روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والستون 61 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والستون 61 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الحادي والستون

رواية نيران الغجرية البارت الحادي والستون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الحادية والستون

أسفل زخات المطر.
___________________
” من في اِستطاعته أن يقنع عيني بأنها لن تراكِ ؟
حتى تكف البحث عن ملامحك في وجوه العابرين وفي شرود الغرباء ! “

أحيانا تطرح علي روحي سؤالا … هل الألم يقاس ؟
إنه ليس جسما صلبا لكي يكون لديه معايير لحسابه و بوسعنا قياسه ، و لكن هو ضرر يصيب جسد الإنسان ولا يزول سوى بالمضادات.
حسنا و ماذا عن ألم الروح ؟ في أي جزء يصيب.
هو فراغ يحتكم نقطة ما في عضو من أعضاء الإنسان ، غالبا ما يكون القلب فيشققه و يتآكله يوما عن يوم لتضل آثاره إلى الجسد فلا يصبح بوسع المضادات و الأدوية علاجه ، إنه لا يزول ، ولا يُنسى ، ولو مرت عليه مئات السنين …

ولم تنسى هي ذلك الألم و لكنه تضاعف في تلك اللحظة حينما بدأت تسرد له عما عاشته ، عن الحقائق و الأوجاع التي لن تزول ، يدها على موضع قلبها تقبض و تشد عليه لعل تلك الغصة التي تنغرز به كالخنجر تتداعى و تنهار …
أخبرته عن كل شيء حرفيا ، عن نقلها إلى المستشفى في الإسكندرية و إخبارها من قبل الطبيب المشرف عليها بأن المادة التي أخذتها أثرت عليها بشكل سيء جدا و نسبة حملها مجددا قريبة من الصفر ، مريم لن تنسى ذلك اليوم الذي فقدت فيه أملها بأن تصبح أما ..
أن يكون لها طفل تحمله بين يديها و يناديها ب “أمي” ، لن تستطيع منح ذلك الحق لنفسها لأن جسدها المتضرر يرفض ذلك ، هذه هي الحقيقة ولن تتغير !

– انا اسف.
تشدق بها وهو يشعر بنفسه يلقي كتلة نار من فمه و الدموع تحرق عينيه تأبى النزول…
هو لم يعش ألما بهذا القدر من قبل ، لم يسبق و أن شعر بالعجز الى هذه الدرجة.
حقيقة أن مريم لن تتمكن من الإنجاب ثانية تقتله ، فمابالها هي التي فرحت بحملها بمفردها و عانت لوحدها ، لا يزال يتذكر ذلك اليوم عندما وجدها ملقية على الأرضية وسط دمائها.
حينها شعر بروحه تسحب منه خاصة وأنه كان بالإمكان أن ينقذها لولا أنه لم يجب على اِتصالاته.

مريم لديها الحق الكامل في أن تكرهه و تحقد عليه ولو كان مكانها لفعل أكثر مما فعلته هي و الأدهى أن الذي أذاها هو فرد من عائلته فكيف سينظر اِلى وجهها !
ليته لم يقابلها يوما ، على الأقل لم تكن لتتعرض لكل هذا الأذى ، لم يكن سيُجبرها بطريقة غير مباشرة على أن تتزوجه فتعاني و تبكِ و تتألم و تخسر طفلها بسبب عمه المجرد من الإنسانية.

مسحت الأخرى دموعها و نظرت اليه ليتابع بإختناق :
– اسف لاني قتلت فرحتك بالبيبي … و لأني مقدرتش الحقك و انقذك ، اسف لاني عرضتك لكل الأوجاع ديه و مكنتش معاكي … اسف لانك وقت لما اتصلتي تستنجدي بيا انا كنت مع واحدة غيرك حتى لو مش بإرادتي.

شهقت بغصة و ردت بتحشرج :
– و انت ايه ذنبك اصلا.

– ذنبي هو في اني مكنتش قد الثقة اللي اديتهالي … و ذنبي اني مشكيتش في سبب اجهاضك رغم ان كمية الدم اللي نزفتيه بيخلي اي واحد يستغرب و يفهم ان الاجهاض الطبيعي مكنش هيبقى بالسوء ده ، بس صدقيني يا مريم انا ساعتها مكنتش مركز غير في خوفي من اني اخسرك مكنتش واعي للي بيحصل بسبب تأنيب الضمير اللي عشته في اللحظات ديه و …
توقف عندما تخلى عن فكرة إخبارها بأنه كان لا يزال قابعا تحت هلوسة الأدوية و بالتالي لم يكن سينتبه لوجود مؤامرات تحوم حوله وهو في تلك الحال.

شهقت مريم منخرطة في البكاء وقد زادتها الأمطار التي بدأت بالهطول منذ قليل استعدادا لتوديع موسم الشتاء إرتجافا فنزع عمار معطفه بدون تردد و وضعه عليها لكي يقيها من البرد الذي لم ينجح معطفها الخفيف في إخماده …
ثم ضم وجهها بين يديه و همس بأكثر نبرة صادقة في العالم :
– انا مكنتش معاكي في أصعب لحظاتك بس اوعدك اني هعوضك يا مريم … هدوق العذاب لكل واحد فرط فيكي و أذاكي و أعيشك بعدها في سعادة بوعدك اني مش هسيب الدمعة تنزل من عينيكي تاني بس نصبر لحد ما اوصل للي عايزه.
– ليه انت عرفت حاجة جديدة بتقدر تفيدنا ؟
– مش هكدب عليكي و أقولك لأ بس علشان خاطري متسألنيش ايه هي و ازاي عرفت قريبا هوصل لهدفي و ساعتها انتي هتعرفي كل حاجة وتقدري تنتقمي من اللي كان السبب فوجعك.
بس أهم حاجة دلوقتي تشيلي من بالك فكرة انك مش هتعرفي تخلفي انا بعرف دكاترة اا…

قاطعته مريم قبل إكماله لجملته عندما انقلبت ملامحها المتألمة لأخرى جامدة وهي تهتف :
– مش عايزة اشوف دكتور ولا عايزة اتعالج لأن النتيجة واضحة.

اندهش عمار من كلامها و اِستنكر رفضها لتلقي العلاج و لكنه كان يعرف سبب هذا فأمسك يدها و ضغط عليها مغمغما بمواساة :
– انتي هتعرفي النتيجة منين وانتي محاولتيش تتعالجي أساسا ؟ الطب اتطور و في حالات كتيرة زيك اتعالجت.

هزت رأسهت برفض كامل للفكرة و عصفت عيناها بدموع الجرح هاتفة :
– و في حالات اكتر زيي متعالجتش وانا وانت عارفين ده كويس فلو سمحت بطل تتكلم في الموضوع ده لاني مش مستعدة اتأمل و استنى حاجة مش هتتحقق … انا مبقتش اقدر اخلف و ديه حقيقة عارفاها و متقبلاها كمان يعني مش محتاجة تتزين.

صمتت تسترجع أنفاسها المسلوبة و تجمع شجاعتها لكي تقول ما تنوي عليه و في النهاية لفظت كلماتها القوية التي أخفت وراءها عاصفة من القهر و الهوان :
– و بالمرة انت تفهم ان مفيش مني أمل يعني بما انك مبقتش رافض فكرة الخلفة و عايز يبقى ليك ولد ف أنا بقولك من دلوقتي شوفلك زوجة تانية تكون …

– ايه الكلام ده انتي مستوعبة و سامعة نفسك بتقولي ايه ؟!
– ايوة مستوعبة … طلقني.

– إخرسي !
تشدق مزمجرا بخشونة وقد اِنقشع بؤسه ليتحول الى غضب مستعر فتلجلجت مريم أمام هجومها العاتي و تناثر تماسكها على أعتاب اللهب الأخضر الذي اِستعر في عينيه … كان يبدو همجيا … و لكن هي محقة … لقد عانت من مرارة هذا النقص لما يقارب سنتين و تقبلت الفكرة …
إلا أن عمار كان لديه رأي آخر ، قلقد رأت في عينيه اللمعة التي ألقاها على أولئك الأطفال في الحديقة و أدركت قدر رغبته في أن يكون أبا ، و لكنها لن تستطيع تحقيقها لذلك الخيار الوحيد المتاح هو الإبتعاد ، ستبتعد عنه و تحرره من قيود شفقته عليها لأن كبرياءها لن يرضى ببقائه معها لمجرد شعوره بالذنب أتجاهها.

أما الآخر فقبض عليها و سحبها ناحيته هاساً بوحشية :
– ديه رابع مرة بتقولي فيها طلقني اول مرة لما اتخانقنا وتاني مرة لما قولتيلي انك حامل وانا رفضت ساعتها شتمتيني ومسبتيش كلمة إلا وقولتهالي.
و المرة الثالثة وقت رجوعك بعد ما فضحتيني قدام الناس و بردو انا رفضت … تفتكري بعد كل ده هطلقك لانك مش بتخلفي انتي مجنونة !

نظرت مريم لأصابعه المتشبثة بذراعها ثم تنقلت بنظراتها لعينيه القادحتين لترتفع صرخة روحها الصامتة و تنتفض متحررة من أسر يده هاتفة بحرقة :
– اول مرتين انت رفضت لأنك مكنتش عايزني اتحرر من قيودك و ثالث مرة رفضت عشان محققش مرادي و تضطر تديلي تعويضات مادية كبيرة بعد ما تطلقني وكمان لأنك كنت عايز تفهم الأول سبب كرهي ليك
بس دلوقتي انت متمسك بيا ليه يا عمار ؟ خلاص مبقتش عايزة غير اني اعاقب المجرم اللي دمرني و بعدها امشي ومتشوفنيش تاني.

زفر بخشونة ثم اقترب منها هادرا بعصبية :
– انتي فاكرة مثلا اني كنت رافض الطلاق عشان التعويضات الغبية اللي بتتكلمي عليها ؟ مريم انا ثروتي كلها مبتجيش حاجة مقابل نظرة واحدة منك … عايز اكمل حياتي معاكي افهمي بقى !

ارتعشت شفتاها من همست التي كادت تحط عليها و لكنها تمالكت نفسها و تراجع للخلف مرددة بتحشرج :
– ليه … رد عليا ليه عايز تكمل حياتك معايا وانت كنت رافض تعلن عن جوازنا اصلا فهمني ايه اللي اتغير وانت … انت نظراتك ليا اتغيرت ليه.

نزلت دموعها مختلطة مع قطرات المطر وقد وهنت ساقاها و أصبحتا كخيط رفيع من الهلام لا تقويان على حمل ثقلها ، فجأة وبدون تخطيط منها تحولت من مريم التي قررت إنهاء العلاقة إلى تلك الغجرية التي كانت تستنجد من حبيبها عاطفة تداوي ثقتها المعطوبة …
ولكن بماذا سيخبرها ، هل يريد منها البقاء لأنها تحمل اِسمه فقط أم كبرياءه كرجل سيرفض أن يتم التخلي عنه بهذه السهولة ، أو ربما لأنه يشفق عليها فهو اِقترب منها بعدما فقدت أعصابها في غرفة التحقيقات و كادت تقتل ذلك الطبيب عديم المهنية.

و لكن عمار لم يكن يود بقاءها سوى لأنه يحبها ، هكذا فكر هو بداخله وقد اِزداد تشبثه بها و سعيه للإنتقام لها غير أنه وجد صعوبة و ترددا في الاِعتراف ، لا يعرف كيف يطلب منها البقاء و لكن سيطرته التي اِكتسبها من تعوده على إلقاء الأوامر جعلته يغمغم بخشونة :
– انتي مراتي اعتقد ده كفاية عشان مطلقكيش ومش هعمل كده لأنك انتي عايزة.

قبضت على يدها بغضب عاتٍ و انقبضت حواجبها متمتمة بإستهجان :
– اه يعني هتطلقني لما انت اللي تبقى عايز صحيح انا نسيت اني واقفة قدام عمار البحيري اللي محدش بيديه أمر.

– هو ده اللي فهمتيه من كلامي ؟ هتبقي مبسوطة لو انفصلنا.
تساءل عمار بصبر نافذ فهدرت الأخرى بحدة :
– انا مش ناوية احلل و افسر كلامك خلاص يا عمار حررني منك كفاية كده ديه حتى علاقتنا مش مفهومة وحتى لو قررنا نكمل مع بعض مش هينفع بعد كل اللي حصل و عيلتك مستحيل تتقبلني و حتى الظروف مش هتجمعنا وانا مستحيل افضل معاك لاني صعبانة عليك … كفاية بقى.

اِنقضت حروفها في نهاية جملتها و غصت نبرتها فتحركت تخرج الى الطريق باحثة عن أي سيارة أجرة وفي هذه الأثناء وجدت يدا تقبض عليها و تلفها ناحية صاحبها الذي صرخ عليها أسفل زخات المطر الغزيرة :
– انتي بأي حق بتقولي على علاقتنا مش مفهومة وانا يهمني في ايه لو عيلتي اتقبلتك أو لأ ! انا متخليتش عنك في وقت اللي عيلتي و صحابي كانو بينصحوني ابعدك عني صبرت عليكي و مرضتش حد يقربلك وحتى منعت نفسي من اني اؤذيكي و في الاخر جاية تقولي انك صعبانة عليا هو انتي غبية للدرجة ديه ومش فاهمة !

عضت مريم على شفتها بكبرياء من إهانته و نفضت ذراعها عنه لكنه أعادها إليه صارخا بجنون :
– طيب مادام عايزاني اطلقك ماشي هقولك الكلمة اللي انتي عايزاها.

حينها تزعزع كيانها الذي اِشتعل من قربه و عصفت عيناها حينما أدركت بأنه سينفذ لها طلبها و يفعل ما تريده ، فهزت رأسها بنفي مدمدمة :
– سيبني امشي.
– ليه مش عايزة انفذلك طلبك ؟
– متقولهاش في وشي … سيبني لو سمحت انا عايزة اروح.

اِبتسم عمار بعنهجية مطالعا دموعها التي تماهت مع جود السماء و شعرها المبلل فتململت بعنف بين ذراعيه صارخة :
– بقولك سيبني.
– مش عايزة اقولك اا…
– لا مش عايزة !

صاحت مريم بذعر وقلبها يوشك على التوقف عندما شعرت به يكاد يرمي على يمين الطلاق ، و أحست به يتوقف فعلا حينما نطق عمار بصوته المحموم كلمات لم تكن لتتخيلها :
– مريم … أنا بــحــبــك !

____________________

الحدث يعيد نفسه من جديد.
__________________
كم قلبا نبض بعنف على هذه الأرض التي يقفان عليها ؟ كم يدا ارتجفت و كم نفسا قُطع من حلاوة الإعتراف ؟
هنا في الظلام تحت السماء التي غسلتهما بوبلها واقفان على جانب الطريق الفارغ يناظر كل منهما الآخر بشغف منقطع النظير و وَلَهٍ ألهب جسديهما.
كان الوضع برمته كحلم جميل بعيد عما يحاكيه الواقع ، في قرارة نفسها ظنت بأنها تتخيل أو عقلها الباطني صور لها كلاما تمنته طويلا رحمة بها و بروحها الممزقة ألما.

ولكن مع مرور الدقائق والشعور بلفحاته الساخنة التي تضرب بشرة وجهها وتقع برودته تأكدت من أن هذا حقيقي ، فرفعت عيناها إليه مصعوقة عاجزة عن النطق لتجده يهمس بصوت أجش :
– انا بحبك … اتعلقت بيكي من اول مرة شوفتك فيها و انجذبت ليكي كنت فاكر ان ده اعجاب ببنت مشوفتش زيها من قبل بحكم استايلها و كلامها المختلف عن البنات اللي بعرفهم و فضلت اقنع نفسي بالفكرة ديه بس كل يوم كنت بفكر فيكي.
لما هربتي مني مبطلتش ادور عليكي وانا خايف على قلبي يتوجع ببعدك ، حتى بعد اللي عملتيه مقدرتش اؤذيكي ولا انتقم منك مقدرتش افرط فيكي و ساعتها عرفت اني بحبك.
لا بعشقك ، سواء كنتي الغجرية الهادية اللي اتعرفت عليها اول مرة ولا التانية اللي هي عكسها تماما.

– لأ … لأ.
خرجت الكلمات متقطعةً من فمها وهي تشيح وجهها عنه غير مستوعبة لما تسمعه و لكن عمار ضمها ناحيته مجددا يتابع بهدوء :
– انا عارف ان صعب تصدقي كلامي لاني سبق و وجعتك و أهنتك لما اعترفتيلي بحبك بس اقسم بالله يا مريم انا رفضي مكنش غير بسبب الخوف حسيت اني مش مستعد اجرب الحب ده لان اللي عشته كان … كان صعب اوي و خلاني مثقش في حد بس اتأخرت عشان افهم ان انتي غير كل الناس … انتي مراتي و حبيبتي و ملكي انا ومش عايزك تبعدي عني.

انفرطت دموعها بتأثر من حديثه و نبرته المتهدجة ، زيتونيتاه اللتان ترمقانها بلوعة أرضت أنوثتها المنكسرة بداخلها حتى كادت تعانقه ولكن ذاكرتها التي اِستدعت أحداثا من ماضيها الأليم معه ، و مخاوفها و عقدتها من الرفض جعلوا مريم تبتعد عنه سريعا غير أن عمار الذي أدرك ما تمر به في هذه اللحظات قبض عليها مغمغما :
– انا عارف انك لسه مجروحة و صعب تتقبليني كحبيب و ده حقك بس انا مش هتخلى عنك و زي لما قطعت طريق طويل عشان اوصل للنقطة ديه و اقدر اعبر عن مشاعري من غير تردد مستعد اقطع طريق اضافي من الصبر.

– عمار انا …
تهدجت بإضطراب ثم نظرت اليه و تابعت :
– انت بتحبني بجد ولا بتقول كده عشان …

قاطعها فورا قبل إكمال جملتها :
– بحبك بجد و بقولك الكلام ده دلوقتي لاني مش عايزك تسيبيني انا حياتي مبتكملش من غيرك.

تنهدت مريم ببؤس مهمهمة وقد تملكت منها الحيرة :
– بس بعد اللي حصل صعب اتقبل مشاعرك ديه انا خايفة افتحلك قلبي تاني و ترجع تجرحني … خاصة انك لسه مش صريح معايا و دايما بحسك مخبي عني سر كبير ومش عايز تشاركني بيه.

ضم عمار وجهها بين يديه و أسند جبينه على خاصتها ليغمض عيناه وهو يردد :
– بس صارحتك بأكتر حاجة كان صعب عليا اقولها و صدقيني انا بعمل مجهود كبير علشان احسن من نفسي و بحاول أعوضك عن كل دمعة نزلت من عينيكي بسببي.

أغمضت عيناها هي كذلك مستمتعة بنبرته الرجولية و أنفاسه التي تلفح بشرتها ، و لوهلة فكرت بأنه حقا أصبح مختلفا عما كان عليه في السابق و يهتم بمشاعرها و عواطفها كأنه يحاول الإعتذار عما بدر عنه من جفاء في الماضي.
و لكن هي لا تزال خائفة ، لقد وعدت نفسها بإقفال قلبها و عدم التلفظ بكلمات الحب له مادامت حية إلا أن هذا الأخير لم يتوقف يوما عن الخفقان بضراوة عندما تكون بجانبه ، تخاف أن تثق به مجددا ثم يعود و يصدمها بتصرف ما.

ماذا تفعل الآن و كيف تتصرف ، هل تمنح لنفسها فرصة للحب مجددا أم تستمر بدفعه بعيدا ؟
و بعد دقائفق من الصمت ، تلفظت مريم بشغف يائس مستسلم :
– اعتقد اني مش هعرف اهرب اكتر من كده … و انا كمان بحبك يا عمار … لسه بحبك زي زمان و اكتر.

ولم تكد تنهي جملتها حتى انحنى عليها بهوس فاِستقبلت قبلته و بادلته بمثلها ، إشتدت يداها على قميص سترته الذي التصق به كجلد ثانٍ بفعل الأمطار فتبينت منه عضلات جسده المشدودة و راحت تغوص معه في عناق الأرواح هذا لتشعر وكأن الأرض سحبت من تحت قدميها ، مغيبة و مسيرة كدمية متحركة تشابكت خيوطها ببعضها البعض.

كهالكة متشبثة بحافة الهاوية فتعانقت أصابعها مع أصابع أول يد امتدت لها فتشبثت بها باِستماتة … أصابعه هو … يده التي اِنتشلتها من الجحيم ساحبة إياها إلى الجنة …
___________________
– وبعدين يا هالة هفضل مستني لحد ايه.
تمتم بها وليد بضيق وهو يضع كوب القهوة على الطاولة أمامه فنظرت له باِستغراب بينما يردف هو :
– احنا مخطوبين بقالنا كتير ولسه متقدمناش خطوة واحدة انا عايز نعمل الفرح و تبقي مراتي و حلالي ده غلط يعني.

احمرت وجنتاها فأخفضت عينيها و شابكت أصابع يديها معا بخجل دارته وهي تحمحم هاتفة :
– مش غلط بس يعني انا مش جاهزة لسه ناقصني حاجات كتير.

وليد :
– وانا قولتلك اني مش عايز غيرك انا الحمد لله ربنا كافيني عندي فيلا مفروشة و مستنياكي تنوريها بس و جهازك ابقي كمليه بعد ما تدخلي بيتي اساسا مفيش حاجة هتنقصك وانا معاكي ايه لازمته التأجيل ده.
صمت قليلا ثم استدرك مستفهما بوجوم :
– هو انتي مش عايزاني او حاسة نفسك ندمانة لأنك وافقتي ترتبطي بيا.

رفعت هالة رأسها سريعا و ناظرته بدهشة من قوله و في الحقيقة انزعجت من تفكيره ولكن حزنه الواضح على وجهه جعلها تهدأ و تسايره :
– انا لو كنت ندمانة مستحيل ابقى قاعدة معاك في بيتنا دلوقتي و تأجيلي مش لأني مش عايزاك بالعكس … في فترة خطوبتنا اثبتت اني عملت الصح لما وافقت عليك احترمتني و غيرت نمط حياتك عشان ربنا الأول وبعدين عشاني و مغصبتنيش اعمل حاجة انا رافضاها يعني انت راجل بتستحق التقدير و الاحترام و …

و الحب ، هذا ما كانت تريد هالة قوله وهي تعترف له كم أنه رجل صالح و خلوق يحاول تحسين نفسه حتى أنه اتصل بها الأسبوع الماضي فرحا وهو يخبرها أنه قد التزم بأداء الصلاة ولم يعد يشعر بالكسل عندما يحين الفرض بل على العكس تماما.
كما أنه يحترمها هي وعائلتها وقد رأته كم يحب والده و شقيقته و اِبنتها اذا لا خوف عليها مع رجل لا يفرط في أهله ولكن ليس على حسابها ، على عكس خطيبها الأول الذي كان ضعيف الشخصية لا يتحرك إلا بإذن والدته و أخته و إذا أخبرتاه بشيء عنها يتصل بها و يوبخها بدون أن يستفهم منها أو يسألها عما حدث و إذا أخبرته بعدم رغبتها في أن يتعامل معها بأريحية تامة بحكم علاقتهما التي لم تصل الى الزواج يستهزئ بها و يقول لها أنها ” دقة قديمة “.

هي تحب وليد ، لقد أدركت هذا جيدا منذ وقت طويل و أيقنت أنه الرجل المناسب لها لكن الآخر لم يكفه هذا لأنها على قدر كرم نظراتها الناضحة بالحب كان لسانها بخيلا فسألها بلهفة :
– هالة انتي بتحبيني زي ما انا بحبك صح ؟

ابتسمت بخجل و حماس أهوج مجيبة إياه بمراوغة :
– هبقى اجاوبك على سؤالك ده يوم فرحنا.
– فرحنا ؟
– مش انت قلت انك عايز نعمل الفرح بعد اسبوعين ؟ انا موافقة.

و بالفعل تم الزواج و أقام لها حفلا في قاعة ضخمة حضر فيها الأقارب و الأصدقاء و رجال الأعمال ، تأنق العريس في بدلة فخمة سوداء و هندم لحيته بطريقة أبرزت وسامته أكثر عمار و يوسف ارتدا بدلا كحلية و وقفا بجانبه بينما ينتظر هو نزول العروس.
في الطابق الأعلى من القاعة كانت خبيرة التجميل تضع اللمسات الأخيرة على هالة وقد اِرتدت فستانا أبيضا ضيق من الأعلى و يتسع بعدها في تموجات ناصعة مع حجاب بنفس اللون وكعادتها لم تتكلف في التزيين كثيرا ، طالعت نفسها في المرآة لتستمع لوالدتها التي دمعت وهي تهتف :
– زي القمر ماشاء الله عليكي يا حبيبتي.

احتضنتها هالة بتأثر و كادت تبكي لكن مريم حمحمت و قاطعتهما سريعا لكي تنتشلهما من قوقعة ألم الوداع :
– لا متعيطوش عشان الميكاب وبعدين مش جه الوقت عشان ننزل.

انسلخت والدة هالة من حضن ابنتها وهي تمسح الدموع العالقة بين جفنيها ثم أخبرتهما بأنها ذاهبة لتحضر شقيقها كي ينزلها و يسلمها لعريسها وبعد مغادرتها وقفت مريم أمام صديقتها و طالعتها بصدق أخوي :
– حبيبتي طالعة قمر الف مبروك ربنا يسعدك و تعيشي حياة سعيدة مع اللي بتحبيه.

ابتسمت هالة بتأثر قائلة :
– و عقبال لما تفرحي زيي يا روما و تلبسي الأبيض.

التمعت عيناها بألم و إحساس بالنقص دارتهما سريعا وهي تهتف :
– انا خلاص مكنش من نصيبي اني افرح والبس الأبيض و اكتب كتابي قدام كل الناس بس ان شاء الله حظك يبقى أفضل من حظي بكتير وليد راجل و بيحبك وانا متأكدة أنه هيسعدك.

هالة :
– وليه مش نصيبك اينعم جوزك طاووس وكان نفسي تعذبيه اكتر قبل ما ترجعيله بس خلاص انا اتأكدت انه بيحبك ومستعد يعمل كل حاجة علشانك و مين عارف يمكن يعملك فرح كمان … بيني و بينك انا لسه مبطيقهوش.

ضحكت مريم بخفة مرددة بينما تعدل طرحة صديقتها :
– مش عارفة انتو مش طايقين بعض ليه هو بيعتبرك عدوته وفاكر انك بتحرضيني عليه وانتي بتفضلي تنتقدي فيه يلا مش مهم انتي النهارده فرحك ومتفكريش فحاجة غير انك تنبسطي.

طرق الباب و دخل احمد ليقبل جبينها و ينزلها الى الأسفل فتصدح التصفيقات من الحضور و يخفق قلب وليد بعنف عند رؤية الملاك التي أنارت حياته و ستحمل إسمه بعد قليل فقط.
و قد كان ، عند عقد القران تعالت التصفيقات بحرارة مجددا و نهض وليد مقبلا جبين هالة بعمق هامسا :
– الف مبروك علينا أخيرا اتحقق حلمي اللي بقاله سنين.

دمعت عيناها و تمتمت بعشق خالص :
– الله يبارك فيك اوعدك اني اكون الزوجة و الحبيبة اللي اتمنيتها … وليد أنا بحبك !

*** وقف بعيدا متأملا إياها وهي تستمتع مع مجموعة من الفتيات و وزع نضراته عليها وهي ترتدي فستانا أزرق من الحرير ذو أكمام طويلة بحمالتين غليظتين تنخفضان من على الكتف قليلا مظهرة بذلك عنقها الذي زينته بعقد من الألماس ، كانت تضع زينة خفيفة وقد تركت شعرها منسدلا فبدت في غاية الجمال إلا أن هذا أزعجه أكثر خاصة عند ملاحظته مظرات بعض الشباب عليها فأشار إليها برأسه لكي تأت اليه لتتعجب بها و تقترب منه متسائلة :
– في ايه يا عمار ده فرح صاحبك انت واقف بعيد كده ليه.

أحاط خصرها بيده جاذبا إياها نحوه و همس :
– مش احنا كنا متفقين ع انك تحطي شال على كتافك ليه الكلام مبيتسمعش.
– انا نسيته صدقني وبعدين الجو حر و الفستان مستور اصلا و طويل اهو.

همهم بغيظ ثم جز على أسنانه مغمغما :
– طب لمي الليلة و بطلي تنطي من مكان لمكان لأني بدأت اتعصب ولو خفيف الدم صاحب اخو هالة مبطلش يبص عليكي هروح اعمله خريطة في وشه ماشي.

ارتبكت مريم من تهديده و رمقت بطرف عينها ذلك الشاب الذي لم يتوقف عن التحديق فيها بجرأة حتى أنه حاول التودد اليها منذ قليل ولحسن الحظ لم يلمحه عمار لأنه كان مشغولا بتهنئة وليد ، زفرت بتوتر و تشدقت :
– و هو امتى بصلي يا عمار بيتهيألك بس و متنساش ده فرح صاحبك بلاش تعمل مشكلة من مفيش و بطل تبصلي كأني عملت جريمة.

قالتها بضيق من نظراته المتهمة كأنها هي من تغري الرجال هنا فتدارك عمار نفسه و تنحنح قائلا :
– انا بس مضايق لاني مضطر اتعايش مع فكرة ان في ناس غيري هتشوف جمالك ده … طالعة زي الأميرات بتجنني يا مريم سحرتيني بجمالك.

أرضى غرورها الأنثوي بكلماته المتغزلة و زيتونيتاه اللتان تقدحان بالإعجاب و الحب ليؤجج لديها زخما عاطفيا لا يقاس ، اِبتسمت بكبرياء و همست بنبرة خافتة :
– و انت زي عادتك مفيش حد قدك في الوسامة و الكاريزما بتوعك.

لمعت عيناه بشرارة تعرفها مريم جيدا فوضعت يدها على صدره مردفة :
– مش هتجي ترقص معايا.

كاد يجيبها ولكنه لاحظ ذلك الشاب الذي لا يزال يطالعها بجرأة ووقاحة ليس لها مثيل فإشتد فكه و ابتسم بهوس مجيبا :
– روحي انتي وانا هعمل حاجة مهمة و اجي وراكي.

اومأت برأسها و ذهبت تختلط مع الحضور أما هو فإتجه ناحية الشاب و حمحم بخشونة لكي ينتبه اليه :
– انت يا استاذ.

رمقه الآخر بتساؤل ليكمل بحدة :
– محدش علمك ان من الأدب متبصش على بنات الناس بالهمجية ديه خاصة لما تشوفهم مع حد بيخصهم انت مش شايفني واقف معاها اومال مش راضي تنزل عيونك ليه.

رفع حاجباه بإستهزاء و سخرية :
– ومين انت علشان تعلمني الأدب انا ببص ع البنت اللي بتعجبني ملكش دعوة.

ضحك عمار بخفة و دلك عنقه مهمهما :
– لا انت مش چنتلمان خالص … مفيش مشكلة تعالى برا نتفاهم اصلي مش سامعك من الديجي.

** بعد دقائق عاد عمار الى القاعة وهو يعدل سترته و ربطة عنقه التي أتلفت فلمح عمه عادل يقف بعيدا و يطالع هاتفه بعصبية و ارتباك ليبتسم وهو يتذكر ما تسبب به طوال الأيام الماضية من خسائر مادية و مالية كبيرة سواء عن طريقه هو مباشرة أو بإستعانته ببعض المنافسين الذين سرب لهم معلومات عن صفقات عادل فأطاحوا به في سوق الأسهم.
و أخيرا بدأ يبعث إليه من أرقام و عناوين مجهولة رسائل تفيد بأنه شخص يعرف ما ارتكبه من جرائم و مستعد لتسريبها إن لم يعطه أموالا طائلة ، في البداية رفض عادل الإنصياع و استهان به لكن سرعان ما صعق عندما أرسل له عمار صورة لأحد المستندات التي تخص تعامله مع سليم و مختلف العمليات غير المشروعة التي قاما بها معا ومن بينها قتل طفل إبن أخيه.
حينها جن جنون عادل و فقد أعصابه ليبدأ بتكسير غرفته و عندما حاولت زوجته فريال تهدئته صرخ عليها و طردها ليقضي ليلة عصيبة ما بين الغضب و الخوف.

و هذا هو اليوم الأخير ، آخر ليلة حرية في حياة عادل البحيري لن ينتظر أكثر من ذلك تبقى له فقط إعتراف صوتي منه و ستكتمل جميع الدلائل بحيث لا يمكنه إدعاء بأن الأوراق و المستندات الإثباتية مزورة لذلك تواصل مع وائل و أخبره بأنه سيقدم على الخطوة الأخيرة ليقول له الآخر :
– بردو مش عايز حماية على الاقل لو حاول يؤذيك.

أجاب بوعيد :
– لأ انا عايز افضل لوحدي مع عمي و اول ما نخلص من التسجيل هجيبهولك بنفسي اساسا حتى لو نجح في انه يهرب هنمسكه بردو.
– ديه مخاطرة كبيرة.
– أنا من عيلة البحيري يا وائل ومبخافش من المخاطرة و التهديد.

أنهى المكالمة و اتجه الى مريم التي ضحكت بسعادة عندما رأته فسحبها لساحة الرقص يخاصرها و يلتصق بها ، أخفض رأسه لعنقها يشم عبيرها و يقبل خصلات شعرها فهمست الأخرى بحرج :
– الناس بتبصلنا و الصحافة بدأت تصور يا عمار.

انسلخ عنها مجبرا و طالع عيناها بعمق أثار ريبتها فسألته بتوجس :
– مالك في ايه انت كويس.

أماء لها بإيجاب و تحدث بثبات :
– مريم انتي عارفة ان مهما حصل هفضل أحبك صح.
– انت كده بتخوفني.
– لا متخفيش بس عايز اتأكد من انك واثقة بحبي ليكي.

ردت عليه بلوعة :
– طبعا عارفة وانا كمان بحبك.

إبتسم بغموض و عانقها ثم لمح ندى التي كانت ترقص مع يوسف و تبدو عليها السعادة الشديدة فتنهد براحة لأن تأنيب ضميره ناحيتها زال ، و حبيبته بين يديه الآن …
__________________
” لو مجيتش و جبت معاك الفلوس مش هديك الأدلة اللي اتفقنا عليها ”
كان عادل يقرأ الرسالة مرارا و تكرارا غير منتبه لوجهه المتصبب بالعرق ، منذ أيام ظهر هذا المجهول الذي يدعي بأنه يعلم كل شيء عنه و أثبت له صدق كلامه لكن من أين و كيف يعرف هذه التفاصيل أم أن سليم أخفى الأدلة عند هذا الشخص قبل أن يموت.
لا يهم لقد اتفق معه على أن يعطيه جميع الأدلة مقابل ما يريده و لكن عادل لا ينوي السكوت هذه المرة ، فكر بهذه الطريقة وهو يطالع المسدس الذي كان يخفيه في صندوق سيارته ثم تنهد بقسوة ووعيد :
– النهارده هعرف انت مين و اخلص عليك مش انا اللي بيتلعب بيا.

إنطلق بالسيارة متجها الى العنوان المتفق عليه وقد كان عبارة عن مكان مهجور بين الأشجار و الصخور و الأتربة ثم استكان محدقا في الجوار جيدا وقد ثبت السلاح أسفل سترته و جلس ينتظر الشخص المجهول بعدما جهز رجاله و جعلهم يختبئون في مواقع قريبة من هنا ، و لكن كانت الصدمة من نصيبه عندما سمع صوت احتكاك العجلات نظر الى المرآة الأمامية و هذا ليس لأن ذلك الشخص قد أتى بل لأن هذه السيارة هو يعرفها جيدا ، إنها سيارة عمار !

إصفر وجه عادل و سحبت الدماء من عروقه مطالعا إياه ولم يدري بنفسه كيف ترجل ووقف مقابلا له يحدق فيه بينما الآخر يرمي عليه نظرات كالجليد ، اعتقد لهنيهة أنه يحلم أو ربما توتره يبعث له هلاوس لا علاقة لها بالواقع و لكن مع مرور الثواني تأكد من أنه حقيقة فخرجت الحروف من فمه متقطعة :
– ع … عمار.

ازدرد لعابه و ضاقت أنفاسه وهو يسأله :
– انت … بتعمل ايه هنا.

– المفروض انا اللي اسألك انت بتعمل ايه … مستني حد معين.
سأله بتهكم حاد ليستفيق عادل و يعتقد بأن المجهول راسل عمار أيضا و جعله يلتقي به هنا فقال بحذر :
– انا عارف انت بتفكر في ايه بس اللي جابني لهنا قصده يوقع بيني و بينك و يتهمني بحاجات مش عاملها عشان الفلوس.

في هذه اللحظة ارتفع صوت ضحكات عمار و تشدق ساخرا :
– فلوس ايه يا عادل بيه ده انا اللي جايبك بنفسي … انا اللي كنت ببعتلك و سحبت للمكان ده.
و قبل ما تبدأ تنكر انا خلاص عرفت كل حاجة سليم اللي زرعته وسط رجالتي و بدأ يراقب تحركاتي و جهاز التنصت و السم اللي دخل مراتي للمشفى و قتل ابني و حتى قتلك لسليم لما ندم و حب يعترف … خلاص كل حاجة اتكشفت يا ***

صرخ عمار بآخر جملة و تابع بعد فقدانه لأعصابه :
– انت ازاي عملت كده ازاي هونت عليك و ليه معقول كل ده علشان اتجوز بنتك و الفلوس متطلعش لبرا أو لاني خدت المنصب اللي بتحلم بيه طيب ما انت كان عندك كل حاجة زوجة و بنتين و منصب و شهرة ليه أذيتني انا طيب مراتي و ابني عملولك ايه و أخوك اللي حبيت تلزق جرايمك فيه مصعبش عليك !

نفى عادل برأسه مرتبكا :
– لا انت فاهم غلط اا …

قاطعه على الفور بحدة :
– بطل كدب مفيش داعي للف و الدوران اكتر يا عادل ازاي لسه قادر تنام بليل وانت قاتل و ظالم ناس كتير فهمني ليه عملت كل ده واحنا كلنا كنا بنحبك و نحترمك.

في هذه اللحظة أدرك أنه لا مجال للإنكار أكثر و الكذب على شخص يعلم كل شيء وخاصة أن رجاله موزعين في كل الإتجاهات لذلك سيضطر لإنهاء عمار لذلك لا ضرر من الإعتراف الآن فبكل الأحوال لن يصل هذا الكلام لطرف آخر.
التمعت عيناه بالشر و تقدم منه مغمغما بصوت قاتم :
– بتحبوني و تحترموني ؟ انت و أبوك خدتو مني كل حاجة حياتي و شغلي وحتى طموحاتي انت كنت الاول في العيلة دايما لأنك الإبن اللي هيكمل مسيرة آل البحيري أما انا عندي بنات وبس فمكنش ليا قيمة زي اللي عندك.
خططت عشان اجوزك بنتي عشان تتحقق الوصية و ناخد الورث اللي سابه والدي بس انت زي الغبي ضيعت كل حاجة و روحت جبت بنت من الشارع و اديتلها اسم عيلتنا بس انا مسكتش و ايوة بدأت اراقبك و اعرف خطواتك عشان تفضل تحت سيطرتي و في النهاية اتخلصت من ابنك ولما قربت خطتي تنجح و تتجوز ندى رجعت طلعت ال*** اللي مسميها مراتك و اقسم بالله انا كنت ناوي اقتلها نهائيا و جربت لما سربت الغاز في الشقة بتاعتكم بس أبوك وقفني و ساعدها من غير ما تحس وانا مبقتش عارف اعمل كده تاني عشان ميشكش فيا.

حاولت افرق ما بينكم و اؤذي مريم في الشغل بس انت عينيك كانت دايما عليها و بتحميها حتى لما كلفتها بشغل يخليها تقعد في الشركة لحد المسا عشان اتهمها بسرقة الملف هي تعبت وانت روحت جري ليها بس انا مستسلمتش و قضيت على كل اللي وقف في طريقي و منهم سليم اللي خلصت عليه بسهولة …. يعني انت طلعت عارف الحقيقة طول المدة ديه و ساكت صح فكرت انك ممكن توقعني بس انت غلطان مش عادل البحيري اللي بيوقع.

نرجسي ، فكر عمار بإشمئزاز بأن النرجسية منتشرة وسط أفراد عائلته وهو نفسه كان يعاني منه ، عادل يعتقد دائما بأنه ليس هناك ذكي غيره ولكن هذه المرة هو مخطئ و قد أثبت له هذا عندما ضغط على زر إنهاء التسجيل في هاتفه و بعثه لوائل مرددا :
– لا انت وقعت يا عادل خلاص و اهو التسجيل اتبعت كمان.
حضرتك بتفكر حالسا برجالتك اللي المفروض محاوطيننا و هيجم وياخدوني او يقتلوني صح ؟ مشكلتك انك لسه فاكرني غبي ومش جايب خبر لحاجة يا استاذ انا بقالي ايام طويلة بخطط لليوم ده مع المحقق و البوليس و رجالتك دلوقتي في طريقهم للحبس عقبالك.

أنهى جملته بقهقهة مستفزة فجن جنون عادل و أخرج مسدسه ينوي التصويب عليه ولكن عمار باغته بحركة سريعة وضربه برأسه على وجهه بعنف تسبب في نزيف أنفه ثم انتشل السلاح من يده سريعا مشهرا إياه ضده وهو يزمجر :
– كفاية لعب بقى انت اتجاوزت حدودك خلاص يا عادل تعرف انا فكرت ف ايه لما عرفت انك ورا كل حاجة و لما عرفت كمان ان مريم اتأذت اوي من الحادثة و لسه متأثرة بيها ؟ كنت جاي وناوي اقتلك بس اتراجعت في اخر لحظة لأنك مبتستاهلش اوسخ ايدي بدم واحد معدوم الضمير و الرجولة زيك و اضيع حياتي انا و مريم بسببك.
انت بتستاهل تموت موته شنيعة ومحدش يقدر ينقذك انا بقرف لاننا مشتركين في نفس الدم بس …

توقف عن الكلام عندما داهمه صداع رأسه و حاوطته لقطات متقطعة من الماضي ونفس المشهد الذي تذكره منذ أيام لعادل وهو يصرخ عليه لكن هذه المرة إستطاعت ذاكرته عَرض تفاصيل جديدة و منها كلمات الوغد الذي راح يصرخ عليه ” اوعى تقول لحد ع اللي شوفته و الا هخليك تندم و ابوك هيبعدك عن هنا و أمك تسيبك انت فاهم ! “

اختنقت أنفاس عمار و هاجمه دوار قوي و سالت قطرات العرق من جبينه و عنقه لكنه تحامل على نفسه و بقي موجها السلاح نحو عادل هامسا :
– انت امتى … امتى قولتلي الكلام ده و ليه.

قضب حاجباه بتشنج و حذر وهو لا يفهم ما يحدث مع عمار لكنه يدرك جيدا ان الأخير ليس في كامل قوته لذلك بدأ يقترب منه ببطء متسائلا :
– كلام ايه مش فاهم قصدك.

أغمض عمار عيناه بتشوش يستقبل مشاهد سريعة و غير مرتبة لكن أمه و عادل كانا مشتركان فيها فإضمحل توازنه و أوشك على السقوط إلا أن عادل أمسكه و سحب منه المسدس قبل أن يدفعه ليسقط على الأرض و يقبض على عنقه بعنف مرددا بنبرة إجرامية :
– قولتلك انا محدش بيقدر يوقعني يا عمار و قولتلك كمان من قبل اني مش هنسى اي حاجة عملتها في حقي.

اعتقد أن الآخر سيقاوم ولكنه على العكس تجمد محدقا به وكأنه لا يتعرض لمحاولة خنق الآن هذا لأن عقله كان يتعرض لنكسة ما بعد إضطراب الصدمة عندما يتعرض المريض لنفس الحدث الذي صدمه في الماضي فيبدأ بتذكر كل شيء حدث بتلك اللحظة و هاهو عمار فعلا يرى نفس المشهد مجددا عندما كان عادل يقبض عليه وهو طفل و يخنقه مهددا إياه ثم دفعه من أعلى السلم و سقط … نعم السلم … والدته و الصوت الرجولي الذي سمعه برفقتها …
(- انت شوفت و سمعت ايه بالضبط ؟

هلع الطفل و أجابه بصوت متقطع :
– اا انا مشوفتش ح حاجة … اا انا …

ضغط عليه أكثر و انتقلت يده لعنق الصغير زاجرا :
– متكدبش.

لمعت عيناه بالرعب و امتلأتا بالدموع ليعترف في النهاية :
– انتو … انتو كنتو بتشوفو بعضكم هنا … مامي كانت بتكدب وبتقول انها رايحة لصاحبتها … كانت بتجيلك انت … انا …

تأوه عندما ضغط عادل على مجرى تنفسه بدون رحمة و نضحت تقاسيمه بالإجرام هامسا بتهديد :
– انت مشوفتش ولا سمعت حاجة … تعرف لو الكلام ده طلع لبره انا هعمل فيك ايه هخلي باباك يهزقك زي العادة لانك كداب و بتاع مشاكل انت اكبر مشكلة في حياة أهلك يا عمار.

– عادل انت بتعمل ايه سيب الولد !
ظهر صوت فيروز فجأة و التف اليها فتحرر منه الطفل و بمجرد انفلاته لم يلحظ من خوفه وجود الدرج فاِلتوت قدمه عند اول درجات السلم و في ثواني كان جسده الصغير يتكور حتى وصل للاسفل فاقدا الوعي ! ).

إنه هو … نعم لقد تذكر … الرجل كان عادل و تلك المرأة هي والدته …
اصفر وجه عمار بدرجة مريبة و اتسعت عيناه مصعوقا وهو يهمس :
– كان انت … انت اللي كنت مع ماما …
________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى