روايات

رواية وريث آل نصران الفصل الحادي عشر 11 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الفصل الحادي عشر 11 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الجزء الحادي عشر

رواية وريث آل نصران البارت الحادي عشر

وريث آل نصران
وريث آل نصران

رواية وريث آل نصران الحلقة الحادية عشر

الفصل الحادي عشر (آتت لتحرقها)
#رواية_وريث_آل_نصران

بسم الله الرحمن الرحيم

ساحة الحياة كبيرة، وأنغامها عالية… فانتبه ولا تشرد وإلا مزقتك هذه الأنغام العالية لتصبح بلا هوية، لا تعلم من أنت، وأين أنت؟

ارتفعت أنغام الموسيقى في ذلك المكان موضع الحفل فتحول إلى ملهى ليلي، الشباب متناثرة كالذباب هنا وهناك، والفتيات إحداهن على مقعد تنفث دخان لفافة التبغ والاخرى عند ساحة الرقص.
دخلت “شهد” مع صديقتها وقد تحول البريق في عينيها إلى مبهور، تتأمل كل إنش في هذا المكان بل وتتأمل ما يحدث أيضا، هذا المشهد الذي لم تره إلا على شاشة التلفاز.

جذبت “شهد” مقعد لتجلس عليه وكان بجواره اخر فقالت لصديقتها:
اقعدي يا “ريم” تعالي.

لم يكن لشهد علاقة بمن هم هنا على عكس “ريم” التي كانت علاقتها جيدة مع الكثير منهم، فلوحت لمن رأته منهم بضحكة واسعة ، ارتفع الصوت أكثر فأكثر ينذر بقدوم أصحاب هذا الحفل، فانكمش وجه “شهد” بسبب هذا الضجيج الذي لم تعتد عليه.
ثوان ودخل “ميار” و “باسم” ، جلس هو على ركبتيه أمامها في حركة تمثيلية، وتصنعت هي الدهشة فتعالت صيحات من حولهم مهللين… تحدثت “ريم” صديقة “شهد” بإعجاب:
It’s so romantic.

في حين كسا وجه “شهد” تعبير مستنكر من هذا التمثيل المصطنع، فهذا ال “باسم” يلعب بمن يظن الجميع هنا أنها حبيبته، يتركها تارة ويعود لها تارة اخرى وكل هذا فقط من أجل المال، من أجل الثراء الفاحش الذي تتمتع به “ميار”، ولقد أعطته فرصة ذهبية ببلاهتها وضيق عقلها.

فاقت ” شهد” من شرودها على اقتراب “ميار” و “باسم” منهما، و سمعت “ريم” تقول بتملق واضح:
كنتوا so cute يا “ميار” .

قالت “ميار” بابتسامة صغيرة تخبر الجميع بها أن مظهرها المبهر هذا هو المتوقع:
Thank you.

أتبعت قولها هذا بنظرتها إلى “شهد” تسأل ساخرة:
وأنتِ بقى يا “شهد” إيه رأيك؟

هل تصارحها برأيها حقا؟… هل تخبرها أن ما يدور في رأسها الآن هو هذه العبارة التي لطالما رددتها والدتها
(اتلم تنتون على تنتن طلعوا الاتنين أنتن من بعض.)
حقا إنها بالنسبة لشهد تمثل رأيها في “باسم” و “ميار” ولكنها لم تصرح به بل ابتسمت ابتسامة متكلفة وهي تقول:
nice.

سأل “باسم” مازحا مزاح سخيف اعتادت “شهد” على سماع مثله منه:
مش طالعة من قلبك يا “شهد”.

الوغد ودت لو قالت له الآن كم أن ألاعيبه مكشوفة بالنسبة لها ، حاول سابقا إحاطتها بشباكه ولكنها لم تكن فريسة سهلة لذلك فهو يعلم أنها تعرف عنه الكثير .
لم تبتسم بل كانت نبرتها متهكمة وهي تجيب على سؤاله:
تحب أقوم أغنيهالك يعني علشان تعرف إنها من قلبي!
ولا أرقص عشرة بلدي لأجل تصدقوا إني فرحانة ليكم.

أبدت ” ميار” استنكارها بعد انتهاء “شهد” من الحديث فقالت برجاء مصطنع:
بلاش الكلام ده هنا يا “شهد” Please، احنا مش قاعدين في حارة وعموما أنا مش عازمة حد علشان نتخانق، لو فعلا فرحانة زي ما قولتي ف enjoy يا حبيبتي.

قالت آخر كلماتها وتحركت مغادرة مع “باسم” وسط نظرات “شهد” المستهجنة والتي لم تلحظ تلك الغمزة الخفية من صديقتها “ريم” إلى “ميار”.

استدارت ” ريم” إلى “شهد” تقول بضجر:
مينفعش يا شهد اللي عملتيه ده، بتكلميهم كده ليه ؟

رفعت “شهد” حاجبيها مندهشة وهي تجاوب على سؤال “ريم”:
هو أنا كلمتهم أنتِ مش شايفة ” باسم” اللي جاي يتساخف وفاكر إن دمه خفيف أوي.

تركت “ريم” الحديث عن هذا الموضوع واتجهت إلى الشيء الهام والذي سيجعل الحفل بالنسبة لها أكثر متعة:
أنا هقوم أجبلنا حاجة نشربها تشربي إيه ؟

_هاتيلي برتقال.
قالتها “شهد” بغير اهتمام وهي تتأمل كل شيء حولها، هؤلاء الذين يدرسون معها وقد تحولوا الآن إلى آلات راقصة، ودت لو شاركتهم ولكن هذه العدسات التي لا تكف عن التقاط الصور وربما التقط أحدهم صورة لها، وفي هذه الأيام كل شيء ممكن ربما وصلت لوالدتها لذا اكتفت بالمتابعة فقط.

ذهبت “ريم” ناحية “ميار” ووقفا في زاوية بعيدة نوعا ما، كانت الضحكة تزين وجه “ريم” وهي تقول:
هي طلبت orange juice حطيلها الحباية فيه قبل ال waiter ما ينزله.

قالت “ميار” بضحكة منتصرة:
حولتلك اللي اتفقنا عليه على حسابك في البنك، يلا ارجعيلها قبل ما تلاحظ غيابك.

هزت “ريم” رأسها موافقة، وتحركت عائدة إلى “شهد” التي بدأت تبحث عنها وبمجرد أن رأتها سألت:
اتأخرتي ليه؟

كانت مبررها محكم وهي تقول:
كنت بكلم حد من صحابنا
استطردت مقترحة بحماس:
ما تقومي نرقص.

رفضت “شهد” ونطقت باعتراض:
لا أنا كفاية عليا بتفرج، عايزة تقومي ترقصي قومي أنتِ.

لم تخسر “ريم” الفرصة بل هرولت ناحية ساحة الرقص، وبمرور الدقائق بدأ التحفظ يذوب وأبدت “شهد” تفاعلها تدريجيا مع الأغاني الصاخبة حتى أتى النادل بما طلباه، شكرته بامتنان، ولم تمر إلا دقائق اخرى حتى جذبت المشروب الخاص بها وجرعت منه ناظرة في ساعتها وقد قررت أن عليها أن ترحل بعد نصف ساعة فقط من هنا.

ارتفع صوت ضحكات “ميار” و صديقها وزادت متعة حين وقعت عيناها على “شهد” تشرب كوبها.

لم تكن تعرف به، كل الحماقات التي ارتكبناها في حياتنا لم نكن نعرف عواقبها، ربما لم نكن نعرف من الأساس أنها حماقات.

★***★***★***★***★***★***★***★

لم يكن قوله هين، أي لعبة يلعبها؟… هل يرى حالتها تسمح الآن، قالت ودون تردد وهي تمسح دموعها بكفيها:
أنا عايزة أروح.

استقام واقفا وأتى ليساعدها على الوقوف ولكنها اعترضت، قامت بمفردها مستندة على الحائط، خرج هو أولا وتبعته إلى الخارج ، نظر لتيسير بجانب عينه فقالت مرتبكة:
حاج نصران عايزك.

_قوليله جاي .
قالها بنبرة أخافتها، فابتعدت تماما عن طريقهما أما هو فتابع مع “ملك” طريقه نحو الخارج وعند وصوله إلى الباب سمع صوت زوجة والده تقول بتهكم:
الله يا “ملك” مش تسلمي؟

جذبتها من وسط اندهاشهما و احتضنتها بقوة، شعرت “ملك” بالبرودة والريبة وصدق ظنها حين سمعتها تهمس لها:
جميلة يا حبيبتي، فريد حكالي عنك كتير بس مقاليش إنك جميلة أوي كده.

كلمات تمدح بها ولكنها في الحقيقة لم تفعل شيء سوى أنها زادت ريبتها وبمجرد أن تركتها تحركت “ملك” تقف جوار “عيسى” قائلة بتوتر:
شكرا.

التقت نظرات “عيسى” و “سهام” ليست نظرات بل سهام حادة، بدأ في السير مجددا وخرجت منه نبرة آمرة:
يلا يا “ملك”.

تبعته بالفعل إلى الخارج، كان الصمت ثالثهما، رفضت ركوب السيارة بسبب ما أصابها من ضيق تنفس، فسارا معا نحو منزلها القريب من هنا… ظل الصمت هو العنصر السائد حتى قطعه هو بسؤاله:
قالتلك إيه لما حضنتك؟

_ليه؟
قالتها واستدارت ترمقه بحدة فرفع حاجبيه ناطقا:
نعم.

كررت سؤالها بنبرة ظهر فيها جيدا أن الصبر لديها انتهى ولم يتبق منه شيء:
اللي أنت قولته فوق كان ليه؟… كاتبلي على الورقة متكلميش وبتقولي تتجوزيني … استطردت باستنكار:
ده بالنسبالك عادي؟

رفع طاقية جاكته الجلدي يضعها على رأسه وهو يقول ساخرا:
إيه ده هو بقى عيب عرض الجواز اليومين دول؟
تابع معتذرا بنفس سخريته:
بجد أسف مكنتش أعرف.

توقفت عن السير، كانت الأراضي الزراعية ذات صوت… صوت يعرفه الجميع عندما يحل الظلام تشعر وكأن الأرض تتحدث بهمس، ولكن همسها مسموع… كانا يسيران بجوار أرض زراعية فتوقفت عن السير ووقفت تقول بعدائية:
لا وعلى إيه الأسف، فعلا عرض الجواز مش عيب… العيب هو إنك تعرض العرض ده وأنا قاعدة مقهورة على أخوك وبقولك أنا قد إيه بحبه.

أصبح في مواجهتها، كانت تنتظر منه تبرير، تنتظر تفسير لما حدث ولكن سمعت قوله الجامد:
اعتبري العرض لعبة و أنتِ جزء منها، وتقدري تطلبي التعويض المناسب.

_أنا مش كورة في ملعب حد، ومش عايزة أبقى جزء من أي حاجة… أزاي أنتوا وحشين كده، ليه الإنسان يأذي شخص كل هدفه في الحياة يعيش بسلام.
قالت كلماتها وهي تتراجع للخلف، يتوغل قدماها في هذه الأرض الزراعية، و تنزف كلماتها الألم
سرعان ما رأت على الأرضية ما أفزعها فخرجت منها صرخة عالية، امتزجت بالخوف، والقهر أيضا.

إنها حية، تتحرك بحرية وأوشكت على الالتفاف حول قدمها.
جذبها سريعا يبعدها عن مكانها، لتعود إلى مكانها القديم قبل التراجع مجددا، أبعد يده ولم يتحدث بل سمعها تقول بإصرار:
أنا عايزة أروح.

قال بلهجة طغت عليها اللامبالاة… هل يضعها أمام الأمر الواقع وهو يعلم خوفها :
روحي.

كان التحدي واضح في قوله، نظرت حولها بخوف الظلام، والبرد كل شيء يثير هلعها ولن تستطيع إكمال الطريق بمفردها، لم تخط خطوة واحدة لذا زفر بتعب ونظر لها قائلا بهدوء:
اسمعي، العرض اللي أنا عرضته عليكي ده كان زي كارت أمان ليكِ و لعيلتك، مش مطلوب منك تردي عليه أصلا، اعتبري نفسك مسمعتيهوش تماما واعرفي إنه لمصلحتك أنتِ…
تابع وقد اختلطت الحدة بنبرته:
ومش أنتِ لوحدك اللي كنتي بتحبي فريد، كلنا بنحبه وبندور على حقه… مش أنتِ عايزة حقه يرجع برضو؟

جملته الأخيرة بها تلميح، ولكنها أضعف كثيرا من أن تواجه تلميح مثل هذا لذا صارت جواره بصمت تام تعود إلى منزلها، فلن يتحمل خوفها ونحيبها إلا فراشها الحبيب.

★***★***★***★***★***★***★***★

وُضِعت وجبة العشاء على مائدة مجاورة للأراضي الزراعية، أطباق العسل، والجبن و الفطائر الساخنة، وتم رص أكواب الشاي بعناية.

نظر “مهدي” حوله متأملا المكان، وعقله مشغول بسبب دعوته إلى هنا، إنه في ضيافة “منصور فضل” أحد الكبار في القرية هنا، منصور وابنه هذا السند الذي ينفذ أوامر والده دون تردد، تمنى لو كان ابنه “شاكر” مثل ابن “منصور” بدلا من تهوره الدائم.
قطع شروده قدوم “منصور” وابنه “جابر” هذا الشاب الذي لم يكن إلا نسخة مصغرة عن والده، حاول “مهدي” تذكر عمره وتوصل إلى أنه ربما في الثلاثين من عمره.
جلس “منصور” على مقعده يقول بترحيب:
منور يا “مهدي”.

تحدث ” مهدي” وعلى وجهه ضحكة:
البيت منور بأصحابه يا حاج منصور… أخبارك إيه يا جابر.

هز “جابر” رأسه يخبره أنه بخير، دعاهم “منصور” لتناول الطعام وشرعوا ثلاثتهم في ذلك ليسأل “مهدي”:
خير يا ” منصور” طلبت تشوفني ليه؟

لم يجب “منصور” بل قال ابنه بحدة:
هو أنت ازاي يا حاج “مهدي” سايب بنات أخوك وأمهم قاعدين عند نصران.

ترك “نصران” كوبه وقد ظهر على وجهه علامات الضيق وهو يقول:
بنات أخويا كبار، وأمهم مش عايزة تقعد في بيتي مش هكتفها واقعدها بالغصب يا “جابر”، ده غير إن ” نصران” مرحب بيها وبعيالها وهي حكمته ما بيننا، فعلى كيفها بقى هي حرة.

_ولو قولتلك إننا مش عايزينها حرة.
قالها “منصور” بمكر أثار فضول مهدي الذي نطق:
لا مش فاهم.

تحدث “جابر” هذه المرة بدلا عن والده:
يعني من الآخر البلد كلها عارفة من زمان إن نصران الكبير قبل ما يموت جه على نصيب جدي فضل في الأرض وخده، وبعدها ولاده فضلوا يورثوها من بعده لحد “نصران” الكبير هناك دلوقتي.

لم يكن الحديث غريب، قرية نصران ذاع صيت الخلافات بها منذ زمن، و الأقاويل عنها كثيرة، ولكن القول السائد بين العامة هو أن القرية كانت تحت حكم فضل جد “منصور” الأكبر ، و “نصران” جد “نصران” أيضا…. ثم بعد ذلك خرج “فضل” من القرية مطرودا… كانت ليلة يقال أن القرية تحولت فيها إلى حرب دامية بين نصران ومن اتخذ صفه من أهل القرية، وفضل ومن انضم إلى فريقه من أهل القرية… وانتهى الأمر بخروج “فضل” مصابا ويقال أنه لم يتحمل فتوفي بعدها بأسابيع قليلة.

فاق “مهدي” من شروده على “جابر” يتابع:
الأرض دي أرض أبويا وأرضي وحقنا، وأظن أنت شاهد إننا طالبنا نصران بحقنا بالذوق وقولنا ننسى اللي فات ونبدأ معاه هو، لكن كان الرد منه إننا ملناش حق.

كان “مهدي” يحاول إيجاد رابط بين هذا وبين زوجة شقيقه فلم يجد لذا سأل مستفسرا:
وإيه علاقة ده بهادية و بناتها.

قال “منصور” وهو يأخذ من علبته لفافة تبغ:
علاقته إننا هنرجع حقنا، بس عافية و عايزينك معانا.

_طب أنتوا والناس هتفهم إنكم عايزين حقكم،
لكن أنا معاكم عايز إيه أنا مليش حق.
قالها “مهدي” منتظرا إجابة ترضي فضوله ولكن شعر أن القادم ليس إلا كارثة فعلية وهو يسمع “جابر” يقول بعد جرع المتبقي في كوب الشاي الخاص به:
مين قال كده؟… ليك حق ونص كمان.
صمت ثوان ثم استطرد بعيون لمعت بالشر:
نصران حاجز مرات أخوك وبناتها عنده ومرضيش يرجعهم معاك.

رمقه “مهدي” باندهاش وابتسم “منصور” فبادله ابنه الابتسامة وهو يسأل “مهدي”:
حلو كده؟

لم يدر بما يجيب، فقط حل صمته، يحاول أن يدرك ما يخططا له هذان بل والأدهى أنهما يريدا إقحامه معهما
وهو لا يعرف سوى أنه بالفعل في مأزق.

★***★***★***★***★***★***★***★

جلست مريم مع والدتها في المحل، كانت تراجع واجباتها للغد، شعرت بالبرودة فقالت لوالدتها:
ما يلا بقى يا ماما ندخل أنا سقعت.

نظرت ” هادية” للساعة التي دقت التاسعة وأردفت بقلق:
شهد اتأخرت أوي.

وضعت “مريم” القلم بالكتاب وأغلقته تسأل:
مش قولتي عندها تدريب؟

_تدريب ايه ده والساعة داخلة على تسعة ونص.
قالتها “هادية” بخوف ثم سألت ابنتها “مريم” … هذه الوحيدة التي لم تترك هاتفها في منزل عمها بل كان معها لحظة خروجهم:
مش معاكي رقم حد من اصحابها؟

أجابتها “مريم” بما لديها:
مش معايا غير رقم “ريم”… بس مفيش شبكة.

أخذت والدتها منها الهاتف وهي تحكم غطاء رأسها:
طب هاتي أنا هطلع أرن عليها من على الطريق،
استني ملك تيجي واقفلي واطلعوا.

خرجت والدتها وسط قلق ” مريم” من أن تكون شقيقتها قد ارتكبت حماقة اخرى، لم يمر إلا دقائق حتى وجدت شقيقتها “ملك” تأتي بصحبة “عيسى” وسمعت سؤالها:
فين ماما؟

تحدثت بما جعل القلق ينتقل لملك أيضا:
راحت ترن على “ريم” صاحبة “شهد” علشان “شهد” مرجعتش لحد دلوقتي.

_اقفلوا واطلعوا متقعدوش هنا لوحدكم وأنا هروح أشوفها.
قالها “عيسى” بنبرة آمرة وهو يتحرك مغادرا تاركا خلفه “ملك” و “مريم” والقلق ثالثهما.

كانت “هادية” قد قطعت مسافة جيدة مكنت الهاتف من التقاط الإشارة وقبل أن تجري اتصالها سمعت من يقول من خلفها:
خير يا مدام هادية في حاجة!

كان هذا “طاهر”، شعرت بالحرج فتابع هو:
أنا رايح مشوار فلقيتك واقفة قلقت يكون في مشكلة.

_مفيش حاجة يا أستاذ ” طاهر” روح مشوارك.
قالتها وهي تتصل بصديقة ابنتها، أخيرا سمعت الإجابة فقالت بلهفة:
ألو يا ريم… هي شهد معاكي.

لم تستطع سماع شيء سوى هذا الصخب فسألت بانزعاج:
ايه الصوت ده يا “ريم” ؟

أخيرا سكن الصوت نسبيا واستطاعت سماع صديقة ابنتها تقول:
طنط ممكن تبعتي حد ياخد “شهد”؟

هنا لم تحتمل ” هادية” فصاحت بذعر:
ياخدها منين، بنتي مالها؟

جذب “طاهر” الهاتف من هادية وتحدث هو:
في إيه يا أنسة؟

_مفيش حاجة حضرتك، احنا كنا في party وفجأة “شهد” هيبرت كده… Please متقولش لمامتها علشان ميحصلش مشكلة، احنا لسه هناك وهي مش ألذ حاجة يعني.
قالتها “ريم” تخبره بما حدث فسمعته يقول:
طب ابعتيلي ال location.

قالت “هادية” وقد أوشكت على الانهيار:
مالها “شهد” ؟

رأى “عيسى” قادما من بعيد فطلب منها برجاء:
بصي حضرتك “عيسى” جاي هناك أهو روحي معاه، و متقلقيش “شهد” تمام صاحبتها بتقول بس إن الوقت اتأخر و “شهد” مينفعش تروح لوحدها.

_طب اديهاني اكلمها.
قالتها بإصرار فرفض وركب سيارته مسرعا:
متقلقيش أنا رايح اجبهالك أهو وجاي علطول.

لم يترك لها هاتف ابنتها بل أخذه معه حتى لا تقول بالاتصال على الفتاة فتخبرها بما حدث، نظر إلى الموقع المُرسل فوجد المسافة ليست بعيدة عن هنا، ستستغرق نصف ساعة أو أقل.

مر الوقت الذي استغرق هو بسبب سرعته أقل منه، وكان يقف أمام الموقع الذي تم إرساله له، دخل متأملا المكان، إنه أقرب شيء لملهى ليلي… بحث عنها بعينيه بين الحاضرين وهو يجري اتصال بصديقتها التي أخبرتهم ولكن توقفت عيناه فجأة حين وقعت عليها من وسط الزحام، هي… نعم هي تقف على ساحة الرقص وتتراقص بطريقة هستيرية.

تحرك ناحيتها حتى وصل إلى مكانها بين هذا الزحام من الشباب والفتيات، نطق اسمها منبها ولكنها تابعت الرقص غير مهتمة، فقالت “ريم” وهي تتأمل هذا الذي لم تحك عنه “شهد” أبدا:
أنت قريبها؟

لم يجب بل تخطاها يجذب “شهد” من ذراعها قائلا بحدة:
امشي يا “شهد”.

نطقت بألم وهو ينتشلها من بينهم:
سيب ايدي بتوجعني… وبعدين أنت مين؟

نظرت لوجهه فضحت عاليا وهي تقول وقد ظهر عليها أثر ما شربت:
اه الكابتن… أنت مش رايح تتفسح بكرا ولا إيه؟

أحاطت هي ذراعه الآخر بيدها الحرة وهي تقول بإصرار:
تعالى نرقص يلا.

لم يعطها فرصة الوقوف بل أبعد يده وتابع سيره بها نحو الخارج وهو يجاري ما تقوله:
حاضر هنرقص بس يلا نخرج من هنا.

وقفت ” ريم” جوار “ميار” التي سألت بحقد:
مين ده؟

رفعت “ريم” كتفيها دلالة على عدم المعرفة وهي تقول:
بيقول إنه قريبها، بس شكله كداب… لو هو ده اللي ماشية معاه واطردت بسببه من بيت عمها زي ما علا بتقول يبقى يستاهل… الواد قمر الصراحة.

لم يعجب حديثها “ميار” التي قالت بضجر منزعجة:
طب امشي يا اختي… امشي شوفي باسم فين.

أدار سيارته بعد أن أنهكته لتدخل إلى السيارة، كانت تتحدث مع نفسها تارة وتوجه له الحديث تارة آخرى، لمحت باقة من الورود الحمراء في سيارته على المقعد الخلفي فقالت بانبهار وهي تجذبها:
ايه ده جايبلي ورد بجد.
مالت على الباقة تستنشق عبير الزهور ثم ارتفعت ضحكاتها وهي تقول:
تعرف إن الورد ده طعمه حلو أوي.

لم يستطع كبت ضحكته وهو ينطق:
ده أنتِ ضايعة خالص.

سمع رنين هاتفه، إنها “فريدة” زوجته السابقة التي كان على موعد معها منذ ساعة، ولم يحضر بل ولم يعتذر أيضا، أحضر لها باقة الزهور ولكنها الآن بين يدي “شهد”

ضغط على زر الإجابة فسمعها تقول بانزعاج:
أنت فين يا “طاهر”… أنا بقالي ساعة مستنياك.

_فريدة أنا أسف بس حقيقي حصلت ظروف ومش هعرف ا…
لم يكمل حديثه بسبب مقاطعة شهد له وهي تقول باستنكار:
حرام مجبتهاش معاك ليه فريدة دي… هاتها هاتها.

استشاطت ” فريدة” غضبا وظهر ذلك في صوتها حين قالت:
مين دي يا “طاهر”؟

أغمض عينيه يود لو أخرجه أحدهم من مأزقه هذا، حاول إصلاح الموقف بقوله:
أصل ” شهد”… بصي هو لما أقابلك هفهمك.
لم تنتظر البقية أغلقت الهاتف في وجهه فنظر للجالسة جواره سائلا بغيظ:
عاجبك كده؟

هزت رأسها بالتأكيد، وأخرجت وردة واقتربت تضعها خلف أذنه وهي تنطق من وسط ضحكاتها:
كده أحلى.

أزال ما وضعته وهو يسألها:
أنتِ شاربة إيه بالظبط يا “شهد”؟

قالت ببراءة وهي تنظر من الزجاج المفتوح جوارها:
برتقال.

هنا ضحك بشدة معترضا على اجابتها:
كدابة، بقى الدماغ دي دماغ برتقال برضو.

كررت وهي تضحك إثر ضحكاته:
طب والله برتقال.

توقف بسيارته أمام منزل والدتها، أشارت نحو المنزل وصفقت بحماس قائلة:
إيه ده بيتنا أهو.

نزل من السيارة مؤكدا:
اه بيتكم أهو انزلي يلا.

هزت رأسها رافضة وهي تقول:
لا مليش مزاج أنا هنا مرتاحة أكتر.

فتح باب سيارته وجذبها لتنزل وهو يقول ضاحكا:
انزلي بس وهبقى أخدك لفة بيها بكرا.

شهقت واستدارت نحو السيارة وهي تقول بلهفة:
الورد.

تحرك ناحية سيارته يأتي بباقة الورود لها، تذكر أنها كانت لفريدة في بداية الأمر فابتسم هامسا:
صحيح تبقى ليك وتتكتب لغيرك.

أعطاها الزهور فاحتضنتها وسارت في الجهة الاخرى فجذبها قائلا بغيظ:
يابنتي اتهدي بقى راحة فين.

لم يكمل حديثه إذ وجد والدتها أمامه، لم تكن نظرات بل كانت نيران مشتعلة متجهة من عينيها نحو ابنتها لذا قال يحاول تهدئة الوضع:
هي كانت مع واحدة صاحبتها بيشربوا حاجة، وطلبت مشروب بس شكلها مكانتش تعرف إن فيه نسبة كحول فحصلها كده.

لم يجد سوى هذه الكذبة حتى لا تفعل بها والدتها شيء على الأقل حتى الصباح، هذه الشيطانة جعلته يقف كطفل صغير أمام والدتها يفتعل الأكاذيب حتى تسامح، أعادته مراهق صغير يفكر في العقاب المتوقع بعد فعلته الحمقاء.

شكرته “هادية” وهي تجذبها من ذراعها متجهة بها نحو المنزل، ألقى “طاهر” عليها نظرة أخيرة وتحرك مغادرا فاستدارت تصيح بنبرة عالية والضحكة تزين وجهها:
سلام يا كابتن.

لم يستطع كبت ابتسامته وهو يعود إلى السيارة في حين كانت تحركها والدتها بعنف نحو الأعلى، لم تكمل السير فقد سمعت “طاهر” يقول:
التليفون يا مدام هادية أسف من اللي حصل نسيته معايا.

أخذته منه وهي تقول بامتنان:
احنا اللي أسفين ليك، عطلناك عن مشوارك وتعبتك معانا.

أخبرها بأنه لم تحدث مشكلة وساعدها في إدخال “شهد” إلى المنزل ثم نزل مغادرا، وهو يتوقع كيف ستراه هذه السيدة بعد أن يعود الوعي لابنتها و تصرح بأنها كانت في حفل فيظهر كذبه.

أدار سيارته واتجه نحو المنزل و لم يفارقه ما حدث منذ قليل أبدا.

★***★***★***★***★***★***★***★

في منزل “نصران”
عاد “عيسى” للتو من الخارج فوجد ابن شقيقه يجلس وحيدا في الردهة فسأله:
قاعد لوحدك ليه يا “يزيد” ؟

برر له الصغير الذي ظهر على وجهه جليا علامات الإرهاق:
عايز أنام بس مستني بابا، رفيدة نزلت السكن وأنا كنت بنام معاها، وتيتا قاعدة مع جدو نصران في المكتب، وعمو حسن بيشغل حاجات صوتها عالي أوي.

حاوط كفه الصغير بيده وهو يقول مقترحا:
إيه رأيك تنام معايا؟

حرك الصغير ذراعيه على الجانبين وهو يقول بحماس:
هبقى مبسوط قد كده.

مسح “عيسى” على خصلاته ناطقا:
إيه الفرح ده كله، دي أوضتي مش ديزني لاند.

_أنا هقولك سر.
قالها الصغير بنبرة منخفضة و كأن ما لديه هو أحد أسرار الدولة فتجاوب معه “عيسى” حتى يقول ما لديه فسمعه ينطق:
أنا بشرب ال pubble tea اللي في التلاجة كل يوم، وتيتا بتزعقلي بس أنا بشربه من وراها.
تابع الصغير يخبره بما لديه:
أنا وعمو فريد كنا بنشربه سوا علطول، ولما هو مشي ورفيدة كانت زعلانة قولتلها متزعلش علشان أنت موجود شبهه بالظبط.

لو أن العالم نقي كهذا الطفل لصار جنة، يصرح بما لديه ببراءة، زجاجة عصير تمثل له سر حربي يجب أن يخفيه، وحبه ظاهر للجميع دون خجل.

أثنى “عيسى” على تصرفه وهما يدخلان إلى غرفته،
اتخذ “يزيد” موضعه في الفراش وتدثر جيدا، مال “عيسى” على البراد يخرج له زجاجة من الشاي المثلج وهو يقول:
طالما بتحبه بقى خد دي اشربها بس سيبها تبرد شوية.
وأنا هغير هدومي وأجيلك.

وافق الصغير ضاحكا واتجه “عيسى” إلى المرحاض حاملا ملابسه معه.

★***★***★***★***★***★***★***★

في نفس التوقيت

في منزل “هادية”
نامت “شهد” بتعب على الفراش جوار “مريم”، نامت بمجرد أن وقعت عيناها على فراش، هرولت نحوه وتمددت عليه، كانت ” مريم” تعلم أن ما ينتظر شقيقتها صباحا ليس بيسير خاصة مع حالتها هذه…. أما “ملك” فكُتِب لها اليوم أن تشاركها والدتها في الغرفة، لم تقبل “هادية” النوم على الفراش واختارت الأرضية، ظنت كل منهما أن الاخرى قد نامت ولكن سمعت هادية خطوات ابنتها التي تركت الفراش ونزلت تتمدد بجوارها وهي تقول بعيون دامعة:
أنا تعبانة أوي يا ماما.

فتحت هادية ذراعيها لها فوضعت “ملك” رأسها على ذراع والدتها و احتضنتها متشبثة بها وكأنه الملاذ الأخير، ذرفت “هادية” الدموع إنها العادة اليومية لابنتها… البكاء قبل النوم يتبعه الصراخ أثناء النوم ثم الاستيقاظ بفزع وأنفاس لاهثة، تعلم أن ما يجهدها أكثر من الفقدان هو ما تداريه، ربتت على كتف ابنتها تقول واعدة بصدق:
وعد مني يا “ملك” هعمل كل اللي اقدر عليه علشان أجيب الصور اللي عند “شاكر” دي وأتأكد إنها غارت في داهية، وساعتها هنقولهم على اللي عمل كده
استطردت بألم:
لكن أنا دلوقتي مقدرش أعمل كده، “شاكر” ده شيطانه سايقة وما اضمنش اللي ممكن يعمله ويأذينا بيه.

حتى لو كان وعد غير صادق، حتى لو كان ضعيف ولكنه طمأنها فشعرت بالراحة والنوم يغزو حصونها هنا بين يدي أمها الغالية.

في نفس التوقيت
في غرفة “مريم”
كانت “مريم” ممددة على الأرضية تنظر للرسالة المرسلة على تطبيق التواصل (messenger)، إنه “حسن” ، لم تنكر رغبتها في الإجابة… مطارداته لها لا تتوقف، ودت لو عرفت سبب هذا، لذا حين وجدت رسالة منه أخذ فضولها يدفعها أن تسأله عن سبب ما يفعله، فتحت محادثته لتجد منه رسالة:
مريم، أنا حسن نصران.

بدأت في الكتابة بتخبط، كان سؤال أرادت أن تسأله وهو:
أهلا يا “حسن”… ممكن أعرف ليه بتعمل كل ده يعني؟

_بصي أنا هحكيلك بس توعديني انك مش هتحكي اللي هقوله ده لحد.
هنا وصل فضولها إلى الذروة فأخبرته أنها لن تخبر أحدهم وانتظرت على أحر من الجمر رسالته الآتية لها
ولم يطل انتظارها كثيرا حين وجدته قد أرسل:
أنا في فنون جميلة، أول ما دخلت الكلية كان معايا بنت اسمها جميلة كنا بنحب بعض واتفقت معاها اننا هنتجوز، وقضيت معاها أكتر وقت حلو في حياتي، كنت مبسوط جدا وفرحتي دي كانت بتخليني أنجز في دراستي وفي الرسم اللي أنا بحبه أوي.

توقعت نهاية حزينة لهذه القصة المليئة بالسعادة فسألته باستفسار:
وسابتك؟

_ماتت.
كان هذا جوابه باختصار فشعرت بالشفقة حياله، وزاد هذا الشعور حين قرأت باقي ما أرسله:
عملت حادثة هي وأهلها وماتوا فيها، من بعدها بقيت باخد السنة في الكلية في سنتين، وأحوالي مبقتش عاجبة أي حد عموما بس أنا عاجب نفسي، معرفش هتصدقيني ولا لا بس أنا حقيقي لما سمعت صوتك أول يوم اتقابلنا حسيت إن ده صوتها.

لم تدر ماذا تقول، هل تواسيه أم ماذا تفعل، ولكن اتسعت ابتسامتها وهي تراه قد أرسل صورة بها فتاة مرسومة ترفع رأسها بكبرياء مغادرة وتترك خلفها شاب ينظر في أثرها ولم يبن من ملامح وجه الفتاة أي شيء …. أرفق مع الصورة قوله:
أنا رسمتلك الصورة دي، هي شبه الموقف لما قابلتك في المحل عندكم و سبتيني و مشيتي.

وضعت يدها على فمها تكتم ضحكاتها وهي تفتح الصورة وتقوم بتكبيرها لترى تفاصيلها واسمه الذي أمضى به أسفلها، كان بريق عينيها مختلفا، كان شعورها في هذه اللحظة تحديدا هو الفرح… الفرح والخجل ولا يخالطهما أي خصم آخر.

★***★***★***★***★***★***★***★

خرج للتو من المرحاض فوجد “يزيد” يغط في نوم عميق بعد أنهى زجاجته، ابتسم وهو يلقي بالزجاجة في سلة المهملات، واتجه ناحية هاتفه حين سمع رنين هاتفه المميز، فتحه ليجد عدد من المكالمات كان مصدرها هو
“باسم عراقي” بل ورسالة نصية منه أيضا:
مساء الخير يا “عيسى” اتصلت بيك كتير لكن شكلك نايم… لما تصحى كلمني عندي ليك deal يجنن حاجة تخصك قصاد حاجة تهمني وصدقني أنت اللي هتطلع في الآخر كسبان.

انكمش حاجبيه باستغراب أي شيء يخصه يوجد لدى هذا الشخص! ، كان سيجري اتصال به ولكن سمع “تيسير” تدق على الباب وتقول بهدوء:
أستاذ “عيسى” لو لسه صاحي الحاج نصران عايزك تحت في مكتبه.

لم يعدل من وضع خصلاته المبعثرة والتي مازالت تقطر ماء بل تركها وتحرك للأسفل وعلى وجهه ابتسامة سببها أنه يعلم أن “سهام” عند والده في المكتب، دقائق وكان داخل مكتب والده، “سهام” تقف بتحدٍ واضح، و والده يجلس على مقعده ويسأل بهدوء:
أنت جبت “ملك” هنا النهاردة يا “عيسى”؟

هز ” عيسى” رأسه فسأله والده عن السبب ليسمع إجابته:
قالت إنها حابة تشوف أوضة “فريد” فجبتها.

سأل والده هذه المرة بعينين ضيقتين وكان سؤاله ملتوي:
أنت عارف إن “ملك” كان بيحبها أخوك صح؟

ابتسم “عيسى” و أشار لزوجة والده طالبا:
هاتيلي pubble tea من التلاجة.

_رد عليا.
قالها “نصران” بحدة لم يقابلها “عيسى” إلا بكل هدوء وهو يحضر لنفسه قائلا:
اه عارف، زي ما عارف بالظبط إن مدام “سهام” كانت مرات عمي.

هنا ترك والده مقعده وتحرك ناحيته يقف أمامه وهو يسأل:
أنت عرضت على “ملك” الجواز؟

ستحاول بكل الطرق إبعادها، هو يعلم، انتظرت رحيلهما وأسرعت لوالده تدس السموم داخل رأسه بأن إبنه يحب من أحبها شقيقه الراحل، ويجب ردعه عن ذلك
هو أراد ذلك، أراد أن يجعل لها ما شاءت ليقلب الموازين رأسا على عقب.

رفع “عيسى” حاجبيه ناطقا بدهشة:
جواز!… مين اللي قال الكلام الغريب ده؟

_يعني معرضتش عليها؟
سأله “نصران” بإلحاح فقال عيسى باسمًا:
أنتِ عايزني أتجوزها ولا إيه؟

أدرك “نصران” مراوغة ابنه فقال بنفس طريقته:
أنت إيه رأيك فيها؟

رفع “عيسى” الزجاجة إلى فمه يشرب باستمتاع ثم أنزلها متحدثا:
معاشرتهاش شخصيا علشان أكون رأي عنها، لكن لو تقصد شكليا فهي مش وحشة بس عندها ميزة أهم من الجمال فيها حاجة attractive.

أسرعت “سهام” تشرح لوالده، ترغب في أن يصله ما أرادت:
يقصد إنها جذابة.

_يعني معجب بيها!
قالها “نصران” لابنه الذي أجاب مراوغا:
هو علشان قولت فيها حاجة attractive أبقى معجب بيها، استطرد يسأل ضاحكا:
قولي يا بابا أنت لما حبيت ماما كان علشان فيها حاجة جذابة؟

قال نصران وهو يمسح على صورة زوجته الموضوعة على المكتب:
أمك كانت ست الستات كلهم.

ضحك “عيسى” وهو ينظر لسهام ثم قال حينما عادت أنظار والده له:
وأنا مش هتجوز غير الواحدة اللي لما أتسأل عنها أجاوب نفس إجابتك دي ست الستات كلهم.

اقترب “نصران” من ابنه ووقف في مواجهته ولأول مرة منذ بداية هذه الجلسة يبتسم وهو يقول:
اختياري مكانش غلط يا “عيسى” .

وقعت الجملة على أذن “سهام” وأخذت تجمعها قطعة، قطعة كلعب الألغاز لتصل في النهاية إلى إجابة مرضية ولكن قطع ذلك قدوم شخص يريد مقابلة “نصران” للتو.
استغرب ثلاثتهم من قدوم أحد في هذا التوقيت ولكن “نصران” سمح له بالدخول ليجده أحد رجاله والذي كان يحاول التقاط أنفاسه قبل أن يخبرهم بقنبلته:
الأرض اللي لقوا عندها أستاذ “فريد” الله يرحمه،
لقوا البيت المهجور اللي جنبها النار ماسكة فيه وبيولع.

تبادلوا النظرات، هل قال نار حقا… من ٱشعل النار في المكان الذي شهد أسوء حدث مر في تاريخهم
لم تكن سوى نظرات مصدومة لا يصاحبها إلا الاندهاش.

هي من طلبت وجودها، طلبت الأخشاب النار… رفضت كثيرا، واعترضت أكثر، ولكن مع إصرارها آتت….
آتت لتحرقها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى