رواية سرداب الغرام الفصل الرابع 4 بقلم ندا حسن
رواية سرداب الغرام الجزء الرابع
رواية سرداب الغرام البارت الرابع
رواية سرداب الغرام الحلقة الرابعة
عاد “عز” مع زوجته إلى منزل الزوجية الذي كان يسكن به مع والدته بعد أن توفى والده ولكن لكل منهم الشقة الخاصة به..
دق “عز” على الباب ليطمئن على والدته ففتحت تُشير إليه بالولوج إلى الداخل مع نظرة متحمسة تلقي بها عليهم على غير العادة قائلة:
-أدخل يا عز تعالى
هم بالولوج إلى الداخل ومعه زوجته ليأتي صوت والدته مرة أخرى:
-دي سميرة بنت خالتك جوا أدخل سلم عليها وأقعد معاها
قبضت “آية” على ذراعه جاذبة إياه إلى الخلف هامسة بغيظ:
-تعالى هنا رايح فين
عاد للخلف يقف جوارها أمام الباب ناظرًا إليها بقوة فاستدارت والدته متسائلة:
-ما تدخل
أقتربت منه زوجته تهمس جوار أذنه بغيظ من حركات والدته التي باتت مملة للغاية:
-قسمًا بالله لو دخلت هنكد عليك عيشتك
أكملت تشدد على ذراعه تجذبه ناحيتها كي ينظر إليها:
-هو أنا مش مالية عينك ولا ايه
ابتسم إليها بهدوء محاولًا أن يمتص غضبها فهو يعلم ما الذي تريد فعله والدته بجلبها لابنة شقيقتها إلى هنا كل يوم والآخر فقط لمضايقة زوجته:
-مالية عيني وقلبي
بادلته الابتسامة وأكملت على حديثه بدلال:
-طب شيل وأطلع
عقد حاجبيه مُتسائلًا باستغراب:
-اشيل ايه
أجابته هامسة جوار أذنه بحدة تتخفى بشفتيها عن أعين والدته المتربصة لهما:
-شيلني وأطلع على شقتنا علشان لو دخلت هصور قتيل ويا أما فيك يا أما في المسهوكة اللي جوا دي
عاد إلى الخلف ينظر إليها ثم قال بجدية متصنعًا عدم مقدرته على مواجهتها:
-خلاص إحنا مش حملك
انحنى بجذعه إلى الأسفل ليرفعها على ذراعيه ثم وقف ناصبًا عوده ينظر إلى والدته التي كادت أن تخرج عينيها مما يفعله ابنها مع تلك الغبية زوجته التي سرقته من الجميع ليصبح إليها فقط..
ابتسم بسخافة يتابع النظر إليها ثم أردف قائلًا:
-دي آية تعبانه خالص زي ما أنتي شايفه هطلعها ترتاح
حركت قدميها في الهواء تحيط عنقه بذراعيها وخرج صوتها بدلال ماكر:
-آه تعبانه أوي أوي مش قادرة أمشي يا عز
ضغط على خصرها بيده مُجيبًا بانزعاج:
-طيب أهو هتنيل
همست مرة أخرى بصوتٍ منخفض وهي ترى ابنة خالته تنظر إليهم من الداخل وعينيها بها جمرات مشتعلة:
-أنت كمان مش عاجبك
ضغط على شفتيه بأسنانه يتابعها والغيظ يأكل داخله مُجيبًا بنزق:
-عاجبني يا آية هانم
حركت قدميها ثانيةً في الهواء تداعب عنقه بأنامل يدها الاثنين قائلة بغنج وهي ترمق والدته بنظراتٍ خبيثة:
-طب دلعني قبل ما تطلع
ارتفع صوته فجأة قائلًا:
-حبيبتي أنتي كويسه؟ أجيب دكتور
اعتلت الابتسامة وجهها وهي تحرك عينيها من والدته إلى ابنة شقيقتها في الداخل والعكس وأجابته برفق:
-لأ يا روحي أنت كفاية
أكملت تتخفى بوجهها في عنقه:
-تعالى نطلع شقتنا أحسن عيون الناس وحشه أوي
استمعت إلى صوته المنزعج يقول:
-يا صبر أيوب
عادت إلى الخلف ناظرة إليه بقوة وغضب إن خرج عليه سيكون هو الهالك لا محال، كحال كل النساء العاشقة عندما تشعر بالغيرة تخرج مخالب الصقر المتخفية داخلها ولا تعلم من يكن أول المتضررين:
-تاني!
قال برفق ولين ينظر إليها بهدوء محاولًا تمالك أعصابه:
-أنا غلطت الله
أبعد وجهه عنها ينظر إلى والدته التي طال صمتها ونظراتها نحوهم كريهة بغيضة إليها وقال بجدية:
-عن اذنك يا ماما
تابعته باستغراب شديد وخرج صوتها عاليًا بغضب مغتاظة مما تفعله زوجته، أبعد بكل ذلك يرحل بهذه السهولة:
-هو ايه اللي عن اذنك يا ماما ايه الدلع البايخ ده نزلها وأدخل بقولك
أجابها بملامح ممتعضة يود التخلص من الاثنين ولكن كيف لا يدري:
-تعبانه يا ماما تعبانه مش شايفه
أشارت إليها بغيظ وعصبية قائلة بجدية شديدة وكان حديثها صادق:
-دي بتستهبل علشان متقعدش مع بنت خالتك
تحدثت بغنج تشعل النيران داخلها وهي تتابعها بخبث ومكر قائلة متعلقة بعنقه:
-أنا بنت عمه ومراته وحبيبته وروحه وعمره
أبعدت وجهها إليه تتسائل:
-مش كده يا حبيبي
أومأ إليها مُجيبًا بكامل الحب ولم يكن تصنع أو محاولة للانتهاء من هذا الحديث بل كان بكل صدق لأنه يعلم حركات والدته المعتادة والذي أصبح هو الاخر معتادًا عليها ولكنها تتفن في مضايقة زوجته:
-كده يا عمري
أشار إلى والدته برأسه وهو يتحرك ليذهب إلى الأعلى:
-عن اذنك بقى يا ماما مرة تانية نبقى نقعد
همست ضاحكة بدلال ترتفع بصوتها كي تستمع إليها والدته:
-في المشمش إن شاء الله
أخذها وصعد إلى الأعلى حيث شقته، لم تكن يومًا تود أن تعتاد على هذه الطريقة في المعاملة مع زوجة عمها ووالدة زوجها ولكنها هي من جعلتها تفعل ذلك في كل مرة تتودد إليها وتود القرب منها وهي من تبتعد وتلقي بالحديث الساخر عليها، تتحدث عن ابنة شقيقتها في كل جلسة تكن هي بها كيف جمالها وكيف وكيف وكيف ولما لم يتزوجها ولدها ويفعل ما أرادته والدته.. لم تستطع تحمل الوضع أكثر من ذلك وهو يحاول إرضاء الاثنين كلما تقدمت إليه بشكوى منها قال أنها والدته وهي زوجته، هي من تبقى معه في نهاية اليوم وهي من معه في كل الأوقات الحزينة منها والسعيدة ليست ابنة خالته فليس عليها أن تعطي كل هذه الأهمية إلى حديث والدته، غيرت من طريقتها معها ولم تعد تشتكي منها بل تقوم باغاظتها أو التغاضي عما تفعل ليمر الأمر بينهم..
ولكنها إلى اليوم تتفنن في مضايقتها وتجلب ابنة شقيقتها البلهاء للجلوس معها كي تتقابل مع ابنها، كانت هي الأولى التي قامت باختيارها ليتزوج منها ولكنه خالف توقعها باختياره لابنة عمه الذي كان يحبها رفضت رفضًا قاطعًا لأنها لم تكن على توافق معهم ولكنه في النهاية فعل ما أراد معللًا بأنها عاجلًا أم أجلًا ستعتاد على الوضع ولكنه كان مخطئ فهي إلى اليوم لم تعتاد وتحاول تخريب حياة الزوجية الخاصة به لأنها ترى أن هذا فقط هو المناسب وتتغاضى عن سعادته مع زوجته لأنها تراها تفعل ذلك بطرق وأساليب مخطط لها ليكن هو بين يديها لين سعيد بهذه الطريقة…
❈-❈-❈
“في المساء”
جلس “يوسف” على الفراش مُمددًا على بطنه يفرد ذراعيه أسفل رأسه ينام بهدوء واسترخاء بينما كانت “مهرة” جالسة جواره تلطخ يدها بالزيوت المخصصة لعمل المساج المريح للأعصاب وعضلات الظهر..
كانت يدها تعبث بظهره صعودًا وهبوطًا تعلم ما الذي تفعله جيدًا وكأنها بارعه به كبراعتها بالبرقص..
أتى صوتها يخترق الصمت الذي كان بينهم بعدما خدش الشك جدار قلبها:
-بس تفتكر رضوان بيه مش شاكك في بياتك بره على طول كده
رفع رأسه يتكأ بذقنه على ذراعه وأجابها بجدية ما قالته له والدتها في الصباح عندما كانت هنا:
-سأل عليا بس أمي قالتله إني روحت بالليل ومشيت الصبح
لوى شفتيه مُستنكرًا وأكمل:
-مظنش إنه يشك في حاجه هو ممكن ياخد باله إني بتأخر أو يلاحظ عدم وجودي في مرة لكن مش كل مرة يعني وبعدين أمي هناك بتعرف تتصرف
بعدما كانت من تطمئنة بالأمس تقف جواره تسانده قائلة بأن كل شيء سيكون على ما يرام لعب الشك دوره داخلها لتقول:
-أيوه بس أنا بصراحة مش مطمنة
سألها بجدية:
-لايه بالظبط
حركت كتفيها وهي تعتدل جالسة على الفراش بعدما كانت تتكأ على ركبتيها جواره تهتف بصوتٍ قلق:
-يعني.. كلامك امبارح وسكوته ده وبعدين أنت بردو يعتبر هنا كل يوم معقول مش واخد باله
اعتدل هو الآخر يجلس أمامها متسائلًا:
-تقصدي ايه
نظرت إليه بعمق وحركت شفتيها بتردد تخترق مسامعه بارتعاش صوتها:
-ممكن يكون عارف إننا متجوزين؟
بادلها تلك النظرة ولكنه حرك رأسه باستغراب لاستماعه هذه الكلمات منها ثم ألقى عليها سؤالًا يعتقد أنه الإجابة لها:
-وساكت ليه؟
أجابته بحيرة:
-ده اللي معرفوش
أمسك بكف يدها بين راحتي يده يطمئنها بحب وحنان وأتى صوته قائلًا:
-لو كان عارف إني اتجوزتك ومنفذتش كلامه مستحيل كان يسيبنا
حرك كتفيه وأكمل بجدية:
-أنا محستش ولا مرة أنه عارف.. غير لما جاب سيرتك شكيت
حركت عينيها عليه ثم سألته مرة أخرى ومازال القلق يتربع على عرش قلبها:
-طب تفتكر عارف ولا لأ
ضغط على يدها بقوة وقال مُجيبًا بتأكيد وثقة:
-اللي أنا متأكد منه أنه لو عارف جوازنا من زمان مستحيل يسكت
ارتسم الحزن على ملامحها وتخلل الألم نبرتها عندما أتت إلى السؤال الأهم بالنسبة إليها:
-طب أنت هتعمل ايه
ابتسم بهدوء يتنافى مع قلقه الداخلي وعجزه عن الوقوف على بر الأمان وحده معها:
-هرفض طبعًا.. أنا معنديش أغلى منك
ابتسامة مرتعشة ارتسمت على شفتيها تماثلة ولكن الهدوء والأمان لم يدق بابها بعد فسألته:
-طب ورد فعله
اتسعت ابتسامته وانفلتت منه ضحكة ساخرة قائلًا بتهكم:
-عايزاني أخمن ده كمان
جذبت يدها منه تضعها على وجنته اليمنى تلطخها بالزيت قائلة بخوف خالص لم يتمثل بشيء إلا به:
-يوسف أنا خايفة عليك
وضع يده فوق يدها وأردف بهدوء ونظرة عيناه السوداء تخترق عينيها ذات اللون الساحر الذي لم يستطع وصفه:
-متخافيش يا مهرة.. متخافيش
جذبها إليه يضمها إلى صدره فأراحت رأسها عليه تحتضن قلبه يود لو يدخلها بين أضلعه يخيفها عن والده ثم العالم من بعده، شددت على عناقه وهي تضم يديها حول خصره وكل منهم يريد الشعور بالاخر داخله.. وكل منهم يحتاج إلى شيء ينقصه والآخر يكمله.. يمدها بالحب والعطاء يشعرها بالأمان على الرغم من أنه لا يشعر به.. تبادله بالغرام الذي لم يرى مثله من قبلل تعامله وكأنه ابنها المدلل ولا يوجد غيره بحياتها وقد كان هكذا حقًا.. وأخذ منها كل ما كان يشعر بالنقص تجاهه فأصبحت إليه الأمن والسكن والسكينة والقلب الوحيد الذي يلقي به مخاوفه وكل ما به من مشاعر مختلفة..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
استمعت “مهرة” إلى ارتفاع رنين هاتفها فتركت تزينها أمام المرآة كالعادة وذهبت لتجلس على الفراش تأخذه بين يدها لتجد أن جدتها المتصلة..
أجابت عليها بابتسامة حماسية تضع الهاتف جوار أذنها:
-ازيك يا ستي عامله ايه وحشتيني أوي
استمعت إلى صوت جدتها عبر الطرف الآخر يأتي أكثر حماسًا وحبًا:
-أنا بخير يا مهرة يا حبيبتي طمنيني عنك أنتي عامله ايه
عادت إلى الخلف تجلس على الفراش تستند إلى ظهره مُجيبة عليها بهدوء:
-الحمدلله كويسه يا ستي انتوا اللي عاملين ايه وأخبار صحتك ايه
أغلقت جدتها باب الغرفة التي دلفت إليها وهي تضع الهاتف على أذنها كي لا يستمع إليها أحد من الخارج:
-كويسه يا حبيبتي المهم أنتي ويوسف عامل ايه
ملئت الابتسامة وجهها وهي تقول:
-الحمدلله إحنا كويسين وأنتي وحشتيني أوي إن شاء الله هجيلك قريب
هلعت جدتها فزعًا عندما استمعت إلى آخر كلماتها وجاء صوتها رافضًا بشدة:
-لأ.. لأ يا مهرة متجيش
استغربت “مهرة” رفضها القاطع والسريع التي أتى دون تفكير فاعتدلت جالسة تسألها باستغراب:
-ليه في حاجه ولا ايه
اخفضت جدتها صوتها وهي تجلس على الأريكة في الداخل ثم أجابتها بهدوء لا تود أن تقلقها:
-متجيش يا بنتي خليكي في بيتك احسنلك طالما أنتي بخير أنا بخير متقلقيش عليا
أردفت برفق ولين تعبر عن اشتياقها إليها:
-بس أنا عايزة أشوفك وكنت لسه هتكلم مع يوسف علشان اجيلك
مرة أخرى أتى رفضها:
-لأ متجيش
اعتلى القلق والتوتر ملامحها وتربع التوجس داخلها فسألتها مرة أخرى بإصرار:
-طيب قوليلي في ايه
تنهدت بعمق ثم أجابت بضيق وانزعاج:
-عمامك يا مهرة
دق قلبها عندما استمعت إلى جدتها وعلمت أن الأمر يخص أعمامها وما أدراك من هم أعمامها، ابتلعت ريقها وسألتها:
-مالهم
-عايزينك ترجعي البلد علشان تتجوزي عمر
وقفت على قدميها وابتعدت عن الفراش تنظر إلى ذاتها عبر المرآة لحظة والأخرى تحاول استيعاب ما استمعت إليه ثم أتى صوتها يقطع الصمت بينهم:
-أنا خطوبتي بعمر اتفسخت من زمان وأنا دلوقتي متجوزة يوسف
تفوهت على الطرف الآخر بضيق أكثر توضح لها:
-يا مهرة يا حبيبتي ما أنا عارفه وأنتي كمان عارفه هما عايزين ايه
لحظات لعب بها عقلها أسوأ الألعاب وألقى عليها أسوأ الأفكار فلم تجد نفسها إلا وهي تقول بجدية شديدة تتخلى عن كل ما لها فقط لتبقى بسلام:
-أقولك حاجه يا ستي أنا مستعدة إني أتنازل عن البيت والأرض ليهم مش عايزاهم أنا مبسوطة مع يوسف ومش ناقصني حاجه ده حتى الفلوس اللي ببعتها كل أول شهر من يوسف علشان يطمنوا إني شغاله هنا ويسكتوا
نهرتها جدتها بعنف وارتفع صوتها التي حرصت على انخفاضه فلا أحد يستحق أن يأخذ منها ما تملك وكل منهم لديه المال والأملاك ولكنهم يطمعون بها وبمالها:
-اوعي تقولي كده تاني يا مهرة، البيت والأرض والدهب اللي عندي كل دول ملكك وسندك في الدنيا حقك وحاجتك ومش هسمحلك تتنازلي عنهم أبدًا هما اللي طماعين وعايزين ياكلوا مالك ومش بس مالك.. ده حتى لو اتنازلتي بيقولوا أنك كمان حقهم وحق عمر
عادت مرة أخرى إلى الفراش لتجلس بذهنٍ شارد ونظرة زائغة على الفراغ تتسأل بضياع:
-طيب والعمل يا ستي
قالت بجدية:
-هما عايزينك ترجعي البلد علشان يجوزوكي أو ياخدوا عنوانك مني بس أنا رفضت وكمان قطعت الورقة اللي كان فيها العنوان والواد حمادة السواق هو بس اللي يعرفه ومحدش يعرف أبدًا أنه عارف عنوانك
سألتها مضيقة ما بين حاجبيها ثم انتفضت واقفة بعدما ترتبت النتيجة على سؤالها وصرخت بفزع:
-افرضي قالهم؟… يالهوي دي تبقى مصيبة لو جم هنا هقول ليوسف ايه؟
ابتسمت بهدوء وتخلل صوتها قلب “مهرة” وهي تحاول أن تجعلها تطمئن وتشعر بالأمان:
-يابت متخافيش ده أنا خيري عليه وهو اللي جابني عندك المرتين اللي فاتوا ساعة كتب الكتاب وكنت بقولهم إني رايحه ازور قريبتي العيانه في المنصورة وهو كان بيعرف يصرف الطريق لو حد قاطرنا
تنهدت زافرة الهواء من رئتيها بعنف وقالت متسائلة بنزق:
-طيب أنتي عايزاني أعمل ايه ولا غرضك ايه يا ستي
أجابتها بهدوء ولين يظهر مدى الحب الذي تكنه إليها جدتها:
-عايزاكي متخافيش يا حبيبتي خلي بالك من نفسك ومن جوزك وأنا كفيلة بيهم وعايزاكي متجيش هنا خالص غير لما أنا أقولك
أومأت “مهرة” برأسها إيجابًا وتحدثت قائلة برفق:
-حاضر يا حبيبتي وأنتي كمان خلي بالك من نفسك ومن صحتك
وكأنها رأت ابتسامة جدتها على الطرف الآخر وهي تقول:
-حاضر يا بنت الغالي متخافيش عليا
أغلقت المكالمة معها بعد أن أخبرتها بكل شيء، وجلست “مهرة” تفكر في مأزق آخر أصاب حياتهم وكأن والده لا يكفي حتى يكن هناك طرف آخر من عائلتها يسانده..
دومًا كان أعمامها يطمعون في أموالها وكل ما تركه لها والدها رحمة الله عليه ولم تجد إلا جدتها الوحيدة التي وقفت معها وساندتها وأشعرتها بالحب والحنان، حافظت على مالها وعلى حياتها ووقفت أمام أبنائها قساة القلب، توفى والدها ووالدتها في حادث أليم لم تكن هي معهم بل كانت مع جدتها في عمر الرابعة عشر، لم تحرمها جدتها من أي شيء جعلتها تخرج من البلدة الصغيرة إلى القاهرة لتدلف الجامعة وبقيت هناك الأربع سنوات تذهب وتعود تحت معارضة كبيرة من أعمامها ولكن جدتها هي من وقفت أمامهم، وتعرفت من خلال الجامعة على “آية” صديقتها الوحيدة التي اكتسبتها منها التي كانت تجلس معها في سكن الجامعة ثم من بعدها عادت إلى القرية مرة أخرى ولكنها لم تستطع العيش بها مع أعمامها وزوجاتهم وبالأخص “عمر” ابن عمها الذي كان يتعمد التحرش بها بالحديث وأحيانًا اللمسات من يده ولكنها في كل مرة لم تصمت ولم تتركه ينال ما يريد إلى أن أرادوا أن يتزوج منها فحاولت الهرب منهم بالحيلة وإلى اليوم هي هاربة..
سافر “عمر” للعمل في الخارج فطلبت من جدتها الرحيل عن القرية إلى حين عودته لتعمل في إحدى الشركات الكبيرة للغاية حينها أعطت لهم عنوانًا مزيفًا وسافرت بعلم جدتها إلى منزل صديقتها “آية” والتي جعلت “عز” ابن عمها حينها يأتي إليها بعمل ولم يكن إلا في شركات “رضوان” عند “يوسف”..
كانت فاتنة الجمال بشرتها بيضاء ملامحها غريبة كليًا، عينيها ذات سحبة تماثل عيون القطة بلون رمادي مخالط الأسود لا مثيل له شفتاها وردية وملامحها بريئة خصلاتها غجرية ملابسها محتشمة، فتاة تخطف الأنفاس وقد فعلتها حقًا دون أدنى مجهود منها ليقع “يوسف” بعشقها في الحال..
اعتلت شفتيها ابتسامة ساخرة وهي تفكر في حياتها وكأنها حياة الأميرة في إحدى الحكايات لا تستطيع العيش مع الأمير في سلام لكثرة الأشرار من حولهم منهم من يريد التفرقة بينهم لأجل أغراض وأهواء تخصه ومنهم من يطمع بهم، ودومًا تكن النهاية سعيدة رُسمت بالحب وكُتب عليها الغرام الأبدي، هنا لا تدري هل لطريق السعادة الخاص بهم رأي آخر فهو دومًا ينعطف ويأتي بأشواك تبدل الأحوال فبدلًا عن السعادة لا يوجد سوى الحزن ولا شيء غير الحزن..
❈-❈-❈
كان دومًا يفكر بها أنها ليست اختار، ولا يجب أن تقع بين الخيارات أنها دومًا المُختارة، دومًا الأهم من كل الأشياء، الأولى والأخيرة، الحب والاحتواء، ومقر الأمان لقلبه وروحه وعقله وكل ما نبض به..
ولأجل كل ذلك وبعد تفكير دام كثيرًا لم يكن لأجل أن يختار بل لأجل أن يحسب العواقب قرر أن يرفض طلب والده في الزواج من غيرها، قرر أن يكن لها وحدها كما كانت وستكون له وحده طيلة السنوات القادمة والراحلة..
ضرب بحديث والده عرض الحائط دون أن يحسبها جيدًا، أو بالأحرى هو حاول أن يتوقع النتائج أو أن يرى العواقب على بُعد ولكنه للأسف الشديد لم يستطع، ولم يأتي بخلده ما الذي من المفترض أن يخضع له على يد والده قاسي القلب ذلك المتجبر..
وقف أمام والده بعد أن دلف إلى الداخل، تنفس بعمق وهو ينظر إليه ووجد أن النظرات المبادلة له حادة قاسية تنتظر الإجابة بنعم وافقت ولا غيرها من إجابات أخرى وإلا..
ارتفع صوت والده وهو يتسائل بملامح وجه عابثة مجعدة:
-جاي تقولي عملت ايه مع نورا؟
تنهد بصوتٍ مرتفع ونظر إليه بقوة وجدية لا يريد العودة بحديثه أو الخوف عليها فقد من مجرد النظر إلى ملامحه:
-أنا مكلمتش نورا
ابتسم ساخرًا وأكمل على حديثه:
-يبقى جاي تقولي أكلمها أنا ونحدد معاد
وقف أمامه شامخًا، رفع رأسه للأعلى ونظر داخل عيناه مباشرة لم يرى أمامه والده بل رأي نظرة الضعف بعينيها، رأي خيبة الأمل بنظراتها:
-جاي أقولك إني مش موافق للمرة المليون.. مش هتجوز نورا، مراتي أنا هختارها بنفسي
عاد والده إلى الخلف وابتسم ساخرًا متحدثًا بثقة ونظرة ذات مغزى:
-هتختارها ولا… خلاص اختارتها
شعر أن “مهرة” على حق عندما ألقت عليه كثير من الأسئلة بخصوص معرفة والده بعلاقتهم فهو في كل مرة يزرع الشك داخله ولا يتوصل إلى أي شيء، إجابة بهدوء محاولًا أن يرسم اللا مبالاة على وجهه:
-أيًا كان مش هتفرق لكن أنا مش هتجوز نورا.. أنا آسف
تحولت ملامح وجه والده إلى الهدوء واللين ولكن مع ذلك تخللت التجاعيد القاسية صفحة وجهه فلم يظهر الحنان عليه:
-يوسف أنت ابني يمكن أكون صعب شوية وبختار بالنيابة عنك بس ده علشان أنا شايف مصلحتك فين
كاد “يوسف” أن يتحدث ولكنه منعه مقاطعًا إياه قائلًا بنبرة هادئة:
-لكن خلاص أنا مش هغصب عليك أكتر من كده أعمل اللي يريحك
اخترق الصمت نقاشهم و “يوسف” يوزع نظرات عينيه السوداء المتسعة على وجه والده لا يصدق ما الذي يتفوه به يشعر بالاستغراب منه نظراته ولين حديثه الغير مُعتاد عليه ولكنه سأله:
-أنت واعي للي بتقوله
أومأ إليه قائلًا:
-أيوه واعي يا يوسف.. ربنا يوفقك يابني
استنكر “يوسف” أكثر وأكثر وهو يستمع إلى حديثه ونطقه لهذه الكلمة بهذه السهولة دون مجهود منه:
-ابنك!
وقف والده أمامه وأومأ برأسه مؤكدًا بجدية وصدق:
-طبعًا ابني.. أنا غلطت خلاص أصرف نظر عن الجواز من نورا
سأله رافعًا أحد حاجبيه بعدم تصديق:
-ده بجد؟
مرة أخرى يؤكد بنظرات هادئة خالية من أي قسوة:
-أيوه بجد خلاص يا يوسف
لم يصدق ذلك، ولم يشعر بالثقة تدلف قلبه ولم يرى أي من تعابير الحنان والرفق على ملامحه ولكنه سار ورا السراب محاولًا أن يخرج من السرداب ولو كان كذب:
-شكرًا.. شكرًا بجد
لم يعطيه الفرصة للحديث مرة أخرى بل أسرع يتقدم من الباب للذهاب ولكن والده استوقفه بقوله:
-أنت رايح فين
استدار ينظر إليه مُجيبًا:
-خلصت شغل وهمشي
رفع يده إليه بملف من الأوراق قائلًا:
-طيب قبل ما تمشي راجعلي الملف ده وهاته تاني لما تخلصه وبعدين أمشي
تقدم مرة أخرى يأخذه منه يؤمأ بالايجاب:
-تمام
ثم ذهب إلى الخارج تاركًا والده وحده يفكر فيما فعل ابنه وما فعله هو الآخر، هل صواب أم خطأ.. الإجابة أنه لا يفعل الخطأ بل دومًا الصواب والنتائج المترتبة تدل على ذلك..
ذهب “يوسف” بعد أن أنهى عمله ليعود إلى المنزل يبدل ملابسه ويثبت حضوره هناك ثم يذهب إليها يزف الأخبار السارة التي تحوي داخلها أسرار لا يعرف عن محتواها شيء.. كان معترف بذلك هذه أخبار سارة لكنها مع وقف التنفيذ..
لا يصدق تغيير والده المفاجئ ولا يصدق نظراته التي كان يحاول من خلالها أن يظهر هادئ لين يحب ولده، هل هو حقًا ندم على إصراره الزواج من “نورا” أو هل شعر بأنه أخطأ في حقه؟ أم كبر في يومين وبدأت التخاريف تظهر على شيبه!؟
يا الله ما الذي يفكر به؟ ولكن أيضًا والده يرمي كلمات غريبة تزرع الشك والريبة به، لا يدري ما التفكير المناسب بهذا الوقت بماذا يوجه عقله؟!..
لا شيء غير ردة فعل “مهرة” ثم يفكرون سويًا فيما حدث وما المقصود منه، هل حقًا حقيقي أم أن والده برأسه شيء آخر..
تنفس بعمق وقليل من الراحة تتخلل داخله وهو يرسم وجهها أمامه الآن يود أن يهبط من السيارة ويلقي نفسه بأحضانها وينعم بكل الراحة والحب معها..
ملاذه الوحيد في الدنيا، “مهرة” وليس بغيرها “مهرة” جنته ودار الغرام المزدهرة بالورود، نجمة دُجى الليل المعتم، شمس النهار ودقات قلبه..
خرج من شروده بها على محاولة تهدئة سرعة السيارة ولكنها لا تستجيب، يحاول الدعس بقدمه على الفرامل ولكنها لا تعمل، نظر إلى أمامه يحاول السيطرة على السيارة وهو في حالة ذهول تام مما يحدث، لقد كانت بحالة جيدة ولم تعطل منه أبدًا، في الصباح أتى بها ما الذي حدث الآن؟..
دق الرعب قلبه وهو يفكر بها، في كل مرة تفكيره لا يقوده إلا إليها!؟ كيف لرجل أن يعشق بهذه الطريقة، حتى في لحظات ربما تكن الفاصلة بين الحياة والموت يفكر بها كيف سيكون حالها من بعده؟..
حاول “يوسف” أن يسيطر على السيارة مرة أخرى وترك تفكيره جانبًا وركزه بما هو به ولكن السرعة كانت عالية والمحاولة باتت فاشلة لا محال وكان أمر توقف السيارة شيء مستحيل..
أخرج الهاتف من جيبه وهو يقودها محاولًا للمرة التي لا يعلم عددها السيطرة عليها، عبث بالهاتف والسيارة تسير على سرعة عالية لا يمكن تهدءتها ليأتي برقم “عز” الذي أجاب على الفور بعد أن قام بالاتصال به وألقى الهاتف جواره
-أيوه يا يوسف
أردف “يوسف” بتوجس سريعًا:
-عز العربية بتاعتي مفيهاش فرامل
هلع “عز” بعدما استمع إلى ما تفوه به وأتى صوته الذي ملئه الخوف والفزع:
-بتقول ايه
مرة أخرى أجاب صارخًا بتوتر:
-زي ما بقولك يا عز العربية مفيهاش فرامل
سأله بقلق بالغ:
-أنت فين يا يوسف
لم يجعله يُجيب عليه بل أكمل يأمره بقوة:
-يوسف نط من العربية
دار “يوسف” بعيناه على الطريق سريعًا فكان به سيارات كثيرة إن فعلها واختار نفسه سيكون هناك مُتأذي غيره:
-في عربيات في الطريق لو نطيت الناس هتتأذي
استمع إلى صراخ صديقه عبر مُكبر الصوت:
-يوسف أنت كده هتموت نط من العربية
لعب القلق بأعصابه لعبة حقيرة لم يمر بها من قبل ويديه الاثنين تقبض على المقود في محاولة للخروج ناجيًا من بين السيارات وهو على هذه السرعة:
-هو علشان مموتش أنا أموت الناس
قال “عز” بقوة ليقنعه بفكرة ترك السيارة حتى ولو كان الأذى سيطوله ولكن ليس بقدر إن كان بها:
-اسمع الكلام يا غبي العربية لو نطيت منها هتنحرف عن الطريق محدش هيتأذي
حرك رأسه رافضًا وعيناه على الطريق أمامه متسعة:
-مضمنش يا عز
انفعل وصرخ عاليًا خوفًا عليه:
-نـط يـا يـوسـف
شعر بأنها تتشح بالسواد أمام عيناه، تُكتب النهاية قبل أن يخطو أولى خطواته بها معها، معها وحدها فلم يجد نفسه سوى أن عيناه أغرقت بالدمعات وقال بصوتٍ ضعيف:
-عز خلي بالك من مهرة.. علشان خاطري
لم يتحمل صديقه ما يتفوه به فلم يكف عن الصراخ عليه:
-أنت بتقول ايه يا غبي أنت
أغمض عيناه للحظة ومن المفترض أن لا تغفل فلم تترسم داخلها إلا صورتها، برقتها وجمالها، ونظرتها الساحرة التي تخطفه ومرة أخرى قال:
-متخليش رضوان بيه يأذيها يا عز مهرة في رقبتك
ذهب صوته من كثرة الصراخ عليه مُطالبًا بأن يترك السيارة ويختار حياته غير مهتمًا بما يقول:
-يوسف نط من العربية بقولك
ولكن “يوسف” كان إنسان، إنسان أكثر من أنه بشر لم يستطع أن يترك السيارة مُختارًا حياته فتكن سبب في حادث لغيره.. هنا أن كتبت نهايته أو بدايته فهو راضٍ.. لن يترك قضاءه وقدره..
في لحظة واحدة مر على منعطف في الطريق من المفترض أن تكن السرعة هادئة للغاية كي يستطيع العبور ولكن ما كتب له عليه مواجهته، أتت شاحنة كبيرة تخرج منه حاول السائق أن يتفادى سيارته ولكنه لم يستطع فلم يكن سوى أنه اصطدم به بقوة حتى جعل السيارة تنقلب رأسًا على عقب عدة مرات متتالية تخرج عن الطريق إلى الطرف الآخر
آخر ما رُسم أمام وجهة رجل عاشق تلطخ بالدماء، امرأة أغواها الهوى، إلى أن ضحى بها..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سرداب الغرام)