:
-مدام إيثار في انتظار حضرتك يا باشمهندس
ولج بخطواتٍ واسعة ومن صوت قوة حذائه التي دكت الارض أيقنت غضبه لترفع رأسها تعدل بأصابعها من وضعية نظارتها الطبية لينطق هو بصوتٍ جاهد أن يخرج هادئًا مع رسمه لابتسامة لزجة:
-صباح الخير يا أستاذة
أراحت ظهرها للخلف لتنطق بابتسامة مشابهة لابتسامته المصطنعة:
-صباح النور يا باشمهندس،إتفضل حضرتك
نطقتها وهي تُشير بكفها إلى المقعد المقابل لمكتبها وتابعت وهي تتوجه بحديثها إلى السكرتيرة:
-قهوة الباشمهندس بسرعة لو سمحتي يا ليلى
أوقفها بإشارة حادة من كف يده لينطق بصوتٍ خشن علمت من نبرته أنه غاضب:
-مفيش داعي،أنا مش هطول،ورايا شغل كتير لازم يخلص النهاردة
مالت برأسها قليلاً لتشير للموظفة بالخروج لتفعل على الفور،توجهت له لتنطق بصوتٍ هادئ:
-إتفضل يا باشمهندس،أنا سامعة حضرتك
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره كي يطرد شعور الغضب من داخله وألا يحتد عليها ويضع حاله أمام ذاك الشرس الذي لا يسمح لأي شخصٍ مهما كان مجرد التعدي بحدة الكلمات على زوجته،:
-ممكن أفهم حضرتك أخدتي ملف الصفقة الأخيرة ليه؟!
أجابتهُ مختصرة:
-براجع البنود بتاعته
سألها بحدة اظهرت مدى سخطه:
-بأي صفة يا أستاذة،دي وظيفتي وأنا المسؤول هنا عن مراجعة عقود الصفقات وإتمامها
نطقت بقوة وثباتٍ أربكهُ:
-وأنا مفوضة من رئيس مجلس الإدارة بإدارة شؤون الشركة،واظن حضرتك عارف إنه مديني صلاحيات أتابع بيها العمل فيما يخدم الشركة ومصالحنا
سألها بنظراتٍ نارية:
-يعني حضرتك بتستغلي منصب جوزك وبتستغلي إنه بقى مالك الحصة الاكبر من أسهم الشركة بعد عمي علام ما اتنازل له عن الأصول بتاعته؟!
عدلت من وضعية نظارتها لتنطق بقوة وثبات لم يأتيا من فراغ:
-ياريت يا باشمهندس تتكلم معايا على إني المدير المالي المسؤول عن الشركة،وأظن مش من المهنية إن حضرتك تخلط ما بين العلاقات العائلية والشغل
وتابعت قاصدة إظهار عدم مهنيته:
-يعني مينفعش تذكر مصطلحات زي جوزك وعمي والكلام ده وإحنا بنتكلم في أمور تخص العمل
استشاط داخله من تلك المرأة الحديدية مثلما أطلق عليها جميع من يعمل بالشركة لقوة تحملها للعمل الشاق وثباتها في اتخاذ القرارات الحاسمة لما لها من صلاحيات قد فوضها لها فؤاد لثقته الهائلة بها كموظفة قبل أن تكون زوجة صالحة،لينطق بكلماتٍ بذل مجهودًا شاق كي يُخرجها هادئة:
-أولاً أنا أسف،يمكن خاني التعبير، بس ده لا يمنع إني بتكلم في الحق،حضرتك يا أستاذة تعديتي على اختصاصاتي وأنا من حقي أقدم إعتراضي
-حقك طبعاً،بس ده لما يكون تعدي على وظيفتك بجد،أنا بباشر صلاحياتي وده يُسأل عنه مدير مجلس الإدارة مش أنا…كلماتٍ نطقتها بحكمة لتكمل بنبرة عملية:
-على العموم أنا هبلغ فؤاد بيه وهطلب منه يأمر بإجتماع عاجل يوضح فيه النقاط اللي مضايقة حضرتك،ولما سيادته يحدد الميعاد الإدارة هتبلغك
ارتبك لعدم رغبته بالتصادم مع فؤاد وذلك لصرامته فيما يخص العمل،فـ أراد أن يتلاشى المواجهة معه وتحدث وهو يحاول تلطيف الوضع:
-مفيش داعي تشغلي فؤاد باشا معانا،كان الله في عونه
واسترسل مبررًا بترقيته التي لم يمر عليها سوى بضعة أسابيع:
-أكيد مسؤليته تضاعفت بعد الترقية الاخيرة
-أوكِ،زي ما حضرتك تحب…قالتها بثبات وهي تنظر إليه بتفحص لينتفض واقفًا وهو يقول:
-هروح أتابع شغلي، وأسف إني أخدت من وقتك
وقفت باحترام لتنطق بثبات وهدوء:
-نورت يا باشمهندس.
تحرك سريعًا مغادرًا مكتبها وبداخله براكينٍ من الغضب يكظمها عنوةً عنه،أمسك مقود الباب واداره ليجد ذاك الـ أيهم يقف مع السكرتيرة وعلى ما يبدو أنه جاء لمقابلة شقيقته،تحدث بسام بابتسامة مصطنعة ترجع أسبابها لعدم تقبلهُ مؤخرًا جراء سطوة شقيقته وفرض هيمنتها على الشركة:
-أزيك يا أستاذ أيهم
-أهلاً يا باشمهندس…كلماتٍ مقتضبة بالكاد أخرجها أيهم لينطلق الأخر كالإعصار مغادرًا المكان برمته لينظر أيهم إلى ليلى ويسألها:
-ماله ده
مطت شفتيها ورفعت كتفيها للأعلى لتنطلق ضحكاتهما وياليته لم يفعل فقد وصلت للتو زوجته “أميرة”ليشتعل داخلها بنار الغيرة بعدما رأت رجُلها منسجمًا بالحديث مع تلك الحسناء ذات الشعر الأشقر المجعد بمظهرهِ الخاطف للأنفاس وثيابها الملفتة للأنظار،توقف وابتلع قهقهاته وهمس بصوتٍ لم يستمع إليه سواه:
-يا وقعتك السودة يا أيهم،ليلة الخميس إنضربت خلاص
رمقته بنظراتٍ كالرصاص لتبسط ذراعها بذاك الملف إلى تلك الـ ليلي وهي تقول بجدية:
-الورق ده كانت طلباه مدام إيثار،ياريت توصليه حالاً
تحمحم مرددًا وهو يشير لها صوب باب مكتب شقيقته:
-تعالي دخليه بنفسك يا أميرة،أنا كمان داخل لـ إيثار
-معنديش وقت أضيعه في الضحك والكلام الفارغ يا حضرة المحاسب المحترم…رمت بكلماتها اللاذعة بجانب نظراتها الحادة وانطلقت كالسهم لتعود لمقر مكتبها بقلبٍ يحترق من لوعة الغيرة على من يعشقه القلب،لوى فاهه ليبتسم ببلاهة لتلك التي تطالعهُ بملامح وجه بدا عليها التضامن والمؤازرة فيما سيناله من تلك الشرسة عاشقة زوجها، لينطق بملاطفة:
-إنتِ كويسة يا لولا؟
بمشاكسة ردت تلك الـ ليلى:
-مش مهم أنا يا أستاذ أيهم،المهم انتَ اللي تكون كويس
هز رأسهِ بطريقة ساخرة لتشير هي إلى الباب قائلة:
-ثواني هدخل الملف للهانم وابلغها إنك عاوز تقابلها
بعد قليل خرجت وتوجه هو ليلج إلى شقيقته فوجدها تتطلع على كومة من الاوراق ليتحدث بنبرة جادة:
-بسام الزين طالع شايط من عندك ليه؟
رفعت رأسها تطالعهُ قبل أن ترد مستنكرة:
-جنابه مش عاجبه طريقة شُغلي وبيتهمني إني بتعدى على اختصاصاته
جلس بالمقعد لينطق متخوفًا:
-أنا قولت لك من الأول بلاش تستفزيه وتدخلي في الامور اللي تخص منصبه
احتدت ملامحها لتعلن عن غضبها وهي تنطق بنبرة جادة:
-مفيش حاجة إسمها أمور تخص منصبه،ده مال ولادي وجوزي مأمني عليه،والبيه بيتعامل كأنه المالك الرئيسي والوحيد للشركات ويا عالم بيهبب إيه من ورانا،فكان لازم أحجم صلاحياته واستخدم صلاحياتي اللي أدهالي فؤاد بحكم منصبي،وخصوصًا إنه كان مانع الموظفين يدوني أي أوراق خاصة بالصفقات
بكلماتٍ يحكمها العقل والمنطق نطق أيهم:
-بس كده ممكن يحطك في دماغه،وأحمد الزيني ممكن معاملته ليكِ تتغير،بالعقل كده أكيد مش هيسيب إبنه وينضم لفريقك ضده
-يوريني أخر ما عنده…جملة بها تحدي نطقتها قاصدة أحمد لتتابع بجدية:
-ولو باشمهندس أحمد الزين هيكون فريق ضدي لمجرد إن بسام إبنه يبقى هيخسر كتير قوي
واسترسلت بنبرة شرسة:
-لأنه هيلاقي معاملة وإيثار مختلفة كليًا عن إيثار اللي كانت بتعامله بلطف واحترام
رفع حاجبه باعجاب لينطق:
-بقيتي قوية لدرجة يتخاف منك يا إيثار
أجابته باقتضاب:
-محدش بيخاف غير اللي ماشي غلط يا أيهم
وافقها الرأي لتنطق بعدما قررت تغيير مجرى الحديث:
-متنساش بكرة تجيب أميرة وساندي وتيجو بدري علشان عيد الميلاد هيبدأ الساعة أربعة العصر إن شاءالله
ابتسم وتذكر طفلته ذات الثلاثة أعوام وتحدث:
-كل سنة ويوسف طيب،عقبال ما تشوفيه راجل قد الدنيا
-متشكرة يا حبيبي…قالتها بابتسامة سعيدة لتتابع:
-الحمدلله إن عيد ميلاده وافق يوم الجمعة وإلا كنت هضطر أخد أجازة أنا وفؤاد،انا عادي لكن فؤاد لسه مترقي من كام إسبوع ومشغول جداً في مهام الترقية الجديدة
-ربنا يوفقه يا حبيبتي،فؤاد راجل محترم ويستاهل كل خير…قالها ثم هب واقفًا ليتحرك للخارج تاركًا إياها تتابع عملها
*********
بعد عدة ساعات عادت من عملها لتجد صغيراها اللذان اتما عامهما الرابع يلهوان داخل حديقة المنزل بصحبة دكتورة عصمت التي كرست جزءًا كبيرًا من وقتها بل وحياتها لصغيراي نجلها الغالي وفلذات قلبه بعد أن تبدلت حياتها للأفضل بوجودهما،تجاورها فريال حيث باتت لا تفارق منزل أبيها إلا قليلاً للاهتمام بشؤون توأم شقيقها الغالي وعزيز عينيها،فقد دبت الحياة بالمنزل وكأنهُ تحول لأخر،فبرغم وجود نجلي فريال بالإضافة إلى حضور يوسف إلا أن ذاك التوأم لهما حضورٍ خاص ويرجع ذلك لفطانة الصغيرين والمحبة التي وضعها الله لهما في جميع قلوب من حولهم،تطلع عليها الصغير بعينيه التي ورثهما عن والده مما زاد من عشقها له ليهرول مهللاً:
-مامي
هرولت إليه لتلتقطه وتخبأه داخل أحضانها مع نثرها لقبلاتها الشغوفة فوق وجههُ وعنقه وجل ما يقابلها من ذاك الغالي لتنطق عصمت بنبرة حادة معترضة على تصرف إيثار:
-معقولة يا إيثار اللي عملتيه ده،تحضني الولد وتبوسيه قبل ما تغيري هدومك وتغسلي وشك؟!
هزت فريال رأسها استسلامًا لحديث والدتها وتشددها في حماية الصغار من الجراثيم لتنطق بكلماتٍ ساخرة:
-أنا شايفة إن حضرتك تجيبي لهم صندوق من البلور وتحطيهم جواه وإحنا نشاور لهم من برة البلور
رمقتها حانقة لتتابع ابنتها:
-مش معقول يا ماما اللي بتعمليه ده
هتفت عصمت بارتيابٍ يعود لشدة خوفها على الصغار:
-على أساس إنك مبتسمعيش عن كم الأوبئة والجراثيم اللي بقت محوطانا يا أستاذة
إقتربت عليهم إيثار التي مازالت تزيد من قبلاتها الشغوفة للصغير لتنطق أخيرًا:
-ما تقلقيش يا ماما،عملت حسابي وعقمت نفسي وأنا جاية في العربية
تنهدت براحة لتبتسم لها قائلة:
-حمدالله على السلامة يا حبيبتي
أطلقت فريال ضحكاتها وهي تقول:
-الوقت بس تقدر تقول لك حمدالله على السلامة
ضحكت الأخرى وناولت الصغير إلى عمته التي تلقتهُ بالقبلات الشغوفة لترفع تلك الصغيرة وتقول وهي تدللها:
-الندلة اللي مش بتسأل في مامي وقاعدة في حضن نانا
عوضًا من أن تحتضنها الصغيرة سألتها باعتراضٍ ظهر جليًا على ملامحها:
-فين بابي،ليه مش جه؟
أجابتها وهي تُقبل وجنتها الوردية بشغفٍ فقد اتخذت ملامح جدتها عصمت وكأنها نسختها الصغيرة مما زاد من عشق علام وفؤاد لتلك الصغيرة التي خطفت لُبهما:
-لسه الساعة إتنين يا حبيبتي،بابي هيوصل النهاردة الساعة خمسة علشان عنده شغل كتير
أنزلت الصغيرة التي سكنت أحضان جدتها من جديد لتسترسل باستئذان:
-أنا هطلع أخد شاور وأطمن على يوسف
واسترسلت بنبرة هادئة:
-متعملوش حسابي في الغدا،أنا هستنى فؤاد لما يرجع
ضيقت عصمت بين حاجبيها وهي تقول:
-بس فؤاد مش هيرجع قبل الساعة خمسة يا إيثار،كده الغدا هيبقى عشا
-ولو قعدت لبكرة بردوا هستناه…قالتها باصرار نال استحسان عصمت وطمأنها على نجلها في حين نطقت فريال بمشاكسة لزوجة شقيقها التي أصبحت صديقتها المقربة:
-قولي إنك عاوزة تنفردي بالباشا وتحولوا الغدا لعشاء رومانسي على ضوء الشموع
رفعت قامتها للأعلى وهي تقول:
-وهنكر ليه،جوزي وحبيبي وأتمنى أعيش عمره كله في قربه
ابتسامة عريضة ظهرت على ثغر عصمت بانتشاء لتنسحب الاخرى إلى الاعلى،صعدت الدرج لمنتصفه لتتفاجئ بظهور عزة التي تهبط من الأعلى،على الفور ارتسمت على وجهها الابتسامة وهي ترحب بها:
-حمدالله على السلامة يا ست الكل،جهزت لك الحمام زي ما بلغتيني في التليفون من شوية، واسترسلت بملاطفة:
-حطيت لك فيه من الزيوت اللي بتفك الجسم وتنعنشه
ابتسمت الأخرى لتجيبها:
-ربنا يخليكِ ليا يا عزة
واسترسلت بجدية:
-يوسف في أوضته؟
أجابتها باستفاضة:
-أيوا فوق،لسه باص المدرسة واصل من شوية،سبته كان داخل ياخد الشاور بتاعه على ما الغدا يجهز
-تمام،أنا كمان هاخد شاور وأروح له أوضته يكون خلص…قالتها لتغمز لها عزة وهي تقول:
-أنا خليت البت وداد تجهز لك اوضة الزاكوزي زي ما أمرتي،وحضرت لك الشيكولاتة والفاكهة اللي قولتي عليها،هو أحنا عندنا أغلى من الباشا علشان ندلعه
ردت لها الغمزة وهي تقول بابتسامة عريضة:
-برافوا عليكِ يا عزة
تركتها وصعدت سريعًا قبل أن تفتح تلك الثرثارة بمواضيعها التي لا تنتهي، أخذت حمامًا ثم ارتدت ثيابها واتجهت صوب غرفة نجلها الغالي،وجدته يقف أمام مرآة الزينة يقوم بتمشيط شعره،تطلعت عليه بسعادة فقد أصبح نجلها رجلاً صغيرًا حيث سيكمل غدًا عامه الثاني عشر،فقد زاد طولاً حتى أنهُ تخطاها وأصبحت تتطلع للأعلى حتى تنظر بعيناه،واشتد عوده نظرًا لكثرة التماربن التي يتلقاها على يد المدرب الخاص به وأيضًا ممارسته للسباحة،نطقت وهي تفتح ذراعيها لاستقباله:
-إيه الشياكة دي كلها يا باشمهندس، بالراحة على قلوب البنات
تطلع على صورتها بانعكاس المرآة بملامح وجه معترضة قبل أن ينطق:
-قولت لحضرتك مليون مره قبل كده إني هكون وكيل نيابة زي جدو علام وبابا،مش فاهم إيه إصرارك بإنك تناديني بالباشمهندس
لقد أصبح يُلقب فؤاد بـ بأبي مثل أخويه عندما كان بالتاسعة من عمره وبدأ أخويه ينطقان ويطلقان “بابا” على فؤاد فاعتاد هو الأخر من باب التعود،وحدث الامر رُغمًا عنه فبالاخير هو ابن التاسعة من عمرة ويظل طفلاً، تقبل فؤاد الأمر بل وسعد به بينما هي تحسست من ذاك الوضع لكنها لم تفصح عنه،والأن ينشطر قلبها للمرة اللا معلوم عددها حين تستمع من صغيرها الإعتراض على مهنة المهندس التي حاولت ومازالت جاهدة بزرع الفكرة في عقله منذ الصغر لكنهُ مصرًا على أن يلتحق بكلية الحقوق كي يمتهن مهنة القاضي تشبهًا بما يناديه بـ أبي”فؤاد” وقدوته “علام زين الدين”حيث يراهما قدوته الحسنة ويريد التشبه بكلاهما
هو يعلم أن فؤاد ليس بأبيه الحقيقي ولا علام بـ جدًا له،لكنه تأقلم على وجودهما بحياته وشعر بكيانه معهما ولم يعد يسأل عن أهله بعدما تلقى على عدة حجج من والدته جعلته يغلق الباب على ذاك الأمر برمته
كيف لها أن تبلغه أنه لا يمكنه الالتحاق بسلك القضاء نظرًا لتاريخ عائلته الإجرامي والذي يتعارض مع شروط الدخول لذاك العالم النزية،يزداد الأمر سوءًا مع كل يومٍ تتأخر هي بإخباره عن حقيقة أمر عائلته لكنها لم تستطع،فالأمر شبه مستحيل لديها،كيف لها أن تهدم عزيمة نجلها وتقتل شغفه بالمستقبل التي تراه بعينيه،وبالرغم من إصرار فؤاد وعلام والضغط عليها بعدم إخفاء الامر عليه إلا أنها أغلقت باب النقاش نهائيًا وأبلغتهم بأنها ستبلغه في الوقت الذي ستراهُ مناسبًا من وجهة نظرها،فما كان منهما سوى إلتزام الصمت حيال رغبتها فبالنهاية هي والدته وصاحبة الكلمة الأخيرة فيما يخصه ويخص مستقبله.
تجاهلت كلماته حين اقترب عليها لتحتضنه بحنوٍ وتسألهُ:
-وشك رايق وبيضحك،شكل يومك كان لطيف النهاردة
بنبرة حماسية أجابها:
-جداً،لو تعرفي اللي حصل هترفعي راسك للسما إنك مامت”يوسف عمرو”
اتسعت ابتسامتها لتتحسس وجنته وهي تحتويهِ بنظراتٍ حنون:
-طول عمري وأنا فخورة بيك من غير حاجة يا حبيبي
لتسألهُ بشغفٍ ولهفة:
-بس مفيش مانع إنك تقولي على اللي مخليك فرحان كده علشان افتخر بيك أكتر
أجابها بصوتٍ حماسي وأشعة لامعة تخرج من مقلتيه الصافية وهو يقول:
-النهاردة اكتشفت نظرية في الرياضيات وبلغت المستر بيها، فرح بيا جداً بس قال لي إنها للمخترع فيثاغورس وإني هاخدها في ثانوي عام إن شاءالله، بس المستر فرح بيا جداً وقال لي إن اللي يوصل بدماغه للنظرية دي وهو في سني، مش بعيد يوصل لنظريات تانية مش موجودة
سعدت لذاك الحماس الذي يكتسي صوته ويظهر جليًا بعينيه لتحتضنه وتثنى عليه،ثم تحركت معه للأسفل كي يتناول هو وجبة غدائه في حضور العائلة وتهتم هي بصغيريها حتى موعد عودة حبيبها
*********
بحلول الساعة التاسعة مساءًا،عاد زوجها بموعده وتناولا غدائهما سويًا ثم جلسا بصحبة العائلة،كانت تحتضن والدها تلف ذراعيها الصغيرتين حول عنقه وهي تقول:
-تاج فؤاد زعلانة منك يا بابي
ضحك علام على تلك المشاغبة ليسألها ذاك الذي امتلكت قلبهُ تلك الساحرة وانتهى الأمر:
-وليه زعلانة يا قلب فؤاد من جوه؟
بدأت تمرر أناملها فوق ذقن والدها لتنطق بدلالٍ يليق بابنة فؤاد وحفيدة علام زين الدين:
-علشان إنتِ قولت لي بالليل إنك هترجع على طول من الشُغل، وتزرع معايا أنا وجدو الوردة بتاعتي
بمداعبة نطق وهو يداعب وجنتيها بأصابعه:
-يا خلاثي يا ناس على اللي زعلان ومادد بوزه اللي عاوز يتقطع من البوس ده
تدللت لينطق علام بنبرة عاتبة:
-مش أنا قولت لك تعالي نزرعها وإنتِ اللي رفضتي
رفعت كتفيها بغرور لتكمل:
-بس أنا عاوزة بابي هو اللي يزرعها معايا
تحدثت عصمت بمشاكسة:
-متتعبش نفسك يا علام،دي بنت أبوها بحت
واسترسلت وهي تُقبل وجنة ذاك القابع بأحضانها:
-إحنا ملناش غير زين حبيب قلب نانا وجدو
ضحك الصغير بسعادة لتنطق إيثار:
-ريحي نفسك يا ماما، دي متعرفش في البيت كله غير فؤاد وبس
نطقت الصغيرة بمفاخرة:
-أنا مش بحب غير بابي،علشان أنا تاج فؤاد،بابي بيقولي إني تاج فؤاد وحبيبته
تحدث إليها علام بملاطفة:
-طب إبقى شوفي مين بقى اللي هيلعب معاكِ وبابي حبيبك في الشغل؟
-بابي هيقعد من الشغل وهيلعب معايا…قالتها ليطلق الجميع ضحكاتهم على تلك المشاكسة عاشقة أبيها،همست إيثار بجوار أذن زوجها لتبعدها الصغيرة بغيرة واضحة وهي تقول:
-إبعدي يا مامي،بابي مش بيحب الوشوشة غير من تاج وبس
هزت رأسها لتنطق باستسلام:
-البنت بتعاملني على إني مرات أبوها مش امها
تعالت ضحكات الجميع لتقترب إيثار من جديد وأخبرته أنها تنتظره بحجرة الچاكوزي فتيقن ان تلك المثيرة تعد له مفاجأة،بصعوبة بالغة أفلت حالهُ من تلك الصغيرة وتحرك إلى الحديقة واقترب من الباب الخاص بحجرة الچاكوزي وقام بفتحه ليشهق وتتسع عينيه بعدما رأها بكل ذاك السحر والدلال،استدار ليوصد الباب خلفه ثم اعتدل من جديد يتطلع على أميرته الحسناء التي أصبحت أيقونة من الجمال والسحر بعدما زالت مشاكلها وهُدمت جميع العراقيل التي كانت تؤرق حياتها والأن أكتملت أركان سعادتها بعد تصالحها النفسي ورجوعها لحضن عائلتها
تمركزت عينيه على منحنياتها حيث أبرز ذاك المايوة المكون من قطعتين جمالها ومفاتنها الانثوية المثيرة وجعلها تبدو كـ نجمة مضيئة بليلٍ عاتم ليظهر بريقها ويخطف العيون بسحرهِ،وما جعل قلبهُ ينتفضُ فرحًا هو تحديدها للونه المفضل الذي يعشقه عليها،”النبيذي”الغامق مما أظهر انعكاس لونهُ على جسدها ليظهر بياضه أكثر،اقتربت عليه وهي تتحركُ بغنجٍ أثار كل ما به ليشعر بانتشاءٍ غمر كيانهُ بالكامل لتنطق هي بدلالٍ انثوي أصبحت تجيدهُ جيدًا وهي تفردُ ذراعيها تستعرض حالها أمام عينيه:
-إيه رأيك في المفاجأة الحلوة دي؟
أجابها وعينيه تستبيح النظر فوق مفاتنها بجرأة:
-مفيش أحلا من كده مفاجأت
إقتربت لتلتصق به قائلة:
-ياترى حبيبي يسمح لي أعزمه على سهرة چاكوزية
رفع يدهُ اليمني للأعلى قائلاً وكأنهُ مسحور:
-حبيبك من إيدك دي
ليتابع وهو يرفع اليسرى وعينيه تتمركز على شفتيها المثيرة:
-لإيدك دي
واسترسل مستسلمًا:
-من الأخر كده أنا سايب لك نفسي
مالت عليه لتهمس بجوار أذنه:
-أوعدك مش هتندم،هدلعك
-أرجوكِ…نطقها بعينين متوسلتين لتطلق ضحكاتٍ رقيقة وهي ترفع رأسها للأعلى لينطق مهللًا:
-دي شكلها هتبقى ليلة فل،خميس خميس مفيش كلام
وبلحظة كان يتجرد من ملابسه ليجذب ذاك المايوه الخاص به حيث وضعته له بالسابق فوق أحد المقاعد المجاورة لحوض السباحة،ثم حملها ليقفز بها داخل المياه المتحركة لتطلاطم بجسديهما،لفت ساعديها حول عنقه بينما تجولت أناملها تعبث بخصلات شعره كما تعبث الأنامل فوق البيانو لتصدر أعذب الألحانِ،أغمض عينيه لينطق وهو يدور بها داخل المياه:
-شكلك ناوية على جناني النهاردة
-الباشا عنده مانع ولا حاجة؟…نطقتها مستفسرة بنبرة لئيمة ليغمز لها مكررًا ما تفوه به منذ القليل:
-الباشا سايب لك نفسه ومسلم
غمزت بعينيها ليميل هو على شفتيها يلتقطهما بين خاصته ويذوب بقبلة رائعة المذاق أنهت على ما تبقى من صبره،بات يسبح معها داخل المياه لمدة كبيرة حيث انساقا وراء مشاعرهما ووصلا لأبعد حد من المتعة الروحية قبل الجسدية،فقد أصبح كلًا منهما ترياق الحياة بالنسبة للأخر وما عادا يشعران بمتعة الحياة سوى من داخل أحضان بعضيهما،فقد انصهرت روحيهما وأصبحت واحدة في جسدين،إستند على جدار الحوض ملقيًا برأسه للخلف،نظرت على ملامحه المنتشية لتبتسم بفخرٍ من حالها، فقد استطاعت أن تصل برجلها للمنتهى من السعادة واللذة،أمسكت بثمرة من التفاح الأحمر وقامت بقطع جزءًا منها بسكينًا حاد لتقربها من فم ذاك المغلق لعينيه مستمتعًا بتلك الحالة التي وصل إليها بفضل تلك الحبيبة،فتح فمه حين شعر بشئٍ يقترب من شفتيه ليقتطم قطعة من التفاح وتكملها هي باستمتاع،فتح عينيه يتطلع عليها لينطق بصوتٍ متحشرج متأثرًا بحالته:
-بحبك يا أحلا حاجة حصلت لي في حياتي
ابتسمت ليمسك من يدها ذاك السكين ويلقيه بعيدًا ليجذبها فوقه تعتليه ليصبح وجهها مقابلاً لخاصته،شدد من مسكته لخصرها لتميل على وجنته تلثمها بقبلةٍ حنون أثارت جنونه ليقول بصوتٍ متحشرجًا:
-مهما كان حجم تعبي الجثماني أو النفسي كله بيزول بمجرد ما بتاخديني جوه حُضنك،نظرة عيونك كفيلة تنقلني لعالم تاني،عالم مفيهوش غير حبك،حبك وبس
بنبرات صوتٍ تشعُ حنانًا نطقت:
-بسيطة،متخرجش من حُضني طالما بتلاقي فيه راحتك
أجابها باسترخاء تجلى بنبرات صوته:
-ياريت كان ينفع
تنفس عاليًا لتريح رأسها على صدره تستمتع لدقات قلبه وكأنها تستمع لأعذب الألحان الموسيقية،تنفست بانتشاء وأغمضت عينيها تستمتع بذاك الهدوء والجو الرومانسي،موسيقى هادئة وإضاءة خافتة وماءٌ ووجهٍ حسن،ماذا يحتاج المرء أكثر من هذا كي يسبحُ بعالمٍ من الخيال أكثر حالمية،نزلت من فوقهِ لتحثه على الإلتفاف فاسترخى منقلبًا على بطنه لتبدأ بتدليك ظهره بكفيها،أفرغت بعضًا من الزيوت الخاصة بالتدليك وباتت تمرر بكفيها على ظهرهِ وذراعيه حتى استسلم لها وأرخى جسده باستمتاع كاد أن يدخلهُ في نعاس لولا صوتها الذي جعله ينتبه وهي تقول:
-بتحبني؟
أجابها باستمتاع:
-بعشقك
إنتهت ليلتهما بسعادة حيث ارتديا ثيابهما وصعدا لغرفتهما ليغفى كلًا منهما داخل أحضان الأخر.
*********
عصر اليوم التالي
اجتمعت عائلة علام وعائلة غانم وأيضًا عائلة أيمن بجانب زملاء الفتى داخل المدرسة والنادي الرياضي لحضور حفل يوم ميلاده السعيد،إهتم فؤاد بالحفل كثيرًا حيث سلمه لأحد الشركات الخاصة بتجهيز هذا النوع من الحفلات ليظهر في أبهى صورة له،وقفت بيسان تتطلع من بعيد على ذاك الواقف بين أصدقاءه يضحك ويتسامر معهم بالحديث ولا يكترث لأمر تلك الحانقة،لاحظت إيثار هذا الأمر ولاحظت أيضًا التصاق فتاة بنجلها فتوقفت عن المرور بين الضيوف والترحيب بهم لتقترب على الصغير وهي تقول بابتسامة ساحرة:
-ممكن أخد چو منكم شوية يا شباب
تحدث أحدهم بممازحة:
-إتفضليه طبعاً يا طنط
ابتعدت قليلاً بنجلها لتسألهُ وهي تتطلع على تلك الحزينة:
-إنتَ متخانق مع بيسان يا چو؟
هتف بنبرة حادة أظهرت غضبه:
-أنا ما أتخانقتش مع حد يا مامي،هي اللي مقموصة لوحدها
سألته مستفسرة:
-وهي هتتقمص منها لنفسها كده،أكيد عملت لها حاجة زعلتها
هتف على عجالة وهو يرمق تلك التي تطالعه بعينين حزينتين:
-والله حضرتك ممكن تروحي تسأليها هي وتشوفي ردها
أنا بسألك إنتَ يا يوسف…قالتها بصرامة ليزفر ثم قرر المصارحة:
-الأستاذة فاكرة إني من ضمن ممتلكاتها وعاوزة تتحكم فيا ،وكل شوية تحط لي ليستة ممنوعات،متكلمش دي ولا تقرب من دي
واسترسل بنبرة أظهرت كم شعوره بالاختناق من اسلوب تحكمها به:
-دي وصلت إنها بتدخل في فريق السباحة اللي بتدرب معاهم، تخيلي مش عوزاني أتكلم مع البنات المشتركة معايا في الفريق ؟!
واسترسل موضحًا:
-شافتني إمبارح وأنا واقف مع أيلا زميلتي في الفريق والبنت كانت بتسألني عن حاجة خاصة في الدراسة،جت عليا وسمعتني كلام سخيف جداً ومش مقبول،وبتهددني يا اقطع علاقتي بالبنت دي يا أقطع علاقتي بيها هي
واسترسل تحت اهتمام والدته واستماعها لشكواه:
-قولت لها انا مش هقطع علاقتي بحد ومش هسمح لأي مخلوق إنه يتحكم فيا،قالت لي يبقى أنتَ اللي اخترت، ومن وقتها وهي بعيد وبتتجنب أي مكان أكون أنا فيه
ليتابع الفتى باعتزاز بنفسهِ:
-مهما كنت بعزها أو مهما كانت قريبة من قلبي ده ما يديهاش الحق هي أو غيرها إنه يتحكم فيا ويمشيني على كيفه،أنا عندي كرامة وليا كياني ومش هسمح لأي مخلوق إنه يتحكم في قراراتي
كادت أن تتحدث قاطعها اقبال فؤاد عليهم وحديثه إلى يوسف وهو يمسد على كتفهِ بحنان:
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي
ابتسامة سعيدة ارتسمت فوق محياه لينطق بصوتٍ حماسي:
-وحضرتك طيب يا بابا
-مش عاوز تشوف هديتك…قالها بابتسامة سعيدة لينطق الفتى بلباقة:
-من قبل ما أشوفها أكيد هتبقى بيرفيكت،وكفاية إنها ذوق حضرتك وإختيارك يا باشا
نظر إلى زوجته لينطق بتفاخر:
-إنتِ سامعة اللي أنا سامعه يا إيثار،إبني كبر وبيتكلم ولا رجال السلك الدبلوماسي
-تربيتك يا باشا…قالتها إيثار بحبورٍ ظهر بعينيها ليبتسم لها كلاهما باستحسان لكلماتها،مد فؤاد يده بعلبة وناولها للفتى وقال:
-افتحها وشوف بنفسك
نزع الفتى الغطاء عن العُلبة لينبهر ويحدق بعينيه وهو يرى أمامه تلك الساعة الشبابية ذو الماركة العالمية التي أصبحت حديث الشباب مؤخرًا ولم تنزل الأسواق المصرية بعد،أيعقل أنهُ إهتم به لتلك الدرجة،يا لك من رائع أيها الـ فؤاد،فقد علم من بيسان قبل عشرة أيام حين سألها عن أكثر شئ سيسعد قلب يوسف وأبلغته عن تلك الساعة التي شغلت باله مؤخرًا وكان يريد التحدث إلى أمه بأمرها،فبعث إلى الخارج وقام بشراءها ليفاجئ الفتى بها وقد حدث بالفعل،فقد سعد الشاب لدرجة جعلت قلبه كاد أن يقفز من مكانه وهو يحتضن فؤاد ويقول:
-معقولة يا بابا، حضرتك جبت لي الساعة اللي كان نفسي فيها
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي… قالها فؤاد بسعادة وهو يتطلع على حبور الفتى،استدعاهم علام فذهبوا إلى الطاولة حيث علام وزوجته والصغيران،لفت الصغيرة ذراعيها حول عنق شقيقها وهي تقول:
-هابي بيرث داي يا چو
-هابي بيرث داي يا قلب چو…قالها وهو يقبلها لينطق علام وهو يحتضن الفتى ويربط على كتفه:
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي
وأخرج من بين جيبه ورقة وأعطاها له قائلاً:
-جدو علام دقة قديمة، ومعرفش في هدايا شباب اليومين دول، فأنا عملت معاك اللي كان أبويا الله يرحمه بيعمله معايا،عملت لك شهادة إدخارية
تبسمت إيثار لتنطق بعينين ممتنة:
-تعبت نفسك ليه بس يا حبيبي،ده وجود سعادتك في حياتنا في حد ذاته أعظم هدية
ابتسم ليحاوط وجنة من يعتبرها ابنته الثانية تحت سعادة الجميع،وقدمت عصمت هديتها وكانت عبارة عن حذاء رياضي ذو ماركة عالمية سعد بها الفتى وتحدث وهو يقبلها:
-ميرسي يا نانا
أجابته بسعادة بما للصغير نصيبًا كبيرًا في قلبها:
-كل سنة وإنتَ طيب يا چو،وعقبال مية سنة يا حبيبي
أقبل أحد الحراس على فؤاد ليميل ويقول له:
-سعادة المستشار،فيه طرد جاي باسم يوسف من خارج مصر ومندوب الشركة مصمم إن يوسف بنفسه هو اللي يستلمه
ابتعد قليلاً ليسأله:
-مقالش مين اللي باعت الطرد؟!
لاحظت توتر فؤاد فاقتربت منه لتسأله بتوترٍ ظهر بصوتها:
-فيه إيه يا فؤاد؟
أمسك كتفها ليقول بحنو:
-مفيش يا حبيبي،إرجعي عند الولاد وأنا هطلع لحد البوابة أشوف حاجة وأرجع على طول
تحرك بجوار رجل الامن فانتابها شعورًا بعدم الراحة لا تعلم مصدره لتتبعه إلى الخارج دون أن يلاحظ،وجدته يسأل الرجل بحدة:
-مين اللي باعت الطرد ده؟
أجابه الرجل بجدية:
-صدقني يا باشا ما أعرف، كل اللي اعرفه إنه مبعوت عن طريق حد مهم ومتوصي عليه من الشركة
سأل فؤاد ضابط الأمن المكلف بحراسة القصر:
-كشفتوا على الطرد يا اسماعيل؟
رد الرجل باستفاضة:
-كشفنا عليه بالجهاز ولقيناه أمن يا باشا
أشار للرجل قائلاً:
-إفتح الصندوق
كانت تقف بجوار الباب تستمع وتشاهد لما يجري دون أن يلاحظ وجودها،تحدث الرجل باعتراض:
-ده مش شغلي يا افندم،أنا مهمتي أسلم الطرد ليوسف عمرو شخصيًا وأتكل على الله
تحولت عينيه من هادئة إلى براكين خامدة ستنفجر بأي وقت ليهتف بحدة صارمة أرعبت الرجل:
-إسمع الكلام وبطل رغي يا روح أمك علشان ليلتك السودة دي تعدي على خير
ارتجف جسدها من تحول فؤاد فهي أدرى الناس بطباع زوجها،فطالما وصل إلى هذا الحد وانفلت زمام صبره فهذا يعني أنه يستشعر الخطر،فتح الرجل الطرد ليجدوا بداخله علبه لأحدث هاتفًا محمول نزل بالأسواق وثمنهُ باهظًا للغاية،يصاحبه كارت فأشار له فؤاد بأن يجلبه له وما أمسكه وبدأ بقرائته حتى باغتتهُ تلك التي التصقت به وعينيها على تلك الكلمات «كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي،وعقبال مليون سنة،أكيد هييجي اليوم اللي نجتمع فيه تاني مع بعض،أنا بابا يا يوسف،بابا اللي عمره ما حب حد في الدنيا قد ما حبك،سلم لي على ماما لحد ما أشوفكم» اهتز جسدها بجواره ليتطلع عليها وجد وجهها شاحبٕا كالأموات وبسرعة البرق كان يحملها بين ذراعيه قبل أن يسقط جسدها أرضًا بعدما فقدت وعيها.
إنتهى الجزء الأول من رواية «أنا لها شمس»،بقلمي روز أمين

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى