رواية في قبضة الأقدار الفصل الثامن والستون 68 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء الثامن والستون
رواية في قبضة الأقدار البارت الثامن والستون
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثامنة والستون
جاء خُذلانك ليهدِم كُل أحلامي الوردية ويلوث أشيائي الثمينة ومن بينهم قلبي، قلبي الذي كان بالود عامرًا، والآن بات البُغض والقهر مسكنه، فلا تتساءل أين ذهب غلاك ؟ ،
فقد تساقط من قلبي كعقدٍ من اللؤلؤ انفرطت حباته مع كل دمعة ذرفتها روحي وهي تنعي جرح رجل أحببته بقدر السماء وقتلني بقدر ما أحببت.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تجمدت الدماء بـ أوردتها حين شاهدت تلك اللقطات الفوتوغرافية التي تجمعها بـ «ياسين» تملأ حوائط القاعه !
ماذا حدث ؟ و كيف حدث و جمعوا كل تلك اللقطات ؟ ليضعوها نُصب عينها التي التقمت نظرات الشماتة من أعين الكثيرين ممن لم يُتِح لها المجال حتى لمعرفتهم .
تزاحمت الأنفاس بصدرها و أهتزت جفونها مُعلنه عن عدم قدرتها لاحتمال كل هذه العبرات التي تُهدِد بالانفجار في أي لحظة و خاصةً حين أتاها ذلك الصوت الخبيث المُتشف
_ مفاجأة مش كدا ؟ متخيلتيش ان في يوم الكل هـ يعرف حقيقتك ؟
تحرك رأسها بآليه لـ تنظر إلى تلك الفتاة« أروى» بصدمة من حديثها الذي يقطر حقدًا و نظراتها المُحتقرة فلم تستطِع سوى الاستفهام بخفوت
_ عرفتي منين ؟
عودة إلى وقتٍ سابق
_ مالك يا أروى مش على بعضك ليه ؟
«أروى» بحنق و الشرر يتطاير من عينيها
_ اقطع دراعي أن ما كانت البت السهتانه دي على علاقة بالدكتور ياسين !
_ ليه بتقولي كدا ؟ دا باين عليها محترمه و في حالها
استنكرت« أروى» الحديث و تشدقت ساخرة
_ محترمة ! هي مين دي اللي محترمه ؟ معذورة اصلك مشوفتيش شكلهم لما طبيت عليهم اول امبارح في المكتب . دول كانوا زي اللي عاملين عمله و بيحاولوا يداروها عني بس على مين ؟ هو انا عبيطة ! و كمان يوم الواد اللي راح يقعد جنبها و هو نفخه . لا دا في حوار كبير و كبير اوي كمان .
_ ولو بينهم و بين بعض حاجه أنتِ دخلك ايه ؟ كبري دماغك .
صاحت« أروى» باهتياج
_ أنتِ عبيطة يا بت أنتِ ولا شكلك كدا ؟ انا اللي اعجبت بيه الأول و بعدين فيها ايه البت دي عشان يفضلها عليا .
لون الحقد معالمها وهي تُضيف بحنق
_ ابن التيت بعد ما وعدني أنه هيحضر الحفله خلع وقال ايه مالوش في الكلام دا ! طب وحياة أمي دا باين عليه ملاوع و ليه في كل حاجه .
زفرت الفتاة بملل وهي تقول بنفاذ صبر
_ بقولك ايه مش ناقصين مشاكل ، ولو كان بينهم حاجه دا شيء ميخصناش كبري دماغك .
«أروى» بانفعال
_ لا دا يخصنا و يخصنا و يخصنا . انا لازم اعرف وراهم ايه واكشفهم قدام الجامعه كلها
تسلل الخوف الى قلب الفتاة التي قالت باستفهام
_ ناوية تعملي ايه يا بت أنتِ ؟ مش مرتحالك .
«أروى» بتخابث
_ هراقب الأمورة انا واثقة أنها أكيد يتركب معاه بس مش قدام الجامعه . ماهو انا مش هبلة اكيد بينهم حاجه مش بريئة نظراتهم يوم الامتحان بتقول كدا وانا لازم اعرفها .
بالفعل انتظرت حتى خرجت «حلا» من الجامعه و قامت بمراقبتها إلى أن وصلت إلى سيارة «ياسين» الذي تلقاها بين ذراعيه مُرحبً بانضمامها إليه فقامت «أروى» بإلتقاط عدة صور لهم وداخلها تتناحر شياطين الجحيم و تتوعد بالهلاك لكليهما
عودة إلى الوقت الحالي
اقتربت« أروى» من «حلا» ولازالت عينيها تحملان وميض الخبث و الشماته التي تجلت في نبرتها حين قالت
_ مفيش حاجة بتستخبى يا حلوة .
تغيب العقل من وقع الصدمة و تلك النظرات التي كانت تفترسها دون رحمة حتى أوشكت قدماها أن تخور لولا تلك الذراعين القويتين التان أحاطت بخصرها و ذلك الصوت القاسي الذي هتف بحبور زائف
_ ايه المفاجأة الحلوة دي ! أنتوا عرفتوا أن عيد جوازنا قرب فـ حبيتوا تحتفلوا بينا على طريقتكوا ولا ايه ؟
تعالت الهمهمات و الشهقات المستنكرة من حولهم بينما كان ذلك الثلاثي في عالم آخر «أروى» يقابلها «حلا» التي كان« ياسين» يُحيطها بذراعيه بحنو يتنافى مع نظراته القاسية حين تفاجئ بأحدى طالباته تهرول تجاهه ما أن وصل إلى مكتبه وهي تخبره بأن« أروى» تُجهز عرض رخيص على شرف كليهمَ فأخذته قدماه بخطٍ أشبة بالركض ليكون بجانبها قبل أن تقع في براثن تلك الغبية
تجاوزت عن صدمتها وهي تقول باستنكار
_ جوازكوا ! انت بتقول ايه ؟
«ياسين» بفظاظة و نظرات لازالت تقسو دون رحمة
_ اه جوازنا . حلا الوزان مراتي اومال أنتِ عاملة الشو دا على أساس ايه ؟
ثقُلت أنفاسها و رجفة قويه ضربت سائر جسدها مما جعل الحروف تتلعثم بين شفاهها حين قالت
_ أ . أنا . مك. مكنتش . لا. أقصد . كن . كنت . عايزة. أفا . افاجئكوا .
«ياسين» بوعيد جعل جسد «حلا» ينتفض بين ذراعيه
_ حلوة المفاجأة . استني مني واحدة زيها و أحلى كمان .
مكانك .
قال الأخيرة بزئير افزعها فتوجهت «اروى» إلي مقعدها وكل خلية في جسدها ترتجف ذعرًا تضاعف حين سمعت صوته الصارم يقول
_ عشر دقايق أرجع الاقي الصور دي اتلمت و بقت على مكتبي .
أنهى كلماته بينما يديه انتقلت إلى ذراعي «حلا» لـ يجرها خلفه وهو يغادر القاعة ليُفسِح للجميع فرصة إطلاق أنفاسهم التي كانوا يحبسونها خوفًا من غضبه المُريع .
دفعها إلى داخل المكتب الذي ما أن دلف إليه و أغلق بابه حتى التفت اليها ينوي إفراغ شحنه غضبه بها لوضعهم في هذا الموقف ليتفاجيء بها تندفع إلى أحضانه وهي تجهش في بكاء مرير يوحي بمدى ثُقل ما حدث عليها
فـ تقهقرت جيوش غضبه أمام ضعفها وانهيارها
لـ يحتويها بين جنبات صدره الدافيء الذي كان ملاذها دائمًا فأخذت تبكي بحرقة وهي تتخيل ذلك العرض القذر من تلك الفتاة فقد اخرستها الصدمة و عاندتها شفاهها بالصراخ لتُعلن انتمائها إليه و بأنه رجُلها ليأتي إليها كما هي عادته و يُنقذها بأكثر الطرق روعة ليُثبت لجميع الحضور بأنها غاليته و زوجته .
_ مش كفاية عياط بقى ؟ خلاص عدت .
_ أنا أسفة يا ياسين.
لم تستطِع هكذا كانت لهجته تحمل الضدين الغضب و الحنان معًا فهدأت شهقاتها و بدأت بـ كفكفت عبراتها بأناملها الرقيقة فامتدت يديه لتقبض على كفها الرقيق تقربه من شفاهه التي أخذث ترتشف عبراتها العالقة فوق أناملها بحنو مُثير لتنتقل إلى وجهها الذي كان غارقًا في بحور من الدمع فأخذ يرتشفها بتمهُل أصاب أوتارًا خاصة داخل قلبها و سائر جسدها فيما اختتم أفعاله الحانية وهو يهمس أمام شفتيها
_ تجنني ياسين و اللي خلفوه و تيجي تقولي أسفه ! اعمل فيكِ ايه طيب ؟
رفعت رأسها تناظره باعتذار يتجلى بوضوح في عينيها و يتناثر من بين حروفها
_ انا متخيلتش يحصل اللي حصل أبدًا . انا ..
صمتت لثوان تحاول منع عبراتها من الانهمار مجددًا فأعادها إلى صدره مرة أخرى و هو يشدد من احتوائها قبل أن يُضيف بمُزاح
_ اللي حصل دا يخليني اتأكد أن اللي يمشي ورا الستات لازم يلبس في حيط .
شقت ضحكتها الرقيقة طريقها وسط مرارة العبرات التي لازالت آثارها مطبوعة فوق ملامحها والتي فجأة غزاها الذبول و شعرت بأن الأرض تميد بها فهمست قبل أن تستسلم للدوار
_ ياسين . الحقني .
★★★★★★★★★
لم يفلح النوم في إغوائها على الرغم من تعبها الواضح وإنهاكها الجسدي و الروحي إلا أن القلب أبى أن يخلد للراحة قبل أن تطمئن على شقيقتها فالتفتت تناظره بحنو طبعته شفاهها فوق جبهتها العريضة وامتدت أناملها تُعيد تلك الخصلة الشاردة فوق جبينه فقد بدا صورة حية
لـ وسامة قاتله مُطعمة بهيبة بدائية تجعل جسدها ينتشي و حواسها تتيقظ و قلبها ينتفض عشقًا له .
انسلت تَلَكؤ من بين يديه التي تقبض على خصرها و جذبت أحد فساتينها لترتديه على عُجالة و تتوجه بخطٍ متلهفة إلى غرفة شقيقتها للإطمئنان عليها ولكنها تردد في فتح الباب لتقوم بطرقه عدة مرات قبل أن تطاوع قلبها الملتاع و تقوم بإدارة مقبض الباب الذي انفتح لتدلف إلى الداخل وهي تنادي عليها بلهفة لم يقابلها إجابة !
توجهت إلى غرفة« محمود» فلم تجده فدب الذعر في أوصالها و أخذت تدور حول نفسها و الدمع يتقاذف من مقلتيها بإسهاب بينما شفاهها لازالت ترجو الإجابة
_ جنة . جنة …
_ جنة مشيت يا فرح ..
يا ليتها لم تأتي تلك الإجابة التي شقت قلبها إلى نصفين فتجمدت للحظات بمكانها تحاول استيعاب ما سمعته للتو ثم تحاملت على نفسها لـ تلتفت تناظره بعينين يقسم أنه لم يرى بهم كل هذا الكم من الحزن ذات يوم .
_ يعني ايه مشيت ؟
هكذا تحدثت بصوت خالي من الحياة و عينين تتوسل إليه بنفي ما ألقاه على مسامعها للتو لذا تقدم منها وعينيه ترسلان ألف اعتذار بها نيابة عن العالم أجمع إلى أن وقف امامها مُباشرةً وهو يقول بنبرة حانية برغم ذلك التحذير الذي لم تخطيء في فهمه
_ هنقعد نتكلم و هـ تسمعي اللي حصل ولا هتنفعلي وتتصرفي من غير تفكير زي عادتك ؟
و قد كان هذا تحديدًا ما حدث شعرت بالغضب يتفشى في أوردتها للحد الذي لم تستطِع ردعه فهبت بانفعال
_ تقصد ايه بزي عادتي دي ؟ أنا طول عمري عقلي يوزن بلد لو كنت انت شايف غير كدا دي مشكلتك .
آخر شيء كانت تتوقعه تلك الابتسامة الرائعة التي أضاءت وجهه فبهتت ملامحها لثوان قبل أن تتحول لغضب عارم فصاحت من دون احتراز
_ أختي فين يا سالم يا وزان ؟
تفاجئت من إجابته حين قال بتسلية
_ في الحفظ و الصون يا قلب سالم الوزان .
شعرت بالغباء يُسيطر عليها للحظات من ردود أفعاله و هوى قلبها بين ذراعيها من فرط الذعر ولكنها تفاجئت به حين احتوى وجهها بين يديه التي كانت قاسيه تشبه نظراته و تتنافى مع تلك الابتسامة الهادئة فوق ملامحه وهو يقول بتحذير
_ لو صوتك علي عليا تاني هقطعلك لسانك يا فرح تمام ؟
كاد أن يُصيبها بسكتة دماغية من فرط الغضب ولكن لم يكُن ذلك أكثر ما يُشغلها فقد كانت تتلهف للإطمئنان على شقيقتها لذا قالت بلهجة أهدأ
_ جنة فين ؟
تراجع للخلف و يديه تجذبانها لتجلس على أحد الأرائك وهو بجانبها ويديه تحتوي كفوفها بحنو كان يتخلل لهجته حين قال
_ جنة عند صفوت في المنيا .
برقت عينيها من شدة الذهول الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ ايه ؟ انت بتقول ايه ؟ جنة ايه اللي يوديها هناك ؟
بدأ «سالم» في سرد ما حدث منذ أن ذهبوا للإطمئنان على «سليم» في المشفى مرورًا بما حدث بينه وبين «جنة» إلى طلبها المغادرة ثم إيصاله لها عند منزل «صفوت» ولكنه لم يذكر سوى مقتطفات من الحديث بينها و بين شقيقه.
ما أن انتهى من سرد ما حدث حتى تفاجئ من تلك التي هبت واقفه تضع يدها فوق جبهتها وهي تدور في أرجاء الغرفة كمن اصابه الجنون و العبرات تتساقط بوفرة من عينيها وهي تقول بهستيريا
_ اختي يحصل معاها كل دا وانا معرفش ؟ يعني هي دلوقتي في الحالة دي في مكان غريب مع ناس متعرفهمش ؟ وانا فين ؟ محدش يقولي ليه ؟ محدش يديني خبر ليه ؟ خلاص مبقاش ليا لازمة !
قالت جملتها الأخيرة صارخة بانفعال فقد كان مظهرها مُذريًا كما توقع تمامًا لذا نصب عوده وهو يتوجه اليها قائلًا بهدوء
_ دا كان طلب جنة انك متشوفيهاش وهي ماشية عشان متصعبيش الأمور عليها و عليكِ .
امتقع وجهها حين سمعت كلماته و تهدلت أكتافها بانهزام تجلى في نبرتها حين قالت
_ قلبها ازاي طاوعها تسبني كدا و تمشي ؟
ضاق ذرعًا من حزنها الذي كان له وقع قارصًا على قلبه فـ خاطبها بجفاء
_ ممكن تهدي شويه و تيجي تقعدي عشان نعرف نكمل كلامنا.
رغمًا عن كل شيء لم تستطِع تجاوز ذلك الألم الرهيب الذي يعصف بقلبها وهي تتخيل أن شقيقتها وحيدة وسط الناس لا تعرفهم خاصةً وهي تحمل كل تلك الجراح بقلبها لذا تحدثت و من صبارًا نبت في جوفها
_ ليه هو حاجه تانيه انا لسه معرفهاش ؟
يعلم مدى تأثرها لذا قال بلهجة هادئة
_ جنة اختارت تبعد عشان تقدر تلملم نفسها و تهدى بعيد عن أي ضغط و أي صدام ليها مع سليم ..
عند ذكر اسم ذلك اللعين تفجر بارود غضبها فصاحت بانفعال
_ سليم دا انا هاكله بسناني لما أشوفه . يعني هو يشرب حشيش و يتنيل بستين نيلة و ييجي يرمي اللوم عليها ؟! هي ذنبها ايه ؟ بس المرة دي مش هعديهاله بالساهل يا سالم ، ولازم هاخد حق جنة من عنيه .
تبدل الغضب في لهجتها إلى بحة ألم قاتله وهي تُضيف بأسى
_ عشان هو أكتر واحد عارف هي اتعذبت ازاي ؟
أرجعت خصلات شعرها للخلف وهي تضع يدها فوق مقدمة رأسها قبل أن تضيف بحرقة
_ دي يا قلبي ملحقتش تفرح أن ربنا شفاها و خفت من مرضها .
أخذت تلوح بكفها في الهواء وهي تقول بلهجة تتضور وجعًا تناثر من عينيها أولًا
_ هقول ايه بس . اللهم لا اعتراض على قضائك يارب .
كاد الوجع أن يهزمها لولا يديه التي امتدت تجذبها بقوة لتُعيدها إلى مكانها الطبيعي الذي خلقت منه ولأجله فاستقامت أضلعه و اكتملت بوجودها فأطلق العنان لسيل حنانه بأن يغمرها كما لم يفعل من قبل فلقد شهد اليوم على أكثر لحظاتها ألمًا وضعفًا لم يحتمله و لن يسمح به فهي كانت ولازالت أمرأته القوية ، مُهرته الجامحة ، حبيبته ذات العنفوان و العزة التي لا يليق بها الانحناء خاصةً في وجوده . فشدد من احتوائها حتى فاض دمعها ليبلل مقدمة قميصه و اخترقت شهقاتها المُعذبة جدران قلبه الذي ارتج على إثرها وهو يلعن كل ما حدث و جعلها في تلك الحالة التي لن يسمح لها بأن تستمر طويلًا لذا اقترب من أذنها هامسًا
_ تعرفي لو كان الحزن دا راجل كنت قتلته و لا تنزل دمعة واحدة من دموعك يا فرح.
_ ااااااااه يا سالم ..
حاوطت خصره بذراعيها واضعه رأسها فوق قلبه و كأنها تشكو له مُر ما تمُر به و شهقاتها تتزايد فأخذ يُمرر يده فوق خصلات شعرها بحنو نثرته شفاهه فوق جبهتها المتعرقة بفعل حالتها التي كانت تغضبه بقدر ما تؤلمه لذا بعد فترة وجيزة أخرجها من بين أحضانه ثم جذب أحد المحارم الورقية ليزيل عنها آثار دمارها الهائل وهي صامته و كأنها أعلنت العصيان على جميع الأحرف التي لا تصِف مقدار حزنها .
حملها برفق يتوجه بها إلى الأريكه ليجلس وهي بين ذراعيه التي لم تُحررها إنما زادت من تشبسه بها حين توارى رأسها في تجويف عنقه بهدوء أثار جيوش غضبه الذي يُحاول قمعها بشتى الطرق فزمجر بخشونة
_ كفاية بقى يا فرح . دموعك دي بتقتلني . قولتلك أنا هحل كل حاجه ، وده وعد مني .
شددت من عناقه كرد فعل على كلماته الحانية ليُضيف بلهجة موقدة بلهيب العشق ، حازمة من رجل اعتاد على الإنتصار في جميع معاركه مع الحياة فما إن كانت تلك المرة الحرب لأجلها !
_ دا واعد من سالم الوزان يا فرحة قلبي هصلح كل حاجه عشان ارجع ضحكتك الحلوة من تاني .
تخدرت أوجاعها أمام عشقًا لم يسعها تجاوزه يومًا ولم تستطِع مقاومته أبدًا فأخذت أناملها ترسم ملامحه الخشنة التي تهيم بها فـ إن كان العشق أعلى درجات الحب فهي تعشقه فوق العشق عشقين فجميع المشاعر التي يعج بها الكون لا تليق بذلك الرجل الذي احتفظ بأكثر من نصف جاذبية العالم وجميع شهامته ومروءته
انسابت الحروف بهمس من بين ضفتي التوت خاصتها
_ انا هعمل ايه لو مكنتش انت موجود ؟
وضع قبلة دافئة في باطن كفها الذي يحتضن وجهه قبل أن يُجيب بتملك جعل حزمة من الوخزات اللذيذة تتفشى في سائر جسدها
_ أنتِ معايا و جنبي و في حضني موجود او مش موجود عشان مش هسيبك لحظة بعيدة عني بعد كدا .
سحبت قدر كبير من أنفاسه العطرة قبل ان تقول بحرقة
_ انا قلبي واجعني أوي يا سالم . مقدرش حبايبي يغيبوا عني .
قست أنامله فوق خصرها وهو يقول بخشونة
_ حبيب واحد يا فرح هانم ، و بعدين دي فرصتي عشان تبقي ليا لوحدي و استفرد بيكِ شويه .
تعلم انه يحاول تبديد حزنها و إخراجها من تلك الحالة التي تكاد تُنهيها وهي ممتنة له و كثيرًا لذا همست بخفوت
_ انا نفسي اعرف اكون ليك بكل ما فيا يا سالم . نفسي اطمن على جنة عشان اعرف افرح و اعيش معاك مرتاحين .
_ عارف ، و عشان كدا بقولك سبيها تهدى شويه و تفكر بعقل ، وعلى فكرة هي هتبدأ في جلسات العلاج النفسي الأسبوع الجاي . خليها تمشيها صح من الأول يا فرح.
ودت لو تكُن بجانبها كي تُمسِك بيدها و تحتضنها فقط ولكنها لم تستطِع الإفصاح عن تلك الأمنية التي تبلورت في عينيها الضائعة فتابع «سالم» بخشونة
_ أول ما تحتاجلك هتيجي جري عليكِ ، وبعدين انتوا هتتكلموا في التليفون اكيد . مالوش لزوم النكد يا فرح هانم .
برقت عينيها و تبددت نظراتها الى أخرى ساخطة وهي تقوم بحنق
_ انا نكديه يا سالم ؟
«سالم» بعبث
_ نكديه قمر .
أضاءت وجهها ابتسامة عذبة فهتف قائلًا
_ أخيرًا . بقولك ايه يا فرح بلاش تقعدي مع سما كتير.
كلماته نجحت في جعل الضحكة تشق جدار الحزن الذي يُحيط بها فاقترب منها حتى تعانقت أنفاسهم وهو يقول بهمس خشن
_ ماتيجي نروح اوضتنا عشان اعرف أصبح عليكِ بدل الصباح الغبرة دا ؟
«فرح» بصدمة
_ صباح غبرة ؟ انا صباحي غبرة يا سالم ؟
لم يفلح في قمع ضحكاته التي تردد صداها في الأرجاء ثم قال يمازحها
_ الصراحة يا فرح الوش الخشب دا و العياط و الشحتفة اللي كانوا من شويه دول مش هياكلوا معايا . انا راجل بكره النكد قد عنيا.
اشتعلت غاباتها الخضراء و قامت بلكزه في كتفه وهي تقول بحنق
_ والله انا كدا بقى لو كان عاجب سيادتك ؟
«سالم» بعبث
_ ما قولتلك من حسن حظك أن كل حالاتك بتعجبني .
غافلتها الابتسامة و لونت ثغرها الشهي فاقترب يقتطفها من فوق شفاهها بشغف أضرم نيران العشق بسائر جسدها الذي احتواه بين يديه ليحملها متوجهاً الى غرفتهم ينوي أن يُبدد هذا الحزن الساكن في عينيها بشتى الطرُق
★★★★★★★★
_ هو ازاي قادر يكون وحش كدا يا ماما ؟
هكذا تحدثت« شيرين» من بين نهنهاتها المتقطعة حزنًا و و ألمًا على صديقتها التي قُتلت غدرًا بفعل رجل لم يحمل من الابوة بقلبه و لو مثقال ذرة واحدة
ربتت «همت» على ظهرها بحنو وهي تحتويها بين ذراعيها تحاول مواساتها قدر الإمكان و التخفيف عنها لذا قالت بأسى
_ طول عمره كدا يا بنتي . معندوش قلب ولا يعرف معنى الرحمة.
رفعت «شيرين» رأسها تطالعها بلوعه تجلت في نبرتها حين قالت
_ بس احنا بناته . ازاي يقدر يعمل فينا كدا ؟ حتى لو وحش مع الناس كلها احنا لا .
ارتسمت ابتسامة ساخرة على ملامح «همت» التي قالت بمرارة
_ بناته ! طول عمره بيعتبر نفسه حظه وحش عشان مخلفش ولاد ، واني مش ست زي كل الستات عشان مقدرتش اجبله الولد .
«شيرين» بغضب
_ بس هو مش اول ولا اخر واحد يكون خلفته بنات .
«همت» بأسى
_ الكلام دا للناس اللي عندها ضمير. انما دا طول عمره منزوع الضمير و الإحساس . تفتكري لما سما كانت عندها سنة كنتِ أنتِ حوالي خمس سنين وقتها قالولي أنتِ بترضعي و عمرك ما هتحملي فمخدتش احتياطاتي بس للأسف حملت
تقاذفت الدمع من مقلتيها وهي تروح حكاية وجعها الموشوم بقلبها يأبى الرحيل
_ تعرفي أنه بهدل الدنيا ، و قعد يدعي يارب لو اللي في بطنك بنت تموت
أجهشت في بكاء مرير وهي تُتابع بقهر
_ و فعلا اتولدت ميتة . تخيلي كان بيدعي على ضناه لمجرد أنه خايف لتبقى بنت . دا ميتسماش أب اصلا . حقكوا عليا يا بنتي اني اختارت لكوا راجل زي دا . حقكوا عليا ..
كان الأمر مُريعًا للحد الذي لا يحتمل الكلام فاندفعت «شيرين» إلى داخل أحضانها تنتحب بحرقة تكاد تخلع قلبها من مكانه.
★★★★★★★★★
_ خلصت بدري يعني ؟
هكذا تحدث «جرير» إلى «حازم» الذي كان يعمل بملامح واجمة منذ آخر حديث بينهم فلم يلتفت له إنما قال بجفاء
_ لو عايز حاجه تانيه قول من غير ما تكتر في الكلام
تفاجأ حين قهقه «جرير» بصخب جعل الغضب يتفشى في أوردته ولكنه قمعه وهو يتوجه إلى تلك الصخرة التي دائمًا ما يجلس عليها منذ أن قدم إلى هذا المكان
_ متقوليش انك مخاصمني من آخر كلام بينا ؟
يحاول استفزازه وقد نجح في ذلك حين التفت «حازم» يصرخ غاضبًا
_ بقولك ايه مش عايز استفزاز . ملكش دعوة بيا و غور شوف انت وراك ايه ؟
لم يتوقع أن تتبدل ملامحه إلى تلك الدرجة المخيفة فأخذ «جرير» يتقدم منه بخطٍ وئيدة وعينيه تطلقان أعيرة نارية جعلت الذعر يتفشى بـ أوردته و خاصةً حين قال بقسوة
_ اياك تفكِر تجِل عجلك و تغلط مع چرير ولد الشيخ مصطفى الهلالي و ألا بقطع خبرك من هالدنيا
كان يعلم بأنه لا مجال للمقارنة بينهم من حيث القوة البدنية فالمرة السابقة حين تمكن من ضربه كان عندما غافله و بالرغم من ذلك لم يستطِع قمع غضبه و ثارت حميته و كبريائه الكاذب و صاح بدون احتراز
_ اغلط فيك و في اللي يتشددلك كمان
لم يستطِع اكمال جملته حيث نالت منه قبضة «جرير» التي أطاحت به للخلف عدة خطوات و جاء بعدها صوته المُرعِب حين قال
_ بجطع لسانك جبل ما تكمل يا تافه يا حقير . مبجاش غير التافهين اللي شبهك يچبوا سيرة أسيادهم من الرچال ؟
لم يحتمل تلك الإهانة فصاح بعنف وهو يتألم من تلك الضربة الموجعة
_ اخرس انا حازم الوزان . متخلقش اللي يكون سيدي . انا سيد الناس كلها.
«جرير» بتهكم يُنافي غضبه منذ لحظات
_ قصدك حازم التافة العار على عيلته . صحيح عيلتك أسياد جومهم بس دا عشان همَ رچال اما انت أحقر ما فيهم عيل صغير بيتباهى باسم عيلته اللي هو مرمغه في الوحل
كان يعلم كيف ينال من كبرياؤه و يضعه في مواجهة ضارية مع أخطاءه فلا يستطِع نُكرانها ولا تبريرها فقط صمت قاتل يكاد أن يطحن عظامه من فرط الغضب ولا يملك من الكلمات ما قد ينقذ به ماء وجهه
_ شوف جسمك عامل ازاي ؟ دا منظر شاب في سنك . فين الحيوية و القوة ؟ اني عمري ضعف عمرك و بطيرك بصباع رجلي . اوعى تفكر انك لما تضرب غدر تبقى انتصرت ! لا الانتصار الحقيقي لما تبقى عينك في عين خصمك و تهزمه . زي مانا عملت فيك بضربة واحدة دلوقتي..
تجاوز الأمر حدود احتماله فصاح بعنف
_ انت عايز مني ايه ؟ ابعد عني .. ملكش دعوة بيا . انا ههرب من هنا و مش هرجعلهم تاني . لو هما مش عايزيني انا كمان مش عايزهم .
«جرير» بسخرية
_ وماله اهرب ، وانا مستعد اهربك . بس لما كلاب السكك تنهش في لحمك بره متبقاش تقول فين عيلتي ؟
كان يود الصُراخ حتى تنقطع أحبالة الصوتيه كل هذا الثُقل يكاد يُجهز عليه و لأول مرة بحياته يشعر برغبة مُلحة في البُكاء فصار يركض و يركض و عينيه تذرفان عبرات لا يعرف كنهها فقط يشعر بأنها ربما تُريحه قليلًا و أخيرًا توقف بمكان بعيد عن ذلك البغيض و أخذ يصرُخ و عبراته تنهمر بغزارة تبتلعها رمال الصحراء و تمحو أثرها و كأنها أمرًا ليس له قيمة كما هو صاحبها .
★★★★★★★★★
الهرب ليس سيئًا في بعض الأحيان، فحين يكون الواقع مؤلم للحد الذي يُشعِرك بأن العالم كله لا يتسع لشخص مثلك فحينها يُمكنك الهرب دون أن تهتم ما إن وصفك أحدهم بأنك جبان، ولكن الأهم من ذلك هو إلى أين يمكنك الهرب؟ وأنت منبوذ من أقرب الأماكن إلى قلبك.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
يحدُث أن تشعُر بأن كل ما بك ينزف ألمًا بينما أنت صامت هاديء على غير المعتاد ينخر الوجع بداخلك يتآزر مع الشوق ضدك يساندهمَ حنين للحظة دفء واحدة تحياها بقربه ليتشكل مثلث هائل من الشعور القادر على إخماد تلك الروح للأبد ولكنها مازالت تعاند وكأن الألم بات جزءً لا يتجزأ من حياتها .
زفرت بتعب وهي تغمض عينيها بقوة تحاول إخماد ثورة عبراتها التي تُهدد بعصيان قد لا يحتمله جسدها الضئيل فهبت من مكانها متوجهة إلى المرحاض و ما هي دقائق الا و خرجت تتجه بقلبها الى الرحمن الرحيم بعباده و الذي لا يرُد من دعاه ولو كان مُثقلًا بالذنوب ارتدت ثوب الصلاة و شرعت في أدائها و على حين غرة غافلتها بعض العبرات الهاربة حين همست وهي ساجدة
_ ربي إني مسني الضر وانت ارحم الراحمين.
أخذت تُكرر ذلك الدعاء و قلبها يتضرع الله خالقها بأن ينتهي كل هذا الوجع وتلك المعاناة ثم أنهت صلاتها و هي تحاول محاربة طيف الذكريات التي تهاجمها بشراسة تُذكرها ذات يوم حين كان يختتم صلاته فوق أناملها . كم كانت تلك الذكرى مؤلمة بقدر روعتها ؟
أنقذها طرقات على باب الغرفة من انهيار عظيم لم تكن في حالة جسدية تسمح به ، فلملمت سجادة الصلاة و خلعت ثوبها ثم توجهت لرؤيه من الطارق فوجدتها «نجمة» التي كانت ابتسامتها مشرقة صافية للحد الذي جعل أخرى هادئة ترتسم على شفتي «جنة» وهي تقول بهدوء
_ تعالي يا نجمة اتفضلي
«نجمة» بود
_ لجيت نفسي جاعده لحالي جولت أچي أجعد معاكِ لو مكنش يضايجك يعني ؟
«جنة» بابتسامة هادئة
_ لا طبعًا ميضايقنيش . اتفضلي
دلفت «نجمة» إلى الداخل و جلست فوق الأريكة لتبادر بالحديث بعفوية حين تربعت «جنة» على المقعد أمامها
_ انتِ كويسة ؟
حاولت تجاهل غصة قلبها و قالت بهدوء
_ هكون كويسة بإذن الله.
_ بإذن الله. عارفة يا چنة . اني چه عليا وجت كنت بجول أني عايشه ليه ؟ عايشة عشان اتعذب وبس ؟ كنت مفكرة أن كل الأسى و الحِزن اللي في الدنيا في جلبي وانا عايشة مع ناس اني مش بتهم ، وحاسه اني عاله عليهم بخاف اكل بخاف اشرب . مكنتش اجول اني عايزة لبس چديد غير لما اللي عليا ميبجاش فيه مكان يترجع
( يترقع) فيه تاني . حتى لما كبرت و اشتغلت و بجيت امسك جرش . كنت بحس أنه مش من حجي ولا ملكي . كنت اديه لأمي طوالي ، و كأني بسدد تمن أكلي و شربي السنين اللي فاتت .
صمتت لثوان تحاول تجاوز ألم دفين لايزال ينبض بالوجع داخل صدرها ثم أردفت بلوعة
_ لما جعدوني من المدرسة كنت بخاف ابكي عشان أما متضربنيش. بس كنت ببكي كتير لحالي . تعرفي اني عمري ما كنت بتكلم مع حد ولا كان ليا أصحاب حتى أنه نچيبة كانت جاسية و شديدة كنت بخاف اجرب منيها. كان بييچي عليا وجت أتمنى اترمي على كتف حد و ابكي لحد ما ينجطع نفسي بس حتى دي أمنية كانت مستحيلة.
كفكفت عبراتها الهاربة تأثرًا بذكريات مريرة تأبى مفارقتها ثم أضافت بتهكم
_ كل ده ميچيش حاچه في اللي شفته في بيت چدك . و خصوصي من عمار بيه.
كانت «جنة» تتألم حد البكاء تعاطفاً مع حالة «نجمة» ولكنها توقفت عند ذكرها أمر «عمار» فقالت باستفهام
_ تقصدي ايه ؟ هو مش عمار خطيبك ؟
_ أيوا خطيبي . بس محدش سجاني المر كده .
«جنة» باستفهام
_ ازاي ؟
شرعت «نجمة» في سرد ما حدث بينها و بين «عمار» مرورًا بحادثه ظلمها مع المدعو «مرعى» الى ما حدث بعد ذلك ثم حادثة اختطافها إلى أن وصلت لأمر خطوبتها إلى «عمار» بعد كل ذلك العناء فتوسعت عيني «جنة» من كلمات «نجمة» و قالت باندهاش
_ و قدرتي تسامحيه و تغفريله ؟
«نجمة» بصدق
_ ايوا . عارفة ليه ؟ عشان متوكدة أن اللي چواته ليه جادر ينسيني كل المُر الي شوفته ، و عشان اني متمنتش في حياتي جد واحد يحبني و يحاوط عليا . جوم ربنا عوضني و خلاني أرچع لأهلي بعد كل السنين دي و چة هو و رفع راسي في البلد كلاتها . سامحته و سامحت الدنيا على كل اللي عملته فيا و فتحت صفحة چديدة مع الحياة و متوكدة و أن ربنا هيعيني و هنسى كل الوحش دا
صمت لثوان قبل أن تقول بلهجة هادئة
_ اني كنت راضيه بالمُر يا چنة يبجى مش هرضى لما ربنا يعوضني بـ كل الحاچات الحلوة دي ؟
اخترقت كلماتها اعماق «جنة» التي تأثرت بكلماتها و شعرت بأنها إجابة على توسلاتها وهي بين يدي خالقها فهمست باستفهام
_ طب وبتعملي ايه لمَ الذكريات تصحى و تصحي وجعها في قلبك ؟
«نجمة» بنبرة ذات مغزى
_ بقاومها ، و مبسبهاش تهزمني أبدًا . بروح اترمي في حضن امي و ابوي و أحمد ربنا اني بجيت وسطيهم ، ببص حواليا و أشوف الهنا اللي انا عايشه فيه . و اجول اللهم ديمها نعمة و احفظها من الزوال . لازم الإنسان ينتصر في معاركه مع الحياة يا جنة ، اوعاكِ تستسلمي للوچع هيجتلك ، ولا للذكريات المُره هتمرر عيشتك . بصي لكل حاجه حلوة عِندك و احمدي ربنا و هو جادر يمحي أي وچع من جلبك .
رغمًا عنها اندفعت «جنة» من مكانها تعانق «نجمة» بقوة فقد كانت تلك الفتاة الجاهلة بوصلتها للنجاة من براثن تلك العواصف و الأعاصير التي كانت تتقاذف سفينتها حتى كادت أن تحطمها ولكنها الآن بدأت تعرف أي طريق النجاة عليها أن تسلُك .
شددت «نجمة» من احتضانها وهي تقول بحبور
_ وه . حوصول ايه ؟ كني اتوحشتك ولا اي ؟
«جنة» بتأثر وهي تبتعد عنها
_ أنتِ من غير ما تحسي طبطبتي على قلبي و نورتيلي بصيرتي . انا من هنا ورايح مش هبص عاللي فات هبص عالحلو اللي في ايدي ، هاخد محمود و فرح في حضني و هحمد ربنا على كل حاجه .
«نجمة» باندفاع
_ محمود و فرح بس ؟ طب و المعفور سليم ؟ نستيه اياك ؟
أخفضت «جنة» رأسها وهي تقول بأسى
_ منستوش ولا عمري هقدر بس انا كنت عبأ كبير عليه لحد لما تعب و مبقاش قادر يتحمله.
أخفضت رأسها وهي تُتابع بلوعة
_ عنده حق . انا تعبته اوي . كفاية عليه كدا .
«نجمة» بتأثر
_ الله بجى دا أنتِ تحكيلي ايه اللي حوصول و خلاكِ تجولي أكده ؟
اومأت «جنة» قبل أن تشرع في سرد ما حدث بينها و بين «سليم» إلى أن انهت حديثها بزفرة قوية وهي ترفع رأسها تحاول إعادة العبرات إلى مقلتيها من جديد فتأثرت «نجمة» من حالتها وقالت تحاول تخفيف وطأة الأمر عليها
_ شوفي اني مشوفتش سليم ده غير مرتين اتنين بس ، و في المرتين كان متعصب و عنيه حمرا شبه العفاريت بس أن چيتي للحج اني بسمع عنه أنه راچل و راچل چوي و إن كانت البت دي اتجتلت بسببه فهو معذور أنه يتجهر ، و معلش طلع غضبه و زعله عليكِ لكن من حديتك واضح أنه بيحبك جوي يبجى له عندِكِ رباية وبس .
تنبهت «جنة» لكلماتها الأخيرة فقالت باستفهام
_ ايه يعني ايه له عندي رباية ؟
«نجمة» بحماس
_ ايوا تربيه و توريه النجوم في عز الضهر ، وتخليه يجول حجي برجابتي و بعد أكده هياچي يطلب منك تسامحيه.
«جنة» باندهاش
_ يخربيتك ايه الكلام الكبير دا ؟ طب و دا يحصل ازاي؟
_ لاه دي شغلة البيك بوص . أمي سهام . فظيعة في المؤتمرات مخليه ابويا صفوت يا جلب امه بيلف حوالين نفسه كيف اللي تاه املة في الدنيا . احنا نجولها وهي تجولنا نعمل ايه ؟
★★★★★★★★★
_ خير يا سالم جمعتنا ليه ؟
هكذا تحدث «سليم» بجفاء قابلة الجمود من قِبل« سالم» الذي قال دون ان ينظر إليه
_ وقت التنفيذ جه .
التفت الرجال الثلاثة يناظرونه بتحفز قبل أن يقول «طارق» باستفهام
_ يعني خلاص هسافر ؟
«سالم» بجفاء
_ هتسافروا . هتاخده معاك
قال جملته الأخيرة وهو يشير إلى «سليم» الذي قال بفظاظة
_ من غير ما تقول أنا كنت ناوي اصلا اسافر معاه .
تدخل «مروان» لأول مرة في الحديث قائلًا بمزاح
_ طب ما تبعت عمتك معاهم يمكن يحبوا ينفذوا عملية انتحارية ولا حاجه ؟
لم يفلح «سالم» في قمع تلك الابتسامة البسيطة التي لونت محياه فاندفع «طارق» يقول بصرامة
_ هكتب كتابي على شيرين قبل ما اسافر .
«سالم» بتهكم
_ مفروض انك مسافر كمان يومين !
«طارق» بتصميم
_ و ايه المشكلة ؟ المأذون و الشهود و أنا وهي موجودين .
تدخل «سليم» ساخطًا
_ انت شايف ان دا وقت تفاتحها فيه في موضوع زي دا ؟
«طارق» بحدة
_ والله انا مقولتش هعمل فرح و لا هجيب رقاصات بقول كتب كتاب .
تحدث «مروان» بتهكم
_ سيبه خليه يطلع يقولها الكلمتين دول . خليها تحدفه بالأبچورة في وشه و تريحنا منه .
تحدث «سالم» أخيرًا بلا مبالاة
_ قدامك عمتك و بنتها اتكلم معاهم انا معنديش مانع
خفف «طارق» من لهجته حين قال
_ شيرين تبعي انما عمتك هحتاج مساعدتك عشان تقنعها يا سالم .
«سالم» بتفكير
_ دي مش مضمونه يا طارق بس اوعدك هحاول
زمجر «طارق» غاضبًا
_ ماهو انا لازم اكتب كتابي قبل ما اسافر مش همشي من هنا غير وهي مراتي
تدخل« مروان» ساخطًا
_ ملهوف على كتب الكتاب ليه كدا ياخويا ؟ عايز تكتب كتابك ليه يا صايع يا ضايع ادي دقني أن نفعت .
نهره «طارق» بجفاء
_ اتلم يا منحوس انت و اركن بخيبتك على جنب .
«مروان» بسخط
_ ماشي يا عم عبدة ياللي مقطع السمكة و ديلها أن شاء الله عمتك هتقصقصلك ديلك وخياشيمك و احتمال تقطع خلفك كمان .
_ انا ماشي
زفر «سليم» بنفاذ صبر و نصب عوده قاصدًا المغادرة فأوقفته كلمات «سالم» الحادة
_ استنى عشان عايزك .
تفهم الأخوان ما يرمي إليه« سالم» فتوجها إلى الباب قبل أن يلتفت «مروان» إلى «سالم» قائلًا بحنق
_ انا لو منك ادور فيه الضرب .
نظرة قاتله من «سليم» جعلته يهرول إلى الخارج فجلس الأخير بـ معقعده مرة أخرى وهو يقول حانقًا
_ نعم يا سالم ؟
«سالم» بقسوة
_ انت عرفت أن ناجي كان بيهدد جنة ؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)