رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الفصل الخامس عشر 15 بقلم روان الحاكم
رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الجزء الخامس عشر
رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني البارت الخامس عشر
رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الحلقة الخامسة عشر
البارت الخامس عشر🌸
عَبدي بِمَ إلتهيتَ عني !
أَبِدُنيَاي !
أَبِدُنيَا خَلقتُها لَك !
لا خير في رجلٍ يستبيح الحديث مع الإناث بلا خجلٍ ولا إيجازٍ ولا ضرورة!
بئس الرَّجل إن لم تملك زمام أمرك فتكون ثقيلًا لا تتكلّم إلا إن وجب وتقول فتوجز
_________________________
وصل إلى المنزل بأقدام مرتجفة ومازال صدى الكلمة يتردد داخل أذنه ولا يصدق بعد عندما سأل الرجل بخوف عن من الذي مات فأخبره وكانت الصاعقة.
لقد كان خبر وفاتها أكبر من أن يتحمله قلبه وكانت صدمة كبيرة عليه..،لقد تركها بخير ولم يكن بها شيء!
هو حتى لم يودعها قبل ذهابه بل وما ذاد الأمر أنه حتى لم يحضر جنازتها.. يالله وكأنه لم يكن ليتوقع رحيلها بهذه السهولة.. الهذا الحد الموت قريب دون أن نشعر به.
وقف أمام المنزل وقد فشلت أقدامه في السير وهو يشعر بألم كبير داخل صدره..ألم لا يستطيع أن يتحمله وقد ضاق صدره وهو يشعر بالإختناق أثر حبسه للدموع
تُرى ما حالتها الآن! كي.. كيف كانت رد فعلها عندما علمت بالأمر! والأدهى أنه لم يكن جوارها!؟ وعند هذا الحد أجبر نفسه على الدخول فيكفي غياب بعد الآن.
خطت أقدامه إلى منزل عمه بالطابق الأول فكان أول ما يقابله هي ياسمين التي أقتربت منه تركض نحوه ما إن رأته وهي تحتضنه باكية وهي تقول بلهفة:
“زين يازين اخيراً رجعت احنا قلقنا عليك اوي”
توقفت وهي تخرج من أحضانه ثم نظرت له وهي تقول بعيون مغروقة بالدموع:
“مر.. مرات عمك يازين م..”
ولم تستطع إكمال الجملة حتى أجهشت في بكاء مرير بينما هو صامت وبالكاد يستطيع التحكم بنفسه ومازال تأثير الصدمة عليه ولا يصدق بعد بأن زوجة عمه أنتقلت إلى رحمة الله فجأة دون أن يصيبها مرض أو علة.
تحدث بصعوبة ونبرة مهتزة وهي يهمس:
“هي…هي فين”
طالعته ياسمين من بين دموعها سارعان ما فهمت مقصده لتشير إلى الغرفة التي كانت تقطن بها وهي تقول بألم:
“في الأوضة هنا.. مخرجتش من وقتها”
أومأ لها وهو يبتلع ريقه ثم وبصعوبة شديد حرك أقدامه صوب الغربة وهو يتخيل هيئتها هل مازالت تبكي ام توقفت عن البكاء! هل سيتحمل رؤية إنهيارها!
فتح باب الغرفة بهدوء فوجدها جالسة على الفراش وهي تضم ركبتيها إلى صدرها بوضعية الجنين والغريب أنها كانت صامتة لا تبكي وهذا آلمه أكثر من رؤيتها تبكي.. فكانت تنظر أمامها وهي تضع صورة أبيها وأمها وتطالعهم بهدوء وكأنها إنفصلت عن العالم بأجمع وقررت أن تظل جوار صورهم.
أقترب منها زين ببطء حتى جلس جوارها وهو يهمس بوجع:
“روان”
لم تجيبه بل لم تنظر له من الأساس ليس وكأن هو من كانت تنتظره بفارغ الصبر ولكن هيهات هيهات فما عاد يفيد وجوده بشىء.
أما عنه فقد هربت الكلمات منه ولم يعد يعي بماذا يجيب لقد فقدت والدتها وآخر من تبقى لها وأصبحت يتيمة الأب والأم… فقدت والدتها فجأة دون مرض أو علة وهذا سبب لها صدمة وكأننا لا نتوقع الموت إلا بسبب.
ضم وجهها بين يديه كي يجعلها تنظر له ثم أحتضناها بقوة حتى كاد يعتصرها وكأنه هكذا يأخذ من أحزانها
ثم أخذ يربت على رأسها وهو يقول:
“عيطي ياروان عيطي ياحبيبي ومتكتميش جواكي انا هنا جنبك ومش هسيبك تاني”
وكأنها أنتبهت للتو لوجوده وفاقت على صوته فنظرت له بضياع وهي تقول بوهن:
“ماما يا زين.. م.. ماما مشيت راحت لبابا وسابوني لوحدي”
“سابوني لوحدي في الدنيا دي ومشيوا”
ضم يديها بين يديه وهو يقول بحنان ممزوج بألم:
” لأ انتِ مش لوحدك انا هنا معاكي”
هزت رأسها بالنفي وهي مازالت على نفس وضعها ثم هتفت بنبرة ضعيفة:
“انت كمان سبتني ومشيت.. انا أتخلقت علشان أفضل لوحدي”
كانت تتحدث بضياع وكأنها لا تدرك حقاً ما يحدث حولها حتى دخلت ياسمين في هذا الوقت وهي تقول بحزن مشيرة إليها:
“مكلتش بقالها يومين ولا بتنام”
نظر لها مجدداً فقد كانت تهذى بكلمات غير مفهومة بأن الجميع تركها وبقيت بمفردها فمسح على وجهه وقلبه يأن وجعاً لأجلها ويشعر بالغضب من ذاته فما كان له أن يتركها كل هذه المدة حتى ولو كان خارج عن إرادته.
“هي كانت نفسها تروح عند بابا من يوم ما مات وأكيد هي فرحانة دلوقتي طب وانا!؟ مسألتش نفسها انا هعمل اى من غيرها!”
دخل عمر في هذا الثناء بعدما عاد من الصلاة وقد كانت حالته لا تقل عنها ولكنه يحاول التماسك فمن ماتت ليست خالته بل كانت بمثابة أماً له والتي أعتنت به منذ أن كان صغيراً وهذا ما ذاد تعلقه بها..، لذا فكانت حالته مذرية للغاية..
وما إن أبصر زين حتى دخل وهو يجلس جوارهم قائلاً بهدوء:
“انت رجعت يازين… رنت عليك كتير تلفونك كان مغلق”
أجابه زين وهو مازال ينظر لها قائلاً:
“تلفوني أتسرق ومعرفتش أتواصل مع اى حد معاكم و.. ومعرفتش غير اول ما جيت وواحد جاي يعزيني”
أومأ له عمر دون أن يعلق ثم رفع رأسه وهو يوجه حديثه إلى ياسمين قائلاً بهدوء:
“لسه برضو مكلتش!؟”
هزت رأسها بالنفي فتحدث زين وهو يردف:
“طب روحي هاتيلها الأكل يا ياسمين”
ذهبت ياسمين تحضر لها الطعام ثم عادت وهي تعطيه له دون أن تتحدث فأخذه منها ثم وضعه أمام روان التي لم تكن معهم من الأساس.
“يلا علشان تاكلي يا روان”
نظرت له قليلاً بوهن ثم هزت رأسها بالنفي بأنها لا تريد فاقترب منها مشيراً إلى بطنها وهو يهتف:
“حتى لو مش علشانك كُلى علشان ابنك اللي في بطنك.. بتعاقبيه على ذنب ملوش دعوة بيه! يرضيكي يكون قاعد جعان دلوقتي وهيموت من الجوع علشان انتِ حارماه من الأكل ومش عايزة تآكلى!”
وضعت يدها على بطنها تتحسس موضعه وكأنها للتو أستوعبت بأنها حامل رغم تكرر الأمر عليها من قبل عمر وياسمين بأن تأكل لأن هذا ضار على جنينها.
وللعجيب أنها أكلت منه بالفعل دون اى أعتراض فتتاولت بعض اللقيمات القليلة التي تجعلها على قيد الحياة تحت تعجب عمر وياسمين الذين يأسوا معها وقد رفضت كل محاولاتهما وكأن زين له سحر خاص عليها.
أنتهت من تناول القليل ثم أرجعت رأسها للوراء وأغمضت عيناها وأنتظم تنفسها ولا يدري زين أنامت هي أم فقدت الوعي.
مسح وجهه بين يديه بتعب شديد وهو يدعو الله أن يرزقه الصبر والسلون ويحاول تمالك أعصابه ثم رفع رأسه وهو يوجه حديثه إلى أخته قائلاً بألم:
“هي… ماتت ازاى!؟”
أبتلعت ياسمين غُصة مريرة بحلقها وهي تقول بحزن ودموعها تتساقط:
“صلت العشاء ونامت وروان كانت نايمة جنبها ولما صحيت الصبح وجات تصحيها مقامتش واحنا نزلنا على صوت صراخها ف جبنا الدكتور وقالنا…”
توقفت عن الحديث وهي تشهق بعنف وتضع يدها على فمها في محاولة منها للسيطرة على شهقاتها ثم تابعت وهي تقول بدموع:
“قالنا إنها ماتت بسكتة قلبية وقتها روان انهارت وفضلت تصرخ ومكناش قادرين نسكتها وحاولنا نرن عليك تلفونك كان مغلق.. و.. بعد ما أدفنت وروان قاعدة ساكتة كدا لا بتاكل ولا بتتكلم مع حد”
مسح دمعة خائنة فرت من عينيه رغماً عنه بينما عمر سقطت دموعه بعدما فشل في السيطرة عليها وقد كان الحزن يخيم على وجوه الجميع.
فتحدث زين وهو يقول مبتلعاً ريقه بصعوبة:
“طب وفين.. وفين الباقي”
“يادوب لسه طالعين من شوية علشان يستريحوا بعد ما قعدوا ياخدوا العزا واهل مرات عمي كانوا هنا طول اليومين اللي فاتوا ومشيوا النهاردة”
هز رأسه ثم أجابها وهو يقول بتعب:
“طب اطلعي ارتاحي انتِ يا ياسمين وانت كمان ياعمر روح ارتاح وانا هفضل جنبها”
أومأت له ياسمين فقد كانت تشعر بالإرهاق حقاً بينما أجابه عمر وهو يقول بتصميم:
“مش هقدر أسيبها كدا في الظروف دي”
“طب أطلع ارتاح في الشقة فوق وانا هجيبها واجي وهفضل جنبها”
نظر له عمر لثوانِ بتردد ثم أومأ له وهو يأخذ منه المفاتيح فقد خشي أن يتركها وتسوء حالتها ولكنه عاد إلى زين وهو يقول:
“طب ما تسيبها هنا شوية ممكن تتعب لو خرجت من بيت خالتي”
هز زين رأسه وهو يقول بتفكير:
“طول ما هي هنا هتفضل تعبانة يمكن لما تطلع فوق تتحسن حتى لو زعلت في الاول”
أومأ له ثم تحرك لاعلى وتركه معها بينما أقترب منها زين حتى أستقر جوارها ثم قًبل مقدمة رأسها وهو يمسح على شعرها برفق وينظر إلى شحوب وجهها وجسدها الذي أصبح هزيلاً وقد تغيرت ملامحها كثيراً طوال هذا الأسبوع ليهمس وهو يقول بحزن:
“انا آسف ياحبيبتي أوعدك إني مش هسيبك تاني”
وما إن أنهى عبارته حتى تساقطت دموعه حزناً على وفاة زوجة عمه التي كان يحبها والتي لم تبخل بحنانها عليه وتعامله بلطف رغم معامله والدته له وبغض جميع العائلة لها منذ أن تزوجت من عمه ورغم ذلك أحسنت له ولأخته وأيضا لأبناء عمه رأفت وما قابلت من ذلك سوى المعاملة السيئة.
أخذ يدعو لها بالرحمة والمغفرة وقرر أن يتصدق على روحها هي وعمها ثم نظر مجدداً إلى روان المستلقية جواره ولا تدرى ما يحدث حولها وهو متيقن بأنها لم تستوعب وجوده بعد ولا وفاة ولادتها وقد خشي رد فعلها عند تستيقظ..
نهض من مكانه ثم حملها برفق شديد وكأنها شيء ثمين يخشي عليه من الكسر ولا يستوعب بعد بأن هذا الشيء الثمين الذي يخاف عليه من الكسر قد كُسر بالفعل..
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
“لييييث”
ركضت حور وهي تقترب منه بهلع ما إن أبصرت جسده يقع أرضاً فجأة ثم جثت على ركبتيها جواره وهي ترفع رأسه لأعلى تحاول إيقاظه..
كانت عيناه شبه مغلقة والرؤية غير واضحة أمامه وقد فشل في التحكم بجسده حتى وقع أرضاً وهي تحاول مسنادته قائلة بخوف:
“فوق يا ليث ساعدني أعرف أقومك”
كان جسده ضخم مقارنة بجسدها الصغير ورغم ذلك كانت تحاول مساعدته كي يستعيد توزانه وهو أشبه بفاقد الوعي وعندما يأست تركته وغادرت ثم عادت وهي تحمل زجاجة العطر بيدها ومعها بعض المياة وحاولت إفاقته حتى بدأ يستفيق قليلاً وقد كان الإرهاق طاغي عليه..
رفعت ظهره بصعوبة كبيرة وهي تبذل قصاري جهدها في جعله يستطيع الجلوس ثم وضعت خلفه العديد من الوسائد كي يستريح ثم جلست جوارها وهي تجعله يرتشف بعض الماء وقد تحسن قليلاً..
أردفت بخوف وهي تتفحص هيئته قائلة:
“مالك يا ليث اى اللي حصل”
أجابها وهو يغمض عيناها بتعب:
“انا خسرت كل حاجه ياحور”
ضيقت عيناها بجهل فأكمل وهو يوضح لها قائلاً:
“الشركة يعتبر أعلنت إفلاسها خلاص.. وحاسس إن كل حاجة بتنهار حواليا”
نظرت له بصدمة وهي لا تصدق ما قاله كيف تعلن شركته إفلاسها بهذه السهولة!؟ وهي تقسم بأنه لم يقصر بعمله بتاتا!؟ بل إن ليث من الأشخاص الذين يتقنون العمل ولا يتكاسل عن شيء فكيف حدث هذا! فاقت على صوته وهو يقول:
“انا مبقتش فاهم اى حاجة من اللي بتحصل حواليا”
تنهدت لا تعلم ماذا تقول ولكن عليها مواساته الآن ثم تستفسر فيما بعد عن ما حدث لتنظر له وهي تقول بنبرة لينة:
“اهدى ياليث وإن شاء الله كل حاجه هتتحل انا مش عايزاك تستسلم وترجع ليث القوى اللي مفيش حاجه بتقهره وكل حاجه هتكون بخ…”
قطعت حديثها عندما إنتفض هو من مكانه وكأنها بهذا الحديث ضغطت على جرحه وهو يقول بغضب:
“انا فعلا مبقتش قوي وبقيت ضعيف واى حاجه بتهزني وكله بسببك يا حور ولو اعرف إني هوصل للمرحلة دي وابقى ضعيف بالشكل دا مكنتش قابلتك من الأول”
إنتفضت على أثر صراخه وهي ترجع خطوتين إلى الوراء وقد صُعقت من كلماته… هل يندم لأنه قابلها وحاولت تغييره للافضل!؟ اذا كيف كان يقول بأنها أجمل صدفة حصل عليها!؟.
ولو كانت أمراة أُخرى غير حور لكانت ثارت عليه وغضبت مما قاله بل ولتركته بعد ندمه على معرفتها ولكن ولإنها حكيمة صبورة علمت بأن هذا خارج عن غضبه فقط ويخرج ما فيه بها لذا أردفت بهدوء وهي تبتلع غُصة بحلقها قائلة:
“وليه متقولش إن ربنا بعتني ليك في الوقت دا مخصوص لحكمة إني أبقى معاك!؟ مفيش حد بيفضل طول عمره قوي ياليث ودي تراكمات كانت جواك من زمان وكان لازم تخرجها ومكنتش هتقدر تخرج التراكمات اللي جواك غير لما تلاقي كِتف تسند عليه”
ورغم رفضه لحديثها وأنه بهذا الضعف إلا أن ملامحه أخذت في التراخي وهذا شجعها على إستكمال حديثها وهي تقترب منه أكثر قائلة:
“انت مش ضعيف يا ليث انت بس محتاج تخرج اللي جواك ولسه متعافتش من اللي حصل زمان…، انت بتراكم جواك وفاكر إنك اتخطيت يمكن اللي حصل دا خير علشان تدي لنفسك فرصة إنك تبقى كويس واعرف إن كل حاجة بتحصل خير لينا”
توقفت عن الحديث قليلاً وهي تأخذ أنفاسها وترى عيونه الذابلة ثم تابعت:
“الإنسان منا بيفضل يراكم جواه وهو فاكر نفسه بيتخطى لحد ما ييجي على أبسط الأشياء وينهار ودا لأنه مبيديش لنفسه فرصة من إنه يتعافى من الصدمة اللي حصلته.. القوي اللي بجد اللي يتعافي اول بأول حتى لو هيقفل على نفسه ويعيط او بالطريقة اللي يتخطي بيها اللي حصله مش بإنه يراكم جواه ابداً”
بينما هو لم يكن معها من الأساس وكل تفكيره في عالمه الذي أخذ ينهار شيئاً فشيئ فتنهد بتعب دون أن يجيبها
فتحدثت هي مجدداً وهي تسأله بهدوء:.
“طب انت حاسس بإيه دلوقتي!؟”
“حاسس إني تايه ياحور… اول مرة أكون تايه كدا ومبقتش عارف أعمل اى… انتِ كنتي دايما تقولي كل حاجه بتحصل وفيه وراها حكمة.. طب اى الحكمة من كل اللي بيحصل دا!؟
” الحياة مش دايما وردية يا ليث شوية حل… ”
قاطعها وهو يقول بنرفزة:
“وهي كانت من امتى حلوة ولا وردية ها! كانت حلوة بالنسبة ليكي انتِ لكن انا لأ… انا من يوم ما هي سابتني وانا تعبان وحتى بعد ما رجعت وكنت فاكر إني هرتاح لكن برضو مرتحتش فالحياة عمرها ما نصفتني ولا عمرها كانت حلوة”
تنهدت بحزن ولا تعلم بما تجيبه.. أتخبره بأنه في العديد من النعم التي لا تعد ولا تحصى!؟ أتخبره أن رغم كل ما حدث إلا أنه حاله أفضل كثيراً من غيره!؟ أتخبره أنه يتغافل عن كثير من نعم الله وقد سولت له نفسه بإنكارها او تجاهلها! ورغم أنها أرادت إخباره الكثير إلا إنها لم تفعل.. فكانت حالته النفسية لا تسمح بأن تقارن حاله بغيره بل هذا كان سيشعره بالعجز لا الرضى لذا أنتظرت حتى تتحسن حالته ثم وقتها سوف تعاتبه في هذا الأمر..
🌸”لا تلمس وجعي ..، ما عادت يداك تُؤتمن.”🌸
استيقظت من نومها وهي تصرخ فجأة بفزع فوجدته جوارها ينتفض من مكانه بهلع وهو يقترب منها قائلاً بحنان يحاول طمئنتها:
” متخافيش ياحبيبي انا هنا جنبك”
بينما هي نظرت له قليلاً سرعان ما تذكرت ما حدث معها.. هل كل هذا كان كابوس فقط من كوابيسها المزعجة التي ما عادت تفرق اهي حلم ام حقيقة!، لتسأله بوهن وهي تضع يدها على رأسها قائلة بألم:
“زين انت مسافرتش وسيبتني صح! وماما لسه موجودة محصلهاش حاجة انا كنت بحلم مش كدا!؟”
أطرق رأسه أرضاً ولم يجيبها وهذا جعلها تدرك أن ما مرت به لم يكن حلماً بل حقيقة يرفض عقلها أن يصدقها، نظرت حولها للمكان فكان منزلهما الجديد والذي شعرت فيه بالأختناق وأنها غير قادرة على التنفس بشكل جيد.
أقترب منها كي يواسيها فأبتعدت عنه وهي تقول بجمود:
“انت جبتني هنا ليه!؟ انا عايزة أقعد في بيت ماما”
تنهد بتعب وهو لا يدري ماذا يفعل ليتحدث بهدوء وهو ينظر لها قائلاً:
“طول ما انتِ قاعدة تحت نفسيتك هتفضل تعبانة.. انا هنا جنبك ومش هسيبك”
بينما هي لم تجيبه بل نزلت من على الفراش فجأة سرعان ما شعرت بالدوار حتى كادت تسقط لولا يده التي ألحقت بها مسرعا مما جعلها تبتعد عنه وهي تقول بغضب ممزوج ببكاء:
“أبعد عني وملكش دعوة بيا جاى توقف جنبي دلوقتي بعد ما أتخليت عني!؟”
صُدم زين من حديثها..، هل تراه تخلى عنها فقط لأنه ذهب لأجل عمله!؟ وقعت أرضاً على ركبتيها وهي تصرخ وتشعر بالإنهيار وكلما حاول الإقتراب منها ترفض وتبتعد عنه.
بينما دخل عمر مسرعاً على صوتها وقد صُدم عندما رآها هكذا فأقترب منها بخوف وهو يضمها بحنان ويحاول تهدئتها..، فتحدثت هي من بين شهقاتها وهي تقول:
“خ.. خدني من هنا يا عمر… مش.. مش عايزة أقعد معاه تاني ولا أشوفه”
وكأنه للتو طُعن في قلبه وهو ينظر لها ويراها تبغضه إلى هذا الحد.. يعلم جيداً بأنها محطمة الآن ولكنه هنا كي يرمم ما بداخلها ولكنها لا تعطيه الفرصة..
أقترب منها بخطى بطيئة وهو ينظر إليها قائلاً بحزن:
“يا روان انا زين… زين حبيبك اللي بتهربي من الناس علشان تروحيله!”
هزت رأسها بالنفي وهي تبتعد للوراء وتشعر بالنفور منه وجملة واحدة تتردد داخل عقلها بأنه تخلى عنها وهو السبب في كل ما يحدث معها الآن.
“انت.. انت السبب لو.. لو مكنتش سبتني مكنش دا حصل”
وما إن أنتهت من جملتها حتى أجهشت في بكاء مرير ثم وجهت حديثها إلى عمر قائلة:
“ياعمر مشيني من هنا علشان خاطري انا مش قادرة أقعد هنا يلا نمشي”
بينما عمر وقف وهو يشعر بالعجز هو الآخر ولا يدري أيستجيب لها ويأخذها من منزل زوجها! والذي يعلم جيداً تعلقها به وأيضاً لا يرى أنه أخطأ بشىء
ليردف وهو يحاول تهدئتها:
“أهدي ياروان زين ملوش دعوة باللي حصل ودا عمرها خلاص”
وما ذاد حديثه هذا إلا وجعاً فأذداد نحيبها وهي تشعر بأنها أوشكت على فقد أنفاسها وقد ذادت حالتها سوءاً..
فتحدث زين عندما رأي حالتها وهو يقول بغصة مبتلعاً ريقه بألم:
“خدها يا عمر نزلها الشقة اللي تحت”
بينما نظر له عمر بتفآجأ وهو يقول بإعتراض:
“بس يا زي…”
قاطعه زين وهو يقول بصوت متحجرش وهو يكتم دموعه قائلاً:
“خدها بس دلوقتي ياعمر”
أومأ له عمر ثم أمسك يدها ولكنه توقف على صوت زين الذي نظر إليها وهو يقول بنبرة متوسلة:
“ينفع أحضنك قبل ما تمشي!؟”
هذا ما فكر به الآن.. نعم لربما عناق واحد يجعلها تتراجع عن فكرة رحيلها وتسامحه على شيء لم يفعله بينما هي صمتت ولم تتحدث فعتبر هو صمتها إشارة على موافقتها ثم أقترب منها بتمهل وقبل أن يمسها تراجعت للوراء تتشبث بعمر وهي تنظر له نظرة خالية.. ترفض حتى أن يقترب منها..، لقد كانت تنظر له بنفور! هل أصبحت تنفوره الآن! أم أنه يتخيل هذا فقط!؟ يالله لو أن أحدهم طعنه بسكين الآن لكان خيراً له من نظرتها التي قتلته بالفعل.
وقبل أن تتحرك خطوة أخرى تحرك هو قبلها ثم عاد وهو يحمل إسدالها ونقابها ويعطيهم إلى عمر كي يلبسهم لها وقد خشي الأقتراب منها فتنهار مجدداً.. ربما هي بحاجة وقت لا أكثر وسوف تتحسن نفسيتها.
البسها عمر ملابسها ثم تحرك بها نحو الأسفل وبقى زين يتابع رحيلها بألم وقد عز عليه فراقها ولكنه كره تلك النظرة بعيناها وهو لا يستطيع تخطاها.
تهاوى على المقعد وهو يضع يديه بين كفيه ولا يدري ماذا أخطأ كي يُعاقب بتلك الطريقة كل هذا لأنه ذهب لأسبوع فقط إلى عمله!؟ يقسم أنه لم يكن يتخيل حتى بأن كل هذا سوف يحدث.. اذا ما ذنبه هو كي تنفره! هو كان على إستعداد لتحمل إنهيارها حتى تصبح بخير ولكنها لم تعطيه حتى الفرصة لذلك وقررت هجره.
أخذ يستغفر الله ثم يردد:
” إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها”
هو بالأساس مازال لم يتخطي خبر وفاة زوجة عمه حتى تأتي هي وتنفره وهو لن يمسح للشيطان بأن يسيطر عليه هي فقط نفسيتها متألمة وهو لم يكن معها وتركها تواجه كل هذا بمفردها اذا فالمسألة وقت لا أكثر حتى تهدئ نفسيتها.
فقد خشي أن تبقى هنا وتسوء حالتها وبالتحديد عندما رأي نفورها منه لذا قرر أن يتركها حتى تهدأ أولاً ثم يحاول معها مجدداً.، مسح على رأسه بتعب ثم ذهب كي يتوضأ ويصلي ويدعو الله أن يهدي سرهما ويرزقهم الصبر ويربط على قلبها وأخذ يدعو لزوجة عمه بالرحمة.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
أقتربت منه وهي تصرخ بهم بغضب كي يتركوه فقد أطرحوه أرضاً وأنهالوا عليه بالضرب وكالعادة الكثرة تغلب الشجاعة وهم تكالبوا عليه حتى أخذ جسده ينزف بغزارة.
أبتعدوا عنه وهم يضحكون بتشفي بينما هي أقتربت منه ترى جروحه والتي كانت عميقة إلى حداً ما لتقول وهي تحاول إيقافه:
“جروحك بتنزف… لازم تروح المستشفى”
كانت تحاول إيقافه دون أن تلمسه بقدر المستطاع ولكي تتجنب لمسه طلبت من شاب آخر يساعده وبالفعل ساعده حتى أجلسه على إحدى طاولات الجامعة فجلست هي أمامه وهي تنظر لجروحه قائلة بغضب:
“ينفع اللي حضرتك عملته دا!؟ مين اللي قالك تدخل اصلا وانا كنت قادرة أحمي نفسي”
بينما هو لم يجيبها بل كان شارداً في ملامحها عن قرب ثم هتف ببسمة رغم آلمه:
“تعرفي إن شكلك من قريب احلى!؟”
أستشاطت غضباً وهي تقف من مكانها ثم هتفت بضجر وهي تهم بالرحيل:
“تصدق انا غلطانة اصلاً إني ضيعت وقتي عليك”
وقبل أن تتحرك وصلها صوته وهو يقول بنبرة ظهرت فيها التعب:
“طب مش هتشوفي جروحي دي!!؟”
أستدرات صوبه وهي تقول بنفاذ صبر:
” طب وانا هشفيلك جروحك دي ازاى”
نظر له ببراءة وهو يقول:
“ساعديني أروح المستشفي”
“ليه وانت شليت ما تقوم تروح رجلك سليمة على فكرة!”
أنزعج من كلامها فأومأ لها دون أن يجيب ثم وقف كي يذهب إلى المشفي وهو يعرج على قدمه ولا يستطيع السير بشكل جيد بينما هي نظرت له وقد شعرت بتأنيب الضمير فهو ضُرب بسببها هي رغم أنها لم تطلب شيء لذا أقتربت منه على أمتعاض وهي تحاول مساعدته في السير وتلاشي لمسه.
اما عنه فقد لاحت منه أبتسامة خافتة على وجهه وهو يشعر بشعور غريب أثر قربها منه.. شعور لم يشعر به من قبل مع اى فتاة صادفها.
ظل يسير جوارها وهو يشعر بالإنتشاء والنصر حتى فاق على صوتها وهي تقول بحدة قليلاً:
“وصلنا”
نظر أمامه فكان يقف أمام مشفى الجامعة فأدخلته عند الطبيبة ثم رحلت بعدما أدت مهمتها وما إن أقتربت الطبيبة منه وهي ترى جروحه وكان يسير وهو يعرج وقبل أن تفحصه أستقام في وقفته وأعتذر منها وغادر وهو يسير بشكل طبيعي تحت ملامحها المصدومة وهي تناديه كي تفحصه ولكنه كان غادر.
مرت الأيام تباعاً دون جديد سوى أنه يراقبها من بعيد دون أن يتعرض لها بالحديث مجدداً وقد لاحظت هي هذا ولكنها لم تهتم وقد تجاهلته هي الأخرى.
كانت جالسة بالمكتبة كعادتها تقرأ كتاباً ما فوجدته يجلس جوارها وهو يقدم لها شيئاً قائلاً:
“خلصت الكتاب وقولت أكسب فيكي ثواب وأجبهولك تقرأيه”
رفعت رأسها له ثم نظرت له بضيق حتى هتفت وهي تقول بسخرية وهي على تمام العلم بأنه لم يقرأه:
“وكان بيتكلم عن ايه الكتاب!؟”
أجابها وهو ينظر إلي عيناها بقوة قائلاً:
“كان بيقول إن عنيكي حلوة اووى”
شعرت بالتوتر لأول مره وما إن رأى توترها حتى أبتسم بإنتصار فاهي تسير فوق خططه..، نظر إلى جدول محاضراتها ثم همس وهو يقرأ أسمها ببطء:
“عا..يدة..، تعرفي إن أسمك حلو اوي ومميز! زيك بالظبط”
بينما هي وقفت تعدل حجابها ثم أخذت منه الكتاب وقد رحلت مسرعة وهي تشعر بنبضات قلبها تتسارع ليس وكأنها جملة قالها!؟.
اما عنه فقد أبتسم بخبث وهو يدرك جيداً ما يفعله فهو كان يتجاهلها الفترة الماضية عن قصد بعدما لفت إنتباها كي يشغل عقلها وتفكر به وهو على يقين بأنها فعلت ثم عاد يناكشها مجدداً ثم يعود بتجاهلها كل هذا كي يشغل عقلها وبعد هذا سوف ينتقل إلى مرحلة القلب
اي فتاة تقع صريعة تحت دماغه السامة تلك.
كانت عائدة من الجامعة بعدما خرجت من البوابة وتشعر بالإرهاق الشديد حتى تفآجئت به يقف بسيارته أمامها وهو يفتح بابها قائلاً:
“أركبي أوصلك”
هزت رأسها بالنفي وهي تقول:
“شكراً انا بعرف أروح لوحدي”
“منا عارف إنك بتعرفي تروحي لوحدك بس الجو حر وشايفك تعبانة يعني”
لم تجيبه بل أغلقت باب سيارته ثم رحلت بهدوء بينما هو أبتسم وقد توقع بأنها سترفض ورغم ذلك لم ييأس بل أخذ يكرر الأمر عليها يومياً وهو يدعوها كي يوصلها إلى المنزل وفي كل مرة كانت ترفض حتى بقيت تنتظره يفعل كلما رآها..
كانت عائدة وهي تفكر به أنها لم تراه منذ أسبوع بل أختفي وكأن الأرض أبتلعته وهذا جعلها تشغل عقلها به وتتسآل أين ذهب وما هو سبب أختفائه! حتى وجدته فجأة أمامها وكأنه يقرأ أفكارها ثم هتفت وهو يقول ببسمة:
“تحبي أوصلك!؟”
شعرت عايدة بالتوتر الشديد.. هل تركب معه! ام تذهب وترفض مجدداً؟ ولكنه ربما يختفى مرة أخرى! والغريب بأنها أحبت أهتمامه هذا وأحبت رؤيته يطاردها وعندما غاب أفتقدت هذا لذا أقتربت بتردد حتى ركبت معه تحت نظراته السعيدة.
(عايزة اقول حاجه.. فاكرين في الجزء الأول بعد ما حور أتخطبت لليث وكان عايز يوصلها ورغم إنها خطيبته وكان الوقت متاخر ومفيش مواصلات هي رفضت لإنها محافظة على مبادئها وكانت اى النهاية!؟ ليث أتجوزها وقبلها مكنش بيطول يكلمها كلمتين على بعض..
أما عايدة للاسف مقدرتش تحافظ على مبادئها واللي بالمناسبة زي بنات كتير جداا بعد ما بيروحوا الجامعة وبيُستدرجوا بنفس الطريقة كدا لان شباب الجامعة بيكونوا عارفين يوقعوا البنت ازاى ولو هي محطتش لنفسها حصن من الاول هتقع للاسف ف اتمنى تاخدوا بالكم بجد وتسيبكم من جو بيحبني وهيتقدملي والحوارت الفكسانة دي”
تطورت علاقتهما وبعدما كانت ترفض الحب أصبحت هي متيمة به وكل يوم تذداد تعلق به وهي ليست غافلة عن الحسد والغيرة التي تراهما في عيون الفتيات كلما ينظرن إليها وهي معه وهذا كان يشعرها بالسعادة أكثر كونه إختارها هي من بين الجميع!.
حتى أتى اليوم الذي طلبها فيه للزواج وقد كانت وقتها أسعد شخص بالعالم ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لقد رفض والديها بعدما علموا بظروفه..
لقد كان شاب يتيم وليس لديه أحد من عائلته سوى جدته ويقيم بالصعيد اى أنه سوف يأخذها ويرحل ويكملان دراسة هناك وهذا جعل والديها يرفضان بشدة وهو لم ييأس وظل يتقدم لها وهي تحاول إقناع والديها بشتى الطرق..
وياليتها لم تفعل.. لقد تقدم لها مصطفى إبن عمها والتي كانت معجبه به قديماً ولكنها لم تعد كذلك الآن بل لم تعد ترى سوف يوسف الذي سلب عقلها وقررت أنها ستذهب معه متى كان وظلت تُلح على والديها حتى وافقوا بسبب إصرارها..
حتى أتى هذا اليوم والذي لن يُمحى من ذكراها… اليوم الذي تعض فيه أصابعها ندما على عنادها ولكن وقتها لم يعد يفيد الندم بشيء… يوم ما تزوجته وذهبت معه ومنذ وقتها وأنقلبت حياتها رأساً على قلب وأنتهت معها حياتها الوردة وأصبحت حياتها مليئة بالأشواك.
فاقت من شردوها وهي تشهق بعنف بعدما مر شريط حياتها سريعاً أمام عيناها.. لو أنها فقط تستطيع العودة إلى الماضي وتسمع كلام والديها ما ليحدث ليها كل هذا.
تنهدت بتعب وهي تقوم بكسل شديد بعدما احضرت حقيبتها وهي تستعد لمهمتها الجديدة والتي تدرك جيداً بأنها ليست كأي مهمة مضت بل هذه أخطرهم ورغم ذلك لم تهتم..
أنتهت من ملابسها الرسمية الخاصة بالعمل ثم حملت حقيبتها ورحلت دون أن تلتقي بأحد.. فقد كان الحزن مغيم على الجميع ولا طاقة لها بالحديث مع أحد ولكنها توقفت وهي تزفر حين أعترض هو طريقها وهو يقول بتعجب:
“انتِ عندك مهمة صح!”
هزت رأسها قليلاً دون أن تجيب مما جعله يشعر بالقلق عليها ليهتف مجدداً وهو يقول:
“طب مكنش لازم تروحي وانتِ عارفه إنها خطر عليكي”
يالله.. لمَ يكرر عليها الجميع هذا! ليس لأنها فتاة لا تستطيع الإعتماد على نفسها! ليس ولأنها فشلت سابقاً في حماية نفسها فستفشل أيضا مجدداً! ستثبت لهم وللجميع بأنها قادرة على حماية نفسها.
لم تهتم لحديثه بل لم تشغل بالها بالرد عليه وهي تهم للرحيل ولكنه قاطعها مرة أخرى وهو يقترب منها أكثر قائلاً بترجي:
“إنسي يا عايدة.. إنسي كل اللي حصل زمان ويلا نبدأ حياتنا من جديد… سيبك من شغل الشرطة دا علشان مش ليكي وارجعي كملي جامعتك وأرجعيلي عايدة بتاع زمان”
يبدو أن ذكريات رأسها لن ترحمها اليوم.. نظرت له وهي تبتسم بسخرية ممزوجة بألم.. ماذا لو كان وافق عليها عندما ذهبت إليها بكل سذاجة تخبره بأنها تحبه! ماذا كان سيحدث لو تقبل هذا وتغاضى عن أنها تكبره بعامين وتقبل حبها! لكان أنقذها من كل ما حدث معها لذا فإنه هو أول المذنبين.
“انا سبق وقولتلك وهقولك تاني إن مفيش حاجه كانت بتربطنا زمان علشان نرجعها دلوقتي يا مصطفي.. كانت مشاعر مراهقة مش أكتر وانا دفنتها ودلوقتي نصيحة تشوف حياتك وتنساني علشان لو مسكت سلوك الكهربا مفيش حاجه هتتغير غير إنك هتموت ودلوقتي سلام علشان وقتي ميسمحليش أقف أكتر من كدا.
تركته وغادرت يقف والندم يأكله.. نعم هو يستحق هذا
هو من سخر منها عندما أتت له قديما وأخبرته بأنها تحبه وأهانت نفسها فدعس هو على كرامتها رغم أنه كان يحبها أيضاً إلا إنه لم يدرك هذا إلا في وقت متأخر بعدما
وجد شخصاً آخر غيره دخل حياتها وقد أحبته ونسيته هو تماما.. نعم هكذا نحن لا نعرف قيمة الشيء إلا عندما نفقده.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
” ياحور مش فاهم واخدنا على فين”
هتف ليث بغضب وهو يتحرك بسيارته وفقاً لإشارتها وقد تحسن قليلاً فأصرت عليه بأن يأتي معها إلى هذا المكان الذي مازال يجهل وجهته بعد حتى بدأت تتضح ملامحه وما إن أبصره حتى هتف بصدمة وهو يقول:
“المقابر! يعني انا بقولك نفسيتي تعبانة تقومي جايبنا المقابر ياحور!؟
أبتسمت وهي تنزل من السيارة وتقترب منه قائلة:
” دي أحلى مكانه تروحه ايش فهمك انت تعالي معايا بس”
وقف مكانه برفض وقد إنزعج وأصر على الرحيل ولا يعلم لمَ شعر بالخوف من هذا المكان وهو يتخيل بأنه يوما ما سوف يأتي هنا!!
“مش عايز تتعرف على ماما وعبدالرحمن أخويا!؟”
نظر لها بتردد فأقتربت منه وهي تمسك يده تحثه على السير معها قائلة:
“انا قولتلهم المرة اللي فاتت إني هجيبك معايا أعرفك عليهم”
سار معها وهو ينظر إليها ببلاهه ويبدو بأن زوجته أصبحت مجنونة في الآونة الأخيرة ولكنها لم تهتم بنظراته وهي تنظر حولها جيداً حتى توقفت أمام بوابة تضم داخلها العديد من القبور على شكل صفين أحدهم للرجال والآخر للنساء.
دخلت وهي تسمي الله ثم هتفت:
“السلام عليكم يا أهل القبور.. انتم السابقون ونحن اللاحقون”
بينما هذه الجملة زلزلت كيانه ورغم أنها حقيقة مؤكدة بأننا سنموت جميعاً إلا إننا نرى دائما الموت بعيد عنا ولا نقتنع بأننا سوف نأتي هذا المكان محملون على النعش!.
وقفت بالقرب من قبر ناحية قبور النساء وهي تقول بحنين:
“دا قبر ماما… ودا قبر عبدالرحمن”
إستدرات صوب قبور الرجال تشير إلى قبر أخيها ببسمة حزينة ثم جلست أمامها بهدوء كما فعل هو المثل.
وبعد صمت ساد لحظات تحدثت وهي تنظر له قائلة:
“هموم الدنيا كلها بتنتهى هنا يا ليث… تعرف إني لما كنت بزعل زمان كنت باجي هنا ومش بحس براحة غير هنا! بحس مشاكلي سخيفة اووي وقتها أصل مهما كانت المشكلة اللي انا فيها فهي مشكلة دنيوية..، تخيل بقى اللي جوه القبور دول ويتمنوا بس يخرجوا ولو يوم واحد يعبدوا فيه ربنا ويرجعوا تاني!”
صمتت تأخذ أنفاسها وهي تنظر حولها للقبور ثم هتفت بحزن:
“اللي مات النهاردة مكنش يعرف إنه هيموت النهاردة بل هتلاقيه كان منشغل في أمر دنيوي وعمال يفكر ويحسب هيعمل اى وفي النهاية! عمره كان أنتهي وربنا قبض روحه”
بينما ليث بالكاد يستطيع أخذ أنفاسه وهو يقول ناظراً حوله:
“حاسس إني خايف هنا”
أبتسمت وهي تدرك جيداً ما يشعر به وهي تقول:
” خايف من ايه بالظبط!؟”
“خايف إني أجي هنا قبل ما أكون مستعد”
ذادت بسمتها وقد وصلت لما تريده وهي تهتف:
“طب وشغلك اللي كنت زعلان عليه!”
تنهد وهو يجيبها بشرود قائلاً:
“حاسس إن كل مشاكل الدنيا بقيت صغيرة في نظري هنا”
هزت رأسها توافقه ثم أردفت بهدوء مفصحة عن ما تريده:
“شعور طبيعي.. بس مجرد ما تخرج من هنا هترجع تفكر وتشوف مشاكلك دي ملهاش حل وترجع تحزن تاني”
نظر إليها وهو يقول بتهكم:
“يعني أفضل قاعد طول عمري هنا!”
قهقهت بخفة وهي تهز رأسها بالنفي وتعلم بأنه يسخر منها قائلة:
“لأ متقعدش عمرك كله هنا.. بس دايما أفتكر إنها دنُيا وفانية ومصيرنا كلنا هنموت بل ومش عارفين ممكن نموت امتى وعلشان كدا لازم نحط الموت دايما في دماغنا وإن ممكن ربنا يقبض روحنا في اى وقت واحنا ملهيينا في الدنيا”
صمتت قليلاً وقد أوصلت له ما تريد ثم هتفت مجدداً وهي تقول ببسمة ممزوجة بحنين:
“ودلوقتي كفاية كلام ويلا علشان أعرفك انت وماما على بعض.. انا حكيتلها عنك كتير وأكيد هي فرحانة دلوقتي إني جبتك معايا”
توقفت عن الحديث ثم نظرت إلى قبر والدتها وهي تتلمسه بيدها وتتخيل والدتها أمامها الآن قائلة بحب:
“ودا يا ماما ليث اللي حكتلك عنه جبتهولك علشان تشوفيه وتتعرفي عليه”
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
كان أحمد يجلس أمام سهير وبينهما مسافة مناسبة وبالقرب منهم كانت تجلس أسماء أخته الذي أتت معه بعدما طلب منه القدوم معه كي تجلس معهم ولا يحدث خلوة بينهما.
ورغم أنه هو من طلب منها هذا إلا أنه لم يشعر بالراحة بوجودها ولا يستطيع التحدث بما يريد أمامها وقد نسي بأن السبب الرئسي من قدومها هو لهذا السبب
كي تمنعه من الإسترسال في الحديث معها.
يحاول خلق اى حديث معها بشكل عامي وهو يشعر بالتوتر ويكتم الكثير من الكلمات داخل قلبه لا يستطيع البوح بها.
“وصلتي لحد فين في دراسة العلم الشرعي!؟”
أبتسمت لأهتمامته بدراسة علمها الشرعي وهذا شجعها أكثر فأجابته وهي تقول بتوضيح:
“خلصت سلسلة التجويد اللي عاملها المهندس علاء حامد وبصراحة أستفادت منها جداً وكمان بفضل الله قرأتي في القرآن أتحسنت كتير لدرجة حاسة إني مكنتش بقرأ قرآن صح الأول وكل دا من سلسلة 6 حلقات بس.. ولقيت حد تاني بيشرح تجويد أسمه أيمن السويد ف هبدأ أتابعه برضو إن شاء الله.. وفي الفقه خلصت باب الطهارة اللي صاحبتي قالتلي عليه من شرح كتاب الفقه الميسر اللي برضو بيشرحه المهندس علاء حامد وبدأت في باب الصلاة وقربت أخلصه وإن شاء الله قريب هبدأ تفسير سورة البقرة لأحمد عبد المنعم سمعت أول شوية ولقيتها جميلة جداً فقررت أكمل معه”
هز رأسه بإعجاب شديد من حماسها وإقبالها على التعليم وهذا ما ذاده إلا تعلقاً بها فهتف بحب:
“اللهم بارك ماشاء الله.. بجد انتِ ممتازة أستمري وكمان أنصحك بكتب عن تربية الأطفال بطريقة سليمة”
أومأت له بالموافقة وهي تقول:
“ياريت انا بالفعل كنت عايزة أقر واتعلم عن تربية الأطفال بشكل صحيح”
أجابها عن بعض من الكتب الذي قرأها وهو يقول:
“فيه شوية كتب حلوين هيعجبوكي إن شاء الله.. كتاب أسمه طفل الروضة كيف يحب الصلاة… وكتاب أطفالنا وكمان كتاب 70 طريقة تجعل أبنائنا يحبون حفظ القرآن”
هزت رأسها بالأيجاب وهي تقول ببسمة ظهرت على عيناها بعدما أخفى النقاب ملامح وجهها:
“هجيبهم إن شاء الله وأقرأهم واقولك رأيي فيهم”
أبتسم لها هو الآخر ثم أخذو يتحدثون في مواضيع أخرى دون التغوط في أى أحاديث جانبية يترأسها الشيطان أو أن يسمح لنفسه أن يتغزل بها كما فعل المرة الماضية.
(عايزة أضيف شيء.. شوفتوا المرة اللي فاتت لما أحمد قعد معاها لوحدهم ورغم إنهم مكنوش لسه خدوا على بعض اوي ورغم إنه برضو عارف ضوابط الخطوبة إلا إنه مغضش بصره عنها وكان بيلمحلها بالكلام.. المرة دي وعلشان فيه حد معاهم ومحصلش خلوة ف هو التزم معاها بالكلام واتكلم بحدود ودا علشان لم بيكونوا لوحدهم الشيطان بيكون تالتهم وما أدراكم وما الشيطان!؟ علشان لما نقول المخطوبين مينفعش يقعدوا لوحدهم يبقى يتسمع الكلام)
🌸اللهم صل وسلم وبارك على محمد🌸
وقف زين أمام منزل عمه الذي يقع بالطابق الأول وهو يتنهد فقد تركها مدة كافية تلملم شتات نفسها ولم يجبرها على شيء ورغم أنها طوال هذه الفترة ترفض مقابلته كلما أخبرها عمر إلا أنها أصر هذه المرة على عدم تركها وسوف يحاول معها مجدداً.
طرق باب المنزل فقد تفآجأ بالجميع جالس..، أمه وزوجة عمه وبناتها وأيضا أخته وعمر الذي كان يجلس معها بالداخل.
انتبه له الجميع فدخل وهو يلقى عليهم التحية ثم تخطاهم حتى وصل عندها وما إن رأته حتى أنتفض جسدها بتحفز شديد وشعرت بالخوف منه وأيضاً بالنفور فأمسكت بملابس عمر تستنجد به وهي تنظر إلى زين نظرات غريبة لاحظها هو.
أقترب منها حتى وقف أمامها وقد أحتفظ بمسافة مناسبة بينهما محترماً رغبتها بالا يقترب منها ثم تحدث بهدوء وهو ينظر إليها قائلاً:
“مش كفاية قعدة هنا بقى يا روان!؟ مش ناوية تيجي شقتنا اللي عملتها مخصوص علشانك!”
أبتلعت ريقها وهي تنظر له بخوف ثم هزت رأسها بالنفي دون أن تُجيب..، فتابع هو حديثه قائلاً بهمس:
“طب اى يرضيكي وانا أعمله!؟ اعمل اى علشان تسامحيني على حاجه انا معملتهاش!”
تغرقت عيناها بالدموع وهي تقول بنبرة أختنقت بالبكاء:
“عايزاك تبعد عني وتسيبني في حالي”
تساقطت دموعها ثم رفعت رأسها وهي تقول بنبرة غاضبة ومازالت تبكي:
“انت السبب في كل حاجة حصلت انت اللي وصلتنا لكدا… انا مبقتش عايزاك ولا عايزة أشوفك تاني”
وقبل أن يجيبها زين تحدث عمر الذي التزم الصمت طول الحوار ثم هتف بنبرة عالية وهو يقول ممسكاً مرفقيها:
“فوقي لنفسك يا روان وأعقلي اللي بتقوليه وبلاش تخسري كل حاجة وخالتي دا كان عمرها وزين ملوش دعوة باللي حصل”
كان صوتهما عالياً وقد وصل للجميع فقاموا وهم يقتربون من الغرفة ويتابعون ما يحدث… بينما تحدث زين وهو يقول بهدوء:
“سيبها يا عمر.. ملكش دعوة بيها.. قولي يا روان انتِ عايزة اى واى اللي هيريحك وانا هعملهولك”
أجابت آخر جملة قد يتوقعها هو او اي شخص كان يقف يستمع لمَ يدور في الغرفة.
نظرت له بعيون غاوية وقد تجردت من اى مشاعر كانت تحملها له يوما.. هذه ليست عيونها بتاتا بل عيون هو يبصرها لأول مرة بحياته.
“عايزة نطلق وكل واحد يروح لحاله”
شهق الجميع بينما عمر أقترب منها بغضب وهو يمسكها من ذراعيها قائلاً بغضب أعمى:
“انتِ بقيتي مجنونة رسمي ومش واعية للي بتقوليه”
كان يهزها بغضب وهي تبكي بإنهيار فاقترب منه زين مسرعاً يبعده عنها وهو يصرخ عليه قائلاً:
“أبعد عنها ياعمر وملكش دعوة بيها”
وما إن أبتعد عمر عنها ووقف أمامها حتى أرتجف جسدها بشدة وذاد بكائها وتراجعت خطوتين تتشبث بعمر قائلة بترجي:
“لا ياعمر متسبنيش علشان خاطرى.. خدني من هنا”
أغمض زين عيناها وهو يتنهد بألم ثم تحدث بهدوء حاول التحلى به بصعوبة قائلاً:
“يعني طلاقنا يا روان هيريحك!؟”
أبتلعت ريقها بخوف ثم هزت رأسها عدة مرات بالموافقة
فأومأ لها بهدوء وهو يقول بنبرة خاوية:
“حاضر يا روان هطلقك طالما دا اللي هيريحك.. بس أفتكرى إن دا كان قرارك”
بينما عمر نظر له بصدمة وقد حدث ما كان يخشاه بأنه سوف يمل منها وبالطبع سيمل.. فمن ستحمل كل هذا وهو يأس بأنه طوال تلك المدة تنفره وهو حاول معها بكل الطرق! بل وما ذاد الأمر سوءاً أنها رفضته أمام الجميع وهذا جرحه بشدة!.
وهناك عيون كانت تتراقص بسعادة كبيرة وهي تنظر نحوهم ومازالت لا تصدق ما يحدث أمامهت وقد لاحت منها أبتسامة رغماً عنها وهي ترى تهدم علاقتهما وقد غلفت عن تلك العيون التي رأت بسمتها الآن! هناك من شك بها ولكن سعادتها كانت أكبر من أن تنتبه لهذا.
تحدث زين بعدما أبتعد عنها قليلا ثم نظر نحو عمر قائلاً بثبات:
“خدها يا عمر وديها البيت عندكم”
“ط.. طلقني الاول قبل ما أمشي”
هتفت بنبرة مختنقة وقد شحب وجهها بينما وجه بصره نحوها وما إن التقت أعينهما حتى أبعدت عيناها عنه وهي تدير وجهه للجهه الأخرى وهذا شجعه على موقفه وهو يقول:
“حاضر… قبل ما تصلي هناك هتكون ورقتك عندك”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني)