روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل التاسع 9 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الفصل التاسع 9 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء التاسع

رواية ظننتك قلبي البارت التاسع

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة التاسعة

« خطوات مظلمة ..»
خطوات تسلك طريقًا نحو الحياة ، خطوات متباطئة وخطوات مندفعة ، لكن كيف يتحتم علينا أن نخطوها بالظلام …
الفرصة الوحيدة للتقدم هي إنقشاع الظلام فأنا لست بأعمى ..
****
بيت النجار …
بقلب مرهف وتخوف مستمر ودعت “زكيه” بناتها حين حان وقت عملهم ، بعدما إطمئنت من خروجهن من باب البيت عادت لمحفظتها القديمة تتطلع نحو بعض الأوراق المالية الزهيدة الموضوعة بداخلها تتمنى لو تكفى معها لبداية الشهر الجديد دون الحاجة للإقتراض هذا الشهر أيضًا …
تنهدت بقلة حيلة ثم دلفت نحو المطبخ لتبدأ أعمالها اليومية حتى عودة “شجن” و “نغم” من عملهم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شقة فخري النجار …
أسرعت “صباح” بخطواتها المتثاقلة نحو الداخل وقد إنتابتها نوع من الثورة العصبية وهياج شديد فقد خرجت بنات “زكيه” من البيت دون أن تقتنصهم بحديثها الجارح …
– اااه … فلتوا مني بنات الخدامة …
أسرعت نحو “راوية” التى مازالت تغط بنومها لتفرغ بها شحنات غضبها وغيظها لتدلف لغرفة إبنتها تقذفها بإحدى الوسائد هاتفة بصراخ …
– قومي … قومي قامت قيامتك … أهو ده إللي إنتِ فالحة فيه … الأكل والنوم …
رفعت “راوية” جسدها الثقيل لتجيبها بأعين مغمضة وصوت ناعس …
– يا فتاح يا عليم على الصبح … إيه إللي منرفزك بدرى كدة … وجاية تطلعي غلك فيا …!!!
أكملت “صباح” بهياج أكبر فقد أثارت كلمات إبنتها حنقها بدلًا من أن تُهدئ من ضيقتها …
– غل إيه يا أم غل … قومي وإنتِ عاملة زى الجاموسة كدة … قومي بدل ما أطلّع عفاريتي عليكِ بجد … أوف …
عادت “راوية” بجذعها للخلف لتستلقى مرة أخرى تاركة والدتها تستشيط غضبًا من كسلها وهي تتمتم بلا مبالاة ..
– روحي طيب وأنا جايه أهو …
أكملت عبارتها بصوتها الناعس لتستكمل نومها الذى قطعته عليها والدتها لتدفع “صباح” بقدمها تدبها بالأرض بإنفعال تاركة تلك الكسولة لتجلس بغرفة الصالون خاصتها تفكر كيف تتصيدهن بعودتهن من العمل …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحاسيس مزيفة لا نفهم ماهيتها فقط نتخبط بسرداب عميق دون فهم هل تلك المشاعر حقيقية أم أنها مجرد كذبة ، ما هي إلا وهم عشنا بداخلها بإرادتنا ودونها أيضًا …
رفعت من رأسها بسمو غريب ، لا يناسب وضعها بعدما أقرت “كاتينا” وأظهرت ما تكنه “عهد” من إعجاب بـ “معتصم” ، ثقة أربكت من حولها فهل هي تصدق ذلك حقًا أم أنهم مخطئون …
كلمة ألقتها على مسامع كلاهما جعل “معتصم” ينظر نحو “عهد” بذهول وبعض الحيرة فإعترافها بما فعلته أظهر أن “كاتينا” كانت على حق ، أمعنى ذلك أنها منجذبة إليه …
حدق “معتصم” بـ”عهد” لفترة مذهولًا غير مصدقًا لما سمعته أُذناه قبل أن يجيب عما تفوهت به …
لحظة جديدة من الحيرة وقع بها فرغم أن بداخله شعور غريب يدغدغ إحساسه وينجرف إليه قلبه الصامت لسنوات إلا أن عليه مناصرة إحداهن ، وبالتأكيد لن تكون الزائرة الغريبة التى لا يعرفها بعد ، وأنه مجبرًا على إختيار صديقته …
تطلع بـ”عهد” بنظرات غامضة لم تفهمها ثم تجهم هاتفًا بحدة لم تتوقعها “عهد” بالمرة …
– ماذا تقولين أنتِ …؟!! أظن أنه من غير اللائق بقائك هنا … لقد تحسن الطقس وعليكِ الرحيل …
قالها بعقلانية شديدة أظهرت لها “عهد” تفاجئًا بشكل ملحوظ ، تفاجئ صادم ظهر بإتساع مقلتيها بقوة ، كما لو أن علاقتهم أقوى من مجرد زائرة عابرة و مستضيف كريم معها …
تفاجؤها الغريب جعل “كاتينا” تتيقن بأن هذه الفتاة تعاني من مرض نفسي بالتأكيد فهي بالكاد تعرف “معتصم” ، أكملت “عهد” رد فعلها الصادم بردها القوى …
– لأ … مش حمشي من هنا …( ثم أشارت نحو الخارج بحُجة فرض بقائها رغمًا عنهم ) … الطرق مقفولة …
وقف “معتصم” يواجهها رأسًا برأس مقضبًا حاجباه بقوة لتظهر قاتمتيه القويتين بحده يتقصد إثارة حنقها …
– أظن هذا يكفي … أأنتِ مريضة أم ماذا …؟!! أنتِ بالتأكيد تتوهمين أشياء غير موجودة … سوف تتسببين بإفتعال المشاكل مع “كاتي” … من فضلك عندما يُفتح الطريق عليكِ المغادرة فورًا ..
ضمت “عهد” شفتيها بقوة تحاول السيطرة على إنفلات أعصابها التى أوشكت بالفعل على ذلك فلن تضيع جهدها سدى لأجل بعض الضغط الذى لا يتناسب مع شخصيتها الثائرة التى لا تتحمل أن تهان كرامتها بأى صورة ، لكنها مضطرة على إستكمال الأمر ، بأنفاس متهدجة ونفس مشحونة خرجت “عهد” من غرفة المكتب بإنفعال بعد طلبِه الذى أشعل النيران بنفسها لكنها لم تدرك أن عيناه لم تنكسا عنها وظل يلاحقها حتى غابت عن مرئاه …
تريد الإنتهاء وأن ينمحى كل شئ وتنسى وجودها بهذا المكان وتريد البقاء فقد دق هذا الصخر المسمى قلبها لأول مرة ، حيرة وإضطراب يجوبان داخلها لكن عليها البقاء بأعصاب ثابته دون إظهار أكثر مما ظهر ..
عادت “كاتينا” لغرفة المكتب بنعومة لا تقاوم فهي فرصة سانحة للتقرب لـ”معتصم” ..
– أسفة عزيزى فأنا السبب بوجودها من الأساس …
تقدمت نحوه بدلال يسرق القلوب لتستكمل بنبرتها الناعمة وهى تدنو منه لتتودد إليه بلمسة من أصابعها الناعمة نحو وجنته القوية ..
– لقد أوقفتها عند حدِها … لقد فعلت ذلك من أجلي …
عيناه كانت معلقة بذات الإتجاه الذى سارت به “عهد” ليعود بناظريه نحو “كاتينا” ليطالعها بحدة فرغم مواجهته لـ”عهد” إلا أن ذلك لا يسمح لها بالتودد إليه بهذه الطريقة .
شعور بالإشمئزاز من هذا الدلال والتغنج ، لا يتقبل تلك النعومة المغثية للنفس …
نظرات مشتتة مغيبة عن حضورها أمامه بل كان جسدًا بلا عقل فقد سلبت تلك الغاضبة عقله معها حين تركت المكتب …
دفع بيد “كاتينا” وسط تشتته الظاهر على محياه فمن ينظر له يظن لو أنه يهتم لأمر تلك المتطفلة التى خدعتهم لتفسد حياتهم وليس أنه طلب منها للتو أن ترحل …
غريب الشعور بالتضاد بذات الوقت ، تريد الشيء ولا تريده إنه طيف من الجنون بالتأكيد ، قلبه أم عقله أم إختياره الثابت دائمًا .. عمله …
تنفس ببطء ليعود لتركيزه المشتت وإكمال تفكيره بالمنطق منحيًا قلبه الذى مال دون إذنه بالإتجاه المعاكس ….
عاودت “كاتينا” التقرب من “معتصم” لكن تلك المرة كانت واضحة بطلبها بشكل مخجل لتهمس بدلال شديد …
– أريدك أن تبقى اليوم بغرفتي يا “ماوصي” … الليلة فقط …
إستقام “معتصم” ينهض من مقعده كمن لدغه عقرب قاضبًا عيناه بقوة وهو يرمقها بنظرة حادة يشعر بالنفور من عرضها المنحل فقد كان الغرض من رحلتهم هو التقرب كأصدقاء وزيادة قربهم الفكرى فقط …
لقد كان واضحًا من قبل حين أخبرها بأنه عربى مسلم له قواعد أخلاقية وإلتزام دينى لن يتهاون بهما فلم تعرض هذا الأمر اللا أخلاقي عليه الآن …
بنبرة حادة من صوته القوى غاضبًا من تلميحها المرفوض شكلًا وموضوعًا هتف بها بنبرة تحذيرية …
– “كاتينا” … لقد أخبرتك من قبل … إن ما تفكرين به لن يحدث مطلقًا … تلك عقيدتي ولن أخسرها لأجل أي شيء آخر … هل تفهمين …؟؟!
رفعت زرقاوتيها بتملل لتشبثه بأفكاره لتزيغ عيناها بصورة دائرية بأرجاء المكتب أولًا ثم أظهرت إعجابًا غير حقيقي بمبادئه لتردف تفتخر به …
– اوووه … يا لك من شخص مستقيم … إنني أعشق الشخص المستقيم …
تمهلت بحديثها لوهلة قبل أن تستطرد قائلة …
– “ماوصي” … ألن تعلمني ما طلبته منك قبل مجيئنا إلى هنا …( ثم أشارت تجاه أجهزة الحاسوب الخاص به ) … ها هي الأجهزة متاحة ألن تخبرني بأسرار مهارتك حتى أستطيع العمل معك …؟!!
أجابها بذهن مشتت وضيق حل به …
– ليس الآن “كاتى” … ليس الآن … هيا لنخرج لغرفة المعيشة فالجو هنا باردًا قليلًا …
مالت “كاتينا” بفمها بإستياء ثم أومأت بخفة لتتبع “معتصم” إلى خارج غرفة المكتب ليتابعا أحد الأفلام بالخارج عوضًا عن بقائهم بمفردهم بالداخل …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شجن و نغم …
تسللت الفتاتين هربًا من مواجهة سيئة مع زوجة عمهم لينالا حريتهم بوصولهم باب البيت ، هذا هو ملاذهم الآمن ، خطوات مظلمة تصل بهم لطريق النور …
بسعادة بالغة أكملتا الطريق تجاه عملهم حيث إتجهت “شجن” نحو المستوصف بينما إتخذت “نغم” طريقها نحو المكتبة …
بدأت “شجن” عملها بروتينية دون تغيير لتبدل ملابسها مرتدية معطفها الأبيض تنتظر قدوم أى حالات مرضية بهدوء فهذا المستوصف هادئ للغاية لا يحتوى على إمكانيات علاجية كبيرة فهو محدود العمل والإمكانيات ، جلست “شجن” بهدوء برفقة زميلتها فى إنتظار أى حالة ترد إليهم …
وقفت “نغم” أمام المكتبة تتطلع نحوها بعيناها الواسعتين لتصعد درجات السلم الصغيرة لتدلف نحو الداخل …
جالت أرجاء المكتبة بقاتمتيها تتفحص تلك الكتب المصفوفة بعناية فوق الأرفف ، رائحة ذكية محببة لنفسها وهي تهيم بعالم الكتب ، فكم تمنت هذا اليوم منذ فترة طويلة ، أن تعمل بمجال دراستها وشغفها …
وقفت كالتائهة بين أكوام الكتب هنا وهناك ولقصر قامتها كانت أشبه بطفلة بريئة وسط حقول الأزهار تنبهر بجمالها لكنها متيبسة الخطوات لا تدرى إلى أين تتجه وما يتوجب عليها فعله …
عيونها الواسعة ، غرتها السوداء التى زينت جبينها بسحر فاتن أظهر بشرتها البيضاء وفمها المعقود ، جميلة ساحرة نقية للغاية …
دقائق صمت وإنتظار وأيضًا ضياع شعرت بها عندما وجدت نفسها بمفردها بداخل المكتبة الكبيرة …
ربما عيناها المشتتان تشعران بالتيهة لكن عيناه كانت تعلم طريقهما جيدًا فمنذ أن دلفت لم ينحى نظراته عنها ، خطفت بصره بدون سابق إنذار فقط من طلتها الساحرة فور أن خطت قدميها داخل المكتبة …
كان “بحر” منحنى يرتب أحد الأرفف السفلية ذات المستوى الأرضى حين أهلت “نغم” لداخل المكتبة ، وقعت عيناه عليها دون أن تنتبه هى له …
رفع مقلتيه تجاهها ليجدها تقف بمنتصف مدخل المكتبة ترفع رأسها متطلعة نحو الأرفف العلوية وهى تستدير ببطء تتمتع بأشكال الكتب المصفوفة بعناية …
إبتلع ريقه المضطرب وهو يراها حقيقة متجسدة أمامه ، بالتأكيد هي ليست كمثل البشر ، فالبشر لا يظهرون بهذا السحر بعالم الأحلام …
بالتأكيد هو حلم يسبح به ببحور الخيال ليطير عقله وقلبه معًا ، هل بتلك السهولة تأسر قلبه وتخطفه من بين ضلوعه بمجرد أن لاح طيفها بالمكتبة …
لؤلؤة لامعة تشع بريقًا وسط صفحات وصفحات من الكتب ، لا يسعك حين تقع عيناك عليها سوى الهيام فقط ، وهذا ما بدر من هذا الشاب الذى توقف به الزمن يطالع تلك الحسناء …
نهض من غفلته وزمنه المسروق ببطء ليُظهر نفسه تدريجيًا حتى إستقام فظهر طوله الفارع الذى فاق طولها بمراحل ليرحب بها من خلف الحاجز الخشبي القصير للمكتبه …
– اهلًا وسهلًا …
إنتفضت “نغم” لتفاجئها بوجود أحدهم بالمكتبة لتتسع حدقتيها السوداوتين بقوة وهى تكور شفتيها لتتمالك قلبها المتفاجئ بحركة لا إرادية …
– بسم الله … صـ … صباح الخير …
ضغطت بكفها فوق صدرها لتطمئن قلبها المنتفض قليلًا ، بريئة بشكل سلب عقله ليبتسم بجاذبية إبتسامته الهادئة كطبعه تمامًا وهو يجيبها ..
– صباح النور …
– أستاذ “بحر” …؟؟!
قالتها بتساؤل لتتأكد أن هذا هو الشخص الذى أخبرتها عنه أختها “شجن” ، حين أجابها بإيمائة خفيفة ومازالت بسمته معلقة فوق شفتيه ..
– أيوة أنا …
خطت بضع خطوات تجاهه وهى تتفادى موضع الكتب التى مازالت موضوعة بالأرضية قائلة …
– أنا “نغم النجار” … أختى كانت جت لحضرتك إمبارح عشان الشغل …
بكل كلمة تنتهى منها تضم شفتيها بطريقة ملفتة للغاية ، طريقة مميزة لم يرها بأحد من قبل ، شعور بالإستمتاع لطريقة حديثها وصوتها الرفيع الذى يعزف كسمفونية تشنف الآذان ، صدق من أسماها “نغم” فهي قيثارة بحد ذاتها …
لم يسعه السيطرة على قلبه الضعيف بقربها لينظر نحوها بتركيز شديد ليضطرب بقربها ، إنتبه لصمته فترة طويلة من الزمن ليردف ببعض التلعثم …
– أه … أكيد … أهلًا بيكِ يا آنسة “نغم” …
أجابته بدبلوماسية وهي ترفع حاجبيها وتهدلهما معًا دون فهم لم هو بطئ فى الإستجابة والرد عليها ، فهل هو غليظ الفهم لا يدرك للوهلة الأولى ما تتفوه به ؟!!
– شكرًا … ممكن أعرف طبيعة الشغل هنا إيه … والمواعيد وكدة …؟؟؟
إنتبه “بحر” لبلاهته معها ليستدير خلف الحاجز الخشبي ملتفًا تجاهها وهو يستجمع تشتته ليجيبها بعملية …
– تصنيف وترتيب الكتب دى … وبرضة فيه جانب ترويج على النت لها … يعنى أكيد تخصصك زى ما فهمت من أختك … وده شئ سهل بالنسبة لك ولا إيه …؟!!
عند نهاية كلمته الأخيرة كان قد وصل لمنتصف المكتبة وأصبح بمقابلتها لتتضارب دقات قلبه بقربها مرة أخرى ، فماذا فعلت به تلك الصغيرة بلحظات …
هل تسرق القلوب من مالكيها بهذه السهولة ، أليس هذا هو قلبه ..!! لم سرقته دون أدنى مقاومة منه ؟!!
إلتف بعيناه تجاه داخل المكتبة مشيرًا نحوها هاربًا من تلك الموجة التى زلزلت رساخة أقدامه تجاهها ، فقد بعثرته منذ حضورها ، أشار نحو أصناف الكتب المختلفة موضحًا ما عليها فعله برزانة إلى حد بعيد ، قابلتها “نغم” برسمية شديدة …
– حنرتب الأول المجموعات دى فى الأماكن اللي حقولك عليها لأن دفعة الكتب الجديدة لسه واصلة زى ما إنتِ شايفه … وبعد كدة حنعمل فهرس وسجل لكل ركن …
– اه فهمت …
حاول “بحر” تناسى الأمر ليكمل العمل بحرفية ومهنية فاليوم اول يوم لها ولا داعي لأن يصيبها بالذعر …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكتب عيسى للمحاماة …
وصلت “سندس” منذ قليل تتهيأ بإنتظار مجئ “عيسى” للمكتب والذى إقترب موعده للغاية ، ملست بخفة على ملابسها الأنيقة اليوم لتعدل من خصلات شعرها إستعدادًا للقائه ، كما لو أن هذا اللقاء هو موعد بين المحبين وليس إنتظار رب عملها …
جلست بمقعدها لتضع قدميها على مقعد آخر بأريحية شديدة بلا مبالاة بما يدور حولها فقط تريح قدميها المتعبتان …
تقدم نحوها رجل خمسيني متوسط القامة أسمر البشرة قائلًا بحبور …
– حمد الله على السلامة يا أستاذة … أعمل لحضرتك القهوة …؟!!
أجابته بغرور كمالكة لهذا المكتب وليست عاملة به مثله تمامًا …
– ما إنت شوفتني دخلت المكتب .. وأنا قايله لك .. أول ما أدخل المكتب تجيب لي قهوتي على طول … مش ناقصة غباء يا “شاكر” …
تغاضى عن عنجهيتها ليردف بتواضع …
– حاضر يا أستاذة … ثواني وقهوة حضرتك حتكون قدامك …
لم تبالي بهذا الرجل لتخرج من حقيبتة يدها محفظتها الصغيرة لتفتحها وهي تقضم شفاهها بحركة توتر لا إرادية تنظر لصورة “عيسى” التى توسطت محفظتها ، عشق تخطى الجنون ، تتمنى لو أن يقبلها بحياته بأى وضع فيكفيها قربها منه وستنتظر تحقيق هذا الأمل مهما طال إنتظاره …
بعد قليل من الإنتظار وصل “عيسى” للمكتب بعدما أصرت “غدير” على أن يتركها ويذهب لمباشرة عمله بالمكتب وأنه لا داعى لتواجده إلى جوارها فيكفيه بقائه معها منذ الصباح …
دلف بجديته المعهوده وملامحه الساكنة نحو مكتبه ملقيًا التحية على تلك المتشدقة بتلهف لقدومه …
– السلام عليكم …
نطقها دون الإلتفات إليها لتجيبه بحبور وسعادة برؤيته فقد ظنت أنه لن يأتي اليوم لتأخره عن موعده …
– أهلا يا أستاذ “عيسى” … أنا إفتكـ….
قبل أن تتم عبارتها قطعها “عيسى” بعملية ..
– أطلبى من عم “شاكر” يعمل لي فنجان قهوة وحضري لي مذكرة قضية سرقة الماكينة وهاتيهالي المكتب عشان ألحق أراجعها …
– على طول يا أستاذ “عيسى” … حالًا …
دلف مباشرة لداخل مكتبه ليتابع عمله دون الإكثار من تبادل الحديث مع “سندس” فهو بطبعه يغلق كل الأبواب التى قد تصدر إزعاجًا له من قبل فتحها …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عطارة النجار ..
وضع “مأمون” لفافات من الأوراق المالية فوق المكتب الخاص بوالده وهو مقتضب كعادته ..
– دول عربون من الحاج “سليم” هو جه أخد جزء من البضاعة وقال بالليل حييجي يشيل الباقي …
مسح “فخرى” ذقنه بكفه وهو يناظر النقود الموضوعة فوق المكتب ثم أردف بنفس ضائقة …
– ماشى … إنت عامل حسابك على الأسعار الجديدة طبعًا …
– أيوة أكيد يا “حاج” ودى حاجة تفوتني …
إنها حياته الرتيبة والتى عليه إستكمالها رغم بغضه لها ، فحتى تلك التى يطمع بها البشر لا تستطيع شراء له بعض السعادة ، نقود كثيرة كما كان يتمنى لكن القلب قد فقد شغفه بالحياة ، بل لا يدرى لم يستكمل هذه الحياة المقيته ، ربما لأن هذا عقاب طمعه بشبابه دون الوعى بما سيُجنيه عليه هذا الطمع …
– إبقى خد بالك يا “مأمون” إن “سليم” عليه باقى فلوس من آخر بضاعة .. بتاعة البخور لو تفتكر …
بضحكة تهكمية خفيفة ، فعقله مرتب للغاية بما يخص العمل ولن يغفل عن أمر كهذا …
– ودى تيجى يا بابا … ما إنت عارف الحاجات دى مبتعديش عليا …
بسمة فارغة ليس لها طعم الحياة علت ثغر “فخرى” ثم أردف مؤكدًا حديث ولده ..
– اه صح .. نسيت إنك مخك كمبيوتر …
خطوات مظلمة تخطو تجاه جلستهم ، لا يمكن للظلام أن يكون بما تراه الأعين فقط ، بل هناك ظلام يتوغل بالنفوس البغيضة دون أن ندرى …
تقدم “فريد” من مكتب والده دون أن ينتبها لحضوره ، تعلقت سوداوتيه بلفافات المال لتشتعل ببريق طامع يتمنى لو أن ينقض على هذا المال ، أليس هذا من حقه أيضًا أم كُتب فقط على “مأمون” الإستمتاع به …
إنتبه “مأمون” بجانب عيناه تقدم أحدهم بقربهم ليدرك أن هذا ما هو إلا “فريد” ليضع كفه بعجالة فوق المال قائلًا لوالده …
– ما تشيل الفلوس فى الخزنة يا حاج .. أحسن حاجة تتنطر كدة ولا كدة …
شعر “فخري” بإقتراب “فريد” ليومئ بإيجاب مجيبًا “مأمون” ..
– عندك حق …
وقبل أن يصل “فريد” ليتمتع بقربه من المال فربما يناله بعضًا من سخاء والده ، كان “فخري” أسرع بوضع المال بالخزانة الموضوعة بجانبه ليزفر “فريد” بضيق فما بين هذان الإثنان يود لو يقتحم عقولهم ليدرك بما يتفكرون ، لكنه تمالك غضبه مردفًا بنعومة الثعابين …
– يا مساء الأنوار … وانا بقول الوكالة منورة كدة ليه … أتاريكم إنتوا الإتنين هنا …
رفع “مأمون” ساقه فوق الأخرى بتعالى ليرفع حاجبه بتهكم وعدم تصديق لما يرائى به أخيه ..
– يا رااااجل … ( ثم أشار” نحو المقعد الذى يقابله قائلًا) .. أقعد أقعد يا “فريد” … عاوزك …
جلس “فريد” يخفى حقده على أخيه الأصغر الذى بدأ يتحكم بكل الأمور حتى بوجود والدهم ..
– خير يا أخويا …
لفلف “مأمون” لسانه بداخل فمه أولاً يثير أعصاب”فريد” قبل أن يتحدث إليه قائلًا …
– عمال مخزن الشونة …
زاغت عينا “فريد” كمن يخفى جرم فعله ليتسائل بنبرة مترددة يشوبها بعض التخوف …
– مالهم ..؟!!
ثبت “مأمون” نظراته نحوه لبرهة كما لو يخبره بأنه يدرك كل ما يفعله من خلف ظهورهم ، لحظات حطم بها أعصاب”فريد” بصمته قبل أن يستطرد …
– بيشتكوا منك … بيقولوا إنك ااا ….
تهدج صدر “فريد” بإنفعال متخوفًا أن تكون سرقاته من المخزن فضحت أمامهم ليردف بحدة للعبه بأعصابه …
– فيه إيه يا “مأمون” … متتكلم على طول وبلاش تنقيط … خليك دوغري وبلاش اللف والدوران ده …
رغم إدراكه لسرقات أخيه من المخزن إلا أنه تغاضى عن الأمر حتى لا يطالب بوجوده هنا بالوكالة ذاتها ويحقق بذلك أطماعه بالقرب من حركة البيع والشراء والتجار لهذا أجابه “مأمون” بأمر آخر بهدوء شديد بعدما أتلف أعصابه منذ قليل …
– بالراحة بس على نفسك … ده أنا قصدى إنهم بيشتكوا إنك شديد أوى معاهم …
زفر “فريد” الهواء دفعة واحدة براحة ثم أردف بغرور …
– ما هو لازم نشد عليهم … أمال الشغل يمشي إزاى … ده من غيري الدنيا تقع …
أوقعه “مأمون” بدهائه فيما يود الوصول إليه ليردف مؤكدًا ذلك …
– ما هو ده اللي أنا بقوله … مش كدة يا حاج … أنا بقول المخازن من غير “فريد” تقع … مينفعش إنت تسيب هناك أبدًا .. ده إنت الوحيد إللي عارف تمشي العمال صح …
ضربة بمقتل ضربها به “مأمون” و أوقعه بشباكه بدهائه المعهود ليقضم شفتيه بغيظ فقد إنساق ببلاهة خلفه دون أن يعي مقصده ليناظره بعينان مغتاظتان بقوة لكنه لم يجرؤ على الإقرار بعكس ذلك ليردف بالإيجاب رغمًا عنه …
– أيوة … مظبوط كلامك …
بسمة منتصره علت ثغرة هدمها رنين هاتفه ليظهر رقم “ريهام” يتوسط شاشته ليتطلع نحوها بضيق وهو يضغط زر رفض المكالمة فلا طاقة له بحديثها الثرثار وطلباتها التى لا تنتهى ..
تكرر الإتصال لعدة مرات وفي كل مرة يرفض المكالمة لكنها ظلت تدق وتدق حتى مل من الأمر ليمسك بهاتفه مبتعدًا عن والده وأخيه الشامت به فتلك المكالمة ستسبب له ضيق لفترة لا بأس بها …
– حروح أرد عليها …
إبتعد لخطوات عنهما ليظهر الضيق والإقتضاب على ملامحه الحادة وهو يحدثها حتى إنتهت مكالمتهما ليعود لجلسته مرة أخرى بصمت وغضب …
– كانت عايزة فلوس برضه؟!!
تسائل “فخري” ببعض التيقن …
– وهي بتكلمني فى حاجة تانيه … هي مش عايزة غير فلوس … لكن إن أنا أشوف العيال … لأ … لازم تدوخني عليهم فى المحاكم .. لكن فى طلب الفلوس تفضل تزن زى ما إنت شايف …
– ربنا يهديها .. أنا مش عارف إيه اللي غيرها أوى كدة … كنتوا متفاهمين وكويسين … إيه اللي قلب حالها بالشكل ده ؟!!
رفع “مأمون” عيناه نحو الفراغ فليس كل ما يتمناه المرء يدركه فإن كان نصيبه كوالده مزدهر بالمال زهيد بالسعادة …
– نصيب يا حاج … نصيب …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سويسرا (الكوخ)
بين حقيقة وسراب يتأرجح العقل ، ترى ماذا هي الحقيقة بالأمر ، هل يصدق ما ظنته “كاتينا” أم أن الأمر برمته سراب يكمن خلف سبب آخر …
وقت يمر لم ينال “معتصم” منه سوى التفكير والإنشغال بما حدث اليوم ، حتى مع غياب “عهد” عن المشهد وإلتزامها غرفتها منذ مواجهته معها إلا أنه يشعر بعدم الراحة …
بدأت البرودة تتسلل للكوخ بشكل غير مسبوق حتى أنهم لملموا ملابسهم بقوة تجنبًا لشعورهم بالبرد ، إلا أن “معتصم” إنتبه لحديث “كاتينا” بعد فترة طويلة من الصمت …
– “ماوصي” .. إن الطقس أصبح باردًا بشكل غريب … أليس كذلك ؟!!!
رفع “معتصم” رأسه تجاهها وهو يضيق جفناها متمعنًا بحديثها ثم أجابها ..
– يبدو أن أجهزة التدفئة المركزية تعطلت مرة أخرى …سأذهب لأرى ما الأمر …
نهض “معتصم” مغادرًا الكوخ ليتفحص جهاز التدفئة المتواجد خارج الكوخ لكنه سحب معطفه أولًا ليرتديه قبل خروجه بهذا الطقس القارس …
وجدها فرصة للبقاء بعيدًا عن “كاتينا” ليتفكر بأمر “عهد” ويعيد ترتيب أفكاره المشتته قبل عودته …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيت عائلة دويدار …
أخذت “منار” تجوب المطبخ تبحث بين أدراجه على إحدى العلب البلاستيكية لتضع بها قطع الحلوى (الحجازية) التى صنعتها منذ قليل ، بقيت بالمطبخ لبعض الوقت تحضر بعناية تلك العلبة …
جلس “خالد” بغرفة المعيشة منشغلًا بقراءة أحد كتبه بتركيز تام حين دق هاتفه برقم غريب ، وضع نظارته الرفيعة الخاصة بالقراءة جانبًا بهدوء قبل أن يرفع هاتفه تجاه أذنه ليجيب صاحب الإتصال …
– السلام عليكم … المستشار “خالد دويدار” معايا …؟!!
– أيوة يا فندم … مين حضرتك ؟!!
سأله “خالد” بلباقة ورزانة ليجيبه المتصل معرفًا بنفسه بحبور …
– أهلًا أهلًا “خالد” باشا … معاك “فوزي خلاف” من شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير …
رغم جهله بهذا المتصل وسبب إتصاله به إلا أن “خالد” رحب به بدبلوماسية ولياقة …
– أهلًا يا فندم … أقدر أساعدك فى حاجة …؟!.
– والله يا “خالد” باشا حضرتك قيمة وقامة … وإحنا فى الشركة يسعدنا إنك تنضم لينا كمستشار قانوني للشركة …ولو حضرتك وافقت حيكون من حسن حظنا وجودك معانا …
صمت “خالد” لوهلة يحاول إستيعاب الأمر بتفكير أكثر شمولية ، فهو لن يلهث وراء أى وظيفة تعرض عليه ليتسائل بإستفسار عن طبيعة هذا العمل وصاحب الشركة ومجالاتهم وتصنيفهم بالسوق ، فهو ليس بالتدنى ليعمل لدى أى شركة لمجرد العمل بعد التقاعد …
أسئلة عديدة وكثيرة للغاية ظلت تحكم المكالمة بينه وبين “فوزي” ليجيبه بالنهاية …
– عمومًا يا أستاذ “فوزي” زى ما إتفقنا أمر عليكم فى الشركة الأول وأفهم التفاصيل قبل ما أقول موافق ولا لأ …
كانت إجابة “فوزي” تحمل إلحاحًا كبيرًا حين أردف …
– بإذن الله توافق … ده إحنا نتشرف بوجودك معانا والله .. وإحنا فى إنتظار تشريف حضرتك
– بإذن الله خير …
أنهى “خالد” مكالمته متفكرًا بالأمر ليجدها ربما تكون فرصة جيدة لبداية جديدة بمشواره المهنى ، دلف تجاه غرفة نومه يبدل ملابسه بأخرى أنيقة للغاية ليخرج بعد مرور بعض الوقت وقد إرتدى حُلة رسمية أنيقة للغاية من اللون الرمادي الداكن يقف بمنتصف الصالة الخارجية يضبط من وضع زر قميصه الأبيض الذى تظهر مقدمته من رسغه بعناية …
خرجت “منار” من المطبخ حاملة علبة الحلوى( الحجازية) بيدها تطالع زوجها المتأنق بلمحة من الإعجاب بإهتمامه مرة أخرى بمظهره المتألق …
– إنت خارج …؟!
قالتها “منار” بفضول ليجيبها “خالد” برزانته وصوته الهادئ …
– أيوة … ورايا مشوار كدة وحعدى على “عيسى” وأنا راجع نرجع سوا …
– طيب كويس … أنا كمان طالعه لـ”غدير” … البنت تعبانه من الصبح وزمانها عايزة تاكل أى حاجة حلوة … حطلع أقعد معاها شويه …
ثم تذكرت أن تخبره بأمر قبل أن تنسى …
– اه صحيح … “أم مجدى” جت … وقولتلها تعمل لنا عشا لينا كلنا لما ترجعوا بقى من بره ويكون رؤوف هو كمان رجع … ونبقى ناخد الأكل فوق عند “عيسى” عشان “غدير” مش حتقدر تنزل …
تطلع “خالد” نحو ساعة يده بإندهاش …
– أه صحيح … هو “رؤوف” إتأخر كدة ليه …؟؟!
أجابته “منار” مذكرة إياه ..
– ما هو قالك حيطلع من الشغل يقابل “نيره” عشان يروحوا معارض الموبيليا ينقوا العفش ….إنت نسيت ولا إيه …؟!؟
– اه صحيح … هو قالى … راح عن بالي خالص …
ضحكت “منار” ممازحة إياه …
– أيوة ما هو طول ما إنت متشيك كدة الواحد يقلق يا “خالد” …
أجابها بجدية تميل للضيق من تهكمها ومزاحها …
– ده العادى يا “منار” … ولا إكمني من ساعة ما طلعت على المعاش وأنا مجرچ فى البيت …
– خلاص طيب … إنت زعلت … أنا طالعه لـ”غدير” وإنت كمل مشوارك مش حعطلك ..اه .. متنساش بكرة معادنا مع الدكتور اللي عاوز يأجر العيادة ..
أومأ بتفهم قبل مغادرته أيضًا …
– مفيش مشكلة … بكرة نقابله سوا … يلا عشان منتعطلش …
غادر كلاهما كلا يتجه بصوب فى إنتظار تجمعهم بالمساء …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شقة عيسى …
رغم إستمرار سعالها المتقطع ورفضها أن يبقى “عيسى” إلى جوارها وإصرارها بأن يذهب لمكتبه ليتابع عمله ، جلست “غدير” بمفردها لبعض الوقت قبل أن تدق “منار” بابها الإطمئنان على زوجة إبنها بقلب أم حنون …
– عامله إيه دلوقتِ يا “دورا” … الأزمة لسه تعباكِ ..؟؟؟
رفعت “غدير” حاجبيها بتشدق وقد إتسعت مقلتيها ببريق تجاه العلبة التى تحملها “منار” بين يديها …
– أزمة إيه بس … إيه اللي معاكِ ده …؟!! إوعى يكون اللي فى بالي …
ابتسمت “منار” بمحبة فقد صنعت (الحجازية) خصيصًا لها فهي تعلم كم تعشقها “غدير” لتومئ بالإيجاب الذى جعل “غدير” تتناسى ألمها وإعيائها هاتفة بحماس طفلة أحضرت لها أمها الحلوى المحببة ..
– الله عليكِ يا “منوره” … يا جااااامد … هو ده الكلام … أعمل لنا بقى كوبايتين شاى بلبن ونضرب الحجازية مع بعض … يا لهوي … ده أنا بحبك حب …
ربما قالتها بمزاحها الشقى لكنها كانت تقصد ذلك بالفعل فهى تكن لها محبة بقلبها كما لو كانت أمها حقًا …
ألقت نفسها بين أحضانها أولًا قبل أن تركض تجاه المطبخ لتصنع كوبان من الشاى والحليب الساخن ليتمتعا بجلسة محبة يتجاذبان بها أطراف الحديث أثناء تناولهما لتتوغل “غدير” بروحها المحبة لداخل قلوب كل العائلة …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكوخ …
حل المساء وغطى الليل بأستاره سماء المدينة الملبدة بالغيوم ، قضى “معتصم” وقت طويل للغاية خارج الكوخ بعد أن أصلح التدفئة ، ظن أنه بحاجة لتلك الهدنة مع نفسه والبقاء بمفرده يعيد أفكاره لمسارها فقد كان إهتمامه الأوحد هو العمل وعليه العودة لنفس المسار حتى لا يخسر كل تقدم وصل إليه ، فأى شئ يخرجه عن مساره الآن هو تشتت وضياع ، خطوات نحو الظلام وعليه البقاء بطريقه المضئ …
زادت الأجواء برودة فإضطر للعودة إلى الكوخ ليمكث بالداخل يستمع بالدفء الذى بالتأكيد يعم أرجائه الآن …
تطلع لمرة أخيرة بشاشة هاتفه الذى كان يحمله بيده قبل أن يغلقه ويضعه بجيب بنطاله ليتبعه بوضع كفيه في كلا جيباه ليسير بخيلاء تليق به وبشخصيته القوية الغامضة …
تقدم بخطوات متباطئة هادئة للغاية تجاه باب الكوخ الذى فتحه ليقف مندهشًا مما يراه ..
أو ربما مندهشًا مما لا يراه ، فقد كان الكوخ مظلمًا للغاية ، معتم بشكل مقلق فليس هناك مصباح وحيد مضيئ فالظلام عم كل الأنحاء بصورة غريبة ..
تقدم بخطواته التى لا يدرى أن موضعها بداخل هذا الظلام وهو يحدث نفسه بتعجب …
– غريبة أوى … راحوا فين دول …؟!!
تجول بقاتمتيه وقد حُجبت الرؤية تمامًا عن عيناه فالظلام غير طبيعي بالمرة ، لم يكن بطبعه خائفًا بل متوجسًا من هذا الظلام وسببه ، خاصة وقد بدأ يشعر بوجود شخص ما بالقرب منه ..
وقف بثبات وهو يحدق باحثًا بكل الإتجاهات بذات الوقت ليهتف “معتصم” بإنزعاج ..
– مين …؟!!
سرعان ما أدرك أنه يتحدث بالعربية ليهتف بالإنجليزية …
– من أنت …؟!
إحساس يصل لدرجة اليقين بأن هناك من هو قريب منه لكنه لا يستطيع تحديد موضوعه ومعرفة هويته وماذا يقصد بالتخفى بهذا الظلام …
حاول التحدث مرة أخرى فهذا ليس مزاحًا ولا طريفًا بالمرة ..
– من هناك ..؟! هل هذا أنتِ يا “كاتى” … “عهد” … أين أنتم وماذا يحدث هنا …؟!!
لم يتلقى إجابة عن سؤاله لكن شعوره تعاظم بقرب أحدهم منه بخطوات خفية تقترب فى الظلام ، خطوات متسللة مظلمة غادرة …
تحفز لحماية نفسه من هذا القرب الذى لا يفهم ماهيته ليتجه أولًا تجاه زر الإضاءة لمعرفة من هذا الذى يتربص به لكن قبل أن تصل يده لزر الإضاءة سمع صرير قوى يلوح بالهواء كما لو أن أحدهم يحمل شيئًا معدني قوى سينهال به عليه …
بخفة وليونة رغم إنعدام رؤيته لهذا المعتدى الذى ينتوى إيذائه إستطاع “معتصم” أن يتفادى هذه الضربة التى لاحت فوق رأسه بصعوبة …
لم يكاد يتملص من تلك الضربة إلا وقد حاول هذا المعتدى بسرعة مفاجئًا إياه بصرير قوى مرة أخرى تعلن ضربة قوية قادمة لا محالة ، تيقن “معتصم” بأن هناك من يتربص للفتك به حين سمع صوت الصرير ينهال تجاهه لكنه لم يستطع تفادى هذه الضربة بل ….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى