روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الرابع والعشرون

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الرابع والعشرون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الرابعة والعشرون

كان الرد قاسي وغاضب من إخلاص بعد عبارة ابنتها الأخيرة:
_راچعة كيف يعني؟!
فريال بثبات انفعالي تام:
_كيف ما سمعتي ياما هرچع بيتي ولعيالي
صاحت بها إخلاص منفعلة ورفض قاطع:
_معدش بيتك يافريال خلاص هتطلقي منه وبعدين هترچعي تعيشي مع ضرتك في بيت واحد ولا هتقعدي مع چوزك اللي اتچوز عليكي
التفتت تجاه أمها وحدقتها بنظرة مطولة رغم مرارتها إلا أنها كانت مفعمة بالقوة.. لتجيبها بالأخير بروح ممزقة:
_أنا مش راچعة عشانه ياما لو هرچع يبقى عشان عيالي وعشان اخليه يندم على اللي عمله فيا.. مش قاعدة إهنه واسيب مرته الحية دي تقعد مع عيالي
اقتربت إخلاص منها وحاوطتها بذراعيها من كتفيها تقول وهي تنظر في عيناها بقوة:
_عيالك .. أخوكي وأبوكي هيرجعهملك وهياخدوهم من چلال غصب عنه
أبعدت يد أمها عنها وزفرت بخنق وهي تتأفف لتجيبها برجاء وقهر:
_ياما أبوس يدك سبيني اعمل اللي عاوزاه متقلقيش أنا مش هرچع لچلال أبدًا ورايحة البيت عشان اخد حقي منه هو والحرباية التانية مرته وبعدين هخليه يطلقني.. صدقيني أنا معدتش فريال القديمة خلاص والمرة دي راچعة اخد حقي من الكل وأولهم من چليلة
هزت إخلاص رأسها بالرفض وقالت محاولة تغيير قرارها:
_يابتي أنتي مش قد چليلة ولا منيرة وأنا اخاف عليكي منهم اسمعي الكلام وخلصي نفسك من وچع القلب ده واطلقي منه
رمقتها فريال متوسلة وبعينان دامعة كلها يأس وألم فتنهدت إخلاص بقلة حيلة وزمت شفتيها ثم هدرت بحدة بعدما أعلنت خضوعها أمام رغبة ابنتها:
_طب اعتبريني وافقت فكرك أبوكي وأخوكي هيوافقوا
فريال مبتسمة بأمل:
_سبيلي عمران أنا هقدر اقنعه بس انتي ساعديني واقنعي أبويا
تأففت إخلاص بنفاذ صبر وراحت تهز رأسها في انزعاج بينما تلقي بنظرات جانبية كلها ضيق على ابنتها العنيدة.. ليست راضية عن قرارها أبدًا ولكن هناك جانب منها يريدها أن تأخذ حقها وتثأر من حماتها وزوجها وهذا هو ما دفعها لمجارتها والاستسلام لرغبتها.
***
كان الهدوء والسكون التام يملأ الغرفة مع ضوء الشمس الضعيف المنعكس من خلف الستائر وهم مازالوا على نفس وضعية نومهم منذ أمس.. هو نائم وهي داخل قوقعته بين ذراعيه نائمة أيضًا، لم يوقظهم سوى طرق الباب القوي بعدة طرقات متتالية.. ففتح عمران عينيه دفعة واحدة والأخرى فتحتهم مفزوعة وكان أول ما يقع نظرها عليه هو، لتجد نفسها محتجزة داخل صدره الواسع وذراعيه القوية، فغرت عيناها بصدمة وبلحظة كانت تثب جالسة منتفضة بعيدًا عنه وهي تهتف:
_إيه ده أنا كيف چيت في حضنك؟!
لم يكترث لها وتجاهل سؤالها فكان طرق الباب المزعج هو شاغله الأكبر الآن.. رفع يده يمسح على وجهه متأففًا ثم اعتدل جالسًا ونهض من الفراش ليتجه نحو الباب ويفتح فيجد أمه أمامه، زفر بصوت عالي وقال بضيق ملحوظ:
_خير ياما.. في حد بيخبط إكده؟!
قالت إخلاص بحزم وهي تحاول إلقاء نظرة للداخل فرأت آسيا تجلس فوق الفراش وترفع يدها تعود بخصلات شعرها خلف أذنها وآثار الخمول بادية فوق قسماتها كابنها تمامًا:
_أبوك وبشار بيرنوا عليك ياولدي عاوزينك في المخزن ضروري وأنت مبتردش أعمل إيه يعني.. انا چهزتلك الفطار عشان تفطر قبل ما تطلع وصحي ست الحسن مرتك دي هو في حريم بتقعد نايمة لدلوك
كانت آسيا تسمع ما تقوله عنها ورغم غيظها إلا أنها فضلّت تجاهلها وعدم الانشغال بتلك المرأة الآن، وحين سقط نظرها على الوسائد الملقية على الأرض رفعت حاجبها بنظرة لا تبشر بالخير ثم نظرت لزوجها الذي انهى حديثه مع أمه وأغلق الباب واستدار يعود نحو الفراش لكي يلتقط هاتفه، رمقته بغيظ وراحت تقف على ركبتيها فوق الفراش وتنظر له بقوة تسأله:
_شيلت المخدات ليه؟!
لم يجيبها وانشغل بهاتفه يبحث عن رقم والده ليجري اتصال به، فاقتربت منه أكثر وهي مازالت على نفس وضعها وهتفت مغتاظة من تجاهله لها:
_عمران أنا بكلمك!!
نظر لها بعين منذرة ولهجة رجولية صارمة:
_أنتي شيفاني مش فاضي.. مش هسيب اللي في يدي والشغل وارد اقولك كنتي في حضني كيف.. مش وقته يا آسيا
طالت نظرتها المشتعلة له وظلت تتابعه حتى وجدته يرفع الهاتف ويضعه فوق أذنه يرد على والده ثم ابتعد بخطواته عنها يخرج للشرفة ليتحدث.. قالت ببسمة ماكرة:
_مش فاضي ولا بتتهرب.. ماشي ياعمران
نهضت من الفراش واتجهت للحمام لتأخذ حمامًا صباحي ينعش جسدها بعدما أخرجت ملابس نظيفة لها من الخزانة.
بعد مرور وقت طويل نسبيًا خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها فوجدته يشرع في ارتداء ملابسه، لم تلتفت له وكأنها لا تعيره اهتمام ثم اقتربت من المرآة ووقفت أمامها تبدأ في تسريح شعرها ورغمًا عنها بين كل لحظة والآخرى كانت تنظر لانعكاسه في المرآة خلفها بنظرات مغتاظة ومنزعجة منه، رأى ما تفعله وفهم الإشارات المنزعجة التي ترسلها بنظراتها كلما تختلس النظر له.. ودون أن يشعر ابتسم عليها رغم غضبه بسبب مشاكل العمل التي سيذهب ليحلها الآن مع أبيه وابن عمه لكنها نجحت بأبسط الطرق في امتصاص القليل من طاقته السلبية وجعلته يبادلها النظرات في انعكاس المرآة لكن بأخرى خبيثة، انتهي من ارتداء جلبابه ووضع عباءته البنية فوق ذراعيه ليتقدم منها بخطوات متريثة وأعين ثاقبة بعدما وجدها تحاول ارتداء قلادة في رقبتها وتفشل في غلقها.
وقف خلف ظهرها مباشرة وانزل يدها بلطف ليتلقط هو القلادة منها ويساعدها في ارتداءها وسط همسه الماكر وهو يلقي بحجر النرد الخاص به:
_أنتي اللي دخلتي في حضني امبارح أنا مقربتش منك
تطلعت له في المرآة بعينان متسعة ولم تمتلك الجرأة لتكذب ما يدعيه فهي تعرف نفسها ولا تستبعد أنها تفعلها حقًا، لكن ما أثار غيظها هو تعمده بكل مرة أن يذكرها أنها هي العالقة بمداره ولا تستطيع التحكم بزمام قلبها أمامه.
حين حصل على ردها بالصمت والاضطراب زادت ابتسامته اتساعًا وراح يلف ذراعه حولها من الأمام ويرفع يده لقلادتها التي كانت منحوتة بشكل غزال يمسكها بين أنامله وينقل نظره بين القلادة وبين عيناها الواسعة التي تشبه عيني الغزال تمامًا، ثم همس بنبرة جعلت القشعريرة تسري بجسدها كله والحمرة تصعد لوجنتيها:
_حلوة السلسلة دي.. تشبه عيونك
سحب يده ببطء تاركًا قلادتها وعيناه مازالت تنظر بنفس الطريقة المربكة، وكانت العبارة السابقة آخر ما تفوه بها قبل أن يستدير وينصرف ليتركها متصلبة بأرضها كالصنم، كل شيء تداخل مع بعضه بلحظة واحدة ولم تعد تعرف عن ماذا تتساءل هل عن حقيقة نومها بين ذراعيه بكامل إرادتها بالأمس أم عن تصرفه الغريب ونظراته أم عن عبارته الأخيرة التي لا تفهمها!.. كل هذا كان بنفس اللحظة التي هي كانت تحاول فيها لملمة بعثرة نفسها والتحكم بأعصابها وخجلها، وبالأخير أمسكت بالقلادة ترفعها تنظر لها في المرآة تستعيد اعترافه أنها تشبه عينيه وبعد تركيز دام للحظات في شكل الغزال فهمت مقصده، دققت النظر بعيناها بتشتت محاولة إيجاد الشبه كما يقول وبالنهاية صعدت البسمة الرقيقة والخجلة فوق ثغرها…
***
انتهت آسيا من ارتداء ملابسها وخرجت من غرفتها لتنزل الدرج تقصد الطابق الأرضي، فور وصولها رأت زوجها وهو يتناول فطوره.. تقدمت نحوهم وجلست على مقعد قريب منه وظلت تتابع حديثه مع أمه بصمت لكن قطع ذلك الحديث وصول منى التي اقتربت وجلست من إخلاص ثم راحت تلقي تحية الصباح على عمران ليرد هو عليه بنبرة طبيعية، بدأت تتبادل معهم أطراف الحديث بكل تبجح وكأنها لم تكذب عليهم منذ يومين متدعية أن آسيا هي من دفعتها، رغم أن عمران كان لا يطيق وجودها ولا التحدث معها لكنه سايرها بالحديث فقط ليرى ردة فعل آسيا التي كانت تمثل عدم الاكتراث باحترافية وتستمر بتجاهل ما يحدث وكأنها لا تسمع شيء ولا يعنيها من الأساس.
ربما لا تحسب عدد المرات التي أثارت فيها غضبه بتجاهله له ولكن الآن يمكنها أن تضيف رقم جديد بعد أن رأت تبدل ملامح وجهه للانزعاج.. فانهى طعامه وهب وافقًا يتجه للحمام ليغسل يديه بينما منى فتوقفت وقالت لإخلاص:
_أنا هطلع يامرت خالي هطمن على صحبتي اللي في المستشفى وراجعة علطول
هزت إخلاص رأسها بالموافقة بينما الأخرى فاندفعت نحو باب المنزل وغادرت.. كانت آسيا تتابع الود بين حماتها ومنى بنظرات مظلمة لكن وصول عفاف قلب الحرب الباردة لأخرى مشتعلة، حيث اقتربت منهم وجلست على مقعد متوسط بينهم وراحت توجه حديثها لآسيا بنظرات لئيمة تضمر الحقد:
_كيفك يا آسيا
لم تجيبها آسيا واكتفت بنظراتها المشمئزة إليها بينما الأخرى فلم تبالي وأكملت محاولة إشعال نيران غضبها:
_معقول كنتي قاعدة مع منى في نفس المكان بعد اللي عملته معاكي.. رغم إني الصراحة مستبعدش إنك تعملي فيها إكده صُح؟
طالت نظرة آسيا الشيطانية لها قبل أن تميل بجسدها قليلًا للأمام في جلستها وتنظر في عيناها بطريقة مرعبة وسط همسها الغريب:
_ليه شيفاني قتالة قُتلة ولا شيطان بيحرض على القتل
كانت تلقي بتلميحات خطيرة جعلت من عفاف رغم اضطرابها تشتعل بالغضب لكنها حاولت تمالك أنفعالاتها وعدم إظهار شيء أمام إخلاص التي كانت تتابع حديثهم بشك.
هتفت عفاف مبتسمة بخبث:
_أنا لو منك مسبهاش تقعد إهنه ولا تقرب من چوزي احسن تخطفه مني
على عكس المتوقع ابتسمت آسيا بسخرية وراحت تنظر لإخلاص التي بدأت تتحول نظراتها للغل لعفاف، فعادت بوجهها نحو عفاف وسألتها بتصنع الجهل وعدم الفهم:
_تخطفه كيف يعني.. ممكن تعمل إيه؟!
ضحكت عفاف وردت بخبث وهي تهز كتفيها بجهل:
_معرفش كيف.. أنا قولت اوعيكي بس عشان شكلك مش حاسة بحاچة
عادت آسيا تلقي نظرة على حماتها المشتعلة وتعود بنظرها لعفاف لتنظر لها مبتسمة وتقول بمكر:
_لا كيف متعرفيش.. لما أنتي متعرفيش أمال مين يعرف.. هو انتي مش خطفتي ابراهيم من مرته وعياله برضوا تبقي أكيد عارفة الطرق دي!
تجمدت الدماء في وجه عفاف وأظلمت عيناها ووجهها كله تحول للون الأحمر من فرط الغيظ بالأخص عندما انتقلت بنظرها لإخلاص ورأتها تبتسم بتشفي، لم تستطع التحكم بزمام أعصابها ووثبت واقفة تندفع نحو آسيا تنوي صفعها على وجنتها.
بتلك اللحظة كان عمران بطريقه لخارج المنزل ليذهب للعمل لكن أوقفه منظر زوجة والده وهي تهم برفع يدها لتصفع زوجته، احتدمت نظرته وبلحظة كان يهتف بصوته الرجولي قبل أن تهوي يدها فوق وجنة آسيا:
_بتعملي إيه!
توقفت يد عفاف بالهواء والتفتت برأسها للخلف وفور رؤيتها لعمران أنزلت يدها ببطء مجبرة وسط نظراتها النارية لآسيا، ثم هتفت بعصبية:
_مرتك لسانها طويل ياعمران ومعدتش عارفة تلمه وبتغلط في الكل من غير حسبان
اقترب منهم بخطواته القوية ليوجه حديثه الحازم لزوجة والده باستياء:
_لما تغلط أنا موچود واعرفها غلطها.. مش ترفعي يدك عليها
توقفت آسيا وتحركت نحو زوجها تقف بجواره شبه ملتصقة به تحتمي به حتى لو كانت لا تحتاج للحماية لكن وجوده يمدها بالقوة، وكانت تنظر لعفاف وثغرها يميل ببسمة شيطانية كلها تشفي ونصر
بينما هو فتابع بلهجة تحذيرية:
_االي هيفكر يرفع يده عليها في وچودي أو غيابي ميلومش غير روحه بعدين
بالعادة لم تكن لتسكت أبدًا على طريقة ابن زوجها في الحديث معها وبلهجة تحذير لكن نظرات آسيا المتشفية وهي تتحداها أن تجيب أو تحاول الاقتراب منها مجددًا، حتى إخلاص رغم كرهها لزوجة ابنها إلا أنها كانت مستمتعة بما يحدث وتنظر لها بنفس النظرة المستقرة في عين آسيا، مما جعلها تفقد جرأتها في التحدث والدفاع عن نفسها والتزمت الصمت.
تطلع عمران لآسيا بنظرة منذرة تخبرها بوضوح أنه سيتصرف معاها لاحقًا ليس الآن واكتفي فقط بصوته الرجولي الغليظ والمرعب وهو يأمرها:
_اطلعي فوق يلا ومتنزليش من اوضتك لغاية ما ارجع
لم تكترث بأسلوبه القاسي ولا غضبه فيكفيها ما فعله منذ قليل ومهما فعل لن يستطيع أن يزيل شعور السعادة والنصر الذي يستطونها الآن، ودون أن تجادله أو حتى تظهر أي تعبير رفض تحركت تجاه الدرج تصعد متجهة لغرفتها بينما هو فاستدار وغادر ليترك إخلاص تنظر لعفاف بكره وتقول مبتسمة باشمئزاز:
_أول مرة آسيا تقول حاچة صُح وهي إنك خطافة رچالة بس ولدي عرف يوقفك عند حدك
ثم استدارت ورحلت لتتركها وحيدة وهي تغلي كالقدر من فرط غيظها وسخطها….
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا كان كل من ابراهيم وإخلاص وأولاده بغرفة الصالون يتحدثون حول رغبة فريال في العودة لزوجها.
خرجت صيحة منفعلة من ابراهيم في رفض قاطع:
_مش هيحُصل يافريال.. لساتك عاوزة ترچعيله بعد ما أتچوز عليكي
حاولت فريال إقناع والدها برجاء:
_يابوي أنا مش راچعة عشانه والله ولساتني مصممة على الطلاق كمان أنا راجعة بس عشان عيالي هقعد هناك معاهم لغاية ما تخلص إجراءات الطلاق وبعدين هچيبهم وارچع إهنه
ابراهيم بغضب وإصرار:
_يبقى تقعدي إهنه في بيت أبوكي لغاية ما يطلقك وبعدين عيالك يچولك
تدخلت إخلاص تحاول إقناع زوجها أيضًا:
_خليها تعمل اللي عاوزاه يا ابراهيم متغصبهاش هي مش صغيرة وعارفة هي بتعمل إيه زين وقالتلك أنها راچعة عشان عيالها وهتطلق منه
نظرت فريال لشقيقها فرأته صامت يتابعهم دون التدخل فراحت تسأله بنظرات راجية:
_ساكت ليه ياعمران اتكلم ولا أنت كمان مش موافق كيف أبوي
هتف بصوته الخشن في انزعاج ملحوظ وسخرية:
_واتكلم ليه ما أنتي خلاص خدتي قرارك ومش مستنية موافقتنا ولا حاچة.. بعد اللي عمله فيكي وعاوزة ترچعيله
هبت فريال واقفة وأسرعت في خطاها لتجلس بجوار أخيها على الأريكة وتهتف بتوسل مبتسمة في دفء:
_أنت مش كنت بتقولي أنك هتقف في ضهري في أي قرار أخده واديني دلوك بقولك أثق فيا ومتقلقش أنا معدتش فريال القديمة ياعمران أنا راچعة عشان أخد حقي قبل ما اطلق
نظر لها بغضب وقال بلهجة مخيفة:
_وقولتلك أن أنا أول واحد هيقف قصادك لو فكرتي ترچعيله بعد اللي عمله يافريال كمان.. ودلوك بقولك مش هترچعيله
صاحت إخلاص بعصبية وهي تلقي بأوامرها على ابنها وحتى زوجها:
_وأنا عاوزة بتي ترچع عشان تاخد حقها منه هو وأمه.. هي مش عيلة صغيرة وهتقعد في بيتها لغاية ما چلال يطلقها.. إيه اللي يقعدها إهنه وتسيب عيالها وحديهم هناك مع مرت أبوهم عشان تبخ السم في ودانهم ولا الله اعلم تقولهم ايه ما يمكن تحاول تكرههم في أمهم والعيال عاوزين يقعدوا مع أبوهم ومش عاوزين ياچوا إهنه
دام صمت مريبة بينهم جميعهم حتى قطعته إخلاص وهي تلقي بأمرها على ابنتها:
_اطلعي يافريال لمي هدومك عشان ترچعي الصبح بيتك
نقلت آسيا نظرها بين والدها وأخيها تنتظر أن ترى إشارة الإذن منهم بالموافقة.. لكنهم لم يجيبوا وكان صمتهم دليل على موافقتهم حتى لو كانت رغمًا عنهم، فابتسمت بفرحة واستقامت وافقا ثم غادرت بينما إخلاص فتحدثت إلى ابنها وزوجها بقوة:
_أنا مش هسيب بتي إكده حابسة روحها في الأوضة ولا بتأكل ولا بتشرب من كتر قهرتها وحزنها وهي مش قادرة تعمل حاچة سبق وجربت الاحساس ده كمان.. عشان إكده لازمن ترچع وتاخد حقها وتبقى چمب عيالها
أنهت عبارتها والقت نظرة مقهورة على زوجها قبل أن تغادر وكان عمران يلحق بها بعد ثواني ليترك والده يفكر فيما قالته والقته على مسامعه زوجته للتو مشبهة ابنتها بها وأنها تعيش نفس قدرها لكنها لن تسمح لها بأن تبقى عاجزة ومستسلمة كما فعلت هي….
***
كانت تجلس فوق فراشها وتمسك بهاتفها تشاهد أحد فيديوهات برامجها المفضلة وفور سماعها لصوت الباب أغلقت الهاتف واعتدلت في جلستها تنظر نحو الباب تنتظر دخوله، بمجرد رؤيتها له ابتسمت بحب رغم معرفتها أنه قد يعاقبها ويحاسبها على حادث الصباح لكنها لم تكترث وأخذت تتمعنه بنظرها وهو ينزع عنه عباءته وكذلك حذائه وبعد وقت طويل نسبيًا رفع عيناه لها أخيرًا ورآها وهي تنظر له بهيام فكالت نظرته الثاقبة قبل أن يقترب ويجلس بجوارها وهو يبدأ بنزع ساعة يده عنه هاتفًا:
_سامعك يا آسيا؟
رمقته بعدم فهم فأكمل بتوضيح وحدة:
_إيه اللي حُصل الصبح وقولتي إيه لمرت أبوي؟
ابتسمت وقالت وهي تتصنع البراءة كعادتها بكل مرة تتسبب فيها بحادثة مختلفة:
_مقولتش هي اللي چات ترمي الكلام عليا وتحاول تعصبني بكلامها
_قالتلك إيه يعني؟
ردت عليه بخنق واضح:
_فضلت تقول أن أنا اللي عملت إكده في منى وقال مسيبهاش في البيت عشان ممكن تاخدك مني وأنا رديت عليها فهي اتعصبت من ردي.. يعني هي كانت قاصدة تضايقني عشان تخليني اتخانق معاها
لوى فمه ورد يسألها للمرة الثانية بجدية أشد ونظرة ثابتة:
_قولتيلها إيه؟!
رمقته مطولًا بتردد تخشى أن تجيبه بردها فينفعل عليها بينما هو فكان بنظراته القوية ينتظر منها ردًا على سؤاله، حين شعرت أنها انحصرت بين الاعتراف وبين خوفها منه استاءت وقالت بضيق:
_خلاص عاد ياعمران هيفيد بإيه.. قولت اللي قولته هي اللي غلطانة وكانت بتغلط فيا ويتقلل مني وأنا رديت عليها
رفع حاجبه بعدما أدرك ما يدور بذهنها وخوفها منه لذلك تتهرب من الرد عليه.. كانت نظراته لها مخيفة أكثر حتى لو كان يلتزم الصمت مما جعلها ترتبك وتهب واقفة تهم بالفرار قبل أن تقع بين براثينه لكنه لم يسمح لها حيث توقف وقبض على ذراعها يجذبها نحوه بعد أنا ابتعدت بخطوتين عنه.
شهقت بفزع بعدما وجدت نفسها تسقط بين يديها ملتصقة بصدره وهو ينظر لها بغيظ هاتفًا:
_واللي أنتي بتعمليه ده هيفضل لغاية ميتا؟!!
تطلعت بعيناه في توتر وسألت بخفوت:
_بعمل إيه؟!
قال بكل وضوح دون تردد وبنظرات ملتهبة:
_طريقتك اللي مش عچباني وتچاهلك ليا
رغمًا عنها فشلت في حجب ابتسامتها التي شقت طريقها لثغرها ووجدت نفسها تتملص من قبضته وتعقد ذراعيها أسفل صدرها تسأله بخبث وتلذذ بعد اعترافه بأنها نجحت في مبتغاها:
_وأنت اللي مضايقك أني اتغيرت معاك ولا أنك بقيت تحس أني معدتش بغير عليك من منى ومش فارق معايا
رفع حاجبه ومال ثغره للجانب ببسمة يجيبها بنصر بعدما اعترفت بنفسها دون أن تشعر:
_معدتيش!.. معني كلامك إنك كنتي بتغيري صُح؟!
تلعثمت للحظة لكن بسرعة تداركت نفسها وردت عليه بالرفض:
_طبعًا لا أنت اللي كنت بتوهم روحك بالكلام ده
اتسعت ابتسامتها وسألها باستمتاع وكأنه لم يسمع ردها السابق من الأساس:
_بتغيري عليا ليه يا آسيا؟
حدقت بعيناه السوداء في توتر وخجل لكن سرعان ما شعرت بالغيظ منه وردت عليه بنفس أسلوبه تقرر هي أيضًا أن تضربه بالحقيقة:
_وأنت امبارح استنيني أنام وشيلت المخدات ليه؟
لم تعرف كيف ومتى اخترق أذنها صوت ضحكته الرجولية المثيرة فابتسمت بعفوية عليه وهي تتأمله حتى وجدته يغمز لها بنظرة أذابتها:
_بحب فيكي ذكائك ومكرك ده.. بس أنتي إيه اللي مخليكي متوكدة أن أنا اللي شيلتيها مش يمكن أنتي اللي شيلتيها وبعدين نمتي في حضني
كالعادة كانت النتيجة واحد صفر بعدما صمتت بسبب خجلها ولم تتجرأ من الرد عليه بينما هو فضحك وتركها متجهًا للحمام لكي يأخذ حمامًا سريعًا يزيل عن جسده إرهاق اليوم بأكمله.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان……..
كانت منيرة تجلس مع جليلة يتحدثون بأمور مختلفة عن المنزل والجيران حتى قطع حديثهم صوت رنين الباب فنهضت منيرة لتفتح الباب.. وبنفس الوقت كان چلال ينزل الدرج ينوي الرحيل للعمل لكن تسمر بأرضه عندما فتحت منيرة الباب وظهرت فريال من خلفه وهي تحمل بيدها حقيبة ملابسها.
توقفت جليلة وهي تحدق بفريال في صدمة لا تقل عن تلك التي كانت فوق وجه منيرة بينما فريال فابتسمت بثقة ودخلت وهي تهتف برقتها المعهودة:
_كيفك ياحماتي؟
سمعت منيرة وهي تسألها بذهول وسخط:
_إيه الشنطة دي؟!!
التفتت لها فريال وهتفت مبتسمة بخبث وبتشفي:
_سلامة نظرك يامنيرة مش شايفة أنها شنطة هدوم.. يعني أنا رچعت بيتي خلاص
التهبت نظرات منيرة بالغضب وظهر الخنق على ملامح حليلة باستثناء جلال التي لمعت عيناه بسعادة وصعدت البسمة العاشقة لثغره وهو يحدق بزوجته وحبيبته.
خرج صوت جليلة المستاء تتحدث بقسوة وأسلوب فظ:
_إيه اللي رچعك وچاية ليه فـ…….
أخرستها صيحة ابنها المرعبة:
_أما مش عاوز اسمع ولا كلمة
التزمت الصمت رغمًا عنها بينما هو فنزل بقية درجات السلم وتقدم من فريال حتى وقف أمامها ولف ذراعه حولها منحنيًا عليها يلثم رأسها بحب هامسًا في صوت يظهر به فرحته الغامرة:
_نورتي بيتك ياحبيبة قلبي
لم تبعده عنها وبقت بين ذراعيه فقط لتثير الجنون في نفس حماتها وزوجته التي بالفعل كانت كالبركان من فرط غيظها بينما هو فتابع يهمس لها بحنو:
_اطلعي على اوضتك فوق وريحي
لم تجيبه وفقط نفذت ما قاله وكانت ستهم بالانحناء لتلقط حقيبتها لكنه أوقفها هاتفًا:
_ اطلعي ملكيش صالح بيها أنا هچيبها وراكي
نقلت نظرها بين منيرة وجليلة وهي تبتسم بمكر ثم تحركت نحو الدرج تقصد الطابق الثاني حيث غرفتها.
بعد صعود فريال نظر جلال لأمه وقال بغضب منذرًا:
_أما ياريت تتعاملي مع فريال زين من إهنه ورايح.. المرة دي لو عملتيلها حاچة هتلاقيني أنا قصادك
ثم التفت برأسه تجاه زوجته وقال بنظرة مخيفة:
_الكلام ده ليكي بردك.. مش عاوز مشاكل مفهوم
هزت رأسها له بالموافقة على مضض وهي تشتعل من سخطها وغيظها، ثم وجدته ينحني على الأرض يلتقط حقيبتها ويعود متجهًا نحو الدرج يقصد غرفته هو وفريال…
***
وقفت بمنتصف الغرفة تتجول بنظرها على كل ركن بها.. كانت مرتبة ونظيفة مما أكد لها أنه لم يدخلها أحد منذ ذهابها، ظلت مكانها تستعيد ذكرياتهم معًا بين جدران تلك الغرفة وعينيها اغروقت بالدموع رغمًا عنها، لكن سرعان ما انتفضت بفزع فور سماعها لصوت الباب وراحت ترفع أناملها تجفف دموعها بسرعة قبل أن يراها.
دخل وأغلق الباب ثم وضع الحقيبة على الأرض فور دخوله واقترب بخطواته منها حتى توقف على بعد خطوة واحدة منها فاستدارت هي بجسدها كاملًا إليه وتطلعت في عينيه اللامعة وبسمته السعيدة لتقابله بجمود ملامحها لكنه همس بتنهيدة حارة:
_أخيرًا رچعتي يافريال
عقدت ذراعيها أسفل صدرها ورنقته بجفاء تجيب:
_رچعت عشان عيالي ياچلال مش عشانك
تلاشت ابتسامته واختفت تمامًا ليزفر بعبوس ويردف بإماءة رأس:
_عارف.. بس كفاية إنك رچعتي بيتك وهتبقي چاري
أكملت بقسوة أشد:
_أنا مش هكون چارك ياچلال.. ورچوعي ده مؤقت لغاية ما نتطلق بس
رفع كفه يمسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر ويقول بانزعاج بسيط:
_برضك لساتك حاطة الطلاق ده في دماغك!!
هزت رأسها بالإيجاب وقالت بشراسة في إصرار:
_ومش هرتاح غير لما يحُصل عشان يكون في معلومك
استغفر ربه بصوت مسموع ثم رد عليها بهدوء مزيف محاولًا تمالك أنفعالاته أمامها:
_طيب يافريال مش وقته الحديت ده دلوك.. غيري هدمومك وريحي ولو عوزتي حاچة اتصلي بيا
لم تجيبه واكتفت بإشاحة وجهها للجهة الأخرى بعيدًا عنه ليتنهد هو بحزن ويستدير ليغادر ويتركها.. وفور رحيله بدأت هي في تبديل ملابسها حيث أخرجت من حقيبتها عباءة منزلية مطرزة ثم شرعت في نزع ملابسها عنها، لفت ذراعها خلف ظهرها محاولة الوصول لسحاب ملابسها حتى تنزعها لكن محاولاتها كلها باتت بالفشل.
انفتح الباب مرة أخرى ودخل چلال الذي عاد ليأخذ هاتفه وقبل أن يلتقط هاتفه لمحها وهي تعافر مع سحاب ثوبها فتقدم من خلفها ووقف شبه ملتصقًا بها ثم مد يده هو بدلًا عنها وفتح السحاب فأحاطت بذراعيها الثوب حتى لا يسقط من فوق جسدها بينما هو فانحنى عليها من الخلف طابعًا قبلة ناعمة فوق كتفها، ابتعدت عنه بسرعة والتفتت له تصيح به بغضب:
_متقربش مني ولا تلمسني ياچلال
زم شفتيه ورد بقلة حيلة:
_ أنا معملتلكيش حاچة ياحبيبتي مالك؟!
تقدمت واقتربت منه أكثر تهتف بعصبية:
_مش معنى إني رچعت تبقى كل حاچة هترچع كيف ما كانت.. لا أنت چلال جوزي اللي أعرفه ولا أنا فريال حبيبتك القديمة أنا دلوك واحدة تاني.. اوعاك تفكر تلمسني ولا تستغل الفرصة لأني مش هسمحلك
حدقها بمرارة وتمتم في أعين مغرمة:
_أنا متغيرتش لساتني كيف ما أنا يافريال.. لساتني چوزك وحبيبك
ضحكت بسخرية وردت عليه في وجع يظهر في نبرة صوتها:
_چوزي اللي أعرفه عمره ما كان هيتچوز عليا ويكسرني مهما حُصل بينا لكن أنت عملتها
چلال بأسى وندم يلمع في نظراته ويخرج في نبرة صوته المتألمة:
_مفيش حد مبيغلطش وأنا عارف إني جرحتك وغلطت.. احنا الاتنين غلطنا لكن لا أنا اتغيرت ولا أنتي وأنا متوكد إنك لسا بتحبيني
لمعت عيناها بوميض مقهور وقالت في قسوة وبغض:
_كان زمان ياچلال دلوك أنا بكرهك ومش بطيق اشوفك حتى
طعنته بخنجر مسموم في أعمق نقطة من يساره فقتلت روحه وجعلته ينزف الدماء، تنفس الصعداء بقوة وأطلق زفيرًا متهملًا في ألم قبل أن يجيبها بنبرة مكبوتة وعينان تشتعل بالعشق:
_وأنا بحبك وهتفضل روحي متعلقة بيكي وقلبي ملكك لآخر نفس فيا
ثم استدار وابتعد بخطواته عنها ليجذب هاتفه وقبل أن ينصرف توقف والتفت لها برأسه يهتف في صوت رجولي حازم:
_اعملي حسابك مفيش طلاق.. أنا مش هتخلى عنك كيف ما أنتي عملتي وهملتيني
أنهى عبارته واندفع لخارج الغرفة يتركها متصنمة بأرضها تتمعن في أثره بصمت حتى وجدت عيناها تذرف الدموع تلقائيًا ثم انفجرت في البكاء بصوت مرتفع…..
***
بتمام الساعة التاسعة مساءًا……
خرجت فريال من غرفتها وكانت تقود خطواتها للطابق الأرض حيث المطبخ لكن أثناء طريقها اصطدمت بمنيرة التي توقف تسد طريقها وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها.. نظرت لها فريال مبتسمة بسخرية ثم هتفت بكل برود غريب:
_بعدي يامنيرة أنتي واقفة في طريقي لو مش واخدة بالك
ردت منيرة بغيظ وغضب:
_أنتي إيه اللي رچعك؟!!
دامت نظرة فريال لها لخمس ثواني بالضبط وهي تبتسم قبل أن تقول بأسلوب شرس جديد عليها:
_ده بيتي وبيت چوزي وأرچع ليه وامشي منه وقت ما أحب مش أنتي اللي هتقوليلي آجي ميتا وامشي ميتا
صاحت بها منيرة في غل:
_وچوزك أنتي هملتيه وهو أتچوز عليكي.. لو واحدة عندها دم وكرامة مترچعش واصل تاني
أظلمت عيني فريال وتحول وجهها للون الأحمر من الغضب، وشعرت بأطرافها كلها تنتفض من فرط الغيظ بعد ما قالته تلك الأفعى المتجسدة في هيئة انسان.. فصاحت بها وهي تدفعها من أمامها:
_بعدي من قصاد خلقتي بدل ما ارتكب فيكي چريمة
ابتسمت منيرة بنصر وخبث بعدما نجحت في إشعال نيرانها فراحت تكمل مبتسمة بثقة:
_لو راچعة وفاكرة أنك هترچعي چلال ليكي فمتتعبيش روحك أنتي خسرتيه وهو عمره ما هيرچعلك وقريب هيطلقك وهفضل أنا چاره ومرته
كانت فريال كالبركان الذي على وشك الانفجار وراحت تهتف بمنيرة في وعيد وغيرة حارقة:
_اطمني هتطلعي من البيت ده قبلي.. ده بيتي وبيت عيالي وأنتي ملكيش مكان فيه ولا حتى في قلب چلال
كانت الأخرى تبتسم بلؤم غير مبالية بما تقوله.. سعيدة بانتصارها عليها وتحقيق رغبتها في جعلها تتألم.. وللأسف كانت فريال هكذا بالفعل حيث بمجرد ما ولتها ظهرها ونزلت على الدرج فرت دمعة مقهورة من عيناها…
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة عمران…..
كان جالسًا فوق الفراش شارد الذهن يفكر بحلول لمشاكل العمل التي لا تنتهي ولا يرى أو يشعر بأي شيء حوله حتى أنه لم ينتبه لاختفاء آسيا لفترة طويلة داخل الحمام.
صك سمعة فجأة صوت صرخة عالية انبعثت من الحمام فوثب منتفضًا بهلع على أثرها واسرع نحو الحمام لكنه توقف عندما وجد الباب ينفتح وتخرج هي من مزعورة قبل أن يصل حتى لها.. وكانت ترتدي ثوب قصير حريري قصير وبحمالات رفيعة، رآها تنتفض وهي تمسح بيديها عن جسدها كله.. فاقترب منها وهتف باستغراب:
_مالك؟
لم تكن تنتبه لحالتها أو كيف خرجت أمامه شبه عارية فالرعب والزعر المستحوذ عليها سلب عقلها، كانت ترتجف وهي تمسح على ذراعيها وجسدها بخوف حتى أن عيناها بدأت تذرف الدموع، غضن حاجبيه بقلق حقيقي هذه المرة واقترب منها أكثر يلف ذراعه حولها ويضمها لصدره ليهدأ من ارتجاف جسدها:
_في إيه يا آسيا؟!!
همسات بصوت مزعور ومبحوح:
_برص، كان في بر..ص في الحمام ووقع عليا
ضيق عيناه وسألها بعدم استيعاب:
_برص إيه وكيف دخل ده؟!
آسيا بصوت باكي وهي ترفع يدها من جديد تمسح على جسدها باشمئزاز:
_معرفش.. أنا مش قادرة أقف ولا اتلم على أعصابي
ضحك رغمًا عنه وراح يمسح بيده فوق ذراعها في لطف هاتفًا:
_طب اهدي مش مستاهل كل ده.. أنتي بتبكي؟!
رفعت عيناها الدامعة له وصاحت بغضب وقرف:
_ لا مستاهل أنا بخاف منهم قوي وبقرف منهم
كبح ابتسامته بصعوبة وراح يخفض نظره لجسدها ينظر لثوبها الأسود المثير وشعرها الذي من نفس اللون وهو ينسدل فوق كتفيها وظهرها كله، بينما هي فرفعت أناملها تجفف دموعها وهي تحاول التحكم بأعصابها والوقوف على قدميها باتزان، لكن فور انتباهها لنظراته الجريئة لها ونزلت بعيناها تتفحص نفسها فانتفضت من بين يديه مبتعدة عنه وهي تلف ذراعيها حول نفسها محاولة أخفاء جسدها ثم قالت بخجل وقوة:
_ودي وشك الناحية التانية
رفع حاجبه بنظرة مخيفة ومستنكرة دون أن يزيح عينيه عنها للحظة فتوردت وجنتيها من الخجل والتوتر وراحت تتقهقهر للخلف ببطء دون أن تفك ذراعيها من حول جسدها، حتى وصلت الحمام ودخلت ثم أغلقت الباب بسرعة عليها تتوارى عن أنظاره.
لحظة بالضبط حتى سمعته وهو يهتف لها من الباب بخبث وابتسامة تستطيع الشعور بها في صوته حتى لو لم تكن تراها:
_خدي بالك ممكن تلاقيه لسا قاعد.. لو عوزتي مساعدة اندهي عليا أنا موچود
أشعل خجلها وخوفها من جديد فراحت تصيح به بغيظ من الداخل:
_عــمــران
ابتعد عن الباب وهو يبتسم باستمتاع ثم عاد يجلس فوق فراشه مرة أخرى.. مستندًا بظهره على ظهر الفراش ويديه أسفل رأسه من الخلف، دقائق طويلة نسبيًا وخرجت هي مجددًا بعد أن انتهت من حمامها وهذه المرة كانت ترتدي عباءة منزلية عادية جدًا بأكمام طويلة ومحتشمة.. فنظر لها مضيقًا عيناه ورفع حاجبيه في نظرة نافرة مشيرًا أنه لم يعجبه وكأنه يقول بنظراته أن السابق كان أجمل، تعمد التصرف بجرأة ووقاحة حتى يخجلها.. وبالفعل نجح لكنها حاربت استحيائها ورمقته بشراسة في غيظ دون أن تتحدث، ثم أشاحت بوجهها عنه وراحت تقترب من المرآة لتسرح شعرها.. لكن البسمة الرقيقة والخجلة ارتفعت فوق ثغرها لا إراديًا، حاولت تجاهله وتجنبه قدر الإمكان هذه الليلة علها تسلم من تصرفاته الماكرة….
***
بصباح اليوم التالي داخل المستشفى…….
كانت آسيا تجلس فوق أحد المقاعد الحديدية أمام غرفة الطبيبة منتظرة خروجها وهي تحدق في الفراغ أمامها بنظرات مرعبة ولا تبشر بالخير أبدًا.
هبت واقفة فورًا عندما رأت الطبيبة تخرج من الغرفة فاقتربت منها وسألتها:
_كيفها دلوك يارانيا؟
اجابتها الطبيبة بارتياح:
_بقت زينة الحمدلله وكمان شوية وتفوق
اماءت آسيا برأسها في تفهم ثم تطلعت في صديقتها بنظرة قوية وسألت:
_طيب عملتي اللي طلبته منك؟!
تنهدت الطبيبة بضيق ورد بقلق:
_ يا آسيا اللي أنتي عاوزاه صعب وأنا مقدرش اعملها اختبار حمل من غير علمها

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى