روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الحادي والأربعون

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الحادي والأربعون

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الحادية والأربعون

سماعها لصوته المتقطع جعل آذنيها في حالة من عدم الإستيعاب، لذا رفعت رأسها ببطءٍ تجاهه، لتتأكد من أنها ليست تتوهم، فشق حزن وجهها إبتسامة أشرقت حياتها التي أظلمت، لترفع أصابع يدها على وجهه وهي تردد بعدم تصديق:
_آسر!
جاهد لرفع جفن عينيه مجددًا، ليرى حالتها المذرية التي مزقت أعماق قلبه، فهمس بوهنٍ:
_روحي.. وقلبي.. وحياتي…
وضغط على شفتيه ليهاجم ذاك الألم القاتل، ثم قال بصعوبة:
_قولتلك مش بحب أشوفك ضعيفة كده، ليه مصرة تكسري كلامي..
ابتسمت بفرحةٍ، وهي تضع رأسها على كتفيه وتضمه إليها، فتأوه ألمًا من شدة تعلقها به، ابتعدت “تسنيم” عنه ثم قالت بأسف:
_مقصدتش والله..
ابتسم وهو يعلق ساخرًا:
_قولتلك مشاعرك وحبك وكل حاجة خاصة بيكي بتيجي في الأوقات الغلط مصدقتنيش..
ضحكت بصوتٍ طرب روحه، ثم تركته وهرولت راكضة للخارج وهي تنادي بصوتٍ مرتفع:
_عمي… يا عمـي..
تعلقت “رواية” بفهد في تلك اللحظة، خوفًا مما ستستمع إليه، بينما راقب الجميع ما ستقول بقلقٍ، فنهض فهد ليتساءل:
_في أيه يا بنتي؟
قالت والفرحة تعاكس دموعها التي تهابط كالشلال:
_”آسر”فاق.
أغلق عينيه وقد عاد تتفسه بانتظامٍ، ولسانه يردد بتثاقل:
_الحمد لله.. الف حمد وشكر ليك يا ررب..
ثم انحنى لرواية التي تتشبث به، فرفع رأسها تجاهه ثم قال بحنان:
_ابننا فاق يا حبيبتي، متخافيش آسر كويس وبخير..
كسرت قاعة الصمت التي تسكنها منذ ما حدث، فرددت بصوتٍ شاحب:
_ابني..
هز فهد رأسه بحزنٍ، ثم عاونها على النهوض ليدخل بها للغرفة، فدنت “رواية” منه، منحته نظرة سكن بها الألم ثم تمسكت بيديه وهي تقبلها وتردد بانهيارٍ:
_قلبي كان هيقف من الخوف عليك يا حبيبي، الحمد لله انا ربنا حياني من جديد..
جاهد آسر ليقترب منها بجسده، ولكن الأجهزة والألم أحكم عليه، فرفع يديها المتمسكة بيديه إليه، ليقبلهما وهو يردد بحزنٍ:
_أنتي ليه عاملة في نفسك كده أنا كويس.
عادت للبكاء مجددًا، فطوفتها تسنيم بذراعيها ثم أجبرتها على الوقوف معها لتتجه بها للحمام القريب منهما حتى تعاونها على الاغتسال، وفي ذلك الوقت دنا “فهد” منه ليجلس محلها على المقعد القريب منه، ثم منحه نظرة حزينة قبل أن يعاتبه:
_كده يا آسر تخضني عليك، ليه تعمل كده انت شايف حياته أغلى عندي من ابني الوحيد!
رد عليه وهو يجاهد الا يفقد وعيه:
_اللي مهران كان عايز يعمله أكبر من كده بكتير يا بابا، لو أيان جراله حاجة اللي هيدفع التمن هما احفادك واحفاد الدهاشنة كلها.. هتبقى عاملة زي سلسال الدم مالوش نهاية.
مسح “فهد” تلك الدمعة الخائنة، ثم مرر يديه على كتفيه العاري وهو يردد بإعجابٍ:
_طول عمرك بتفكر في غيرك أكتر من نفسك يا ابني، بس أنا مش هتحمل أشوفك بالحالة دي، خف بسرعة واقف على رجليك..
قال بتعبٍ وهو يجاهد للمزح:
_ حاضر اديني سبع تمن أيام كده وهتلاقيني بجري زي الحصان.
وضحك وهو يستطرد بألم:
_بسرعة أيه يا حاج شايفني مولود بقدرات خارقة اللحم هيلم بسرعة ده رصاص يابا مش لعب عيال هو..
ضحك “فهد” بصوته كله، ثم قال بصعوبة بالحديث:
_خد وقتك المهم تقوم.
ابتسم الأخير ثم استسلم لتأثير المخدر، فغفى بنومٍ عميق…
*********
بالخارج..
انتظر حتى أن خرج “فهد” من الداخل، فدنا منه “أيان” ثم سأله بلهفة وتردد:
_طمني يا فهد، فاق؟
رفع فهد رأسه تجاهه ليحدجه بنظرة غامضة، أنهاها حينما قال؛
_يهمك أمره ولا صعب عليك اللي اتسببت فيه لأولادي.
تهدلت معالمه بحزنٍ، فجلس لجواره ثم ردد بانكسارٍ:
_صدقني أنا لحد اللحظة دي مصدوم ومش قادر استوعب حاجة من اللي بتحصل دي، وأكتر حاجة وجعاني هي ظلمي ليك ولعيلتك كلها،يكفي الوجع اللي جوايا وبيموتني بالبطيء..
ثم تطلع له بنظرة متفحصة قبل أن يردد بحيرةٍ:
_أنا من كتر اللي عملته يا فهد مش قادر اعتذر ولا أطلب السماح عن اللي عملته!
ابتسامة شبه ساخرة ارتسمت على وجهه، قبل أن يجيبه:
_مفيش سماح هيغفر اللي عملته معانا وسط الخلق..
ارتخت رأسه في حزنٍ شديد، فمنحه فهد نظرة غامضة انتهت حينما قال بمكر:
_لو عايز تكفر عن جزء بسيط من أفعالك يبقى تطلق بتي وتسبها في حالها..
رفع عينيه في مجابهة نظراته بصدمةٍ سكنت بداخلها، ليردد بصدمة:
_أطلقها!
هز الأخير رأسه، فردد “أيان” بارتباكٍ:
_مستحيل هعملها، أنت عايز تأخد مني الحاجة الوحيدة اللي ممكن أكون لسه متمسك بالحياة عشانها..
منحه نظرة مستنكرة، فاستطرد بقهر:
_عارف ان مفيش تصرف ليا معاها يثبت حبي ده، ويمكن ده اللي يكون كسرني أوي، أنا مسبتلهاش غير الوجع والذل وعارف انها مستحيل هتنسى كل اللي عملته فيها بس على الأقل هحاول وأنا جنبها.
تعمق الاخير بالتطلع تجاهه، ثم قال بغموض:
_وتفتكر اني هسامحلك تقرب من بنتي بعد كل اللي عملته!
رفع عينيه البائسة تجاهه، ثم قال بوجعٍ:
_عارف، بس برضه هحاول لحد ما أخليها ترجع تحبني من تاني..
ضحك فهد باستهزاءٍ على مجرى حديثهما الغريب، من يصدق أن من يتبادل الحديث الصارم معه هو شاب في عمر ابنه تقريبًا، وبالرغم من شدة العداوة بينهما الا أنه مازال يحتمل مناقشته وسماعه!
أنفض ذلك الفكر عنه ثم قال:
_أنا ممكن أسمحلك انك تتقرب من بنتي بس بشرط واحد..
اعتدل الاخير بجلسته وهو يسأله باهتمامٍ:
_أيه هو!
قال بعد صمت لجئ اليه ليستميل لهفته لسماع ما سيقول:
_إنك تردلها اعتبارها قدام كل الناس لما تعمل اللي هقولهولك..
قاطعه من قبل أن يستكمل:
_وأنا جاهز لأي حاجة..
*******
أشرقت شمس اليوم التالي، فاستعاد “آسر” جزء من نشاطه ليفق من المخدر بشكل كلي، فبات الأمر يزعجه حينما تغلب عليه الألم بشكلٍ حاد، فبات يشعر بكل ما يهاجم جسده، التفتت برأسه للنحية الأخرى، فابتسم حينما وجد “يحيى” و”أحمد”يغفو على الفراش المجاور له بعدما نقل من العناية لغرفة عادية، وانتقلت نظراته للاريكة القريبة منه ليجد “عبد الرحمن” يتمدد عليها، ولجواره غفى “بدر” على المقعد القريب منه، أطبق على شفتيه بألمٍ وهو يحاول أن يناديه بصوته الخافت:
_بدر… بدر..
فتح عينيه بلهفة فور سماع صوته فدنى منه وهو يردد بفرحةٍ:
_آسر، حمدلله على سلامتك..
منحه ابتسامة هادئة، ثم أشار له بتعبٍ على مرحاض الغرفة ففهم ما يود قوله، لذا رفع الغطاء عنه ثم سأله بخوف:
_هتقدر تقوم..
مد له يديه وهو يعافر ذاك الألم القاتل:
_ساعدني بس.
أطبق على يديه ليجذبه عن الفراش، فتأوه “آسر” بصوتٍ مسموع، فكاد بالتنحي جانبًا ليستند على الحائط ولكن يد “أحمد” كانت الأسرع اليه، فقال بلهفة:
_عايز تروح فين يا آسر وأنت تعبان كده..
أجابه ووجهه يتعرف:
_عايز أغسل وشي وأغير هدومي دي..
ربت بحنان على يديه ثم قال:
_طب اسند علينا واحنا هندخلك..
خطى خطوة واحدة ثم وقف يلتقط أنفاسه وهو يردد بابتسامة جذابة:
_هلاقي مين غيركم أسند عليه!
ابتسم بدر وهو يردد ساخرا:
_واحنا هنلاقي حد زيك فين ياخد الرصاص مكانا!
تعالت ضحكات أحمد، فصرخ آسر بألم وهو يحاول أن يتماسك، فلكزه بغضب:
_ممنوع الضحك او الاحضان والذي منه أنا لسه بعمل اعادة تأهيل.
ضحك وهو يشير له بتفهم:
_طب خش خش وبعدين نشوف موضوع الاحضان ده..
وبالفعل ولج للداخل بصحبتهم، فعاونه على الاغتسال وتبديل ملابسه، ثم عادوا به للفراش.
ففتح عبد الرحمن عينيه بانزعاج حينما شعر بحركة لجواره، وجحظت عينيه في صدمة، ليسرع للفراش وهو يحتضنه بفرحة:
_آسر أنت فوقت، أنا كنت هتجنن من الخوف عليك يا جدع..
صرخ آسر بوجع من فرط قوة جسده الذكورية :
_آآه، الله يخربيتك أبعد هتخلص عليا مش كفايا الهم اللي أنا فيه!
ابتعد عنه ثم قال بأسف وسط ضحكات الشباب:
_مخدتش بالي يا جدع الله..
فتح يحيى عينيه بنومٍ، فابتسم حينما وجد آسر استعاد وعيه، فقال بفرحة:
_حمدلله على السلامة يا بطل..
اتجهت نظراته اليه ليجده يقترب من الفراش، فانفجر يخبرهما بتعصب شديد:
_بقولك أيه أنت وهو، أنا مش عايز حد يخونه تعبيره ويحضني أنا شخص حاليًا لا أصلح لمثل تلك المشاعر، أنا بحاجة لاعادة تأهيل الأول، فكل واحد يلم نفسه بذات نفسه كده لحد ما ربنا يكرمني وأستعيد صحتي، عشان نبقى واضحين مع بعض!
ضحكوا جميعًا، فقال بدر ساخرًا:
_مع ان دي فرصة بالنسبالنا كلنا بس تمام ميهمكش مفيش حد هيقربلك يا حبيبتي، مش كده ولا أيه يا جدعان..
استقر ذراع آسر ببطنه، فصاح الاخير بألمٍ، ليضيف أحمد باستنكارٍ وهو يتصنع الجدية:
_والتعليمات دي برضه تمشي على تسنيم ولا أيه الوضع؟
احتدت نظراته تجاهه، فانتصب أحمد بوقفته ثم عدل من قميصه وهو يردد بخوفٍ مصطنع:
_طب أنا بالسلامة بقى، هرجع البيت أغير هدومي وأرجعلك لما أفوق كده.
أتاه رده الصارم:
_يفضل انك مترجعش أحسن، خليك جنب عروستك..
ابتسم وهو يجيبه بسخرية:
_وده يصح برضه، أنت الاساس يابو عمي..
احتضن آسر مقدمة رأسه وهو يردد بألمٍ:
_مالقوش غير دول اللي يقعدوا معايا، ده لو كانوا عايزين يقتلوني بسرعة البرق مكنوش عملوا كده، أنا وانتوا الكميا بينا منعدمة، أنا بقول تنادي للكبير وهو اللي يقعد بيا اهون ليا من العذاب ده..
ربت يحيى على كتفيه وهو يخبره بابتسامة مكبوتة:
_متتعصبش العصبية غلط عشانك، استرخي وخليك هادي.
حدجه بنظرةٍ قاتلة، فنهض الاخير ليقف جوار الشباب وهو يكبت ضحكاته جراء ما يحدث بينهما باليوم الأول!
********
تناوب الشباب على البقاء معه في المساء وبالرغم من رغبة “تسنيم” و”رواية”بالبقاء معه الا أن “فهد” رفض ذلك بشدة، فكانت تأتي كلاً منهن بالصباح وتغادر بالمساء فور وصول الشباب، ظل الحال هكذا حتى مر اسبوعين استعاد بهما “آسر” صحته كليًا، حتى أن الطبيب صرح له بالخروج بالمساء، فكانت فرحة “تسنيم” لا تضاهي، فنقلتها له بحديثها حينما قالت:
_أخيرًا هترجع تنور بيتك يا حبيبي..
منحها نظرة مشاغبة، أثارت خجلها، ثم قال بأنفاسٍ صوتها يخترق مسمعها:
_أنا حاسس إني جعت..
ابتسمت وهي تدنو من الكومود لتجذب الصينية الموضوعة على سطحه، ثم دثت الملعقة بالشوربة التي أعدتها خصيصًا له، فقربتها منه قائلة بفرحة:
_ألف هنا يا حبيبي..
ابتسم ساخرًا لتحليلها الحديث بمفهومها الخاص، فأبعد الملعقة عن فمه ثم جذبها إليه بحركةٍ سريعة، ليقترب منها والاخيرة تتطلع له بعينين مندهشة من جراءته بالتقرب منها بمكانٍ كذلك، وما زاد خجلها أضعاف حينما استمعت للصوت الحاد القادم من خلفهما:
_أنت بتهبب أيه، أنت ناسي أننا في مستشفى!
اتجهت نظراتهما معًا لباب الغرفة، فوجد “فهد” يحدجه بغضبٍ، ابعدته “تسنيم” عنها ثم نهضت من جواره لتردد وجسدها يرتجف من فرط الاحراج:
_والله ما أنا يا عمي، ابنك اللي مش محترم..
ضحك وهو يجيبها:
_في دي معاكي حق..
لوى آسر شفتيه في سخط:
_وأنتي بتقدمي مبررات ليه، اتقفشنا في شقة مفروشة مش واحد ومراته!
لم تحتمل البقاء كثيرًا، فهرولت للخارج سريعًا، غاتبعتها نظرات فهد ثم عادت لتستقر على ابنه ليصيح بحدةٍ:
_الله يحرقك كسفت البنت أكتر مهي مكسوفة..
ثم اقترب منه ليجذب المقعد القريب من الفراش، وما أن استقر عليه حتى قال بصرامة:
_طب كويس إن أنا اللي دخلت مش حد من ولاد عمك، ساعتها كانت هتبقى محروجة أكتر من كده..
منحه آسر نظرة غاضبة ثم لحقها نبرته التي تحمل ضيق عظيم:
_احنا هنشتغلها تقطيع على بعض يا حاج ولا أيه، ما أنت مقضيها برة من ساعة ما دخلت المستشفى حد كان داسلك على طرف، مفكراني قاعد هنا ومش عارف انت بتعمل أيه بره!
احتدت نظراته الصارمة تجاهه، ليردد بغضب مصطنع:
_ولد احترم نفسك، إحنا في أيه وأنت في أيه!
لوى فمه وهو يهمس بسخطٍ:
_ما تقولوا لنفسكم، هي جت عليا يعني!، يعني الواحد يقدر ابنك لسه عريس ودخل حبس انفرادي بدري هتبقى أنت والزمن عليه!
ضحك فهد بصوتٍ مسموع، ليمازحه قائلًا:
_انادهالك تاني ولا أقالبلك المستشفى فندق 5نجوم ولا أعمل أيه بالظبط؟
منحه نظرة ضيق، ثم تمتم بانزعاجٍ:
_لا الحالة مش صعبة للدرجادي، وكويس ان المدة خلصت وفي خروج خليها تطري شوية بدل الجو الكئيب ده..
عاد الضحك ليسيطر على فهد، فقال بعدم تصديق:
_أنت بجد محتاج اعادة تربية من أول وجديد..
أغلق عينيه بألمٍ، ثم ردد بوجعٍ مصطنع:
_آه مش عارف مالي بقالي كام يوم كده بيجيني نغزة غريبة..
نهض فهد عن مقعده ثم منحه نظرة جعلته يستقام بجلسته بهدوء، فغادر الاخير وهو يكبت ضحكاته بصعوبةٍ..
******
طوال تلك المدة كانت تقضي أغلب يومها بالحديقة، وتستجيب لمساعدة “حور” و”ماسة”في محاولتهما لجعلها تخطو على قدميها، بعدما باتت تشعر بتحسنٍ، واليوم استغلت بقائها بمفردها لانشغال الجميع بالترتيبات اللازمة لاستقبال أخيها بعد غيابه، لذا تحملت “روجينا” على نفسها لتمارس التدريبات الخاصة بها بمفردها، وما أن انتهت حتى تحملت على جزع الشجرة لتخطو بمفردها دون مساعدة من أحدًا، فشعرت بالإرهاق حينما بعدما خطت مسافة قصيرة للغاية، فتطلعت للمقعد القريب منها، ثم عادت بخطاها حتى تستريح عليه قليلًا، ولكن اهلك ذلك طاقتها، فتخبطت بخطاها لتتعركل قدميها ثم كادت بالسقوط، ولكن ساندتها يدًا قوية، حالت بينها وبين السقوط، ابتسمت وهي تظن بأن من يقدم لها المساعدة أحد ابناء عمها، لذا رفعت وجهها تجاهه وهي تستعد لشكره، ولكن سرعان ما تلاشت الكلمات على شفتيها حينما تقابلت عينيها به، لا تعلم لما خفق قلبها باضطرابٍ، شوقًا له أم يتألم قلبها بقربه منها، حاولت روجينا أن تبعده عنها ولكنه كان متشبث به بقوة حتى لا يؤذيها سقوطها، فقالت بكرهٍ شديد:
_أنت لسه عايز مني أيه!! ، سبني بقى في حالي أنا معتش طايقة أشوفك حس بقى يا بني آدم!
ابتلع تلك الاهانات التي استهدفته بنجاحٍ، ثم حملها بين ذراعيه، ودنى ليضعها على مقعدها، فابعدت يدها عنه بتعصبٍ، انحنى “أيان” ليجلس مقابلها على العشب، وحينما وجدها تبعد نظراتها عنه، رفع وجهها بيديه ليجبرها على التطلع لعينيه ثم قال:
_مش بمزاجك يا روجينا، هتنجبري تشوفيني في الوقت اللي أنا عايز أشوفك فيه.
أبعدت يديه عنها وهي تصرخ به بانهيارٍ:
_مش بالعافية سامع… انا مش طايقة اشوووفك ارحمني بقى..
ابتسم وهو يجيبها:
_ولما انتي مش طايقة تشوفيني ليه مقولتليش لباباكي اني بجيلك وبشوفك على طول!
لعقت شفتيها بتوترٍ وهي تجابه تلك الدمعات الحارقة التي سيطرت عليها، فرفع “أيان” يديه ليحتضن بها يدها ثم قال بحزن:
_قولتلك عاقبيني على كل اللي عملته معاكي، بس العقاب الوحيد اللي مش هسمحلك بيه هو بعدك عني..
رفعت عينيها الباكية تجاهه، ثم ابتسمت وهي تخبره بسخرية:
_أنت عارف أنا بعيش أيه كل يوم!
احتضن بيده الاخرى وجهها وهو يهمس:
_عارف وحاسس بيكِ..
ابعدت وجهها عن يديه ثم صرخت به بتعصب شديد:
_لا مش عارف، أنا بستحقر نفسي كل يوم بسببك، بلوم قلبي انه لسه بيحب انسان مقدمليش غير الذل والاهانة، أنا بلوم نفسي بالرخص اللي مخليني لسه قادرة أحب شخص كسرني بكل السبل ومسبليش أي ذكرى حلوة ممكن أفتكره بيها!
ضعفت دمعاته أمامها فهبطت بتأثرٍ لما سمعه، والمؤلم بأنها تمتلك كل الحق لما قالته، أبعد أيان وجهه عنها ثم التقط نفسًا مطولًا يستمد به طاقته، وعاد ليتطلع اليها مجددًا ثم قال:
_طب اديني فرصة أعوضك فيها عن كل اللي فات، أنا عارف اني غلطت في حقك وفي حق فهد وأخوكي، بس صدقيني أنا كنت مخدوع، منكرش اني كنت حاسس بالذنب طول الوقت من نحيتك بس لما الحقيقة بانت الاحساس ده بقى مش ليكي لوحدك، ليكي ولعيلتك كلها.
ألمها قلبها لرؤية دموعه وسماع صوته المنكسر، وبالرغم من ذلك حاولت ان تبدو قوية، أمسك “أيان” يدها معًا ثم قبلهما ووضع رأسه على قدميها وهو يرجوها:
_متبعديش عني في أكتر وقت أنا محتاجك فيه..
رفعت يدها ثم قربتها من رأسه بترددٍ، فكادت بأن تحتضن رأسه ولكنها تراجعت وأبعدتها عنه، ثم قالت بصوت باكي:
_من فضلك أمشي من هنا، وكفايا أوي لحد كده..
رفع عينيه تجاهها، ليعاتبها بنظراته، فازداد ألمه حينما وجد الكره والحقد تملأ عينيه، حانت منه نظرة متفحصة للحديقة، وحينما لم يجد أحدًا لجواره انحنى ليحملها بين يديه، فرددت بصدمة:
_أنت مجنون سبني واخدني فين..
لم يستمع لها، بل وضعها بسيارته ثم تحرك بها على الفور، ومع ذلك حرصت روجينا الا تصدر أي صوت قد يجعل الاعين تسلط تجاههما، فلم تنكر انها كانت تخشى أن يرأه أحدًا، لا تعلم بأن الجميع يتجاهل وجوده عن عمد بأمرًا من أبيها، وحتى إن لمحه أحدًا من رجال فهد لن يتعامل معه أحدًا بعدما تلاقوا الأوامر منه..
استغرق طريقهما ربع ساعة تقريبًا، فتوقف بها “أيان” أمام أحد الفنادق ثم صعد بها لغرفته التي يقطن بها بعيدًا عن المنزل تلك الفترة، ووضعها على الفراش، صاحت بخوفٍ حينما وجدت ذاتها على السرير:
_أنت جايبني هنا ليه، عايز مني أيـــه!
لم يجيبها بل خلع جاكيته ودنى منها في محاولة منه للحديث، ليجدها تتراجع للخلف بخوفٍ وهي تصرخ به:
_لا إبعد عني، أنا بكرهك حرام عليك بقى أنت أيه شيطان!
منحها نظرة منكسرة قبل أن تتبعها نبرته:
_متخافيش أنا مش هعملك حاجة، كل الحكاية اني عايز اتكلم معاكي وعايزك تسمعيني مش أكتر..
ثم نهض عن الفراش واختار الجلوس على أريكة بعيدة عنه، ليضم بيديه رأسه وهو يحارب ذلك الألم الشرس، اعتدلت “روجينا” بجلستها، ثم راقبته بقسوةٍ تحاول اللجوء إليها، جذب أيان سيجاره الخاص ثم أخذ ينفث بها غضبه، فتلك الفترة دمرته نفسيًا، فبات جسده هزيل للغاية بعدما امتنع عن الطعام وأصبح يدخن بشراهةٍ، عل ما بداخله يسكنه ما يفعله، للحظة عز عليه حاله، فاخذ يحارب سيل الدمعات التي تقبض على روحه، وكلما سقطت أحدى الدمعات كان يزيحها سريعًا قبل أن تراها من تجلس خلفه،مرت أكثر من ساعتين ومازال يجلس محله ينفث سجائره بافراطٍ، فبكت “روجبنا” وهي تراقبه بتوترٍ ازداد حينما نهض عن مقعده ودنا منها، وضع “أيان” علبة السجائر على الكومود ثم منحها نظرة مطولة قبل أن يقول بابتسامة ختمت بالوجع:
_خلاص يا روجينا أنا مش هقبل أخليكي تعيشي الوجع ده تاني، أوعدك اني هخرج من حياتك..
تهاوت دمعة من عينيه، فازاحها وهو يرسم ابتسامة:
_يمكن ده العقاب المناسب ليا بعد كل اللي عملته، اني ابعد..
ثم رفع يديه على وجهها وقربها منه ليطبع قبلة مطولة على جبينها ثم استند بجبينه على جبينها وهو يردد بأنفاسٍ لفحت وجهها:
_يمكن ده يكون أخر لقاء بينا، وعايزك تعرفي أني حبيتك حتى ولو كان انانيتي منعتني اني اعبرلك عن حبي كويس.
وابتعد عنها وهو يتطلع لعينيها ويجاهد لخروج تلك الكلمات:
_أنتي…..
ضم شفتيه معًا وهو يضغط باسنانه بقوة عليهما، فحاول التفوه بتلك الكلمة الثقيلة:
_أنتي…. ط….
كبتت بيدها فمه لتوقفه عن تفوه تلك الكلمة وهي تصرخ ببكاءٍ:
_لا..
منحها نظرة حائرة فلم يعد يعلم ما الذي تريده بالتحديد، حتى هي كانت حائرة ولكن ما تعلمه بأن قلبها لن يحتمل سماع تلك الكلمة، فرددت بصوتٍ متقطع مختنق بالدموع:
_لا… أوعى تقولها، أنا عايزاك تكون موجود في حياتي حتى لو أنا مش متقبلة ده..
ترقرقت الدموع بعينيه، ليحطم ذاك الحاجز حينما ضمها بقوة لصدره، فأخرجت ما بداخلها، بكت وبكائها كالسهام التي تسلخ جسده حيًا، فتشبثت به بقوة وهي تهمس بصوتٍ خافت تتمنى بداخلها ان لا يكون مسموع:
_متبعدش عني… أنا لسه بحبك..
أغلق عينيه بقوةٍ وهو يتحمل ملذة تلك الكلمة التب افتقدها، فلم يستطيع محاربة كل تلك العواطف، لذا أبعدها عنه ثم رفع وجهها مقابلته وهو يسألها بهمس متلهف:
_قولتي أيه؟
أخفضت رأسها للاسفل لتبكي بتأثرٍ، فعاد ليرفع وجهها اليه وهو يتساءل مجددًا:
_عيدي اللي قولتيه عشان خاطري..
اطبقت بجفنيها معا وهي تردد ببكاء:
_بحبك..
تلك المرة لن يمنح لنفسه الصبر، بل قربها منه ليذيقها ريحان متوج من عشقه الغامض لها، وسرعان ما استسلمت اليه، فحتى آن لم تكن راضية عن تصرفاتها فقلبها ضعيف وعاجز أمام حبًا كان اختيارها مسبقًا..
********
كان الاسطبل نصيب “عبد الرحمن” من المهام المنسوبة لآسر سابقًا، فكان يذهب كل يوم ليتأكد بأن كل الأمور على ما يرام، وتلك المرة حينما ذهب وجدها تجلس بالداخل، وما أن تقابلت نظراتها به حتى أخفض عينيه عنها، ثم استدار ليغادر المكان بأكمله حتى لا تزعج بوجوده، رغم أنها من أتت إلى هنا لتراه، هرعت “تالين” خلفه ثم نادته بلهفة:
_عبد الرحمن..
توقف عن المضي قدمًا فاتجهت اليه لتجده يوليها ظهره بعد، فقالت بحزنٍ:
_أنا أكيد يعني جاية المكان ده عشان أتكلم معاك!
استدار تجاهها ثم قال بحزن ساخر:
_لسه في حاجة متكلمناش فبها!
اقتربت منه ويدها تفرك بأصابعها بارتباكٍ:
_بقالك فترة بتتهرب مني، وأنا مش عارفة أكلمك..
بدى قاسيًا، وكأنه كان يتمرن على ذاك التعامل الجاف طوال الفترة الماضية، فقال بخشونة:
_ده الطبيعي واللي المفروض يكون بينا بعد كده، يعني زيك زي أي بنت من العيلة مينفعش اتخطى حدودي معاها..
تهاوى الدمع على وجتتها وهي تردد بصدمة:
_انت شايفني كده!
ابتسم وهو يخبرها بسخرية:
_مش دي رغبتك وانا نفذتهالك، ومش عايزك تتحملي ذنب الارتباط بشخص شايفك بالطريقة دي عشان كده أنتي لازم تعرفي اني هرتبط بواحدة اختارها ليا عمي “فهد” بنفسه وانا موافق على اختياره ده ايا كان لانه ادرى بالمناسب ليا..
صعقت مما استمعت اليه، فرددت بصدمة:
_واحدة! .. أنت عايز ترتبط بواحدة غيري يا عبد الرحمن!
بصلابة قال:
_ده المناسب ليا وليكي، لاننا مش هنقدر نفهم بعض.. انتي وأنا بنختلف عن بعض بكل حاجة وده كفيل يدمر أي علاقة لانك لا هتتنزلي وتتطبعي على طباعي ولا أنا هقدر أعمل ده.
شعرت بدوار حاد يهاجمها، فلم تكن تحتمل سماع ما يقوله، لذا رددت بدموع تحاول تخبئتها:
_ربنا يسعدك مع الانسانة اللي اختارتها..
وتركته واتجهت للعودة، ورأسها يدور، رفعت تالين يدها في محاولة للسيطرة على ما يهاجمها ولكنه انتصر عليها بالاخير فاستسلمت له وارطم جسدها بالأرضٍ محدثّا صوتًا ملحوظ، فاستدار عبد الرحمن خلفه ليجدها تتمدد ارضا فاتقبض قلبه وهو يسرع تجاهها ويناديها بخوفٍ:
_تاليـــــــن!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى