رواية أنا لها شمس الفصل السادس والأربعون 46 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس الجزء السادس والأربعون
رواية أنا لها شمس البارت السادس والأربعون
رواية أنا لها شمس الحلقة السادسة والأربعون
مشاعر مضطربة إجتاحت روحها،ما بين رهبة إرتيابٍ إشتياقٍ وحنين،حنين لعائلتها التي لم تحصد من وجودهم بحياتها سوى الوجع والذل وخيبة الأمل،لكنهم بالنهاية أهلها،يسيطرُ عليها شعورًا مريرًا يسكن جوفها،كانت تتطلع من نافذة السيارة،شاردة بالطريق الزراعي التي تمر منه للوصول إلى قريتها،شعرت بهلعٍ عندما اقتربت من ذاك الكوبري التي ستمر من خلاله لدخول بلدتها،لاحت بمخيلتها خروجها عبرهُ بالمرة الأخيرة لها،كانت بصحبته أيضًا بعدما انتشلها باللحظة الأخيرة من براثن هؤلاء المفترسون،تذكرت أيضًا خروجها المهين من ذاك الكوبري وهي تحمل صغيرها على كتفها بعدما حصلت على الخلاص من تلك الزيجة التي لم تجني منها سوى الألم والمرارة والذل والخيانة،يبدو أن هذا الكوبري هو خلاصها الدائم، فـ بكل مرة تخرج منه هاربة تتلفت حولها من شدة الهلع لتجد الدنيا تفتح لها ذراعيها على مصراعيهما كي تحتضنها وتطيب خاطرها وتفتح لها أبوابًا جديدة من الأمل،بالمرة الأولى وجدت والد صديقتها حيث أوصلها إلى شركة أيمن بعد أن توسط لها لتعمل سكيرتيرة خاصة لدى أيمن الأباصيري، والمرة الأخيرة كان العوض الأعظم من رب الكون”الله سبحانه وتعالى” حيث كافأها بعائلة علام زين الدين التي احتضنها جميع أفراد العائلة وشملوها بعطفهم هي وصغيرها البرئ،تسائل داخلها،ترى ما الذي ينتظرني تلك المرة وهل سأخرج من ذاك الممر هاربة كـ كل مرة،أم أنني سأخرج مرفوعة الرأس وسيتغير قدري تلك المرة
إنتفض جسدها حين شعرت بكف يدٍ يحتضن خاصتها وعلى الفور التفتت لذاك المجاور لها بالمقعد لتجدهُ مبتسمًا وبنظراته الحنون بث لها أمانًا كي يطمئنُ بهِ روحها،على الفور اخترقت نظراتهِ المطمأنة جدار قلبها ليهدئ من ارتيابها،لم يخفى عليه نظراتها التي كشفت عن هلعٍ داخلها ليميل بجذعه وهو يطمئنها بكلماته الحنون:
-إهدي يا بابا،الزيارة هتعدي على خير وكل حاجة هتبقى تمام
كلماتٍ بسيطة لكن كان لها أثرًا هائلاً على نفسها لتومي له برأسها،شعر ببرودة كفها لينطق بملاطفة أراد بها سحبها من تلك الحالة:
-شايفة جسمك تلج إزاي
ثم غمز بعينيه وهو يشير إلى أحضانه:
-علشان تبقى تسمعي الكلام ومتخرجيش برة حضني تاني
ابتسامة باهتة ظهرت على محياها ولعلها تشعر ببعضًا من الأمان انجرفت وراء طلبه لتقترب وتُلقي بحالها داخل أحضانه،ألقت برأسها فوق موضع قلبه لتستمع لدقاته المنتظمة،أما هو فـ لف ساعدهُ ليضم كتفها برعاية كي يشعرها بالإطمئنان،شعرت بقليلاً من الراحة لكن تخوفها من تلك المواجهة وهاجس خروجها من هذه القرية بات يؤرق روحها ويزدادُ مع دخولها إلى البلدة من خلال عبورها ذاك الكوبري
وكأن تلك القرية هي لعنتها بالدنيا،دفنت كفها بين قميصه وحلة البدلة كي تستمتع بدفئ صدره وباتت تتمعن بعينيها بوجوه المارة من أهل قريتها من خلف ذاك الزجاج العازل للرؤية”مُفيم”توقف الناس يتطلعون بأعين متعجبة وأفواهٍ مفتوحة على ذاك الأسطول من السيارات شديدة الفخامة بزجاجها المفيم وهيكلها المصنع مضاد للطلقات النارية،كانت أعين المارة متمركزة على السيارات بتمعنٍ شديد،يحاولون باستماتة اكتشاف من بالداخل،استمعت لهمساته الحنون وهو ينطق بدلالٍ كي يشغلها ويخفف من وطأة رُعبها:
-حبيبي إنتَ يا بابا
تهيمُ روحها عشقًا حين يتغزلُ بها ويناديها بصيغة المُذكر،تشعر حينها انها طفلتهُ التي يحرص على دلالها بكل الطرق كي ينول رضائها ويرفه عن نفسها،تنفست براحة لتضم حالها إليه أكثر تتمسح بصدره ليهمس هو بجانب أذنها بملاطفة أراد بها إخراجها من حالة التشتت والضياع:
-بطلي شقاوة وحركات إنتِ مش قدها،وإعملي حساب إن إحنا في الشارع وياريتنا كمان لوحدنا
واقترب أكثر ليهمس:
-معانا السواق
لكزته بصدره ليضحك برجولة ويضمها أكثر،إعتدلت بجلستها ونطقت بصوتٍ ظهر عليه التوتر:
-هفرد ظهري علشان الولاد ما يتأذوش
أومى لها برغم شعورهُ بتوترها لكنه تغاضى،ابتلعت لعابها وهي تتخطي الشارع المتواجد به منزل أبيها لتتجه بطريقها المستقيم للوصول للمقابر نهاية القرية،انتفض جسدها حين رأت منزل نصر البنهاوي وبناءه الشامخ والذي يشبه قصور الأمراء،مر شريط ذكرياتها حين خرجت منه أخر مرة ذليلة مهانة عندما حاولت الإنتحار بعدما أعادتها والدتها وعزيز رُغمًا عنها بعد خيانة من كانت تظنُ أنه مصدر الأمان لها،اتسعت عينيها عندما اقتربت السيارة أكثر من المنزل ووجدت البوابة الحديدية الشامخة وقد تجمعت حولها النفايات وتُركت بأمر من عائلة ناصف كي تكون عبرة لمن اعتبر،دققت النظر على خيوط العنكبوت التي اتخذت من البوابة بيوتًا لها بعدما هجرها أهلها وأصبح المنزل خاويًا يحوي الحشرات وتتخذ الوطاويط منه مسكنًا، كان يتطلع بتمعنٍ على تلك الشاردة بعينيها المذهولة ليتيقن أن ذاك هو منزل الشياطين التي كانت تسكنه من ذي قبل،التزم الصمت كي لا يزيد الأمر سوءًا،لا تعلم لما أصاب قلبها حزنًا لرؤيتها لذاك المنزل الشامخ على حالته المحزنة تلك،نعم فقد تجرعت كؤؤسًا من المرار والظلم والذُل على أيادي معظم ساكني ذاك المنزل الملعون،لكنهم بالنهاية يضلوا عائلة صغيرها وأهله،تنفست لتتطلع للأمام بعدما تخطت المنزل، لتمضي بطريقها المستقيم بوجهة المقابر، حولت بصرها لذاك الحبيب وهي تسألهُ باستغراب لعدم استعلام السائق عن المكان:
-هو السواق عارف مكان المقابر إزاي؟!
تطلع عليها بطرف عينيها ليبتسم بخفوت وهو ينطق بدعابة:
-عيب لما تكوني مرات فؤاد علام وتسألي سؤال ساذج زي ده
-مغرور…قالتها بمشاكسة ليبتسم ويعود بنظره للأمام يتفقد الطريق،فقد بعث برجاله تفقدوا المكان جيدًا وقاموا بتأمينه قبل يومين،وصلا لأعلى الجبل حيث المقابر وتوقفت السيارات عند بداية اللحود كي يتجنبوا حُرمة المكان وقدسيته،تطلعت على “لحد” غاليها لينخلع قلبها حين وجدت أشقائها الثلاث يقفون حوله يبدوا من تطلعهم على السيارات أنهم بانتظارها،توقف السائق ليتوجه رجال الحراسة بفتح باب السيارة إلى فؤاد بعدما انتشر الرجال ليحاوطوا السيارة حاملين أسلحتهم في حالة من التأهب وكأنهم جنودًا في حالة حرب
ترجل فؤاد ليقف منتصب الظهر مرتديًا نظارته الشمسية حيث ذادته وقارًا ووسامة،أغلق زِر حلته لتكتمل شياكته ثم استدار للباب الأخر ليفتحه ويبسط كف يده إلى زوجته الحبيبة لتضع خاصتها وتسلمهُ زمام أمرها،ساعدها على الخروج لتقف بهيأتها الخاطفة للأنفاس وطلتها التي تُشبه الأميرات تحت نظرات كل من بالمكان،فقد كان المكان مكتظًا بالزائرين لقبور أحبائهم حيث اليوم هو يوم الجمعة عطلة لدى الجميع،فقد جرت العادة في تلك القُرى بزيارة الأهالي قبور أقاربهم ليقومون بتلاوة ما تيسر من “القرأن الكريم”وتوزيع الأطعمة مثل المخبوزات والفاكهة والتمور وأيضًا الأموال رحمة على أرواح من افتقدوهم
وقف الجميع يتطلع على تلك الجميلة إبنة قريتهم التي تحولت من إبنة غانم الفقير وطليقة إبن نصر البنهاوي لتلك الراقية والتي ظهرت بثيابًا تظهر مكانتها الجديدة وأسطول السيارات التابع لها وكل هولاء الرجال المسلحون،فقد ذُهل الجميع وتشتت أذهانهم ما بين النظر لتلك الجميلة وزوجها الوسيم وبين أسطول السيارات الفخمة،أم لهولاء الرجال ذو الأجساد الضخمة والعضلات البارزة الدالة على القوة وكثرة التدريبات الشاقة للحصول على تلك القوة
تحركت إيثار بصحبة زوجها ليقابلها أشقائها الثلاث يتقدمهم أيهم الذي احتضنها بحفاوة وهو يقول:
-نورتي بلدك يا حبيبتي
شعرت براحة بضمة شقيقها الحنون لتسترخي بين ذراعيه فلطالما كان أيهم الأقرب لروحها من بين أشقائها وطالما هي كانت الاقرب إليه أيضًا،ابتعدت عن أحضانه لتجد وجدي يرحب بزوجها قائلاً وهو يصافحه باليد:
-حمدالله على السلامة يا باشا،نورتوا البلد
أجابهُ فؤاد بنبرة جادة يرجع أسبابها لعدم تقبلهُ لهم جميعًا بعد الأذى النفسي الذين تسببوا لحبيبته به بتصرفاتهم الخالية من الإنسانية:
-متشكر يا أستاذ وجدي
تعجب وجدي من نطقه لاسمه فمن أين علم به وهو لم يراه سوى بذاك اليوم المشؤوم الذي ندم عليه أشد الندم وتمنى لو عاد به الزمن من جديد ما كان اتخذ ذاك الموقف المهين لشخصه قبل شقيقته ولكان احتواها وطمئن رعبها بعد فقدانها للعزيز أبيهم،الجميع يتعجب اليوم بمعرفة فؤاد بتفاصيل كثيرة لكنهم غفلوا عن وظيفته التي بحكمها تعلم أن يجمع كل المعلومات عن خصمه قبل المواجهة وألا يخاطر ويذهب إلى مكان جديدًا عليه قبل أن يتخذ جميع إحتياطاته الأمنية، هكذا هو فؤاد علام.
تقدم أيضًا عزيز من وقوف فؤاد ومد يده للمصافحة الحارة ليقابلها فؤاد ببرودٍ تام مع إختراقه بنظراتٍ مبهمة أربكت عزيز وكأن ذاك الغريب يستكشف داخله بالكامل ويحوم داخل خبايا روحه.
اقترب وجدي من شقيقته ليتطلع بعيناها وبلحظة انفطر قلبه حين وجدها تنظر إليه بنظراتٍ مختلطة بالألم مع العتاب والملامة،انتابهُ شعورًا بالخزي والألم والحزن العميق،خرجت منه كلمة واحدة بتلقائية دون أدنى ترتيبٍ لها:
-حقك عليا،سامحيني يا اختي
لم تشعر سوى بدموع عينيها التي انهمرت جراء ما استمعت إليه من إعتذار شقيقها الصريح،كلماتٍ بسيطة لكنها تحمل الكثير من المعاني لديها خاصةً مع نظراتهِ النادمة المصحوبة بنظراتٍ تائبة،اقترب عليها ومد كفيه نحو وجهها ليزيل قطرات دموعها التي انهمرت كشلالاتٍ تأثرًا بالحدث،جذبها ليسكنها أحضانه تحت نظرات فؤاد المتأثرة لما يحدث،بات جسدها يهتزُ بين أحضان شقيقها من شدة تأثرها وبكائها الحاد،نعم كان يشتاق لها وبين الحين والأخر يشعر بحنينٍ لشقيقته الوحيدة،لكنه لم يخطر ببالهِ بأن يكون اللقاء هكذا ويحمل كل تلك المشاعر القوية التي هزت أعماق قلبه،لم يكن الأمر بهين عليها هي الأخرى،فـ إلى الأن لم يُشفى جرحها العميق ولم تنسى ما فعلوه بها،لم يُمحى من ذاكرتها مشهد صرخات صغيرها الهلعة وهم يجذبوها عنوةً عنها لتصعد الدرج،عاد المشهد يتكرر بذاكرتها وكأنهُ يعاد بكل حذافيرهُ حتى صرخاتها المستنجدة بأيهم ووجدي صارت تدوي بأذنيها كأنها حية، مشهد مؤثر جعل كل من بالمقابر يتطلع عليهما ويشفق على حال تلك الباكية بقوة
عادت لوعيها حين شعرت بكف زوجها الحنون يلامس كتفها وهو يهمس بنبراتٍ حنونة:
-حبيبي إنتِ كويسة؟
خرجت من بين أحضان شقيقها لتجفف دموعها وهي تقول بنظراتٍ زائغة متهربة وكأنها تخشى أن يراها أحدًا بذاك الضعف،فتحت حقيبة يدها سريعًا لتعبث بها وتُخرج نظارتها الشمسية ذات الماركة العالمية كـ كل أشيائها،على عجالة إرتدتها ورفعت رأسها للأعلى لتجد ذاك الـ عزيز وهو يقترب منها بخطواتٍ مترددة،تعمقت بعينيه لتجد نظراته ولأول مرة خجلة،ابتلع لعابهُ وتحدث بحنينٍ ظهر بصوته ونظراته وهو يبسط يده للمصافحة:
-إزيك يا إيثار
يا الله،ألديه قلبًا كباقي البشر كي يحن ويشتاق؟!
من أين لك ذاك الحنين يا ابن أبي،ألم تكن أنتَ سببًا في جُل معاناتي وشقائي،كل كارثةٍ حلت بي كنت أنتَ سببًا رئيسيًا بها،من بداية إرغامي لعودتي لمن غدر بي وخان الوعد وخالف العهد وأتي بعشيقته إلى فراش الزوجية بكل جبروت،ألست أنت من أجبرتني على ترك تراب بلادي وجعلتني أفر إلى المدينة هاربة من ضيق الحال حاملة على عنقي صغيري الذي لم يُكمل عامة الثالث بعد، بعدما أمرت الجميع ووضعت خطة بتضييق الحال علىِ لدرجة أني لم أعد أملك ثمن الحصول على إطعام صغيري بالإتفاق مع ذاك الجبروت “نصر” وزوجته الشمطاء لإجباري على الرجوع ذليلة لذاك الحقير الخَائن؟!
فاقت لتنفض تلك المشاعر السلبية التي لازمتها أينما ذهبت ولكنها الأن هاجمتها بضراوة لرؤيتها لوشوش من ظلموها وكبلوها بقيودٍ من حديد ظلت تقيدها وتشل حركتها وكلما حاولت الصراخ والتملص والهروب لبدأ حياةٍ جديدة جذبوها من تلك السلاسل الحديدية وأعادوها لمكانها من جديد،كانت تشعر وكأنها مكبلة بطوقٍ من حديد يلتف حول عنقها يكاد يزهق بروحها،حتى التقت بفارسها الذي تغير قدرها بالكامل على يده
نظرت وهي ترفع رأسها بشموخ لتنطق بصوتٍ حاربت ليخرج قويٍ شامخ:
-كويسة جداً الحمدلله
شعر بحدة طريقتها معه عكس ما تعاملت به مع شقيقاه،تيقن أنها لم تنسى الماضي بعد فهز رأسهُ لينطق بخفوت:
-حمدالله على السلامة
-الله يسلمك…قالتها وهي تنظر إليه بقوة وجمودٍ وثبات،ثم التفتت إلى لحد والدها وعلى الفور هزة عنيفة رجت قلبها فنزلت دموعها كشلالاتٍ،مالت برأسها تتطلع على ذاك اللحد لتجتاحها حالة من القهر كلما تخيلت جثمان والدها يسكن داخل ذاك القبر الضيق،تذكرت نظراتهُ الحنون وهو يبتسمُ لها،تذكرت نبرات صوته وهو يحدثها بكل لين،ما أروعه من أبٍ طالما رأتهُ بعينيها أعظم الأباء وأشرفهم،لم تدينهُ يومًا ولم تحملهُ نتيجة ما أوت إليه بسبب ضعفه،طالما وجدت له مبرراتٍ كثيرة ولم تحملهُ يومًا ذنبها،كادت أن تجثو على ركبتيها كي تريح ساقيها فأمسكها فؤاد بذراعه ثم أشار لأحد الرجال بصباعي الإبهام والوسطى مما أحدث صوت فرقعة بسيطة ليلبى الرجل طلبه الذي فهمه بفطانته دون أن يفصح فؤاد عنه وبسرعة البرق كان يُخرج مقعدًا من شنطة السيارة ليفرده سريعًا ويضعه أمام اللحد،ليساعد فؤاد زوجته بالجلوس مما جعل جميع من بالمكان ينظر بإعجاب لذاك الخلوق الذي يهتم بأبسط الأشياء التي تخص زوجته وهذا يعني مدى عشقه الهائل لها
عادت ببصرها للحد أبيها لتتحدث بهمسٍ لداخلها:
-كيف حالك أبي وكيف أصبحت؟،ليتني أستطيع معرفة أخبارك ليطمئن قلبي عليك،أتمنى على الله أن تكون بخير وبحالٍ أفضل مما كنت عليه بالدنيا،أعلم أنك كنت تراعي الله وتضعه نصب عينك بجميع اعمالك وقراراتك وبرغم هذا أطلب لك الغفران والرحمة من الله
نزلت دموعها الحارة لتشهق وهي تحدث حالها:
-لقد كنت طيب القلب طاهر اللسان يا أبي،فوالله ما رأيتك يومًا تزم فلانًا أو تغتابُ علانًا،لقد كنت رائعًا يا عزيز عيني،بل كنت الاروع من بين كل البشر،هكذا كانت تراك عيناي
شهقت بقوة تحت سمع الجميع لتكمل بابتسامة خفيفة:
-جئتك اليوم لأطلعك على حالي،لكني في البداية وقبل كل شئ أريد الإعتذار منك وألتمس الغفران لتقصيري في حق زيارتك
مالت برأسها تلتمس العذر منه وكأنهُ أمامها ويراها وهي تقول:
-لكنك تحفظني عن ظهر قلب وتعلم أن الأمر لو كان بيدي لكنت زرتك يوميًا وتسامرت معك واخبرتك عن حالي وكم اشتياقي لك،فعذرًا حبيبي على تقصيري الغير متعمد
أستنشقت جرعة كبيرة من الهواء حبستها بداخل رئتيها ثم زفرتها دفعةً واحدة قبل أن تكمل حديث نفسها مع الحبيب:
-أريد أن أطمئنك على حالي،لقد وجدته يا أبي،عثرت على فارس أحلامي ورجُلي الهمام، ذاك الذي طالما حلمت بظهورهُ لينتشلني من وحل أل البنهاوي الذي كلما حاربت وجاهدت كي أخرج منه أجد من يسحبني من قدمي ليعيدني إليه لأغرق بجسدي في الوحل من جديد حتى أتاني،هو حبيبي وصديقي وأخي وكثيرًا من الأحيان يشعرني بأني طفلته وبأنه أبي
ابتسامة جانبية اختلطت بدموعها لتكمل حديثها:
-لا تحزن عزيزي فمازلتُ احتفظ بمكانتك المرتفعة بقلبي ولم ولن يجرؤ أحدًا بزحزحتها إنشًا واحدًا،لكنه حقًا يشعرني بحنانك الذي افتقدته بعد رحيلك،ضمة يدهُ المربطة فوق ظهري بحنانٍ هي بذاتها ضمتك،لمساتهُ الحنون تشبه لمساتك يا أبي
تطلعت على ذاك الواقف بجوارها وهمست لـ أبيها:
-أنظر إليه وتطلع يا عزيزي،كم هو رجلاً ذو طلة بهية وهيأة شامخة
وددتُ أيضًا أن أطمئنك على يوسف، لقد تبدل حالهُ للأفضل ألاف المرات، لقد مَن الله عليه بعائلة حنون عوضًا عن عائلته التي افتقدها،أصبح رجلاً صغيرًا بفضل الله ثم توجيهات ذاك الخلوق المسمى بـ علام،فقد قام بتكريس جزءًا ليس بالقليل من وقته الثمين لتعليم صغيري أشياءًا جديدة عليه وزرع بعض القيم والاساسيات التي ستجعل منه رجلاً حكيمًا ذو أخلاق عالية
ثم شهقت لتحدثه وهي تتحسس بطنها:
-كدت أنسى يا عزيزي،لقد مَن الله عليا وحملت بتوأم صبي وفتاة،لو مد الله في عمري سأتي بهما بعد الولادة لأعرفك عليهما
تنهدت ثم قالت والألم يمزق داخلها:
-لقد اشتقت رؤياك البهية،ابتسامتك،نظرة عيناك التي تحمل بين طياتها حنان الدنيا بأكمله،ليتك تعود ولو ليومًا واحدًا لارتمي بداخل أحضانك وأحتفظ برائحتك الذكية بين رأتاي ولترحل من جديد
رأت رجلاً يحمل بين يداه كتاب الله “المصحف الشريف”يتنقل به بين اللحود ويقوم بقراءة ما تيسر من” القرآن الكريم”بصوتهِ العَذب مقابل بعض المال فأشارت إليه وما أن اقترب الرجل حتى وجد تلك الدروع البشرية تقف بوجههِ ويشهرون أسلحتهم مما دب الرعب بقلب الرجل وقلب الجميع لتنطق إيثار لزوجها:
-خليهم يسمحوا له ييجي يا حبيبي،ده قارئ وصوته حلو جداً
هز برأسه ليشير لهم بكفه مع صوته الاجش:
-سيبوه
كلمته كانت كفيلة ليفسحوا له الطريق واقترب الرجل من القبر ليجثو على ركبتيه وبدأ بتلاوة سورة” الواقعة” بصوتٍ أدخل السرور على قلب فؤاد وجميع الحضور من حلاوته،أخرجت هي الأخرى المصحف الشريف من حقيبتها الخاصة وفتحته وبدأت بتلاوة سورة” يس”لما لها من فضلٍ كبير على المتوفي،قرأ أيضًا فؤاد وأشقائها ما تيسر من السور الصغيرة،انتهت من قرائتها للسورة وانتهى الرجل لتخرج مبلغًا من المال وأعتطه للرجل وشكرته ليشير فؤاد إلى رجلين من الحراسة ليخرجا عدة صناديق محملة بأكياسٍ بلاستيكية من حقيبة أحد السيارات ويوزعا منها على الحضور والمحتاجين،كانت عبارة عن بعض الخبز “الكرواسون” وبعض التمور وأنواع الفاكهة،تجمع الأطفال بفرحة لأخذ حصتهم تحت سعادتها على تلك الوجبات التي اصرت على شرائها من أموالها الخاصة التي جمعتها من عملها في شركة أيمن ورفضت دفع فؤاد لثمنها
إقتربت إحدى السيدات لتحدثها ولكن من خلف هؤلاء الرجال حيث يشكلون درعًا بشريًا يمنع مرور حتى الناموسة:
-إزيك يا إيثار،عاملة إيه يا بنتي
تطلعت على تلك المرأة وعلى الفور تذكرتها،لتنطق بنبرة هادئة نظرًا لتأثر حالتها من زيارة قبر والدها للمرة الاولى منذ وفاته:
-الله يسلمك يا خالتي،الحمدلله أنا بخير
نطقت المرأة بتأثر لقصة تلك الجميلة حيث تغنت القرية سنواتٍ بقصتها الحزينة وتجبر عائلة نصر عليها:
-ربنا نصفك وخد لك حقك من اللي ظلموكِ يا بنتي، وزي ما خانوكِ إتخانوا، وزي ما شردوكِ بره البلد ربنا وقف لهم اللي اقوى منهم علشان يشردهم، سبحان الله يا بنتي كل اللي اتعمل فيكِ وفي غيرك منهم اترد عليهم بالسوء
ليرد عليها رجلاً كان يتابع الحديث:
-إن ربك لبالمرصاد
لتتحدث أخرى وكأن الجميع استغلوا تلك الفرصة ليعبروا عن شماتتهم بما حدث لتلك العائلة التي تجبرت في الأرض واستقوى جميع أفرادها على الضعفاء فأراد الله ان يجعل منهم عبرة لمن يعتبر:
-ولا إجلال واللي حصل لها،مرمية في بيت أخوها الحاج محمد وشريفة مراته ذلاها
لتهتف أخرى وهي تحاوط فكها بكف يدها:
-ده أنا سمعت إنها بتأكلها في المطبخ مع حميدة الشغالة
لتنطق أخرى:
-اللهم لا شماتة،بس الولية دي اتجبرت وافترت على خلق الله، وربنا ميرضاش بالظُلم أبدًا
همست إحداهن بعدما اجتمعن حول بعضهن ليصنعن دائرة:
-فين إجلال تيجي تشوف العز والابهة اللي بقت فيهم بنت غانم،دي راجعة ولا الممثلات اللي بنشوفهم في التليفزيون،ولا لبسها،ولا جوزها باين عليه غني قوي
هتفت أخرى بحماس:
-ده وكيل نيابة قد الدنيا، عمها أحمد اللي قال كده تالت يوم العزا بتاع أبوها، لما وقف قدام بابهم وعرف أهل البلد عليه، البت دي أصلها غلبانة وشافت كتير في حياتها،دي حتى أمها كانت قليلة الأصل معاها ووقفت في صف إجلال ضدها
ابتسمت إحداهُن لتنطق بتشفي:
-فينه الحاج نصر ييجي يشوف، مش كان بيقول إن اللي تطلق من عيل من عياله تحرم على صنف الرجالة كله ومفيش راجل يقدر يقرب منها
لتنطق أخرى:
-فاكرين اللي عمله عمرو في المحامي اللي اتقدم لـ إيثار بعد طلاقها منه بسنة،ده ضربه ساعتها لحد ما كسر له رجليه وشالوا الواد من تحتيه بالعافية،وبعدها الحاج نصر خلى حد جاب له عقد عمل في الخليج وطفشه من البلد كلها بعد ما عمرو كان ناوي يقتله
لتنطق أخرى وهي تتعمق بنظرها إلى بطن إيثار:
-شكلها حامل،بطنها كبيرة
-أيوا حامل،وشكلها معدية الشهر السابع كمان…قالتها أخرى وظلوا هكذا يتبادلون الأحاديث فيما بينهن.
اقترب أيهم من شقيقته ومال بجزعه ليقول:
-كفاية كده علشان متتعبيش يا حبيبتي ويلا علشان نروح البيت
قالها وتطلع إلى فؤاد ليسألهُ:
-ولا إيه رأيك يا سيادة المستشار؟
طالعهُ بهدوء لينطق:
-والله يا أيهم أنا كنت عاوز أقول كده بس سكت علشان متزعلش وتقول إني استعجلتها
تنهدت بهدوء قبل أن تنطق:
-تمام يا حبيبي،يلا بينا
وضعت كفها على تراب القبر لتحتضنه وكأنها تقوم بتوديع والدها الغالي لتقول بصوتٍ مسموع:
-مع السلامة يا حبيبي،إن شاءالله بعد الولادة هاجي لك،سواء قومت بالسلامة هجي لك هنا، ولو ربنا أخد أمانته هنتقابل أكيد
انتفض قلب حبيبها حين استمع لتلك الكلمات لتسري الرجفة بجسده وهو يقول بحدة:
-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده؟!
تنهدت وهي توجه كفها صوبه كي يساندها لتقف ثم تحدثت وهي تنظر بعينيه:
-الموت علينا حق يا حبيبي،ده الحقيقة المؤكدة في الدنيا
أشار بكفه ليجبرها على الصمت:
-خلاص يا إيثار لو سمحتي، خلينا نمشي من هنا
استقلت سيارتها هي وزوجها تحت انظار الجميع وصعد عزيز و وجدي سيارة أيهم واتجهوا نحو منزل غانم الجوهري
*********
بعد قليل ترجلت من السيارة وباتت تتطلع على المنزل بحنين،مشاعر متضاربة هاجمتها من جديد، يبدوا أن شعار اليوم المرفوع هو “المشاعر المتضاربة”وما بيدها لتفعل إذا كانت هذه البلدة لا تحمل لها سوى الذكريات المؤلمة،تنهدت لتدلف بخطواتٍ ثقيلة بجوار زوجها،سبقهم عزيز لينطق بصوتٍ حماسي:
-إنتِ فين يا أم عزيز، تعالي قابلي ضيوفك
تطلعت لجدران المنزل وأثاثه باشتياقٍ وحنين،تعجبت حين وجدت دفئًا عجيبًا يسكن المنزل كان قد غادرهُ منذ الزمان،اشتمت روائح الطعام الذكية نفسها التي كانت تشتمها قبل زواجها من المدعو” عمر”خرجت نوارة تستقبلهم بوجهها البشوش وابتسامتها التي تدخل السرور والبهجة على القلوب لتنطق بسعادة:
-ضيوف إيه بس يا أبو غانم،دول أصحاب بيت ونورونا وشرفونا بزيارتهم
التفت لتطالع تلك الـ نوارة لتبتسم لها وهي تفتح احضانها لاستقبالها،نطقت إيثار وهي تحتضنها:
-وحشتيني قوي يا نوارة
نطقت تلك الحنون:
-وإنتِ كمان وحشتيني يا إيثار،إيه الغيبة دي كلها
ابتعدت لتنظر لزوجها وهي تشير إلى نوارة بفخر وسعادة:
-دي نوارة مرات وجدي،وصاحبتي
أمال برأسهِ وهو يقول مرحبًا بابتسامة هادئة:
-أهلاً وسهلاً
حيته بابتسامتها الرائعة:
-أهلاً بيك يا سيادة المستشار، نورت البيت
تطلعت لابناء شقيقاها واحتضنتهم بحفاوة لتزيل إبتسامتها حين استمعت لصوت والدتها الذي صدح وهي تنطق بترحاب:
-يا أهلاً وسهلاً
اقتربت على فؤاد الذي صافحها قائلاً باحترام:
-إزي حضرتك
إبتسمت وهزت رأسها وهو تقول:
-الحمدلله يا ابني
ثم حولت بصرها تتطلع على تلك المتجمدة المشاعر،فقد توقفت بسمتها فور خروجها من الداخل،فقد تكرر بذاكرتها المشهد التي اجبرتها به على الصعود للدرج وحبستها بالغرفة بعدما انتزعت صغيرها من بين أحضانها بدون رحمة،استمعت لصرخاتها الحية وهي تستنجد بها وتتوسلها بأن تتركها وصغيرها ليرحلون بسلام،تذكرت جمود قلبها القاسي وهي تحدثها وتخبرها كم هي أنانية ولا تكترثُ سوى لما يفيدها وفقط،كل هذا جعل من نظراتها قاسية وهي تتطلع عليها،على الجانب الأخر كانت تنظر إليها بخزيٍ وأملٍ بالعفو،فقد بدأت مشاعر الأمومة لديها بالتحرك حين علمت بشأن حملها ومازاد من إزالة الشوائب العالقة بقلبها تجاه صغيرتها هي مساعدتها لشقيقها بفرصة العمل التي وفرها زوجها له وراتبها الهائل والذي خصص منه أيهم جزءًا للمساهمة في احتياجات المنزل،ناهيك عن شقتها الخاصة وسيارتها التي وضعتهم تحت تصرفه لتخفيف عبئ المعيشة داخل المدينة وهذا ما جعله يوفر جميع راتبه ويقوم بادخاره كي يساعده على دفع مقدم لشقة كي يتزوج فيها
نظرت إليها وتحدثت بصوتٍ وعينين متأثرتين:
-إزيك يا إيثار
كانت تنظر أن ترتمي بداخل أحضانها كـ قبل لكنها باغتتها بردها البارد حتى أنها لم تمد يدها للمصافحة:
-الحمدلله
ابتلعت المرأة لعابها من شدة الخجل وهي تراقب نظرات فؤاد المتعجبة من رد فعل زوجته على رؤية والدتها،نظرت على بطنها المنتفخ لتتحدث من جديد كي تكسر ذاك الحاجز:
-مبروك،ربنا يتمم لك على خير وتقومي بالسلامة إنتِ وولادك
ردت بملامح وجه جامدة:
-متشكرة
دام الصمت من الجميع بعد ذاك السلام الفاتر لينطق أيهم كي يقطع ذاك الصمت المريب المحمل بنظراتٍ منها اللائمة ومنها الخجلة المرتبكة:
-يلا يا نوارة جهزي الغدا علشان فؤاد باشا يدوق أكلنا
قاطعته بحدة وصرامة لا تقبل النقاش:
-إحنا معندناش وقت للغدا يا أيهم ولا جايين نقعد ونتضايف
واسترسلت بنبرة حازمة:
-أنا جاية أتكلم معاكم خمس دقايق وماشية على طول أنا وجوزي
تطلع عليها فؤاد بقلبٍ متأثر،يشعر بثورة مشاعرها المتأججة ما بين غاضبة تريد الإطاحة بكل ما يقابلها كي تنفث عن غضبها العارم، تريد الصراخ لإخراج مكنون قلبها من المشاعر السلبية الحبيسة بداخلها طيلة الأعوام المنصرمة منذ أن كانت طفلة منبوذة بذاك المنزل،وما بين مشاعرٍ بالحنين لكل ركنٍ بذاك المكان المرتبط به قلبها بما يحمل بمخيلتها ذكرياتها الجميلة وأيامها التي عاشتها مع والدها الحنون،فلكل مكانٍ ذكرياته السعيدة وأيضٕا المريرة
نطق وجدي بقلبٍ يئنُ ألمًا لأجل شقيقته وما وصلت إليه من بغض لهم بسبب أفعالهم السابقة وخزلانهم المتكرر لها:
-خلينا نتغدا الأول وبعدها نقعد ونتكلم في كل اللي إنتِ عوزاه
واسترسل بممازحة كي يخفف من وطأة ذاك الجو المشحون لدى الجميع:
-ولا عاوزة سيادة المستشار يقول علينا بخلا
تحدث فؤاد بنبرة هادئة مؤازرًا خليلة روحه:
-خرج سيادة المستشار من حساباتك خالص يا أستاذ وجدي،أنا موجود هنا علشان راحة إيثار،وكل اللي هي عوزاة ويريحها أنا معاها فيه
أخيرًا قرر عزيز الخروج عن صمته فتحدث وهو ينظر لشقيقته بنظراتٍ عاتبة:
-عيب اللي بتعمليه ده يا إيثار،إنتِ في بيت غانم الجوهري اللي كان معروف بالكرم ومقابلة الناس الغُرب في بيته،تفتكري لو كان لسه عايش كان هيبقى مبسوط باللي بتعمليه ده قدام جوزك؟!
دارت حول نفسها لترمقهُ بنظراتٍ مبهمة وهي تنطق بابتسامة ساخرة:
-عيب!
ثم أخذت نفسًا طويلاً قبل أن تنطق بكلماتٍ ذات مغزى:
-هو لو بابا عايش الله يرحمه مكنش هيبقى مبسوط بحاجات كتير قوي حصلت
خجل الجميع لفهمهم مغزى حديثها لتنطق بقوة وشموخ:
-سيبك من الكلام المزوق اللي لا هيقدم ولا هيأخر وخلينا في المهم
واسترسلت بذات مغزى:
-أنا عندي الكلام المفيد اللي هيريحك إنتَ واخواتك وأمك ويبسطكم من الأخر،ويخلي نفسكم تتفتح اكتر على الغدا اللي عاملينه على شرف حضوري أنا وجوزي
لم يرق له حوارها مع عائلتها بتلك الحدة لعلمهِ أنها تتمزق من داخلها مع إخراجها لكل كلمة تتفوه بها،تألم لألمها ليتحدث بهدوءٍ وهو يشير لها إلى إحدى الارائك:
-إقعدي يا إيثار،ولو حابة أخرج أستناكِ في العربية لحد ما تخلصي كلام مع إخواتك أنا هخرج
إنتفض قلبها رُعبًا وهرولت عليه تتمسكُ بيده دون إدراكٍ لتهتف بعينين مترجيتين أثارت دهشة الجميع:
-متسبنيش لوحدي معاهم
نزلت كلماتها على قلوب الجميع لتمزقه خاصةً اشقائها الثلاث،فعوضًا من أن يكونوا لها حصن الأمان والعون أصبحوا هم سبب هلعها وعدم شعورها بالامان في حضرتهم بل وتستعينُ بزوجها لحمايتها منهم،إنه لمنتهى الحزن والوجع،الأن وفقط وبعد رؤيتهم لهلع تلك الجميلة ادركوا بشاعة ما اقترفتهُ أياديهم بحق شقيقتهم الوحيدة،أتلك هي وصية أبيهم،يا لكم الوجع والخزي الذي اقتحم قلوبهم بدون رحمة بتلك اللحظة ليخبرهم بخستهم وندالتهم.
تألم داخله لأجلها بعدما لمح قلقها،إحتضن كف يدها بقوة لينطق وهو يتعمق بعينيها كي يبث لها الامان ويخبرها أنه هنا،معها وبجوارها ولن يتركها مادام حيًا:
-تعالي نقعد الاول علشان ماتتعبيش، وأنا هقعد جنبك ومش هسيبك أبدًا
كان يتحدث وهو يتعمق بعينيها وكأنها صغيرته التي تحتاجه لتشعر بالأمان،أومأت له بموافقة وتحركت بجواره إلى الأريكة التي أشار لها وجلست ومازالت تحتفظُ بكفه وتتمسك به بقوة جعلت حبيبها يشعر بكم الإضطراب والهلع لذا إقترب منها وربت على كفها بكفه الاخر ليبث بروحها الإطمئنان.
__________________________
كما الظمأن التائهُ بوسط الصحراء وبلحظة ظهر أمامهُ بئرًا من الماء العذب ليهرول إليه يشربُ ويشرب حتى الإرتواء،هكذا رأها أمامه،نظراتها التي تبدلت،وكأن شيئًا كان ينقصها والأن فقط قد عثرت عليه لتكتمل.
#أنا_لها_شمس
#بقلمي_روز_أمين
نجح فؤاد بمحاولة تهدأتها ،لكنها رفضت الجلوس وبشدة لتتحدث إليه بنبرة أظهرت كم إضطرابها والألم الساكن بالقلب منذ سنواتٍ ينهش بداخلها:
-مش مستاهلة قعاد،أنا عاوزة أمشي من هنا بسرعة
اشفق على حالتها وتشتت روحها،ود لو يسحبها بأحضانه ليشق صدرهُ ويضعها بداخلهِ ليحميها من كل البشر والمشاعر المؤذية،أومى لها بابتسامة هادئة بثت بكيانها الطمأنينة لتتنهد براحة قبل أن تفتح حقيبة يدها وتُخرج منها بعض الأوراق لتمد يدها إلى عزيز وهي تجاهد في أن تظل أمامهُ بتلك القوة التي استدعتها بصعوبة بالغة بينما داخلها مدمر هشٍ ضعيف،نطقت وهي ترمقهُ بنظراتٍ حادة:
-دي أمانة بابا اللي كان سايبها عندي،خلاص،وجودها معايا مبقاش ليه لازمة بعد ما أطمنت على حضانة إبني
إتسعت أعين عزيز ومنيرة فقد ظنت أن ابنتها ستستغل تلك العقود لتنتقم منهم وتحاول إذلالهم لما فعلوه بها أثناء وفاة والدها،لتنطق وهي تُخرج الأوراق وتنظر بداخلها:
-أنا خليت المحامي يقسم الميراث بينكم إنتم الأربعة بشرع ربنا
ومدت يدها بورقة إلى عزيز:
-وده تنازل مني عن الأرض والبيت علشان أبطل العقد اللي بابا كان كاتبه لي
بدأت بتوزيع العقود عليهم وتوقفت أمام والدتها لتنطق:
-وده عقدك
نطق وجدي من خلفها بعدما قرأ العقد الخاص به:
-وإنتِ فين حقك يا إيثار؟
إلتفتت إليه تطالعه بغرابة لتقول بصوتٍ متعجب:
-وأنا إمتى كان ليا حق معاكم علشان يبقى لي الوقت يا وجدي؟!
تطلع عليها بتأثرٍ لتتابع بصوتٍ مختنق يريد الصراخ:
-طول عمري وأنا بتعامل في البيت ده على إني مواطن درجة تالتة،جارية مسلوبة الإرادة عايشة لتلبية رغبات الجميع إلا رغباتها هي
نطق أيهم وقد تجمعت بعينيه قطرات الدموع تأثرًا بحال شقيقته وما تشعر به:
-إيه الكلام اللي بتقوليه ده يا حبيبتي،إنتِ بنت غانم الجوهري وطول عمرك كنتي الأقرب ليه مننا كلنا،وبابا بنفسه كتب لك كل حاجة من غير ما يفكر
رفعت ذراعيها لتنطق وهي تنزلهما من جديد باستسلام ودموع الهزيمة ملئت مقلتيها:
-وأنا مش عاوزة حاجة منكم يا أيهم،اللي عيشت عمري كله أدور عليه وكنت محتاجاه للأسف مش موجود عندكم
أزالت دمعة فرت بأصابعها ثم تنفست كي تستطيع المواصلة لتسترسل:
-أنا كده وفيت بوعدي لـ أبويا ورجعت الأمانة لأصحابها
وتابعت:
-بس ليا طلب عندكم
نظر الجميع إليها بتمعنٍ وتركيز لتستطرد بعينين مليئتين بنظرات الترجي:
-عاوزاكم تسامحوا بابا،أنا عارفة إنكم زعلتم منه لما كتب لي كل حاجة،بس هو يا حبيبي عمل كده علشان يحميني
باتت توزع نظراتها اللائمة علي جميعهم لتتابع بمرارة وانكسار:
-كان متأكد إني ضعيفة وزي ما يكون كان عارف اللي في نفوسكم ومخططين له بعد وفاته
يا لهُ من شعورٍ مرير أصاب قلوب جميعهم بعد أن ادلت بجملتها الأخيرة وهي تتطلع لهم بنظراتٍ مليئة بالحسرة والألم
“عزيز”،توارى من نظراتها الجالدة لينزل بعينيه لأسفل قدميه وكأنهُ يختبئ من عاره المسطر على جبينه بالخط العريض،هو شقيقها الأكبر وكان من المفترض أن يكون عوضًا عن والدها،فمن المتعارف عليه أن بعد فقدان الفتاة لوالدها يحل محله الشقيق الأكبر ليصبح هو سند الفتاة وأمانها وحمايتها من كل ما يؤرق عليها الحياة،لكنه كان عكس كل ذلك،فما رأت منه سوى الخسة والندالة والتفريط في وصية أبيه،وبدلاً من أن يكون لها العوض كان لها الجلاد،تاجر الرقيق الذي جذبها من يدها ليعرضها بسوق النخاسة ويقبض الثمن
“وجدي” أصابه الغثيان من حاله وصرخ ضميره وبات يعنفهُ،كيف له أن ينساق وراء وجهة نظر شقيقه الطامع ووالدته التي طالما إعتبرت ابنتها كنزها الثمين ويجب إعطائها لمن سيدفع أكثر ويعود عليها وذكورها الثلاث بالنفع،لماذ لم يثور ويعترض ويرفض،كان عليه أن يصرخ ويعترض ويأخذ بيد شقيقته الضعيفة ويخرجها من الظلمات هي وصغيرها بدلاً من المشاركة في تلك المذبحة،يا لهُ من خاسر.
“أيهم”برغم أنهُ أقلهم ندالة لكنه لم يسلم من شعور الذنب الذي اقتحم قلبه بضراوة ليفتك بمشاعرهِ البريئة،شعر بالخزي والعار يعتريه ولم يشفع لهُ وقوفهُ بجانبها، نعم كان موقفًا مخزيًا فقد ساعدها من خلف الستار كاللصوص،إكتفى بمكالمة هاتفية شرح من خلالها الوضع لتلك الـ” عزة” وترك لها كامل التصرف بإنقاذ من تعتبرها كإبنة لها،ولولا أن هدى الله تفكيرها بذاك الـ فؤاد لكانت الفتاة ضاعت للأبد وقضي عليها.
“منيرة”هي مشتتة الذهن بالأساس،فقد عاشت حياة مأساوية منذ صغرها قضت على كثيرًا من مشاعرها الإنسانية حتى أصبحت” إمرأة بلا قلب”فاقدة الحِس،تلك السيدة تنطبق عليها مقولة”فاقد الشئ لا يُعطيه”وبرغم شخوصٍ قاسوا ظروفًا أشد قسوةً منها واستطاعوا صُنع شخصيتهم وتغيير مسار حياتهم بالعزيمة والإصرار على النجاح والفلاح وكسر تلك المقولة، ومنهم إيثار بذاتها،فبرغم أنها افتقدت حنان ورعاية الأم ولم تتنعم بيومٍ بأحضان أمها كغيرها من الفتيات،إلا أنها أثبتت”أن فاقد الشئ يعطيه وبسخاءٍ”حيث فاضت على صغيرها بسيلٍ من الحنان وحاوطط عليه لتحميه من المخاطر المحاطة بها بل وحملته على ظهرها وباتت تبحث له عن الأمان والحماية حتى وجدتهم.
خرج صوت عزيز مليئًا بالخزي والألم:
-أبوكِ كان راجل حكيم وقريب من ربنا،علشان كده ربنا نور بصيرته بالفكرة دي،الله يرحمه باللي عمله حمانا كلنا من الشر
واسترسل بخزيٍ:
-يا عالم كان إيه اللي هيحصل لنا لو كنتي رجعتي لـ عمرو وإحنا رجعنا لشغلنا مع نصر
نطق وجدي بنبرة نادمة:
-الله يرحمك يا ابا،حمانا من شر المال الحرام وهو عايش،وحتى بعد موته طيباته قعدت لنا وربنا حمانا من اللي كان ممكن يحصل لنا
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها على شقيقاها،هل كانا يحتاجان لكارثة تعصف بحياة نصر ليدركا أن ماله حرامًا وفاسد وأن والدهما كان على حق!
تحدث عزيز من جديد بنبرة تحمل الإصرار،فقد تغير وأصبح أكثر حكمة وتفكرًا بعد حادثة زوجته التي عصفت بكيانه وجعلته ينظر للأمور من جميع الزوايا:
-إنتِ لازم تاخدي حقك علشان أبوكِ يكون مرتاح في تربته
نطقت بثبات:
-حقي أنا متنازلة عنه من زمان قوي،من يوم ما أخدت إبني وهو لسة مكملش سنتين ونص وخرجت بيه برة البلد
واسترسلت بهدوءٍ وسكينة ظهرت من بين كلماتها:
-وبالنسبة لأبويا فهو مرتاح لأني أخدت قراري بمحض إرادتي وعن إقتناع
ثم نظرت إلى زوجها ونطقت بعينين تفيضان حنانًا وعرفان:
-والحمدلله،جوزي مش مخليني محتاجة لأي حاجة لا أنا ولا إبني
بادلها بابتسامة حنون وعينين تمتلؤ عشقًا لينطق عزيز من جديد علها تتراجع:
-الأرض دخلت كردون المباني بعد الطريق الجديد وسعرها إتغير يا إيثار،وبعد ما كانت بملاليم بقى سعرها ملايين
نطق فؤاد ليعلمه:
-إحنا عارفين الكلام ده كله،وإيثار واخدة قرارها النهائي،مفيش داعي للكلام الكتير في الموضوع ده لأنه هيتعبها.
نطق كلماته لتنطق وهي تتطلع على حبيبها:
-يلا بينا يا فؤاد
تحرك بجوارها تحت نظرات أشقائها الثلاث وحزنهم العميق،تخطت وقوفهم مرورًا بوالدتها لتباغتها الأخيرة بالتمسك بكفها مما جعل الرجفة تسري بجسدها وتوقفت جراء تشبث منيرة بيدها،إلتفتت لتطالعها وتفاجأت بما رأت،عينين يتجلى بعمقهما الندم والأسف لتنطق بنبرة متأثرة:
-ماتمشيش قبل ما تتغدي إنتِ وجوزك مع اخواتك
ونطقت بنظراتٍ متوسلة:
-أنا عاملة لك كل الأكل اللي بتحبيه
برغم انتفاضة قلبها لكلماتها ونظراتها الخاضعة إلا أنها نطقت بنبرة متهكمة:
-ياه،هو حضرتك طلعتي عارفة أنا بحب إيه؟!
صمتت منيرة وتطلعت على ابنتها وكأنها تتأسف لها بنظراتها تلك لتتابع الاخرى ساخرة:
-بصراحة إنتِ فاجئتيني
نطقت بصوتٍ خافت يرجع لشعورها بالخزي والألم:
-متظلمنيش يا بنتي،مفيش أم بتكره بنتها ولا بتكره لها الخير
واكملت بقوة وهي تنظر بمقلتيها:
-أنا زيي زي أي أم،طول عمري كنت بحلم إنك تتجوزي راجل غني وتعيشي معاه مرتاحة علشان ما تدوقيش اللي انا دوقته وعمرك يضيع كله في الحرمان والحُوجة،وعمرو كان فرصة علشان يخرجك من الفقر وتعيشي معاه عيشة محترمة
-محترمة؟!…قالتها إيثار باستهجان لتكمل منيرة ما بدأته:
-لما لقيتك بتخربي بيتك بإيدك وبتخسري كل حاجة كان لازم أقف لك وأرجعك لعقلك، كان لازم أفوقك قبل ما تخسري جوزك اللي كان بيتمنى لك الرضا وتخسري عيشتك المرتاحة معاه
نزعت كفها بقوة وعنف من خاصة والدتها لتهتف بعينين تطلق شزرًا:
-أي جوز وأي عيشة مرتاحة اللي بتتكلمي عنهم؟!،جوزي اللي كان بيقبل عليا الإهانة من أهله ويسكت ولما كان يفيض بيا وأشتكي له يقول لي معلش؟!
هتفت بحدة أكبر:
-جوزي اللي لما اعترضت على إهانتي من أبوه وامه اللي قالت لي قدام البيت كله أنا جايباكِ هنا علشان مزاج إبني، وحبيت أحتفظ بكرامتي ضربني وبهدلني وأخدني عصب عني؟!
وصرخت وهي ترمقها بنظراتٍ مثل الرصاص لو انطلقت لاخترقت قلبها وشطرته لنصفين:
-يومها أخدت إبني وهربت وجيت لك،وريت لك جسمي اللي كان مليان باللون الأزرق من كتر ضربه فيا،فاكرة يومها قولتي لي إيه؟!، قولتي لي معلش، كل الستات بتنضرب
والتفتت بحدة تطالع شقيقها الاكبر بنظراتٍ كالسهام وهي تشير إليه:
-وأخويا الكبير اللي بدل ما يجيب لي حقي ضربني بالقلم وقال لي إنتِ عاوزة تخربي بيتنا، واخدة حفيد نصر البنهاوي وجاية بيه من وراه لحد هنا
دارت حول حالها لتتابع وهي تفرق بينهم نظرات اللوم والغضب:
-وكلكم وقتها اتفقتم على إن عزيز ياخدني يرجعني ويتأسف لـ نصر وعمرو بيه
لم يتحمل كلماتها التي تنزل على قلبه كسوطٍ يجلد بدون رحمة،أمسك كف يدها ليهتف بحدة أظهرت كم غضبه وهو يسحبها للخروج:
-كفاية يا إيثار وخلينا نمشي من هنا
انتزعت يدها بعنفٍ لتصيح بدموعها المنهمرة:
-لا مش كفاية يا فؤاد،لازم أوريهم بشاعة اللي عملوه فيا وأعريهم قدام نفسهم
وصرخت وهي تُشير على منيرة:
– لازم أعرفها إنها كانت أم فاشلة طالما شايفة وحاسة إنها مغلطتش وكانت أم عظيمة بتحافظ على بنتها الخايبة
اتسعت عينيه وهو ينظر إليها ولثورتها العارمة،يريد أن يحملها ويهرول بها مغادرًا تلك “القرية الملعونة” تاركًا ذكرياتها المؤلمة خلفهما ليبدأ حياة جديدة،حياة خالية من المواجع والأحزان والخزلان،سيحاول جاهدًا تعويضها عن كل ما قاست منه،نعم كان يعلم انها عانت كثيرًا لكنه لم يتخيل حتى بأبشع كوابيسه ما تجرعته من كؤؤس الغدر والخيانة والخذلان ما يكفي لقريتها بالأكمل،سيخرج من تلك القرية ويذهب بها مباشرةً للمعالج النفسي مثلما اتفقا، سيحاول بشتى الطرق تعويضها وحذف الماضي اللعين وما تعرضت له من ذاكرتها
فاق على صوت منيرة التي تحدثت بدفاعٍ عن حالها:
-أنا كنت عوزاكِ تعيشي وتستري، مكنتش عاوزة الناس تضحك عليكِ ويقولوا بنت منيرة خابت واتطلقت
بصوتٍ يملؤه الوجع أشارت على حالها:
-وأنا،ووجعي وأنا بموت في اليوم مية مرة وأنا عايشة مع راجل سُكري وخاين وكل يوم مع واحدة شكل؟!
واسترسلت بتوجع:
-تفتكري إني مكنتش حاسة إنه بيخوني من قبل موضوع سُمية؟
أنا ست والست بتحس بجوزها،بس كنت بتغاضى وأعمل نفسي مش واخدة بالي زي ما كنتي دايمًا بتقولي لي،وكل ده علشان أحافظ على إبني
نظرت منيرة أرضًا وتحدثت بخفوت:
-أنا كنت عاوزة لك الستر،أهالينا علمونا إن الست لازم تصبر وتتحمل علشان عيالها
صرخت بكامل صوتها المعترض:
-أمونة كانت مرات أبوكِ مش أمك
لتتعمق بعينيها وهي تقول بنبرة يملؤها القهر:
-إنت عملتي فيا كل اللي أمونة عملته فيكِ،كنتي بتطلعي فيا كل اللي عملته فيكِ وكأنك بتنتقمي منها فيا
وإلى هُنا لم يعد بإمكان منيرة الصمود أكثر،فانهمرت دموعها بغزارة لتتابع إيثار وهي تنظر إليها بضعف:
-ربنا يسامحك على اللي عملتيه فيا،وأنا يمكن في يوم من الأيام أقدر أسامح
تعالت شهقات منيرة ليهرول أيهم ويحتضنها ثم نظر إلى شقيقته ليقول بنظراتٍ متوسلة:
-كفاية يا إيثار،كفاية لحد كده،إرحميها
تطلعت إلى شقيقها بعينين تترقرق بهما قطرات الدموع وبشفاهٍ مرتعشة ثم انفجرت كبركانٍ لتشهق ببكاءٍ يقطع نياط القلوب ليسرع إليها فؤاد ويقوم باحتضانها فتشبثت بقميصه بقوة ودفنت وجهها بصدره لتبكي كما الأطفال وصوت شهقاتها يعلو ويعلو،انفطر قلبه عليها وبات يشدد من احتضانها وهو يهمس لتهدأتها:
-إهدي يا بابا،علشان خاطري بطلي عياط
بخطواتٍ متخبطة إقتربا عليهم عزيز ووجدي،وباتا يهدأن كلتاهما،خرجت منيرة من حضن أيهم لتتجه لتلك التي تدفن حالها في حضن زوجها وكأنها تختبئُ من أوجاعها داخل أحضانه،بسطت كفها لتجذبها برفقٍ من ذراعها،ابتعدت عن صدر فؤاد لتُصدم برؤية والدتها وهي تطالعها بدموعها المنهمرة لتقول:
-سامحيني يا بنتي،حقك عليا
شهقت بقوة لتنزل دموعها أكثر وما شعرت بحالها سوى وهي ترتمي بأحضانها وتشدد بمسكتها،وكأنها كانت تنتظر المبادرة،دموعٍ وشهقات مرتفعة متألمة تنم عن مخزون وجعٍ لسنواتٍ طويلة،يا الله،كم هو رائع ومختلف حُضن الأم،فتلك هي المرة الأولى التي تجربه،باتت تشدد من ضمتها أكثر وهكذا منيرة أيضًا التي ارتفع صوت بكائها وكأنها تعتذر لصغيرتها عن التقصير بحقها بتلك الطريقة
تطلع على حبيبته بألمٍ وأمل،ألمٍ على حالتها ووجعها وما كانت تكنه بداخل قلبها،وأملًا بالتأثير الإيجابي على نفسيتها جراء تلك المصالحة،وضع كفيه داخل جيب بنطاله وبات يتطلع على عزيز وهو ينتشل شقيقته من أحضان والدتها ليضمها إليه ويربت عليها،وكأنهُ اليوم العالمي لصحوة الضمير
شاركهما وجدي وأيهم الذي تأثر بدموع غاليتاه وانتقلت العدوى إليه وأيضًا نوارة حيث كانت تتطلع عليهم بجوار الباب،تحدث عزيز بعدما انتبه لوجود ذاك الراقي الذي تركهم يعبرون عن مكنون قلوبهم وابتعد:
-معلش يا باشا حقك علينا
هز رأسه وتحدث بهدوء:
-ولا يهمك
ثم نظر إلي حبيبته لينطق:
-نمشي يا حبيبي؟
شددت منيرة من مسكتها لتنطق بعينين متوسلة:
-إتغدي مع اخواتك وباتي معايا،ورحمة أبوكِ تباتي معايا
انتفض قلبها لتلك النظرات وما تحملهُ من حنانٍ لأول مرة تتلقاهُ على يدها، التفتت سريعًا لزوجها تستشف رأيه،تطلع إلى عينيها ليتعجب من نظراتها،فتلك هي المرة الأولى التي يرى ذاك النقاء بهما،وكأنها تحولت إلى طفلة مرحة،نظرة صافية خالية من أيه شوائب تعكر صفوها،ابتسم لينطق لأجلها بعدما فهم مغزى نظراتها:
-أنا قولت لك،اللي إنتِ عوزاه وشايفة إنه هيريحك أنا معاكِ فيه
هزت رأسها وهي تسألهُ ومن داخلها تتمنى الموافقة:
-يعني ممكن نبات هنا فعلاً؟
لم يكن الامر بسهلٍ عليه، فاتخاذ قرارٍ بأمر المبيت يحتاج ترتيباتٍ أخرى،رجال الحراسة وتأمين مبيتهم هنا،إقناع والدهُ لوالدته المرتعبة عليه من مجرد الزيارة فكيف له أن يقنعها بالمبيت في تلك القرية،مع وجود كل تلك العوائق والعراقيل ومع ذلك لم يهتم،جل ما جال بفكرهِ بتلك اللحظة هو راحة خليلة قلبه وفقط،لذا تبسم لها وتحدث بنبرة حنون:
-لو إنتِ حابة كده أنا معنديش أي مانع
هرولت إليه لتحتضنه بقوة وهي تقول بنبرة حماسية:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
كما الظمأن التائهُ بوسط الصحراء وبلحظة ظهر أمامهُ بئرًا من الماء العذب ليهرول إليه يشربُ ويشرب حتى الإرتواء،هكذا رأها أمامه،نظراتها التي تبدلت،وكأن شيئًا كان ينقصها والأن فقط قد عثرت عليه لتكتمل.
شددت من احتضانها ليشاركها لحظة السعادة بعودتها إلى كنف عائلتها،بعد قليل كان يجلس فوق إحدى الأرائك يتوسط عزيز و وجدي حيث بدأ بفتح الأحاديث لادماج زوج شقيقتهم،وضعوا الطاولة الارضية وسط الغرفة وبدأت نوارة وفتيات عزيز وشاركتهم إيثار برص الاطعمة المتنوعة فوقها،كانت تتحرك برشاقة رغم حملها وهي تجلب الطعام من المطبخ وتقوم برصه وكأنها عادت إبنة التاسعة عشر،انتهوا من تجهيزها لتهرول هي لإحدى الأرائك وبدأت بحمل إحدى الوسائد ووضعها فوق الأرض لتنطق وهي تُشير لزوجها:
-حطيت لك مخدة علشان تكون مرتاح وإنتَ بتاكل
أجابها بهدوء وهو يتطلع لتلك الطاولة الأرضية:
-ملهاش لزوم يا حبيبي،أنا هقعد معاكم على الأرض
هتف وجدي بحبور:
-ميصحش سعادتك
وقف الجميع وحمل عزيز وسادة ليضعها بجوار جلوس فؤاد وتحدث إلى شقيقته وكأنهُ يريد محو الماضي من مخيلتها:
-وإنتِ كمان إقعدي جنب جوزك علشان متتعبيش
تطلعت عليه بنظراتٍ مختلطة،ما بين سعادة وحيرة واستغراب، وعلى الفور ابتسمت له ليمسك زوجها بيدها وساعدها على الجلوس نظرًا لحملها ثم جاورها،حضرت منيرة والتف الجميع حوال الطاولة لينطق أيهم في محاولة منه لفتح أحاديث مع زوج شقيقته:
-طبعاً دي أول مرة تاكل فيها على الطبلية يا سيادة المستشار؟
ابتسم وهو يقول بملاطفة:
-بصراحة أول مرة،بس حبيت القعدة جدًا
وتابع وهو يشير بكفيه:
-تحس إن فيه ألفة وجو عائلي أكثر من السُفرة
قامت منيرة بتقطيع لحوم البط وقامت ببسط ذراعها وهي تضع إلى فؤاد بصحنه لتنطق بحبور ووجهٍ بشوش:
-مد إيدك وكُل يا ابني،ومتقلقش من ناحية النضافة،إحنا نضاف وأكلنا زي الفُل
تحدث على عجالة لينفي فكرتها:
-ده شيئ واضح يا افندم ومش محتاج كلام
أمسكت نوارة ملعقة كبيرة وقامت بغرف قطعة كبيرة من صينية “الأرز المعمر”لتقول وهي تضعها بصحن ذاك الراقي:
-دوق بقى الرز المعمر بتاع ماما وقول رأيك فيه
واسترسلت بحماس وهي تُشير إلى إيثار:
-ده بقى أكلة إيثار المفضلة،كانت بتعشقه وعمي الله يرحمه كان بيخلي ماما تعمله مخصوص ويوديه لـ إيثار مصر بنفسه
تذكرت والدها وزياراته لها حيث كان يأتي محملاً بالخيرات،تنهدت لتبسط كفها تلتقط إحدى وحدات أصابع المحشي لتتناولهُ وتغمض عينيها تتلذذُ بنكهته الرائعة والتي تذكرها بأيام صباها،إلتقطت واحدًا أخر لتضعهُ بفم زوجها دون أن تشعر بالخجل كـ قبل مع عمرو لتنطق بعينين تظهر بهما السعادة:
-دوق المحشي ده،هيعجبك قوي
بدأ بمضغه ليرفع حاجبهُ للأعلى باندهاش لينطق وهو يتطلع إليها:
-طعمه هايل
ثم توجه بحديثه إلى منيرة وتحدث:
-تسلم إيد حضرتك
اجابته بابتسامة صافية:
-بالهنا والشفا يا ابني
وضعت لها نوارة قطعة من الأرز المعمر لتتناول ملعقة منه وتعود بذاكرتها لذاك الطعم المميز،تطلعت للمائدة وأصناف الطعام الموجودة وعادت بذاكرتها للخلف،وجوه الموجودين بذاتهم لم تتغير، رائحة الطعام الذكية وطعمه الحُلو المميز،ذاك الدفئ الذي كانت تشعر به بحضرتهم،كل شيئٍ ظل كما هو إلا ذاك الحبيب الطيب،وبرغم رحيلهُ إلا أنها كانت تشعر بروحهِ الطاهرة تحوم من حولهم وكأنهُ”الحاضر الغائب”ويرى هذا التجمع وسعيدٌ به أيضًا
تطلعت بسعادة للجميع وهم يتناولون الطعام بشهية مفتوحة وسط أحاديثهم الشيقة حتى فؤاد اندمج معهم بالحديث
سألتها منيرة باشتياقٍ ظهر بصوتها:
-مجبتوش يوسف معاكم ليه؟
ده وحشني قوي ونفسي أشوفه
ابتسمت لتجيبها بمرارة:
-محبتش أجيبه علشان ميسألش عن أهله
تأثر الجميع لأجل الصغير فجميعهم يعلم مدى تعلق الصغير بعائلته وعشقه لهم،حمل وجدي إحدى الحمامات المحشوة بالفريك وقدمها لشقيقته وقال كي يُلهيها ويمحو عنها حزنها:
-كُلي حمام يا إيثار
أشارت لصحنها وهي تقول:
-قدامي واحدة يا وجدي
نطق عزيز بنبرة حنون تعجبت لها:
-اللي قدامك محشية رز لكن دي محشية فريك،خديها من إيد أخوكِ
ابتسمت وتناولتها من يد شقيقها برغم عدم الاشتهاء لها،تحدث عزيز إلى فؤاد بصوتٍ حماسي:
-كل حمام يا باشا،ولا ملكش فيه؟
-لا باكله عادي…قالها ليتابع وهو يُشير إلى طبقه بملاطفة:
-بس اكيد مش هاكل أربعة
نطقت نوارة بنبرة حماسية:
-كل يا باشا بالهنا والشفا،دي أول مرة تاكل عندنا
نطقت منيرة وهي تتطلع إلى ابنتها بتعمق لعينيها:
-إن شاءالله مش هتكون الأخيرة
ابتسمت بخفوتٍ لوالدتها وتابع الجميع تناولهم للطعام،ليتحدث عزيز:
-بعد الغدا إطبخي للرجالة اللي برة علشان يتغدوا يا نوارة
نطق فؤاد برفضٍ قاطع:
– متشغلوش نفسكم بالرجالة يا عزيز،أنا بعت واحد منهم يجيب غدا من المركز القريب من هنا وزمانه جاب لهم
قالت منيرة بنبرة عاتبة:
-ليه كده يا ابني،هو احنا قليلين في نظرك علشان تبعت تشتري لرجالتك أكل من برة؟!
نطق بهدوء مبررًا:
-انا مقولتش كده حضرتك،أنا بس محبتش أشغلكم بتجهيز الاكل وقولت تستغلوا الوقت في القعدة مع إيثار
واسترسل بنبرة هادئة:
-ولما طلعت أكلم الباشا وأبلغه إننا هنبات،خليت واحد منهم يروح يجيب غدا للباقي
انتهوا وحملوا الاواني للمطبخ واتجه الجميع لغسل أياديهم ثم توجهوا لغرفة الضيافة لتناول مشروب الشاي التي صنعته نوارة، وأثناء تناولهم للشاي استمعوا لخبطات فوق الباب لتذهب نوارة ثم تعود بعد قليل وهي تقول بنبرة مرتبكة:
-فيه واحدة برة عاوزة تقابلك يا إيثار
ضيقت بين حاجبيها لتسألها باستغراب:
-واحدة،عوزاني أنا؟!
سألتها منيرة تحت نظرات فؤاد المدققة:
-مين دي يا نوارة؟!
صمتت قليلاً قبل أن تنطق بتلبك:
-مروة مرات حسين البنهاوي،ومعاها بنت عمرو وسمية
لتسترسل بإبانة:
-الأمن حاجزينهم برة وواحد منهم هو اللي خبط وبلغني
أوقفها الأمن ومرر على جسدها وجسد الطفلة جهاز كشف الأسلحة والمعادن ليتأكدا من خلوها قبل أن يسمحا لها بتخطي الحاجز الأمني الذي حدده المسؤل عنهم.
ارتبكت بجلستها لينطق فؤاد بحدة بعدما استمع للقب “البنهاوي”:
-من فضلك بلغيها إن إيثار مش عاوزة تقابل حد
وقفت إيثار وتحدثت إلى زوجها برجاء:
-معلش يا فؤاد أنا هقابلها،ده بعد إذنك طبعاً
اتسعت عينيه يرمقها بحدة لتتابع مبررة:
-مروة شخصية طيبة مش زيهم، وبعدين أنا معاكم ووسطكم
نطقت منيرة:
-متقلقش يا ابني،مروة من عيلة محترمة وبنت ناس
ثم وقفت وجاورت ابنتها لتتابع كي تطمأنه:
-وأنا هطلع معاها علشان تطمن
اطمئن قليلاً بوجود الحرس وتأكد من أن رئيسهم لن يسمح لها بالدخول لولا تأكده من الأمان،خرجت إيثار لتجد مروة تقف بجوار الطفلة المتشبثة بثوبها تختبئُ خلفها وكأنها حصنها المنيع،اقتربت عليها تحت نظرات مروة المتفحصة لحال إيثار الذي تبدل وكأنها ترى أميرة،نعم طالما كانت جميلة وبرغم فقرها إلا أن ثيابها كانت جميلة وأنيقة وبعد زواجها من عمرو تغير حالها للأفضل ولكن ليس بتلك الحالة التي عليها الان، فقد أصبحت طلتها كالأميرات ونجمات السينما نظرًا للمستوى المادي التي انتقلت إليه بزواجها من أحد الأثرياء، تحدثت إيثار وهي تقترب عليها:
-أهلاً يا مروة
بسطت مروة يدها للمصافحة لتنطق بنبرة لإمرأة ظهرت بائسة حزينة لما أوت إليه:
-إزيك يا إيثار
أشارت لها منيرة لإحدى الغرف:
-تعالي يا بنتي جوة
-معلش يا خالتي،انا جاية أتكلم مع إيثار كلمتين وماشية على طول… قالتها بانكسار لتتابع وهي تنظر إلى تلك الصغيرة المنكمشة خلفها:
-وجبت زينة معايا علشان تشوف أخوها وتسلم عليه
ازدردت إيثار ريقها وهي تتطلع بتمعنٍ لما يظهر من تلك الصغيرة التي تحمل إثم والدتها على عاتقها،فتلك هي حصاد الخيانة التي تعرضت لها بأقسى طريقة، زوجها وصديقة العمر،يا لها من ضربة قاسية أطاحت بحياتها بالكامل وأفقدتها الثقة في الجميع حتى بحالها لمدة ليست بالقليلة حتى تعافت وعادت لها ثقتها بحالها من جديد،لم يظهر من الصغيرة سوى إحدى عينيها التي تتطلع بها من خلف جلباب مروة وكأنها تخشى مواجهة العالم، نطقت إيثار بهدوء وهي تنقل بصرها إلى مروة:
-يوسف مجاش معايا،خفت يسأل عنكم ويطلب يزور البيت
واسترسلت بتأثر ظهر بصوتها ونظرات عينيها الحزينة:
-إبني لسه صغير على إني اصدمه وأقول له حقيقة اللي حصل مع عيلته
تألم داخل مروة ثم تحدثت:
-أنا جايبة لك رسالة من حسين، ومني أنا كمان
قطبت جبينها باستغراب لتتابع الأخرى بتوسل:
-حسين طالب منك تسامحيه وتسامحي أهله،بيقول إن اللي حصل لهم ده كله بسبب لعنتك، لعنة ظلمك اللي كلنا شهدنا عليه وسكتنا
أخذت الأخرى نفسًا عميقًا وتحدثت:
-ربنا اللي بيسامح يا مروة،أنا ربنا عوضني أنا وابني براجل محترم ونسيت معاه كل اللي فات، وصدقيني لو قولت لك إني زعلت على اللي حصل معاكم
واسترسلت بجدية:
– دول مهما كان أهل إبني واللي يضرهم يضره
سألتها باهتمام:
-يعني مش زعلانة مني ولا من حسين؟!
هزت رأسها بنفي لتسألها باهتمام:
-هو حسين معاكم هنا؟
تنهدت بألم حين تذكرت حال زوجها لتقول بصوتٍ متأثر:
-حسين قاعد في مصر شغال هناك في شركة،بيقبض مرتب ضعيف ولما ظروفه تتحسن هيبعت ياخدني أنا والولاد
ثم تطلعت لتلك المختبأة خلفها:
-وهاخد زينة معايا، هي عايشة معايا عند بابا
-هي أمها… قالتها إيثار وقبل أن تُكمل قاطعتها مروة لتنطق:
-كانت عيانة، عندها ورم في الرحم بعيد عن السامعين،عملوا لها العملية وحُكم الإعدام هيتنفذ فيها بعد بكرة
هزت إيثار رأسها بأسي لتتابع الأخرى بيقين:
-ربنا جزاها على كل الأذى اللي عملته في حياتها،الله يسامحها بقى
هتفت منيرة بحدة وشراسة:
-الله لا يسامحها لا دنيا ولا أخرة وينتقم منها بحق العيال اللي يتمتهم وكسرتهم
نطقت مروة بكلماتٍ حق:
-مهي نسرين التانية مكنتش بريئة يا خالتي
أشارت منيرة بكفها وتحدثت بأسى:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيهم هما الإتنين،ربنا يكحمهم في جهنم بحق ما خربوا بيت بنتي
هتفت نوارة باتساع عينيها المتعجبة:
-لسة بتقول خراب بيت بنتها؟!،هو أنتِ يا خالتي مش شايفة حالة بنتك ولا جوزها سيادة المستشار، إيش جاب لجاب
نطقتها بملامة ثم نظرت إلى مروة لتنطق بصوتٍ جاد:
-معلش يا مروة أنا لساني فالت ومبعرفش أسكت قدام الحق، وبصراحة كده إيثار ربنا بيحبها إنه نجاها من العيلة الهم دي
قالت إيثار لإنهاء ذاك الحديث:
-خلاص يا نوارة،كل شئ انتهى وراح لحاله والكلام مبقاش ليه لزوم
تحدثت مروة وهي تستعد للرحيل:
-يعني أطمن حسين يا إيثار؟
أومأت لها وتحدثت بنبرة صادقة:
-حسين طول عمره كان محترم معايا،وعمره ما أذاني حتى بكلمه،ربنا يصلح حاله ويفك كربكم وتتجمعوا قريب
استمعت لصوت ذاك الحنون الذي خرج ليطمئن عليها بعدما فقد القدرة على الصبر أكثر من هذا، لينطق:
-الوقفة دي غلط عليكِ يا حبيبي
ما اروعهُ حين يقول كلمة حبيبي،ينطقها أمام الجميع دون أن يخجل بالعكس،يشعر دائمًا بالفخر بامتلاكه لتلك الرائعة،اقترب عليها لتنطق مروة بعدما شعرت بالخجل:
-أنا همشي
قالت منيرة بنبرة هادئة:
-هتمشي يا بنتي من غير ما تشربي حاجة
تطلعت إلى فؤاد الذي يخترق ملامحها بنظراته ليستكشف نواياها بحكم ما تعود عليه من خلال عمله لتنطق هي بارتباك:
-مرة تانية يا خالتي،متشكرة يا إيثار
رفعت كتفيها لتنطق بنبرة صادقة:
-على إيه بس يا مروة
تطلعت إيثار على تلك الصغيرة لتشعر بالأسى تجاهها،فقد جنى عليها والداها بمجيئها للدنيا بتلك الطريقة المهينة،رحلت المرأة لتتركها بصحبة عائلتها،قضت سهرتها بصحبة عائلتها لتغفى بالليل بصحبة زوجها بغرفة أيهم،وباليوم التالي خرجت من البلدة لتمر من ذاك الكوبري ولأول مرة مرفوعة الرأس بقلبٍ سعيد،تطلعت لذاك الجالس بجوارها لترتمي داخل أحضانه تتنعم بحنانه ليهمس بأذنها:
-بعد الليلة دي محتاجين نستجم في الچاكوزي،أظن كده من حقي أدلع
لفت ذراعها حول عنقه لتنطق بسعادة وارتياح لم تشعر به منذ سنوات:
-أنا حبيبي يستاهل دلع الدنيا كلها
ابتسم بسعادة لشعورهُ بشدة حبور خليلة الروح ليشدد من إحتضانها ويضع كفهُ يتحسس موضع صغيراه ليسألها:
-حبايب قلبي أخبارهم إيه
-زي الفل يا حبيبي…قالتها وهي تطمئنهُ على جنيناه ليتنهد براحة
***********
بعد مرور أقل من ثلاثة شهور
كانت بصحبة زوجها وعائلتها داخل منزل “أميرة”تلك الفتاة التي تعرف عليها”أيهم” من خلال عمله بشركة الزيني،فقد حضروا اليوم لزيارتهم لخطبة الفتاة لـ أيهم،وقد حضرت معهم إيثار وفؤاد بعدما تحسنت علاقتهم وعادت كأي علاقة صحية لفتاة بعائلتها، وأثناء الترحاب بهم وبعد الإتفاق على تفاصيل الزواج،شعرت إيثار ببعض الألم، في البداية كظمت ألمها كي لا تفسد فرحة شقيقها وعروسه الجميلة لكنها لم تستطع الصمود اكثر لتطلق صرخة مدوية وهي تتمسك بكف زوجها:
-فؤاد،إلحقني
إنتفض قلبه لينظر عليها بوجهٍ شاحب كالأموات من شدة هلعه عليها ليسألها:
-مالك يا قلبي
حملقت عينيها باتساع وهي تقول بهلعٍ:
-شكلي بولد، أاااااااه
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)