روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم نهال مصطفى

موقع كتابك في سطور

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث والسبعون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثالث والسبعون

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالثة والسبعون

🦋الفصـل الثاني عشر 🦋
ألطف ما قيـل فـ وصف العلاقات المُريحـة :
-لم يشقيني في صحبته ‏أتى إلى عمري ‏ضمادًا ‏لأيامي الجارحة..
وصل كلٌ من تميـم وشمس لـ شقـة نوران الكائنـة بأحد المنتجعات السكنيـة الراقيـة .. ترك تميم الحقائب من يده وأطرق متسائلًا :
-المفروض نعمـل دلوقتٍ .. !!
بدّ على وجهها الشحوب والهزل وقالت بصوت مُتعب :
-اقعد هنا وأنا هدخل الحاجات دي الفريزر وأبخر الشـقة وأشوف أيه كمـان ناقص وهعمـله …
أسـدل جفـونه ممسكًا بيـدها كي يردف متسائلًا :
-حبيبتي ؛ متأكدة أنك كويسة !!
قفلت أناملها الناعمة على راحة كفه الخشن فانبثقت دمعـة من طرف عينيها وقالت بحزن وخيم :
-تميـم .. أنتَ آكيد واخد بالك الفترة دي أنا أد أيه متوترة وعصبية حتى مقصـرة في حقك أنتَ ومصطفى ..
كانت عيونه تشع بريق الاهتمام وهو يستمع إليها بتركيز شديد ، زحزحت أنظارها عن حزنهـا لترفعهما لسُحب عينيه الدافئة وأكملت منفجرة بالبكـاء :
-أنا حامل .. ومعرفش ده حصل أمتى وازاي وأنا مش مستعدة لطفل تاني دلوقتِ وو
قاطعهـا بلهفـة ممزوجة ببوادر الفرح :
-قولي تاني كده !! أنتِ أيه .. ؟
تقلصت أنظارها وهي تُشاهد السعادة المتنقلة في عينـيه غير مبالٍ لحُزنها ؛ فأتبع وهو يضم كفيها ويدنوها منه :
-أنا سمعت صح !! أنتِ حامل مش كده !!
أردفت بتيـهٍ :
-أنتَ مبسوط !! تميم فوق !! بقول لك أنا حامل ولسه ابننا مكملش الـ٨ شهور !!
انبسطت أساريـر وجههُ وتهادى صوته متحمسًا وهو يجثو على رُكبتيه ويضع مسامعـه فوق بطنهـا وكأن الخبـر هبط على صحراء قلبـه فـنبت زهرًا ، افترّ ثغره بضحكة خفيفة وهو يكرر سؤاله بصيغ مختلفة :
-يعني هنا جوه في أخ او أخت لمصطفى .. وأنا هابقى أبوهم ..
ثم غير وجهة الحديث ليُخاطب جنينها :
-صباح الخير يا بن الـ ** أنا أبوك عشان تحفظ ده الصوت كويس ، مش عايزك تتعب مامي لحد ما تيجي وتنور حياتنا ولما نروح هعرفك على أخوك صاصـا ..
ارتجفت أعينها ارتجاف ورق الشجر الذي يُداعبه المطر .. غرست أناملها في جدائل شعره الراسية عند بطنها وقالت بخوف :
-تميم أنا مش هقدر على حمل تاني الفترة دي ومش عارفة المفروض اعمل ايه ..
ثم زفرت كأنه صعب الأمر عليها :
-تميم ممكن نتكلم بالعقل ..!
وثب قائمًا بحماس متجاهلًا حزنها تمامًا .. سحبها من كفها لتستريح على أقرب مقعـد ثم طبع قُبلتين فوق رأسها وقال بصوت يملأه الحماس :
-ولا حركة .. بصي انا هعمل كل حاجة ابخر الشقة و اشيل الحاجات فالتلاجة المهم أنتِ تقعدي هنا متتحركيش ..
قيـد فرحه لسانهـا فاكتفت ببث النظرات إليه .. ما كاد أن يخطو خطوة فتراجع مستفسرًا :
-هو هيكون ولا ولا بنت ؟!
ثم رفع جفونها للسقف داعيًا وهي يلهث رحيق السعادة :
-إن شاء الله تكون بنت .. هي بنت .. وبعدها نجيب ولد تاني عشان يسند أخوه .. آه وبعدها بنوتة عشان البنت يكون لها أخت ..
غمغمت بذهول :
-تميـم !!
فلوح بسبابته أمرًا :
-اقعدي مكانك متتحركيش .. أنا هخلص كل حاجة..
******
~بسـيارة عاصي ..
تجلس حيـاة بالمقعد الأمامي وبحضنـها تاليـا التي هزمها النوم من كثـرة البُكاء .. لم تتوقف حياة عن بث القُبلات الحنونـة لجبيـن الطفلة والكثير من اللمسات الدافئة كي تطمئنهـا حتى أردفت منزعجـة وهي تضمها لحضنها أكثر :
-يا روحي جسمها كله بيترعش ..
ضرب مقود السيارة بعـٰنف ودخان الغضب يتطاير من عينيـه ؛ وانتفخت أوداجـه قائلًا :
-متخلنيش أرجع ادفن الست دي هي وابنها دلوقتِ ..
عارضتـه بلوم :
-والله !! مش مكفيك الـ عملته في جوزها ، وعضوية النادي الـ اتسحبت منهم !
رد مغلولًا وهو يتسابق مع السيارات المارة بطريقه :
-مش كفاية ، مش كفاية عشان تمد أيدها على طفلة في العُمر ده ! دي ست عايزة تتربى من أول وجديد .
تدخلت داليـا الجالسة بالمقعد الخلفي في حوارهم :
-بابي المرة الجاية الـ هيزعلنـا هنكسر دماغـه بالحجر زي ما قولت لنا ..
كاد أن يؤيد صغيرته فأوقفته نظرة حياة الممزوجة بالعتاب :
-عاجبك كده !!
ثم دارت لـ داليـا بنبرة لطيفة وقالت :
-حبيبتي أحنا مش بلطجيـة عشان نعمل كده ، لو حد زعلنـا مرة تانية نروح نشتكي لناني وهي هتتصرف .. لكن ما يصحش نرد الإساءة بالسـوء ..
ثم أشاحت بنظرها لعنده وقالت متسائلة :
-ولا أيه يا بابي !!
أردف مقطب الجبين بملل :
-مش زمن حكم مواعظ يا حياة .. اسكتي .
عبست ملامحها بضيق وهي تولى وجهها الناحية الأخرى :
-والله!! تمام هـ سكت خالص يا عاصي ….
******
~مع غـروب الشمـس ..
تقف عاليـة أمـام المرآة تراقب تفاصيل فستانها الأسود الطويل وحجابهـا الذي يزيد من جمالهـا .. ثم أكملت جمال إطلالتها بلف الإسوارة التي سبق وأهداها لها عاصي .. مع عقد هادئ من نفس اللون الفضي .. وختمت إطلالتها باللون الوردي الرقيق الذي صبغ فاهها .. خرج مراد من الحمام بعد أن قام بأخذ حمامه الدافئ مع صفيـر إعجابه برقتها وهو يُديـرها أمامه :
-سبقتيني !! بس أيـه الحلاوة دي كُلهـا .. ؟!
ترنحت أمامه بدلالٍ وهى تسد فراغـات أصابعه :
-بجـد !! يعني مفيش أي كومنت !!
اكتفى بتقبيـل أرنبـة أنفها بقُبلة ناعمـة وقال :
-طبعـًا فيه !!
زاد اهتمامهـا لسماعه :
-ايه مش عاجبـك وأنا أغيره .. !!
ارتسمت الابتسامة الخفيـفة على محياه قائلًا بلُطف :
-أن حلاوتك زيادة النهاردة وكده مش هعرف اركز مع حد غيرك طول الفرح !
تقاسم الفرح معالـم وجههـا ،فأضافت متبسمة :
-ومين قال لك إني عايزاك تركز مع حد غيري طول الفـرح !!
عقد حاجبيه وهو ذائب في جمالها الرقيق وملامحها التي تبث قلبـه بالحب ؛ وبنبرة جدية مبطنـة بالمزاح متنهدًا :
-أنا قولت لك بحـبك النهاردة ولا نسيت !!
بغنج إمراة رواها نهر الحُب ، أردفت قائلة :
-لا قولتها .. بس أحب اسمعهـا تاني ..
تمتم بنبـرة تُكاد لا تُسمع غيرهـا :
-بحبك ؛ وأعملي حسابك هتسمعيها كتيـر أوي النهاردة ..
ثم اتسعت ابتسامته متمنيًا :
-هو اليوم ده هيخلص أمتى !!
عبس وجهها بمزاحٍ :
-هنبتدي !! مراد الساعة بقيت ٨ وسيادتك بترغي ، يلا اجهز قبل المعازيم ما يوصـلوا ، أنتَ أخو العريس على فكرة ….
ما كادت ان تفارق يديـه ثم تراجعت متسائلة :
-مامتك رفضت تيجي بردو !!
شرع بارتداء ملابسه الخاصة بالزفاف بيأسٍ :
-قالت مش حابـة تعكر فرحتهم .. ورفضت تنزل بس بعتت له هديته إمبارح ..
ربتت على كتفه بحنـو :
-كله هيتصلح ويرجع أحسن من الأول ..
هز رأسه متأملًا أن يتحسن الوضع ثم غير مجرى الحديث قائلًا :
-حكم المحكمة طلع النهاردة ، ونسبك ثبت لـ عزالدين وطنت سوزان ، يعني الموضوع انتهى ..
خيم فطر الحزن على ملامحهـا ، حيث أومأت بخفـوت :
-عاصي عرف !
-آكيد المحامي بلغـه ..
أغرورقت عينيها بعبرات الحزن وخسارتها الأبدية لأخوتها :
-تمـام .. حاول اتكلم معاه يا مراد ، وقوله إني مش هاخد حاجة ، ده مش ورثي ومش حقي ..
عقد حزامه الجلدي المُلتف حول خصـره وقال :
-نخلص من دوشـة الفرح وحلي معاهم كل المواضيع دي ، أنا ماليش حق ادخل ..
ثم ربت بحنان على ظهرها:
-بلاش الزعل ده .. وعايز أشوف وشك دايمًا بيضحك ..
*****
~بـغرفـة عاصي ..
يتجول بالغـرفـة هو يُكمل إرتداء ملابسـه متجاهلًا حالة البؤس التي تملأ أركان الغُرفة وطريقـة تجاهلها لوجوده .. وقف أمام المرآة وهو يعقد رابطة عُنقه ممتلئًا بصورتها المعكوسـة بالمرآة :
-البوز ده مكمل معانا لحد أمتى ؟!
اردف جملتـه بتوغر وغضب إثـر تجاهلها التام لوجوده وتعاملها بجفاء على عكس عادتها التي لا تخلو من المرح ومداعبته باستمرار خلال فترة وجوده معها ، ثم دار إليها مكملًا :
-وبردو هفضل أكلم نفسي كده كتير ؟؟!
انتهت من قفل زر بنطال صغيرها ومسحت على شعره بكفها العطوف وقالت دون أن تطالعه ، مصدرة وجه النساء النكدي :
-بما أن كلامي مش عاجبك ، قلت لي اسكتِ فسكتت!
ثم تركت صغيرها يحبو على الفراش ويداعب أخيه بلطفٍ وصرخات تملأ المكان بهجـة أشبه بتغريد عصافير الصباح ، تحركت لعنده بخطوات واسعـة فوق رياح الغضب وأكملت :
-لأن حتى لو اتكلمت ، أنت هو أنتَ مش هتتغير ودايمًا شايف إنك صح وكلنـا غلط !! يبقى السكوت معاك هو الحل .
هَمّ بعقد رابطة عنقه مرة آخرى قائلًا بهدوء يحسد عليه :
-وأنا كُنت عملت أيه لده كله !! بدافع عن بناتي !! عايزهم يبقوا أقويا زيك !
يبدو أن حديثه رق له قلبها .. هدأت عواصفها قليلًا فـ دارت لتقف أمامه وتعاتبه بهدوء :
-ياحبيبي تربيتك للبنات غلط وبتبوظ كل الـ بعمله معاهم ..
ثم أمسكت بمعصمه وأكملت توبيخه بنفس النبرة :
-في أب يقول لبنته افتحي دماغ الـ يزعلك هو والـ جابوه !! ده كلام ده !! بنربي جيل سوي ولا بلطجية ! يأخدوا حقهم بالطريقة الصح ..
ردت بإقتناع تام لمبادئه :
-هو ده الصح بالنسبة لي !! متعرفيش حاجة أنتِ ، البنت لازم تطلع قوية وتجيب حقها بنفسها ، مش عايزها تخاف من حد ولا تعمل حساب لحد !!
ثم مال على آذانها وأتبع :
-تكسـر وهروح أكسر معاها !!بناتي وولادي خط أحمر .
جحظت عينيها بذهولٍ محاولة استيعاب جبروته :
-لا مش طبيعي !! أنتَ الكلام معاك مفيش منه فايـدة !.
ثم أشارت بسبابتها وأكملت محذرة :
-سيبني أربي الأولاد براحتي ، أنا أدرى بمصلحتهم .. ممكن متدخلش بينـا !!
ذاع بوجهها مترنحًا وبنبرة مبطنـة بالاعتراض :
-الله !! أنتِ ناوية تربي ولادي كمان التربية المايعة دي !! لا انسي .. ولادي أنا هربيهم بمعرفتي .. أنتِ الـ متتدخليش .
رفعت حاجبها مذهولة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها متمنعـة ؛ وبسخرية أردفت :
-ااه ولادك!! ، ودول هتربيهم على البلطجة ، مش كده !
عاد إلى المـرآة ليكمل ضبط ملابسه وقال بثبات :
-والله ولادي وأنا حُر .. محدش يدخل مابينـا ، أنا عايز أطلع رجالة يفوتوا فـ الحديد ويكملوا مجـد أبوهم عاصي دويدار ..
اكتفت بزفيـرٍ قوي بوجهه ثم عادت لصغارها وهي تهزي بكلمات غير مفهـوم ، فجهر ناصحًا :
-أفردي البوز ده بدل ما أجي أفرده بطريقتـي ..
اكتفت بإرسال نظرة حادة إليه بالمـرآة ، حتى رأته يتناول ستـرته السوداء ، حملت ركان وعادت إليه قائلة :
-أنت شكلك خلصت ، خد كده ركان وأنا هلبس وانزل بريان .. يلا يا عاصي مفيش وقت ..
رمت صغيره على كتفـه متبعـة خطتها في حفـر أساس الأبوة بصدره .. سار خلفها معترضًا :
-خدي هنا !! مش هنزل بعيل تحت ! بقولك فرح وهستقبل أكبر رجال الأعمال و غيرهم ! اشيل ركان ازاي ؟! حياة متهزريش متعودتش على كده ؟!
أخفت ضحكتها بصعوبة محافظة على تلك الملامح الصارمة :
-وفيها أيه !! ابنك ده ولا جايبه من الشارع أنا!!
ثم غمغمت بعجلٍ :
-يلا ياعاصي عايزة ألبس .. لبست البنات والولاد وأنت كمان جهزت .. مش باقي غيري ..
ألقى نظرة ساخطة على ملامح ركان الضاحك له ؛ فتمتم :
-حياة !! مش هينفع ..
أخرجت ملابسها من الخزانـة متجاهلة اعتراضه ، كادت أن تخطو للمرحاض ثم تراجعت راكضة وهي تحضر زجاجـة العِطر الخاصة بصغارها:
-استنى استنى كُنت هنسى ..
رشت القليـل من العطر الفواح على ياقة صغيرها ثم قبلت كفوفه بحبٍ حتى نظرت لعيني عاصي المُلتهبة بجمر الغضب :
-عاصي تاخد ريان كمان .. أصلو هيعيط لو ملقاش أخوه جمبه !
رفع أكتافه احتجاجًا ، فـ عض على شفته السُفلية كاظمًا غضبه بعد ما لمح بريق الانتصار بملامحهـا ، رفع حاجبه معاندًا في صغيـره :
-وأنا !! البرفيوم بتاعي هناك على فكرة ..
ظلت تهندم في ملابس صغيره متعمدة تجاهله :
-هاته بنفسـك ..
ألتف ذراعه حول خصرها بغتـة لتصرخ شاهقة بحضنـه ، فقال معاتبًا :
-قولت نفرد البوز ده والا ..
حاملًا صغيـره بيساره ومالكًا أنثاه المُدللة بيمينـه ليراوغها بكل معانٍ الحُب .. تملصت من قبضتـه متدللة :
-عاصي ، الفرح والمعازيم ..
لم يتنازل عن حقـه إلا بترك بصمته على ثغرها المًنكمش ليُمدده بقُبلة طويلـة كتمت أنفاسها المتمردة على شطي بحرها الذي لم يكن أول عشق له بل كان أول حياة لقلبـه .. فاق الثنائي على صوت صرخة ركان الضاحك الذي لا يُدرك شيء ولكن يبدو أن رائحة الحب أصابت نشوة الفرح بقلبـه .. افترقت عنه مجمعـة شتاتها الذي بعثره مكتفيـة بضربـة خفيفة على كتفه ثم ركضت لتحمل ريان وتضعه بيمينـه وقالت :
-كده تاخد الاتنين معاك وتنزل …
ما فرغت من سرد عارضة طلباتها ركضت للمرحاض هاربة من شر أعينـه التي كادت أن تحرقها بمكانها .. تأرجحت عيني عاصي على صغاره يمينًا ويسـارًا بحسرة :
-أنا أيه الـ بعمله في نفسي ده بس !!
خرج عاصي من غُرفتـه حاملًا صغاره على يديـه وهي يشاجر أنفاسـه حتى وصل إلى الطابق الثاني بالقصـر فألتقي بتميـم الخارج من غُرفتـه حاملًا مصطفى بفرحة تتقاذف من عينيـه ، اقترب الأخوة من بعضهما حيث عبر عاصي عن سخطه قائلًا بهمس :
-عاجبك البهدلة دي !! تميـم أنا اتورطت ولأول مرة مش عارف أخلع !
انفجر تميم ضاحكًا وهو يربت برفق على كتفه أخيه :
-كلنـا لها يا أبو ريان ..
-ياعم اسكت بقا !! المهم مفيش صرفة للعيال دي !! اوديهم فين ..
ركز تميم في ملامح التوأم متسائلًا :
-ده مين الأول !!
رد عاصي بضيق :
-استنى بص على الاسورة .. ده ركان .
ثم ماله ليعطيه لأخيه :
-ده هادي ده وطيب زي أمه بالظبط .. أمسك كده بس ..
في تلك الأثناء خرج مراد من غُرفة عاليـة منضمًا لمجمعهم معبرًا بفرحة :
-التوأم الجامد ده !! تصدق بيوحشوني .
بتنهيدة استغاثة دار إليه عاصي :
-ابن حلال .. لسه ريان كان في سيرتك .. امسكه كده !!
ثم غمغم :
-بنتك أكيد مع جدتها .. يبقى تخلي ريان معاك .
رماه بحضن مراد وتفوه قائلًا :
-حياة لو سألتكم قولولها أنكم ألحيتوا عليـا ..
فهندل ملابسـه سريعًا وقفل زر بذلته مستردًا لهيبته :
-هروح استقبل ضيوفي …
••••••••
~بالحـفل …
حفـل زفاف عملاق أُقيم بقصـر دويدار الذي حاوطته الإنارة من جميع الجهات مع صـوت الغنـاء ومفرقعات الأفراح .. انتشرن رجال عاصي بالحفل لتأمينـه على أتـم وجـه ووقف عاصي وحيـاة على البوابـة لاستقبال ضيوفهم من صفوة مجتمعهم .. مالت حياة على آذانه :
-الولاد فين !
رد بهدوء وهو يُرحب بأحد الرجال :
-شبطوا في تميم ومراد ..
حدجتـه بشكٍ :
-والله !!
جاء احد رجال الأعمال وزوجته اللذان استقبلهما عاصي بود وترحاب ، صافحت حياة السيدة ورحبت بمجيئهـا ما خطت تلك السيدة خطوتين فتمايلت على زوجها قائلة بصوت وصل لمسامع حياة :
-مراته جميلة أوي !
-ده عاصي دويدار ، مابيقعش إلا واقف ..
سماعها للجملة أدخل السعادة على قلبـها حيث مالت لعنده وسألته بعتبٍ :
-ماقولتش رأيك في الفُستان !
جذبها من خصرها لتقرب منه أكثر وأردف بثقة دون التطلع لعندها :
-أنتِ محليـاه ..
حدجته بلومٍ :
-طيب بص لي ..
انضم مُراد لموقفهم فقال بعتبٍ :
-ابنك بهدل البدلة وخلاني أغيرها ، عاجبك عمايل جوزك دي يا حياة !
تأرجحت عينيها الخبيثة لعنده وقالت بشكٍ :
-متأكد أن هما الـ شبطوا في مراد وتميم !!
ثم ربتت على كتفـه بتوعدٍ متأهبة للرحيـل:
-هدخل جوه ومراد جيه أهو يقف معاك ..
بادلها بابتسامة خفيفة وآخرى متوعدة لمُراد .. فـ تلك اللحظة جاء رشيـد بصُحبـة ريم خطيبته ومساعدة عاصي .. تبادل السلامات والمباركات .. مال عاصي معاتبًا :
-ابقى قابلني لو ليلتي عدت النهاردة !!
لكزه مراد ضاحكًا :
-أيه الكلام ده !! فيـن أيام عاصي دويدار ؛ أنا عايز أرفع القُبعة لمراتك ..
نصب قامته خافيًا ضحكتـه وقال :
-قول حاضـر وأعمل الـ في دماغك ، أنا بشتري راحة بالي مش أكتر..
أردف بإعجاب :
-منك نستفيد يا مدرسة ..
أنضم لهم تميم قائلًا :
-أنتـوا سايبين المعازيـم وواقفين هنـا !
ثم نظر لمراد معاتبًا :
-وأخوك شوفه فين قال هياخدها الفوتوسيشن ويرجع ، اتأخروا ليـه …
~بداخل الحفلة ..
تدور كل من حياة وشمس وعاليـة حول المعازيم وتقدم لهمـا أشهى وأغلى أنواع الحلوى بصحبة مساعدين البوفيـه .. ركضت تاليـا لـ حياة هاتفـه :
-مامي مامي !!
دار حياة لصغيرتها مُلبيـة ندائها :
-نعم يا قلبي ؟
استأذنتها تاليا قائلة :
-ممكن أكل وان بيس أف شكوليت كمان !
فتوسلت لها :
-بليـز يا مامي وافقي ! بليز !
قبلت وجنتها بحُب وقالت :
-واحدة كمان وبس .. بروميس ؟!
ثم أشارت لمربية :
-خليك معاهم ..
فجاءت سيدة حاملة صغارها وقالت :
-ست حياة ، بيعيطوا ومش عارفة أعمل معاهم أيه !!
أغرورقت عيني حياة بقلة حيـلة وهي تأخذ واحد منهم وقالت :
-تعالي يا سيـدة معايا ننيمهم ..
تهامسن أحدى السيدات اللاتي يُراقبن الوضع ، فقالت أحداهن بنظرات حاقدة :
-هي مخلفة كل دول ومش باين عليها دي ولا بنت ١٥ سنة !
فهتفت الأخرى بغلٍ :
-متجوزة واحد زي عاصي دويدار وعايزاها تبقى أزاي يعني !! كل ده عمليات وفلوس ، ميغركيش ولازم تعمل كده أحسن جوزها يطير منها ! دي البنات حوليه زي الرز .
فهتف الأخرى بسخط وهي تفحصن شمس وعاليـة :
-البنت الـ هناك دي كمان مراة تميم اخوه ، بيقولوا البنت دكتورة وبنى لها مستشفى كبيرة باسمها ومسميها مستشفى الشمس ..
ثم تمصمصت مكملة :
-بنات حظها من نار !
أخذت سوزان حفيدتها من يد عالية وقالت :
-حبيبتي ركزي مع ضيوفك وأنا هقعد مع لوزة حبيبة قلب آنـة ..
نظرت لها عالية بامتنان:
-مرسي أوي يا مامي .. هروح أشوف مُراد فين ..
أمام البوابة التي يقف عندها الثلاثة رجاء .. يتهامس فأقبل يسري لعنده قائلًا :
-عاصي بيه تأمين المكان على أعلى مستوى ..
-عفارم عليك يا يسري ..
جاء كمال بصُحبة شيرين ابنة عمهما الفرح ، فوقف عاصي لاستقبالهم :
-كده بردو تقطعوا شهر العسل وتيجوا !
أردف كمال بامتنان :
-معاليك عارف مقدرش اتأخر على حضرتك ..
ربت عاصي على كتفه :
-عارف يا كمال ..
ثم وجه حديثه لشيرين فارحًا:
-مبروك يا عروسة ..
منذ بداية معرفة كمال بشيرين وتوليه مهمة عملها بالشركة ، نشأت شراشرة الحب بين الثنائي حتى تأكد أن جميع مشاعرها لعاصٍ ما هي إلا أوهام تراودها .. صافحت ابن عمها وردت له التهنئة:
-الله يبارك فيـك ياعاصي ..
مال يسري على آذان عاصي قائلًا :
-في مفاجأة هتعجبك أوي ..
-مش بخاف غيـر من مفاجئاتك !!
أتت حياة في تلك اللحظة بعد ما التقت بشيرين وكمال ورحبت بهمـا ثم أقبلت إليهما حيث تبدلت ملامحها بصجـر عند رؤيتها ليسـري ، أشاحت له بنظرة ساخطة ثم قالت لعاصي بهدوء :
-حبيبي لو سمحت عايزاك !
لبى دعوتها ووقف الثنائي بمكان بعيد عن الضوضاء ، فعاتبها قائلًا :
-لسـه بردو هتقلبي وشك كل ما تشوفي يسري !
جحظت عينيها بعتاب :
-والله !! مش ده الـ كان بينظم لك سهراتك المشبوهة !!
عقد حاجبيه مذهولًا :
-يسري !! ده حبيبي !
تأففت بضيق ثم قالت :
-سيب مراد وتميم هنا عشان صفوت علام بيسأل عليـك جوة ..
-صفوت علام !! فكرتي في موضوعه !
تأرجحت عينها بتوتر :
-مش عارفة؛ أنت ليه مقلق من شراكتـه ؟!
هنا .. ارتفع صـوت الغنـاء وقرع الطبول وقدوم الفرقـة الموسيقية التي تُلعن بمجيء كريم ونوران .. اتسعت ابتسامة حياة وهي تُراقب دخولهم وتمسكت بيده وقال بسعادة :
-العرسان جم ..
هبط كريم من سيارته وساعد نوران صاحبة الفستان الكبير أن تخرج من السيارة .. تمسك بذراعه .. احتشد الجميع حولهم فطوقت شمس أختها بفرحة وانفجرت باكيـة :
-زي القمـر يا روح قلبي ..
حيث احتضن مراد أخيه وبارك له على تمام زواجه متمنيًا لهما السعادة .. تقدم تميـم وعانق كريم ثم طبع قُبلة خفيفة على رأسه نوران وقال ناصحًا :
-لو زعلتها هتشوف شغلك ..
تقدم عاصي بصحبة حياة ورحب بالعروسين ، تدخل كريم ليجفف عِبرات نوران المُترقرقة وهمس قائلًا :
-روقي بقا محضرلك مفاجأة هتعجبك أوي جوه ..
زُفَ العرسان على أجمل الأغانٍ المصرية القديمة حتى وصل إلى الكـوشة ، مالت نوران على آذانه وسألته :
-أيه هي المفاجأة!
أشار كريم لُيسري ففهم مغزى إشارته ، فلوح له أن يتمهل قليـلًا .. تقف حيـاة بمحاذاة عاصي بوجه ضاحك وعبرت عن فرحتها قائلة :
-شكلهم حلو أوي ..
ضمها من خصرها المرسوم الذي يغطيه شعرها المتدلى ليطبع قُبلة خفيفة على وجنتها وقال :
-مفيش في حلاوتك !
تقتنصهم عيني السيدات الناقمات لتقول إحدهن للآخرى وهي تلكزها بحذر :
-بصي بصي !! شايفة الدلع والحب !!
أقبل فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها لتصافح عاصي قائلة بامتنان :
-عاصي بيه ، أنا سعيدة أوي إني قابلت حضرتك ، أنا رنا بنت المهندس حجازي الشيخ ..
تفحصت عيناه رقة الفتاة وقال بابتسامة عريضة :
-أهلًا أهلًا يا رنا ، طبعًا باباكي غني عن التعريف ..
مدت يدها حياة عندما لاحظت أن هناك شيء غريب بالأمر وقالت :
-هاي !! انا حياة مراة عاصي بيه ..
صافحت رنا زوجته بعدم اهتمام ثم قالت موجهة حديثها لعاصٍ :
-متتصورش بابي بيحبك أد ايه ومن كلامه عنك بقيت قدوتي في عالم البزنيس .. عشان كده بتمنى لو حضرتك تشوف لي أي شغل كتدريب فالشركة لان حقيقي هيشرفني أوي استفيد من خبرتك ..
رد مُرحبًا :
-طبعا تنورينا يا رنا …
أصدرت حياة ايماءة اعتراضية وهي تُراقب نظرات إعجاب الفتاة بزوجها ، فتدخلت منادية على يسري لتقطع اتصالها بعاصي خاصة بعد طلبها لرقمـه الشخصي:
-الأستاذ يسري ، تقدري تستفسري منه عن كل حاجة ، هيفيدك أكتر من عاصي بيه ، لان للاسف مش من مهام عاصي تشغيل الموظفين ..
ثم سحبته عنوة فعارضهـا قائلًا :
-حياة أيه ده !! أزاي تكلمي البنت كده !
تأففت بضيقٍ :
-أنتَ مش شايف بتبص لك أزاي ! عاصي ممكن تعدي اليوم على خير ، بجد كفاية كده ، أنا بجد مش عارفة مالي !!
قفل جفونه لبرهة محاولًا تمالك اعصابه :
-أنا هروح أخد درينج يفوقني .. وأنت أهدي !!
ما كاد أن يخطو خطوة فتراجع متحسسًا درجة حرارتها ؛ وسألها بشك كاسرًا حاجز الشجار بينهما :
-الهرمونات دي مش غريبة عليا !! أنتِ حامل طيب !!
زفرت في وجهه بملل وقالت قبل أن تنصرف من أمامه :
-والله أنت فايق ورايق .. !!
لم تهن عليه أن يتركها في حرائق غيرتها المشتعلة .. منع ذهابها فاقترب منهـا مداعبًا خصلات شعرها وقال بحُب :
-وبعدين هتغيري من عيلة صغيرة زي دي !! وأنتِ عارفة أن عيني عمرها ما هتشوف غيرك !! روقي بقا وكفاية نكد بقى ، أنا مش عارف اليوم ده مش ناوي يخلص له ..
تجولت عينيه فـ المكان سريعًا ثم سرق قُبلة من جوار ثغرها فتبسمت وقال:
-تيجي نشرب حاجة سوا !
تنهدت بارتياح :
-لا ياحبيبي .. هروح أشوف البنات عشان يناموا .. كفاية سهر عليهم كده .
*******
~بعد مرور نصف ساعة..
-مراد ، عاصي فين ؟!
تدخلت عالية متسائلة بأعين تبحث عن أخيها ، فأردف:
-كان مع حيـاة !! شوفي كده ..
اقتربت من حيـاة وسألتها :
-عاصي فين !! المأذون على وصول وعاصي مختفي !
تمتمت حياة بحيرة وهي تطوف بأعينها باحثة عنه :
-مش عارفة ، قالي هياخد درينج ويرجع .. !! هشوفه فين آكيد مع ضيوفه !
تفقدت الحفل والمعازيم باحثـة عنه ولكن بدون جدوى حتى وصلت للبـار المخصص للحفل ، وهتفت :
-عاصي أنتَ هنا سايبنا بندور عليك ؟!
ثم اقتربت منه و :
-تاني يا عاصي !! مش اتفقنا هتبطل الهباب ده !
جاءت من الخلف تجر في ذيل فستانها بخطوات حثيثة ، فهبت بجُملتها الأخيرة وهي تشد كأس النبيذ من يده ، فبـرر قائلًا :
-من غيـر كحُول !! وبعدين ده فرح !!
جزت على فكيها وهي تراقب الحشد حولها وأطرقت بصوت دفين :
-عاصي ؛ متنرفزنيش .. فيه زفت كحول ولا لا .. أنتَ وعدتني هتبطل .. وخلاص .
لعن حظه سرًا ثم تمتمَ مغلوبـًا على أمره :
-هات يا بني قهوة سادة !!
لم تُكف عن إرسال نظرات العتـاب إليـه .. مما جعله يتفوه بإغتياظ :
-في إعتراض كمان على القهوة !!
سكبت محتوى الكأس بالأرض بنظراتها الحارقة ثم وضعته على سطح البار محدثًا صوتًا مزعجًا وقالت بتأفف :
-تخلص قهوتك وتيجي تُقف معايـا المأذون على وصول .
-دقيقتين بشـم فيهم هوا يا حياة بعيد عن الدوشة دي ..
ثم استسلم لرغبتها متجنبًا غضبها :
-هشرب حاجـة تفوقني وأجي لك .. حاضر .
انصرفت على مضضٍ وهي تهذي مع نفسها سرًا .. فـ دار إلى النادل المختص بالبـار مستردًا هيبته :
-وأنت على كده متجوز يـا سعيد!!
رد الآخر بتمنى :
-دعواتك يا بيـه ..
رد عاصي متحسرًا :
-قول لي أدعي عليك .. بص أنا جيالك من المستقبل وبقول لك أنتَ كده زي الفل ..
ثم هز رأسه متبعًا :
-الـ قدامك ده مفيش حد استجرى وقدر يمشي كلمتـه عليـه ، بس تقول أيه .. غدار الزمن !
فرمقـه بحسرة :
-اتجوزت وزي ما أنت شايف ..
فأخذ نفسًا عميقًا وأتبع بنبرة ناصحة :
-نصيحة مني لو هتتجوز ، متقولش غير حاضر وبس .. متجادلش ياسعيـد ..نفذ كلام مراتك بالحـرف هتعيش ملك ..
أرسل له النادل ابتسامة خفيفة ووضع فنجان القهـوة أمامه قائلًا :
-قهوتك يا باشا ..
عقد حاجبه بإمتعاض من حماقة سعيد وقال :
-وأنا الـ افتكرتك فاهم !! بقول لك مفيش حد يقدر يمشي كلمته عليـا .. ادلق القهوة دي وحط لي فيه الـ كنت بشربه .. استعجل يا سعيد قبل ما ترجع ….
نفذ سعيـد أوامره بالحرف وسكب له النبيذ بفنجان القهوة ، ما كاد أن يلامس فاهه فعادت حياة لعنده مرة ثانية وقالت بجزع :
-عاصي !!
رمن الفنجان من يده على الأرض ووثب مُلبيـًا طلبها :
-جيت أهو !!
زفرت بإمتعاض وتوسلت له :
-ممكن نعدي اليوم على خير !! حاسة في حاجة غلط!
مسك كفها وقال على مضض وهو يسحبها لساحة الفرح مرة آخرى :
-محسودين ، شكلنا محسودين ، النحس ده مش طبيعي .. تعالي ..
على ساحـة الرقص وثب الثنائي لتراقصان على الأغاني الرومانسية فتمتم نوران التي تعانقه وتتمايل على صوت الموسيقى:
-أيه هي المفاجأة !!
غمز بطرف عينيـه :
-ثواني وهتعرفي ..
مالت حياة نحو عاصي الواقف يشاهد العرسان معها وسألته :
-نرقص!!
غمغم برفض :
-بقولك محسودين يعني تسكتي !
في تلك اللحظة التي نطق رجل الدي جي معلنـًا عن تقديم الراقصة مُهرة جاء يسري من الخلف هامسًا لصديقه :
-أيه رأيك في المفاجأة دي؟!
حك عاصي ذقنـه لاعنًا حظه وتمتم :
-مالقتش غير مُهرة !! هو يوم باين من أوله !
برقت عيني نوران بصدمة عندما سألها كريم عن رأيها بمفاجأة، فتفوهت متوعدة :
-رقاصة !! رقاصة يا كريم !! دا أنت ليلتك مش فايتة ؟!! أقول لك طلقني !!

< الجزء الثـاني من الفصل ..>

في تلك اللحظة التي نطق عندها رجل ” الدي جي” معلنـًا عن تقديم الراقصة ” مُهرة ” للحفل جاء يسري من الخلف هامسًا لصديقه بفرحٍ :
-أيه رأيك في المفاجأة دي؟! من الآخر .

حك عاصي ذقنـه وهو يلعن ذلك الحظ متمتمًا :
-مالقتش غير مُهرة !! هو يوم باين من أوله !

برقت عيني نوران بصدمة عندما سألها كريم عن رأيها بمفاجأته لهـا ، فتفوهت متوعدة :
-رقاصة !! رقاصة يا كريم !! دا أنت ليلتك مش فايتة ؟!! أقول لك طلقني !!

وبخها كريم قائلًا كمن لا يقترف أثمًا :
-مش لما اتجوزك الأول !! بس أزاي الرقاصة تنزل قبل المأذون !

وضعت كفيها بخصرها :
-والله ، ده كُل الـ هامك يعني !!

غمز بطرف عينـه متمايلًا لعندها :
-افرضي غيرت رأيي كده !!

-أنا قاعدة أهو وأنتَ كمان وقابلني لو الجوازة دي تمت ، أنا عايزة شمس !!

طافت عيني نوران باحثـة عن أختها كي تنقذها من تلك الورطـة .. جاءت الراقصة رافعة وشاحها الشيفون كفراشة مُتطايرة تخترق ساحة الحفـل .. انضم مراد لتميم هامسًا باندهاش وهو يحملق بتلك التي تُظهر أكثر ما تُغطي :

-اوعى ، رقاصة؟! الواد كريم ده طلع بيفهم ..

عقد تميـم ذراعيه أمـام صدر متكئًا على كتف مراد قائلًا بشرود :
-تصدق عمري ما شُفت رقاصـة لا فـ تلفزيون ولا واقع .. أنا ممتن لكريم أنه حقق لي حلم زي ده ! أحنا طلعنا مش عايشيـن ..

عقـد عاصي كفيه أمام بطنه وهو يعانق السحب متحاشيًا النظـر عن تلك التي ترسل له العديد من الغمزات والقُبل بالهـواء ، غمغم معاتبًا :

-الله يحرقك يا يسري ويحرق سنينك السودة !

مال يسري على آذانه معترفًا :
-دي مش مصدقة نفسها لمـا قولت لها معاليـك طالبها بالاسم .

حدج عينـه معاتبًا :
-أنا عرفت ليـه حياة مصممة تبعدك عني ، قلبها حاسس..محدش بيضلني غيرك ..

أخذت مهرة تتمايل وتتراقص على صوت قرع الطبـول ولم تتحرك عينيها عن عاصي رفيق لياليها الماضيـة .. انسجم يسري مع حركات مهرة المثيـرة مثلما انسجم تميم ومراد والذي انضم لهمـا كريم بعد ما تركته نوران وصعدت للـ كوشة .. صُوبت الأعين ناحيـة الراقصـة وتجمهر المعازيم ولكنها لم تغازل إلا عاصي الواقف بجوار حيـاة يبتهل بأدعية كي تمر ليلته على خيـر .

انتبهت حياة لتلك النظرات الغريبة المنبعثـة من عيني الراقصة وطالعتـه بنبرة مُحقق قانوني :
-أنتَ تعرفها !

رفع وجهه بالسمـاء متحمحمًا ، رفع كتفيه مبرئًا ذمته :
-هعرفهـا منين يعني يا حياة !! أنا جمبك أهو متحركتش .

احتدت نبرتهـا بأعينها المُتلصصة :
-عاصي !

-معرفة قديمة يا حياة !! ارتحتي ؟!

اعترف على الفور وهو يلقى نظرة تحذيرية لمهرة أن تكُف عن تصرفاتها الجنونية ..فأكملت تحقيقها :
-ودي جاية تعمل أيـه هنا !!

-وأنا مالي ! اسألي كريم هو الـ جابها .

قرصته بمعصمه بحذر وأكملت بنبرة خارجة من وراء فكيها المنطبقين :
-والله كريم يجيب رقاصة تطلع معرفة قديمة !! ودي صُدفة عادي ولا كُل راقصات البلد يعرفوك وتعرفهم !!

غمغم بثبات مُقرًا حيث لا مفر من التلوين الذي يقف على مراجل تغلي :
-كل راقصات البلد يعرفوني وأعرفهم.. واسكتي أنتِ كمان .

-طبعا يا أهلًا بالتـاريخ !!
عقدت ذراعيهـا أمام صدرها لتخمد ذلك البركان المندلع بداخله وأكملت استجواب ذلك الغارق مع حركات مهرة الجنونية والتي لم تتوقف عنهـا :
-ياجامد!! ودي أيه حكايتها بقى !! أحكي لي !

فاق لنفسه مؤخرًا ، فطالعها :
-في أيه يا حيـاة !! منا واقف جمبك أهو ومبحلق في السما !! عملت أيه للأسلـوب ده !

نظراته لعندها لم تزيدها إلا قُربًا .. جاءت راكضة ببراعة على طراطيف أصابعها تتمايل وتتراقص وأخذت تلف حوله ، أغمض جفونه الاثنين وتمتم :

-ياستي مش كده يا ستي ابعدي عني .. مش أنا توبت !! قولت توبت .

ألقت مهـرة وشاحهها على كتفيه وأخذت تتدلل وتتمايل ، فـ تفاقمت النيران بقلب حياة التي رغم علمها بماضيـه لكن نيران الغيرة لم تنجٌ منها فقدت قُدرتها على التحمـل أكثر من ذلك ، فتمتمت له بغلٍ وهي تربت على كتفـه بقوة :
-انبسط يا حبيبي .. وخد وقتك .. ولا كإني موجودة .

دار رأسه للوراء ليرى أين ذهبت تلك المجنـونة فحاصرته مُهرة بوشاحها هامسة :
-وحشتني يابـاشا !! فينك من زمان !

ضغط عاصي على قدم يسري المتراقص بجواره :
-أنتَ يا زفت ، خلصني من الورطة دي .. دانا هطلع عينك يا يسري 🤌🏻

ثم دفعها برفق لتبتعد عنه ليلحق زوجته التي فارقـت الحفل واتجهت لداخل القصـر .. بالجهـة الأخرى يتراقص كُل من مراد وتميم وكريم على الغناء فجاءت الراقصة لعندهم لتشاركهم الرقصة وتتمايل عليهمـا ولكن حذرة من أي تلامس عكس ما تعمدت أن تفعل مع عاصي .. جاءت كل من عالية وشمس بعواصف غضبهما فهتفت شمس لزوجها :
-مش كفاية كده !! المسخرة دي هتنتهي أمتى ! المأذون جيه بره ..

فأكملت عالية وهي تسحب زوجها من حقلة مرحهم :
-قول لأخوك يمشي البتاعة دي من هنا ، وأنتَ حسابك معايا بعدين .. هاا عشان ترقص معاها تاني .

برر مراد موقفه :
-وأنا مالي هي الـ جت عندنا !!

-مراد!!!
اندفعت شمس نحو كريم واشتدت معه :
-روح اقعد جمب نوران وعدي ليلتك يا كريم .. دي لو نوران عدتها أصلًا .

جمد تميم قلبه وجهر معارضًا عائدًا لرُشده :
-أيه المهزلة دي !! كريم مشي البتاعة دي من هنا دي ليلة مباركة يا جدع والواحد فـ عرض حسنة !!

رمقته شمس بنظرة حادة لا توحي بأن هناك خيرًا سيراه بعدها ، فبلل حلقه قائلًا بتردد :
-وأنا عملت ايه !! دا أنا بنصحـه … شمس خدي هنا هفهمك ..

على أعتـات السُلم التي كادت أن تلمسه أقدام حيــاة تمسك بكفهـا كي يمنع رحيلهـا :

-هو يصـح تسيبي المعازيـم وتطلعي !! حيـاة أنتِ أعقل من كده .

ردت بهدوء تُحسد عليه :
-عشان تنبسط وتاخد راحتك .

جذبهـا لعنـده كي تقف بين يديه تحديدًا ؛ وقرر أن يشتري عُمره قائلًا بحنان زاخر :
-راحتي جمبك ، ومش أنا الـ هقول لك كده .. يلا عشان محدش ياخد باله من غياب صاحبـة البيت ..

ثم ختم جُملتـه بتقبيل كفيهـا بلطف متنهدًا :
-هاه يلا وفُكي التكشيرة دي !!

أومأت على مضض ثم قالت مستسلمـة :
-ده عشان شمس ونوران بس .. أمـا كلامنا لسه مخلصش ..

~حول طاولة كتب الكتـاب ..

شرع المأذون ببدء مراسم الزواج على الطريقـة الاسلامية المعتـادة .. كان كريم جالسـًا ويده بيـد تميم وكيـل العروس .. تدخلت نوران قائلة :
-بس أنا مش موافقـة .. ومش عايزة اتجوز

دارت جميع الأعين لعندها ، فوثب كريم معارضًا كالبوتجاز :
-نعم ياختي !! هو لعب عيال ..؟!

ثم نظر للمأذون قائلًا :
-متسمعش منها يا مولانـا .. دي اصلا فاقدة الأهلية ، هناخد على كلام واحدة فاقدة الأهلية زيها !

-لا يجوز يا عريس !
وثبت نوران معارضـة :
-شايف يا مولانا !! ده أسلوب واحد ينفع اتجوزه ..

تمتم المأذون قائلا:
-لا اله إلا الله.. استهدوا بالله كده ده أكيد شيطان ودخل ما بينكم ..

-رقاصة مش شيطان وو
ثم ضربت على سطح الطاولة وأتبعت :
-مش أنا فاقدة الأهلية !! هل يجوز حد مجنون يتجوز يا عمو !

رفع الشيخ حاجبه :
-عمـو !! الله الله الله !!

تدخلت شمس لتهدأ الأمر وتعاتب أختها :
-نوران ما يصحش كده ! أقعدي .

-لا مش هقعد .. وأنا مش عايزة الجوازة دي ؟!أنا عيلة ورجعت في كلامي .

نظر المأذون لعاصي فتدخل عاصي قائلًا :
-ماتبطلوا لعب عيال وخلي اليوم المهبب ده يعدي !!

ربت كريم على ظهر الشيخ وهو يستريح على طرف الكُرسي موضحًا الأمر بهدوء :
-أنت عارف يا مولانا أن كُل الدوشة دي عشان بس حبيت أعملها مفاجأة وابسطها وأجيب لها رقاصة ..

هلل الشيخ قائلًا :
-لا اله إلا الله، راقصة في يوم مبارك يا بني !!

انفجرت نوران معارضة :
-أنا رقاصة هتبسطني ليه !! قول أنتَ جايبها لنفسك .. كريم و…

رمق بعينيه كي تصمت وأردف بحدة:
-نوران ؛ ولا كلمة ، لينـا بيت نكمل خناق فيه ! شوف شغلك يا مولانا .. وسيبك منها دي تعبانة في دماغها .

-استنى يا مولانا ..
هبت عواصف غضبها وقالت بلوم :
-أولاً متزعقليش كده قدام الناس ، ثانيـا كان المفروض تاخد رأيي في حاجة زي دي الأول !! ثالثـا أنا كان نفسي نجيب رقاصة محترمة بَدرة أو جوهرة أما دي واحدة مشبوهة !! جايب واحدة مشبوهة الفرح يا عمو !! يرضيك ؟

هز رأسه موضحًا ملوحًا بكفيـه :
-أعمل ايه طيب مش فاضيين !! جبت أي واحدة تطري الليلة الناشفة دي وخلاص .

غمغمت شمس بذهول وهي تطالع تميم كي ينقذ الموقف :
-لا ، أنا دماغي هتتشل ، أنا تعبت منهم .. لالالا ده جنان رسمي ! الاتنين دول أنسب عقاب لبعض، تميم اتصرف أنتَ .

أتكأ مراد على كتف زوجته وقال متمنيًا :
-ياسلام لو جاب جوهرة ولا بدرة ، كانوا ردوا الروح فـ قلب الواحد !!

لكزته عالية متوعدة :
-استنى عليا أنتَ كمان !

-بقول لو ، لو يا عالية بفضفض معاكِ ، فُكي كده ..

على الجهة الأخرى مال عاصي الغارق في ضحكه المكتوم على جنون الاثنين، وهمس لحيـاة قائلًا بإعتراف :
-البنت نوران دي ولا تفهم حاجة ، مهرة برقبة الاتنين دول .. تيجي تسألني أنا ..

اكتفت بغرست كعب حذائها بقدمه وقالت بإمتعاض :
-تصدق غلطانة ، كانت جات اخدت رأي انتصارات التاريخ .. !

طوق خصرها بخفاء ليدنوها إليـه وغمغم قائلًا :
-هحكي لها عنك ، لان أنتِ أعظم تاريخ في حياة عاصي دويدار ..

-بكاش موت بردو لينا كلام تاني فوق..

ثم تبدلت نبرة صوته ليجهر قائلًا :
-شوف شغلك يا مولانا وجوزهم واقفل اليوم الـ مش عايز يخلص على الجريمة دي .. دي القفلة الوحيدة الـ تليق بيه .

طالع المأذون نوران الجالسة جنبًا :
-ها يا عروسة !!

أطرقت بدلال وغنج :
-خلاص جوزنا ياعمو .. بس قوله ما يعملش حاجة من ورايا مرة تانية ..

توسل كريم للشيخ قائلًا :
-اكتب يا مولانا قبل ما تغير رأيها ، دي طايرة منها أنا عارفها …

فتح الشيخ دفتره وقال :
-لا اله إلا الله؛ بسـم الله …….

*******

مع نهـايـة هذه الليلة المكدسة بالأحداث ، وخاصـة في تمـام الساعة الثانيـة بعـد منتصف الليل ، أخذ كريم زوجتـه لـ منزلهمـا الجديد .. وفُضت مراسم الزفـاف ولملم العُمال مستلزمات الفرش وغيـرها .. ربت عاصي على كتف أخيه قائلًا :

-يلا عشان ترتاح شوية .. بكرة هتحضر اجتماع منصور الشيخ وقول لي رأيك في عرضـه ..

دار لأخيـه متسائلًا :
-وأنتَ مش هتحضره ليه !!

رد بإيجاز :
-عنـدي شغل كتير بكرة .. هقابل لك بالليل ونتكلم .

-ماشي يا عاصي مش مشكلة ، سهلة .

نادى على أحد الخدم وقال :
-قفلوا البيت كويس .. واتأكدوا أن كُل الشبابيك مقفولـة ..

سار الأخوان معًا كُل منهمـا باتجـاه غُرفتـه .. دخـل تميم لـ غرفته فوجد شمس تبدل ملابس صغيرهـا .. فأندفع لعنـده بكل مشاعره المتوقة :

-هو صاحي !! ولاه يا طاطا .. أنا جيت قوم نلعب ..

مجرد أن سمع صـوت أبيه صرخ الرضيع في مهده متحمسًا لمجيئه ، جلس على رُكبتيـه مستندًا بمرفقيه على الفراش وهمّ بحمل صغيرهُ ولكنهـا أبت وضمت صغيرها بعيدًا عنه :
-تؤ مفيش مصطفى النهاردة .. أنتَ متعاقب .

وقف على نصل عيونها الحادة وقال مداعبًا بطريقة يستجدي رضاها :
-والعقاب بردو يشمل أم مصطفى .. ؟!

ردت بجمـود وهي مشغولة مع غيار صغيرها :
-اه الليلة مفيش لا مصطفى ولا أم مصطفى ..

عقد حاجبه مستفسرًا، متعمدًا لمس وجنتها التي بعدتها عنـه :
-طيب وأنا هنام ازاي من غيـر حضن مصطفى ومامته..

ردت بجفاء ممزوجًا بالابتسامة الانتقامية :
-أنتَ مش هتنام معانا في الأوضة أصلًا ..

-نعم !! أومال هنام فين. !! شمس متهزريـش أنا عملت أيه !!

دارت إليه بوجههـا المتصلب :
-مش رقصت وانبسطت !! يلا شوف لك مكان غير هنـا ..

-استهدي بالله كـده وروقي يا شمس ، دي ساعة شيطان بس ..

أصرت على رأيها بحدة :
-تميـم هي كلمة واحدة مش هنام معاك في أوضـة واحدة ، ولو مخرجتش أنت ؛ هاخد ابني وامشي أنا ، ها قلت أيه ؟!

-وعلى أيه !! الطيب أحسن.. أغير طيب ولا هطرد كده !!

~أمام غُرفـة عاليـة ..

يقف مراد مُترجيـًا بصوت خفيض :
-عالية افتحي الباب بلاش الحركات دي أحنا مش في بيتنا !!

فرغت من ارتداء ملابس نومها لف شعرها قائلة :
-مش كانت عاجبك الرقاصة ومستنى بدرة وجوهرة !! روحلهم تصريحك مفتوح ..

دق الباب بخفوت ، وتمتم :
-طيب افتحي نتفاهـم !! طيب كريم الـ جابها أنا اطرد ليه !

أبت بإصرارٍ وهي تقول :
-وأنت وأخوك أيه !! نفس العينـة ..

جز على فكيـه بضيق :
-عاليـة ، طيب افتحي أخد موبايلي ..

غلقت أنوار الغُرفـة متأهبة للنوم وقالت :
-أشش غالية نامت وأنا كمان هنام ، متعملش صوت ..

خرج تميـم من الغرفة مرتديـا منامته الخاصة فألتقى بمـراد الواقف أمام الباب وأشار له :
-تعالي تعالى كلنا لهـا ، كان لازم نفرح اوي ونرقص!!

‏برر مراد موقفه وهو يحاول فتح مقبض الباب ؛ مردفًا :
-مش عارف الباب مش راضي يفتح ليه!! شكله فـ مشكلة !!

‏اقترب تميم منه ضاحكًا متفهمة محاولة مراد لتغاضيه عن أمر طرده ؛ غمغم مواسيًا وهو يربت على كتفه:
-ومش هيفتح يلا حبيبي يلا نشوف لنا مكان ننام فيه.

‏قطب مراد حاجبيـه ضاحكًا :
-مطرود زيي !! طيب ما تقول من بدري ! جوازة أخويا دي جوازة شُؤم ..

‏رفع تميم رأسه لأعلى وقال:
-عاصي اي نظامه ! هو مش هيطرد زينـا !!

-لو منزلش هو ، هنطلع له يقولنـا عملها أزاي ..

~ بغُرفـة عاصي …..

خرج من المرحاض بعد استحمامـه بالماء الفاتر متلفحًا بالمنشفة البيضاء حول خصره ، تعرقل بصغاره الذي يحبو كل منهما بجهة مختلفة في أرجاء الغُرفة تأملهما للحظات قليـلة فـ بثت روح الحياة بقلبـه ثم انتقلت عينـاه لتلك الحورية التي تزيل أثار مستحضرات التجميل عن وجههـا .. دنى منهـا ووقف خَلفهـا شاردًا بجمالهـا الساحر الذي طمس عينيه عن بقية بنـات حواء .. رفـع شعرها باحثًا عن شيء يخصه فأقطب قائلًا وهو يشير على جزء ما برقبتها :

-كان في حبـة بن هنا راحت فين !

اكتفت بإرسال نظرة حادة بالمرآة وهى تضع مرطب البشرة على وجهها .. مال لعندها وخصيصًا عند الجزء المراد تقبيلـه ليطبع فوقها الكثير من حبوب البن .. انسجم في فعل ما يُريده وتركتـه يفعل ما يشاء بدون وجه إعتراض حتى أصابها بلسعـة حب جعلتها تتأوه متألمة وسرعان ما أخفت وجعها عنه وسألتـه ، ذلك الغائص في ملاذه منهـا :

-ممكن أفهم يعني أيـه مش هنرجع الغردقـة تاني!! ومن أمتى القرارات المفاجئة دي ؟! وكمان من غير حتى ما تاخد رأيي ؟!

ثم تملصت من بين يديه وفضت اشتباكه بها وأكملت:
-مش المفروض إننا شُركا في كل حاجة !

نظر للمـرآة وشرع بتصفيف شعره المتدلى على جبهتـه وقال :
-هنا الرأس مال الأكبر والأهـم ، شغل هناك يمشي بمكالمة تليفون ..

يقال أن ما بين الأنانية والعنـاد ضاعت القلوب ، وقفت أمامه محاولة المحافظة على هدوئهـا :
-أنتَ شايف كده !! طيب مفكرتش في بناتك وأنا وبيتنا !! طيب مسألتش نفسك هكون مبسوطة بقرارك ده ؟

رد بثقة :
-راحتك فـ المكان الـ هكون فيـه ومعايا ؟!

زفرت باختناق وهي تدور حول نفسها مفكرة بخلق حجة واحدة تُقنعه بالعودة ، فقالت :
-طيب وشغلي !

-يونس أخوكي مش مقصـر !

-طيب وشغلنـا سوا ؟!

رد بنفس نبرته الباردة التي لفحت قلبها بجمر يحترق:
-أرباحك هتوصلك كُل أول شهـر وأنتِ قاعدة في بيتك ..

تأزمت حالة عقلها من جُملـة قراراته المفاجأة :
-عاصي!! لا بجد أنا مش عارفة المفروض اتكلم أقول أيه ! أنت قلة الكلام معاك أحسن ..

كادت أن تنصرف من أمامه فأمسك بمعصمها كي تتوقف عن رحيلها .. وقفت بين يديه فأردف بنبرته الهادئة :
-جمالك بيربكني ، ومابعرفش اركز مع حد غيرك طول فترة الشغـل ..

ثم شق ثغره بضحكة خفيفة وقال ممازحًا :
-عايزين ناكل عيش ياستي .. !

قنطت من عناده فأغمضت جفونها بكلل وهي تطرد دخان غضبها بزفيرٍ قوي :
-عاصي بجد أنا مش قادرة اجادل معاك ولا عندي طاقة أواجه قراراتك المفاجئة دي ، ممكن نأجل كلامنا لبكرة ..

-ياريت !!
ثم مال على مسامعها وقال بهمس :
-العيال دي هتنام أمتى !!

ردت بتعبٍ وإرهاق :
-يخلصوا أكلهم بس وهينيمهم ..

ثم انسحبت من تحت يديه بخطوات ثقيلة ، انحنت لتحمل توأمهـا برفق وقربتهما من بعض جلست بالأرض وأخذت تناولهم طعامهما بمنتهى الدفء والحركات الطفولية التي تشجع فيهـا أطفالها لإنهاء اكلهمـا … ظل هو الآخر يتجول بالغُرفة على مراجل من نـار منتظرًا قدومهـا لعنـده .. بدل ملابسه وأخذ يراجع بعض المهام المتأخرة في عمله حتى نفذ صبره وقفل جهاز الحاسوب .. قائلًا :

-المفروض يناموا أمتى يعني !!

حملت ريان ووضعته بين ذراعي أبيه وقالت :

-اتفضل خُد ريان نيمـه ، لحد ما أكمل اكل ركان عشان ينام هو كمان ..

عقد حاجبـه متحيرًا :
-أنيمه أزاي يا حياة !!

زفرت بجـزعٍ :
-نيمه يا عاصي زي الناس !!

ثم وضعته على كتفـه وقالت بمللٍ :
-اتكلم معاه بهدوء .. وحسس على ضهره هتلاقيه نام ..

فـ بللت حلقهـا مواصلة وهي تطيل النظر بعينيه :
-زي مـا كُنت تنيمني .. !!

ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه وتمتم مداعبًا :
-طيب ما تنيمي ريان وركان ، وأنا أنيمك أنتِ بطريقتي .. ونبقي خالصين .

أخفت ابتسامتها عنه بإعجوبة متوارية خلف ملامحها المنكمشة وقالت بحزم :
-أنت هتنام عـ الكنبة أصلًا ..

-نعم !! أيه القرارات المفاجأة دي ؟!

باغتـته بابتسامة ماكرة :
-بتعلم منك ..

ثم دنت منه وهي تقفل أزرار منامته المفتوحة وقالت بخبث يبطنه الانتقام :
-عشان حبيبي أنتَ من النهاردة متعاقب، ومش عارفة لحد أمتى ؟! بس قول لحد ما انسى إنك خلفت وعدك معايا وشربت .. وقراراتك الـ جات فجأة دي !

ثم أخذت تداعب حشائش صدره بحركات دائرية جذابة وقالت بأعين تحمل التهديد :
-ومش هفتح معاك موضوع الرقاصة عشان ده كان ماضي ، واتمنى إنك حتى متفتكروش في خيالك عشان هعرف بردو ..

-أنا عملت كُل ده أمتى !!
تحمحم بخفوت وهو يربت على ظهره صغيره والضحكة تملأ محياه :
-هنيم ريان حاضـر ..

عادت إلى ركان وتركته يتجول بالغُرفـة حتى طالع النافذة فسقطت عيناه على تميم ومراد الجالسـان بالحديقة ، جهر مناديًا :

-بتعملوا أيـه عندكم !

أقر مراد قائلًا بمزاحٍ :
-بناخد تان على ضوء القمـر ..
فوضح تميم معترفـًا :
-هو بس محرج يقول لك أن عالية طردته ..

انفجر عاصي ضاحكـًا حيث باغته مراد قائلًا :
-ما أنتَ كمان شمس طردتك !! وماتقولش مطرود دي قدامي !!

غمغم تميم متسائلًا :
-وأنتَ يا سيطرة ! على أيه الكلام ؟!

رمقهم بنظرات هُزء ، وقال بتفاخر :
-وهو أنا زيكم بردو !! أنا التاريخ يا بني !

ثم شد ستائر الشُرفة وعاد ضاحكًا وكان أن يجلس على طرف التخت :
-أنا مطردتش ليه زيهم ، أهون من زن ريان!!

ردت بجبروت :
-لا ياحبيبي ، أنت هتقعد هنا تحت عيني ..
ثم أتبعت :
-عاصي الكنبـة ..

عاد على مضض إلى الكنبـة وشرع في بث شكواه بآذان صغيره وقال بهمس وهو يتمدد على الأريكة ويأخذ ابنه فوق صدره العريض :

-تعرف أنتَ فاتتك أهم فقرة في اليوم وهي الرقاصة .. كانت فقرة رجعت أبوك عشر سنين لورا ..أنت لو شوفتها كُنت هتنزل تجري زي الحُصان كده ..

تساءلت بشكِ :
-أنت بتقوله أيه !

-أسرار مع ابني يا ستي !! مدخلة نفسك في كلام الرجالة ليه !!!

-بقا كده يا عاصي !! طيب نام ! نام ربنا يهديك..

******

~بسـيارة كـريم

تجلس بالمقعد الأمامي المجاور له ويبدو عليهـا الكثير من القلق الذي فشلت في إخفاءه ، خفضت صوت الغناء وولت وجهها لعنده فقرأ الخوف على ملامحها ، هدأ سرعة السيارة وقال بشـكٍ :

-أي الوش ده !! مالك تاني ، أنا بدأت أقلق .

تأملت خلاء المكان عليهما فلم يبقى سواها معه ولا يوجد مفر، أدركت للتـو صعوبة الأمر وتورطها فيه ، فركت كفيها بتوتر وقالت :

-أحنا رايحين على بيتنا ؛ صح !

رد بارتياح :
-أنا ماشي على ١٢٠ عشان نوصل .. الود ودي نطير للبيت ..

رفعت جفونها لعنده بتثاقل وغمغمت :
-وهيتقفل علينا باب واحـد وهنكون فـ الشقة أنا وأنت وبس !! يعني مفيش شمس ولا تميم ولا طاطا ..

ثم انخفضت نبرتها برعب وأكملت :
-مفيش حد غيرنا خالص !!

أطلق ضحكة خفيفة وقال :
-أنا وأنتِ وبس .. يااه آخيرًا ، أنا هطلع عينك على الخطوبة الناشفة دي الـ قرفتيني فيها أنتِ وطاطا أفندي .. أنا كيمو يتعمل فيا كده .

تراجعت بظهرها للوراء لتختبئ بالباب وقالت بخوف :
-أيه يعني هتعمل أيه !! كريم أنا بجد قلقانة وخايفة ومش عايزة اروح معاك ممكن ترجعني عند شمس وتميـم .. لالا أنا حقيقي مش قادرة ..

صف سيـارته جنبًا ثم دار لها كي يتمتص شحنات الخوف المنبعثة منها، مسك كفها المثلج وقال :
-أنا بهزر !! ليه ليه الخوف ده ، أنا كريم مش بُعبع !!

بللت حلقها فظهرت عروق رقبتها وقالت :
-كريم ممكن تقول لي أحنا أول ما نروح هنعمل أيه بالظبط ..

ارتسمت ضحكة خبيثه على محياه ثم قال بنبرة هادئة :
-هنروح نتفرج عـ شقتنا سوا ، نتعشى قدام الفيلم الـ هتختاريه ، وبعدين ننام والصبح هنطلع الطيارة عشان الهاني مون ..

تأرجحت عينيـها بشكٍ :
-يعني هنتعشى ونتفرج عـ فيلم وبس كده ، مفيش أي حاجة تاني !

رد بثبات يُحسد عليه يخالطه الخُبث ودهاء الرجال :
-بس كده .. أنتِ خايفة ليه ؟! ومن أيه ؟!

نفضت غُبار القلق من فوق كفيها وتمتمت مؤكدة :
-يعني مفيش أي حاجـة تانية من بتاعت الشباب الوحشة !

كتم ضحكتـه بأعجوبة ولكن انعكس بريقها بلمعان عينيـه :
-ولا أي حاجة !! اطمني خالص .. أحنا اتنين صُحاب بيحبوا بعض عايشين في شقة واحدة عشان يضحكوا ويهزروا ويخرجوا سوا وبس كده !

تحمست بشغف طفولي :
-طيب يالا سوق بسرعـة عشان نوصـل بيتـنا في دماغي كام فيـلم حكاية .. مش هتبطل ضحك ..

عاد كريم لقيادة سيارتـه وهو يغمغم في سره :
-دا أنا هشوف أيام سودة مع المجنونة دي !!

******

~بـ غُرفة عاصي ..

عادت حياة لغُرفتهـا بعد ما اطمئنت على حال البنات وشدت الغطاء فوقهن وضبطت درجة برودة المبـرد وطبعت قبلتها الليلية والسرية على جبين كل واحدة منهن .. قفلت الباب بحذر ثم تقدمت لـ عاصي النائم الذي يحضن ريان وغارقًا معه في سُباتهمـا .. حملت صغيرها بعد طبعـها قُبلة رقيقة على جبينه ثـم وضعته بجوار أخيه في مهدهمـا ..

وقفت أمام المـرآة ورفعت شعرها على هيئة ذيل حُصان ونثرت القليـل من العطـر .. ثم تدلت كفوفها لتحرر رباط خصرها الحريري وتنزع سترتها الطويـلة ليظهر تحتها أنثى غايـة في الجمال مرتدية سروالًا قصيـرًا بنفس خامـة ولون الرداء السماوي الطويـل الذي يتناسب مع لوني عينيها ، ويعلوه سترة قصيـرة ذات حمالات رفيعة .. تدلى كفها برفق على تفاصيل جسدها الأنثوي فائق الجمال خاصـة بعد إجراءها للعديد من عمليات نحت القوام بعد الولادة..

فتحت أحد أدراج التسريحة وأخرجت خُلخالًا من الذهب الأبيض ولم تنس تلك الحُمرة الوردية التي برزت جمالها بشكـلٍ أوضح .. تحركت لركن القهوة الكائن بأحد زوايـا الغُرفة وأحضرت فنجانـًا لها وهي ترتدي سماعات هاتفهـا وتستمع لـ ميادة الحناوي بصوت هادئ ” أنا بعشقك أنـا “

فرغت من صُنع قوتها على نور القمر المكتمل والمتسلسل لغرفتهما من وراء الستار الذي يداعبه هواء الخريف .. حملت فنجانها وتناولت دفترها وقلمها وتكروت على أحد المقاعد .. فتمتمت ميادة لقلبها بإعتراف راق لها :
-يا من ملك روحي بهواه، روحي بهواه
الأمر لك طول الحياة، طول الحياة
الماضي لك وبكرة لك وبعده لك

ارتشفت رشفة خفيفة من قهوتهـا وكتبت عنوانًا :
-“كن لي كمـا أهوى “

-عشتُ ليالٍ طويلة كل ما اتمنـاه هو أن أتعافى مما حفرتـه الأيام الصعبة فوق جسدي وبين ثنايـا روحي .. ركضت وركضت كثيـرًا كي أجد مشفى لأثار تلك الجروح العميقة بداخلي .. فشـل البحر أن يُنسيني ما أبكاني ومن قتلنـي حية على شطيه ، أين المفـر من كل الذي حدث لي، حتى استسلمت وغمر اليأس حوافر يدي التي تشق الصخـر متأملة في إيجاد الزهر بين شقوقه ، كساني القنوط حتى قدمني قُربانًا للحب على كفوف يديك بعد ما ذوب ملوحة المـاضي تمامًا ، وها هنـا كانت البداية مع ذلك الرجل المُحيـر للعقل والقلب ! ذلك اللغز المستحيـل الذي لم أتوقف عن طرحي لسؤالي المستمر عنه !! من أنتَ ؟! ولمَ أخصك البحـر بتلك المهمة الصعبـة !! لماذا أنت تحديدًا …. !!
من أنتَ يا رجل !!
ذلك العاصي الذي التقيت بعينيـه في حقل النيران !!
أم ذلك اللص الذي استغل غياب عقلي وسلبني لعالمـه الخاص بدون إرادة مني ؟!
أم ذلك السجـان الذي أسرني تحت عينيـه !!
أم ذلك الهـش الذي يرمم فراغات قلبـه بين يدي !!
أم ذلك الطفـل المتدلل الذي يعاندني ويجادلني دومًا !
أم ذلك الولد البكري لأمه والتي لا تستطيع معاقبته مهما فعل !!
أم ذلك الرجل الحنون الذي لم يكف عن بث المشاعر الصادقة لروحي !
أم ذلك الأب لـ ثلاثـة فتيات وطفلين !!
أم ذلك الزوج الرائع الذي أصل معـه لسُحب العشق !!
أم ذلك العصي عن الترويض والإرشاد ولا يفعل إلا ما يروق إليه !!
أم ذلك المحبوب السـري لروحي الذي سأقفل دفتـري الآن وأذهب لعنـده لإيجاد جوابي ، كلا ؛ لإيجاد نفسي تحت سمائه!!

~رسيـل المصري ..
~حياة العاصي …..
أم تلك العاصيـة لحياة تأتي بدونك !!

قفلت دفتـرها مع انتهاء الموسيقى ونزعت سماعات أذنها وسارت بقدمين أخمصيتان يزينهما خُلخالًا لا يزيدهما إلا إثارة .. جلست على طرف الأريكة وأخذت تتأمل ملامحـه النائمـة ، مررت أناملها فوق وجهها كأنها تبحث عن النور والحياة بين تفاصيله ، انحنت لعِندهم أكثر وهي تُسقيهم بأنفاس حُبها المشتعلة حتى هممت بصوتٍ دافىء:

-حبيبي ، قـوم نام في السـريـر ..

تمسك بمرفقي يدها الراسيان فوق صدره كي لا تهرب منه وقال بصـوت مفعـم بالنوم :
-بس أنا مرتاح كده !

غمغمت :
-بس أنا مش مرتاحـة ، ومش هعرف أنام ومكانك جمبي فاضي ..

أفسح لها مكانًا بالأريكة كي تتوسد يديه وهو يحييا برائحة عِطرها وقُربها ويضمها أكثر فأكثر إليه كـ أب يغلغل صغيرته لحضنه:
-منمتيش ليـه ..

تسللت أناملهـا لتقاسيم صدره الصلب وقالت بصوت يملأه الشجن :
-كُنت بفكـر شوية ..
ثم أكملت بنفـس النبرة الخافتـة تحت ضوء القمر المنعكس فوقهما كمن يروي أوجاعه لرفيق عمره :

-تعـرف أن أول كُل حاجة دايما تتسرق مني .. زي مثلًا .. فرحة فستان الفرحة ورهبة أول ليلة مع الشخص الـ اختاره قلبي فرحة أول حضن وأول لمسة .. فستان نوران النهاردة صحى جوايا مشاعر كتير أوي افتقدتها .. وكمان فرحة أول ليلة معاك كنت مغيبة ومش فاكرة حاجـة خالص منها .. فرحة أول طفل لينـا سابنا ومشي .. فرحة وجودك معايا في ولادتي اتحرمت منها .. حاسة في فراغات كتير جوايا ، مش بتوجعني بس مش بتفارقني .. أنت فاهم !

أردف بتلك النبرة الجياشة :
-مش كفاية أنك أعظم حاجة حصلت في حياة شخص كان فاقد الحياة كلها !

قبلت أنامل يـده التي ابتلت بماء حزنه فـ رد لها القُبلة بعانق طويلٍ سكنت وآمنت بين ثنايـا ، غمغم بتلك النبرة الدافئة :

-قوليلي أيه ممكن يسعـدك وأنا أعمله حالًا .. !!

-أنا بخيـر ، حبيت بس أفضفض معاك شوية .. مش أحنا صُحاب !

-أنتِ حياتي كُلها .
مسح على شعرها الحريري وقال :
-طيب منمتيش ليـه !

-شربت قهـوة وطيرت النوم .

عاتبها بنبرة حنونة :
-حد يشرب قهوة بالليل !!

بررت :
-قولت أنت كمان شربت ، فممكن نسهر سوا ..

رد ممازحًا :
-بس قهوتك غير قهوتي !!

نظرت إليه باهتمام :
-أزاي ؟!

تحمحم خافيًا جريمتـه ؛ وقال :
-ولا حاجـة .. ومتبصليش بالعيون الحلوة عشان عشان بتوه في حلاوتهم وبعترف من قبل أول قلم ..

-مش فاهمه حاجة ، بس ….
بادلته بابتسامـه خفيفة وقالت :
-في هديـة ليك !!

رد بدون تفكير :
-ايه !! حامل ؟!

ضربته برفق على صدره كي يتراجع عما يقوله :
-بس بقا ، أنا حرمت خلاص .. ولادك علموني الأدب ، حمل تاني مستحيـل ..

-أيه هي الهدية ، أنا بحب الهدايا أوي خاصة لو منك.

انسحبت من حضنـه بغنـج فسقطت عيناه على قوامها المرسوم على يد رسام ماهر ، اعتدل من نومته مغمغمًا :
-مفيش نـوم الليلة دي … شكلك ناوياها يابنت قنديل المصري ..

فتحت الخزانـة وأخرجت منها إطار متوسط الحجـم وعادت إلـيه بخطوات هادئـه ، جلست بجواره ونزعت الغلاف الذي يُغطي الصـورة المرسـوم فظهرت صورة لأمـه مرسومة بشكـل أوضح أقرب للصورة القديمة التي لا تحمل إلا لونين ؛ الأبيض والأسود..تأرجحت عينيها بينه وبين تفاصيل الصـورة وقالت :

-لازم تحفظ ملامحهـا وتكون موجوده في حياتك حتى ولو فـ صورة .. لازم تحس بيك وبدعواتك ليها طول الوقت .. ده أبسط حق ليها عن كل السنين الـ فاتت .. أيه رأيك نسافر سوا ونعمل عمرة باسمها .. ! حاسة إننا محتاجين المكان ده أوي!

-ربنا يسهل ..
ثم مالت برأسها على كتفه وسألته :
-عجبتك ؟!

كان وحيدًا كإبهام اليـد لا يُشارك بقية الأصبع في طرق أي باب حتى جاءت لعالمـه وغزلت خيوطها حوله وبنت مدينة كاملة من البشـر بداخل قلبـه ، معها أدرك عناء الوحدة ولذة الحياة المشتركة .. تأمل تفاصيل المرآة الضاحكة التي يحمل الكثير من ملامحهـا .. مرر أناملها فوق صورة أمه وقال شاردًا :

-تعرفي أنا لقيت مبرر عن كل العلاقات اللي كنت بهرب لها .. كُنت بدور على حضن الست دي وأنا غبي مش فاهم ولا عارف .. يمكن لو كانت حضنتي لمـرة واحدة فـ العمر ما كنت عشت تايه كده ..

مررت أناملها بين جدائل شعره وقالت بحب :
-أنا معاك .. وجمبك ، ربنا يقدرني وأعوضك عن كل ده ..

ثم سحبت الصـورة ووضعتها جنبًا وأكلمت :
-مش أنا حبيبتك وأختك ومامتك وبنتك وكل حاجة بالنسـبة لك ..

فلطفت الحوار بينهمـا مكملة :
-ولو حابب أنـا ممكن أبقى لك ست مُهرة دي كمان !!

ـمهرة ؟؟وسعت منك حبتين دي .

تعمد إثارة استفزازها بمدحة لإمراة آخرى .. تبدلت معالم وجهها بغضب يتقاذف من مقلتيها وهي تلكزه بعتب يخالطه الضحك :

-هي ست مهرة دي عملت أي أنا معرفتش أعمله ؟؟ اتفضل اعترف كدا .

رفع حاجبه مستفهمًا :
-أتكلم يعني والجنان مش هيضرب في وشي ؟

هزت رأسها متقبلة الأمر:
-اديتك الأمان .. يلا احكي ، مهرة دي كانت تعمل أيه أنا مش بعرف أعمله ..

اعتدل في جلسته لتكون قبلته ومقبله مستندًا على ظهر الأريكة :
-هي وغيرها عملوا كل حاجة تتخيليها إلا حاجة واحدة بس محدش عرف يعملها غيرك ..

-حاجة أيه دي ؟

-أني أحبك .

لم تنكر أثر وقوع الكلمـة على قلبها ولكنها أبت التغاضي عن سؤالها وقالت :
-مش هتثبت لا .. عايزة أعرف طيب من حقي .

-يعني هتعملي الـ كانت بتعمله ؟؟

احتوت كفه وقالت بنبرة حنونة :
-أنا قولت لك قبل كده وهكررها تاني .. أنا مستعدة أكون لك أي شيء ممكن يسعدك ..

داعب وجنتها بأنامله وقال :
-عـ فكرة أنا بهزر معاكِ وبنكشك ومستني عصبية وزعيق ، مش متعود عـ الهدوء والعقل ده ..

-عشان أحنا دلوقت بنتكلم كاتنين صحاب ، مش رجل ومراته .. عشان لو بتعامل كمراتك كان زمانك تحت قاعد جمب تميم ومراد

ثم بللت حلقها وأتبعت :
-عاصي أنا متصالحـة مع ماضيك جدا ومتقبلة كل أخطائك .. ماليش حق ألومك عليها بس واجبي اوفر لك العالم ده معايـا وبس .. لاني حلالك ومش هسمح بخطوة ترجعك لورا ، لا .. أنا مستعدة اتعلم كل حاجة بس أنت تكون راضي ومبسوط ..

داعب ركبتها العارية بإعجاب يتقاذف من عينيه وقال شاردًا:
-ومين قال لك إني مش راضي ومش مبسوط !! البصة الواحدة في العيون دي كفيلة ترد فيا الروح ..انت مش مضطرة تبذلي مجهود علشان تعجبيني .. لان أبسط ما فيكي مجنني ..

-طيب استنى ..

قالت جملتها وهي تركض أمامه كغزالة شاردة .. احضرت شيء ما وعادت له بحماس مالت قليلا لمستوى اذنه ووضعت أحد طرفي السماعة بها والأخرى بأذنها .. فسألها :
-هتعملي ايه !!

أخذت تقلب بسرعة في هاتفها وقالت بصوت خفيض :
-ضوء القمر يجنن .. وكنت قريت في أسطورة بتقول أي اتنين بيحبوا بعض لازم يرقصوا تحت ضوء القمر في ليلة تمامه والمطر عشان حبهم يزيد ومايفترقوش ابدا ..

ثم شدته بشغف :
-يلا نرقص .. بس متعملش صوت عشان الولاد نايمين .. خلي بالك لو صحيوا هتنيمهم أنت ..

-أنت بتعرفي ترقصي أصلا !!

-هو في ست متعرفش ترقص !!

شرع صوت الموسيقى بآذانهم وقال بعتب :
-ماشوفتش قبل كده يعني !!

حكمت ربط حزام الرقص حول خصرها وقالت بدلال وهي تعانقه بحركة ذراعيها المتطايران ببراعة :
-مرة ست عجوزة قالتلي .. لما تحبي رجل متدلقيش عليه بكل الـ عندك .. حسسيه دايما أن عندك كل جديد بس بوقته وبكيفك ..

-مش سهلة أنت!!

-بتعلم منك !!

******

-مش قادرة خلاص أنا أكلت اكل جمل ..

أردفت نوران جملتها بصوت ضاحك بعد ما فرغت كل طاقتها بالأكل ..نظر لها كريم وقال :
-هنا وشفا .. اجيب لك تاني ؟

-لا تاني ايه !! انا مش قادرة اتحرك من مكاني ..اول مرة اكل كدا بجد ..

مسح كفيه وفمه بالفوطة الصغيرة ثم قال بملامح يُخالطها الحزن المفتعل :
-طيب اسيبك تاخدي راحتك في الشقة واقوم أنام !!

-أحنا مش هنشوف فيلم الأول ..

رد بيأس :
-ماليش نفس بجد يا نوران وو

قاطعته متسائلة باهتمام :
-استنى بس .. أحنا كنا بنهزر حصل ايه غيرك كده !!أنا قولت حاجة زعلتك ..

وثبت ببطء وهو يروي بدايات مسرحيته وقال بتوجس :
-بصراحة في سر جيه الوقت تعرفيه ..

نهض من مكانها بقلق :
-كريم متقلقنيش ؟ سر أيه ؟ طيب احكي لي !!أنا سامعة أهو .

طأطأ رأسه بأسف مبالغ فيه .. وهمَ بالذهاب لغرفته وهو يتمتم :
-بصراحة مش عارف أقولك أيه ..! بس .

وصل الثنائي لغرفة نومهما ، جلس كريم عـ طرف الفراش فجلس أمامه بجزع :
-كريم هعيط .. بجد أنت زعلان من أيه ! مش بحب أشوف الوش ده ..احكي لي طيب أنا بقيت مراتك يعني المفروض مش نخبي عن بعض حاجة ..

أسبل عينيه مرددا بسره :
-“طيب كويس أنك لسه فاكرة إني جوزك يا بت الـــ “

ثم تحمحم بخجل وقال :
-مش عارف اجيبها لك أزاي !! بس

-ممكن تتكلم على طول ؟!

فتح صورة لنتائج تحاليـل على هاتفه وقال لها :
-بصي على الصورة دي ؟

-دي تحاليل ؟! بس أنا مش فاهمة حاجة .. ممكن ابعتها لشمس تقولنا فيها ايه .

هز رأسه باسف :
-بس أنا عارف فيها أيه..نوران أنا الدكتور قال لي أن …..

ثم فرك كفيه ببعضهما ومال على أذنها هامسًا ببعض الكلمات التي ختمتهم بشهقة عالية وهي تضع كفيها على فمها وبأعين جاحظة :

-يعني ايه ؟!

أكمل تمثيل مسرحيته :
-يعني زي ما سمعتي .. قال ل كده بالنص .. وده السبب الـ خلاني أجيب رقاصة الفرح ..

تمتمت وهي تحت تأثير صدمتها :
-يعني مش تغيظني ؟!

-لا خالص !!الرقاصة جات لسبب سامي وعلاجي ..

ربتت على كتفه وقالت :
-خلاص متزعلش .. عادي أصلا مش مهم الحاجات دي صح !! أنا عمري ما هسيبك عشان سبب تافه زي ده .. مضايقش نفسك !

برقت عيناه بصدمة إثر ادراكه للتو انه أمام طفلة بالفعل : “مالها بنت المجنونة دي !!مصيبة لو مش فاهمة أنا بتكلم عن أيه أصلا”

ثم عاد إليها ليقول :
-الفكرة إني عايز اتاكد من كلام الدكتور .. هو قال لي كام حاجة كده أجربها فلو يعني ..
ثم صمت لبرهة وقال :
-متقلقيش مش هيحصل أي حاجة ..غير وبس عشان اطمن ..

تأرجحت عينيها بتردد :
-أنا المفروض أعمل أي طيب عشان أساعدك ؟!انا بجد مش عارفة ..تحب أكلم شمس نأخد رأيها ؟

بسره “الله يفضحك ياشيخة !!ماتسكتي بقا ”
مُدت يده لقفل إضاءة الأباجورة قائلا:
-أنتٍ متعمليش حاجة خالص .. أنا الـ هعمل …

*******

~غُرفـة عاصي …

“بيقولولي توبي توبي توبي توبي
ازاي بس ازاي !! تتوبي يا عيني ازاي؟! “

ما في شيء يُعادل جمال فكـرة أن تضيء مع من تُحب في ليـلة يشهد عليهـا القمـر والمغنى وكأنك ملكت العالـم بيـن راحتي يديك .. شرعت ” صباح ” في شدو كلمات أغنيتهـا التي التفت حول خصـر ” حياة ” كفراشـة تغازل الزهـر قبـل أن تُقبلهـا .. بين يديه أخذت تتمايل بتلك الحركات التي لا يتحملـها رجل مثله يهوى دلال النساء .. حتى عادت متمسكـة بسترته القطنيـة بخفـة وهي تتلوى كـ تحت عينيه كسنابل القمح التي يُداعبها الهواء بل الهوى متناغمة مع كلمات الموسيقى.. وتمتمت لعينيـه معترفة بتنهيدة تشُق قلبهـا :

-عاشقـة وغلبانة والنبي !! مقدرش أفوته والنبي ..
دانا كُل حتة فـ توبي ، دايبـة .. دايبـة فـ هوا محبـوبي ..

كاد أن يُجيب على اعترافها بقُبلة مسروقـة ولكنها أبت متغجنـة وهي تلف وجهها عنـه وتهز كتفيهـا بحركات دائرية مُغريـة رست كفوفه فـوق جناحيها المتمايلة ببراعة وأمهر من أعظم راقصـة .. تفاقمت حركاتها المفعمة بالأغواء عندمـا أحست باقتراب أنفاسه منها .. فطارت خطوتين للأمام هاربة من حصار يديه وهي تبدل الأدوار لتواصل حركة كتفيها الجذابـة والتي تعكس غنج ودلال أنثاه .. أشارت له بسبابتها وبين مساف ذراعه وتمتمت :
-عيني يا قلبي علينا انا وانت مساكين يا عيني
مبقاش فاضل لينا غير دمعك يا عين ..

أحدثت فتنة بقلـبه جعلتـه يلامس أناملها ويديرها كالفراشة تحت عينيـه لتقع فريسـة بين يديه .. لم تتوقف عن الرقص متدللة بحضـنه متمردة على أوتار الهوى وهي تغازله بعينيهـا التي فاض منهما ضوء القمر المنعكس والحُب .. رغم وقوعها تحت حصار يديـه لم تُكف عن الترويض والمغازلة حتى فقد السيطرة على ذلك الجسد الأشبه بحوت يسبح في بحر تشويـقه أكثر فأكثر .. انتهى بها المطاف مستنـدة بذقنها على كتفه وهي تهمس لها بآخر كلمات الأغنيـة مع عناق مُغرٍ :

-أزاي بس أزاي !! تتوبي يا عيني ازاي !!

نزع السمـاعة من أذنـه كي يلتفت لتلك الهائمـة بين يديه والتي أحدثت بجسده ثورة وانقلاب لا تؤدي إلا لتحرير جيوش الهوى بكامـل قوتهـا .. نزع أيضـًا السماعة من أذنهـا وانحنى ليحملها بين يـديه مُشيدًا بجمالها :
-أيه الجمال ده كله !

تعلقت بعنقه وسألته بدلالٍ :
-يعني عجبتك !!

-جبارة !! المواهب دي كانت فين من زمان !
وضعهـا برفق لتتوسط حوريتـه تختـه بركبتين مثنيـة قليـلًا ، جلس أمامها وبدء فرد شعرها المُقيـد وكأنه يُقدم طلبًا أن تفرد له قلبها .. شرعت أصابعـه تعزف على أوتار شعرها المنُسدل بأعين فاض منهـا الشـوق تجلس أمامه بأنفاس هادئة وأعين تترقب مبادرتـه بأسمى درجات الحب التي تصعدها واحدة تلو الآخرى في هواه ولكن كساها التوتر قليـلا في قضمها المستمر لشفتها السُفليـة بنظرات تتأرجح ما بين الخجل والفتنـة وغمغمت :
-عاصـي ..

-أششش !!
دفن تلك الهمهمات المليئة بالشجن تحت مظلة شعرها المنسدل موزعًا زهور حُبه حول عظام الترقـوة ..ألتف ذراعه حول خصرها فدبت قشعريـرة خفيفة بكيانها وهي تهـم بعناق حنون .. بدأت يدها تتنقل مُعلنة خطواته المستقبلية وكأنه يفصح عن نوايـاه مقترحًا ، ما رأيك أن نذهب الـ لا زمان .. ونتذق فاكـهة الحُب النادرة .. ونسير نحـو الأبدية معًا إلى عُمق اللهفة وإلى عمق الحياة بل إلى أعمق أعماقـك ..

ضمتـه لصدرها المليء بالحب والحنين وهي تتراجع للوراء شيئًا فشيء كأنها تـود الإعتذار عن جميع كلماتها ورواياتها وقصائدها التي عجزت عن وصف لحظـة واحدة بقُربـه الذي بات لـ روحها كإدمان …

لن تدوم طويلا تلك اللحظات الجميلة حيث قطعهـا صوت بُكاء ريـان الذي أخمد ثورة الحب وأشعل ثورة الغضب .. تململت مفارقة يديـه :
-ده صوت ريـان ..

-ولا حركة .. اثبتي مكانك وأنا هتصـرف ..

بخطوات مثقلة الغضب ذهب لابنه الباكي وقال له مُعاتبًا :
-الحركة دي مفيش حد استجرى وعملها معايا !! أنت أدها !!

تمتمت حياة ناصحـة وهو يحمله :
-خلي بالك يا عاصي !!

هنـا نهض ركان من نومته هو الأخر باكيـًا ؛ ألقى نظرة من النافذة فوجد مراد وتميم على حالتهـم .. هز رأسه وكأنه علم ما يجب فعلـه .. عاد مرة أخرى لمهد صغيره وحمل ركان وقال بنبرة آمرة :
-متتحركيش من هنا !!

-عاصي الولاد !! أنتَ رايح فين ؟! خد تعالى هنا !!

لم يُلبي ندائها بل غادر الغرفة بخطواته السريعة وهو يعاتب في أطفاله قائلًا :
-دي مش مرجلة على فكـرة .. وأنا هعلمكم الأدب عشان الحركات دي متتعملش مع عاصي دويدار ..

وصل للحديقة فتلقاه الاثنين بسخرية وضحك :
-أهو اطرد هو وولاده ، على الأقل أحنا اطردنا خفيف خفيف ..ايه حصل للتاريخ ؟!

هتف مراد ساخرًا منه بشماتة :
-بمناسبة التاريخ ببطليموس الـ١٣ .. كان فاكر نفسه أذكي واحد هو وبيهرب نط فـ الميه بـ الدرع الحديد ، فـ غرق !! وشرف جمب أخواته الأبطال..

ثم ضاقت عينيـه لتميم وأتبع :
-وطبعًا الكلام مش عـ بطليموس خالص ..

رد ممتعضًا :
-لا يا خفيف منك له ..
ثم رمى كل رضيع بيد واحد منهمـا وقال بنبرة يتطاير منها الغضب :
-عقابًا ليكـم هتقعدوا بالعيال دول كمان .. عشان ترقصوا تاني .. رقاصة يا خونة !!

تميم بذهول :
-عاصي !! متهزرش .. ولادك أشقية وو

حسم الأمر مردفًا قبل أن ينصـرف :
-ولا كلمة .. أنا طالع أنام فوق ومش عايز دبة نملة .. رضعوهم كمان ليكونوا جعانين .. اتعاملوا المهم ملمحهمش فوق ..

انفجرت حياة بالضحك وهي تُراقبهم من أعلى وتغمغم :
-والله مجنون !!!

تمتم مراد معارضًا :
-ياعم أنتَ .. عاصي خد هنا انتَ نسيت عيالك !! طيب هي الرقاصة دي مش مجايب يسري وتبعك !! أنت تجيب وأحنا نتعاقب ليه !! أحنا بنحاسب على مشاريب مش بتاعتنا وده مش عدل..

******
-طيب أنتِ بتعيطي ليـه دلوقـتي ؟!!!

أردف كريم سؤاله الأخير بعد ما خرج من الحمام وفرغ من حمامـه الدافئ ، كانت تجلـس على الأرض مستندة على السرير وهي تبكي كالأطفال ، فأجابته :

-أنتَ ضحكت عليـا ومطلعتش أد كلمتك معايا .. أنا غلطانة إني وثقت فيك !

وقف أمام المرآة وهو يصفف شعره المبلل مرتديًا بنطالًا باللون الأسود فقط وهو يمازحها قائلًا :
-بصراحة هبلك سهل عليـا المهمة أوي .. أيه يا نوري يا حبيبتي ليه النكد ده ..

وثبت قائمة لتضربه على كتفـه بعتب :
-اتفضل كده رجعني زي الأول ، صلح غلطتك يا استاذ !

-لا اله إلا الله !!
ترك الفرشاة من يده وقال بضحك :
-دي حاجة زي عود الكبريت .. وبعدين ما أنا صلحت الغلطة بمصيبة أهو واتجوزتك !! أعمل أيه تاني؟

عارضته بإصرارٍ وهي تخر باكيـة :
-روحني .. أنا عايزة أروح ؛ مستحيـل أعيش مع واحد كذاب زيك !!

مسح على رأسهـا بحنان زاخـر ليهدأ من حالة الجنون التي أصابتها :
-ولما أروحك هتقوليلهم أيه .. حبيبتي مش عايز اصدمك وأقول لك أن كل الناس عارفة إحنا هنـا ليه !! استهدي بالله كده وتعالي نكمل موضوعنا!!

-ايه !!!!

-قصدي ننام ونعدي يومنا …
طأطأت وجهها بالأرض وانفجرت باكية جعلته يتمتم :
-دي أيه الوقعة المهببة دي !!

ثم أردف بملل :
-طيب بتعيطي ليه تاني !!

أجهشت بالبكاء وهي تشكو إليه :
-عشان أنتَ وجعتني أوي …
-حقك عليـا يا ستي .. قوليلي أعمل أيه عشان أرضيكي !!
شبح ابتسامـة خفيفة بدّ على محيـاه وقال مسايسًا :
-طيب بصي لي ، أنتِ باصة في الأرض ليه !

هزت رأسها نافيـة وهي تتذكر تفاصيل شحيحة من لقاءهم بأول ليلة خاصة بعد تجردها من كافة المشاعر المعنوية والمادية :
-لا مش هعرف أبص لك تاني بعد الـ حصـل ..

أمسك بذقنهـا ليتأمل تلك الشفاة التي ترتجف من الخجـل والحزن وقالت ممازحًا :
-نحدد طيب عشان أعرف اتعامل ، أنتِ موجوعة ولا مكسوفة !

-الاتنين مع بعض …
-طيب ما تيجي اصلح غلطتي ..
غمـر المـكر أنظاره وهو يدنوها منه أكثر متأهبًا لجولة ثانية بمشاعر مختلفـة كي يهدم جدران الحرج الذي يفصل بينهما في ليلة مثل هذه .. رغم عنادها وتمردها وجنونها إلا أنها بين يديه تغلبها فطـرة النسـاء ولهفة تذوق ثمار الشجرة المُحللة التي زينها القدر للقلوب المجتمعة في كنفه وحلاله بأرق واسمى تفاصيـل المودة والرحمة التي خُلقنا عليهـا التي لا يختلف عليـها اثنان…

******
~صباحـاً …

على صوت زقزقة العصافير التي تملأ الكون والغُرفة وقلوبهمـا المرتوية من أنهار الحب حتى نبتت زهورًا .. بصفعة حنونة من يدي ركان هبطت على وجه عاصي النائم فتراقصت جفونه وهو يسب في نفسن سرًا حتى تلاقي بتلك الضحكة البريئة التي ورثها من أمه ، فـ رد على مضضٍ :
-طيب يا سيدي صباح النور ..

مد أنظاره لـ حياة النائمة على طرف السرير من الجهة الأخرى وتوأمهما اللذان يفرقان بين أجسادهما رغم تعانق القلوب .. وجد ريان يلهو ويداعب قدميه الصغيـرة بالهواء فارحًا ويغمغم بكثيـر من الضحكات ؛ فتمتم عاصي بحسرة :
-أيوة يا بن المحظوظة ما أنت نايم في حضن مراتي !!أرقص أرقص ..

تسلق ركان صدر أبيـه العاري وأخذ يـ مازحه. ويلهو معه حيث كان يعيش تفاصيل الأبوة لأول مرة معهمـا .. استيقظت حياة على صوت لعبهما بابتسامة واسعة وهي تردف بنبرتها المفعمة بالنوم :
-صبـاح الخيـر ..

ثم انضمت لهمـا وهي تزحف بكتفها وتقرب ريان إليهمـا وقالت متدللة وهي تستند على كتفـه وشعرها كالستارة السوداء المفروشة ورائها :
-العب مع الاتنين مع بعض .. بلاش تركز مع واحد بس ..
بدأت جولـة لطيف من الضحكات بينهمـا وهما يُشاهدان تصرفات توأمها الجميـل ، صوت طرق البـاب الخافت والذي يعلن هوية صاحبه .. فتمتمت حياة بحماس :
-دي خبطة تاليـا …

ركضت بخفة ورشاقة لتفتح البـاب حيث جثت على ركبتيهـا وعانقتهما بلهفة وهن يلقين تحية الصباح :
-good morning mamy ..

سيل من القُبلات المتدفقة كانت من نصيب ملامحهما وهي ترد لهم التحية بطريقتها المُعتادة ، هتفت داليا بفرح وهي تتلوى ضاحكـة بين ذراعي أمها :
-النونو صحى .. نلعب معاه بقا ..

ركضن للداخـل وارتمن على صدر أبيهما الذي انحصرت حياته في تلك الغُرفة المكونة من أربعة جدران وباقة مغرية من الورد كائنة في صورة امرأة فاتنة مثلهـا .. قفلت الباب ثم عادت لوطنهـا الذي تنتمي إليـه .. أجواء من المرح ملأت المكان بجو ربيعي بعد أجواء قارسة مرت عليهمـا .. بمنامتها القطنية القصيرة التي لا تصل لرُكبتيها شغلت موسيقى عاليـة لـ ” بهاء سلطان ” ( الدلع ) .. جذبت البنات إليها وصعدت معهما على السرير وأخذت تراقصهن بفكاهة طفلة في جسد امرأة مثيرة للغاية وهي تُعلم بناته كيف يكون الرقص متدللة على أوتار إغوائه بدهاء إمراة ملكت مفاتيح رجلها بمهارة .. وقف مستندًا على الحائط وهو يراقب ذلك المشهد المنعش للقلب بأعين ينفجر منها الإعجاب وهي تتدلل مع الفتيات الصغيرات اللواتي يجدن سعادتهما برفقتها .. ولكن كانت عيناه لا تتزحزح عن تلك النحلة التي تحترف في لدغ قلبـه ..

انتهت الأغنيـة فارتمن الثلاثة على السرير يضحكن حيث أشادت تاليـا بإعجاب :
-بترقصي حلو أوي يامامي .. أحنا نرقص كدا كل يوم ..

‏عصفها ألفي خَريف و ما زالت تحمِل بستانًا مِن الورد في روحها .. تتمايل بغنج في منتصف تختهـا وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة :
-نرقص كل يوم .. موافقة

ثم وثبت بخفة ودنت منه بغمزة عين خفيفة :
-بقا عندك ٣ رقاصات أهو .. عشان لا تقولي مهرة ولا غيرها ..

-أنا كفاية عليـا واحدة وبس ..
كاد أن يطوقها ولكنها تمردت بحذرٍ :
-تؤ البنات موجودين ..
ثم سحبته لركن القهوة :
-تعالى نعمل قهـوة مع بعض ..

وقف الثنائي أمام ركن القهوة ذو الطراز الإيطالي وشرعت بإعداد فنجانين من القهوة أما عنه اكتفى بمراقبتها بأعين تأكلها أكلًا .. أردفت بفضول مصحوبًا بابتسامـة :
-بردو ما جاوبتش عـ سؤالي على فكرة ..؟!

-أي سؤال !!

-مُهرة دي وأشكالها .. أيه كان يعجبك فيهـا يعني !! هنتكلم كصحاب .. انسى أننا متجوزين .

عقد ذراعيه أمام صدره مبتسمًا :
-مصممة أنتِ !!

أصرت بإلحاح :
-جدًا .. فضول يا سيدي .

هز كتفيه مُجيبًا باختصار :
-عادي .. أنت بتدفع عشان واحدة تشوف شُغلها !

-بيأخدوا فلوس كتير !

أصدر إيماءة خافتة :
-من٢٠٠٠لـ٥٠٠٠ دولار فـ الليـلة ..

برقت عينيها بذهول لا يختلف كثيرًا عن فوران القهوة خلفها :
-ياخبر !! معقول !! لا بتهزر ، حد بيدفع المبالغ دي أصلا !!

مد يده كي يرفع وعاء القهوة من فوق النار وقال:
-أنتِ فاكرة أيه !! ده العادي … والـ غاوي يدفع .

تخابثت متسائلة وهي تدور لتعد صُنع القهوة من جديد :
-وكانت تستاهل المبالغ دي !! يعني بصراحة مش شايفـة فرق ، ولا هو فـ فرق .. أنا بحاول استوعب بس!

شبح ابتسامة خفيفة رُسم على محياه وقال :
-أنتِ عايزة توصلـي لنقطة معينة وأنا هارشها بس مش هناولهالك .. بس هختصرلك الموضوع .. ده بزنيس زي عقد خدمة ومقابـل .. خالية من أي مجاملات أو مشاعر .. بعض الرجالة بتلجألها لغرض معيـن مش هيقدروا يحققوه في بيتهم ..

دارت باهتمام بعد ما سكبت القهوة بالكوب :
-ده ليه إن شاء الله !!

فكر لبرهة ثم قال بشكٍ :
-يمكن عشان الحب والاحترام بيكون موجود بين الطرفين !!

حملت فنجاني القهـوة منحته واحد منهما وسار الاثنين لشُرفة الغُرفة تاركين صغارهم يلهون معًا وما جلست على المقعد الخشبي أردفت متعجبـة :
-بردو مش فاهمة ، أيه ممكن يحتاجه الرجل من واحدة تانية غير مراتـه ..

أخذ رشفة خفيـفة من قهوته ثم وضعها على الطاولة ، فنهضت واقفًا خلف سور الشُرفة يتفقد روعة الحديقة وقال بشرود :
-بصي يا حياة ، عالم الرجالة ده بسيط أوي ، بس كله عك .. في رجالة مش بتحب صورتها تتهز قدام شريكة حياته ، فتضطر تلجأ للموضوع ده مادام مش هيأثر على استقرار بيته ..

تركت ما بيدها ثم وقفت بمحاذاته قائلة بدلالٍ :
-أنا مش فاهمة بس معنديش مانع لو أنتَ حابب كده .. بس تديني ٥٠٠٠ دولار ..

دار لعندها بأعين تحمل الرفض وهو ربت على كتفيها :
-أولًا متهونيش عليــا .. ثانيـا أنتِ أغلى كتيـر من إنك تحطي نفسك في مقارنة مع ناس زيهم ..

-مش قصـدي ، عاصي أنا مراتك وأظن اني بمارس دور نكد الزوجة على أتم وجه .. بس ساعات بحس إني عايزة أبقي صاحبتك أكتر وتفتح لي قلبـك أكتر .. وساعات كمان بحس أني لازم أبقي مامتك وأكسر دماغك الناشفـة الـ مش بتسمع كلامي دي .. وبردو معنديش مانـع ألعب دور أي ست أنتَ بتدور عليـها ..

بتهيدة حارة أتبع معترفًا :
-أنتِ عارفـة أني كُنت بدور عليـك فـ كُل الستات الـ عرفتها دي !! متخيلة ولا واحدة فيهم كانت تشبهك !!

ثم عقد حاجبيه ممتعضًا بنبرة تحمل الهزار:
-ممكن أعرف كُنتِ فين يا هانم طول السنين دي وأنا محتاس كده بدور عليكِ!

أحتوت كفوفه الخشنة برقتها وطالعت عيناه بحب مردفة:
-كُنت قاعدة على البحـر ، بكتب عنك .. لحد ما خدني ليـك ..

ما رقـة ذلك الشعور وهو أن تطأ أقدامك حدائق الجنـة فتدرك أنك آخيرًا وصلت لمكانـك الصحيح بعدما قضيت نصف عمرك تركض في اتجاهاتٍ خاطئة ومُضلة .. مال على مسامعها قائلًا بمزاح :
-كده خلصنا الجزء النظري ، ما تطرقي العيال دول بـره ، وتيجي أكملك الجزء العملي !!

لمعت عينيها بحنيـن :
-أنتَ شايف كده !!

ألقى نظرة في ساعة يديه وهو يتمتم :
-نشوف بس الساعة كام !!

ثم خيم الاسى على ملامحه وقال:
-للاسف يادوب نتحرك .. مفيش وقت.

-على فين !!

داعب خصلات شعرها بحنان وقال :
-مشوار مهم جدًا مش هيتم غير بوجودك فلازم نخلصه .. والساعة ١٢ الضهـر هعرفك على أكبر سـر فـ حياة عاصي دويدار …..

*****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى