روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الرابع والثلاثون

رواية نيران الغجرية البارت الرابع والثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الرابعة والثلاثون

إعدام الهوية.

__________________

” عليك أن تنتبه أنها مخلوق حساس …
ولكن لكل إنسان قدرة على التحمل …
فلا تستفزها لتخرج أسوء ما فيها ثم تحاسبها على هذا السوء الذي أخرجته منها …
و تذكر دوما أن الوردة رقيقة لكن لديها أشواك
عليك أن تعرف كيف تتمتع برائحتها …
دون أن يمسّك شوكها … ! ”
#حديث_المساء #ادهم_الشرقاوي

– انا مستعد اقولك بس بشرط متجبيش سيرتي ، و انا براقب تحركات عمار البحيري من سنتين عرفت عنه حاجة مهمة ، هو بيحط كاميرات مراقبة في كل مكان بيروحله و عنده عادة يتجسس على الناس اللي بيتعامل معاها و انتي كنتي واحدة منهم.

شهقت مريم و دارت الدنيا من حولها و قد شلت الصدمة أطرافها و منعتها من التحرك ، ازدردت ريقها و همست بتيه :
– انت بتقول ايه.

– عارف انك متفاجأة بس ديه الحقيقة ، ولو مش مصدقاني قومي دوري في شقتك و ركزي ع كل مكان مكنتيش تقدري توصليله في اوضة نومك و الريسبشن و البلكونة و اي اوضة تانية …

و استمر في خداعها و الحديث عن صدفة معرفته بهذه الأشياء ، و كم أن عمار رجل سيء تعمد مراقبتها لكي يعرف تحركاتها.
و بعد زرع السوء في قلبها اتجاه زوجتها أنهت المكالمة و هرعت تفعل ما طلبه منها.

بحثت في كل منطقة وكل جزء صغير من الشقة لكنها لم تجد شيئا.
دخلت إلى غرفة نومها و قلبتها رأسا على عقب ربما تجد ما كان الغريب يتكلم عنه حتى أنها أخذت كرسيا و صعدت فوقه لكي تطول يداها ما يوجد في الأعلى غير أنها فشلت في الوصول لما تريده.

زفرت مريم لاهثة بتعب و ضيق :
– الراجل ده طلع بيضحك عليا و انا صدقته مفيش حاجة هنا.

تحركت لتنزل من الكرسي و لكن قدمها انزلقت فتمسكت في الصورة المعلقة على الحائط و سحبتها بقوة لتسقط على الأرض بقوة مدوية ويتحطم زجاج الإطار.
أسرعت مريم في النزول بحذر و انحنت على قطع الزجاج ، و بينما هي تلملمها ، لمحت بين الإطار الخشبي و الصورة مجسما أسود صغير لا يكاد يرى من شدة ضآلته فقضبت حاجبيها بتوجست و التقطته …

لتكتشف في لحظة أن كل ما ظنته في عمار كان كذبا ، كل الخصال و الصفات الجميلة رسمها لها خيالها الأحمق … !

____________

انتهت من آخر تبضع لها هذا اليوم فخرجت من البقالة وهي تمسك الأكياس الثقيلة و تجر قدميها لكي تسرع و تجد سيارة أجرة قبل غروب الشمس.
إلا أنها شعرت و كأن الحظ تآمر عليها اليوم و منعها من الوصول الى المنزل ، فها هي لا تجد مواصلات و الشبكة الضعيفة تمنعها من الاتصال بشقيقها.
و فوق كل هذا لا تملك وقتا يسمح لها بالتأخر فخطيبها و عائلته سيزورونها غدا لذلك عليها إنهاء التحهيزات بسرعة لإستقبالهم بشكل جيدا . و ياليتهم يرضون !

فكرت هالة في هذا الأمر بسخط وهي تتذكر شقيقة خطيبها التي تجعلها تشعر و كأنها ضرتها ، مزعجة و غيورة لدرجة توصلها للجنون !
تأففت و تمتمت بخنق وهي تقرر العودة إلى المنزل مشيا على الأقدام بدلا من انتظار المواصلات :
– يعني كان ضروري اعمل نفسي ناصحة و اقول لأخويا ميجيش معايا يساعدني حسبي الله … ااه.

صاحت هالة بغتة عندما مرت من جانبها سيارة بسرعة قصوى فهلعت و أفلتت أحد الأكياس لتتدفقق ثمار التفاح منها و تتدحرج على سطح الاسفلت.
احمر وجهها من الغضب و زمت شفتيها تمنع نفسها عن شتم السائق الذي انطلق بدون أن يعرها اهتمامه ، ثم مسحت على وجهها و انحنت تلتقط ما تستطيع لاعنة الرجل و السيارة و الفاكهة و خطيبها و عائلته و السبب الذي جعلها تخرج في هذا الجو القارص.

إلا أنها لم تحسب حساب السيارة التي مرت عليها الآن ثم عادت اليها و توقفت بجانبها ، ليترجل منها سائقها و ينظر لتلك الفتاة مقترحا عليها بلباقة :
– اقدر اساعدك بحاجة يا فندم ؟

مطت هالة شفتها بسأم مهمهمة :
– حضرتك لو عايز تساعدني لم معايا اللي وقع مني.

لم ترفع رأسها إليه و بالتالي لم يستطع رؤيتها لكنه لم يتوانى عن المساعدة ف انحنى يجمع الثمار الصالحة في الأكياس اما التي طُحنت تحت عجلات السيارات جمعها بمفردها في كيس بلاستيكي و وضعها داخل حاوية القمامة الموضوعة على جانب الطريق.

و عند إنتهائه استدار اليها فوجدها ترتب حاجياتها ، و حينما رفعت وجهها نحوه لكي تشكره رآها تفتح عينيها بدهشة مطالعة إياه ، و لم يكن هو أفضل حالا منها فها هو يقف أمام الفتاة المحجبة التي لم يرها منذ سنة ونصف ، صديقة زوجة رفيقه !

بينما هالة قد نالت نصيبها من المفاجآت اليوم عندما رأت هذا الشاب الذي ساعدها ، هي تعرفه جيدا فلقد ظلت تتابع مع مريم اخبار عائلة البحيري و كان المدعو ” وليد ” حاضرا في معظم الأخبار تقريبا ، صدفة عجيبة حقا أن يمتثل أمامها الآن.
و لكنها تمالكت نفسها سريعا و تنحنحت تخفي حرجها مدمدمة بخفوت :
– متشكرة اوي على مساعدتك … بعد اذنك.

رفع وليد حاجباه بإستمتاع و اختفت لباقته مع ظهور العبث على محياه عند لمحه لإحمرار وجهها ، فهذه الفتاة سبق وقد هاجمته في كل لقاء بينهما و ها هما بعد غياب طويل التقيا مجددا عندما عرض المساعدة عليها.

ابتسم على ارتباكها ثم نظر الى الأكياس الثقيلة التي تحملها فقال :
– يا انسة انا بقدر اوصلك لبيتك بعربيتي …

قطع وليد كلامه عندما شهقت هالة بإستنكار و نظرت له بحدة فإستطرد موضحا :
– مش هتعرفي تمشي وانتي شايلة كل دول في ايدك و كمان على حسب مانا شايف مفيش مواصلات هنا هتتبهدلي في الطريق.

– شكرا مفيش داعي.
تمتمت بوجوم وهي تخرج هاتفها لتعاود الاتصال بشقيقها لكنها خابت عندما رأت الشبكة لا تزال ضعيفة ، عضت على شفتها بقهر و نفثت بعصبية قبل أن تنطلق نحو وجهتها فتنهد وليد بيأس منها و عاد الى سيارته متمتما :
– ايه عناد الثيران اللي فيها ده يا لطيف.

شغلها و كاد يغير وجهته و يذهب في طريقه إلا أنه رمى عينه لزجاج المرآة الخلفية فوجدها تتصارع مع الحاجيات التي تحملها بصعوبة و بعض الفتيان المتكئين على الرصيف يرشقونها بوقاحة ، فتأفف الأخير و حسم قراره ليقوم بصف سيارته على طرف الطريق و يترجل منها مجددا ذاهبا اليها.

سمعت هالة صوت خطوات خلفها و تفاجأت عندما رأت يدا تمتد للأكياس خاصتها فالتفتت اليه و كادت تصرخ عليه إلا أن وليد قاطعها بهدوء :
– هشيل معاكي لحد لما توصلي للشارع بتاعكم لانك مش هتقدري لوحدك و كمان الوقت متأخر و في شباب مستنيينك تعدي من جمبهم علشان يضايقوكي.

لفت هي عينيها في المكان و رأت أنه محق في قوله فمطت شفتيها ثم هزت رأسها موافقة بمضض ، سار معها الآخر بصمت و مرت دقائق طويلة و لم يشأ التحدث معها لكي لا تظن أنه استغل وجوده برفقتها ليضايقها.

غير أن هالة عندما كانت على وشك الوصول إلى منزلها بدأت بالحديث عندما رمقته بطرف عينيها ساخرة :
– و حضرتك بقى ساعدتني جدعنة منك ولا عشان انا قريبتك من بعيد.

كانت تقصد كونه رفيق لزوج صديقتها ، فإستنكر وليد كلماتها و استهزائها بدلا من شكره فأجابها ببرود :
-هو انتي كنتي قريبتي من امتى و من انهي ناحية انا مش فاكر.

تبلمت هالة من رده السريع ثم نظرت له و أضافت بتلميح :
– مش غريب عليكم تنكرو علاقاتكم بالناس.

ضحك عليها بتهكم و علق عليها قائلا :
– انتي زعلتي ليه اوعى تكوني عايزانا نبقى قرايب … بس قريبك من قريب اوي مش من بعيد.

أنهى جملته بغمزة لتشهق هالة من إستهجانه و تلميحاته فرفعت يدها اليسرى أمام وجهه و هتفت :
– انا مخطوبة على فكرة !

بهت وليد و شحب وجهه على حين غرة ليعجز عن الرد عليها هذه المرة ، صحيح أنه لا يكن لها مشاعرا تجعله حزينا بإرتباطها لكنه لا يدري لماذا تضايق عندما علم بأن الفتاة التي أعجب بها منذ زمن مخطوبة.
إلا أنه لم يشأ إظهار هذا إليها و اشباع غرورها و تكبرها فرمقها بإستنكار مهمهما :
– المفروض ازعل ولا ايه ؟ اطمني انتي مش زوقي.

فتحت فمها لتسبه لكن قاطعها رنين هاتفها بإتصال من أخيها ، فرمقت وليد بقرف قبل أن تجيب :
– ألو ايوة يا احمد.
صمتت تستمع لتوبيخه على تأخرها و عنادها بشأن الذهاب بمفردها في هذا الوقت دون علمه ثم سألها عن مكانها ليأتي اليها فإعترضت هالة بهدوء :
– مفيش داعي انا وصلت اساسا … طيب يا حبيبي متزعلش مني.

أغلقت الخط و سحبت الأكياش من يد ذلك الذي ظنها تحادث خطيبها فقام بالإلتفاف فجأة بشكل مريب ثم إدعى التنهد براحة :
– الحمد لله في كاميرات في الشارع والا كنت هنام في القسم الليلة ديه

لم تفهم الأخرى مقصده :
– اشمعنا يعني انا مش فاهمة.

تبسم لها و همس بعبث :
– مش انتي و صاحبتك ليكم سوابق في الكدب و الافترا ، انا خفت تحبي تنتقمي مني بسبب مناكشتي ليكي تقومي تتهميني بالتحرش ولا حاجة ، اهو على الاقل الكاميرات هتشهد على براءتي.

– هاهاها دمك خفيف اوي … عن اذنك بقى انا وصلت لبيتي و لازم اجهز لعزومة خطيبي و عيلته بالحاجات اللي حضرتك كنت شايلهم معايا.

تحركت من أمامه و دخلت لإحدى الشوارع تاركة اياه واقفا بغباء بمفرده ، رفع وليد رأسه يناظر الناس أمامه ثم التف يطالع المسافة التي سيضطر لقطعها مشيا على الأقدام حتى يصل إلى سيارته و كل هذا بسبب الفتاة التي عرض عليها حمل حاجيات خطيبها.

فرفع كتفاه و همس :
– انا حاسس نفسي كلاون قد الدنيا.

_______________

أسدل الليل ستاره و خيم الظلام على الأرجاء باعثا السكون في نفوس البعض ، و الهرج و الصخب في البعض الآخر.
و كانت هي من النوع الثاني الذي كادت الأفكار تنفجر داخل عقلها ،و العواصف تُشعل روحها أكثر.
كانت هذه حالتها منذ ساعات ، عندما وجدت ما يثبت أن عمار كان يتجسس عليها في السابق ، هرعت لكل غرفة تعيد البحث و لكن هذه المرة ركزت على كل ركن مهما كان صغيرا و تافها ، فوجدت الكثير من الأجهزة !

لقد كان يرصد حركاتها و يتنصت على هاتفها و يراقب كل تنفس يصدر منها ، ثم يأت و يمثل عليها الاحترام و الثقة و هي كالبلهاء تصدقه.

كيف يمكن للمرء أن يكون سيئا بهذا الشكل بل و كيف يستطيع الإنسان أن يخطئ في رؤية الحقائق مثلها ، مالذي ستكتشفه مريم ايضا في عمار.
لقد اتضح انه كاذب ، خائن و قاتل ، و الآن عرفت أنه متجسس على خصوصيات غيره ، رباه كيف كانت مخدوعة فيه هكذا !

انسابت دمعة من عينها فمسحتها سريعا قبل أن تفقد السيطرة على نفسها و تجهش في البكاء ، منذ قليل فتحت باب الشقة و صاحت في الحارس آمرة إياه بطلب سيده على الفور لأنها تريد رؤيته …
لا تعلم ان كان عمار سوف يلبي طلبها و يأت إلا أنها ستلتقي به غدا في الشركة على أي حال ، و تقسم أنها ستفتعل فضيحة أمام الجميع رفض المجيء للشقة هذه الليلة.

***
على الساعة 11 ليلا وصل إلى البناية و صف سيارته في المكان المسموح له ، ثم نظر لساعة يده و زفر بضيق.
لا يعلم لماذا طلبت مريم رؤيته ، فلقد أخبره حارسه بأنها كانت غاضبة حقا عندما أمرته بالإتصال به ، حتى أنها لم تتنازل و تتصل به شخصيا بل اتخذت الحارس كوسيط بينهما !

في البداية تجاهل عمار ما سمعه و قرر الخلود الى النوم بعد الإنتهاء من الفحص الطبي ، يكفيه أنه قضى اليوم في المستشفى بين الأجهزة الطبية و رائحة الأدوية و غادر بعدما قال الطبيب بأن نتيجة التحاليل ستصدر بعد أسبوع.
إلا أنه قلق من فكرة أنها ربما تكون محتاجة لشيء أو تريد الإعتراف بأسباب تصرفاتها هذه فقرر المجيء.

تأوه عمار بتعب من الصداع الذي يلازمه منذ الصباح ثم ترجل و صعد الشقة المطلوبة ، فتح الباب و بمجرد رؤية مريم له نهضت و ضربته على صدره صارخة بجنون :
– هتعمل ايه اكتر من اللي عملته … انا هكرهك قد ايه اكتر من كرهي ليك دلوقتي !!

انصدم من فعلتها فشد ذراعها نحوه بعنف هاتفا :
– ايه اللي بتعمليه ده انتي اتجننتي في ايه !

سحبت نفسها منه و أمسكت يده تضع فيها أجهزة الكاميرا الصغيرة مجيبة إياه بقوة :
– لا بالعكس انا عقلت و اكتشفت قد ايه كنت غبية لما كنت بثق فيك و بح … بحبك.

بهت عمار و توقفت الكلمات في حلقه عند رؤية ما وضعته بيده ، ثم أغمض عيناه يلعن نفسه بسخط و يجز على أسنانه ، سحقا كيف حدث هذا و انتبهت مريم إلى وجود الكاميرات.
ظل صامتا لثوان يستمع إلى صوت أنفاسها المتعالي قبل أن تتمتم بمرارة :
– انت ازاي كده … معقول كنت بتراقبني و خايف اعمل حاجة من غير ما تعرف كنت بتغيب عني لشهور و بتسيبني قاعدة لوحدي و كنت احيانا بعيط و كل ده كنت انت شايفني بس مع ذلك مصعبتش عليك ولا مرة.
ازاي انا كنت مخدوعة فيك مش فاهمة معقول كل اللي عملته فيا ده ليه يا عمار لييه.

غطت عيناها غشاوة من الدموع كممتها بسرعة قبل أن ينتبه لها وهي تتوقع أن ينكر ، أن يخبرها مثلا بأنه لا علاقة بما تقوله ولم يكن يتجسس عليها بل هذه خدعة من أحدهم.
إلا أنه طمس كل تأملاتها عندما طالعها بعينين حمراوتين ثم سألها بصوت جامد :
– انتي لقيتيهم ازاي.

فتحت مريم فمها بصدمة ترمقه وكأنه مخبول فأعاد سؤاله :
– ردي عليا انتي لقيتيهم ازاي !

– و ده بيهمك ؟
هتفت بإستنكار ثم تابعت :
– كنت بنظف اوضة النوم و الصورة اللي ع الحيطو وقعت مني و اتخيل لقيت ايه جواها … دورت في باقي الاوض و ظني مخابش انت طلعت مراقبني من لما اتجوزنا صح.

صاحت في آخر كلمة ولم تتوقف ، بل ظلت تصرخ عليه و تلعنه و ترميه بصفات سيئة وقد فقدت أعصابها بسبب صمته هذا ، فرفعت يدها لتلكم صدره إلا أن عمار اتخذ ردة فعل أخيرا وهو يمسك بها قبل أن تلمسه ثم غمغم بصوت قاتم :
– ايوة انا كنت براقبك ومش كده بس كنت بتسمع على كل مكالماتك و عامل نسخة لتلفونك ع تلفوني انا … بس انتي عارفة ان جه وقت قررت فيه ابطل اراقبك عارفة وقتها ايه اللي حصل ؟

تململت بين يديها لكنه لم يحررها بل تابع يهمس في وجهها :
– لقيتك قاعدة في المطعم مع صاحبتك و راجل غريب و عماله تضحكو … كمان لما بطلت اتسمع ع تلفونك اكتشفت اني عملت اغبى حركة لاني بعدها ع طول عرفت ان ابن عمك كان بيتحرش بيكي وانا اخر من يعلم.
لما سيستم الكاميرات و ال GPS اتعطلو قلت ممكن ديه تبقى فرصة عشان مرجعش اقتحم خصوصياتك تاني بس عارفة حضرتك ايه اللي حصل ؟ هربتي و في واحد ساعدك و كان بيتواصل معاكي و انا مش عارف هو مين لاني زي الغبي وثقت فيكي و ندمت … لانك مبتستاهليش حد يثق فيكي ابدا.

دفعها للخلف و رفع اصبعه في وجهها يهاجمها بقسوة :
– و بتزعلي كمان فهميني انتي زعلانة من ايه ده انا اول ما اديتك فرصة لحريتك هربتي و طلعتي فضحتيني يوم فرحي و افتريتي عليا و لسه بتخططي ضدي اللي زيك مبيستاهلش حد يثق فيه ولو كنت ندمت للحظة زمان فده كان غلط مني عشان كان معايا حق لما كنت بتجسس عليكي و مش ندمان.

تراقص صدرها طلوعا و هبوطا من بشاعة و سوء إتهاماته التي يلقيها عليها بكل وقاحة و انعدام ضمير فزمجرت مريم بشراسة متذكرة كل اللحظات التي رأت فيها صوره مع حبيبته و المقطع الذي وصلها يوم إجهاضها :
– و انت مين طلب منك تثق فيا اصلا ؟ و بتتكلم على الثقة ب انهي وش بقى وحضرتك كنت بتخوني مع بنت عمك بكل بجاحة !

و فجأة شعرت بكرهها و نفورها يزدادان الى الضعف في هذه اللحظة بالذات ، فقط تذكر كل ما فعله لها يجعلها ترغب في قتله و التمثيل بجثته ، اللعنة عليه و على غبائها و الدقيقة التي أحبته فيها !
لذلك بصقت كلماتها الحادة في وجهه :
– انا بكرهك و بقرف منك بجد … بكرهك !

و على عكس توقعها لم يبدِ عمار اي رد فعل يدل على إنزعاجه أو غضبه بل يرمقها ببروده الكريه المعتاد و يوزع نظراته الفجة عليها حتى تشدق بتهكم بإستهجان :
– بتكرهيني … انتي بجد مصدقة الكلام ده ؟
فوقي يا مريم انتي عمرك ما هتقدري تكرهيني انا لسه شايف حبك ليا في عيونك مهما اتهمتيني بالخيانة و مهما قولتي انك بتكرهيني لأسباب انا مش عارفة ومش راضية تقوليهالي بس ده كله كلام فاضي مستحيل يحصل.

و في غفلة منها جذبها إليه و أحكم قيده عليها يمنعها من الفرار لينظر لعينيها مباشرة و يهمس بصوت امتزجت فيه اللوعة و الغضب معا :
– مهما حاولتي تنكري هتفضلي تحبيني … و مهما حاولتي تتغيري و تأذيني بس أكيد جت لحظة ندمتي فيها و حسيتي بالذنب ع اللي بتعمليه و اكيد سألتي نفسك هتعملي ايه لو كنتي ظالماني … مش كده ؟

ارتجفت روحها كورقة خريفية صفراء وهو يعري روحها بكل حرف من حروفه و يكشف دواخلها ، و اللعنة الف مرة لأنه في نقطة ما ، كان محقا !

انتفضت مريم كالممسوسة و همست بضياع بأن يتركها لكن عمار اقترب حتى أصبحت تلفح أنفاسه بشرتها ثم انخفض و دفن وجهه في شعرها المموج يهدر بهوس :
– مهما جربتي تتغيري هتفضلي الغجرية اللي مبتعرفش قيود و التزامات في طريقة عيشها ، بربرية بريحة الورود اللي بتصنعها بنفسها …
تعرفي يا مريم ايه اكتر حاجة بتجذبني ليكي ؟ شعرك الطويل اللي بيجنني في كل مرة المسه ب ايديا و اشم ريحته …

تجمدت الأخرى مكانها ولم تتحرك قيد أنملة بها ، حتى عندما أصبح يحتضنها و يتلمسها بنفس لمساته في السابق ، و كأن هناك ما يجعلها لا تتحكم في جسدها ، عجزت حتى عن دفعه أو زجره بالكلمات … و تاهت في غياهب الماضي …

إلا أنها استفاقت ، و شعرت كأنما أحدا صفعها لتستيقظ من حلمها ، عندما ابتعد عنها عمار فجأة و على وجهه ابتسامة شامتة بغيظة ، يطالعها بإستهزاء أحرق روحها و كوى قلبها بسياط من نار.
فإنتفضت متراجعة للخلف بصدمة تستمتع لسخريته :
– عاوزة تنتقمي مني وانتي مبتاخديش دقيقة في ايديا عشان تنسي نفسك ؟ مش قولتلك انتي مش هتقدري تتغيري لان طبيعة الانسان بتغلبه للاسف.
و انتي طبيعتك واضحة … ست ضعيفة !

– اطلع برا.
تمتمت بجمود قبل أن تصيح فيه بقهر و حقد أهوج :
– انا مش عايزة اشوف وشك قدامي اطلع براا !

و ترافقت كلماتها مع إلقاء وسادة الأريكة نحوه فهز رأسه بإستهزاء و أولاها ظهره مغادرا صافقا الباب خلفه بعنف …
تاركا إياها تتشاجر مع شياطين تكالبت عليها حتى انفلتت قيود جنونها و هبت تكسر و تبعثر كل ما طالته يداها صارخة بقهر صرخات رافقته طول طريقه إلى خارج المبنى !

و بعد وصلة الصراخ و البكاء انتهى بها الأمر جالسة على الأرضية وسط الفوضى التي خلفتها نيرانها ، يتراقص صدرها طلوعا و نزولا بأنفاس كادت تنقطع من تسارعها …
وهي تشهق بإرتجاف هستيري :
– انا مبحبوش … مستحيل افضل احبه بعد اللي عمله بيا … الواطي القاتل … انا بكرهه بكرهه.

“تعرفي يا مريم ايه اكتر حاجة بتجذبني ليكي ؟ شعرك الطويل اللي بيجنني في كل مرة المسه ب ايديا و اشم ريحته …”
ترددت كلماته هذه في أذنها عندما أمسكت شعرها تشده بتلقائية.
فنظرت إلى خصلاته الطويلة المموجة بنظرات ميتة قبل أن يتلبسها الجنون فهبت تنهض بقوة أخلت بتوازنها و لكنها لم تهتم بل أسرعت تقف أمام مرآة الزينة و تخرج مقصا معدنيا حادا مهمته واضحة !

ثم و بدون أن يرف لها جفن واحد شرعت تقطع الخصلات التي أشبعها عمار غزلا في السابق و تغنى بروعتها … و قد أقسمت على ألا تترك شيئا لديها يعجبه …
إلا أنها وهي تُسقط الخصلات الكثيفة على الأرض … لم تلاحظ أنها كانت ترمي معها ما تبقى من شخصيتها السابقة … و هويتها الاصلية !!

______________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى