روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت السابع والثلاثون

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء السابع والثلاثون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة السابعة والثلاثون

سكن الرعب في نفس منيرة بعدما سمعت عبارة فريال الأخيرة بينما جلال فقد استقرت نظراته المتعبة والثاقبة على زوجته قبل أن يستقيم واقفًا ويسير نحوها ثم يجذب الكيس من يدها ويفتحه، لتتسع عينيه بصدمة محدقًا بأعمال السحر، وسط حيرة وفضول الباقية لمعرفة ما يراه داخل ذلك الكيس، رفع جلال عينيه ينظر لوجه فريال فرآها تحدقه بغضب امتزج بعجزها وحزنها، ثم التفت نحو منيرة يسألها بعين ملتهبة:
_إيه ده؟!!
ازدردت منيرة ريقها بصعوبة وفورًا هبت واقفة تسرع باتجاه جلال لتنظر في ذلك الكيس مثله، وعندما رأت دلالات الإثبات على شرها فرت دماء وجهها وأصبح شاحب كجثة بلا روح، حتى جسدها تجمد والبرودة أخذت تسير بين أوصالها ببطء قاتل، وراحت تصرخ بغضب وصوت مهزوز يثبت توترها لكنها رغم كل هذا لا تستسلم ومازالت تبحث عن طريق لإنقاذ نفسها من السقوط بوحلها:
_الحچات دي مش بتاعتي أنا مستحيل أعمل إكده ياچلال.. أكيد هي اللي عملاها وعاوزة تلبسها فيها.. هي خسرتك ومن كتر غيرتها وحقدها ملقتش حل غير الأسحار والاعمال عشان ترجعك ليها
صرخت بها فريال منفعلة بعدما سمعت اتهاماتها الزور:
_لساتك بتكذبي أنتي إيه شيطان.. ده أنتي حاولتي تقتلي عيلي اللي في بطني ولسا امبارح كنتي بتهدديني إني لو مبعدتش عنك هتأذيني
استخدمت منيرة أسلوبها الشيطاني في الدفاع عن نفسها، لتتحول من صورة الظالم للمظلوم، حيث التفتت حولها تتجول بنظرها على وجوه جميع العائلة بعينان امتلأت بالعبرات ثم عادت تلقي نظرة أخيرة على جلال لتراه يتمعنها بأعين مخيفة تبشر بأعصار مدمر في طريقه لهم، فبكت زيفًا.. بكاء شديد وسط نظراتها العاجزة والبريئة نحو فريال وهي تصيح بها:
_أنا حاولت اقتل ولدك!!.. أنني بتعملي فيا إكده ليه يا فريال أنا عملتلك إيه حرام عليكي
استقامت جليلة واقفة بتلك اللحظة واسرعت نحوهم لتتفحص محتويات الكيس وعندما رأتها نظرت في وجه منيرة بذهول فوجدتها تهتف ببكاء هستيري تتوسلهم أن يصدقوها:
_لا يامرت عمي متصدقهاش أنا معملش إكده واصل.. أنا بحب چلال قوي كيف هأذيه
ثم أخذت تتقهقهر للخلف وهي تبكي بضعف وقهر متصنع وتهتف بصوتها المرتجف:
_حرام عليكي يافريال أنا مأذتكيش في حاچة.. عملالي سحر وكمان عاوزة تطلعيني أنا السحارة اللي عملتهولك
كانت فريال تشاهد المسرحية التي تمثلها أمامهم بذهول وللحظة فقدت قدرتها على النطق، وزاد ذهولها أنها رأت جليلة تقترب من منيرة وتواسيها وهي تتمتم لها بحنو:
_اهدي يامنيرة اهدي يابتي خلاص احنا عارفين أنك متعمليش حاچة كيف إكده واصل
طفح كيل فريال فصرخت بهم بعصبية شديدة:
_أنتوا هتصدقوا العقربة دي عشان دموع التماسيح اللي بتنزلها دي
ثم اندفعت نحو جليلة تصيح بها بقهر وعينان دامعة:
_وأنتي مصدقاها كيف بقولك حاولت تقتل ولد ولدك اللي لسا مچاش على الدنيا، وولدك كان هيروح فيها من يومين بسببها، كرهك ليا عمى عيونك عن الحقيقة
نظرت جليلة لفريال بغضب وقالت:
_مش يمكن انتي اللي عاملة الأسحار دي لولدي صُح وبتقولي منيرة اللي عملتها
ظل جلال يتابع الحرب الباردة بين أمه وزوجته وبين منيرة التي أبدعت في تمثيلها الدرامي وهو ساكن تمامًا، وعقله يستعيد كل تصرفات زوجته المريبة بالفترة السابقة بداية من اختفاء أمواله نهاية بليلته معها التي لا يعرف حتى الآن كيف مرت، كل ما يتذكره عنها أنه كان كالمغيب لا يشعر بشيء وفقط يرى فريال أمامه، من المستحيل أن تكون كل هذه الإشارات مجرد صدف قدرية.
التفتت فريال نحو جلال تنتظر الإنصاف منه، لكنها رأت السكون المريب عليه وهو يتمعن في زوجته بنظراته المميتة، لوهلة ظنته لن يصدقها مثلهم وسيفضل تصديق ادعاءات تلك الأفعى بدلًا من تصديقها، لكنه لم يفعل وهذه المرة كان كالحصن بظهرها، حيث وجدته يقترب من منيرة التي ظنته سيعانقها كما فعلت أمه ويملأ أذنيها بعبارات الثقة والآمان.. لكنها واجهت بدلًا من ذلك صفعة كادت أن تهوي بها أرضًا، تلك الصفعة كانت بمثابة صدمة لها وغضب ظهر على قسمات وجه جليلة أما الجد حمزة وعلي ومنصور كانوا يبتسمون فخرًا بتصرف جلال الصائب.
اعتدلت منيرة في وقفتها محدقة بجلال في ذهول واضعة كفها فوق وجنتها التي تلقت صفعته للتو، ثم هتفت ببكاء مستمرة في اتهاماتها السخيفة:
_چلال متصدقهاش أنا معملتش حاچة والله.. هي اللي عملتلك الأعمال دي كلها
تحول من سكونه لثوران مخيف جعله كالوحش الكاسر، فقبض على فكها في عنف وهو يصيح بها:
_اكتمي مسمعش حسك ولا اسمعك بتقولي فريال تاني واصل.. **** اليوم اللي شوفتك واتچوزتك فيه
كانت تصرخ وتبكي وهي تهز رأسها بالنفي مستمرة في أنكار أفعالها الشريرة، فجذبها جلال من ذراعها وجرها خلفه كالحيوانات دون اكتراث لأي حد.. كأن تلك الغمامة التي حجبت الرؤية عنه عينيه طوال الشهور السابقة قد انجلت أخيرًا وعادت له رؤيته مجددًا.
همت جليلة بالاسراع واللحاق بابنها عندما رأته يتجه بزوجته للأعلى لكن صدح صوت حمزة وهو يصيح بزوجة ابنه غاضبًا:
_چليلة ملكيش صالح.. بزيادة اللي عملتيه مش دي كانت شورتك وفضلتي فوق ودن ولدك لغاية ما خلتيه يتچوزها
التفتت جليلة نحوه بغضب لكنها لم تجرؤ على ثني أوامراه بل امتثلت لها مجبرة، على عكس فريال التي كانت تبتسم بنصر وسعادة ثم تحركت هي خلف زوجها تلحق به لتشاهد بعينيها اللحظات الأخيرة التي طالما انتظرتها لتلك الأفعى.
وصل جلال لغرفتها بالطابق الثالث ودفعها للداخل بعنف فسقطت فوق الفراش، فاعتدلت بسرعة في رعب وأخذت تتراجع للخلف محاولة الفرار من بطشه القاتل، لكن هيهات فلا سبيل لها اليوم.
كانت ملامحه أشبه بشبح عاد من الجحيم ليسلبها أعز ما تملك، فارتجفت رعبًا وهي تبكي وتصرخ على أمل أن يأتي أحدهم وينقذها، ليتها تخيلت تلك النهاية بعقلها منذ البداية، لكن الأنسان الذي غلف الله على قلبه وجعله بلا روح متحجرًا، لن يُنعم بهبة الرؤية وسيصبح أعمى البصر والبصيرة.
تلقت الصفعة الثانية منه وهو يصرخ بها بصوت جهوري جلجل المنزل بأكمله:
_اللي سرقتيه مني كنت بتديه للـ ***** بيعملك الأسحار يا*** صُح
هزت رأسها بالنفي وهي تبكي بصوت عالي وتقول:
_لا لا أنا معملتش حاچة ومسرقتش حاچة.. مش أنا ياچلال مش أنا
جذبها من خصلات شعرها مكملًا صراخه المرعب بها وهو يقول ساخرًا:
_أمال مين اللي سرق فريال!!.. الرقم السري بتاع خزنتي أنا غيرته ومفيش غيرك يعرفه في البيت حتى فريال متعرفهوش، بس أنا مكنتش داري بروحي لدرچة أني كنت عارف أنك بتاخدي الفلوس مني وكنت بقول يمكن محتچاها وكنت سايبك واتاريكي بتسحريلي بفلوسي يا****
إخذت تتلوى بين قبضته محاولة التملص منه وسط صراخها وتوسلها له بأن يتركها، لكنه لم يكن يسمعها حتى وتابع بنقم حقيقي وعصبية:
_وفي الليلة إياها كنتي عملالي حاچة عشان اقرب منك وتنولي اللي عاوزاه.. كنتي زقياني السحر في العصير اللي شربتهولي الصبح مش إكده
لم يحصل على رد منها سوى البكاء لكن صرخته نفضتها بين يديه:
_انطقي
ردت أخيرًا تعلن استسلامها وهزيمتها بحرب ليست لها من الأساس:
_سامحني ياچلال أبوس يدك أنا بحبك ومكنتش عارفة أعمل إيه
تقف فريال عند باب الغرفة تشاهد وتسمع كل شيء وعينيها تذرف الدموع بغزارة دون توقف، بينما جلال فتابع وهو يصفعها للمرة الثالثة صارخًا بها:
_وفوق كل ده عاوزة تقتلي ولدي.. صدقيني اللي حايشني عن قتلك دلوك هما عيالي.. لكن الغلط راكبني أنا من ساسي لراسي أني سبتك تدخلي بيني وبين مرتي واتچوزتك وخسرت مرتي وعيالي بسببك يا****
جثت منيرة أسفل قدميه تقبلها وهي تبكي متوسلة إياه بكل عجز:
_ متهملنيش ياچلال، غلطة ومش هتتكرر تاني ومن إهنه ورايح هبقى تحت طوعك وكل اللي تقوله هنفذه من غير نفس ولو عاوزني اطلع احب على راس فريال واعتذر منها هطلع، بس متهملنيش ابوس يدك
سحب قدمه من بين يديها ودفعها بعيدًا عنه باشمئزاز ثم تفوه بعبارة كانت تتوق فريال لسماعها.. عبارة حتى أنه تأخر على نطقها حتى الآن:
_أنتي طالق
لمعت عيني فريال بوميض الدهشة الممتزج بفرجتها الغامرة، على عكس منيرة التي كانت الصدمة تحتل ملامحها وجمدتها بأرضها دون حركة.
تابع جلال بلهجة آمرة وهو يشير لها على الخزنة:
_مش عاوزة اشوف حاچة ليكي في البيت ده واصل.. لمي كل عزالك وخلچاتك عشان ناسك هياچوا ياخدوكي دلوك
استدار يهم بالانصراف لكنه تسمر عندما رأى فريال تقف عند الباب وعينيها الباسمة ممتلئة بالعبرات، طالت نظرته المتألمة لها قبل أن يتحرك ليعبر من جانبها ويذهب ويتركها، فالتفتت فريال نحو منيرة ودخلت لها بخطوات بطيئة تهمس بتشفي:
_سبق وقولتلك هطلعك من بيتي وأخلي چوزي يرميكي كيف الزبالة من الباب بس أنتي مصدقتنيش، البكا والعويل مش هيفيدك بحاچة دلوك، قومي احسلك لمي عزالك بدل ما ارميهم في الشارع وأولع فيهم قصاد الخلق كلها
تقابلت نظرات فريال المتشفية مع منيرة الحاقدة وهي على الأرض بحالتها المزرية لبعض الوقت قبل أن تستدير وانصرف وتتركها تعاني بمفردها جزء من عقابها على أفعالها.
***
في القاهرة……
انتهت من ارتداء ملابسها وتجهزت لموعدها مع الطبيب في المستشفى وظلت تنتظر عودته حتى مرت ساعة تقريبًا، انزعجت من تأخره عليها فمالت للأمام تلتقط هاتفها من فوق المنضدة، وبينما كانت على وشك الاتصال به سمعت صوت باب المنزل فانزلت الهاتف مجددًا في هدوء وتبدل عبوس وجهها لبسمة جميلة تستقبله بها، لكن تبددت تلك الابتسامة واختفت تدريجيًا عندما رأت قسمات وجهه المكهفرة والمتكدرة فسألته بقلق:
_مالك ياعمران؟
تأفف بقوة زافرًا لهيب حارق من بين شفتيه، ثم اتجه نحو المطبخ دون أن يجيبها، فغضنت حاجبيها باستغراب وتحركت بمقعدها خلفه فورًا إلى المطبخ فرأته يضع الطعام الذي قام بشرائه في المبرد دون أن يلتفت لها ولا يتحدث معها حتى، فهتفت بضيق بسيط من تجاهله لها:
_عمران أنا بسألك مالك ليه مبتردش عليا؟!
رأته يسكب المياه من الزجاجة في الكأس ثم يرفعه لفمه ليشربه كله دفعة واحدة ثم يجيب أخيرًا:
_مفيش يا آسيا.. لو لبستي يلا بينا عشان منتأخرش
انهى عبارته وتركها مجددًا وهذه المرة كانت وجهته غرفة نومهم، فرفعت حاجبها اليسار مستنكرة بروده في الرد عليه وتقوست ملامح وجهها بالانزعاج الحقيقي فلحقت به فورًا ودخلت الغرفة خلفه فوجدته جالس فوق الفراش ويمسك بهاتفه على وشك الاتصال بأحدهم، فأسرعت نحوه وجذبت الهاتف منه وهي تهتف بعناد:
_ في حاچة حُصلت وأنا مش هطلع ولا هتحرك من إهنه غير لما تقولي إيه اللي حُصل
رمقها بنظرة منذرة ثم مد يده مردفًا:
_آسيا أنا مش عاوز اتعصب وتحصل مشكلة بينا هاتي التلفون وبلاش عند، مش وقته واصل دلوك
هزت رأسها رافضة وهي تضم الهاتف لصدرها بإصرار هاتفة:
_قولتلك مش ههملك غير لما تقولي.. طالما مش بترد عليا إكده يبقى ليه علاقة بيا وأنا عملت حاچة
تنهد الصعداء بنفاذ صبر وقال بنبرته الرجولية المميزة:
_لا معملتيش حاچة بس أنا دلوك عفاريت الدنيا بتتنطط قصاد وشي وأنتي عارفة عصبيتي فبعدي عني وبعدين نبقى نتكلم
زمت شفتيها في عناد أثار جنونه أكثر فصرخ بها منفعلًا دون وعي:
_آسيا متعانديش معايا، اطلعي برا واستنيني
فزعت من صراخه بها ولاح السخط الشديد والحزن على قسماتها، فوضعت له هاتفه في يده واستدارت وانصرفت لتتركه بمفرده كما صرخ بها للتو.
دقائق طويلة مرت وهو مازال في الغرفة يتحدث بالهاتف، فور سماعها لصوت الباب ينفتح ويخرج منه أشاحت بوجهها للجانب الآخر فورًا تتفادى النظر إليه، عندما رآها هكذا أطلق زفيرًا عاليًا بضيق ثم اقترب منها وانحنى عليها من الجانب يقبَّل رأسها بحب متمتمًا في أسف:
_حقك عليا
أزاحت يده عنها وهي تقول ببرود دون أن تنظر لوجهه:
_يلا بينا عشان اتأخرنا
جلس على المقعد المقابل لها ثم مد أنامله يمسك بذقنها ليميل وجهها باتجاهه، حاولت هي إزاحة يده مجددًا لكنه قبض على كفها الناعم ورفعه لشفتيه يقبل باطنه عدة قبلات متتالية، صابتها القشعريرة من ملمس شفتيه الغليظة وأنفاسه الساخنة وأرادت سحب يدها فوجدته يضغط عليها بإحكام رافضًا تركها ويهمس لها وهو يتأملها بعيناه الرجولية المثيرة:
_متزعليش مني ياغزال.. غصب عني اتعصبت عليكي وأنا عشان إكده بعدت عنك واصل وقولتلك متعانديش معايا، عشان مش عاوز ازعلك مني
طالت نظراتها الناعمة له ونجح بقبلة صغيرة فقط امتصاص غضبها لكنها لن تمحنه رغبته بهذه السرعة، فابتعدت بنظرها عنه في دلال ملحوظ وهي تقول له بجفاء متصنع:
_سيب يدي
مال ثغره للجانب في ابتسامة ماكرة وعمدًا ضغط على يدها أكثر وهو يحتضنها بين كفه العريض ويتلمسها بكل بطء في لمسات ليست بريئة أبدًا، فانتفضت هي خجلًا وحاولت سحب يدها منه هاتفة بتوتر:
_عمران سيب يدي بتعمل إيه؟!
ابتسم بخبث ورد بكل برود:
_ولا حاچة ماسك يدك عادي
آسيا بوجنتين متفجرتان من فرط الأحمرار هتفت:
_هو ده العادي بنسبالك!!.. عـمـران بعد عني أنا لساتني زعلانة منك ومسامحتكش
كانت عينيه تلمع بخبثه وهو يبتسم لها بجرأة ويتمتم:
_وأنا بصالحك أهو
وجدته يرفع يدها مجددًا لشفتيه وهذه المرة كانت قبلته مختلفة عن السابقة، كانت كلها جرأة ولؤم متعمد منه لأثارة خجلها المحبب، عند ملمس شفتيه ولحيته لبشرتها صرخت بقوة في ألم مزيف:
_آه رچلي
ترك يدها مزعورًا وهتف بسرعة في قلق:
_مالها رچلك؟
قالت بصوت مضطرب تخترع كذبة:
_معرفش حسيت بألم فجأة
دقق النظر في ملامحها المرتبكة ففهم حيلتها للتخلص منه، رأته يضحك بخفة ويقول غامزًا:
_هنطلع دلوك عشان اتأخرنا على معاد الدكتور وبعدين لما نرچع نبقى نكمل موضوع الصُلح ونشوف رچلك اللي وچعاكي دي
عضت على شفاها بعدما أدركت أنه كشف حيلتها البسيطة ولم تتفوه ببنت شفة فقط ابتسمت له بنعومة ليقابل هو الابتسامة بقبلة دافئة على وجنتها جمدت جسدها كلها بالمقعد….
***
كانت فريال وجليلة وإنصاف يجلسون بالصالة ويستمعون لأصوات الرجال المرتفعة بغرفة الجلوس، فنظرت جليلة لفريال وقالت لها بغضب:
_قولي الحقيقة أنتي اللي عملتيها يافريال مش منيرة صُح؟!
رمقتها فريال بطرف عيناها في ثقة وقالت:
_روحي قولي الكلام ده لولدك ياحماتي وهو يرد عليكي
ضحكت جليلة ساخرة منها وردت منفعلة:
_وأنتي فكرك ولدي هيسامحك ولا يرجعلك تاني بعد كل اللي عمله معاكي وأنتي مكنتيش بتبصي في وشه وآخر حاچة تطلعي مخبية عنه حملك والله اعلم كنتي ناوية تسقطي العيل ولا لا كمان
استشاطت فريال غيظًا وحدقت بوالدة زوجها شزرًا لتردف مستاءة تنفي اتهاماتها السخيفة:
_ده ولدي قبل ما يكون ولده ولا يمكن اقتل ولدي ولو أنا خبيت عنه حملي فأنا ليا أسبابي وأنتي ملكيش الحق تعرفيها ولا حتى تحاسبيني
اتسعت عيني جليلة بدهشة من تلك الجرأة التي تحلت بها فجأة وجعلتها تتحدث معها بكل شجاعة وقوة، سرعان ما اشتعلت عينيها بلهيب الغيظ وصاحت بها:
_ليا ونص كمان ده ولدي واللي في بطنك ولد ولدي، أنتي فاكرة روحك إيه ولا عشان ولدي وقف في صفك النهاردة ونصفك يبقى تنسي نفسك وانتي بتكلميني، ليكون فكرك عشان چلال طلق منيرة خلاص يبقى هيرچعلك لا متحلميش يابت ابراهيم
ابتسمت لها فريال بنظرات ثاقبة وقوية ثم تمتمت:
_ومين قالك أني كنت مستنية چلال يطلقها عشان يرچعلي.. لما تطلع العقربة دي من البيت وقتها هتشوفي أنا كنت مستنية إيه
قطع الحرب الباردة بينهم خروج الرجال من غرفة الجلوس وكانت وجوههم مكفهرة وبالأخص عائلة منيرة لكن جلال كان هادئًا تمامًا وكأن حمل ثقيل فوق صدره ازاحه وتخلص منه.
تحرك عند بداية الدرج ووقف ثم نظر للأعلى وصاح بصوته الرجولي الجهوري والمرتفع:
_مـنـيــرة
دقائق قصيرة ومعدودة حتى بدأت الآذان تسمع صوت خطوات أقدام منيرة على الدرج وهي تنزل ببطء، وكأنها بانتظار معجزة تمنعها من مغادرة هذا المنزل وعودة كل شيء لحالته الرائعة كما كان.
عندما وصلت للطابق الأرضي رأت جلال ينتظرها عند آخر الدرج وينظر لها بقسوة، عينيه تودعها من قبل مغادرتها المنزل وتستقبل رحيلها بصدر رحب، رفعت رأسها ونظرت في وجوه عائلتها وبالأخص والدها وعمها فرأت الوعيد والشر يتطاير من عينيهم، تملكها الرعب وانهمرت دموعها غزيرة خوفًا من بطش والدها لها بعد مغادرتها لمنزل زوجها.
نزلت آخر درجات السلم ببطء أشد، تنزل خطوة وتتراجع خطوة حتى وصلت أخيرًا لآخر درجة ووقفت بجوار جلال الذي نظر لوالدها وقال له بقرف:
_خد بتك ياحچ ياسر
اندفع ياسر تجاه ابنته يجذبها من ذراعها بعنف وهو يهتف لها بصوت محتقن من فرط الغيظ:
_حسابك معايا في البيت يا****
اقترب عمها وبقية رجال عائلتها وحملوا حقائبها واشيائها بينما جلال فنظر لوالدها وقال لها بثبات انفعالي غريب:
_بتك ورقة طلاقها هتوصلها خلال يومين ومش عاوز اشوف خلقتها تاني
رمقه ياسر بغضب ثم نظر لابنته باستياء أشد وراح يجرها معه للخارج صائحًا بها:
_اتحركي قصادي يافاچرة
كانت فريال تتابع لحظات رحيلها الأخيرة والأبدية من منزلها وهي تبتسم باتساع ولمعة النصر والتشفي تظهر بوضوح في عينيها، بينما جلال وبقية رجال العائلة دخلوا مجددًا لغرفة الجلوس ليكملوا حديثهم فيما بينهم لكن كعائلة فقط.
***
بالقاهرة داخل المستشفى…..
كانت آسيا تنتظر عمران بساحة الانتظار أو ما يسمى بـ( كافتريا ) المستشفى، بعد أن تركها وذهب لينهي عملًا مهمًا له بالخارج لن يستغرق دقائق كما أخبرها، بينما كانت هي ممسكة بهاتفها تتفحص محتوياته بفتور انتبهت على صوت طفلة صغيرة تبلغ من العمر تقريبًا ست سنوات تسألها بعينان دامعة وخوف:
_ياطنط مشوفتيش ماما أنا مش لاقياها
التفتت لها آسيا وتركت الهاتف من يدها ثم رفعت يدها تمسح على شعرها بحنو وتسألها باهتمام:
_مش لقياها كيف ياحبيبتي، هي سابتك وراحت تچيب حاچة طيب
هزت رأسها بالإيجاب وقالت بصوت طفولي باكي:
_أيوة هي قالتلي هروح اشتري الدوا بس اتأخرت وانا بدور عليها مش لقياها خالص
ضمتها آسيا لصدرها وهي تربت عليها بحنو وتتمتم:
_طيب متخافيش هي أكيد راچعة تاني واتأخرت شوية بس.. انتي خليكي إهنه جمبي لغاية ما ترچع
أماءت الصغيرة بالموافقة لآسيا ثم ابتعدت عنها وجلست على المقعد المقابل لها وهي تتلفت حولها باحثة عن أمها بين وجوه الجميع علها تجدها وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع فاشفقت آسيا عليها وقالت لها مبتسمة بدفء:
_أنتي اسمك إيه؟
إجابتها بعبوس:
_ريم
اتسعت ابتسامة آسيا أكثر وراحت تمد يدها تمسح على شعرها بحب متمتمة:
_اسمك حلو قوي ياريم.. بس أنا مش قولتلك متخافيش وماما هترچع متبكيش عاد.. تحبي اچبلك عصير أو بسكويت
هزت رأسها بالرفض دون أن تنظر لآسيا، فقد كانت منشغلة بالبحث عن أمها بين الناس حتى سمعت سؤال آسيا:
_بابا وين طيب ياحبيبتي؟
التفتت الصغيرة لآسيا أخيرًا وقالت لها بحزن:
_بابا مش موجود احنا جينا هنا عشان تيتة تعبانة وبابا اصلا مش بيقعد معانا كتير وبيجي كل فترة طويلة يقعد شوية ويطلع
تبادلت معها آسيا أطراف الحديث حتى تنسيها خوفها وتوترها فقالت لها:
_ليه بابا شغال إيه؟
زمت الطفلة شفتيها للأمام في جهل وتمتمت بعبوس:
_معرفش بس هو بيقولي دايمًا أنه بيروح عند اخواتي عشان كدا مش بيقعد كتير معانا
كانت آسيا تتابع لطافتها وهي تتحدث بكل براءة وتبتسم لها بحب، وتابعت الحديث معها حتى تلهيها أكثر:
_طيب واخواتك اسمهم إيه؟
سكتت لبرهة من الوقت تتذكر أسمائهم ورفعت سبابتها تضع طرف اصبعها في فمها وسط تفكيرها العميق ونظرات آسيا الضاحكة حتى قالت لها بالأخير في تلهف:
_ايوة بابا قالي أن اختي اسمها فريال وأخويا عمران وبلال
تجمدت الدماء في وجه آسيا وتدريجيًا تلاشت ابتسامتها حتى تحولت لذهول وعدم فهم، لا يمكن أن يكون مجرد صدفة بتصادف نفس الثلاث أسماء، مرت وقت طويل نسبيًا والصمت القاتل يهيمن على آسيا التي تحاول طرد تلك الأفكار الشيطانية من عقلها واستيعاب ما قالته تلك الطفلة، وبعد تفكير عميق أخيرًا قررت طرح سؤالها الأخير عليها حتى تتأكد من شكوكها:
_أنتي بابا اسمه إيه ياريم؟
كانت الصغيرة على وشك الإجابة لكنها توقفت عندما قطع حديثهم عمران وهو يهتف:
_آسيا!!
التفتت له مزعورة ثم زفرت بقوة وهي تقول متنفسا الصعداء براحة:
_قلبي وقع في رچليا ياعمران حرام عليك
رأت نظراته المستفهة نحو الطفلة فقالت بخفوت ووجه مضطرب:
_تاهت من أمها وكانت بتسألني عليها فقولتلها استنيها إهنه معايا لغاية ما ترچع
انحنى عمران على الصغيرة وراح يسألها بحنو واهتمام:
_أنتي كان معاكي أمك بس وأبوكي مش معاكم؟
تدخلت آسيا بسرعة خشية من أن تجيبه الطفلة وقالت بصوت متوتر:
_لا لا أمها بس كانت معاها ياعمران.. هي قالتلي أنها راحت تشتري دوا واتأخرت وأكيد هترچع دلوك
رفع كفه وناس فوق شعره بلطف وهو يسألها:
_طيب أنتي چعانة أو عاوزة تشربي أي حاچة أچبلك يا بابا
تلفتت برأسها بين آسيا وعمران وردت عليه باستغراب ونبرة تهكمية:
_بس أنت مش بابا!
ضحك بخفة ورد عليها وهو يقترب منها يقبل رأسها بدفء:
_عارف ياحبيبتي
كانت آسيا تتابع ما يحدث بينهم بعينان ثاقبة وتزدرد ريقها بصعوبة من ذهولها وتوترها رغم أنها لم تتأكد بعد لكنها تشعر بأن شكوكها حقيقة.
التفتت الصغيرة على صوت أمها وهي تصيح عليها:
_ريــم
صاحت الطفلة ترد على أمها:
_ ماما
ركضت أمها نحوها وعانقتها بقوة في خوف شديد تهتف لابنتها بعتاب شديد:
_أنا مش قولتلك ياحبيبتي متتحركيش من مكانك وأنا شوية وراجعة
نظرت الصغيرة لآسيا وقالت لأمها مبتسمة:
_أنا سألت طنط عنك وقالتلي اقعد جمبها استناكي لغاية ما تيجي
نظرت داليا لآسيا وابتسمت لها بامتنان تقول:
_متشكرة جدًا ليكي معلش لو ريم ازعجتك أو تعبتك
طالت نظرة آسيا المتفحصة والشاردة لها ثم انتبهت لها ولعبارتها وردت عليها ببسمة صغيرة تكاد تخرج بصعوبة:
_مفيش أزعاچ ولا حاچة
التفتت داليا برأسها للجانب وعندما سقط نظرها على عمران تسمرت مكانها واتسعت عينيها بصدمة، فلاحظت آسيا صدمتها ونظراتها المرتعدة لزوجها وكأنها تعرفه ثم امسكت بذراع ابنتها ونظرت لآسيا تقول لها بتوتر وبإيجاز شديد:
_عن اذنك وشكرًا مرة تاني
بظرف لحظة كانت تجذب ابنتها معها ويبتعدوا عنهم بسرعة، عندما التفتت آسيا لوجه عمران رأته يتابع تلك السيدة وهي تسير مبتعدة عنهم رافعًا حاجبه بتعجب، ولم يكن صعب عليها توقع نوع الأسئلة التي تدور بذهنه الآن بعد نظراتها المريبة والمضطربة له.
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي……
فتح ابراهيم باب الغرفة ودخل فوجد إخلاص جالسة فوق الفراش وبيدها هاتفها تحدق في شاشته وتستمع لصوت الرنين وتنتظر الرد، فاقترب منها وادخل عينيه في الهاتف فرأى اسم عمران ينير الشاشة!.
جذب الهاتف من يدها بعنف صائحًا بها:
_إيه بتتصلي بيه عشان تقوليلوا يا إخلاص!
هبت واقفة من الفراش مفزوعة ثم قالت:
_كنت بتصل اطمن على ولدي يا ابراهيم إيه ممنوع كمان ولا إيه!
القى بالهاتف على الفراش ثم قبض على ذراعها وهو يصرخ بها بعصبية:
_تطمني عليه إيه، أنتي بتستعبطي عليا
تأففت إخلاص بقوة بعدما مالت بوجهها للجانب وردت عليه بعينان دامعة:
_والله ما كنت هقوله حاچة يا ابراهيم.. بعدين حاچة كيف إكده حتى لو عايزة أقوله عليها مقدرش أقوله في التلفون
ضغط على ذراعها بعنف أشد وهو يصيح بنظرات ملتهبة ومحذرة:
_لا في التلفون ولا في غيره، لو فتحتي خشمك ونطقتي بكلمة قصاد عمران ولا بلال هقصلك لسانك واصل يا إخلاص فاهمة ولا لا
التزمت الصمت مجبرة وهي تطرق رأسها أرضًا وتنهمر الدموع الحارقة من عينيها في سكون تام، حتى وجدته يترك ذراعها بكل هدوء ويهمس لها بنبرة أصبحت لينة ودافئة:
_مفيش حد مبيغلطش وأنا غلطت وأنتي من واچبك تقفي چار چوزك يا إخلاص مش تعملي فتنة بين العيال وأبوهم عشان غلطة عدت وخلصت وهو ندمان عليها
رفعت رأسها وطالعته بخزي متمتمة:
_وأنت شايف أن دي غلطة بسيطة وعادية ومفيش مشكلة نكمل حياتنا عادي كيف ما كانت!
رأت الحدة تظهر في عينيه مجددًا لكنه مازال محتفظ بنبرته اللطيفة:
_أيوة هنكمل حياتنا عادي يا إخلاص عشان عيالنا وعشان ميبقاش في دم تاني وحد منينا يتأذي.. أنتي عارفة زين أنا بحبك كيف وأنك غالية عندي فمتخليش عاد المشاكل تدخل بينا يا أم الغالي وانسي اللي سمعتيه وخلينا نكمل حياتنا كيف ما كانت
نظرت له بأسى دون أن تقوى على التفوه بكلمة ومعارضته أو حتى تعنيفه على ذنبه الشنيع، أما هو فقد تركها واتجه نحو الحمام لكي يأخذ حمامًا دافيء بعد يوم طويل وشاق في العمل…
***
انتهت من محاضرتها وكانت في طريقها لمغادرة الجامعة بأكملها، وأثناء مرورها من حرم الجامعة الكبير سقط نظرها بالصدفة على بلال وهو يجلس بجوار فتاة يتبادلون أطراف الحديث، توقف وتابعتهم بتركيز شديد والانزعاج بدأ يتسلل لها وسرعان ما تحول لغيرة شديدة عندما رأتهم يضحكون ويتحدثون بحرية ومتعة، استمرت وقت طويل وهي تراقبهم من بعيد بنظراتها الحارقة على أما ينهض ويتركها لكنه لم يفعل وذلك الحديث لا ينتهي، ومع الوقت يصبح تفاعلهم مع حديثهم أقوى وضحكهم يزداد.
شعرت بلهيب يخرج من عينيها وهي تشاهدهم ونيران الغيرة تأكل صدرها، وكانت نظرتها الأخيرة لهم متوعدة ومغتاظة ثم اندفعت لخارج الجامعة بأكملها وهي كالاسهم المشتعل، لا ترى أمامها سوى هدفها وهو بوابة الجامعة حتى تغادر قبل أن تحترق بنارها.
وقفت أمام الجامعة نتنظر سيارة أجرة لكن كالعادة جميع السيارات ممتلئة، الوقت يمر ودون فائدة فضربت الأرض بقدمها وهي تهتف مغتاظة:
_أووووف هو ده وقته كمان.. أنا ناقصة حرقة دم ياربي
سمعت صوته داخل السيارة من خلفها وهو يهتف باسمًا:
_ناوية تقفي كتير تستني؟!
لم تلتفت له وتجاهلته تمامًا كأنها لا تسمعه، فضيق عينيه بتعجب ثم هتف بنبرة قوية:
_حور!
التفتت له برأسها وردت باقتضاب:
_افندم
غضن حاجبيه وظهر الجدية التامة على ملامحه وهو يسألها:
_أنتي كويسة؟!
استدارت له بجسدها كاملًا وقالت منزعجة بغضب حقيقي:
_أنا كويسة وزي ما أنت شايف مستنية ميكروباص.. ممكن تمشي أنت بقى وتشوف شغلك
فتح باب السيارة فورًا ونزل ثم اقترب منها وهو يسألها بحيرة وقلق:
_في إيه مالك؟.. في حاچة حصلت ولا إيه؟!
حور بقسوة وعصبية بعدما تذكرت ضحكه وحديثه مع تلك الفتاة:
_مفيش حاجة يا بلال ممكن تمشي وتسيبني
لاحت بشائر الاستياء على معالمه فقال لها بنبرة رجولية حازمة:
_طيب مش لما تفهميني الأول إيه اللي حُصل وليه بتكلميني بالطريقة دي.. لو عملت حاچة ضايقتك قوليلي وأنا اعتذرلك وأبوس على راسك كمان
صاحت به منفعلة:
_إيه تبوس على راسي دي.. احترم نفسك
رفع حاجبه اليسار بطريقة مريبة ورد عليها في خفوت وصوت محتقن:
_تعبير مچازي ياحور.. تعبير مچازي أكيد مش هعمل إكده يعني
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى وهي عاقدة ذراعيها أسفل صدرها فتابع هو بهدوء متصنع رغم انزعاجه الشديد:
_تعالي اوصلك واحكيلي إيه اللي مضايقك
ردت بامتعاض:
_شكرًا
بلال بعصبية بدأت تظهر عليه:
_حور في إيه!!
رمقته بغضب وقالت في حدة:
_مفيش قولتلك امشي مش هركب معاك
لوى فمه بغيظ وهو يصر على أسنانه وطالت نظراته المتفحصة لها كأنه يحاول اختراق عقلها وفهم ما يدور داخله، ثم هز رأسه بالموافقة وابتعد عنها ليستقل بسيارته مجددًا، ظنته سيرحل لكن وجدته مازال واقفًا بسيارته ولم يتحرك، قالت له بحدة:
_إيه هتفضل واقف كدا يعني؟!
رد عليه بغيظ وسخط:
_آه لما اشوف هتعاندي إكده لغاية امتى
ولته ظهرها في عدم اكتراث ووقفت تتابع الطريق تبحث عن أي سيارة بها مقعد فارغ، كانت تدعي ربها أن تجد سيارة حتى لا تضطر على الذهاب معه في سيارته، فاستجاب ربنا لدعائها ووجدت سيارة أخيرًا واستقلت بها وهي تنظر له ببرود على عكس نظراته المشتعلة لها…
***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة فريال….
فتح جلال الباب ودخل لكنه تسمر فور رؤيته لها وهي تجمع ملابسها وتضعها بحقيبة ملابسة كبيرة، وقف لثواني يتابعها حتى طرح سؤاله أخيرًا:
_بتعملي إيه؟!
ردت عليه بجفاء وهي مستمرة في وضع ملابسها بالحقيبة:
_كيف ما أنت شايف بلم هدومي وماشية وهاخد عيالي معايا كمان
ارتفع حاجبه تلقائيًا كردة فعل مستنكرة على ما تفوهت به للتو، ثم رفع يده واستند بكفه على الحائط يسألها للمرة الثانية لكن هذه المرة بلهجة مخيفة:
_ماشية وين عاد!
التفتت له وقالت بقوة:
_راچعة بيت أبوي
كان البرود يستحوذه كليًا حيث اناء برأيه وهو يهز رأسه بالتفهم، ثم رد باسمًا بسخرية:
_وأنتي مين سمحلك بده وقالك أنك هتروحي
تركت الذي بيدها والقت بالملابس في الحديقة ثم انتصب في وقفتها واستدارت له بجسدها لتتقدم نحوه وتهتف بغضب بسيط:
_مش مستنية أخد أذن لا منك ولا من حد ياچلال.. أنا لما رچعت وفضلت إهنه واستحملت كل حاچة كان عشان هدف واحد وهو أني اطلع منيرة من البيت ده واليوم خلاص غارت ومش راچعة تاني إلا لو أنت حبيت تردها عاد
جلال بنبرة هادئة تمامًا:
_امممم وأنتي كان عندك الهدف ده ليه؟
فريال بنظرة غاضبة:
_عشان مش هسيب عقربة كيفها تعيش مع عيالي في نفس البيت ولا تأذيهم
ابتسم جلال بسخرية وقال في نظرة مميتة ليست طبيعية أبدًا كنبرته:
_ولما أنتي ناوية من البداية تاخدي العيال وترچعي بيت أبوكي بتقولي ليه كنتي عاوزة تخلصي منها عشان متعيشش مع عيالك في نفس البيت، مهو العيال مش موجدين وأنتي هتاخديهم معاكي دلوك، فين عاد الفايدة اللي رچعتلك؟
لوت فريال فمها واشتدت حدة نظراتها وهي تسأله:
_قصدك إيه؟!
مال ثغره بابتسامة مريرة وقال باستياء وقسوة:
_أنتي فاهمة قصدي زين قوي يافريال.. عاوزة تنتقمي مني ولما تكشفي منيرة واطلقها تسبيني أنتي والعيال وتهمليني لحالي عشان اچرب الوچع صُح كيف ما أنتي چربتيه واتحرم من عيالي وأفضل وحدي كعقاب ليا مش إكده
فرت الكلمات من عقلها بعدما ضربها بحقيقة مخططها القاسي والأناني التي كانت تسعى له منذ عودتها لهذا المنزل، رأته يضحك بخزي بعدما تأكد من صدق ما قاله وحقيقة مبتغاها منذ البداية ثم تمتم بألم يظهر في نبرته:
_اظن دلوك أنتي فهمتي مين فينا اللي عمره ما حب التاني أبدًا.. متقلقيش أنا مش همنعك لو عايزة تمشي الباب يفوت چمل بس بعد ما تولدي وولدي أو بتي ياچي للدنيا سالم سعتها امشي بس برصوا هتمشي وحدك من غير العيال
امتلأت عيناها بالدموع وردت عليه بقهر ووجع:
_همشي دلوك ومش هتقدر تمنعني ياچلال
ابتسم لها بسخرية ثم استدار وسار للخارج يتركها بمفردها وهو يغلق الباب بالمفتاح من الخارج، فأسرعت نحو الباب تضرب عليه هاتفة بغضب:
_چلال افتح الباب.. چـــلال
لم تسمع منه رد فقد رحل وتركها حبيسة الغرفة.. جثت على الأرض مستندة بظهرها على الباب وهي تبكي بألم وحزن شديد….
***
داخل المستشفى بالقاهرة دخلت آسيا لغرفة الطبيب الجديد الذي ستتابع معه حالتها الصحية، انتظرته بالغرفة لدقائق طويلة مع عمران الذي كان يتحدث في الهاتف عن العمل إلى حين وصول الطبيب.
أخيرًا انفتح الباب وظهر من خلفه الطبيب، فور رؤيتها له ابتسمت بعذوبة على عكس عمران الذي تحولت ملامحه بلحظة واحدة وأصبحت مرعبة وغريبة.
هتفت آسيا بعفوية تامة وهي مبتسمة:
_سليم!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى