رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل السابع 7 بقلم نعمة حسن
رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الجزء السابع
رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه البارت السابع
رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطينه الحلقة السابعة
كان يحلس خلف مكتبه و قد كسا الحزن ملامحهُ ، يفكر بأمورٍ لا يعلم للخلاص منها سبيل ، إجتمعت الهموم و تضاعفت المسئوليات و لا يزال وحيدًا يجابه كل تلك الأزمات بمفرده.
أتاهُ إتصال إمتنع عن إجابته مراتٍ و لكن مع إصرار المتصل أجاب نزقًا إذ قال : أيوة يا زهـره..معلش يا بابا أنا آسف مش هقدر أجي معاكي زي ما وعدتك..
إستمع إلي بكاؤها ، خذلانها ، آمالها التي تحطمت علي صخرة مزاجيته و لا مبالاته ..
إنقبض قلبهُ لصوت بكاؤها فقال : زهره أرجوكي متعيطيش.. أوعدك إني هعوضهالك مره تانيه والله ،وإنتي عرفاني لما بوعدك مبخلفش وعدي معاكي..
تنبه إلي ذلك الهـراء الذي تفوه بهِ للتو فقال: صدقيني عمري ما خلفت بوعد وعدتك بيه الا عشان ظروف خارجة عن إرادتي ، أنا حاليًا مش رايق ، مش هقدر أروح أي مكان ، و كمان في ضغط شغل و مينفعش أنا و معتز نسيب الشركه و في نفس الوقت مينفعش أسيب معتز لوحده و أمشي.. أرجوكي تفهميني..
توقف صوتها حتي أنهُ ظن بأن الإتصال قد إنقطع ، نظر إلي الهاتف ليجد المكالمه لا تزال جاريه فقال مناديًا : زهره !! سمعاني يا بابا؟! إن شاء الله في أقرب وقت هاخدك و نسافر و نقـ……
_مش عاوزة أروح معاك في مكان.. مش عاوزة أشوفك أصلًا ، أنا بكرهك!
إرتفع حاجبيه بقوه من فرط دهشته و قال مرددًا كلمتها بإستنكار شديد : بتكرهيني؟!!
و إحتد صوتهُ حيث قال: إنتي مش مؤدبه علي فكره.. و يلا اقفلي و بلغي إقبال إني مش جاي علي الغدا.
أنهي الإتصال و دعس مكابح سيارته بقوه و وقف يحاول تهدأة إنفعالاته و تلك الكلمه التي ألقتها صغيرته علي مسامعه قد حفرت بقلبهِ جرحًا غائرًا.
أدار محرك السياره من جديد و ذهب بها إلي ذلك المكان الوحيد الذي من شأنه أن يمنحهُ بعض الراحـه… حتي ولو كانت لحظيـة!
*********
دلفت إلي غرفـة والدها و ألقت عليه نظرةٍ إمتزجت فيها دمعاتها بإبتسامتها..
تحدثت إليه و أخبرتهُ عمّا يدور بخاطرها ، لعل إنقباضة يدهُ فوق يدها كانت بُرهانًا قويًا أراد من خلالهُ أن يطمأنها و يـُثنيها عن فِعلتها التي أخبرتهُ بقدومها عليها ..
خرجت من الغرفه و من المشفي بأكمله ثم أوقفت سيارة أجره قصدتها للذهاب إلي ” شارع البحر ” .
كانت تنظر إلى الطريق من حولها و هي بداخل السياره ..
تلك هي آخر مرة ستتجول بين شوارع تلك المدينة ، أخرجت هاتفها الذي يهتز بفعل الرسائل المتلاحقه ، جميعهم يتفقدون أحوالها الآن..
الآن فقـط؟!!
غابت جميع اللحظات البيضاء أمامها و لم يتبقي سوي السواد..
أخرجت تلك الزجاجه الصغيره التي دسّتها في حقيبتها سرًا و تجرعت منها كميةً لا بأس بها ، ثم وضعتها بحقيبتها مجددًا .
أوقفت السياره و ترجلت منها و ذهبت لتجلس علي أحد مقاعد الإستراحه و أخرجت دفترها و قلمها و بدأت تخط كلماتها بقلبٍ قد إعتراهُ الحزن و ملأه البؤس.
~~الرسـاله العشـرون و الأخيـره~~
” أكتب كلماتي تلك كـي لا تتهمـوا مخلوقًا بِـقتلي ، هذه رسالـتي الأخيرة للعالم المظلم ، كتبتها بِأَدمُع عيناي و تنهيدات روحي المرهقه ، وأنا في كامل وعيي و إدراكي بعـد أيام من الإمتناع عن تناول تلك الحبوب المهدئه التي وصفها الطبيب لي، فتلك الحبوب خبيثه، تتركني هامدة ،خامدة ، لا بريق في عيني ، ولا روح في جسـدي !
أخبروا والدي أنّي أحبه ، أخبروه أنه لم يتغافل يومًا عن الإهتمام بي و لم يتواني عن رعايتي و تدليلي، و اطلبوا منه العفو ، لا بد أنني سوف أحتاج إليه..
أمّا عن دائرة معارفي -المحدوده- أخبروهم أنه لا جدوي من النحيب الآن، فلقد إستهلكت جميع رسائلي السابقة مُستجديةً إيّاهم و لكن الجميـع بات منشغلًا ، علي ما يبدو أن لكلٍ منهم حياه كانت تتسع للكثير من الهموم ما عدا أنا.
رسالتـي تلك لن تندسّ بين قريناتها كالسـابق ، سوف أتركها أينما تفارق روحي النقية ذلك الجسـد الذي دنّسته النوايا الخبيثـه.!
إنّي راحلة والأسف يملأُ فؤادي علي الخلائق التي لم تُدرك بعد أن سبيل الموت لم يَكُن يومًا أول ما جال بخاطـر سالِكـوه و عَمَت أبصارهُم عن كل المحاولات المُهـدره بين السطـور !
هـذه الحيـاة ظالمة حقًـا…. ”
طَوت تلك الورقه بعد أن أفضت بهـا ما بداخلـها و همّت بوضعهـا داخل ذلك المظروف قبل أن تنتشلـها الريـح من بين يديها و تسوقها إلي تحت أقدام ذاك الذي يقف مسلـوب الروح ،خائـر القوي.
إنحنـي ملتقطـًا إيّاها و دون تفكير بدأ في قراءتها قبـل أن تتسع عيناه دهشًة و ينفرج فاه ذهولًا و تنطلق عيناه – لا إراديًا – في البحث عن تلك التي أقدمت علي إنهاء حياتها بكل شجاعـة.
رآها تخطو نحوه بكل ثبات ، عيناها فارغتان من كل شيء عدا الحـزن..
تجرّ قدميها جرًا وقد ناءت بِِحِملِها ثم نظرت إليه ، وقبل أن تتفوه بكلمه زاغ بصرها و سقطت بهدوء لتجد مكانها… هنا ، إلي جانب رسالتها… جوار أسفل قدميه.
إنتفض إثر صدمتها بالأرض الصلبه بقوة ، فإنحني بجزعِهِ يحاول إفاقتها ضاربًا بأصابع يده علي صدغيها بخفه ولكنها أبت أن تستجيب.
إلتقطها بعناية بين ذراعيه ، تحت نظرات التعجب والإستهجان من البعض و الفضول من البعض الآخر ثم ضمها إليه بقوة محاولًا فتح باب سيارته دون أن يفلتها من بين يديه، ثم وضعها علي المقعـد الخلفي و أغلق الباب بحذر ثم عاد إلي حيث كانت تجلس وأخذ حقيبتها و عاد إلي سيارته مرة أخرى متجهًا بها إلي المشفـي.
******
كان يجلس علي مقعدٍ للإنتظار في إحدي زوايا تلك المشفي العريق ، متفحصًا المكان من حوله بدقه ، كـعادته ؛ يهوي إمعان النظر بكل ما يحيطه..
إنتشله من تركيزه إتصالًا من مدبرة منزله فأجاب قائلاً: بردو مش راضيه تاكل ؟!
=حاولت معاها بشتّي الطرق يا مستر ريـاض ، مفيش فايده.
هكذا أجابت ” إقبال” بيأس و إستطردت: عشان خاطر ربنا تكلمها إنت تراضيها يمكن تسمع كلامك.
_إقفلي يا إقبال مش فاضيلك.
أنهي المكالمه بحدة دون إنتظار ردها و وضع هاتفه بـِ جيبهِ قبل أن يقف متأهبًا فور رؤيته تلك الممرضه تهرع نحوه قائلة: المريضه دمها فيه نسبة سم عالية ، محتاجين لها نقل دم فورًا.
هكذا تفوهت الممرضه دون إبداء أية تعبيرات لتحصل علي تلك الإجابه منه بكل هدوء:
_أنا فصيلتي ” O-” ممكن أديها دم.
سار خلف الممرضه متجهًا برفقتها نحو غرفة الفحص..
=إتفضل حضرتك ارتاح.. يا ريت بعد إذنك البطاقه ، هناخد منك شوية معلومات قبل نقل الدم.. ا
أخرج جُزلانهِ وإلتقط منه بطاقته الشخصية ثم وضعها أمامها علي سطح المكتب لتبدأ في نقل بياناته الشخصية منها ثم سألته :
= بتعاني من أي مرض من الأمراض المعدية بالدم؟
_لأ.
=طيب إتفضل حضرتك اطلع علي الميزان وبعدها نقيس معدل نبض القلب والضغط..
نهض ليفعل ما أمرت بهِ ثم بعد الانتهاء غادر الغرفه علي الفور…
مرت ساعه تلو الأخرى وهو لا يزال مسطحًا علي ذلك السرير ينتظر الإنتهاء من عملية نقل الدم كي يغادر ذلك المكان اللعين الذي يقبض روحهِ و يصيبه بالكرب ، إنفرج باب الغرفه لتظهر الممرضة من خلفه التي قالت: حضرتك حاسس بأي تعب أو دوخه؟
_لأ كله تمام ، هو فاضل قد إيه؟
=كمان ساعه.
_ وهي عاملة إيه؟
تنهدت الممرضه بشفقةٍ ثم قالت: ربنا معاها.. عن إذنك.
مطّ شفتيه ببرود ، أومأ برأسهِ بهدوء مردفًا بخفوت: مغفله !!
…….
الأمر أشبـه بدوّاماتٍ تعصف بها ، تسحقها سحقًا ، تنتزع منها روحها و تعتصر قلبها ، تسحب منها هويّـتها وتتركها نَكِرَه…
لحظة واحدة تفصلها عن الموت.. تتأرجح الكفة يميناً ويساراً كبندول ساعة حائر بين وجود وعدم، هل تكمل الطريق إلى نهايته أم ستكون هناك فرصة أخرى للعودة إلى الوراء؟
و لمّا بدأت دماؤهُ تأخذ حيّزًا في أوردتها بدأت الحياة تدب رويدًا رويدًا بقلبها ، سحبت شهيقًـا طويلًا كمن إنقطع عنه الهواء لزمنٍ وعاد الآن فقط ، لتبدأ معدّلاتها الحيويه في الإستقرار مشيره إلي عودتها إلي الحياة مجددًا .
فرّقت بين أجفانها بثقل و وهن ترفرف بأهدابها حتي إنقشع عنها الضباب و إتضحت لها الرؤية فحركت بؤبؤيّ عينيها بحثًا عن أحدٍ ما ولكن علي ما يبدو أنها وحيدة هنا كالعادة.
تعلقت عيناها بباب الغرفه عندما إستمعت إلي صوت الممرضه بالخارج لينفرچ الباب وتدخل منه شابة حسناء إنبسطت أساريرها فجأًة عندما رأتها وقد عاد إليها وعيها فنادت : دعااء.. المريضه فاقت..
هرولت الفتاتان إلي الغرفه ووقفتا واحدةَ عن يمينها والأخري عن شمالها وقالت: حمدلله علي السلامة..
أومأت برأسها بتعب وقالت: عايزة ميه..
ناولتها الممرضه كوبًا من الماء وقالت لزميلتها: دعاء خليكي معاها أنا هبلغ الدكتور وراجعه..
أومأت دعاء بموافقةٍ ثم نظرت إليها وقالت: قوليلي بقا يا آصـال…
كادت أن تبصق جرعة المياه التي إرتشفتها للتو وقالت بأعين فزعه: إنتي عرفتي إسمي منين؟
قطبت الممرضه جبينها بتعجب وقالت: من بياناتك اللي عندنا أكيد..
_ وجبتوا بياناتي منين؟!
= حضرت ده اللي كان معاكي؟!
ضيّقت بين حاجبيها بتفكير إستغرق ثوانٍ وقالت: وهو عرف بياناتي منين؟!
ضحكت الممرضه مردفه : لأ دي بقا إسأليه عليها.. اللي أعرفه إن شنطتك وفيها بطاقتك تحت في الامانات..
أومأت بموافقة لتنصرف الممرضه فور دخول الطبيب المتابع لها قائلًا : حمدالله على السلامه.. ماشاءالله وشنا نور النهارده أهو..
إبتسمت آصال بتكليف فقال: في حد لطيف وعاقل كدا يفكر ينتحر؟! يا شيخه سيبتي إيه للمجانين؟؟
_ المجنون من وجهة نظر حضرتك ده إحنا بنحسده علي سلامه النفسي وراحة باله، مش دايمًا كل الأمور في نصابها الصحيح بتكون مريحه يا دكتور.
مطّ الطبيب شفتيه قائلًا : ده إحنا قدام فيلسوفه كبيره بقاا..
إبتسمت بخفه لتذكرها تشبيه والدها و نعتهُ
لها دائمًا بـ ” الفيلسوفه” ثم قالت: إمتا هقدر أخرج يا دكتور؟!
نظر إليها الطبيب ثم تقدم من السرير الذي تجلس عليه وجلس علي طرفهِ ، ونظر إليها متنهدًا بشفقةٍ علي حالها ثم قال: هننتظر الأول تقرير النيابه وفي حال أثبت إنه مفيش شبهه جنائية تقدري تخرجي..
أردفت بنزق: شبهه جنائيه إزاي وأنا بنفسي معترفه إني أنا اللي حاولت أنتحر؟!
_دي إجراءات روتينية لازم تتعمل، علي العموم طالما واثقه من كلامك يبقا هتخرجي بسرعه إن شاء الله ، ولازم أول ما تخرجي تتوجهي لدكتور نفسي وتتكلمي معاه!
أومأت بخفه وهي تقطع أدبار ذلك الحديث العقيم -من وجهة نظرها- لينصرف بعدها الطبيب مغادرًا الغرفة ، تاركًا خلفه سكونٍ و هدوء.
….
علـي الجانـب الآخـر..
كان “ريـاض” قد دخل إلي منزله للتو ، صعد إلي الطابق العلوي الخـاص بغرفة نومهِ ثم دلف إليها ملقيًا بجسدِهِ إلي الفراش بتهالك ، لقد أعياهُ السهر لثلاثة أيامٍ متواصلين دون أن يتلاقي جفناه ولو لثانية.
سحب شهيقاً طويلًا ملأ به رئتيه ثم إتكأ مائلًا علي جزعِهِ وهو يفتح صوانـة السرير ويلتقط منها علبة سجائره الفخـمه وبدأ بإشعال أول سيجارة ، همّ بغلق درج الصوانة لتقع عيناهُ علي تلك الرسالة..
إمتدت يداه بحذر وأخذها وإعتدل قائمًا ليقرأها ثانيةً ، ثبّـت سيجارته بزاوية فمه بحرفية وقام بفتح الرسالة وبدأ بقراءتها بإمعان…
” إنّي راحلة والأسف يملأُ فؤادي علي الخلائق التي لم تُدرك بعد أن سبيل الموت لم يَكُن يومًا أول ما جال بخاطـر سالِكـوه و عَمَت أبصارهُم عن كل المحاولات المُهـدره بين السطـور ! ”
توقف لدي قراءته تلك الكلمات ، مستشعرًا ذلك اليأس الذي خلّلها ، و ذلك الألم الذي غلّفها ليجعلها تخرج في تلك الصورة.
سحب نفسًا سحيقًا من السيجارة ثم أطلق سراحها لتلقي حتفها إلي جانب قريناتها في المنفضه ، و دلّك جبينه بتعب ثم عاد لينظر إلي الرساله بين يديه مجددًا…
” هذه الحيـاه ظالمة حقـًا…”
_ظلم؟! شفتي ظلم إيه إنتي ؟!
تفوه حانقًا مستهجنًا كلماتها ثم طوي الرسالة وألقاها بالدُرج مجددًا بإهمال.
نهض ليستعد ، بدّل ثيابهُ بعد أن أخذ حماماً باردًا ثم نثر عطرهِ ذو العلامة التجارية الشهيرة وإلتقط مفاتيح سيارتهِ و هاتفهِ و أخذ يفحص جزلانهِ قبل مغادرة المنزل كعادته..
_البطـاقـه !!
قالها بتعجب وهو يجاهد ليتذكر أين هي!
زمّ شفتيه بضيق عندما تذكر أنه قد تركها بالمشفـي منذ ذلك اليوم ، إذن عليه أن يرجع إلي ذلك المكان البغيـض مرة أخري.
إستقلّ سيارته و أدار المُحرك متجهًا إلي المشفـي ، إرتفع رنين هاتفه فأجـاب : أيوة يا إقبال ؟
_أيوة يا مستر ريـاض ، حضرتك جاي في الطريق؟
=لأ مش جاي النهارده ، بكرة ممكن.
_بكره !! بس دي …
قاطعها بتعنيف : من غير بس يا إقبال، قولت بكره جاي.. سلام دلوقتي.
أنهي المكالمه بحدة و قام بالإتصال بصديقهِ “معتز” الذي أجاب مسرعًا : أيوة يا رياض؟
_ روح البيت عندي ، ” زَهره ” هتنزللك خدها وروحوا أي مكان..
قاطعه معتز قائلًا : يبني زهره محتاجالك إنت ، هتعمللها ايه الخروجه يعني لو مش معاك؟
أجاب متأففًا : معتز إنجز.. هتاخدها وتخرجوا ولا لأ؟
_ماشي يا رياض حاضر، بلغتهم هناك طيب؟!
= لأ كلمها إنت …
_اممم.. علي أساس إن ده إقتراح مني أنا ، مش كده!
= نبيه ماشاء الله عليك.
_ ماشي يا عم ، لما نشوف أخرتها معاك..
أنهي رياض المكالمة ووضع هاتفه بجيبه ، ثم صف سيارته أمام المشفي و ترجل منها دالفًا إلي الداخل..
توجه إلى قسم الأمانات وسأل الموظفة: لو سمحتي أنا نسيت بطاقتي هنا أول إمبارح ، كنت بنقل دم لواحده والممرضه خدتها مني ومشيت ونسيت أخدها…
أمرتهُ الموظفه بالإنتظار لبرهه حتي تحضرها له ثم قالت: إتفضل حضرتك البطاقه أهي ، و إمضي هنا !
أخذ بطاقته وقام بالإمضاء علي إستلامها ثم شكرها و إستدار للمغادرة قبل أن يصطدم بتلك الهشـه التي كادت أن تسقط أرضًا لولا ساعدهُ العريض الذي منعها..
_حاسبـي..
قالها بلهفه وهو يضع ساعده خلف ظهرها يساعدها علي الإستقامة مجددًا ، إنزوي ما بين حاجبيه مبديًا إستغرابه قائلًا: هو إنتـي؟!!
صلبت ظهرها وهي تطالعه بتذكر وقالت: إنت…..
أومأ برأسهِ بتوكيد قائلًا : أيوة أنا ، بقيتي كويسه ؟
أومأت وعيناها تأبي النظر إليه فقال : حمدالله على السلامه.
_الله يسلمك، شكرًا ليك..
= العفو، ده واجب، عن إذنك..
أخذ بطاقته وغادر المشفي بينما إنتظرت هي لإستلام أغراضها ومن ثَمّ لحقت به..
….
في سيارتهِ كان قد دخّن سيجارةٍ علي عُجالـه ثم أدار محرك السياره منطلقًا بها في طريقه لتستوقفه رؤيتها وهي تشير إلي سيارات الأجرة في محاوله فاشله منها لإيقاف إحداهم..
توقف أمامها بسيارته و أحني رأسه قليلًا ليحادثها قائلًا : إتفضلي أوصللك.. الساعه ٢ الضهر إستحاله تلاقي تاكسي فاضي..
أجابت هي علي إستحياء : ميرسي، هطلب أوبر..
_ يستي إعتبريني أوبر وجيت لحد عندك.. إركبي!
فتح لها باب السياره الأمامي المجاور له فإستقلت السياره بحرج قائلة : مساء الخير..
لا يعلم لِما إنتابه الضحك ولكنه تماسك قائلا: مساء النور ، تحبي أوصلك فين؟
تنهدت بحيرة وقالت بشرود : مش عارفه ، أي مكان هتنزل عنده نزلني..
إلتقط حيرتها ، تخبّطها ، إنكسارها و ضعفها بعينٍ خبيره قد رأت منهم الكثير فقال : أنا كنت رايح اقعد علي البحر ، النهارده اليوم الفري بالنسبالي وبحب أقضيه مع نفسي ، إيه رأيك تيجي معايا؟
_بس إنت لسه بتقول بتحب تقضيه مع نفسك!!
= يستي النهارده إستثناء مش مشكله ، هاا.. نروح؟
و أمام حاجتها لهكذا عرض ، أذعنت لطلبه علي الفور.
توقف بسيارته أمام البحر ، سحب زجاج النوافذ إلي آخره فـتسرب الهواء إلي السياره من كل جهه…
سحب كلًا منهما الهواء بداخل رئتيه ، مغمضًا عينيه ، سامحًا لرائحة البحر أن تتغلغل إلي أبعد نقطة في أعماق قلبهِ.
نظر إليها ليجدها – و للعجب – قد سالت دمعاتها علي خدّيها بهوان لينعقد ما بين حاجبيه بتعجب و فضول في آنٍ واحد.
قدّم إليها محرمة فـ كفكفت دمعاتها ليتسائل هو قائلًا : إنتي في حاجه مضايقاكي؟!
هزت رأسها أن لا وإلتزمت الصمت فقال: اومال ليه حاولتي تنتحري؟
إزداد بكاؤها فعلم أن المُصاب چلل..
_لو محتاجه تتكلمي أنا سامعك.. ومتقلقيش أنا نسّـاي!
نظرت إليه بأعين تأبي التوقف عن البكاء ، فيضانٍ جامح يصعب السيطرة عليه..
_مالك بتبكي ليه؟! ، قوليلي طيب إيه حكايتك ؟!
إرتجف صوتها وهي تقول: حكايتـي ؟ هقوللك……
……
إستمع إليهاا و قد ملأته الشفقه تجاهها و أحسّ بعاطفة جياشه تدفعه لِمدّ يد المساعده إليها..
إستحوذ كلامها علي چُلّ إهتمامه حتي أنهُ لم ينتبه إلي ذلك السكون الذي خيّم علي المكان من حولهما فنظر ليتفاجأ بالليل الذي أسدل ستارهُ و الهدوء الذي عمّ الأرجاء..
أعاد النظر إليها وهي تنتحب بتعب لازمهُ إنتفاخ عينيها اللتان لم تكفان عن البكاء منذ البدء في سرد قصّتها.
_طيب ليه مبلغتيش مباحث الإنترنت؟! ليه إختارتي تمشي الطريق الأصعب و الأطول في حين إنه كان ممكن تختصري و تبلغي عنه ؟!
سألها متعجبًا فقالت: في الأول خوفت.. خوفت بابا يعرف و يبعد عني لأني خالفت أوامره.. وبعدها كنت بحاول أوصل لحل لكن معرفتش.. مكانش حد جمبي يسمعلي أو يفكر معايا و نوصل لحل سوا.. حتي صحابي..
توقفت عن الكلام للحظه ثم أكملت : صحابي كان كل واحد مشغول في دنيا تانيه.. و كنت خايفه أحكي لحد فيهم لأنهم كانوا هيجيبوا عليا اللوم زي بابا.. و إبن عمي حتي لما حكيتله قاللي بلاش نبلغ لأنه شخص ذكي ومش هيقع بسهوله و حتي لو اتقبض عليه هيتسجن سنتين و ممكن يخرج يبتزني بشكل أسوأ..
تنهد بضيقٍ قد تخلل معالم وجهه و قال بحدة طفيفه : إزاي تسمعي كلام إبن عمك ده ؟! ده مش كلام منطقي أبدا و لا أي حد عاقل يقوله..
لم يكُن لديها ما تجيبه بهِ فإلتزمت الصمت ، أخرجها من شرودها صوت رنين هاتفها الذي لم يتوقف طيلة اليوم ليقول ذاك الذي يتابعها بدقة : اقفلي التليفون و قومي معايا..
نظرت إليه بإستفهام فنهض قائمًا وقال: متقلقيش.. هنعمل اللي المفروض كان يتعمل من وقتها.. هنبلغ عنه
رأي في عينيها الخوف و الحيره فقال: صدقيني إنتي في موقف قوة و هو اللي في موقف ضعف ، هو اللي المفروض يخاف و يتخبي من الناس مش إنتي.. إنتي معملتيش حاجه غلط.
طفقت تبكي من جديد فجلس إلي جوارها مجددًا وقال : عايزك تفهمي إن المبتز ده أضعف من إنه ينفذ اللي بيهددك بيه ، تأكدي إن كل هدفه تحطيمك نفسيًا ليس إلا..
نظرت إليه بأعين مشتته ، نظراتها برزت متعجبه ففهم علي الفور سبب تعجبها ليقول : إنتي قولتي إنه طلب منك فلوس في الأول و لما وافقتي تديهاله قاللك لا أصل غيرت رأيي..
أومأت بموافقه فقال: إذا هو غرضُه من البداية مكانش الفلوس!!
همّت بالحديث فقاطعها حيث قال: هتقوليلي كان بيبتزني عشان أروحله!! هقوللك مش صحيح..
برز صوتها خافتًا مهزوزًا وقالت: مش فاهمه حاجه!
تنهد بحرارةٍ ثم أخرج علبة سجائرهُ و أخرج واحدةً منها و نظر إليها قائلًا : تسمحيلي؟!
أومأت بهدوء وقالت: اه طبعا إتفضل..
بدأ بتدخين سيجارتهُ و قال بهدوء و كأنه يفكر عاليًا : إنتي قولتيلي إنه كان عارف كل أخبارك .. أو خلينا نقول بمعني أدق كان مراقبك !! لأنه قدر يوصل لرقم تليفون والدك ، ولما والدك تعب عرف انه تعبان!.. و الأهم بقا في تهديده الأخير قاللك انه هيبعت الصور لزمايل والدك في الشغل!! صح؟
_أيوة صح.
أومأ موافقًا وقال بعد أن سحب نفسًا عميقًا من السيجارة : فكرك لو هو مبتز كل همه إنه _آسف يعني_ يقضي معاكي يوم زي ما كان بيطلب منك ، هيبقا مهتم للدرجه دي إنه يوصل لكل زمايل والدك و الجيران زي ما قاللك عشان بس يفضحك و ينفذ تهديده!! طب ما عنده السوشيال ميديا!!.. في ثانيه واحده هيرفع الصور علي اي جروب او بيدچ و خلاص خلصت.
نظرت إليه بعدم فهم وقالت: يعني تقصد إيه؟!
أجابها دون تردد : أقصد ان اللي بيهددك له غرض واضح و محدد .. و كل اللي عايزه يضغط عليكي و يساومك .. هو مش عايزك تنفذي.. هو عايز يلعب بيكي طول الوقت.. مش عايز منك فلوس و لا حتي عايزك تروحيله.. عايز يفضل يستنزفك نفسيا و معنويا لحد ما تبقي مريضه نفسيه شبهه أو تُقدمي علي الإنتحار زي ما عملتي !!
توقف قليلًا ثم تابع فقال: للأسف هو نجح في اللي كان عايز يوصللك ليه.
سحب نفسًا أخيرًا من السيجارة قبل أن يسحقها أسفل قدماه ثم شخّص بصرهُ إلي الفضاء من حولهِ و أغمض عينيه بتعب وقد عادت إليهِ تلك اللحظات التي حاول نسيانها كثيرًا و فُتِحت جروحه التي لم تندمل بعد.
إسترقّ السمع إلي صوت بكاؤها..
يا اللـه ، تلك الإنسانه لا تُجيد فعل شيء مثلما تبكي!
قدم إليها محرمةً أخيره وقال مبتسمًا : اخر منديل معايا ،إتفضلي يا ستي.
إلتقطته من يديه و جففت وجهها فنظر إليها قائلًا: هااا.. يلا؟
نظرت إليه بتردد فقال: خليكي واثقه إني عايز أساعدك.. و خليكي واثقه كمان إن الحل بين إيديكي و مش هياخد منك غير الخطوة دي بس!.
أومأت بموافقه و نهضت لينهض بدورهِ مبتسمًا ثم ذهب بإتجاه سيارتهُ و فتح الباب المجاور لمقعده فدلفت أولا ثم ذهب ليجلس خلف المقود منطلقًا بالسياره .
كانت تنظر إلي الفراغ من حولها ، تفكر.. هل تلك هي الخطوه الصائبـه ؟! أم أنها ستلقي بنفسها إلي الهلاك !
قفزت إلي مخيلتها صورة والدها فجأه ، أخرجت هاتفها مسرعةً و فتحتهُ لتتوالي الرسائل و الإتصالات..
أولهم كان إتصال من ” تميـم ” فأجابتهُ ليقول بلهفه : إنتي فين يا آصال من الصبح و قافله تليفونك ليه؟
تحدثت بنبرة مختنقه: أنا في مشوار و جايه..
_مشوار إيه ده ؟!
نظر إليها “ريـاض” مشيرًا بيده بعلامة نهي كي تمتنع عن إبلاغه بوجهتها فأومأت بموافقه و قالت: مشوار يا تميم ، لما آجي هقوللك.. المهم بابا عامل إيه؟!
_زي ما هو.. مفيش جديد.. إنتي قدامك قد ايه ؟!
=يعني حوالي ساعه..
_طيب قوليلي عنوانك و أنا آجي أخدك!
=آآآآ.. طيب لما أخلص كده هرن عليك ، سلام .
أنهت المكالمه و وضعت الهاتف بحقيبتها مجددًا فنظر إليها قائلاً: أولا أنا عايزك تصفي ذهنك خااالص.. و متقلقيش من أي حاجه و لا من أي حد..هتحكي كل حاجه حصلت معاكي لـ رامز باشا وهو هيتصرف .. أنا معاكي و إن شاء الله خير.. إتفقنا؟
أومأت برأسها بحماسٍ بسيط فـ صفّ سيارتهُ أمام مبني مديرية الأمن فترجل كلًا منهما و دلفا إلي الداخل و من ثم صعدا إلي مكتب المدعو بالضابط “رامـز”.
تقدم ” ريـاض” بخطيً واثقه ثم صافح الضابط بوجهٍ مبتسم وقال: رامز بيه ازي حالك؟
لينهض الآخر واقفًا وقال وهو يصافحه مبتسمًا بدوره: رياض باشا إيه الأخبار؟!
أومأ “ريـاض” وقال: كله تمام الحمد لله.. كنت جايلك في طلب شخصي شويه..
_يا نهار أبيض.. إنت تؤمرني..
=ربنا يخليك ..
و أشار بإتجاهها وقال: اتفضلي احكي لرامز بيه..
كانت تجلس أمام الضابط بوجهٍ قَلِق ، تعبيراتها قد أوحت للجميع عن مدي التوتر الذي تكنّهُ بداخلها ، عيناها تتنقلان بريبه بين الضابط و “رياض” الذي حثها علي التحدث بعيناه فأطلقت لسانها و سردت أمام الضابط كل ما حدث منذ بادئ الأمر.
_تمام يا آنسه…
و نظر في بطاقتها الشخصيه الموجوده بين يديه و قال : تمام يا آنسه آصال ، الموضوع من أسهل ما يكون إن شاء الله ، هنحتاج بس تليفون حضرتك عشان نتحفظ علي المكالمات و الرسايل و الصور ، وفي خلال ٧٢ ساعه مش أكتر هنكون قدرنا نوصلله بإذن الله.
أحسّت بالإطمئنان قليلًا و أومأت دون أن تتفوه بينما كان يقوم الآخر بتدوين بياناتِها ثم أعطاها بطاقتها و هاتفها ثم قال : أهم حاجه السريه . يعني لو حصل و بعت رسايل تاني أو كلمك متخليهوش يشك إنه في خطر عشان مياخدش حرصه .. عشان نقدر نوصل له بأسرع وقت إن شاء الله.
نهض “رياض” ففعلت المثل ، مدّ يدهُ إلي الضابط يصافحه بإبتسامه ممتنه و صافحها الضابط قائلا: متقلقيش إن شاء الله كل حاجه هتتحل..
هزت رأسها فقال ” ريـاض ” : متشكرين جدا لحضرتك يا رامز بيه..
_العفو يا رياض باشا ده واجبي.. مع السلامه.
خرجا سويّا من مكتب الضابط و من ثم غادرا المبني و إتجها نحو السياره..
كانت تعبث بيديها بتوتر و ريبه فقال : إنتي كده عملتي الصح و اللي كان مفروض يتعمل من وقتها.. إن شاء الله الجاي كله خير .. و أهم حاجة زي ما رامز بيه قال ، لو كلمك اوعي تغلطي و تقوليله انك بلغتي أو تحسسيه حتي إنك مبقيتيش خايفه.. إتعاملي بطبيعتك عادي جداا عشان مينتبهش ويبقا صعب يقبضوا عليه.
تنهدت بيأس وقالت: حاضر.
سألها بحرص: طيب ممكن رقم تليفونك عشان لو بلغوني بجديد أبلغك؟
أومأت بموافقه علي الفور و أملتهُ رقمها ثم نظرت إليه و إبتسم محياها قليلًا حيث قالت : أنا متشكره جداا ليك..
_ العفو ده واجبي.. اتفضلي أوصلك.
=لا معلش بلاش أتعبك.. أنا هروح لوحدي.
إبتسم بتفهم وقال: مش عايزة تتعبيني ولا مش عايزاني أوصلك؟!
تبسّمت بحرج فقال : طيب اتفضلي .. هوقفلك تاكسي..
ذهبت خلفهُ و إستوقف هو سيارة أجره ثم أشار لها بالركوب ففعلت ثم سألها عن وجهتها فأخبرته بعنوان المشفي الموجود بهِ والدها ، أخبر السائق بالمكان و أعطاهُ أُجرته ثم ودعها عائدًا نحو سيارته بينما إنطلقت السياره الأجرة باتجاه المشفي.
……
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه)