روايات

رواية ماسة وشيطان الفصل الثامن 8 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الفصل الثامن 8 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الجزء الثامن

رواية ماسة وشيطان البارت الثامن

ماسة وشيطان
ماسة وشيطان

رواية ماسة وشيطان الحلقة الثامنة

صعدت إلى غرفتها تكاد تعدو …
أنفاسها هاربة من صدرها تجاهد للخروج…
وصلت غرفتها أخيراً لتتناول بخاخها…لعلها تهدئ خفقات قلبها المذعورة…
ماذا ستفعل الآن…؟!!!!!
لا حل أمامها سوى الاستعانة بعزيز….
لكن…
كيف ستورط عزيز مع رجل مثل عاصي…؟!!!
عاصي قد يؤذيه…
هي لا تأمن شره ومكره…!!!!
انهارت جالسة على سريرها…
وهي لازالت تفكر بحل…
نعم…السيدة حورية قد تنقذها من هذا الوضع عندما تعود…
هي بالتأكيد لن ترضى عن هذه الزيجة…
لكن…
السيدة حورية ضعيفة مقهورة مثلها….
هي لم تستطع إنقاذ نفسها من بطش عاصي…
فكيف ستنقذها هي؟!!!
رفعت رأسها للسماء في دعاء متضرع للحظات…
ثم تمددت على سريرها وهي تتحسس عنقها المخدوش بحسرة…
عاصي المجرم أحرق سلسلة عزيز….
الشيطان أهلك مصدر سلوتها الوحيدة في هذه الحياة…
سالت دموعها على خديها وهي تشعر بالقهر…
دعاء كانت محقة عندما حذرتها منه…
دعاء!!!!
انتفضت بسرعة عندما وردت على ذهنها لتتناول هاتفها…
اتصلت برقمها لترد عليها دعاء التي رحبت بها بشدة عندما تعرفت عليها…
شرحت لها ماسة الوضع بكلمات سريعة …
ثم طلبت منها أن تدبر لها سيارة خاصة تنتظرها غداً لتهرب سراً من هذا المكان…
ولم تخيب دعاء ظنها فقد وعدتها بمساعدة سريعة !
أغلقت ماسة اتصالها معها وهي تشعر بنوع من الارتياح…
لعلها تنجح في الفرار من هذا الجحيم الذي وجدت نفسها فيه فجأة…
خاصة والسيدة حورية كما سمعت من الخدم ستصل غداً في الظهيرة…
وستستغل انشغالهم بها لتخرج من القصر دون أن يشعر أحد.
تنهدت في حرارة…
وهي تشعر بحاجتها لخواطر عزيز…
لشعورها بحبه الذي يهون عليها كل مصائبها في هذه الحياة..
حبه الذي يحتضن آلامها كلها ويهدهد روحها الكسيرة….
تناولت هاتفها لتقرأ آخر ما كتبه….
رائعةٌ أنتِ…
كنسمة صيفْ…
ساحرةٌ أنتِ…
كأعذب طيفْ…
قادرةٌ من كانت مثلكِ…
أن تقلب خارطة زماني..
لا أعرف كيف!!!!
لكنّ حبيبة أيامي…
لازالت تملك أزماني…
معجمَ ألفاظي وكلامي…
من أول حرف …
ولآخر حرفْ!!!
ولذلك عذراً سيدتي…
ما عاد مكانٌ لنشيدكِ…
في قلبٍ …
لن يتقنَ لسواها العزفْ!!!
كالطفل أقبّل صورتها…
أتنفس عطر براءتها…
حقاً…لن ينصفها وصفْ!!
ألتقط الريشة كي أرسم…
عينينْ وشفتين وأنفْ…
وضياءً يسكن جبهتها…
ويقيناً لا يعرف خوفْ…
وجهاً لا يحمل أصباغاً…
لا يعرف كذباً أو زيفْ…
تسرق عيناها أسراري…
تكتشف -يقيناً-أخباري…
فتنافس كل العرافين…
وقرّاء الكفّ!!
تغتال همومي ضحكتها…
وزهور النور بجبهتها…
فيذوب الحزن بهمستها…
بل يُدفَنُ في أعمق كهف!!!!
أذكرني إذ كنتُ غريباً…
يطرق أبواب مدينتها…
تخنقني الحيرة والأحزان …
وطول الخوفْ!!
فتحت لي كل الأبواب…
عبرت أيامي كالطيف…
صنعتني بيديها رجلاً…
ملكاً…وهواها لي عرشْ!!
وتراصّت كل شموس الكون…
فدعتني…في أول صف!!!!
وأعادت تسجيل ميلادي…
منحَتْني اسماً وثياباً…
وطناً..
جنسية…
أصحاباً…
وفؤداً لا يعرف ضعفْ!!
فهواها لا يعرف زمناً…
قد كان…
ولا زال…
وسوفْ!!!!
أحتاج لعمرٍ يسعفني…
كي أعشق كل ملامحها…
وأعانق عذب جوارحها…
قفْ عندك يا عمري…قفْ!!!
كي أوفي لغرامي حقاً..
أحتاج لعمرين ونصفْ!!!
عفواً يا ساحرة الكون…
أعترف جمالكِ براقٌ…
حاد كالسيف!!!
وأنيقٌ جداً معطفكِ…
لكن ..لن أرفعه عنكِ…
مائدة عشائكِ تدعوني…
لكن…لست أنا ذا الضيفْ!!!!
تكفيني أحداثي معها…
لن أسمح في قصة عمري…
بإضافة فصلٍ أو حذفْ!!
فحبيبة أيامي أبداً…
لن تبلغ يوماً فتنتها…
واحدة مثلكِ أو ألفْ!!!!
وضعت كفها على شفتيها عندما انتهت من القراءة وهي تشعر بثقل صدرها يزداد…
هناك امرأة أخري تحوم حول عزيز!!!
لعلها العروس التي سمعت رحمة تحدثه عنها وتطلب منه أن يرضخ لرغبة أبيه ويتزوجها…
تأوهت بقوة وهي تشعر بمزيد من القهر يسحق ضلوعها بقسوة…
هل يفعلها عزيز؟!!!!
هل يحب غيرها يوما؟!!!
ربما لن يحب غيرها…
لكنه قد يتزوجها…
قد يرضخ في النهاية لرغبة والديه…
خاصة وقد ابتعدت هي عن حياته نهائياً ولم يعد لها أي اتصال به!!!!
هزت رأسها في عجز وهي تشعر بالضياع…
إنها حقاً لم تعد تعلم ماذا تريد…
ماذا يهمها الآن لو تزوج عزيز من غيرها أو لم يفعل…
طالما هو في النهاية لن يكون لها؟!!!
ارتجفت أناملها وهي تكتب له تعليقاً على خاطرته باسم مستعار….
لم تستطع مقاومة هذا الفعل وهي تشعر بحاجتها إليه….
لعل كلماتها تبرّد نيران صدرها المشتعلة في هذه اللحظة….
قولوا له …
صارت حبيبتك القديمة دمية صماء…
من كنت تعشق سحر ابتسامتها …
استكانت للبكاء…
مات الربيع بمقلتيها…
وما أقسي الشتاء…
لكنها لم تكد ترسلها حتى فوجئت برده السريع عليها وكأنه كان ينتظرها:
_ماسة؟!
دمعت عيناها وهي ترفع الهاتف لشفتيها تقبله بقوة هامسة بحرارة:
_نعم يا عزيز…ماسة …ماسة تفتقدك حد الجنون لو تدري.
لكن طرقات قوية على باب غرفتها انتزعتها من أفكارها…
قامت تفتح الباب بتثاقل…
لتجده أمامها من جديد…
نعم….عاصي!!!
قبضت أناملها بقوة وهي تتحاشى النظر إليه لتقول بصلابة:
_ماذا تريد يا سيد عاصي؟!
دفعها برفق ليدخل ويغلق الباب خلفه فشعرت بالخوف لكنها قالت بثبات:
_أردتني أن أغطي شعري لأجل عاداتكم هنا….فهل يليق أن يغلق علينا باب واحد هكذا؟!
ابتسم لحظة ابتسامة ظهر فيها شئ من الإعجاب…
لكنها اختفت بسرعة كما ظهرت …
ليقول بعدها بنبرته المسيطرة:
_دعكِ من هذا الكلام الفارغ…أنا كفيل بإخراس كل الألسنة هنا.
أشاحت بوجهها في ضيق…فمد كفه ليقول بلهجة آمرة:
_هاتي هاتفك!
اتسعت عيناها في ارتياع …ثم ازدردت ريقها ببطء لتهمس بارتباك:
_لماذا؟!
ابتسامة جانبية علي شفتيه كانت هي جوابه…
ليقول بعدها باقتضاب:
_لا أحب المفاجآت!
الآن كانت تشعر كفأر وقع في مصيدة…
لم تعد تعرف كيف تتصرف…
هاتفها هو وسيلة اتصالها بدعاء كي تتمكن من الهرب…
وليس هذا فحسب…
لكنه طريقها الوحيد لعزيز وخواطره التي تشاطرها أحزانها ووحدتها هنا….
ومع هذا هي مضطرة لطاعته….
هذا الرجل سيقهرها علي أي حال ليحصل على ما يريد في النهاية…
رفعت إليه عينين مظلمتين من فرط شعورها بالكره نحوه…
فأمال رأسه ليقول ببرود:
_هل سيبقى كفي هكذا ممدوداً ؟!!!
توجهت نحو هاتفها لتناوله له بأنامل مرتعشة…
ومن حسن الحظ أن رقم دعاء قد رسخ في ذاكرتها لسهولته…
ستحاول الاتصال بها من هاتف آخر لتؤكد عليها الموعد….
وضع هاتفها في جيب قميصه بحركة خاطفة…
ثم قال لها بصرامة وهو ينظر إليها بتلك الطريقة التي تصيب أطرافها بالشلل:
_لا تغادري هذه الغرفة أبداً حتى نكتب عقد الزواج.
هنا كان صبرها قد نفد حقاً…ولم تعد تقوى علي الاحتمال…
لتجد نفسها تصرخ بحدة:
_من تظن نفسك لتسيطر على مصائر الناس هكذا؟!!!
كز على أسنانه بقوة لتشتعل غابات الزيتون بوهجها المخيف…
ثم اقترب منها ببطء ليقول بقسوة خدشت قلبها:
_لم يجرؤ أحد علي رفع صوته أمامي هكذا …أنتِ تستحقين عقاباً قاسياً…لكنني سأتجاوز عنكِ هذه المرة.
أشاحت بوجهها في نفور واضح…
لكنها شهقت بعنف عندما أحاط فكها بقبضته ليدير وجهها نحوه قائلاً بخشونة:
_لو تكرر هذا فستدركين حقاً لماذا يلقبونني هنا بالشيطان!!
دق قلبها بعنف وهي تشعر أنها تكاد تفقد وعيها رعباً…
لكنها لن تستسلم لطغيانه هذا…
ليس بهذه السهولة…
كفاها استسلاماً لكل طعنات أيامها السابقة…
كفاها!!!
أزاح أنامله عن وجهها بعنف لكنه أبقى علي حصار نظراته القاسية لعينيها المتنمرتين…
واللتين قرأ فيهما سطوراً من التمرد الغريب عليه…
لتقول هي بعدها بهدوء خادع:
_لن تجد المأذون الذي يوافق على عقد القران لامرأة كارهة!
ابتسم في سخرية ثم عاد يميل رأسه ليقول ببرود:
_ليس واحداً بل عشرة…وربما لن يحتاجوا لرؤيتك أصلاً…العقد سيكتب ويوقع ويسجل بينما أنت قد لا تعلمين شيئاً عن هذا!!!
هزت رأسها في عدم تصديق لتهمس بذهول:
_أنت لا تعرف شيئاً عن الشرع؟!!! عن القانون؟!!!
فقست ملامحه أكثر وهو يهتف بصرامة:
_بل أنتِ التي لا تعرف شيئاً عن عاصي الرفاعي!!
وضعت كفها علي صدرها كعادتها ….
فاقترب منها أكثر ليلوح بسبابته في وجهها هاتفاً بقسوة مسيطرة:
_عاصي الرفاعي هنا هو القانون!!
قالها ثم أزاحها من طريقه برفق ليتوجه نحو باب الغرفة فيفتحه….
هنا …لم تجد بداً من تفجير قنبلتها الأخيرة…
_لست عذراء!
قالتها بقوة خادعة وكأنها لا تهتم!!!
وكأن حروفها لم تكسرها وهي تنطقها….
وخاصة أمامه هو!!!
هو الذي تكرهه كما لم تكره احدا من قبل…!!!!
اغلق الباب الذي فتحه لتوه…ثم توجه نحوها ليقف أمامها مباشرة…
لكنها لم ترفع عينيها إليه…
انها تحاول الحفاظ على قناع قوتها امامه…
وتخشى ان تخذلها دموعها لو رفعت عينيها اليه الان…!!!!
كانت تفضل لو تنشق الارض وتبتلعها قبل ان تبوح له بشئ كهذا…
لكن من يدري؟!
ربما كانت هي وسيلتها للخلاص من هذه الزيجة والخروج من كل هذا الجحيم!
لكنه ظل واقفا امامها لدقيقتين كاملتين دون ان يتحرك…
ودون اي كلمة…
فاضطرت اخيرا لرفع عينيها إليه في توجس..
لتصطدم بابتسامته الجانبية التي تكرهها …
عقدت حاجبيها بشدة….عندما همس لها بصوته القوي:
_كنت أستطيع رفع وجهك إلي منذ دقيقتين كاملتين…لكنني اردت ان ترفعي -انت-عينيك إلي.!!!
ازداد انعقاد حاجبيها …فأردف بحزم:
_اعدك انني دوما سأنتظر خطوتك الاولي.
ازدردت ريقها ببطء وهي تسأله:
_هل ستتم الزواج بعدما عرفته؟!!!
امسك كتفيها وهو ينظر لعينيها قائلا بنبرته المسيطرة:
_اعترف انني شديد القسوة في عقاب الناس على أخطائهم…
ارتجف جسدها رغماً عنها وهي لا تنكر الخوف الذي سيطر عليها الآن….
فأغمضت عينيها بقوة ….
وهي تطرق برأسها…
وكأنها بإغماضهما ستهرب من الموقف بأسره…!!!
لكنه رفع ذقنها إليه فعادت تفتح عينيها بترقب وهو يهمس برفق غريب علي قسوته المعهودة:
_لكنني لم احاسب يوما احدا على خطأ لم يقصده!!!
اتسعت عيناها بارتياع…وهي تسأله بذهول:
_انت تعلم؟!!!
نظر إليها طويلا…
ثم قال ببطء وكأنه يدرس كلماته:
_اخبرتك انني لن ادخل امراة لبيتي قبل ان اعرف عنها كل شئ.
هزت راسها بيأس وهي تشعر بالإحباط!
يبدو انه لن يتركها وشأنها…
حتى بعدما عرفه يصر على إتمام هذا الزواج…!!!!
بينما ظل هو يتأملها بتفحص للحظات…
قبل أن يقول بغموض:
_الغريق لا يستأذنه أحد قبل أن ينقذه.
رفعت إليه عينيها بتساؤل للحظة…
قبل أن تهمس باستنكار:
_هل تقصد أنك تنقذني أنا؟!!!
ابتسم ابتسامته الجانبية الغامضة ثم لوح بسبابته في وجهها قائلاً بحزم:
_فقط تذكري أن عاصي الرفاعي لا يأخذ شيئاً بلا مقابل….وسأكون معكِ شديد السخاء!!
شعرت بالإهانة من كلماته فاحمر وجهها غضباً وهي تقول بقوة:
_ومن قال إنني أنتظر مقابلك السخي هذا؟!!!
اتسعت ابتسامته لتلمح نظرة رفق غريبة في عينيه…
قبل أن يصلها همسه الذي يخترق روحها بهيمنة مسيطرة:
_لا تحكمي قبل أن تجربي !
أشاحت بوجهها عنه وهي تشعر أنها على وشك الانهيار….
فرمقها بنظرة أخيرة قبل أن يخرج مغلقاً بابها خلفه بعنف …
============
ابتسمت ميادة بسخرية وهي تقرأ خاطرة عزيز الأخيرة على مدونته….
لم تحتج لكثير ذكاء كي تدرك أنه كتب لها هذا الكلام…
هي الفاتنة التي دخلت عالمه رغماً عنه لكنه لن يسمح لها بالبقاء فيه…
لأنه ملكٌ لحبيبته!!!
اتسعت ابتسامتها الساخرة وهي تقرأ تعليق ماسة عليه باسم مستعار….
لتمط شفتيها بتعاطف مصطنع هامسة بتهكم:
_مسكين يا عزيز!!!
قالتها ثم ضحكت بصوت عالٍ وهي تخبط كفيها هاتفة بصوت مسموع:
_غريب أمر هؤلاء العشاق….القلب خُلق لنحيا به لا لنتعذب لأجله!!!
دخلت عليها والدتها في هذه اللحظة لتسمع عبارتها فسألتها باهتمام:
_ما الأمر يا ميدا؟!!! تحدثين نفسك؟!!!
ضحكت لتقول بلا مبالاة مستخدمة لغتها الانجليزية كالعادة:
_لا بأس يا أمي…إنه عزيز…يحب فتاة ويبدو أنها هجرته!
عقدت والدتها حاجبيه بدهشة وهي تهتف :
_عزيز شاكر؟!!!
ابتسمت ميادة بسخرية وهي تهز كتفيها قائلة بنفس اللهجة:
_نعم…عزيز…زوج المستقبل….ماذا في هذا؟!!!هل تظنين ابنتك تافهة العقل حتى تكترث بالحب وهذا الكلام الفارغ؟!!!
هزت والدتها رأسها بيأس وهي تهمس بقلق:
_أحوالكِ لا تعجبني يا ابنتي…لماذا تتزوجين رجلاً لا يحبكِ ولا تحبينه؟!!!
تنمرت ملامح ميادة فجأة وهي تقول بقسوة :
_وماذا فعل الحب لكِ ولأبي؟؟!!!…كنتما متحابين من الصغر وتزوجتما بعد قصة تحاكت عنها كل المدينة …والنتيجة …طلاق بعد عام واحد….أثمر عن طفلة كانت عبئاً على كليكما…هو تزوج وعاش حياة جديدة….وأنتِ أيضاً فعلتِ المثل…وبقيت أنا طفلة تربت يتيمة عند جدتها ووالداها علي قيد الحياة…وبعد هذا تريدينني أن أؤمن بالحب؟!!!!
أطرقت والدتها برأسها وهي توقن بعقم الحوار…
للأسف ميادة لن تغير طريقة تفكيرها …
لقد تربت بعيداً عن حنانها وحنان والدها لتجرب الشعور بالنبذ منذ كانت طفلة…
لكنها حاولت تعويضها عن ذلك بعد وفاة زوجها الذي كان مسافراً بها إلى إحدي الدول العربية…
فعادت إلى مصر ومعها ثروة كبيرة لم تبخل بها عليها…
جعلتها تكمل تعليمها في الولايات المتحدة لتحصل على شهادات تؤهلها للمزيد من النجاح…
ووالدها أيضاً أدرك خطأه متأخراً فعاد يزورها ويهتم بها…
بل إنه هو الذي رشح لها عزيز شاكر كزوج مناسب لها…
في وسامته وثرائه وحسن خلقه!!!
لكن ميادة لا ترى كل هذا…
ميادة لا تري سوى الطفلة المنبوذة التي تخلص منها الجميع لتنشأ كافرة بالحب والمشاعر…
ولا تؤمن إلا بعقلها ومصلحتها فحسب!!!!!
تنهدت والدتها في حرارة ثم تركت الغرفة دون كلمة أخرى..
فمطت ميادة شفتيها باستهزاء هامسة بتهكم:
_حب؟!!!
ثم تناولت هاتفها مدفوعة بقوة عنادها لتقول لنفسها بتحدٍ:
_لنرَ كيف ستصمد أمام ميدا يا عزيز …حتى مع حبك هذا الذي تتغنى به؟!!!
وصلها صوت عزيز على الجانب الآخر يقول بتحفظ:
_أهلاً ميادة.
غلفت صوتها بأشد نبراتها دلالاً وهي تقول بمرح مصطنع:
_أنتَ مدينٌ لي بدعوة علي الغداء …وأنا لا أترك حقي بسهولة.
صمت قصير قابلها علي الجانب الآخر من الاتصال…
ثم عاد لها صوته يغمغم بتردد:
_أجليها ليوم آخر.
كانت كرامتها تدعوها الآن لغلق الاتصال في وجهه…
لكن عنادها دفعها لأن تقول بدلال أقوى:
_لأجل خاطري يا عزيز…أنا أريد الخروج وأصدقائي كلهم مشغولون.
ثم أردفت بخبث وهي تعرف أنها تصيب هدفاً قوياً:
_تعال كي نناقش تطورات المشروع…ألا تريد معرفة الجديد؟!!!
كانت تدرك بحدسها الأنثوي أن عزيز قد بدأ يحمل بعض الإعجاب لها…
لكنه لازال عالقاً بماضيه وبوهم حبه الذي يريد التشبث بالوفاء له…
ولهذا يحاول أن يقنع نفسه أن ما بينهما ليس فقط سوى علاقة عمل…
وهي ستغذي له هذا الشعور…
ستصطاده بنفس الطعم الذي ألقاه هو!!
لهذا ابتسمت في انتصار عندما وصلها صوته يقول باستسلام:
_حسناً يا ميدا….نفس المكان السابق لنتحدث في العمل!!
أغلقت الاتصال وهي تكاد تقهقه ضاحكة من رد فعله…
ثم تجمدت ضحكتها علي شفتيها لتقول بمكر:
_حسناً يا عزيز…سيكون التحدي القادم بين قلبك وعقلي…وأنا أكاد أجزم من الآن بهوية المنتصر!!!!!
==============
_زواج؟!!!!لماذا يا عاصي؟!!!
هتف بها محدثه على الهاتف باستنكار شديد…..
فكز عاصي على أسنانه وهو يقول ببرود يفضح غضبه:
_منذ متي يُسأل عاصي الرفاعي عن أفعاله؟!!!
زفر محدثه بقوة وصوته يصله عبر الهاتف غارقاً بدهشته واستنكاره:
_أنا طلبت منك فقط أن تحضرها لتعمل عندك حتى تبتعد عن ابني…لكن موضوع الزواج هذا…
قطع عاصي عبارته وهو يقول بلهجته المسيطرة:
_هذه الفتاة ستكون زوجتي يا سيد شاكر…هل تعلم ما الذي يعنيه هذا؟!
لم يرد الرجل للحظات فهو يعرف عاصي الرفاعي جيداً خاصة فيما يتعلق بحرمة بيته….
لكنه عاد يقول بتردد:
_حسناً…لكن أخبرني بأسبابك…
_لا!
قالها عاصي قاطعة صريحة لا تقبل الجدل…
فتنهد الرجل وهو يقول باستسلام:
_على الأقل أخبرني…هل تنتوي أن يكون زواجاً دائماً؟!!
صمت عاصي للحظات…
قبل أن يقول باقتضاب:
_نعم.
صمت شاكر للحظة يستوعب دهشته ثم عاد يقول له برفق:
_أنت تعرف أنني أعتبرك أخي الأصغر يا عاصي…لا تغضب من تدخلي…لكنني لا أراها مناسبة لك بأي حال…لو تغاضيت عن فارق السن الكبير بينكما…فكيف تغفل عن قصة كونها فتاة بلا نسب…إنها..
قاطعه عاصي بصوته الهادر هاتفاً:
_سيد شاكر…أخبرتك أنها ستكون زوجتي …فلا داعي لكلمة أخرى!!
أدرك شاكر أن عاصي الرفاعي قد حسم أمره بهذا الشأن…
فغمغم باستسلام:
_حسناً يا عاصي…مبارك زواجك.
صمت عاصي للحظات يتمالك غضبه السابق…ثم قال بلهجته المسيطرة:
_لا داعي لأن يعرف ابنك عن أمر زواجها….دعه ينسَ الأمر كله…هي لن تغادر هذا القصر على أي حال.
صمت شاكر لحظات يفكر ثم قال برضا:
_معك حق…دعه ينسَ الأمر كله!!
========
_لن تتزوج ماسة أبداً…ماذا ستقول لوالدك عنها؟!!! حتي لو تقبل فكرة أنها لقيطة….هل سيتقبل فضيحة اغتصابها؟!!!
انتفضت ماسة لتقوم من نومتها في غرفتها بقصر عاصي الرفاعي….
وكلمات رحمة السابقة التي سمعتها بأذنيها في تلك الليلة البعيدة ترن في رأسها من جديد…
تلك الليلة كانت قد استيقظت من نومها الذي كانت تهرب إليه بعد مصيبتها الأخيرة…
ففتحت باب غرفتها برفق…
لتسمع هذا الحديث الذي كان يدور بين عزيز ورحمة….
والذي انفجرت شظايا كلماته في روحها لتزيدها هلاكاً…
لكنها لا تلوم رحمة…
ومن يلومها؟!!!
عزيز الوسيم الثري لا يليق به أن يتزوج من فتاة مثلها…
خاصة بعدما حدث لها…
وقتها التفت إليها عزيز ليفاجأ بها ويدرك أنها قد سمعت…
فانتفض من مكانه ليتوجه نحوها قائلاً بإصرار:
_سأتزوجك يا ماسة…أنا عند وعدي لكِ …حتي لو وقفت الدنيا كلها أمامي!
لكن رحمة قامت هي الأخري لتقف بينه وبينها مواجهة لها بنظرة غريبة!!!!
نظرة اخترقت روحها بمعانيها الصادقة….
نظرة حملت إشفاقاً وتضرعاً وعتاباً ووعيداً وحناناً ….
كل هذا معاً!!!!!
إشفاق ….
علي هذه التي فقدت أغلي ما تملكه فتاة بلا أي ذنب…
وتضرع…
لها بأن تترك ابنها لطريقه الذي يليق به …
وعتاب…
يذكرها بأنها هي التي ربتها طيلة هذه السنوات…
ووعيد…
بأنها لن تسمح لها أبداً بهذه الزيجة….
وأخيراً حنان …
حنان رحمة الذي لا يترك عينيها أبداً حتى في هذه الظروف…
ووسط كل هذه المشاعر…
فكيف تقاوم ماسة نظرتها المهلكة التي لن تنساها أبداً بعد كل المشاعر العاصفة التي ملأتها هذه…؟!!!!!
قامت ماسة من سريرها أخيراً بعدما تغلبت علىذفيض قسوة ذكراها السابقة….
ثم وقفت تتطلع لمنظر الشروق المهيب من نافذة غرفتها المفتوحة…
لم تراودها كوابيسها هذه الليلة …
ببساطة….لأنها لم تنم….!!!!
تلك الكوابيس التي لازمتها بعد حادث اغتصابها المريع….
ولم تتركها لليلة واحدة بعده…
ليلتها كانت عائدة من المعهد في ليلة شتاء باردة…
وقد خلا الشارع الضيق المؤدي لمنزلها من المارة….
لتفاجأ بأحد الشباب الذين يشتهرون بفسادهم في حيها يعترض طريقها مع رفيقيه…
هذا الشاب بالذات طالما تحرش بها لفظياً أثناء سيرها…
لكنها كانت تتجاهله بإباء….
لهذا سقط قلبها رعباً عندما رأته مع رفيقيه وقد خلا الشارع الضيق إلا منهم…
والنتيجة كانت محسومة…!!!!
بكت…
وتوسلت…
وقاومت…
وصرخت…
ولكن النهاية أتت لاريب…!!!
فعلها المجرم وصاحباه وهربوا فلم يعلم عنهم أحد….
لتفقد وعيها بعدها فلا تفيق إلا في المشفي….
لتجد أمامها رحمة وعزيز!!!!
وقتها تمنت الموت لأول مرة في حياتها وهي تواجههما بعد هذا الأمر….
رحمة التي كانت تنظر إليها بصدمة….
صدمة من ظل يدخر كنزاً طوال عمره ثم سُرقَ منه في غمضة عين!!!!
لقد ربتها خير تربية طيلة هذه السنوات….
تربية متحفظة صارمة….
حتى أن عزيز طالما كان يشاكسها بقوله أن “رحمة ربت رجلاً”!!!!!!
وطالما كانت تخاف عليها حتى من خدش النسيم ….
والآن يذهب تعبها السابق كله سدى..!!!!
ليضيع شرف الفتاة بحركة غادرة من وغد قذر…
وفي مجتمع قاسٍ كهذا…
ماسة وحدها من سيدفع الثمن!!!!!
بينما كان عزيز واقفاً مكانه يقبض كفيه بقوة…
وهو عاجز عن مواجهتها بعينيه….
جسده كله ينتفض غضباً وثورة….
هو يعرف ماسة جيداً…
ماسة التي كان خجلها الشديد هو ما يميزها بعينه….
لهذا كان موقناً تماماً أن ما حدث لم يكن لها ذنب فيه….
لكنه كان يحترق…
يحترق لأجلها …
ويحترق معها…
يحترق وهو يتخيل كل لحظة ألم عاشتها في هذا الموقف….
ويحترق وهو يتصور يداً أخري سبقته لجسدها…
هو لم يصف لها شعوره هذا….
لكنها كانت تشعر به في تشنج جسده المرتعد أمامها….
وفي عينيه اللتين كانتا عاجزتين عن مواجهة عينيها بعدها…….
بقيت بعدها في المشفي لعدة أيام حتى استردت عافيتها….
ورغم أن عزيز لم يتركها في هذه الأيام لحظة واحدة…
لكن قلبها كان يدرك أن شيئاً ما بينهما قد كُسر!!!
إلى أن سمعت حديثه مع رحمة بالمصادفة….
لتدرك حقيقة وضعها الجديد جيداً….
وتوقن من أنها لم تعد صالحة لرجل كعزيز….
حتى لو كان يهيم بها حباً كما تعلم….
لن يكون هذا رد معروفها لرحمة…
رحمة التي التقطتها طفلة لتحسن نشأتها وتربيتها…
فتكافئها اليوم بأن تسرق منها ولدها …
وتسلبها فرحتها بعروس تليق به…
عروس تناسبه في وضعه الماديّ والاجتماعي…
وليست فتاة لقيطة فاقدة لشرفها كما صار الناس يرونها…!!!!
لهذا قررت الابتعاد عن كل شئ…
عزيز كان رافضاً رفضاً قاطعاً لقرارها …
وتشبث بها طويلاً…
لكنها كانت أكثر تشبثاً بقرارها…
لأجل رحمة…
ولأجله!!!!
أسندت رأسها علي زجاج النافذة المفتوحة…
لتفاجأ بالشمس قد سطعت ليملأ نورها السماء…
فابتسمت بشحوب وهي تقول لنفسها بأمل…
وكأنها تُمدّ روحها بقوةٍ علمت أن لن يمنحها لها سوي نفسها…
_من يدري…لعل لشمس أيامكِ سطوعاً من جديد بعد طول ظلامها يا ماسة!!
=====
فتحت باب غرفتها فتحة صغيرة تراقب الرواق بحذر…
لقد سمعت من الخادمة أن السيدة حورية قد عادت هذا الصباح…
وهي تريد الذهاب إليها بسرعة لتطلب نصيحتها….
هي بالتأكيد لن تكون راضية عن هذه الزيجة..
وستمنحها أقصى دعم ممكن للهرب من هنا..
وضعت كفها على شفتيها تكتم شهقتها عندما رأت عاصي يخرج من غرفة حورية …
وشياطين الغضب كلها تتراقص علي وجهه…
لكن هذا لم يثِرْ رعبها….
بل ذاك السوط الأسود الذي كان يمسكه في يده !!!!
ما الذي كان يفعله بهذا السوط في غرفة زوجته…؟!!!
انقبض قلبها مع ارتعادة جسدها وهي تكاد تكتم أنفاسها خوفاً من أن يراها….
لكنه أكمل طريقه بخطوات مندفعة….
ليهبط الدرج نحو الأسفل…
فانتظرت قليلاً تتمالك أنفاسها الخائفة….
ثم توجهت بخطًى حذرة نحو غرفة حورية…
طرقت الباب برفق ثم دخلت ليهولها المنظر!!!!
حورية كانت متكومة على الأرض في زاوية الغرفة تبكي بانهيار تام!!
اندفعت ماسة نحوها لتجثو على ركبتيها أمامها هاتفة بلهفة:
_ماذا بكِ يا سيدتي؟!
لم تتمكن حورية من الرد وهي غارقة في انهيارها….
فضمتها ماسة بقوة وهي تهمس بإشفاق:
_لا تبكي هكذا….هذا خطر علي الطفل.
لكن حورية صرخت بيأس غاضب:
_ليته يموت في بطني….بل ليتني أموت معه….عاصي لا يستحق أي طفل…لا يستحق!!
رمقتها ماسة بنظرة مشفقة وهي تربت على ظهرها برفق…
لقد جاءتها بمصيبة لتجدها في مصيبة أكبر!!!
لا تدري كيف تفاتحها في الأمر وهي بهذه الحالة…
لكن حورية فاجأتها بهتافها الباكي:
_قتله يا ماسة…قتله!
شهقت ماسة بعنف وهي تسألها برهبة:
_مَن قتل مَن؟!!!!
هزت حورية رأسها بألم وهي تهمس بصوت يحكي سطوراً من العذاب:
_الشيطان قتل ابن عمي!
وضعت ماسة كفها على شفتيها وهي تشعر بالرعب…
قتل؟!!!!
هكذا بمنتهي البساطة؟!!!!!
أين نعيش هنا؟!!!!
ولماذا؟!!!
انتبهت ساعتها لما روته لها حورية عن شكه في كون الولد ليس له…
إذن هذا الرجل مهووس حقاً…
قتل رجلاً لمجرد شك برأسه المريض!!!!!
ظلت صامتة لدقائق…
تراقب نشيج حورية الصامت بين ذراعيها….
ثم همست لها بخوف يمتزج بحرجها:
_عفواً يا سيدتي…أعرف أن الوقت ليس مناسباً…لكنني في ورطة…وأريد مساعدتك.
رفعت إليها حورية رأسها بترقب….
فروت لها ماسة تفاصيل الأمر بسرعة….
لتتفهم حورية الأمر بسرعة مع اتساع عينيها بخوف صاحب هتافها:
_اهربي يا ماسة….إياكِ وهذه الزيجة….لو كنتِ أنتِ أي امرأة أخري لفرحت لأنها ستخلصني قليلاً من جبروته….لكنكِ أنتِ لن تحتملي …اهربي…اهربي.
أومأت ماسة برأسها إيجاباً…ثم قالت بانفعال:
_لقد أخذ هاتفي….لكنني استخدمت أحد هواتف الخدم لأتفق مع صديقتي….السيارة ستنتظرني خارج القصر في الخامسة عصراً….أريدكِ أن تشغلي السيد عاصي فقط بأي شئ حتى يمكنني الهرب.
أومأت حورية برأسها موافقة…
فتذكرت ماسة شيئاً جعلها تسألها في جزع:
_لقد رأيته يخرج ممسكاً سوطه….هل كان….؟!!!
قطعت عبارتها وهي تشعر بالحرج من إكمالها…
لكنها تفحصت جسد حورية ببصرها…
فلم تجد أثراً لشئ…
لهذا تنهدت في ارتياح عندما همست حورية بمرارة:
_لا تخافي…لم يفعلها بعد…كان فقط يخيفني به…ومع هذا هو قد يفعلها بلا أي تردد…وفي أي وقت…لعل ما يمنعه الآن فقط هو خوفه علي الطفل.
هزت ماسة رأسها وهي تشعر بالنفور …
تريد الخلاص من هذا الجحيم كله بأقرب وقت….
صحيح أنها لا تعلم لها وجهة معينة…
لكنها ستعود لمدينتها وبعدها قد تبحث عن عمل آخر….
المهم الآن هو مغادرة هذا القصر المشئوم…
والابتعاد عن الشيطان بأي طريقة!!
شهقت بعنف عندما فتح الباب بقوة ليدخل منه عاصي ويتقدم نحوهما بخطوات ثابتة….
ازداد ارتجاف حورية بين ذراعيها وهي ترمقه بنظرات متجمدة رعباً…..
فضمتها ماسة إليها أكثر وهي تشعر بالاضطراب….
لكنها رفعت إليه عينين متمردتين دون كلام….
فابتسم ابتسامته الجانبية وهو ينظر إليهما من علو قائلاً ببرود:
_لماذا تجلسان على الأرض متعانقتين هكذا؟!!
قامت ماسة لتقف مكانها وهي تسند حورية معها….
ثم دفعتها برفق حتى مددتها على فراشها…
لتسمع صوته الساخر خلفها يقول بتهكم لاذع:
_هل علمت السيدة حورية أن ماسة ستكون عروسي ؟!!
أشاحت حورية بوجهها بينما التفتت إليه ماسة بنظرة حارقة…
هذا الرجل لا يملك قلباً بالفعل…
كيف يواجهها بكلماته القاسية هذه وهي عادت لتوها من المشفى؟!!!
فتقدم عاصي من ماسة يرمقها بنظرات إعجاب تعمد ألا يخفيه ليقول ببطء وبصوته الآسر:
_صورتكِ وأنتِ جالسة كما كنتِ على الأرض لن تفارق رأسي الليلة يا عروسي.
ثم نظر لحورية بتفحص ليردف بقسوة ماكرة:
_لكن حضنك بصورتي لن يكون للسيدة بالطبع!!
احمر وجه ماسة خجلاً وهي تشعر بسخونة وجنتيها كأنهما ستحترقان…
وقح…
وقح…
وقح…!
هذا ما كانت تصرخ به أعماقها دون صوت…
كيف يجرؤ على قول هذا ؟!!!!!!
وأمام زوجته؟!!!!
رباه!!!!!
هذا الرجل ليس شيطاناً…
إنه وحش بشع!!!
بينما اتسعت ابتسامة عاصي الماكرة وهو يراقب احمرار وجنتيها برضا….
ليميل على أذنها هامساً بصوت خفيض:
_يجب أن تتعلمي كيف تتحكمي في خجلكِ هذا أمامي…لأنه يزيدكِ فتنة …وأنا رجلٌ قليل الصبر .
تجمدت ماسة مكانها وهي عاجزة عن الرد…
جسدها كله يرتعش إن لم يكن غضباً فخجلاً!!!!
لهذا عضت على شفتها بقوة حتى كادت تدميها…
فتعلقت عيناه بشفتيها للحظة….
ثم عاد يهمس في أذنها بنفس النبرة الآسرة:
_أنتِ تزيدين الأمر سوءاً هكذا!
هنا انهارت ماسة جالسة علي طرف الفراش جوار حورية التي كانت مغمضة عينيها في استسلام….
وكأن كل هذا لا يعنيها…
فمد عاصي لماسة كفه قائلاً بصوته الذي عادت له هيمنته :
_تعالي معي ودعي السيدة…تستريح!!
قال كلمته الأخيرة مغلفة بسخرية قاسية…
فرمقته ماسة بنظرة كراهية واضحة…
لكنها التفتت لحورية التي فتحت عينيها أخيراً لتمنحها نظرة مشفقة…
عندما جذب عاصي ماسة من مرفقها ليوقفها قائلاً بصرامة:
_لا أحب تكرار أوامري مرتين!!
استسلمت ماسة لجذبه لها حتى عاد بها إلي غرفتها وهي مطرقة برأسها …
ليغلق بعدها الباب خلفه وهو يرمقها بنظرات متفحصة….
وكأنه يقرأ رد فعلها عما حدث…
فرفعت إليه عينين مشتعلتين قائلة بانفعال:
_لماذا أنا بالذات؟!!! لأني ضعيفة؟!!! أي فتاة هنا في مدينتك ستكون ضعيفة مثلي إن لم يكن طمعاً في مالك…فخوفاً منك…لماذا اخترتني أنا إذن؟!!
ابتسم مطوقاً عينيها بسحر غابات زيتونه ليهمس بغموض:
_قد أخبركِ يوماً ما!
تاهت عيناها في نظراته التي اعتقلتها رغماً عنها…
هذا الرجل يمتلك سحراً غريباً…
ابتسامته الآن تختلف حتماً عن تلك الجانبية البغيضة القاسية…
مع نظراته المحتوية بدفء قدير…
المفعمة بثقة رجلٍ يعرف جيداً حجم قدراته…
أحست أنه يمتص قوتها بهذه النظرات…
فأغمضت عينيها بقوة لتهرب منهما …
ثم همست بضعف وصورة عزيز بابتسامته الحنون تملأ رأسها وقلبها….
وكأنها تستنجد به رغم البعد:
_قلبي ملك لرجل آخر!!
لم تتلقَ رداً على عبارتها للحظات طويلة…
ففتحت عينيها بترقب…
لتجد القسوة قد عادت لنظراته مكسوة بسخريته اللاذعة وهو يغمغم بتهكم:
_رجل؟!!!
عقدت حاجبيها بضيق لإهانته المبطنة….
فتناول كفها بقوة ليرفع إبهامها أمام وجهها هامساً ببطء :
_أولاً….الرجل لا يترك امرأته لغيره…بل…لا يتركها أبداً.
ازداد انعقاد حاجبيها وهي تشعر أنه يتكلم بثقة من يعرف الحقيقة كلها….
ورغماً عنها شعرت بالضيق لأن جزءاً منها يدرك أنه على حق…
لكنه قاطع أفكارها وهو مستمر في العد على أصابعها قائلاً بنفس النبرة:
_وثانياً…لا اعتبار للعواطف في حساباتي…وثالثاً…لن يتملك أحدٌ غيري شيئاً أردته أنا….ورابعاً…
صمت بعدها قليلاً ليحكم سيطرته على عينيها المأسورتين بما يقول….
ليردف بثقة:
_لا وجود لكلمة “آخر ” في جملة واحدة معي….عندما تعيشين مع عاصي الرفاعي فستدركين أنكِ لم تعرفي رجلاً قبله.
اتسعت عيناها بصدمة وقلبها يخفق بعنف…
تعيش معه؟!!!!
من هذه التي تعيش معه؟!!!!
لا….مستحيل!!!
قرأ صدمتها الرافضة بعينها…
فقال ببطء واثق وكأنه يغرس كلماته في عقلها غرساً:
_سنعقد قراننا أولاً…لكنني لن أعترف بزواجنا حقيقة إلا عندما أقتلعه من روحكِ قبل أن تكوني لي خالصة!!!
شعرت بقوتها تتهاوى أمام سيطرته الكاسحة….
وشعور العجز يدفعها للمزيد من التمرد لتجد نفسها تهتف بلا وعي:
_لا…لا…لا…لن تكون جرحي الجديد …أنا اكتفيت ظلماً في حياتي…ولن أرضخ للمزيد .
التمعت عيناه بنظرة غريبة لم تفهمها….
وانفرجت شفتاه ببطء وكأنه سيقول شيئاً…
لكنه عاد يطبقهما بقوة….
قبل أن يغادر الغرفة دون كلمة أخرى أمام نظراتها العاصفة….
==========
كان معتصم على مكتبه يكاد ينفجر غضباً منذ الصباح…
دعاء لم تأتِ اليوم…
العروس مشغولة بالاستعداد لخاطبها بالطبع!!!
خبط بكفه على المكتب وهو يشعر بغيرته تخنقه…
غيرة ليست من حقه فهو الذي ضيعها من يده بصمته وطول تردده…
لكن ما حيلته في هذا الصراع الذي بداخله…؟؟!!!!
صراع استمع فيه لصوت عقله …
وقُضي الأمر!!!
زفر بقوة وهو يستعيد ملامحها الغالية في ذهنه…
يراها بعين خياله تضحك كعادتها بمرح لذاك الرجل …
أو تبتسم بخجل وهو يلبسها خاتمه في إصبعها…
لتكون بعدها له عروساً فاتنة…
تماماً كما كان يحلم بها!!!
دمعت عيناه بقهر وهو يشعر بالغضب يحرق صدره…
فأمسك الكوب الذي على المكتب ليقذفه بعنف فتهشم بدويّ صاخب…!!!!
وبعدها بساعات ….
كانت دعاء تجلس أمام طاولة الزينة في غرفتها تفكر بشرود…
لم تستطع الذهاب للعمل اليوم…
لم تستطع أن تلتقي عيناها بعينيه بعدما قررت أن تمضي في أمر هذه الزيجة …
هذا بالطبع لو قبل خاطبها ب”الدمية المعيبة”!!!!
لقد استمعت لصوت عقلها كما ينبغي…
وتجاهلت توسلات قلبها الذي كان يرجوها أن ترفض!!!
لكنها للأسف لم تكن تملك ترف الاختيار…
ربما كان هذا العرض هو فرصتها لتحظى بحياة طبيعية يكون لها فيها بيت وزوج كالأخريات!!!!
سمعت حركة غريبة في الخارج…
فأدركت أن خاطبها وأهله قد وصلوا…
دمعت عيناها وهي تضغط شفتيها بقوة تتمالك ارتجافهما…
كم تمنت لو كان معتصم هنا مكانه…
لكن معتصم لا يفكر في هذا كما يبدو…
لقد سمع بأذنيه عرض السيدة بالأمس ولم يكترث…
بل بارك الأمر لها!!!!
تنهدت في حرارة ثم أخذت نفساً عميقاً تتمالك به دموعها وهي تحدث نفسها …
ارضي بنصيبك يا صاحبة الوزر الثقيل…
الحب ليس لمن هي مثلك…
الحب للكاملات …
وأنتِ امرأة ناقصة !!!
فلتحمدي الله لو قبل بكِ الخاطب على عيبك!!!
إنها فرصتك الوحيدة فلا تضيعيها بأحلام المراهقات!!!
وبهذه الأفكار ارتدت قناع مرحها المعتاد لترسم ابتسامة زائفة على شفتيها…
وهي تخرج من غرفتها لتتوجه نحو المطبخ حيث ناولتها والدتها صينية المشروبات كما اتفق…
لتخرج إليهم في غرفة الصالون البسيطة….
وقفت والدته الطيبة لتحتضنها بقوة هاتفة بحنان:
_ما شاء الله….تبارك الله فيما خلق.
احمرت وجنتاها خجلاً وهي تشعر برهبة الموقف تزلزل ثباتها…..
ثم التفتت جوارها حيث وقع نظرها لأول مرة على خاطبها فانقبض قلبها بعنف!!!
يقولون أنه القبول!!!
وتقول هي أنه لقاء أرواح تأتلف أو تختلف!!!!
والواقع أن روحها اختلفت مع هذا الرجل بشدة…
اختلافاً جعلها تشعر بالنفور من مجرد إعادة النظر إليه!!!!
لكن شعوره هو كان مخالفاً على ما يبدو…
فقد رمقها بنظرات متفحصة تحولت إلي إعجاب شديد…
ثم استدار لوالدها قائلاً بابتسامة متحفظة:
_نقرأ الفاتحة يا عمي؟!!!
ازداد انقباض قلبها وهي تسمع والدته تطلق زغرودة مدوية….
لكن والدها تنحنح في حرج وهو يقول بخزي أحست به دعاء يذبحها :
_هناك أمر ما يجب أن تعرفه عن دعاء يا بنيّ قبل أن تمضي في الأمر!
أغمضت دعاء عينيها بألم ووالدها يشرح حالتها بوضوح للرجل دون إخفاء تفاصيل…
لتشعر بعدها وكأنها تنتظر نتيجة اختبار لم يكن لها فيه اختيار…
ولم تضع به جرّة قلم!!!
ومع هذا ستحسم نتيجته حياتها القادمة كلها!!!
ياللظلم!!!!
وياللمهانة!!!!
تشبثت أناملها بطرف ثوبها ونفسها تحدثها أن تهرب من كل هذا…
أن ترفضه هي قبل أن يرفضها …
وتعود لغرفتها الآمنة…
حيث يمكنها أن تحلم بمعتصم دون أن تشعر بتأنيب الضمير…!!!!
لكن عقلها عارضها بقوة…
وعارضه معه حلم كبر معها منذ كانت طفلة…
حلم بأن تصير عروساً وأماً…
حلم سرقوه منها زاعمين بأنها لا تستحقه بسبب مرضها المخزي…
والآن عادوا يلوّحون لها به…
فهل ترفض هذه الفرصة؟!!!!!!
قطعت أفكارها واتسعت عيناها في دهشة عندما التفت خاطبها نحوها ليقول بابتسامته المتحفظة:
_أنا أعرف كل هذا….ولا مانع عندي في إتمام الزواج!!!!!
=========
جلست رؤى تقلب الصور في هاتفها المحمول …
تسترجع ذكرياتها مع فهد…
وهي تبكي بحرقة..
من يصدق أنها فقدت كل شئ هكذا بغمضة عين؟!!!!
من يصدق أن كل هذا كان لعبة حقيرة منه؟!!!
إنه حتى لم ينظر إليها نظرة واحدة عندما رآها…
تجاهلها وكأنها لم تكن !!!!
بصره كان معلقاً بجنة المسكينة…
التي يعلم الله أي أيام عصيبة تنتظرها مع رجل عديم الضمير مثله!!!!
قطعت أفكارها عندما سمعت طرقات هادئة على الباب…
انتفضت من مكانها بخوف واضح وهي تمسح دموعها بسرعة…
ثم أخفت هاتفها تحت وسادتها بعدما مسحت الصور بسرعة…
لتتوجه نحو الباب فتفتحه قائلة بارتباك:
_كيف حالك يا عبد الله؟!!
رمقها عبد الله بنظرة متفحصة ثم سألها بخشونة:
_لماذا كنتِ تبكين؟!!!
أطرقت برأسها في عجز…
فربت على كتفها برفق غريب على طبعه العنيف معها….
منحها تصرفه هذا بعض السكينة…
فازدردت ريقها ببطء وهي تشعر ببعض الأمل من اهتمامه هذا..
لترفع رأسها إليه هامسة بضراعة:
_أرجوك يا عبد الله…لا أريد هذه الزيجة!!!
عقد حاجبيه بشدة وهو يهتف بغضب هادر:
_ماذا؟!!! هل تريدين مخالفة أمري؟!!!
ارتجف جسدها خوفاً وهي تهمس بتوسل:
_لا يا أخي…أنا فقط أشعر أنني لازلت صغيرة على مسئوليات الزواج.
هدر صوته العاصف في أذنها بنبرته المسيطرة:
_كلام فارغ!!كثيراتٌ يتزوجن في سنك هذا ولا يشكون!
أطرقت هي برأسها وهي تشعر بهوانها وقلة حيلتها…
فجذبها من ذراعها بعنف ليهتف بشك:
_دموعك وسهرك ومظهرك ….كل هذا لا يريحني….هل هناك أحد في حياتك؟!!!
هزت رأسها نفياً بسرعة لتهتف كاذبة:
_أبداً يا أخي…أنت تعرف أخلاقي…أنا تربية يدك.
ظل يرمقها لحظات في شك واضح ثم لوح بسبابته هاتفاً:
_من الأفضل أن تكوني صادقة…وإلا فأنتِ تعلمين ألا مزاح لديّ في هذه الأمور.
شعرت بقلبها قد توقف عن النبض تماماً وهي تسمع تهديده هذا…
لتأتيها جملته التالية كصفعة علي وجه خوفها:
_خاطبكِ سيأتي قريباً ليطلب يدكِ رسمياً…لقد قضي الأمر!
قالها وهو يرمقها بنظرة صارمة…
ليخرج بعدها مغلقاً بابها خلفه…
وتنهار هي جالسة مكانها علي الأرض وهي تلطم وجهها برفق هامسة بذعر:
_يا لمصيبتك يا رؤى!!
ضم قبضته بقوة وهو جالس على الأريكة أمام غرفتها يترقب بابها المفتوح…
هو يعلم أنها استيقظت منذ فترة…
لكنها لا تريد مغادرة الفراش…
وهو لا يعرف كيف يتصرف معها بعد ما حدث بالأمس…
هل من الأفضل أن يدعها لتهدأ بعيدا عن الضغط الذي يمثله وجوده جوارها…
والذي يشعر هو به …؟؟!!!!
أم أنه لابد أن يبقى جوارها الآن لأنها تحتاجه ….
حتى وإن أنكرت…!!!!
ظل ذهنه يتأرجح بين هذين الخاطرين بقوة…
حتى انتصر أحدهما!
فانتفض من مكانه بعنف…ليتوجه نحو غرفتها…
ثم اندفع نحو النافذة ففتحها بسرعة…
ليملأ ضوء النهار الغرفة كلها…
أغمضت هي عينيها أكثر وهي تشعر بالضوء يؤذيهما…
فاقترب منها ليجلس جوارها على طرف الفراش …
لكنها لم تفتح عينيها …
بل ظل جسدها على استسلامه…
فهمس بخشونة لا تعكس شيئاً مما يشعر به الآن:
_أنا أعرف أنك مستيقظة….هيا قومي .
سالت دموعها من بين عينيها المغمضتين….
وقد كان هذا هو رد الفعل الوحيد الذي حصل عليه كإجابة لحديثه!
فرقّ قلبه لها وهو يشعر بدموعها تخترق قلبه كطلقات غادرة…
ليميل عليها هامساً بصوت خرج رغماً عنه متهدجاً:
_دموع جنة الرشيدي غالية جداً….ألم يكن هذا كلامك؟!
هزت رأسها بعجز وهي تود لو تصرخ الآن…
لو تخبره أن دموعها وإن كانت أغلى ما تملكه…
فلن يستحقها سوى حسن…
حسن الذي ستبقى تبكيه عمرها كله…
والذي تشعر الآن أنها فقدته من جديد!!!!
تأمل ملامحها الباكية بأسى وهو يشعر بأن حالها هذا يفوق احتماله…
فامتدت أنامله ببطء لتحتضن أناملها ثم مال عليها أكثر ليهمس في أذنها بحرارة:
_لو لم تتوقفي عن البكاء الآن…فسألتقط كل دمعة منك بشفتيّ حتى آخر دمعة…..وأنتِ تعلمين كم أتوق لذلك…لكنني لازلت أحترم وعدي لكِ.
حاولت نزع أناملها من يده بضعف لم تستطع إخفاءه….
لكنه تشبث بها بقوة…
ليتناول منديلاً من جوارها يمسح به وجنتيها برفق…
وهو يتمنى بحق لو ينفذ تهديده…
لو يطوف بشفتيه على وديان بشرتها الساحرة…
ليتذوق نكهة هذه المرأة الفريدة التي زلزلت كيانه كله…
لو يحارب حزنها الذي يكسرها هذا…
ويحرمه وهج البندق الذي يعشقه في عينيها…
لو يتلقي دموعها الغالية -كما صار يراها-بين شفتيه…
فلا يسمح لها بإراقة المزيد ….!!!!
فتحت عينيها أخيراً لتهمس بضعفها الذي لا يزيدها أمامه إلا قوة وفتكاً:
_دعني…وحدي.
أخذ نفساً عميقاً وهو يعاود تلقي سهامها البندقية من جديد…
ليهمس أمام عينيها بإصرار:
_تعلمين أنني لن أفعلها.
عادت تغمض عينيها من جديد وهي تريد أن تغيب عن كل هذا…
لكنه قام واقفاً ليجذبها من كفها الذي لم يتركه هاتفاً بلهجة آمرة:
_قومي.
هزت رأسها نفياً ولازالت مغمضة عينيها باستسلام…
فانحنى عليها ليهتف بنفس اللهجة الخشنة:
_ستقومين وحدك…أو سأحملكِ !!!
كادت أعماقها تصرخ بآهة عالية وهي تود لو ترجوه أن يتركها وشأنها….
لكنها حتى كانت أضعف من هذا الآن!!!
فتحاملت على نفسها حتى وقفت…
ليضم هو خصرها إليه بكفه الحر ولازال متشبثاً بأناملها في كفه الآخر…
هامساً أمام عينيها الكسيرتين بلهجة ذات مغزي:
_أخيراً!..صباح الخير يا أستاذة!
نظرت إليه نظرة طويلة لم يفهمها…
لأول مرة تخذله مراياها البندقية فلا تمنحه صورة واضحة…
بل تزيد حيرته وقلقه…
لتهمس بعدها بصوت خرج مهزوزاً ضائعاً وكأنه لا ينتمي إليها:
_لو كنت تملك ذرة رحمة واحدة في قلبك دعني وحدي الآن!!
ظهر الرفض في عينيه واضحاً رغم تأثره بما قالته…
فعادت تنظر إليه بيأس وجسدها كله يرتجف بين ذراعيه…
لتهمس بعدها بصعوبة وكأن الكلمات تأبى أن تغادر شفتيها:
_لو أردتَ أن….. أقبل يديك… لتتركني….. فسأفعل!
اتسعت عيناه بصدمة وعيناه تلاحقان عينيها الضائعتين بذهول…
لا يصدق أن تقول هي -صاحبة العزة والكبرياء- هذا الكلام!!!!!
إلى هذه الدرجة هي محطمة…؟!!!
إلى هذه الدرجة وصل بها جرحه لها…؟!!!!
إلى هذه الدرجة تكره وجوده؟!!
رفع ذقنها إليه لتلتقي عيناهما فعادت دموعها تسيل على وجنتيها من جديد…
حينها رفع كفها الذي يمسكه أمام وجهها ليقبل ظاهره …ثم باطنه…
ثم اقترب من وجهها ليهمس أمام عينيها:
_ولو قبلتُ أنا يدكِ لتسمحي لي بالبقاء جوارك؟!
أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر أنها في حلم غريب…
لقد فقدت قوتها كلها فجأة…!!!!!
تشقق القناع الذي طالما حمله وجهها…
لتبدو الآن كما هي على حقيقتها…
محطمة…
كسيرة…
منهارة…
ريشة في مهب رياح لا ترحم وهي الحمقاء التي ظنت نفسها قادرة على التصدي لها!!!
لكنه ضمها إليه ليخفي رأسها في صدره بذراعيه هامساً في أذنها:
_أنتِ تحتاجينني كما أحتاجك…فلا تكابري يا أستاذة!
رفعت رأسها إليه لتهمس بتشتت وكأنها لا تعي كل الذي يحدث:
_أحتاجك؟!!! تحتاجني؟!!!
هزت رأسها في عدم اتزان واضح…
لتهمس بعدها بتثاقل حقيقي:
_ما الذي يحدث…؟!!!
ثم تأوهت بضعف وهي تبتعد عنه لتضع كفها علي رأسها هامسة بإعياء:
_ليس حقيقياً…كل هذا…كابوس!!
رمقها بنظرة مشفقة طويلة ثم أسند كتفيها بكفيه حتى ذهب بها إلى حمام غرفتها…
فتح الصنبور ليتناول القليل من الماء في كفه أمام عينيها شبه الواعيتين لما يحدث…
ثم غسل لها وجهها برفق….
ليمسحه بعدها بالمنشفة برقة..
ثم أحاطه براحتيه ليهمس أمام بندقيتيه الكسيرتين:
_في كل يوم سأفتح لكِ النافذة لتبدد كل هذا الظلام الذي تحبسين نفسك فيه…وسأسندكِ حتى تقومي ولو رغم أنفكِ وإلا فسأحملكِ قهراً لتنهضي من سقوطك هذا الذي لا يليق بكِ …وسأغسل لكِ وجهكِ بيدي لأزيل عنه إرهاق سهرك ودموعك….ثم أقبلكِ هكذا…
قالها وهو يطبع علي وجنتيها قبلتين…
ليهمس بعدها بصدق واضح:
_قبلتين إحداهما تذكركِ بأنكِ تحتاجينني…والأخري بأنني أحتاجكِ أكثر!!
كانت أعماقها كلها رافضة لما يحدث…
لكن روحها كانت الآن أضعف من أي مقاومة…
هو يزعم أن كليهما يحتاج لصاحبه…
لكنها أبداً لن تعترف بهذا…
أبداً…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى