روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثلاثون 30 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثلاثون 30 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الثلاثون

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الثلاثون

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الثلاثون

حملها”أحمد” بين يديه ثم أسرع بها للأعلى، فطرق على باب الشقة عدة مرات، حتى أسرعت “حور” بفتحه، فجحظت عينيها على مصرعيها حينما وجدتها فاقدة الوعي، فأسرعت تجاهها تحرك وجهها وهي تتساءل بقلقٍ:
_في أيه يا “أحمد”؟
قال وهو يتجه لغرفة”روجينا” ليضعها على الفراش:
_معرفش أنا كنت خارج ولقيتها راجعة من برة شكلها تعبان ومرهق وفجأة وقعت من طولها.
وانتصب بوقفته، ليخرج هاتفه من جيب بنطاله الرمادي، فتوترت معالمها، لتسرع بسؤاله:
_بتعمل أيه؟
رد عليها دون أن يتطلع لها:
_بتصل بدكتور يجي يطمنا عليها.
خطفت “حور” الهاتف من يديه بإرتباكٍ ملحوظ، فلعقت شفتيها الجافة بتوترٍ:
_لا الموضوع مش مستاهل، هي شكلها محلتش حلو في الامتحان خصوصاً إنها مكنتش تعرف معاده.
إقترب منها أحمد ثم مد يديه تجاهها بصمتٍ، فوضعت هاتفه بيديه بحرجٍ، عاد ليحرر الإتصال وهو يردد:
_لازم نجيب دكتور يطمنا عليها شكلها تعبانه.
إنقبض قلب “حور” خوفاً من القادم، فأخذت تدعو الله سراً أن لا ينكشف أمر “روجينا” ، مرت الدقائق ثقيلة عليها، فوخز قلبها فور سماعها لجرس الباب، ازدردت ريقها الجاف بصعوبةٍ، حتى أنها شعرت بتصلب قدميها وكأنها من ارتكب ذلك الجرم الشنيع، فتح باب الغرفة ليطل أحمد من خلفه وهو يشير للداخل بيديه:
_اتفضل يا دكتور.
ولج الطبيب المعالج للداخل، فاقترب منها وهو يتفحص نبضها، ومن ثم قاس الضغط في محاولات منه لاستكشاف سبب إغمائها، ابتعدت “حور” عن الفراش ثم وقفت جوار “أحمد” ولأول مرة يتغيب عقلها عن استحضار المناسب لفعله فبدت كالمغيبة حينما تمسكت بذراع أحمد فاتجهت نظراته القلقة عليها حينما شعر برعشة أصابعها على ذراعيه وخاصة حينما قالت بدموعٍ صاحبتها:
_”أحمد”… أنا آآ…. أرجوك لازم تسمعني ضروري.
استدار بجسده كلياً تجاهها ليتساءل بلهفةٍ متناسياً الدنيا وما عليها ليس وجود الطبيب فقط:
_في أيه يا “حور” اتكلمي.
لم تجد كلمات تسعفها، فبداخلها تزرع ظنون طيبة حول عدم كشف الطبيب لحملها، فتخشى إن لم يلاحظ ذلك وتفضحها هي، ولكن أتاها سؤال حسم الصراع بداخلها حينما تساءل الطبيب باهتمامٍ:
_حضرتك جوزها؟
نقلت نظرات أحمد تجاهه، فدنا من الفراش وهو يجيبه بهدوءٍ:
_أنا خطيبها وابن عمها، يعني تقدر تتكلم.
إحتقرته نظرات الطبيب وخاصة حينما ردد بدهشةٍ:
_خطيبها!
ظن “أحمد” بأن هناك أمراً هام يأبى التصريح به اليه، لحاجته لأهلها، فأخبره بما سيجمعهما خلال أيام:
_أيوه وفرحنا كمان أسبوع.
هز الطبيب رأسه ببطءٍ وهو يردد. على مضضٍ:
_طب كويس عشان اللي في بطنها.
تراجعت “حور” للخلف بخوفٍ شديد، بينما انعقدت ملامح أحمد بذهولٍ، فظن بأنه لم يستمع إليه جيداً، فعاد لسؤاله:
_عشان أيه؟
دون الطبيب الروشتة وهو يجيبه بنزقٍ:
_أنت متعرفش إنها حامل في تلات أسابيع ولا أيه!
جحظت عينيه في صدمةٍ لم يستوعبها عقلها، فخرجت حروفه مهزوزة:
_حامل!
قطع الطبيب الروشته وقدمه له بتريثٍ:
_ياريت تجبلها الدوا ده موقتاً لان لازم تتابع مع دكتور تخصص نسا وتوليد في أقرب وقت.
لم ينتبه لم يقدمه له وبنصحه به، فكان هائماً بحاول الإفاقة من تلك الصدمة التي تستنقص رجولته، ضربته في مقتل وتركته صريعاً يواجه حافة الموت بمفرده، التقطت حور الروشته من الطبيب ثم قالت بابتسامةٍ مصطنعة:
_شكراً، اتفضل معايا.
تتبعها حتى أوصلته للخارج، ثم عادت راكضاً للداخل، فوجدت جسده يهتز بعنفٍ فاستند بجذعيه على ذراع الاريكة القريبة منه، ليلقي بثقل جسده عليها، ويديه تضغط على مقدمة رأسه بعنفٍ وحدة في محاولة منه لتقبل الأمر.
*******
شعرت بيديه تبعدها عنه، ففتحت عينيها بذعرٍ وهي تتلفت حولها بتشتتٍ، عاد “آسر” ليجلس محله على الفراش مجدداً، ليحاوط وجهها بكلتا يديه بحنان:
_ في أيه يا حبيبتي!
بدأت باستيعاب ما حدث لها، فقالت بارتباكٍ:
_أنت رايح فين؟
ابتسم وهو يتابع قلق منامتها لابتعاده عنها:
_مش من عادتي أتاخر في النوم كده، ثم إني بحب أنزل أتمشى أول ما أقوم من النوم وأنا النهاردة إتاخرت عن العادة.
ونهض ليفتح خزانة الدولاب، ثم أخرج ترنج رياضي ليبدأ بتبديل ثيابه، أغلقت “تسنيم” عينيها بخجلٍ، لتصيح به بانفعالٍ:
_ما تغير في الحمام!
منحها نظرة ماكرة قبل أن يتبعها قوله الخبيث:
_أنا أغير في المكان اللي يعجبني، بس مش قدام أي حد غير مراتي، أنا راجل دقة قديمة حبتين.
ضحكت وقد طربه صوتها، فأشار لها بصرامةٍ زائفة:
_هتقومي ولا أمشي.
أزاحت عنها الغطاء وهي تسرع بالتوجه لحمام غرفتهما:
_لا ثواني وهكون جاهزة.
سقط المئزر عنها لتشتت حركتها، فكشف عما ترتديه بأسفله، فرفعته تسنيم سريعاً لتخبئ جسدها وقد انحبست الدماء بوجهها المرتعب، كانت تتصرف بغرابة ومع ذلك حبس هواجسه داخله، حينما قال ممازحاً إياها:
_أنتي لسه هنا! لا أنا هنزل لوحدي.
هرعت للخزانة ثم التقت اسدالها، وهي تردد بخوفٍ:
_لا لا خلصت أهو.
وحينما أغلقت باب حمامها، همس “آسر” ساخراً:
_شكلي كده والعلم لله صبري هيطول أوي.
********
تأوهات خافتة خرجت منها وهي تحاول رفع أجفانها الثقيلة بتعبٍ شديد، فاحتضنت مقدمة رأسها بيدها وهي تحاول الاعتدال بمرقدها، استندت “روجينا” بمرفقها على الفراش، لتعتدل بجلستها، لتجد “حور” تجلس لجوارها وعينيها متورمة من أثر البكاء، رددت بصوتٍ شاحب كحال وجهها:
_حـور!
منحته نظرة مشفقة على حالها وما سيحدث فيما بعد، فسألتها “روجينا” بقلقٍ من رؤية حالتها:
_في أيه!
_حمدلله على السلامة.
صوته الذكوري جعلها تنتبه لوجوده بالغرفةٍ، فاستدارت وجهها لتجده يجلس على الأريكة المقابلة للفراش، همست بصوتٍ خافت:
_أحمد!
تذكرت أخر ما حدث لها قبل أن تفقد الوعي، فتعلقت نظراتها به مطولاً، نهض “أحمد” عن الأريكةٍ ثم اقترب من الفراش ليشير لحور بحزمٍ:
_اطلعي بره يا حور.
تعجبت “روجينا” من نبرته الجافة وخاصة توتر ابنة عمها الذي زرع الخوف في نفسها، انصاعت “حور” لطلبه بالبقاء معها بمفرده، فأغلقت الباب من خلفها، جذب أحمد المقعد الموضوع أمام السراحة، ثم وضعه أمامها ليجلس بهدوءٍ بدى مخيف لها، حاولت “روجينا” إخفاء ربكتها التي تهاجمها، فطال الصمت بينهما الى أن مزقه “أحمد” حينما قال:
_أيه اللي مرجعك من الجامعة بالحالة دي!
انسدلت دموعها تباعاً فور تذكرها ما حدث، فقالت بصوتٍ متقطع من أثر البكاء:
_أنا بس اتصدمت في حد كان قريب مني، ودي مش أول مرة أنا دايماً بتخدع في كل اختياراتي يا أحمد.
ثم رفعت عينيها تجاهه، لتدنو منه بجسدها، فقربت يدها منه بارتباكٍ، احتضنت لائحة يدها بين يديه ثم قالت بانكسارٍ:
_أنا غبية لدرجة إني معرفتش قيمتك وكنت دايماً بعيدة عنك.
إبتسامة ساخرة رسمت على شفتيه، فجذب يديه بعيداً عنها ثم قال وهو يحدجها بنظراتٍ قاسية:
_وده اكتشفتيه أمته قبل الحمل ولا بعده؟
جحظت حدقتيها في صدمةٍ، فقرب وجهه منها وهو يستطرد ساخراً:
_انتي متعرفيش اني جبتلك دكتور يطمني عليكي، والراجل مشكور قالي اعمل الفرح بسرعة قبل ما نتفضح.
تراجعت للخلف بخوفٍ شديد، ورددت بصوتٍ شبه مسموع:
_احمد اسمعني آآ… أنا… آآ…
إبتلعت كلماتها حينما هوى على وجهها بصفعةٍ قوية، ومن ثم جذبها من حجابها وهو يصيح بعصبيةٍ بالغة:
_بتستغفلينا يا رخيصة، عايزة توطي رأسنا، لا معاش ولا كان اللي يعملها ده أنا أقتلك مكانك هنا يا زبالة.
صرخت بألمٍ وهي تحاول إبعاده عنها،ولكنها تفاجأت به يتركها من تلقاء نفسه، ليمنحها نظرة أسقطتها من توب العفة:
_أنا كنت بحاول أقربلك عشان أقدر أفهمك،كنت واثق إنك مختلفة عني ومتلقيش بيا وبالرغم من كده كنت مخلص ليكي لأخر لحظة، ليه تعملي فيا كده؟ انتي كل مرة بتهنيني وبتهيني رجولتي لكن لا يا “روجينا” المرادي لا وألف لا.
وتركها وكاد بمغادرة الغرفة، فركضت خلفه لتنحني أسفل قدميه، فتمسكت بساقه وهي تبكي بحرقةٍ وبصوتٍ متقطع قالت:
_أبوس ايدك متقولش لبابا حاجة، أنا أستاهل القتل، إقتلني ومتقولوش حاجة.
ضغط على شفتيه معاً حتى كاد بقطعهما، جسده لا يحتمل لمستها إليه، فأبعدها عنه بنفورٍ، عادت لتتمسك به وهي تستطرد بقهرٍ:
_أنا عمري ما شوفتك زوج ليا يا “أحمد” ، انا مكنتش قادرة أشوفك غير زي “يحيى” و”بدر”، حاولت أحبك معرفتش ولما قولت لماما تفركش الخطوبة رفضت حتى توصل الموضوع لبابا..
والتقطت أنفاسها الثقيلة بصعوبةٍ:
_أنا حاولت أحبك معرفتش، وبعد كده ظهر هو في حياتي، معرفش ازاي سيطر عليا وخلاني أحبه وأثق فيه، ووفقت أتجوزه بس مكنتش أعرف إنه ضحك عليا وإن ده مكنش جواز و إني كنت مجرد وسيلة عشان ينتقم من أبويا و”آسر”.
بالرغم من شدة صدماته مما يستمع إليه، ولكن كلمتها الاخيرة جعلت عقله يعمل بسرعةٍ، فانحنى “أحمد” تجاهها، ثم جذبها من حجابها لتواجهه مجدداً، فتساءل بنبرته الخشنة:
_إنتي بتتكلمي عن مين؟
بكت برعبٍ من تلك المواجهة الشبيهة بجحيم الموتى التي تراه بعينيه، فخرجت الحروف متقطعة والخوف يندث من خلفهما:
_آ.. ي.. ا.. ن “آيان المغازي”
احتدت نظراته المسلطة عليها فالقاها أرضاً وهو يصرخ بها بغضبٍ مميت:
_مش قولتلك رخيـــــــــصة، سلمتي شرفك لابن المغازي يا فجرة..
وضغط بيديه على شعره حتى كاد بإقتلاع جذوره، فجاب الغرفة ذهاباً وإياباً ومن ثم توقف أمامها وهو يصيح بحدةٍ:
_أنتي عارفة عمي لو عرف الموضوع ده هيجراله أيه!
ضمت جسدها إليها وهي تردد بانهيارٍ:
_لا لا مش هيعرف لا..
انحنى تجاهها ليضحك ساخراً:
_إنتي فاكرة الكلب ده عمل كل ده ليه! ، عشان يكسرنا كلنا بسببك، وبصراحة عرف يختار صح مكنش يقدر يعمل كده مع “ماسة” أو “حوار” ، عشان كده إختارك انتي.
كلماته نغزت قلبها كالخناجر المسنة، ومع ذلك تقبلتها لأنها تستحق أكثر من ذلك، انتصب “أحمد” بوقفته فسيطر على انفعالاته قليلاً حتى يتمكن من التفكير، سكن لدقائق ومازالت تحتضن جسدها المرتجف بخوفٍ، إلى أن سكنت حركة أحمد التي جابت الغرفة بأكملها، فإتجه نحوها، أخفت روجينا جسدها بيدها ظناً من أنه سيقتلها أو ربما سيوسعها ضرباً ولكنها وجدته يتجه بها للأريكة، فجلس عليها وهو يشير لها لتستمع لما سيقول باهتمامٍ:
_مش هسمح للحيوان ده يحقق اللي في دماغه ويكسر عمي ولا يكسرنا، شرفه من شرفي وعرضه هو عرضي..
ثم التقط نفساً مطولاً قبل أن يستطرد:
_الفرح هيتعمل في معاده وانتي هتفضلي هنا مش هنسافر الا قبل الحنة بيوم عشان محدش يأخد باله من الاعراض اللي عندك سامعة؟
أومأت برأسها عدة مرات، فمنحها نظرة حملت معنى التقزز والكره قبل أن يقول:
_لو بعمل كده فعشان عمي وآسر مش عشان واحدة رخيصة زيك، اللي هقدر أعمله إني هتجوزك كام شهر وبعدها هنتطلق لاني مش هقدر أعيش مع واحدة وسخت رضي وإحنا على البر، فمقدرش اتوقع اللي هتعمله بعد الجواز.
وتركها وغادر للشقة المقابلة لهم، فما ان تأكدت “حور” من رحيله حتى هرعت إليها تسألها بخوفٍ:
_أيه اللي حصل، أحمد قالك أيه؟
اختبأت روجينا باحضانها وهي تقول بانكسارٍ:
_أنا ليه عملت في نفسي كده يا “حور”، انا إزاي قدرت أثق في الحيوان ده.
ابتعدت عنها وهو تتساءل بذهولٍ:
_انتي بتقولي أيه؟
أجابتها بدموعٍ غزت وجنتها:
_كان بيستغلني عشان ينتقم من أبويا يا حور، وقالي ان عقد الجواز ده مزيف يعني اللي كان بينا مكنش غير زنا!
عاتبتها الاخيرة ببكاءٍ:
_قولتلك يا “روجينا” بس أنتي مصدقتنيش، اللي بيحب حد بيحافظ عليه وبيدخل البيت من بابه مش بالطريقة دي.
القت برأسها على الحائط من خلفها وهي تندب بندمٍ:
_يارتني سمعت كلامك، يارتني كنت موت قبل ما اعمل في نفسي كده..
وفتحت فمها عل الهواء يصل لرئتيها المسدودة:
_”أحمد” ميستهلش اللي عملته فيه ده، أنا مستحقش أعيش يا “حور”.
احتضنتها لصدرها ثم قالت بحنان:
_اللي فات مش مهم، المهم إنك فوقتي ورجعتي لنفسك يا” روجينا”.
قالت باستهزاءٍ:
_بعد أيه، بعد ما ضيعت نفسي!
وضربت بطنها بيدها معاً وهي تصرخ بانفعالٍ:
_وبقيت شايلة عاري في بطني… لا أنا مش عايزة الجنين ده أنا لازم أتخلص منه.
شهقت “حور” بصدمةٍ:
_أيه اللي بتقوليه ده، حرام عليكي دي روح بريئة ملهاش ذنب في كل ده.
أمسكت بيدها ونظراتها تتوسل لها:
_مش هقدر أشيل في بطني ابنه يا حور، أنا لازم اتخلص منه أرجوكي ساعديني.
سألتها بدهشةٍ:
_إزاي بس؟
ازاحت دموعها ثم نهض عن الأرض لتجذب حقيبتها فأخرجت الهاتف ومن ثم الرسالة التي أرسلتها لها احدى أصدقائها:
_ده عنوان دكتور بيعمل العمليات دي، واحدة صاحبتي بعتتهولي، لازم أروحله في أقرب وقت وأخليه يعملي العملية.
بدى الخوف جلياً على وجهها، فقالت بارتباكٍ:
_بس الموضوع ده مش سهل يا روجينا، أكيد في إجراءات وتشديدات كتيرة.
أجابتها بحزنٍ:
_لا متقلقيش الدكتور ده بيعمل الحاجات دي في السر..
صعقت مما استمعت إليه، فقالت بصدمةٍ:
_انتي عايزة تدخلي الاماكن المشبوهة دي برجلك يا “روجينا”؟
انهمرت دمعاتها على وجنتها لتشير اليها بانهيارٍ:
_عندك حل تاني؟.
ارتخت معالمها، فأزاحت الدموع العالقة بأهدابها ومن ثم ترددت في سؤالها:
_طب وأحمد؟
إنخلع قلبها فور ان تحدثت عنه، فقالت بلهفةٍ:
_لا مش لازم يعرف حاجه من اللي قولتها دي يا” حور”، احنا هنروح بكره من وراه.
أومأت برأسها بالرغم من عدم اقتناعها بما ستفعله ولكنها تظنها خطوة ايجابية لتنسى هذا اللعين وما فعله بها.
*******
مرت ساعة كاملة ولم يشعر كلا منهما بالوقت، فظهر الاسطبل على مرمى بصرهما، فأشارت “تسنيم” بيدها عليه وهي تخبره بحماسٍ:
_عايزة أشوف برق.
ابتسم وهو يتطلع تجاه ما تشير، فغمز بعينيه:
_يالا.
سبقته بخطواتٍ شبيهة بالركض حتى وصلت لبابه القصير، فدفعته وكادت بالولوج فتذكرت ما حدث لها أخر مرة، فتراجعت بظهرها للخلف بخوفٍ، ضحك “آسر” على مظهرها المضحك ثم قال:
_شايف الحماس غلبه الخوف والجبن!
لكزته على صدره بضيقٍ:
_لا موجود بس ميصحش نقتحم المكان في وجود صاحبه.
دنا منها فتراجعت للخلف، فرفع يديه ليتمسك بالخشب الموضوع من خلفها على الجانبين، ثم انحنى ليهمس بأنفاسٍ لفحت رقبتها:
_المكان كله وصاحبه ملكك..
فتحت عينيها المغلقة، فالتقت عينيها التائهة بنظرات عينيه العميقتين، فشعرت بنفس إحساس الأمان الذي يهاجمها كلما إقترب منها، غفلتها تلك كانت فرصة له بالاقتباس من رحيقها الخاص، فجحظت عينيها في صدمة قربه الشديد منها، دفعته تسنيم ليبتعد عنها، فتعالت ضحكاته حينما وجدها ترمقه بنظراتٍ مغتاظة، فابتعد عنها وهو يشير اليها:
_هجيب السرج وجاي.
بمجرد اختفائه عنها، حتى لامست بأصابعها شفتيها المرتجفة بارتباكٍ، وابتسامةٍ رقيقة رسمت على وجهها، فقد نجح “آسر” بغزو قالب رغباتها المغلق، استحوذ على مشاعرها بلمساته الاحترافية وكلماته التي تتودد إليها، رأفته بحالتها بالأمس حينما سمح لها بالنوم بأحضانه بعد سيطرة منه على مشاعره المنجرفة إليها، شعرت بتلك اللحظة بأنها قادرة على منحه فرصة الإقتراب منها، وقد اتخذت قرارها بتوترٍ جعل وجهها يصطبغ بحمرةٍ مربكة للغاية، فاقت “تسنيم” من شرودها حينما وجدته يخرج على متن حصانه المفضل “همام” ، ويقترب منها فهرعت للخارج بخوفٍ، اقترب منها حتى صار يقف بمحاذاتها، ثم قدم لها يديه ليشير لها قائلاً:
_تعالي..
اخفت يدها معاً للخلف وكأنه سيلتهما:
_لا مستحيل.. انت بتهزر.
منحها “آسر” ابتسامة جذابة، قبل أن يتابع باستنكارٍ:
_غريبة إنك بتحبي الخيل ومع ذلك عمرك ما فكرتي تركبيه؟
ردت عليه بنزقٍ:
_وأيه الغريب في كده، عادي بحب أتفرج عليه بس من بعيد..
اقترب بخيله منها، ثم قال بصوته الرخيم:
_مش هتندمي صدقيني.
تراجعت خطوتين للخلف وهي تشير له بانفعالٍ:
_قولتلك لا..
ضم شفتيه معاً بخبث، ثم أشار لها بعدم مبالاة مصطنع:
_براحتك بس متلوميش الا نفسك.
لما تفهم ما قال الا حينما تحرك بالخيل تجاهها، فركضت “تسنيم” وقد ظنت بأنها ستحظى بالفرار، فوجدته ينتشلها بذراعيه التي اجبرتها على الصعود أمامه، تعلقت برقبتها وهي توزع نظراتها بينه وبين الأرض بعدم استيعاب لما فعله، وحينما استعابت صرخت برعبٍ:
_لا نزلني..
واحتضنته بقوة كادت بقطع التيشرت الخاص به، فابتسم وهو يردد بمكرٍ:
_أنزلك أيه بس أنا حبيت الخيل أكتر من الأول.
ابتعدت عنه بحرجٍ، فصاح بمكر:
_هتوقعي كده وهتتعقدي من الخيل.
عادت لتتشبث به من جديدٍ فابتسم بانتصارٍ، وضمها بيديه المتمسكة بلجام الفرس، فتلك اللحظات تمنحه سكينة لم يشعر بها سوى بقربها منه.
*****
بالجناح الخاص ببدر.
نومه الثقيل جعله لا يشعر بما حوله، فظل نائماً حتى الساعة الرابعة عصراً، مما جعلها في حالة من الضيق والتذمر لعدم جلوسه للتحدث معها، فاقتربت منه “رؤى” بمللٍ بعد أن قامت بمحاولةٍ ايقاظه للمرة التي تعدت الخامسة، فهزته تلك المرة بعنفٍ وهي تصرخ بصوتٍ مرتفع للغاية:
_بــــــــــــــــــــــــدر.
ظنه “أحمد” كالمعتاد، فلف ذراعيه ليطرحه على الفراش، ثم كور يديه بلكمةٍ قوية كادت باستهداف وجهها لولا أن تأكدت عينيه بمن يرى، فارتخت عضلات جسده ليردد باستغرابٍ:
_”رؤى”!
أخفت وجهها بين يدها وهي تردد بخوفٍ:
_أنت هتضربني من أول يوم ولا أيه!
عاونها على الجلوس، ثم قال بنظراتٍ عاشقة:
_تنقطع إيدي لو تتمد عليكي يا روحي، أنا بس لسه متأقلمتش على الوضع الجميل ده.. كنت فاكرك “أحمد”.
همست بخوف من خلف حاجزها الخاص:
_يعني أمان أشيل إيدي ولا أيه؟
ضحك بصوتٍ مسموع، ليقربها من صدره:
_أنا الأمان بنفسه عيب تسألي السؤال ده.
ابعدت يدها عن وجهها، ثم دفعته بعيداً عنها لتبتلع ريقها بخوفٍ:
_بعد اللي شوفته لازم أسال مرة وإتنين وعشرة.
منحها نظرة خبيثة قبل أن ينحني تجاهها:
_لا أنا مقدرش على زعلك.
زحفت للخلف وهي تشير اليه بتوتر:
_بتعمل أيه؟
قال وهو يقترب منها بمكرٍ:
_هحاول أصالحك.
وجدت خوفها يتبدد أمامه، لتنغمس بين أحضانه مثل الأمس، تعالت ضحكاتها حينما أخبرها بما كان يحدث له من وراء نومه الثقيل، فكانت تلك من الصفات التي لم تعرفها عنه قط، ولكن راق لها تودده إليها ليصطحبها في رحلة لا تخص سواهما..
******
بالمندارة
كان يجتمع”فهد” بعدد من الرجال ليشكو من ابن عم والده، الاغلب يشكو من سيطرته على أراضي الفلاحين وتأخره بدفع إيجار الأرض، ومن يطالبه بذلك يهدده بمركزه فيهابه الضعيف والقوي، فمنحهم “فهد” وعداً قاطع بالتداخل في حل الأمر، واعادة الحقوق لأهلها، فما أن غادر التجمع الغفير حتى اجتمع رجال المنزل، فقال “سليم” باستياءٍ لما يحدث:
_”مهران” سايق فيها على الكل يا كبير ولازمن يتحطله حد.
أضاف “عمر” بضيقٍ شديد مما استمع إليه من شكاويٍ غير مرضية بالمرةٍ:
_اللي خلاه مستقوي على الناس كده لأنه مفكرنا هنسانده وهنقف في دهره بعد ما اتجوز بدل “فهد” من البنت دي!
اضاف “جاسم” بإنفعالٍ:
_كنه كان بيعملها جميلة عشان نفضل نسدد الدين لحد النهاردة.
قال “يحيى” والدماء تغلي بعروقه:
_يعني هو ميستقواش الا على الناس الغلابة اللي الأرض هي مصدر دخلهم الوحيد، لو سكتنا المرادي كده الناس هتفقد الثقة إن الكبير هيرجعلهم حقوقهم.
سارت المناقشات بينهما، و”فهد” يستمع لما يقال بصمتٍ كان بمثابةٍ عد تنازلي للقادم، فانتهت الهمسات فيما بينهما وكفوا عن الحديث لينصتوا لما سيقال:
_مفكر إني هقعد وهتفرج على مصايبه، يبقى ميعرفنيش واصل.
ثم رفع صوته لينادي أحد رجاله، فما أن حضر أمامه حتى أمره بحدةٍ:
_تروح لحد داره وتقوله يجيني بكره والا هيفتح على نفسه أبواب جهنم.
أومأ الرجل برأسه وهو يردد باحترامٍ:
_أمرك يا كبير.
وغادر على الفور، فاستأذن الخادم بالدخول، ليضع صينية الشاي على الطاولة الصغيرة ثم اتجه للمغادرة فتعجب حينما رأى “ماسة” تتبعه للمكان المحظور على النساء بدخوله، فردد “يحيى” بدهشةٍ:
_ماسة!
انتبهوا جميعاً إليها، فبحثت عنه وسط الحاضرين ثم أسرعت تجاهه لتجلس جواره وهي تعاتبه بحزنٍ:
_أنا بدور عليك من الصبح في البيت الكبير ده، أنا مش عايزة أقعد فيه عشان لما بتضيع مش بلاقيك بسرعة.
حاول كتم ضحكاته في حضرة كبير الدهاشنة، ولكنه وجده يشير إليها بابتسامةٍ هادئة:
_حتى لو كبير في الاخر وصلتيله ولا لا؟
رسمت ابتسامةٍ صغيرة وهي تجيبه:
_ما أنا مسكاه أهو يبقى وصلت ليه.
وتفحصت وجهه بخوفٍ فضحكوا جميعاً على عفويتها التي بدلت الاجواء المتشاحنة بينهما.
********
القلب هو منبع صدق مشاعرك المدفونة بداخلك، فإذا إعتاد لسانك الكذب قلبك لا يستطيع، فان كنت ترسم الحب الزائف على شخص يخصك بشيئاً هام فقلبك لا تستطيع أن ترشيه بأن يحبه عنوة، وحينما تجرح شخص قريب منك ينغزك بقوةٍ ليجعلك تشعر بمكانته داخله، هكذا ما كان يحدث إليه وهو يرى صورها الملقاة على سطح مكتبه، فدفع مقعده بغضبٍ فتاك، ثم اتجه لشرفته فأزاح ستائرها باندفاعٍ لحاجته للتنفس، رؤية شخصاً أخر يلمسها جعل أوردته تندفع وكأنها ستنفجر بداخل جسده، مرر “أيان” يديه على خصلات شعره بشراسةٍ وهو يهدر بوعيدٍ قاتل:
_فاكرة إنك هتتخلصي مني بالسهولة دي يا “روجينا” ، يبقى أنت لسه متعرفيش مين هو الشخص اللي وقعتي معاه.
*******
اجتمعت العائلة بأكملها على الطاولة التي جمعتهم على العشاء، بعد أن اسدل الليل خمائله السوداء ليمنح بعض السلام بعد شمس يوماً حارق، فتعاونت النساء على رص أطباق الطعام الشهي على الطاولة، بعد أن إنضم العرائِسُ لسفرتهم الكريمة، شعرت “رؤى” بدفءٍ غريب لم تشعره وسط عائلتها،فكل منهم كانت تجمعه طاولة خاصة به بعيداً عن الأخر، والكل مسؤول عن اعداد ما يريد تناوله،على عكس ما يحدث هنا، أما “تسنيم” فكان هذا لا يشغل عقلها بل ما يهاجمها من أفكار جعلتها تشعر وكأنها تواجه حرباً أكبر منها، شيئاً بداخلها يود الاقتراب منه وثمة شيئاً يقذفها بوجع الماضي الذي سيؤلمها، تناست ما تفكر به واستأذنتهم لحاجتها بالنوم لشعورها بأن هناك صداع يستهدف رأسها، فما أن صعدت لغرفتها حتى اتجهت لحمام الغرفة وأبدلت ثيابها قبل أن يلحق بها “آسر”، فما أن ولج حتى نادها بقلقٍ حينما علم بتعبها المفاجئ وصعودها:
_تسنيـم… إنتي فين يا حبيبتي.
طلت برأسها من خلف باب حمامها، تتطلع إليه بارتباكٍ شعر به، فقال بلهفةٍ:
_إنتي واقفة ورا الباب ليه!
ابتلعت ريقها بتوترٍ لتحسم قرارها الاخير بكونه زوجها، فخرجت لتقف مقابله، ابتسم”آسر” حينما وجدها تحررت من مئزرها الذي لا يفارقها، فاقترب منها حتى بات مقابلها، فهمس بصوته الرجولي:
_في حد يداري الجمال ده!
احتدت نظراتها تجاهه وكأنها انذار إليه بأنها من بداية الأمر يحاوطها الارتباك فليست بحاجة لما سيزيده، استرقت تسنيم النظرات اليه فوجدته يتطلع لعينيها بهيامٍ، فضمها لصدره وهو يخبرها لها بصدق مشاعره:
_بحبك..
ارتجف جسدها وهي تحارب نطق ما يردده قلبها خلفه، فهمست بصوتٍ يكاد يكون مسموع:
_وأنا كمان.
التقطت أذنيه ما تهمس به، فرفع وجهها اليه وهو يسألها بلهفةٍ:
_قولتي أيه؟
ضمت شفتيها معاً بقوة وأصابعها تفرك بعضها البعض، لتردد بخفوتٍ:
_وأنا..
بمكر قال:
_وانتي أيه..
توترت حروفها:
_بأ… حبك..
إن كان سيلجئ للصبر بعد سماعه تلك الكلمة كيف سيصمد، ضمها إليه وراح يعلمها فنون عشقه بتمهلٍ وحذر، فاندمجت معه ببداية الأمر ولكن حينما تعمق الأمر بينهما عاد شبح ماضيها يتلبسها من جديدٍ، فاختفت ملامح وجه “آسر” لترى “عباس” اللعين أمامها، فقدت الشعور برقة لمساته وكل ما تراه هي لمسات ذاك اللعين المقزز، فحاولت الابتعاد عنه ولكنها لم تستطيع فصرخت ببكاءٍ وهي تستخدم يدها في ضربه:
_إبعد عنـــــــــي، إبعـــــــــــد
ابتعد عنها “آسر” بصدمةٍ مما أصابها، فجذب قميصه ليرتديه باهمالٍ ثم أسرع إليها وهو يتساءل بخوفٍ:
_تسنيم!!…
جذبت الغطاء على جسدها المرتجف وهي تحاول الاسترخاء قليلاً، فوزعت نظراتها بينه وبين الفراغ وكأنها لا تصدق بأنه لا يوجد سواهما بالغرفة، تقسم بداخلها بأنه هنا يختبئ في مكانٍ بالغرفة، قرب “آسر” يديه من وجهها بحذرٍ فتراجعت للخلف وهي تبكي:
_متلمسنيش!
كان في حالة لا يرثى لها، فما حدث جعله يفقد الثقة بحبها تجاهه ومع ذلك لم يتركها، استلقى جوارها على الفراش ثم أرغمها على الإتكأ برأسها على صدره، وأخذ يمسد برفقٍ على ظهرها حتى هدأت تماماً، وغفت بين أحضانه كعادتها، قضت ليلها بنومٍ مزعج بكوابيسه ومع ذلك قد نالت قسط من الراحة، على عكسه لم يذق النوم طوال الليل، فكان يساوره أفكاراً أسوء من الأخرى، فنهض “آسر” من جوارها ثم استلقى على المقعد القريب من الفراش، يتطلع لها بنظراتٍ حائرة، ومع اشراقة صباح اليوم التالي وجدها تحرك ذراعيها باحثة عنه، ففتحت عينيها بفزعٍ حينما لم تجده جوارها، فاستقامت بجلستها لتقع نظراتها على من يراقبها باهتمامٍ، جذبت “تسنيم” الغطاء على جسدها لتنهمر دمعاتها على وجهها خجلاً مما فعلته بالأمس، وازداد بكائها حينما اقترب آسر ليجلس أمامها، فرأت ما تسببته من إصابات استهدفت رقبته بوضوحٍ، سيطر على انفعالاته واختار كلماته بعنايةٍ حتى لا يخجلها:
_تسنيم أنا امبارح ضايقتك في حاجة، أو عملت حاجة بدون ما أقصد زعلتك؟
هزت رأسها بالنفي ومازالت دمعاتها تنسدل على وجهها، فقال بهدوءٍ:
_طب ليه اتصرفتي بالطريقة دي؟
لم تجيبه على سؤاله وفضلت البكاء، فسألها بنظرةٍ تسللت لاعماقها:
_أنتي بتحبيني؟
رفعت عينيها تجاهه وهي تشير بنعم، فابتسم ساخراً:
_بس اللي بيحب حد بيحب قربه يا تسنيم.
ونهض من جوارها ثم كاد بالتوجه لحمام غرفته ليجدها تحتضنه من الخلف وكأنها تخشى مواجهة عينيه، استدار تجاهها “آسر” ثم ضمها لصدره مطولاً وهو يحاول أن يصدق كونها خجولة، فقال بابتسامةٍ هادئة:
_أنا مش زعلان على فكرة عشان تحاولي تصالحيني، أنا كل اللي يهمني هو أنتي وبس يا تسنيم.
ثم رفع وجهها مقابل وجهه ليغمز لها بمكرٍ:
_أنا عارف إنك هتعذبيني بس برضه مستعد..
منحته ابتسامة ازاحت ما به من ألمٍ، فضمها لصدره وبداخله شعور مقلق حيالها..
********
خرجن منذ الصباح حتى لا يعلم “أحمد” بامرهم، بعد ان اتصلت روجينا بالطبيب واتفقت معه على الموعد وتكلفة الجراحة، كانت تعلم بأنها تقصد المكان الخاطئ ولكنه من يليق بتلك النوع من العلاقات المشبوهة، خاب ظن “روجينا” بقوتها، فكانت تظن بأنها ستتحمل ما سيحدث لها والمكان الذي ستذهب اليه في سبيل التخلص بما تحمله باحشائها، ولكنها حينما رأت عيادته الخاصة وشكله المريب اتقبض قلبها وتشبثت بذراع “حور” وهي تردد بخوفٍ:
_أنا خايفة يا حور..
لم يقل خوفها عنها فالمكان كان كريهاً للغاية، لذا قالت لها:
_يلا نمشي من هنا يا روجينا، انا مش مرتاحة للمكان ده.
لم تفقد ذرة الشجاعة بداخلها، فقالت بتصميم:
_لا مش همشي غير لما كل شيء ينتهي، انا مش عايزة حاجة تفكرني بيه يا حور.
انتفضوا كلا منهن على صوت الممرضة السليط وهي تخبرها:
_يلا يا حلوة دورك.
تمسكت بذراع حور وهي تشير إليها بتوسل:
_متسبنيش يا حور ادخلي معايا.
جذبتها الممرضة بطريقة غير أدمية وهي تردد بغلظةٍ:
_هو انتي طلعة رحلة يعنيا، مفيش حد بيدخل مع الحالة.. وانجزي عشان ورانا حالات كتير..
انهمرت دموعها بانكسارٍ لما فعلته حتى يوصلها لعيش تلك اللحظات القاسية، فتركت يد حور وولجت مع الممرضة للداخل، رأت المعدات الطبية ملاقاة هنا وهناك وبقاع الدم تحملها الملاءة الملطخة بها، وما زاد خوفها رؤية وجه الطبيب المخيف حتى انقبض قلبها، فشعرت بأن نظراته لها كانت جريئة للغاية، فلم تعد تشغر بشيء فور تلاقيها أول جرعة من المخدر.
*******
بالخارج..
اتصل هاتفياً برب عمله ليخبره بما أتى به من معلومات بشأن من يراقبها، ليأتيه سؤاله المندهش:
_مكان أيه اللي دخلته في المنطقة الشعبية اللي عندك دي!
قال أحد الرجال بعدما تناول الهاتف من سيده:
_انا نزلت وسألت عليه يا باشا وعرفت انه دكتور شمال بيعمل عمليات من اياهم، وعرفت كمان أن في كذه واحدة مقدمة عليه بلاغات بتهمة التعدي..
صرخ بها بجنون:
_تعدي أي؟
عاد ليوضح له:
_البنات اللي مقدمين البلاغات بيقولوا انه تم الاعتداء عليهم وهما متخدرين.
أتاه صوت أيان المحتقن من فرط غضبه الشيطاني:
_خد رجالتك واتدخلوا فوراً، الكلب ده لو لمس شعرة منها مش هيكفيني رقابكم…
اغلق الهاتف سريعاً ليهبطوا جميعاً ثم هرعوا للداخل، فشكل كل منهما حائل بشري ليمنح الجميع من الدخول أو حتى الخروج، واقتحم أحداهما غرفة الطبيب فوجدوه مجرد من ملابسه ولكن لحسن حظها لم يتمكن من ملامستها بعد..
حاولت حور الدخول للغرفة فمنعوها فصرخت بهما بعنفٍ:
_أنتوا مين وعايزين منها أيه سيبوها.
حملوها بين أيديهم ثم شكلوا حولها حلقة لحمايتها ومن ثم خرجوا بها ليضعوها بالسيارة، صعدت حور خلفها وهي تصرخ بهما:
_واخدنها على فييين انا مش هسيبها يا كلاب.
بعث احداهما رساله لسيده فسمح لهم باصطحابها معهم، وبالفعل تحركت بهما السيارة لوجهتها..
******
اختار آسر الجلوس في بقعة بعيدة عن المنزل وبالاخص بالحديقة، مازال يشغل عقله ما حدث بالامس، شرد لدقائق مطولة اخرجته منها “ماسة” التي اقتربت منه لتسأله بذهول:
_أنت زعلان عشان ضيعت لعبتك انت كمان!
منحها ابتسامة هادئة قبل أن ينهض ليقف مقابلها:
_لا أنا معنديش لعب زيك، بس انتي هتديني واحدة صح؟
أشارت له بالنفي:
_لا يحيى اللي جايبهملي وانت عايز تاخدهم مني انت وحش يا آسر.
ضحك بصوتٍ مسموع، ثم قال بصعوبة بالحديث:
_حقك عليا، وأنا اوعدك اشتريلك لعبة بدل اللي ضاعت أيه رأيك!
أمسكت يديه وهي تحركه بحماسٍ؛
_بجد أمته؟
سحب يديه منها برفقٍ ودون ان تشعر ثم قال:
_أنا خارج دلوقتي ولما هرجع هجبهالك.
قالت بلهفة:
_وعد..
اجابها بنفس تلك الابتسامة:
_وعد.
اشارت له بيدها ثم غادرت من أمامه فعاد ليجلس على مقعده ولم يرى تلك التي تراقبه من الاعلى بغيرةٍ فتكت بها.
******
أخر ما تتذكره هو ذاك الطبيب الذي ما أن ثقل رأسها حتى وجدته يتجرد من ملابسه، فحاولت الصراخ ولكن لم تستطيع، حتى أنها حاولت الخروج من هذا المكان ولكن جسدها كان مشلول لا يقوى على الحركةٍ، فتحت روجينا عينيها على مصراعيها فوجدت ذاتها بمكان شبيه بالمشفى الخاص، لم يشغلها الأمر كثيراً فما تعرضت له زرع بداخلها رهبة وانحطام لا يقوى على الالتئام مجدداً، فنزعت عنها المحاليل الطبية ثم اخفضت ساقيها لتنهض عن ذاك الفراش فاذا بدوار مفاجئ يسيطر عليها فكادت بالترنج أرضاً لتجد أخر وجه تمنت رؤياه بعد ما تسبب به من وجع سيلازمها مدى الحياة، فرددت بتعبٍ:
_إنت!!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى