روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الخامس والعشرون

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الخامس والعشرون

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الخامسة والعشرون

دقات قلبها تتسارع وهي تجلس بالرواق تنتظره، تترقب لحظة رؤياه، تلك اللحظة الذي سيخفق بها قلبه بأحاسيسٍ تروق لها، لحظة تسلل دفء عينيه إليها، وعلى الرغم من تشتت نظراتها تجاه”حور” و”رواية”التي تتحدث إليها، الا أنها كانت تختطف نظرات سريعة لباب الشقة، تنتظر بشغفٍ أن يظهر أمامها، وربما كان قلبه يستمع لندائها، فظهر “آسر” من أمامها، ليرضي ندائها الروحي، وكأنه يعلم بأنها تشتاق لرؤياه مثلما يشتاق هو لها، ابتسامة صغيرة رسمت على وجهها رغماً عنها فور رؤياه، فما أن منحها تلك البسمة الصافية، حتى سحبت نظراتها تجاه حور سريعاً بخجلٍ، نادته “راوية” قائلة:
_تعالى يا “آسر”،إتاخرت كده ليه؟
ولج للداخل، ليجيبها وعينيه مسلطة عليها:
_معلشي يا حاجة راحت عليا نومة، بس وحياتك لتتعوض من بكره الصبح هتلاقيني صاحي من النجمة ده لو جاني نوم من الاساس..
ابتسمت رواية على توجيهه للحديث لتسنيم ثم تساءلت باستغرابٍ:
_طيب فين”بدر”، مش عايزين نتأخر أكتر من كده؟
دنا منهما، ثم أخرج هاتفه يطلب رقمه،فأرسل اليه برسالةٍ وتلاقى أخرى، ليغلقه وهو يخبرها:
_جاي أهو..
أومأت برأسها بهدوءٍ ، ثم قالت وهي تهم بالنهوض:
_طيب هقوم أعملك حاجة تشربها..
وتركتهما وتوجهت للمطبخ لتعد لهما شيئاً بارد، فاستغل”آسر” رحيلها، ثم جلس على مقربةٍ منها، ليهمس لها بصوته الرخيم:
_صباح الجمال والورد وكل شيء جميل في الدنيا..
رفعت عينيها تجاهه، ثم أجابته بابتسامةٍ صغيرة:
_صباح النور..
ابتسامتها أضاءت عتمة ليله، فبددت النوم الذي يطبق عليه حتى الصباح، تأملها بهيامٍ طال لدقائقٍ مطولة، دق الجرس فنهضت حور لتفتح الباب فوجدت أخيها يقف بالخارج، ثم قال لها:
_أنا هنزل أسخن العربية، قولي لآسر يحصلني على تحت..
هزت رأسها بخفةٍ وولجت للداخل لتخبر آسر بما أخبرها به أخيها، فهبط هو أولاً ثم لحقت به بصحبة “رؤى”..
*********
بالأسفل…
توقف بالسيارة أمام مدخل العمارة ثم خرج ينتظرهما فإستند على جسدها يراقب المدخل في إنتظار هبوطهم، هبط” آسر”أولاً فانضم إليه، ليسأله بقلقٍ:
_مالك! … شكلك مش على بعضك كده!
لوى شفتيه وهو يجيبه بتهكمٍ:
_هيكون مالي يعني، حضرتك مقطع عليا في كل أوضة ادخل أنام فيها، معرفش أنام فين تاني على السطوح!
ضحك “آسر” بصوتٍ مسموع، ثم قال:
_كده الجيران هيتأذوا منك ومن صوتك وأنت نايم..
منحه نظرة شرسة، فغمز له آسر ساخراً:
_عايزك تجمد للي جاي..
لم يفهم ما يقصده بالتحديدٍ الا حينما رفع رأسه تجاه مدخل العمارة، فاستدار “بدر” بفضولٍ ليرى ماذا يقصد، فاستقام في وقفته وانفرجت شفتيه في صدمةٍ غريبة، ولسانه يردد تلقائياً:
_مش معقول!!
سيطرت عليها حالة من الدهشةٍ، وهو يرآها تقترب منه بفستانها المحتشم وحجابها الذي أضاء وجهها، ومنحه بريقٍ مميز، لوهلةٍ ظن بأنه يتخيلها في تلك الصورة التي رغب رؤياها بها من قبل، ولكن كلما اقتربت بخطاها منه كسرت حواجز ظنونه بأنها ليست خيال بل واقع ملموس، حتى باتت مقابله، تقف أمامه وجهاً لوجه..
ابتسمت “تسنيم” وهي ترى حالة بدر المثيرة للاهتمام، فحرصت على مراقبة ردود أفعاله، بالرغم من أنها تحركت تجاه آسر الذي استقبلها بفتحه لباب السيارة، فخطفت النظرات تجاه الخارج من نافذة السيارة لترى ماذا سيحدث بعد وقفتهما، فكلاً منهما تخشب أمام الآخر، حتى “رؤى” أحبت نظراته إليها بتلك الملابس التي منحتها شعور لا يقدر بثمنٍ، الى أن استمعت لصوته الذي عبر حواجز الصمت:
_زي ما إتمنيتك تكوني يا “رؤى”..
بسمتها الرقيقة فازت بما تبقى بدقاته الخافتة، وخاصة حينما قالت:
_وليه مخترتش البنت اللي بتتمنى تكون في الصورة اللي أنت عايزاها!
دنا منها قليلاً حتى لا يستمع الى ما سيقوله أحداً:
_حاولت بس قلبي إختارك أنتي ورضي بكل حاجة فيكِ…
أغلقت عينيها تأثراً بكلماته، فاسترسل قائلاً:
_أحلامنا مش دايماً بتتعارض مع واقعنا… وأنت حققتيه..
سكنت أمام عينيه المهلكة، فتمنت لو ودت العمر بأكمله هكذا أمامه! ، حتى هو تعمق بنظراته تجاهها وكأنه يمنحها عشق هامساً بما تعنيه هي له..
أطل” آسر” برأسه من نافذة السيارة ثم قال بسخريةٍ:
_لو فوقت من حلمك الجميل ده ممكن نتحرك بدل ما الكبير يبص من فوق يلاقينا لسه هنا ووقتها هتفوق من غير أي مجهود..
انفجرت “رؤى” و”تسنيم”ضاحكاً، بينما تحرك بدر باستياءٍ لمقعد القيادة، ليتجه بهما لأحدى المحلات الراقية..
**********
جذبت هاتفها تتفحصه للمرة التي تخطت الثلاثون، ولم تمل بعد، مازالت تترقب اتصالاً هاتفياً منه، أو حتى رسالة يطمنها به عليه، فمرت ثلاثة أيام حتى الآن ولم تستطيع أن تتواصل معه حتى تلك اللحظة، انهمرت دمعاتها بانكسارٍ وكل ما يجوب خاطرها في تلك اللحظة ما يحدث مع أغلب الفتيات، حينما تسلمه الفتاة عرضها يتخلى عنها الشاب سريعاً، وبالرغم من أن ما تفكر به هو حلاً منطقي لبعده القاسي ومعاملته الغير مبررة بالمرةٍ الا أنها كانت تضع له ألف عذرٍ!
خدعها حبها الأعمى وأباد عقلها فبات مغيباً، تعلقت أعين”روجينا” بشاشةٍ هاتفها بنظراتٍ أمل وكأنها تتوسل الا يخيب ظنها به، أسرعت بإبعاده عنها ثم أزاحت دموعها سريعاً حينما شعرت بتحرر مقبض باب غرفتها، لتطل من خلفه “رواية”، فاقتربت لتضع صينية العصير من يدها على الكومود الزهري الصغير، ثم دنت لتجلس جوارها على الفراش، فرسمت ابتسامة مشرقة تخفى به ارتباكها في اختيار ما ستبدأ في قوله، فقالت بتوترٍ:
_حبيبتي أنا عارفة إن من أخر خناقة كانت بينا وأنتي لسه واخدة على خاطرك مني، بس صدقيني أنا بعمل كل ده عشان خايفة عليكي وعلى مصلحتك..
ابتسامة شبه ساخرة ارتسمت على محياها، فرفعت رأسها للاعلى تحاول استرجاع تلك الدمعات الواشكة على الهبوط، ثم قالت:
_أنتي أي حاجة بتسعدني بترفضيها يا ماما، كل حاجة بتعترضي عليها، لبسي، شكلي، أصحابي، حتى لما حاولت أفسخ الخطوبة وأبعد عن أحمد رفضتي ووقفتي ضدي!
وحدجتها بنظرةٍ قاسية قبل أن تستطرد:
_الأمهات بيحاولوا يسعدوا اولادهم بأي طريقة وأنتي مش بتعملي غير اللي يوجعني ويزعلني..
انهمرت دمعات”رواية” حينما استمعت لكلماتها القاسية، فحررت صوتها المحتبس خلف وجعها المكنون لتجيبها بقهرٍ:
_الأم هي حماية بنتها يا “روجينا”، وأنا واجب عليا حمايتك يا بنتي..
صرخت بها بتعصبٍ شديد:
_تحميني من أيه!!
ردت عليها ببكاءٍ:
_من نفسك، ومن شيطانك… من كل حاجة ممكن تسببلك أذى، زي اعتراضي على صداقتك من اللي اسمها تقى دي، من اول ما اتعرفتي عليها وانتي اتغيرتي ١٨٠درجة، لبسك، شكلك، لفة حجابك، حتى طريقة كلامك وأسلوبك، من واجبي اني احذرك وأحاول ابعدك عنها بس مش بالغصب يا بنتي والدليل على كلامي انك لسه لحد الان مصاحبها…
والتقطت نفساً مطول يعينها على استكمال ما تود قوله:
_ولو انتي شايفة نصيحتي ليكي في موضوع فسخ الخطوبة ده تعدي على خصوصياتك فأنا مش هتداخل تاني، تقدري تتكلمي مع بابا في الموضوع بس صدقيني بعد كده هتندمي.
هدأت حدة نظراتها قليلاً حينما استمعت لما قالت، فصفنت قليلاً فيما تسببت به”تقى” بحقها، وبالأخص بما حدث برحلة الإسكندرية، حينما ارسلت لها برسالة بأن تحضر لذاك اليخت فكاد ذاك الحقير بتدنيس شرفها لولا تدخل “أيان”، وحينما واجهتها بما فعلته انكرت ذلك، نعم كل ما تقوله هو الصواب والمحزن في الأمر بأنها تعلم ذلك ولكنها مازالت تكابر وتتمرد بعنادها، أفاقت من شرودها الصغير ذلك على لمسة يد”رواية” الحنونة حينما وضعت يدها على ظهرها ثم قالت :
_مفيش أم بتكره بنتها يا بنتي، الأم بتبقى عايزة تشوف بنتها احسن واحدة في الدنيا، والأهم انها تحافظ على نفسها، وأنا كمان كنت خايفة عليكي، طريقة لبسك يا روجينا ممكن توحي لحد إنك بنت مش كويسة حتى لو كنتي محترمة وفي حالك، لبس البنت هو مرايتها يا حبيبتي… بس أنا اوعدك اني مش هفرض رأيي عليكي تاني..
وتركتها ورحلت، فألقت ذاتها على الفراش تبكي بتأثرٍ حينما استمعت لما قالته “رواية” ، فشعرت وكأن حياتها بنيت على معتقدات خاطئة ستودي بها للمهالك حتماً…
***********
انقسم كلاً منهما ليتمكنوا من العثور عما يريد، فولج “بدر” و”رؤى”لأحدى المحلات، فمر بمنتصف المحل وعينيه تفتش عما سيليق بفاتنة قلبه، إختار “بدر” أحد الفساتين البيضاء بسيط التصميم ، فجذبه ليستدير به تجاهها وهو يشير لها بيديه:
_أيه رأيك في ده؟
لم ترى ما يحمله بيديه، فكانت صافنة به هو، حتى أنها قالت دون ان تلقى نظرة حتى:
_جميل..
أشار لها على الغرف الصغيرة الخاصة بالبروڤا ثم قال:
_إلبسيه وخليني أشوفه عليكي..
تناولته “رؤى” منه ثم اتبعت إشارة يديه المشير على الغرفة، فدخلت ومازالت نظراتها تأبى تركه، أغلقت أصابعها باب الغرفة رغماً عنها، فاستندت بجسدها على الباب وهي تحجب دموعها الغامضة، فبددت كل ما يهاجمها بتلك اللحظة ثم ارتدت ما قدمه لها بصدرٍ رحب، ولم تهتم حتى لتلقي نظرة على نفسها بالمرآة وكأنه هو مرآتها، فتحت “رؤى” الباب ثم خرجت لتقف من أمامه، عينيها الرقيقة لا تتطلع الا لعينيه، تستكشف الى أي مدى نال إعجابه، مرر “بدر” نظراته عليها حتى التقت بها، فابتسم وهو يردد:
_أيه الجمال ده كله!
منحته ابتسامة عذباء، ثم أخفضت عينيها لتتطلع لما ترتديه، فقالت بإعجابٍ:
_ذوقك حلو..
رفع حاجبيه بدهشةٍ:
_أنتي لسه بتشوفيه ولا أيه؟
اجابته بثقةٍ:
_اي حاجة من اختيارك هتكون جميلة يا بدر..
خفق قلبه بشراهةٍ، فمرر يديه على الفساتين المعلقة وهو يهتدي بخطواته ببطءٍ، حتى أصبح مقابلها، فهمس جوار اذنيها وهو يراقب الطريق من حوله:
_وأنتي أحلى إختياراتي..
شعرت بتلك اللحظة بأن جسدها يرتجف وهو يهاجم ذاك الدوار المفاجئ، فقالت وهي هائمة به:
_أنت ليه بتعمل معايا كل ده!
ضيق عينيه وهو يتساءل باستغرابٍ:
_هو أيه اللي عملته!
في تلك اللحظة تدفق الدمع بعينيها ليشهد على ما ستقول، فرفعت طرف فستانها حتى تتمكن من الاقتراب منه، ثم تمسكت بيديه فوزع نظراته بين يدها الممدودة على يديه وبين نظراتها المتعلقة به، وخاصة حينما قالت:
_متخلاتش عني بالرغم من كل اللي عملته.. ومش بس كده أنت دعمتني وادتني القوة أني اقف واخد حقي بأيدي…
ثم رفعت أصابعها لتزيح العالق باهدابها، وهى تستطرد:
_أنا لو مكنتش عملت كده بايدي مكنتش هرتاح، ويمكن مكنتش هقدر أكمل حياتي…
وبالرغم من دموعها، ارتسمت بسمة خافتة دفعتها لقول:
_حبك عزز قوتي وعزيمتي يا بدر… أنا آآ بأحبك…..
وكأن نسمة هواء باردة ارتطمت بجسده الحار، فمنحته شعوراً لا يوصف، ود لو تمكن من دفنها بين أضلاعه بتلك اللحظة، فدنا منها ثم تأمل كل آنشن بوجهها وهو يهمس لها:
_نأجل الكلام الجميل ده لبكره، ولا أيه رأيك؟
ضحكت فسلبته قلبه وعواطفه، فدفعها برفقٍ وهو يخبرها بانزعاجٍ:
_طب يلا بقى نروح لحسن وقوفنا بالمكان ده خطر عليا وعليكي..
ازدادت ضحكاً وهي تركض للغرفة لتستبدل ملابسها مجدداً، أما هو فتابعها بابتسامةٍ عاشقة لأصغر تفاصيلها..
**********
أحياناً يبدو المرء مرتبكاً حينما يشعر بأن نظرات أحداهما تلاحقه، هكذا كان حالها، حائرة، مترددة، مرتبكة، لا تعلم أي جهة تتطلع إليها، تخشى أن يمسك بها، الا يكفيها قلبها المضطرب لقربها منه، الا يكفيها عواطفها التي تدفعها نحوه، حاولت “تسنيم” التركيز مع العاملة التي تعرض عليها عدد من الفساتين البيضاء بسيطة التطراز المحددة لعقد القرآن، استند “آسر” بجسده على الحائط القريب منه، بينما تتابعتها نظراته، فابتسم حينما لاحظ تهربها منه، فاهتز هاتفه برنينٍ مزعج، فابتعد عنها قليلاً حتى يتمكن من الحديث مع “يحيى” ، أما هي فاستغلت الفرصة واخرجت هاتفها لتطلب حور، لا تعلم بأنه لن يتأخر بتركها، فقط أخبره بأنه سيعاود الاتصال به فور عودته، وحينما عاد استمع اليها تخبر حور بتوترٍ:
_ياريتك جيتي معايا أنا هموت من الاحراج ومش عارفة انقي أي حاجة…
وصمتت قليلاً لتستمع لردها، ثم اجابتها بعصبية:
_أنتي متعرفيش غير الهزار يا حور، بقولك مكسوفة منه ومش عارفة أختار حاجة…
_افتحلك الكاميرا ازاي وآسر واقف يا متخلفة!!!
_طيب طيب هنقي أي حاجة بس فستان الفرح لازم تكوني معايا سامعة؟
وأغلقت الهاتف ثم أعادته بحقيبتها سريعاً، وحينما استدارت شهقت فزعاً عندما رأته يقف أمامها، فأشارت له بارتباكٍ:
_دي “حور” كانت بتطمن عليا..
أومأ برأسه بابتسامةٍ جذابة، ثم اقترب منها فتراجعت للخلف بصورةٍ تلقائية، فاحنى جسده تجاهها مما زاد من ربكتها المسيطرة عليها، ابتلعت “تسنيم” ريقها بصعوبةٍ حينما جذب آسر الفستان الذي تستند عليه، فكانت حركة ماكرة منه، يتصنع اقترابه منها في حين إنه يجذب أحد الفساتين، وفور ابتعاده عنها عاد تنفسها لمجراه الطبيعي، وتطلعت لما إختاره آسر فرددت بإنبهارٍ:
_الله… جميل أوي..
منحها ابتسامةٍ هادئة ليتبعها قوله الماكر:
_وهي كمان بتقول كده.
تساءلت باستغرابٍ:
‘مين دي؟
تفاجآت بهاتفه الذي أخرجه من جيب قميصه، فوجدت “حور” متصلة بمكالمة فيديو، قدم الهاتف اليها، فجذبته منه لتقول الاخرى بإعجابٍ شديد:
_تحفة يا تسنيم، بجد آسر ذوقه روعة… قيسيه بسرعه وابعتيلي صورة…
أغلقت الهاتف ورفعت عينيها تجاهه بابتسامةٍ ساحرة، ثم قالت:
_أنت سمعتنا وإحنا بنتكلم..
التقط منها الهاتف ثم أعاده لجيب سرواله، مجيباً عليها بصوته الرخيم:
_طبعاً بدون قصد مني، بس في النهاية اختارنا حاجة عجبت الكل ولا أيه؟
اتسعت ابتسامتها، فمنحها نظرة شملت عشق ضمها بحنانٍ، فاحتضنت الهاتف ثم قالت له بخجلٍ ملحوظ:
_هقيسه وأجي..
هز رأسه بخفةٍ، ثم وقف ينتظرها بشوقٍ، فما كانت سوى دقائق معدودة حتى طلت عليه بفستانها المنفوش قليلاً من الأسفل، ليغطيه بطانة من الدنتيل الأبيض، شعر وكأنه كالأبله، لا يعلم كيف يختار كلماته المعبرة عن إعجابه بها، فكل ما يرده بتلك اللحظة أن يظل يتأملها لأخر عمره، صمته المطبق أثار فضولها تجاه رأيه، فقالت بترددٍ:
_حلو عليا؟
بابتسامةٍ ساحرة قالت:
_مش حلو.. ده يجنن عليكي..
تلون وجهها سريعاً فور سماعها لما قالت، فحملته بين يدها، ثم أسرعت للداخل وهي تخبره بتوترٍ:
_هغير عشان منتأخرش..
وتركته وولجت للغرفة سريعاً، فما أن تخفت عن أنظاره حتى حضنت وجهها بيديها معاً لتخفي ابتسامتها الرقيقة ووجهها الذي بات كحبات الكرز الاحمر، فأبدلت فستانها سريعاً لترتدي ما كانت ترتديه من قبل، ثم خرجت لتنضم اليه من جديد، فتساءلت بارتباكٍ:
_هنروح؟
تعمق بالتطلع اليها وهو يجيبها بخبثٍ:
_لحقتي تزهقي مني بالسرعة دي!
أخفت عينيها حرجاً منه:
_لا أبداً… أنا بس بسأل..
ارتباكها، تخبطها، ترددها، كل تلك الاحاسيس تروق له، تساعده في تكوين صورة ملموسة عنها، اختار البقاء بمسافةٍ قريبة منها ثم قال:
_هنتغدى في الكافيه اللي تحت وبعدين هنمشي من المول ده لو مش هيضايقك..
أخفت ارتباكها بسؤالها التالي:
_طب و”رؤى”..
أجابها وهو يحثها على الهبوط للاسفل:
_كلمني وقال إنه هيحصلنا على الكافيه..
أومأت برأسها وهي تتجه معه للطابق السفلي، فراقبت خطاه الذي يقترب من الدرج الكهربائي بخوفٍ شديد، حالها كحال أغلب الفتيات التي تعاني من فوبيا غريبة الأطوار، فذاك الدرج أسوء كوابيسها، تعجب “آسر” حينما وجدها تقف محلها، فقال بدهشةٍ:
_واقفة عندك ليه… يالا!
لعقت شفتيها بتشتتٍ ثم لحقت لتدنو منه، تقدم قدماً وتؤخر الاخرى حتى وقفت جواره فما ان تحرك بها حتى تمسكت به وهي تصرخ بخوفٍ، لتصيح بانفعالٍ:
_لاااا، أنا عايزة أنزل مبحبش أستعمل السلم ده… نـــــــــزلني..
ضحك “آسر” على حالتها، لم يتخيل أبداً خوفها الغير مبرر من الدرج، فقال من وسط ضحكاته الرجولية:
_إحنا فعلاً نازلين يا حبيبتي!
كلمته الاخيرة شتت ذهنها عما يحدث معها، فجذبت عينيها عن تطلع الدرج ثم تطلعت لعينيه الساكنة لفؤادها، فتطلعت لذراعيها المتمسكة بقميصه وعادت لتتأمل عينيه مجدداً، الى أن شعرت بسكينة حركة جسمها فوجدت ذاتها تخطت الدرج، انتابه غموض لما يحدث لها حينما تترك حدقتيها تحتضن حدقتيه، تشعر بتلك اللحظة بأنها باتت مغيبة عما يحدث حولها، ربما شعورها بدقات قلبه من أسفل يدها ما جعلها تسترد وعيها، فإبتعدت عنه سريعاً وهي تخفي وجهها باستحياءٍ، فاتبعته حتى أصبحت بالمقهى، فأشار لها “آسر” على الطاولة القريبة منها قائلاً :
_اقعدي هنا عما أطلب الاكل وأجي..
أومأت برأسها بهدوءٍ ثم جلست تراسل حور لحين عودته…
*********
قارن من يقف أمامه بالصورة المحتفظ بها باستديو هاتفه، ليشير لمن يقف جواره بأنه نفس الشخص، فقال بنبرةٍ سوقية:
_بينه هو اللي عليه العين..
امتد بصر ذاك الرجل الذي يمتلك وجه مشوهاً بأكمله بعدة غرز من السكين:
_أه… طب وده هندخله ازاي ده؟
أشار ذو البشرة السوداء على من تجلس أمامها ثم قال بغمزة تحمل الشر بطياتها:
_دي هتبقى دخلته.
فهم مغزى حديثه، فابتسم بخبثٍ وهو يشير اليه بمدته:
_واجب يا معلمي..
وأخرج هاتفه ليسجل رسالة صوتية لرب عمله فقال:
_العصفور وقع وهنشله ريشه يا باشا… مش هنتوصى..
********
استمع “أيان” للرسالة الصوتية، وهو يقود سيارته المتجهة للقاهرة، فلم يعد لديه سوى نصف ساعة ويصل لشقته، عاد هاتفه في تلك اللحظة ليعلن له عن وصول رسالة جديدة، ففتحها ليجد “روجينا” تراسله للمرة التي تخطت الثلاثون، فاحتدت نظرات عينيه المسلطة على الطريق، والغموض ينبع بداخلها بخفيان، فجذب هاتفه ثم كتب لها
«ساعة وقابليني في الشقة»..
رسالة مختصرة منه كانت كافيلة بعودة الحياة إليها، غموضه وصرامته تزيد من تعلقها به، لا تعلم بأن الهلاك قادم وسيبدأ بما تحمله برحمها!!
*********
بدأ بتنفيذ مخططه الدنيء، فبدأ بالاقتراب منها، ثم جذب أحد المقاعد ليجلس عليها وهو يردد بنظرات وقحة:
_الجميل قاعد لوحده ليه؟
هلعت “تسنيم” حينما وجدت أحداهما يجلس جوارها، فقالت بخوفٍ:
_من فضلك التربيزة ملانة تقدر تشوفلك واحدة تانية..
انقبض قلبها حينما وجدت رجلاً أخر يجذب المقعد المجاور لها من الجهة الاخرى، ثم قال وعينيه تستباح التطلع لجسدها:
_مالك يا وحش قايم علينا كده، ما تهدي دنيتك كده وإحنا نشوفلنا معاك سكة..
احتبس الهواء داخل رئتيها، وخاصة حينما تطاول عليها بلمساته الجريئة، فلم تجد سوى اللجوء لأمانها، فرفعت صوتها بصراخٍ عاصف:
_آســــــــــــــــــر!
انتهى النادل من تحضير طلباته، فحمل “آسر” الصينية ثم كاد بالعودة للطاولة، ولكن سماع صوت صراخها، جعله يتخلى عما يحمله ليسرع إليها، فسيطر الغضب على معالمه حينما وجد من يضايقها في حضرته ووجوده الذي لم يشكل فارقاً لهم، فلم يتحرك أحداً من جوارها وكأنهم يتعمدون إثارة غضبه الذي بات هلاكٍ لهما.
جذب “آسر” المقعد الخشبي الموضوع لجواره ثم دفعه على وجه أحداهما، وركل من يجلس جوارها لتبدأ ملحمة شرسة جمعتهما به، فطاح بأحداهما أرضاً ثم ناوله عدد من اللكمات المتفرقة على أنحاء جسده ليتأوه ألماً، وكاد بإستكمال ضربه المبرح لولا تدخل الاخر فأحكم يديه حول رقبة “آسر” في محاولةٍ لخنقه، ولكنه استدار للخلف سريعاً ليفك قبضة يديه، ثم ناوله لكمة استهدفت أضلاعه فأصدرت صوت انحطام عظامه، ليصرخ بوجعٍ كالنساء، وبالرغم من ذلك لم يهتز لآسر جفن بل عاد ليستكمل ضربه من جديدٍ، وحينما فقد الوعي نهض ليبحث عن الأخر ولكنه لم يجده، فظن بأنه فر هارباً خوفاً مما سيحدث إليه، فتحرك تجاهها ثم أمسك يدها وهو يتساءل باهتمامٍ:
_إنتي كويسة؟…. حد عملك حاجة..
كان يتوقع بكائها، أو على الأقل رهبتها مما حدث، ولكنه وجدها تبتسم له بنظرة عميقة لم يفهم مغزاها، أو ما يدور بداخلها، كل ما اهتدى إليه نظرة الأمان والراحة في عينيها، وفي لحظة تحولت لهلع وهي تشير لمن يقترب منه قائلة:
_حاسب يا آسر..
انحنى سريعاً، فتفادى ضربة المقعد التي كادت باستهداف رأسه، فاستخدم قدميه ليعرقل وقفته، ومن ثم انتصب بوقفته ليكيل اليه ضربة قضت على معافرته الرخيصة، ولم يتوقف هو عليها بل ظل يكيل له اللكمات المتفرقة القاسية..
******
بحث عنه “بدر” في المقهى، فصعق حينما يرأه يضرب أحداهما، فأسرع تجاهه ليحيل بينهما وهو يصيح بحيرةٍ:
_في أيه يا آسر، عملك أيه!
تجاهله واستكمل ضربه المبرح له، فدفعه للخلف وهو يخبره بانفعالٍ:
_كفاياااا…
ثم ركل “بدر” الرجل الممدد أرضاً مشيراً له بتقزز:
_قوم يالا من هنا..
انصاع إليه وكأنه وجد النجاة لحياته البائسة، فهرع من أمامهما ليلحق بصحبة السوء أما “بدر” فتساءل باستغرابٍ:
_أيه اللي حصل، ضايقك بالكلام ولا أيه!
أشار برأسه تجاه “تسنيم” التي تحتضنها “رؤى”، فخمن ما حدث، فقال بغضبٍ:
_ابن ال***…
ثم قال:
_أخد اللي فيه النصيب..
شرد آسر قليلاً ثم قال بعد تفكير:
_اللي حصل هنا ده مقصود يا”بدر”..
ضيق عينيه بذهولٍ:
_ليه؟… أيه اللي خلاك تقول كده؟
أجابه بغموضٍ:
_هتشوف…
وأخرج هاتفه ثم طلب أحد الأرقام الغير مسجلة، فصدم”بدر” حينما استمع لابغض صوتٍ يمقته، صوت “أيان المغازي”، ففور سماعه تطلع لاسر بصدمة من اتصاله الغريب ولكنه تفاجئ به يردد ساخراً:
_واجب الضيافة مش بيترد يابن المغازي، إحنا أهل كرم ونعرف نوجب مع ضيوفنا مرة واتنين وعشرة، وواجب الضيافة طال رجالتك…
وأغلق الهاتف بوجهه، فابتسم بدر بعدما فهم مغزى حديثه فقال بمكرٍ:
_أنت خطير على فكرة..
عدل من قميصه الغير مرتب ثم قال بثقةٍ:
_قول حاجة معرفهاش عن نفسي..
ثم قال بشرارةٍ لهبت عينيه:
_هو اللي بدأ يستحمل بقا..
ثم أشار له قائلاً:
_يلا هنتأخر كده..
*********
ألقى بهاتفه أرضاً والغضب يبدد معالمه البشرية ليجعله أشد خطورة، فألقى كوب المياه الذي قدمه اليه الخادم منذ قليل بعدما وصل لشقته، ليصيح بشراسةٍ:
_هوريك يا حيوان…. هقتلك وبإيدي…
وشدد على خصلات شعره بغلٍ كاد أن يقتلعه من جذوره، فالوحش المقيد بداخله بات حراً طليق، وما زاد غضبه قدومها بموعدٍ غير مناسب، ود في تلك اللحظة التي أخبره بها الخادم بوجودها بالأسفل لو جذب سكيناً ليقضي عليها وحينها ستخمد تلك النيران التي كادت بابتلاعه، ولكن ما حدث جعله مذهول من ذاته وعقله المغيب، فما أن رأته”روجينا” حتى أسرعت اليه لتحتضنه ويدها متعلقة بقميصه الذي كاد أن يتمزق من فرط تشبثها به، وكأنه كان ميت بالنسبة لها وعاد للحياة مجدداً، شعر “أيان” وكأن جسده تحت تأثير مخدر قوي، يود لو حرك يديه أو قدميه، ولكنه لم يستطيع بالمرة، حتى أنه اندهش من تشتت عقله بالتفكير بما حدث منذ قليل، فسيطرت عليه رغبة واحدة فقط، تستميله تجاهها، رفعت “روجينا” عينيها الباكية تجاهه ثم قالت ببكاء:
_أنا كنت هموت من القلق عليك!
وزع نظراته بين عينيها الباكية ويدها المتعلقة بملابسه، فحارب رغبته بمسح دمعاتها، ولكنه فشل السيطرة على أصابعه التي أزاحت دمعاتها برفقٍ، ورغم أنه لم يبرر لأحداً قط ما يفعله الا أنه قال ببرودٍ حاول اللجوء إليه:
_كنت في الصعيد..
عاتبته بلهفةٍ:
_طب مكنتش بترد ليه على مكالماتي، أنت متعرفش أنا كنت عاملة ازاي يا أيان، كنت فاكرة إنك آآ…..
لم تستطيع حتى التفوه بذاك الظن القريب من حقيقته للغاية، ولكنه علم ما كانت ستقدم على قوله، جرد ذاته من التفكير بالامر وقربها اليه، ثم همس له بنظرةٍ ذات مغزى:
_وحشتيني…
*********
بالصعيد..
استعد “عبد الرحمن” ويحيى للسفر لحضور عقد قرآن “آسر” و”بدر”، فهبط الخادم بحقائبهم، وصعد “عبد الرحمن” للسيارة ينتظر عودة “يحيى” الذي أخبره بأنه سيودع “ماسة” ثم سيلحق به…
******
بحث عنها “يحيى” كثيراً ولكنه لم يجدها، فانقبض قلبه برعبٍ وركض في انحاء الثرايا وهو يناديها بصوتٍ مرتفع:
_مـــــــاســـــة..
لم يترك غرفة الا وفتحها على مصراعيها، حتى الخادمة بحثت في كل مكان قد تجدها به، كاد الحال يصل به للجنون، مجرد تخيله بالسوء لها وللجنين جعله مشتت بتفكيره المؤلم، مرر يديه على شعره بقوةٍ وهو يتفحص الغرف من أمامه بحيرةٍ، فسلطت نظراته على أخر غرفة توقع أن يجدها بها، ولكن لم يكن الوقت مناسب ليتساءل اذا كانت بالداخل ام لا، لذا فتح الباب ليدلف للغرفة سريعاً، فصدم حينما وجدها تجلس أرضاً ومن حولها عدد من الصور والألبومات، وما جعل قلبه يطعن بسوطٍ يؤلمه حينما أشارت على صورة جمعتها بصديق طفولته، ثم نطقت بفضولٍ:
_آســر فين!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى