روايات

رواية المتاهة القاتلة الفصل العشرون 20 بقلم حليمة عدادي

موقع كتابك في سطور

رواية المتاهة القاتلة الفصل العشرون 20 بقلم حليمة عدادي

رواية المتاهة القاتلة الجزء العشرون

رواية المتاهة القاتلة البارت العشرون

المتاهة القاتلة
المتاهة القاتلة

رواية المتاهة القاتلة الحلقة العشرون

وقعت “ماريا” أرضًا بلا حراك، وهوى قلبه معها ولم يعد، لقد فقد الإحساس بما يدور حوله، أصبح أصمًا لا يسمع ولا يرى، شعر أن قلبه طُعن وأن الزمن توقف، لم يعد يهتم بما يحدث حوله سوى أنها ملقاة وغارقة في دمائها، صوت صراخها يتردد في أذنيه كنغمةِ موسيقا حزينة، استجمع قواه – الذئب عندما يقع في الفخ، لا يفكر في الهرب، بل الانتقام – دفع الرجال الممسكين به بقوةٍ وركض إليها، جثا على ركبتيه بجانبها، ووضع رأسها على قدميه، نزلت من عينيه دمعةٌ وهو يرى انقطاع أنفاسها، أمسك وجنتيها بين يديه، وبكل وجعٍ وألمٍ صرخ بأعلى صوته:
-لاااااااا، لاااااااا، ماريا، أنتِ هتعيشي.
أقسم إنه لن يخضع لهم، لكن كل شيء تغير عندما أصيبت صغيرته، سوف يخضع لهم كي تعيش، حتى لو كان الثمن حياته فلن يتراجع عن قراره، مسح دمعةً بيده، ونظر إليه وهو يريد أن ينقض عليه، وتحدث قائلًا:
-ساعدها وأنا هنفذ كل اللي هتطلبه مني.
ظهرت على ثغره ابتسامةٌ لعوب، وكأن الرحمة قد نُزعت من قلبه، نظر إلى “إليف” التي تكاد تختنق بين يديه، وهي ترى أختها جثة هامدة، دفعها بكل قوته فوقعت أرضًا، لم تهتم لجروح يدها وركضت نحو أختها، أمسكت بيدها تقبلها وهي تنادي باسمها، نظر إليه ذلك الرجل صاحب القلب القاسي وقال:
-خدوا البنت دي للدكتور علشان يعالجها.
اقتربوا منها كي يحملوها، حاول منعهم لكن أمسكوه وأبعدوه عنها، حملوها ووضعوها فوق قطعة خشب وذهبوا بها، نظر إليها وهو يموت قلقًا، يخشى الفراق.. يفضل الموت ألف مرة فداءً لها، لم يحد بنظره عنها، حتى اختفت عن أنظاره كشمسٍ غربت وينتظر شروقها ليجد أملًا جديدًا، استدار ينظر إلى ذلك الرجل وقال:
-لو حصلها حاجة أنا هحرقك وأنت عايش، محدش هيقدر يخلصك من بين إيديا.
تعالت ضحكاته في المكان، كان يجلس على صخرةٍ وينظر إلى “رام” بتمعن، ثم تحدث بتهديد:
-لو منفذتش اللي هقولك عليه هتفقدها للأبد.
لم يتحمل “رام” أكثر، حاول أن يتحرك لكن أحس بيدٍ تمسك ذراعه، أحس بالغضب.. فالتفت سريعًا، ولحسن الحظ كان “جان” هو من يمسك يده، استغرب من تصرفه وتحدث بتساؤل:
-جان، ماسك إيدي كدا ليه؟!
تنهد “جان” وأجابه قائلًا:
-اعمل اللي يقولك عليه علشان خاطر ماريا.
صمت “رام”، كان يفكر في حلٍ للخروج من هذه الجزيرة، الخروج منها صعب و”ماريا” مصابة، عليه أن يتحمل إلى حين أن تعود إليه بخيرٍ وعافية، أفاق من شروده على صوت ذلك الرجل:
-اسمي جون، أنا حاكم الجزيرة دي، وأنت بقيت تحت حكمي، أنتوا هنا علشان تنفذوا أوامري.
حاول “رام” أن يهدأ ويتعامل معه بهدوء كي لا يفقد صوابه ويقتله، أخذ نفسًا عميقًا وقال:
-وهنعمل إيه بالضبط؟
نظر إليهم “جون”، ثم نقل نظره إلى الفتيات وتحدث:
-أنتوا شغلكم هيكون في السفن، الجندي هيقولكم شغلكم هيكون إيه، والبنات هيكون شغلهم في المطبخ والتنظيف.
ليس هذا وقت الرفض أو الهرب، يجب الاستسلام مؤقتًا من أجلها، تحرك “رام” و”جان” مع الجنود، أحست الفتيات بالرهبة من المكان، حاولت “دينيز” أن تكون قوية، فهذا ليس وقت الخوف، اتجه الشباب إلى أحد المنازل لمعرفة نوع عملهم، ما إن دخلوا حتى وضعوا أيديهم على أنوفهم من الرائحة الكريهة المنبعثة منه، كان المكان مليئًا بالملابس المتسخة المكدسة فوق بعضها وبعض النفايات، خرجت سيدة ذات شعرٍ أبيض مظهرها مخيف، تحدثت قائلة:
-أنتوا هتنضفوا كل الهدوم دي، وأي غلط هيكون عليه عقاب، يلا اتحركوا وراكم شغل كتير.
بدأت “دينيز” و”نايا” بجلب الماء وبدأتا التنظيف، أحستا أنه سيغمى عليهما من رائحة الملابس الكريهة، أما “إليف” ولأنها ما زالت صغيرة، فهي لا تعرف شيئًا عن التنظيف، أمسكت بالملابس فسقطت منها أرضًا على التراب، انحنت سريعًا لكي تلتقطها، لكن وقبل أن تلمس يدها الملابس شعرت بيدٍ تقبض على يدها بقوة وتسحبها نحوها، تحدثت بصوتٍ غليظ:
-هاتوها لي هنا علشان تتعاقب، هنا مفيش مجال للغلط، الغلط ممنوع أنا حذرتكم.
نظرت بفزعٍ ورعب إلى ما يحضروه ونزلت دموعها.
بدأت في التراجع إلى الخلف عندما رأتهم يحملون إناءً بداخله ماءٌ مغلي، كانت شهقاتها تعلو وكلما تراجعت خطوة إلى الخلف تقترب منها تلك المرأة أكثر، لم تنتبه لألواح الخشب الموجودة خلفها فتعثرت بها ووقعت على الأرض، نهضت سريعًا وزحفت إلى الخلف على ظهرها، وتلك المرأة ما زالت تخطو نحوها ببطء وهي مستمتعة بخوف “إليف”.
رغم ارتعاش “دينيز” ورعبها من هؤلاء النسوة فقلبها لم يطاوعها بأن تسمح بأذية “إليف”، تركت ما في يدها وأسرعت نحو تلك المرأة، وقفت بينها وبين “إليف” واستجمعت قواها، أحست “دينيز” بالتوتر من نظراتها ولون عينيها الأحمر فارتجفت أوصالها، لكنها حاولت جاهدة أن تحافظ على صمودها، عكس “نايا” التي كانت ترتجف من الخوف، اقتربت من أختها وساعدتها على النهوض، وقفتا خلف “دينيز” لكي تستمدا منها القوة بعد “ماريا”، فهما لا تقدران على الدفاع عن نفسيهما، لولا “ماريا” لكان أمرهما قد انتهى منذ زمنٍ طويل.
حل الصمت في المكان، هدوء مخيف، أحست “دينيز” بتوتر الجو، بلعت لعابها خوفًا من نظرات تلك المرأة وقالت:
-أنا اللي هكمل شغلها، سامحيها المرة دي أرجوكِ.
ابتعدت المرأة عنها قليلًا، أطلقت “دينيز” زفيرًا كأنها كانت تغرق، لكن راحتها تلك لم تدم طويلًا لأنها ألقت الماء المغلي على إحدى قدميها، خرجت منها صرخة دوت في المكان، جلست أرضًا وهي تبكي تارة وتصرخ تارة أخرى، نزعت الحذاء عن قدمها وانتزع معه لحم قدمها.
“نايا” لم تعرف ما يمكنها أن تفعله لكي تخفف من ألمها، ركضت نحو أحد الآنية المليئة بالماء، جاءت به وصبته على قدمها لعل الماء البارد يخفف قليلًا من ألم قدمها، لكن الألم ازداد أضعافًا.
نظرت إليهن المرأة من دون رحمة، اقتربت منهن وقالت:
-لو الهدوم دي متغسلتش بسرعة، العقاب هيكون مضاعف، بسرعة لسه قدامكم شغل كثير.
خرجت بسرعة البرق، لم تهتم لصوت أنين “دينيز” وبكائها الذي يمزق نياط القلب، تحدثت “إليف” بصوتٍ مختنق من البكاء:
-أنا آسفة أوي أوي، سامحيني لو كنت خدت بالي مكنش دا كله حصل.
تحاملت “دينيز” على نفسها، وحاولت إخراج صوتها المخنوق من البكاء والألم، تحدثت بصوتٍ ضعيف:
-مش وقت الكلام دا، نايا هاتي شوية تراب.
قبل أن تسأل أوقفتها بإشارة من يدها، طلبت منها أن تستعجل، ركضت “نايا” سريعًا خارج تلك الغرفة، تفحصت المكان.. ثم حملت القليل من التراب بيدين مرتعشتين، كانت تلتفت يمينًا ويسارًا، دخلت سريعًا ووضعت التراب أمام “دينيز” وهي تنظر إليها باستفهامٍ وتساؤل.
أمسكت “دينيز” الماء ووضعته على التراب حتى أصبح طينًا، ووضعته على الحروق، ثم مزقت قطعةً من ثوبها وربطت بها قدمها، ثم رفعت نظرها نحوهما وجدتهما ينظران إليها بتساؤل، وقفت بتعب والألم ظاهر على قسمات وجهها، تحدثت قائلة:
-أنا عارفة إنكم عايزين تعرفوا أنا عملت كدا ليه، الطين لأنه بارد هيخفف الحرقة اللي أنا حاسة بيها في رجلي، خلونا نكمل شغلنا ونفكر في حل يخرجنا من هنا…
قاطعة “نايا” حديثها قائلة:
-بس كدا الجرح هيتلوث، ورجلك هتتأذي يا دينيز.
أجابتها “دينيز” قائلة:
-مش مهم، تعالوا نكمل أو نلاقي حل نهرب بيه من هنا.
لم تهتم “دينيز” بألم قدمها، كان كل همها كيفية الخروج من هذا المكان، تركض إليه فهو كل شيء لها في هذه الحياة، سندها، أمانها، كان لها الأب عندما تحتاج إليه، وكان لها الصديق في وقت الضيق، وكان الملجأ من هذا العالم القاسي، وها هم يبعدونه عنها، روحها تحترق وقلبها منفطر، تخشى أن يحدث له مكروه، كيف سيكون مصيرها من بعده، مجرد تفكيرها في أنها من الممكن أن تفقده يجعل قلبها يهوي أرضًا.
وعلى الجانب الآخر.. كان “جان، ورام” يقومان بالأعمال الشاقة، حمل الحجارة ونقل الأخشاب، “رام” كان يشعر وكأنه يحترق ولم يعد يشعر بنفسه من شدة الغضب، أصبح يلوم نفسه أنه هو السبب، هو من أصر على هذه المغامرة وهو من وضع أصدقاءه في الخطر، صغيرته تصارع الموت ولا يعلم أين هي، ولا كيف حالها، ما جعله يتحمل تلك المتاهة الصعبة هو وجودها بجانبه، على الرغم من أنه كان يمثل القوة أصبحت هي مصدر قوته، أفاق من شروده على صوت “جان” قائلًا:
-رام، أنت كويس؟ أنت بتفكر في حاجة؟
أخذ نفسًا وتحدث:
-أنا مش كويس، ازاي عايزني أبقى كويس وأنا معرفش صحتها عاملة إيه دلوقتِ، روحي بتتحرق مش قادر أصبر، أنا مخنوق أوي، النفس اللي بتنفسه بقى بيخنقني.
تنهد فهو خائفٌ ألا يراها مرة أخرى، خائفٌ من فقدانها، لا حياة له من دونها، هي أمله والنور بعد الظلام الذي كان يعيش فيه، آهٍ على عذابٍ مؤلم، انتهوا من تلك الأعمال التي كان يشعر أنها ثقيلة على قلبه، رأى أحد الجنود يركض نحوهما، إنه الشخص نفسه الذي حمل “ماريا”، نعم إنه هو.. توقف عن الحركة وزادت ضربات قلبه، استمع إلى حديث الجندي حين تحدث بصوتٍ لاهث قائلًا:
-البنت اللي اتصابت…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية المتاهة القاتلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى