رواية يناديها عائش الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء التاسع والثلاثون
رواية يناديها عائش البارت التاسع والثلاثون
رواية يناديها عائش الحلقة التاسعة والثلاثون
وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ
جاءت محاسنه بألفِ شفيعٍ.( لقائلها)
*********
أصابها الدوار من الصدمة التي حلت بها؛ بسبب هول كلامه و تغيره المفاجئ معها، أخذ صدرها يعلو ويهبط بسرعة وعيونها ترغرغت بالدموع، فرجعت للوراء بضع خطوات وهي ترمقه بحسرة و بخوف مُتذكرة تهديده و وعيده لها في ذلك اليوم المشؤوم..
أبت قدميها أن تحملها فنزلت الدموع من عينيها وكادت أن تسقط أرضًا لولا أن بدر كان منتبهًا لها فالتقطها سريعًا بين ذراعيه هاتفًا بلهفة وخوف
“عائــــش !”
ظلا يتبادلان النظرات للحظات، استوعبت عائشة الأمر ودفعته في صدره مبتعدة عنه لتقول بانهيار باكية
–أنت كذبت عليا.. خدعتني يا بدر.. كان ممكن تنتقم مني بأي طريقة تانية.. ليه خلتني أحبك الأول ؟ يعني.. يعني بعد ما بقيت أحس معاك بالأمان والحنان اللي مشفتهومش من حد في عيلتنا ولا حتى أبويا وأمي.. تيجي أنت بكل سهولة تهدم كل ده ! عشان.. عشان ترد كرامتك ؟
هو ده انتقامك مني يا بدر ؟؟ أنك تعيشني في أوهام وفي لمح البصر كل ده يتبخر ؟؟
وقف بدر يطالعها مذهولًا، لم يكن يدرك أن المزاح سيصل لتلك الدرجة التي جعلتها تبكي منهارة هكذا.. تقدم نحوها ليرفع كفيه نحو وجهها يحتويه وقبل أن تمسسها يده.. ابتعدت صارخة في وجه
“متلمسنيش… ابعد.. ابعد عني يابـدر.. ويلا.. روحني وحالًا”
–عائش… اهدي و…
قالها بندم، فزجرته بغضب
“روحني قولتلك..”
صمت عمّ الغرفة للحظات ندم فيهم ندمًا شديدًا على تلك المزحة السخيفة التي حتمًا ستجعلهم يعودوا لنقطة الصفر ثانيةً بعد أن اعترفت بحبها له واستقرت أمورهم نوعًا ما.
ضاق صدرها وازداد غضبها عندما وجدته يقف صامتًا هكذا فقالت مُصرة وهي تشرع في ارتداء ملابس الخروج
–أنا غلطانة إني وثقت فيك
اقترب بدر منها و أخذها من يدها برفق؛ ليجلسها قائلًا
— ممكن تهدي وتسمعيني ؟
احتقن وجهها وكادت أن تتحدث ولكنه وضع سبابته على شفتيها ليقول بهدوء
–أنا عملت التمثيلية دي عشان اشوف ردة فعلك ايه.. والله كنت بهزر معاكِ مش أكتر
–تمثيلية !
أومأ وهو يجاهد ألا يضحك؛ حتى لا يزيدها غضبًا فهبت واقفة لتهتف منفعلة كالعاصفة
“أنت بتهزر يا بدر !!”
–أنا فعلًا والله بهزر
شعرت لوهلة بأنها ستصاب بنوبة من الجنون، فانفلتت أعصابها وخرجت من دائرة المعقول لتصيح في تشنج
“أنت ناوي تجنني !!.. أنت مسمي ده هزار !!!
توقعلي قلبي وتقولي بهزر !!
أنت أتجننت في عقلك..؟! أنا عايزه أروح.. روحني لو سمحت”
ضحك بخفة رغمًا عنه واحاطها بحنو في محاولة منه لتهدئتها فقال باسمًا
— صدقيني لو اعرف انك عبيطة و ممكن تصدقي بسهولة كده إن ءأذيك أو أضحك عليكِ ما كنتش عملت كده.. أنا معترف إن هزاري تقيل و بعتذر و أتمنى تقبلي اعتذاري.. بس هو أنتِ بجد صدقتي إن ممكن أعمل كده ؟
هدأت أوداجها قليلًا و قالت بصوت بدا عليه الإستياء
–بلاش هزار سخيف من النوع ده تاني.. ممكن ؟
أومأ آسفًا
–حاضر حقك عليا.. بس مجاوبتنيش برضه !
تنهدت قبل أن تردف
–أنا عارفة إنك بتحبني.. بس اللي حصل ميتنساش بسهولة.. لا أنا ولا أنت هنقدر ننسى يا بدر
–تقصدي ايه ؟
— أنت فاهم قصدي كويس.. اليوم اللي احنا الاتنين بنتمنى ينمحي من ذاكرتنا..
تأملها للحظات دون إجابة، يعلم أن ما تقوله صحيح.. ما حدث لا يُنسى بسهولة، لقد تركت تلك الليلة شرخًا في قلبه وعلى الرغم من ذلك يحاول جاهدًا أن يجعل السكينة تربو في علاقتهما، يحاول أن يمحي الماضي ولا يجعله يؤثر عليهما، ذلك اليوم بالذات تتفاقم أحداثه في الذاكرة كأنه وليد أمس ورغم أن بدر طليق اللسان، إلا أنه عاجز تمامًا أن يعبر عن حالة الألم التي يشعر بها كلما تذكر وجودها مع أمير في تلك الفيلا اللعينة، نعم يعلم أنها كانت ساذجة جدًا لتصدق هذا الأبلة ولكنها أيضًا ارتكبت جُرمًا في حق نفسها باستسلامها للكلام المعسول دون تفكير أنه من الممكن تلاعبه بمشاعرها وما كان يخشاه بدر قد حدث، ولولا كرم الله لكان حدث لها ما حدث على يد هؤلاء الشُبان الحثالة.
وبصرف النظر عن كل شيء فهو حاول مرارًا أن يقتلعها من قلبه وكالعادة تبوء كل محاولاته بالفشل، لقد تخطى معها مرحلة الحُب أصبحت حياته بالقُرب من عائشة كالشجرة الخضراء اليافعة والبعد عنها يجعل قلبه ذابل سقيم.
أغمض عينيه متنهدًا بضعف ثم قال وهو يقترب منها حتى انمحت المسافة بينهما
“حبي ليكِ حقيقي.. حُب صادق هقدر أمحي بيه الماضي كله.. بس محتاج مساعدتك”
همست بضعف مماثل
–عايزني أعمل ايه يعني ؟
–مش عاوز غير إنك تحبيني من قلبك
–أنا بحبك فعلًا يا بدر
هز رأسه بنفي و بدت على ملامحه الإنطفاء ليقول
–أنا مش ساذج يا عائش عشان أصدق إنك حبتيني بالسهولة دي ومن كام يوم مكنتيش طايقاني.. أنتِ حبيتي اهتمام بدر.. حنية بدر.. حبيتي تعلقي و احتوائي لكن محبتيش بدر
رمقته بنظرات حائرة، فتابع وهو يمسك يديها يبث فيهما الطمأنينة
“عايزك تحبيني أنا.. لو جيت في يوم تجردت من الاهتمام والحنية وتحولت لشخص صارم..قاسي.. ما تبعديش عني أنا متأكد إن عمري ما هبطل أحبك.. بس مش متأكد من ثباتي، بحاول مخسرش نفسي.. أنا وزعت كل الطاقة اللي عندي وما بقاش ليا جزء حتى صغير يخليني اقاوم الهزيمة.. أنا مستقوي بيكِ.. وجودك جنبي اللي مصبرني على قساوة الدنيا.. أنا وزعت نص الحُب على أهلي والنص التاني بحبك بيه أو تقدري تقولي بحبك أضعاف فوق ما تتخيلي.. ربنا وحده اللي عالم مقدار حُبي ليكِ.. فمتبقاش لنفسي جزء صغير حتى أحبني بيه.. عايزك تقفي جنبي تساعديني أستعيد نفسي اللي خسرتها مع المشاكل اللي فاتت.. معاكِ هقدر أعدي أي حاجة صعبة.. أنا متأكد من كده.. بس محتاج لده يحبني
” قال جملته الأخيرة وهو يشير لقلبها، ثم أدمعت عيناه رغمًا عنه ليكمل كلامه بوهن”
–الحُب هو إن ألاقيكِ جنبي في أصعب الأوقات.. إن أكون متمرمط و طالع عيني و كلمة حلوة منك تقويني.. الحُب هو إنك تسنديني وقت ما أتعثر و أقع.. الحُب إنك تفهميني من غير ما أتكلم، و تسمعيني لما أكون مهموم.. إنك تعامليني كطفل محتاج لحضن أم يطمنه ودفء أبوي يحتويه.. هو ده الحُب اللي بطلبه منك يا عائش.. مش عاوزك تحبيني كوني بفرحك بهدية أو براضيكِ بخروجة.. مش عاوز حُبك ليا يكون بسبب.. عاوزك تحبيني لذاتي..
سقطت من عينيه دمعة بعد أن أنهى كلامه، فمسحتها له عائشة ثم عانقته بقوة يتخللها الحُب، كان عناقها له يجمع بين شعور الندم والأسف على كل ما اقترفته في حقه، بادلها العناق برفق تاركًا لدموعه الانهمار و كل قطرة من أدمعه تنطق بالعشق لها، يستاء من افعالها و في نفس الوقت لا حول ولا قوة له إذا وقعت عيناه عليها..
عندما عانقته شعر بأن قلبه تم انعاشه من جديد ليحيا حياة جديدة معها متناسيًا كل ما مضى متغاضيًا عن جميع أخطائها ، هذا هو العناق الذي تمنى دومًا أن يحظى به منها، عناقٍ يساوي ألف حياة، يشعره بالدفء و الإحتواء اللذان لطالما افتقدهما منذ أن صوبت الحياة سهام الصعاب عليه.
ابتعدت عنه قليلًا وأخذت تمسح له دموعهِ وهي تقول بابتسامة حنونة
— تعرف.. لو الزمن رجع بيا كنت هفكر ألف مرة قبل ما أقولك كلمة تجرحك.. أنت تستاهل حياة جميلة
قاطعها بابتسامة مماثلة
–حياتي هتحلو بوجودك فيها.. بس خليكِ معايا
–أوعدك إني هفضل معاكِ لآخر عمري
قالتها و عاودت معانقته وهي تقول برقة
–أنت عندك حق في كل اللي قولته.. أنا فعلًا بحب اهتمامك بيا..اديني فرصة ابادلك الاهتمام ده.. اديني فرصة أحبك بجد
لاحت على ثغره ابتسامة جميلة و أجاب بلهجة حانية وهو يشدد من ضمها له
–معاكِ ألف فرصة.. بس اوعي تملي مني وتفكري في يوم تبعدي عني.. إن شاء الله حياتنا هتتصلح واحنا مع بعض و هتبقي مراتي شرعًا مش على الورق بس
ابتعدت عنه تمامًا لتقول بخجل بدا على محياها
–خلي كل حاجة لوقتها
–أنا مش مستعجل خالص.. المهم عندي علاقتنا تبقى أقوى و أحسن من كده
أومأت مبتسمة وهتفت في محاولة منها لتغيير مجرى الحديث
–مش هناكل بقى.. أنا ميته من الجوع
نظر في ساعة يده فوجدها على الخامسة والنصف صباحًا، شرع في تبديل باقي ملابسه وهو يقول
–هغير واطلب الفطار وبعدين نكمل نوم لأني بصراحة شوية وهقع من طولي
أومأت بموافقة وقفزت على الفراش لتدثر نفسها تحت الغطاء حتى ينتهي من تبديل ملابسه، فضحك بخفة على فعلتها تلك وبعد أن بدل ملابسه.. هاتف أحد النُدُل بالفندق و أخبره أن يحضر لهم الإفطـار، وبعد نصف ساعة آتى النادل بمنضدة لها عجلات أُعدت بأصناف الطعام المطلوبة.. أخذها بدر منه بعد أن شكره وبدأ في تناول الطعام بمشاركة عائشة التي بدا النعاس على أهدابها فأخذت تتثاءب بكثرة وهي تأكل وتفتح عينيها بصعوبة، حتى أن بدر تملك منه النعاس هو الآخر فلم يستطيعان اكمال طعامها و استسلما للنوم جنبًا إلى جنب.
_____________♡
تجلس وحيدة شاردة فيما فعلته في حق أبناء عمها، تفوح منها رائحة الحقد والكراهية لهم وفي نفس الوقت تكاد تعض على أناملها من الندم بشأن الجُرم الذي ارتكبته، ولكن اليوم لا ينفع الندم.
الجميع باتوا يعرفون بوقاحتها مع عائلتها.. ثوب المثالية التي كانت ترتديه تمزق بفعلتها وأصبحت شيء مقزز في أعين العائلة، بدأوا جميعًا في تجاهلها، لا أحد يهتم لوجودها وكأنها غير مرئية، لم يُعرها أحد أي اهتمام.. كلهم يتجاهلونها.. لا أحد يبالي إذا أكلت أو نامت أم لا.. أصبح وجودها غير مرحب به من أفراد العائلة.
أخذت تلوم نفسها على كل ما فعلته و اعترفت أخيرًا أنها سيئة الطباع وإن لم تسعى لتغيير نفسها وغسل قلبها من الحقد، ستظل في غرفتها وحيدة للأبد وفوق خسارتها الجميع ستخسر احترامها لذاتها.
حان الوقت لأن تتضور لحياة جديدة، لحياة خالية من شوائب الكُره أو بغض للآخرين، لبداية جديدة ونقية مع الله تصحبها عبادة خالصة من القلب بعيدة كل البعد عن الرياء و النفاق وتصنع المثالية.
و بسبب المعاملة الجافة التي تتلقاها من عائلتها انطفأت ملامحها و بُهت وجهها من فرط الحزن على حالها و ما جنته من وراء أفعالها الخبيثة.
بكت في صمت وهي تسترجع ما فعلته على مدار حياتها فوجدت أنها لم تحظى سوا بالكُره من الناس والنفور منها.. سمعت صوت الآذان فمسحت دموعها و نهضت لتتوضأ وتصلي عسى أن يكفر الله عن أخطائها.
فتحت الباب ببطء حتى لا تُشعر أحد بوجودها ثم خرجت باتجاه المرحاض تمشي بحذر.. توضأت وخرجت لتأخذ سجادة الصلاة والمصحف وتتجه لحديقة المنزل بعد أن عزمت النية بالجلوس في مكان تحفه الأزهار و يغمره النسيم بعيدًا عن ضجيج الحياة.. في تلك اللحظة التي خطت قدماها الدرج المتصل بالفناء تعثرت في طرف اسدالها وقبل أن تسقط لحق بها ابن عمها أُبي والذي كان في طريقه للحديث مع والده وعمه حول موعد انتقالهم لمنزلهم بعد تجهيزه .. أسندها “أُبي” بذراعيه ليقول
— نورا أنتِ كويسة ؟
أومأت وهي تبتعد عنه وتخفض رأسها بخجل حتى توارت خلف شجرة وأخذت تتنفس الصعداء وقلبها يتسارع نبضاته بشدة.
تابع (أُبي) طريقه للداخل فوجد والده وعمه يتبادلان أطراف الحديث أمام التلفاز.. ألقى عليهم التحية و قال
–البيت بقى جاهز.. عايزين نشوف يوم مناسب بقى ننقل فيه
أردف والده
–بكره المغرب بإذن الله
فكر أُبي للحظات ثم قال
–للأسف مش هينفع بكره خالص.. لسه بجهز في الشركة يتاعتي الجديدة عشان الافتتاح بإذن الله ولسه هشوف الناس اللي هتشتغل معايا وكده.. فـ استنوا افضي نفسي يوم عشان اقف مع الناس اللي هتنقل الحاجة
رد عمه مصطفى
–طيب ما تشوف أنت شغلك وزياد وبدر يبقوا يقفوا مع عمهم
–لأ.. كل واحد عنده شغله فمش هعطلهم عشان ينقلوا معانا عزال.. لو وقفوا معانا يبقى كرم منهم مش فرض يعني
–ماشي يابني الله المستعان
__________________♡
“مَا ترفضَه مِّن حَرام، يَرد الله لَك أضَعاف بالحَلال.”
******
صدحت قهقهات سيف و والدته على ذاك الساذج “قصي” وهو يتصنع الحزن و التأثر على ما أخبره به صديقه، بدت قسمات وجه مضحكة جدًا وهو يلوي شفتاه بعدم رضا كالأطفال مردفًا
” أي وحده فيهم اتخطبت ؟ ”
رد صديقه بدهشة
–شو يعني أي وحده قصي !
–يا سطا أنا هفتكر مين ولا مين.. كلهم أجمد من بعض
–فهمت عليك.. أنت ما بيفرق معك مظبوط حكي؟
–بصراحة يا ماجد بنات مصر يحلو من على حبل المشنقة
رمقه سيف بطرف عينيه مشمئزًا من حديثه فأنهى قصي المكالمة سريعًا وهو يتصنع الخوف من نظرات سيف
— طب س س سلام دلوقت يا ماجد
قالت عمته مفيدة ضاحكة
— أنا شايفه إن الجواز أحسنلك يا قصي
شهق سيف معترضًا
— ده يتجوز !! ده بتاع نسوان
وضع قصي يده على صدره ليقول ببراءة
— أنا يابني !..
–أيوه أنت.. ده أنت مفيش واحدة عدت عليك غير اما عاكستها أو كلت بعقلها حلاوة و خدت رقمها
نهض قصي من على مائدة الطعام وهو يصيح بغضب مزيف
–هو عشان حنين وبحب كل البنات وقلبي بيحتوي بدل العشرة ألف.. ابقى بتاع نسوان !!
ياخي ملعون أبو الظلم
رمقه سيف باستنكار بينما قصي وهو يهذي بالكلام المضحك وقعت عينيه على طبق البطاطس الذي لم يكن قد أكل منه بعد.. فجلس مكانه ثانيةً وهو يلتهم البطاطس بشراهة
— مش تقولوا إني في بطاطس
هتف سيف وهو يلحق آخر ما تبقى من الطبق
–أنت كنت عايش في مجاعة.. سيبلي شوية يالاه
— أنت مين.. أنا أعرفك ؟
تأملتهم مفيدة باسمة متنهدة بارتياح كلما رأت سيف يعود لطبيعته المرحة تدريجيًا والفضل يعود لابن عمه المشاغب.
(في غرفة هاجر)
يجلس زياد قبالتها ويضع الطعام في فمها كأنه يطعم طفل تحت الرفض والتذمر من هاجر المستمر قائلة
“زياد أنا مش صغيرة.. سيبني أكل لوحدي”
“لما أبقى مش موجود ابقي كُلِي لوحدك”
قالها وهو يطعمها برفق والابتسامة الحنونة و العاشقة لا تفارق فمه.
بعد أن انتهين من الطعام قالت بعيون حائرة
— أنا بفكر ءأجل السنة دي.. أنا مش مستعدة للامتحانات
قطب زياد جبينه ليقول
–هو ايه حكاية التأجيل دي.. أنتِ عاوزه تأجلي وسيف عاوز يأجل.. هتخلوا التعب يأثر على مستقبلكم ويهزمكم وتضيعوا سنة من حياتكم ؟
–زياد.. أنا حقيقي مش مستعدة للامتحانات.. نفسيتي مش مرتاحة اليومين دول.. خاصة إننا بنجهز لفرحنا و الترتيبات اللي قبل الفرح دي بيبقى فيها توتر وبتحتاج وقت و مجهود
–جبتي بدلة الرقص ؟
سألها بعفوية ومن عينيه انبعث بريق من الحماس.. فأجابت مندهشة
“نعم !”
أعاد السؤال بحماس زائد
–بدلة الرقص.. جبتيها ؟
–لمين ؟
–ليا.. هعتزل المحاماة و اشتغل رقاصة.. مالك يا هاجر.. أكيد ليكِ يعني.. اومال اجيب واحدة من الشارع تدلعني !
رفعت حاجبيها بدهشة من جراءته و قالت
–زياد.. تسمحلي اقولك إنك قليل الأدب
— منا لو مكنتش جريء مع مراتي علاقتنا مش هتعمر
— أنت بتقول ايه ؟؟؟
–بقول الحقيقة.. أي واحدة تحب جوزها قليل الأدب بس مستحيل تطلب منه ده.. زي ما أنتِ كده من جواكِ هتطيري من الفرحة لما بتغزل فيكِ بس متقدريش تظهري ده عشان هرمون الحياء عندك واخد حقه وزيادة
تأملته هاجر للحظات وهي ترمش بـ أهدابها غير مصدقة ما يقوله رغم أنه يقول الحقيقة التي تحاول أي امرأة خجولة اظهار عدم الاهتمام بها.
حاول زياد تغيير الموضوع عندما رأى وجهها تخضب بلون الدماء من فرط الخجل فقال
–حلو المحشي ده.. اللي جواه ده رز صح ؟
–لا مكرونة.. كُل يا زياد
–هتحضري امتحاناتك اتفقنا ؟
–ربنا يسهل
انتهين من الطعام ونهض زياد قبلها ليحمل الصينية بدلًا منها قائلًا
–خليكِ أنتِ و متخرجيش لحد ما اخد قصي ونمشي
–ليه ؟
–عشان الواد ده عينه زايغة
–قصي طيب والله
قالتها بقصد استفزازه، فوضع الصينية و استدار لمواجهتها وعيونه تعج بالغيرة ليقول
— و جاتلك الجرأة تقوليها في وشي عادي كده !
مش خايفة مني ؟
أردفت ببراءة مصطنعة وهي تخفي ابتسامتها
–اخاف ليه.. قصي زي سيف عادي يعني
“لأ مش عادي يا هاجر”
صاح بها في عصبية غير متوقعة وهو ينحني عليها وينظر في عينيها بقوة ليتابع
“ابن عمك مش أخوكِ.. بصي متجبيش سيرة أي حد من ولاد اعمامنا خالص حتى لو كان اهبل و ساذج زي قصي.. عشان بجد أنتِ ضايقتيني”
ضحكت بخفة قائلة
–معقولة تغير عليا من قصي ؟
— و أغير عليكِ من بدر وسيف كمان
–أكيد بتهزر
–لما بتحضنيهم بتمنى أكون أنا مكانهم.. بس خلاص هانت كلها اسبوعين و احبسك في بيتي
تعالت ضحكاتها هاتفة
–عايز تمنعنى اشوف اخواتي ؟
–من بعيد.. يشوفوكِ من بعيد.. أو بصي أنا هطمنهم عليكِ
— لا وعلى ايه.. احنا نعيش في حتة مقطوعة لوحدنا احسن
–صدقي فكرة حلوة
ابتسمت برقة ثم ضحكت بخفة وظلت تضحك بينما هو شرد تمامًا في قسمات وجهها وملامحها الرقيقة و اقترب أكثر منها وعينيه مُعلقة على فمها الصغير فانتبهت له سريعًا و دست الطعام في فمه ثم دفعته لتهرب منه صائحة بمرح
— مفكرني هبلة.. عاوز تاخدني على غفلة.. أنا اه ابان طيبة لكن جوايا كائن شرس يطلع في الأوقات الحرجة
ضحك وتجاهل ما قالته ليقترب منها ثانية فأوقفته قائلة بتحذير وهي تضحك
–لو قربت خطوة كمان هنادي لماما و ماما تقول لبدر.. و أنت عارف بدر بقى لو حطك في دماغه
تصنع الخوف وعاد ليأخذ الصينية متمتمًا بغيظ وهو يخرج
–لا وعلى ايه.. ربنا ما يجيب مشاكل لحد ما تيجي عندي وساعتها لا بدر ولا غيره
تبعته بنظراتها وهي ما زالت تضحك وغمغمت وهي تتنهد بسعادة
“يارب اجمعنا على خير”
وضع زياد الصينية في المطبخ شاكرًا عمته وسحب قصي من ياقة قميصه يحثه على النهوض
–قوم يلا نروح
شد قصي نفسه منه هاتفًا باعتراض
–متروح أنت ياعم.. أنا اشتكتلك
سحبه زياد رغمًا عنه فصاح قصي مستنجدًا بـ سيف الذي أخذ يضحك بشدة على شكله وهو يتم جره كـ الأسرى
–سيـــــــف.. يا نـــاس.. يــا عــــــالم.. هو بالعافية.. مش عاوز اروح
ظل يصرخ كالأطفال ولم يكف عن الصياح إلا عندما أخبره زياد بأنه سيقوم بتحويل الرصيد له فقام قصي بتقبيله و قال
–أنت احسن ابن عم في العالم.. أصلًا مش عاوز اروح عند سيف تاني
–مهو أنت فعلًا يا حبيبي مش هتروح هناك تاني غير لما هاجر تيجي في بيتي
–ده ليه بقى إن شاء الله
–عشان حرام
–دي بنت عمي.. زي أختي
–بس مش أختك.. وبنت عمك تجوز لك.. وطالما تجوز لك يبقى مينفعش تبصلها حتى غير في الحلال
–اه فهمت.. يعني مثلا مينفعش ابات عند سيف وهاجر مش على ذمتي
توقف زياد في منتصف الطريق ليرمقه بنظرة قاتلة ففر قصي هاربًا وهو يقول بعدم فهم
–ايه.. بتبص كده ليه.. أنا قلت ايه غلط ؟؟
–على ذمة مين ياض يا… ده أنت نجلاء يالاه
وقف قصي عند مدخل البوابة الخاصة بالبيت ووضع يده حول خصره ليقول بميوعة
–مالها نجلاء بقى.. وحشة ولا وحشة
–أنا هعد لحد تلاتة يا قصي لو لقيتك قدامي والله العظيم هرنك علقة
لم يكد يكمل زياد العد للرقم اثنان وكان قصي قد اختفى بالفعل من أمامه هاربًا للداخل.
________________
الساعة الآن قاربت على الرابعة عصرًا و بدر و عائشة ما زالا نائمين.. مرّت نصف ساعة أخرى وبدأ بدر يتململ في فراشه عدة مرات حتى فتح عينيه ببطء وحك شعره وهو يتثاءب لينظر بجانبه فيجد عائشة مازالت تغطّ في سبات عميق.. نظر في الساعة فتفاجأ بأن المغرب أمامه ساعتين فقط و سيعم المساء.. نهض سريعًا ليتوضأ ويجمع الصلوات التي تكاسل عن أدائها ثم ذهب ليوقظ عائشة..
هزها بخفة ففتحت عينيها و اتضحت صورته أمامها.. قالت بنعاس
–بتصحيني ليه دلوقت
ابتسم وقبلها من جبينها مردفًا
–المغرب قرب يأذن
نهضت باندفاع لتشهق
–اليوم راح علينا ؟؟ مش هنخرج ؟
قال ضاحكًا
–الخروجات مبتبقاش حلوة غير بالليل.. قومي اغسلي وشك وحضري نفسك يلا
ا متثلت لأوامره بسعادة وفي غضون نصف ساعة كانت قد ارتدت ملابس جميلة مكونة من فستان لازوردي اللون وحجاب سُكري وحذاء بنفس لون الحجاب بينما بدر ارتدى تي شيرت أبيض اللون وبنطال جينز بيج وحذاء أبيض.. بدا الثنائي ايقونة أناقة وجمال متحركة..
لم تدع عائشة زوجها يرتاح في تلك الليلة، صممت أن يأخذها للملاهي الملحقة بالشاطئ والتي تجعل أي شخص لديه فوبيا من المرتفعات والبحر قد يفقد وعيه وعائشة تنتابها الرهبة من الأماكن المرتفعة منذ الصغر؛ لذا رفض بدر لخوفه الشديد عليها وتحت الحاحها المستمر خضع لها بشرط أن تركب الألعاب الأمنة فقط..
أخذا دورة كاملة في الألعاب وقاموا بتجريب أكثر من واحدة حتى أن بدر شعر بأنه عاد طفلًا صغيرًا يستمتع بطفولته التي سُلبت منه باكرًا، لقد استطاعت ابنة عمه احياء روح الطفل المشاغب بداخله فظل يضحك وشعره يتطاير بفعل قوة الدفع للأرجوحة الجالس عليها، ولم ينسيان تجريب لعبة السيارات التي لم يركبها أحد إلا إذا أظهر براعته في القيادة وفي نهاية المطاف يجد نفسه يصطدم بشخص آخر لا يعرفه في نفس اللعبة فيضحكان لبعضها في جو يحفه الفرح والسعادة..
بعد ذلك ذهبا للتمشي على الشاطئ مع تناول المثلجات والحديث عن طفولتهم وتذكر مواقفهم الجميلة معًا ثم التقطا الكثير من الصور الرائعة لهما و جلسا على أقرب صخرة للبحر ثم نزع حذائهما و ظلا يداعبان الماء بأقدامهما وهما يتشاركان الضحك بسعادة كأنهما لم يشاهدان الحياة من قبل تفتح ذراعيها لهما لتستقبلهما بسعادة .
مالت عائشة على كتف بدر وهي تشاهد تلاطم الأمواج الخفيفة كأنهم يعانقوا بعضهم البعض، فـ احاطها بدر من كتفيها وضمها اليه هامسًا
“مبسوطة ؟”
نظرت اليه وقالت باسمة
“مبسوطة دي كلمة قليلة على اللي أنا حساه دلوقت”
“بحبـك”
عقب قوله بقبلة حنونة دافئة أعلى جبهتها متناسيًا وجودهم وسط العامة ولكن ظلام الليل أنقذ الموقف.
تساءلت بتوتر ملحوظ
–بدر.. اشمعنا حبتني أنا ؟ كان قدامك نورا اتولدت قبلي بسنة ولبسها محتشم عني وحافظة القرآن ليه محبتهاش هي ؟
تأملها بحُب وتنهد قبل أن يقول
–مفيش حد بيختار اللي بيحبه.. الحُب رزق.. سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم قال عن السيدة خديجة رضي الله عنها ” إني قد رُزقت حبها ” ربنا اللي بيرزق قلوبنا بالحب.. و أنتِ أجمل رزق لقلبي.
اتسعت ابتسامتها السارة وتساءلت مستفسرة
–بس تقريبًا سيدنا محمد قال كده للسيدة عائشة !
–عشان سيدنا النبي كان بيحب السيدة عائشة أكتر واحدة في زوجاته فمعظم الناس بتربط المقولة اللي سيدنا محمد قالها بالسيدة عائشة لكن الحقيقة روى مسلم في صحيحه عن “عائشة” قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»
بس ده مش بينفي حُب سيدنا النبي للسيدة عائشة بالعكس، عليه الصلاةوالسلام قد رُزِقَ حُبَّ عائشة أيضًا، ففي سنن الترمذي ومستدرك الحاكم من حديث عمرو بن العاص أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا.
الحُب يا عائش شيء جميل جدًا بس مش معنى إنه مش بايدينا يبقى نختار غلط ونقول محدش ليه على قلبه سلطان.. ربنا خلق العقل نفكر بيه لو القلب اتمرد العقل يردعه ولازم دايمًا تكون السُلطة للعقل عشان يوجهنا صح.
–و أنت حاسس انك اخترت صح ؟
–حتى لو اختياري غلط فـ ده الغلط الوحيد اللي مش هندم عليه.. في وجودك بنسى إني ليا عقل أساسا.. أنا مهووس بيكِ يا عائش.. أنتِ نقطة ضعفي.. قلبي ملكك أرجوكِ حافظي عليه.
أومأت مبتسمة
–هعمل أي حاجة عشان اشوفك مبسوط
ضمها اليه بحنان و ظلا يشاهدان البحر مد بصرهم، حتى شعرت عائشة بالجوع فأخذها بدر لمطعم قريب منهما.. تناولا البيتزا ورقائق البطاطس و عادا للتمشي باتجاه الفندق بعد أن اشترى لها باقة ورود رائعة و لعبة تصنع الفقاقيع بالصابون السائل والتي ندم بدر فيما بعد باحضارها لها بسبب الكم الهائل من الفقاقيع التي حامت حوله.
في الطريق وقع بصر عائشة على ثلاث فتيات يبدو أنهن اصدقاء.. فتاتان تتحدثان سويًا تاركين صديقتهم الثالثة تمشي وراءهم كأنها ليست موجودة..
تضايقت عائشة من الموقف الذي حدث معها أيضًا يوما ما فقالت منزعجة
–حرام عليهم والله
تساءل بدر بعدم فهم
–هما مين ؟
–البنتين اللي هناك دول عمالين يتكلموا مع بعض وسايبين صحبتهم
نظر لهم بدر ثم اعاد النظر لعائشة قائلًا
— تعرفي إن سيدنا محمد صل الله عليه وسلم حذر من التناجي
–يعني ايه التناجي ؟؟
— لما يكونوا تلاته واقفين مع بعض
و اثنين منهم يهمسون لبعضهم والثالث يتفرج عليهم.. زي الموقف ده كده.. ده اسمه ” التناجي”
الإسلام حرّم التناجي .. ليه؟
لأنّه بيخلي الشخص التالت يحس بالحزن أو الإحتقار ويحس بأنهم يتكلموا عليه وانه شخص مش مرغوب فيه
قال رسُول اللَّهِ ﷺ
“إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثةً فَلا يَتَنَاجى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ؛ مِنْ أجْلِ أنَّ ذَلكَ يُحزِنُهُ ”
• متفقٌ عَلَيْهِ .
الإسلام نهى عن أي حاجة ممكن تضّايق مشاعر الانسان.. الناس لو تعرف دينها كويس هيعيشوا في سلام والله.
قالت عائشة بحزن وهي تنظر بشفقة للفتاة الثالثة
–صعبانه عليا أوي.. عاوزه اروح احضنها
ابتسم لها بدر وقال
–أكتر حاجة معلقاني بيكِ بجد إني عارف معدنك ايه.. أنتِ قلبك ابيض ونضيف يا عائش لولا بس صحاب السوء كان زمانك في حتة تانية.. بس إن شاء الله أنا معاكِ وهعلمك كل حاجة من أول وجديد تاني زي ما كنت بعلمك وأنت صغيرة.
انتظرت لحين الانتهاء من كلامه ثم نفخت في وجه فقاعة صابون فقال وهو يمسحها بقلة حيلة
–لا حول ولاقوة إلا بالله.. متجوز طفلة !
عادا لغرفتهما في الفندق، نزعت عائشة ملابسها وبدلتها بملابس للنوم لتقول وهي تتثاءب بكثرة
–بكره بقى نروح اماكن تانية غير اللي روحناها.. يلا تصبح على خير
غفت لدقيقة ثم نهضت مرة واحدة لتقول
–اه نسيت.. أنت جبت الفلوس دي منين وأنت مكنش معاك فلوس تجيب لنفسك هدوم عشان كتب كتاب هاجر ؟
علم أن ذاك السؤال لن يفوت على عقلها هكذا فـ أردف وهو يتسطح بجانبها
–لازم يعني تعرفي ؟
–من هنا ورايح تعرفني كل حاجة
–استلفتهم
–من مين ؟
— من عمي.. لما نرجع بإذن الله هروح الورشة واشغلها لأن الايام اللي فاتت دي مشتغلتش كويس و مكنش فيه دخل يدوب الفلوس اللي كانت بتيجي كانت بتتصرف علطول
هتفت بحماس
–أنا عندي فكرة حلوة خالص
–قولي
–بعد الامتحانات اطلع اشتغل واسد معاك
رمقها بغضب قائلًا
–متفكريش تاني احسنلك.. ده انا لو هشحت مش هخليكِ تعملي كده.. يوم ما تحبي تشتغلي يبقى عشان نفسك.. تشتغلي بشهادتك.. لكن تشتغلي اي شغلانه عشان تساعديني !! لأ ده انا الموت اهون عليا ولا إني اشوف اليوم ده
غمغمت وهي تذهب في النوم
–انا واحدة كسولة اصلا ما هصدق اخلص امتحانات واقدم استقالتي من التعليم
نامت عائشة و ظل بدر مستيقظ لدقائق يفكر فيهم في مستقبله القادم كزوج وعليه مسؤوليات وفي أمر شقيقه كيف سيعالجه وشقيقته ماذا ستكون نهاية رحلتها مع المرض، ثم غلبه النعاس ونام..نام دون أن يصلي المغرب و العشاء.
الساعة الثالثة والنصف صباحًا شعرت عائشة بمغص في أسفل بطنها ففترة الحيض لم تنتهي بعد، هذا هو اليوم الثالث و تحدث لها تقلصات بين الحين والآخر، استيقظت على الألم الشديد الذي كاد أن يبكيها.. ظلت تفكر لدقائق ماذا تفعل فخطرت ببالها فكرة مهاتفة أحد النُدُل ليحضر لها كوب نعناع أو قرفة عله يسكن الألم قليلًا.. أخذت الهاتف الخاص بالفندق والموضوع بجانب باب الغرفة وأخبرتهم بطلبها، لم تود ايقاظ بدر من نومه لذا تصرفت دون الرجوع اليه.
_______
“الواد علي فين.. أنا قايله ميتحركش من مكانه.. الله يخربيته هيودينا في داهية ”
— حصل ايه ؟
–الزفت ده انفصل عن خطيبته انهارده راح بلبع كام كوباية خمرة لحد ما سكر وحالته بقت بالبلا والله واعلم شرب ايه تاني.. صاحب الفندق منبه علينا ممنوع أي عامل يشرب اي حاجة.. لو عرف عيشنا هينقطع
— مش يمكن خد بعضه وروح
–هيروح ازاي وهو في حالته دي بس
“كان هذا الحوار بين اثنين من العاملين بالفندق”
صوت طرقات على باب غرفة عائشة وبدر، فتحت عائشة على الفور حتى لا يسمع بدر ويستيقظ.. كانت تضع وشاح يخفي شعرها فقالت بهمس من خلف الباب
“حطها قدام الباب وانا هطلع اخدها.. شكرا لحضرتك”
بالفعل وضع “النادل علي” الكوب أمام الباب ولكنه لم يذهب، تدخل الشيطان و وسوس له بارتكاب الفاحشة فتوارى خلف الحائط و خرجت عائشة حينما تأكدت من ذهابه و عند انحنائها لـ أخذ الكوب سقط الوشاح من على شعرها لوضوعها له باهمال و تلك البيچامة التي ارتدتها كانت ضيقة من عند الفخذين فـ ابرزت جسدها مما اثار ذلك شهوة ذلك الثمل، فهجم عليها دون تريث او تخطيط مما فزعت عائشة وتراجعت للوراء فوقعت على ظهرها.. استطاع “علي” كتم انفاسها قبل أن تصرخ وسحبها بعيدًا عن الغرفة بعد أن ضربها بهاتفه على رأسها بقوة افقدها الوعي في الحال.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)