رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الخامس والعشرون
رواية نيران الغجرية البارت الخامس والعشرون
رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة والعشرون
دمار شامل.
________________
” كلما كان الحب قويا … كلما كان الجرح أعمق …
و كلما كان الجرح أعمق … كانت ردة الفعل أقسى ”
فتحت باب الشقة و دخلت بخطوات متثاقلة ، ووجه ذابل تناقض مع حالته الظاهرية منذ ساعات.
روحها مختنقة و غير مبالية لدرجة أنها لم تكترث إلى الصحافة التي كانت تلتقط صورها أثناء مغادرتها القصر و إلقاء أسئلة غبية عليها ، ولا بالحراسة التي كانت تتبعه …
ولا حتى بالبواب الذي كان يرشقها بنظرات منصدمة و فضولية عندما أدرك أنها غادرت الشقة بدون أن يلاحظها.
لم تعد تهتم بنظرات الآخرين ولا بكلامهم ، عاشت ما يكفي من عمرها وهي متخوفة من الناس حتى استنزفت طاقتها ، جُرحت كرامتها و خُذلت ثقتها و تعرضت للغدر بما يكفي ، و الآن ستعيد رص قطع الشطرنج ، و الخطوة الأولى قامت بها بالفعل !
فضيحة من العيار الثقيل ضربت بها عائلة البحيري حتى أردتهم في مقتل ، صعدت على المنصة و كشفت الزواج السري لإبن رجل الأعمال و صاحب حفل الزفاف ،كشفت زيف السمعة التي يتحلى بها عمار البحيري و أوقفت الزواج بأكثر الطرق إذلالا فجعلت وجوههم تقطر حرجا.
كل شيء كان مخططا له ، بداية من طريقة ظهورها و تمثيلية خضوعها حتى تسللها من الشقة و إقتحام الحفل بدعوة مزيفة.
لقد بدأت تخطط و تربط الخيوط ببعضها منذ إعلان خطوبته على إبنة عمه قبل حوالي سنة …
عادت إلى القاهرة و قصدت دخول المطعم الذي ذهب إليه عمار و ندى كي يراها الأخير و يبحث عنها فيجدها و يعنفها لترسم له الوجه الخائف و الضعيف ، خدعته زاعمة رضوخها لسلطته عليها و جعلته يتوهم حبها له و في النهاية فضحته إمام مئات الحضور.
و لكن …. هي ليست سعيدة !
بعد كل ما فعلته لا تزال روحها مجروحة …. لا يزال قلبها متضررا.
رفعت مريم رأسها لمرآة طاولة الزينة تناظر صورتها فصدمت مما رأته ، عينين ماطرتين بدموع الكحل الأسود.
ليست دموع ضعف ، بل دموع قهر و نقمة و غضب ، غضب من هيأتها التي كرهتها بسببه ، و كره و حقد ملآ قلبها حتى فاض.
إسترجع عقلها بتلقائية صورة عمار و هو يجلس في المطعم مع خطيبته و يقبل يدها ، ثم وهي تتأبط ذراعه متألقة بفستان الزفاف فيلقي لها إبتسامات لم يكن للأخيرة نصيب منها يوما …
ثم إنقطعت الذكرى و بزغت مكانها أخرى لعمار وهو يهينها و يكسر كبرياءها بعدما أخبرته بأنها تحبه و طلبت منه إعلان زواجهما … و المقطع الذي ظهر فيه يخونها مع إبنة عمه التي كان يقبلها على السرير وهو عاري الصدر .. ثم ..
وضعت مريم يدها على صدرها شاعرة بالإختناق وقد تعذر عليها التنفس ، الذكريات إنهالت عليها بدون رحمة لتحرق روحها مجددا كالسابق ، و لكن هذه المرة كانت تعد نفسها برد الصاع صاعين لكل من أذاها ، إلا أن هذا لم يكفي لمحو صورة الخائن الذي وقف يسألها بكل دناءة عن سبب فعلتها …
و كأنه بريء و لم يسلب منها أغلى ما تملكه ، حتى في هذه الليلة إستمر في لعب دور الرجل الشهم فمثَّل أمام الجميع أنه يحميها من كاميرات المتطفلين عندما اعترضوا طريقها أثناء مغادرتها للقصر ، بل و حماها أيضا من تهجم والد و والدة العروس عليها …
و كأنه ليس هو نفسه من سممها و قتل طفلها !!!
توحشت عينا مريم و رفعت يديها نحو وجهها تمسح دموعها الملطخة بالكحل ، قبل أن يتلبسها الجنون و تشرع في مسح زينتها و نزع إكسسواراتها و الخاتم بنقمة هستيرية فجرحت أصبعها بحركتها العنيفة.
إنهالت مريم بذراعها على مستحضرات التجميل المرصوصة على طاولة الزينة مفرغة فيها ولو قدرا يسيرا من ثورة مجنونة تسلطت على روحها مطلقة صرخة أنثوية غاضبة …
تلتها عدة صرخات حادة مقهورة و هي تضطر لتعرية جوارحها و تمزيق جرحها الذي لم يندمل أمام صديقتها التي دخلت إلى الغرفة حين سماع صوت التحطيم.
إنتفضت هالة عندما رأت حالة مريم و ذهبت تحتضنها فأسدلت الأخيرة رأسها على كتفها صائحة بحشرجة :
– جاي يسألني … هو عمل ايه لكل ده …. اتخيلي بيسألني بكل وقاحة انا عملت كده ليه و بيلومني … عمل نفسه خايف عليا من عيلته و وقف قصاد مرات عمه لما حاولت تتهجم عليا … ازاي عمار قادر يمثل على الناس للدرجة ديه … ازاي قدر يعمل فيا كده ويخونني و يقتل إبنه بإيده !
انتحبت مريم حتى بح صوتها و غطت الغصة في حلقها على بقية الكلام فإبتلعت حروفها و اكتفت بإصدار الشهقات …
أما هالة فكانت تربت عليها و هي تفكر ، ما قامت به مريم لم تكن تتخيل يوما أنها ستقدم عليه حتى في أحلامها ، ألقت قنبلة وسط الحفل و غادرت تاركة النيران تشتعل خلفها غير آبهة …
و ربما لو لم تشاركها هي في الخطة بنفسها لما كانت ستصدق ، غير أنها رأت بعينيها تحول مريم الهشة للنقيض تماما ، و هذه الدموع التي تهطل من عينيها ليست دموع قهر بقدر ما هي دموع كره و غضب !!
بعد دقائق كانت مريم تطل من الشرفة بملامح وجه جليدية و هالة تعبث في هاتفها حتى هتفت :
– السوشيال ميديا مقلوبة من الفضيحة و اسم عيلة البحيري قرب يتصدر التريند ده الفيديو وانتي بتتكلمي لوحده قرب يكسر الرقم القياسي في فترة قصيرة.
لم تحرك مريم رمشة من عينيها وهي تحدق في تلافيف الظلام حولها بل أخذت نفسا عميقا محدثة نفسها ” هذا لا شيء لحد الآن ، مازلنا في البداية ”
إلتفتت الى صديقتها القابعة على الكرسي تتصفح مواقع التواصل و قالت :
– هما اكيد هيحاولو يحذفو الفيديو و يمنعوه يتنشر اكتر انتي خدتي نسخة منه صح.
– ايوة انا خدت كل الاحتياطات و زي ما قولتلك انا بعرف صحفية جريئة كده مبتخافش من حد هتعمل كل اللي تقدر عليه علشان الموضوع ميتقفلش و كمان انا اتكلمت مع كام جمعية و منظمة و اشتكيتلهم ع اساس انك اتخدعتي في الجوازة و اتحبستي و اتعرضتي للعنف الزوجي و طلبت منهم ينقذوكي و ياخدو حقك من عمار البحيري.
ثم أكملت وهي تشرح فكرتها :
– صحيح مفيش دليل يثبت كلامنا بس كفاية السمعة اللي هتطلع عليه و على ما يثبتو عكس إدعاءاتنا هياخدو وقت …
و هيخافو يتعرضولك عشان ميقعوش في الفخ.
قاطعتها مريم وقد لمعت عيناها بوميض حقد :
– الوقت اللي هياخدوه عشان يثبتو عكس كلامنا هيبقى كفاية عشان سمعتهم تتضرر اكتر ، و أكيد تركيز الإعلام عليهم هيخليهم يخافو يقربو عليا ، المهم دلوقتي لازم ابقى مستعدة لما عمار يجي هو اكيد مش هيسكت بس انا كمان مش هستسلم ولا اضعف …. لازم اكمل اللي بدأته ولما اخلص هرجع للمكان اللي كنت فيه طول الفترة اللي فاتت.
برطمت بآخر جملة بغموض ثم إنتبهت إلى هالة التي تمتمت :
– أقالك حاجة يا مريم ؟ انا لسه مش مصدقة اللي عملتيه و ازاي قدرتي تقلبي سعادتهم لمصيبة …. انتي دمرتيهم !!
– مكنتش هقدر اعمل كل ده لوحدي من غير ما تساعدوني خاصة انتي لولاكي مكنتش هقدر اطلع من الشقة.
هتفت مريم بإمتنان تماهى مع شرودها في ماحدث منذ ساعات …
Flash back
( بعد مغادرة عمار الشقة استعادت مريم ملامح وجهها التي أخفتها خلف غطاء الحزن و الهشاشة و نهضت تستل الهاتف الذي ربطته بشريط سميك حول ساقها ، طلبت رقما معين و هتفت بعد فتح الخط :
– الخطة ماشية صح لحد دلوقتي انا قدرت اضحك على عمار وهو شبه صدقني و قال هيرجع عشان يفهم مني بالتفصيل انا كنت فين.
اعملي زي ما اتفقنا يا هالة و اوعى يشكو بيكي عمار اكيد حذر البواب و هيبعت واحد يقف قدام باب الشقة اطلعي قبل ما يوصل.
– متقلقيش انا تحت العمارة و شايفة عمار وهو بيركب عربيته و بيكلم حد ع الموبايل مش هيلحق.
عدلت هالة وضع النقاب و اقتربت من حارس المبنى موهمة إياه انها عاملة جديدة لإحدى العائلات هنا و لحسن الحظ كان الأخير مشغولا بتنفيذ أوامر عمار الصارمة بعدم السماح لمريم بالخروج فلم يدقق معها.
صعدت هالة إلى الشقة و دخلت بسرعة لتعطي كيس اللوازم لمريم هامسة بجدية :
– بطاقة الدعوة المزيفة اللي قدرت واحدة صاحبتي تعملها و القناع و الفستان و الميكاب و كل اللي بتحتاجيه هنا خدي بالك من نفسك ولو حسيتي بأي قلق و حبيتي تتراجعي اتصلي بيا وانا هجيب اخويا و اجي عشان ناخدك ماشي ؟
هزت رأسها بثبات فسألتها الأخرى بعدما لاحظت أنها تحمل شيئا يلمع :
– ايه اللي ف ايديكي ده ؟
– الدبلة اللي جابهالي عمار زمان انا لقيتها في الدولاب هتنفعني و قسيمة الجواز كمان اهي.
تنهدت هالة بتوتر ولكنها إختارت ان تثق بصديقتها فأومأت بمساندة ثم نزعت النقاب و أعطته إياها لكي ترتديه.
حملت مريم الكيس و نظرت لها لآخر مرة قبل مغادرتها :
– لو جه حد و كلمك ردي عليه على اساس انك انا و متخرجيش لحد لما ارجع انا تمام ؟
تمام.
أغلقت مريم الباب و غادرت المبنى متوجهة لإحدى الفنادق الكبيرة دخلت إلى الحمام و ارتدت الفستان و زينت نفسها ثم خرجت بهيأة غجرية تشع أنوثة و وجهتها القادمة محددة …. )
Back
قطعت حبل أفكارها و استطردت :
– العيلة ديه هتحاول توصلي أكيد انا لازم ابقى مستعدة عشان محدش يحاول يأذيني لما اواجههم …. و عمار طبعا هيجي هنا علشان يحاسبني ده اذا قدر يطلع من بيته.
– و هتطلبي الطلاق منه ؟
إنعقد لسان مريم للحظات قبل ان تحمحم بإيجاب :
– هو هيطلقني اكيد من غير ما اطلب منه لأن عيلته هتخليه يعمل كده بس هاخد منه تعويضات كبيرة هعمل كل حاجة عشان اخد اللي وراه و اللي قدامه.
– و هتقدري تعملي كده بجد ؟ اقصد عيلة البحيري ديه مش سهلة و ممكن متطوليش مليم واحد.
ابتسمت مريم كأنها كانت تتوقع طرحها لهذا السؤال و ردت عليها بدهاء :
– كل ما كانت العيلة ليها مكانة مهمة في المجتمع كلما خافت على سمعتها و انا هستغل الاعلام عشان اكسب اللي انا عايزاه و كمان عمي كتب مؤخر كبير جدا في القسيمة يوم كتب الكتاب على اساس لو حب يطلقني فيوم من الايام يلاقي صعوبة …
وبما ان عمار بقى واجب عليه يطلق ف اكيد ملزوم يدفع و ده اللي انا عايزاه هاخد كل اللي من حقي و هكسب في الاخر.
بس اهم حاجة دلوقتي اني استفزهم لدرجة يحاولو يعملولي أي حاجة طبعا انا هبقى واخدة احتياطاتي عشان متضررش بس الناس هتشوف ان إدعاءاتي صحيحة و هيصدقو كلامي لما اقولهم اني اتعرضت للعنف و التهديد من عمار.
ثقتها الزائدة في نفسها و هوسها الأعمى بالإنتقام أصبح يقلق هالة بعض الشيء و يثير حفيظتها ، فتسرع مريم ينسيها من تكون عائلة البحيري ، و ينسيها أن من إستطاع إخفاء زواجه لسنوات حتى عن والديه لن يجد مشكلة كبيرة في التخلص منها لو أراد.
و كما قالت مريم مسبقا فإن عمار هو من أرسل الشوكولاطة إلى شقتها قاصدا تسميمها للتخلص من الجنين ، اذا مالذي يمنعه عن محاولة أذيتها مجددا أم أنه هذه المرة لن يتجرأ لأن أعين الجميع عليه ؟
_______________________
” مر أسبوع على الحادثة ، ولا تزال صيرتها تغزو مواقع التواصل الإجتماعي و الصحافة تكاد لا تبرح من قصر عائلة البحيري ، الأحاديث عن فضيحة الأخيرة قد ملأت الأخبار و أصبحت علكة على الألسنة يلوكها الجميع.
و رغم حذف المقطع المتداول من أكثر من صفحة إلا أن هناك صحفية شهيرة بتتبع الفضائح تهتم بهذا الموضوع بالذات و تعيد نشر المقطع كلما حذف و لم تتوقف عن فعل هذا إلا عندما هددت برفع دعاوي قضائية عليها بتهمة التشهير و طردها من عملها.
فئة من الناس التي تناقلت السيرة ، علقت على الحادثة و هاجمت عمار البحيري الذي إستغل إمرأة بسيطة و مارس عليها العنف المنزلي و الترهيب النفسي فتزوجها و حبسها بين أربع جدران و ذهب ليحتفل بعقد قرانه على إبنة عمه المنتمية إلى نفس طبقته الإجتماعية.
و البعض علق على أن الحادثة مفتعلة و بالتأكيد تلك المدعوة مريم تبالغ و إلا لما صمتت كل هذا الوقت و جاءت في يوم حفل الزفاف خصيصا ، كما أن عمار البحيري شاب معروف بإتزانه و طبيعته المحترمة بالتأكيد هناك دوافع خلف إخفائه للزواج ..
و البعض الآخر يقول ان الضحية الوحيدة هي العروس ندى البحيري التي تعرضت لصدمة قوية في أهم يوم في حياتها فلقد أوهمها عمار بحبه و في الحقيقة كان يلعب على الحبلين ، هذا إن لم تكن هي نفسها تعلم بعلاقته الزوجية مسبقا.
و آخرون يشيدون بشجاعة مريم و بسالتها و كيف كانت جريئة كفاية لتقف في وجه عمار البحيري الذي خدع الناس بقناع نُبله و شفافيته …
غير أن السؤال يطرح نفسه الآن ، إلى أين سيصل الأمر بعائلة البحيري و هل هناك ملابسات خفية للحقيقة أم أن القضية ستنتهي هنا كما إنتهت سابقاتها خاصة أن لا أحد من أطراف الحدث أعطى تصريحا ؟
و هل سيبقى الأغنياء يستغلون غيرهم من الضعفاء و يمارسون عليهم عنفهم الجسدي و النفسي أم أن قصة مريم عبد الرحمن و عمار البحيري ستضع حدا للقمع المطبق على من هم أقل شأنا منهم و النساء خاصة ؟”
أغلق جهاز الآيباد و قذفه على السرير بوجوم بعدما قرأ المقال الصباحي عن نفس الموضوع الذي يتحدثون فيه منذ أسبوع ، لقد انتشر المقطع المصور لمريم بسرعة البرق و أصبح السيرة الوحيدة على ألسنة الجميع و كأن جميع المشاكل في العالم إنتهت ولم يبقى سوى مشكلة الفتاة المسكينة التي إضطهدها عمار البحيري.
عن أي إضطهاد و عنف يتكلمون هؤلاء هو لم يجبرها على الزواج و على القبول بشروطه بل كل هذا كان برغبة مريم ، لم يمارس عليها أي نوع من العنف حتى أنه في حالات كثيرة كان يصارع نوباته لكي لا يؤذيها …
كلما كان عمار يشعر بأعصابه تنفلت أو مزاجه يسوء يعتكف في منزله ولا يذهب إليها فقط لكي لا يؤذيها ، و الآن تكذب و تشتكي للناس و المنظمات النسائية و تطالب بالإنصاف … أليست هي من فضحت عائلته أساسا !
و على سيرة الفضيحة تذكر مواجهته مع ندى منذ أسبوع ، عندما أفاقت من إغمائها متمتمة بأنها عاشت أحداث سيئة في حلمها وهي نائمة.
غير أن منال أخبرتها بتزمت أن هذا لم يكن حلما بل حقيقة عاشتها و تعرضت العائلة على إثرها لصدمة كبيرة.
حينها هزت ندى رأسها بهستيرية نافية صدق كلامها و توجهت نحوه هو الذي دلف لغرفته رغم تحذيرات والديها …
Flash back
( نظرت إليه بخضراوتيها الممطرتين لدموعها بغزارة قبل أن تهمس بصوت مبحوح :
– قولي ان اللي حصل ده كدبة … قولي انك معملتش فيا كده وانا متعرضتش للموقف ده يوم فرحي … Please.
تماهت كلماته التي كان يستعد لقولها مع حالتها المزرية هذه فصمت ولم ينبس ببنت شفة ، إكتفى بالنظر إليها ليتلبس الأخرى الجنون بينما تصرخ منهارة بعدما رأت ملامح الذنب على وجهه :
– قولي ان ابن عمي و الراجل اللي بحبه مخدعنيش و طلع متجوز من قبلي من الست اللي شوفتك معاها قبل كده وقولتلي ديه حبيبتي السابقة … ارجوك يا عمار قول اي حاجة وانا هصدقك فورا.
ولكنه لم يتكلم ، لم يدافع عن نفسه أو يقول أن تلك المرأة هي من أغوته و خدعته ، بل ألقى اللوم كله على نفسه فهو من خدع إبنة عمه و صديقته و خطيبته بذات الوقت ، وهو من يستحق اللوم و العتاب.
لذلك ظل مستسلما لصراخ ندى الذي زاد بصورة جنونية وهي تلكم صدره بقبضتها الصغيرة صائحة بهستيريا :
– ليه كده … انت ليه عملت فيا كده حرام عليك عملتلك ايه عشان تأذيني بالطريقة ديه انا … انا كنت بثق فيك وانت دمرتني … دمرتني يا عمار منك لله … )
Back
طمس عمار ذكرياته السيئة مع ندى التي يكاد الشعور بالذنب إتجاهها يقطعه و حاول التركيز في المشكلة الحقيقية.
فزفر بخشونة وهو يدلك عنقه مفكرا ، حاليا مريم في حالة ثوران لن يهدأ حتى تراه مدمرا …
تظن أنها تستطيع إستفزازه حتى يفقد السيطرة على نفسه و يفعل شيئا يؤذيها به فيُمَكِّنها من إثبات إفتراءاتها عليه بشأن العنف الممارس ضدها ، و لكنه فهم خطتها تلك فإتخذ الجانب الملتزم للصمت و تركها تتخبط وحدها ربما تستسلم و تنهي مهازلها هذه ..
لأنها لو بقيت هكذا سيفقد والده و عمه صبرهما و يسحقانها … و هو رغم سخطه منها إلا أن جزءا منه لا يريدها أن تتضرر !
تأوه بكتوم فجأة عندما شعر بصدره يضيق ، فإستقام واقفا ليدلف إلى الشرفة لشم الهواء ولكن إختل توازنه و هاجمه الدوار على حين غرة فأصبحت رؤيته مشوشة و درجة ثباته منخفضة.
إرتمى عمار على فراشه وقد بدأ بالتعرق و الشعور بالغثيان يداهمه فحاول التحكم في رعشة جسمه لكي يستطيع النهوض و أخذ دوائه قبل أن يفقد الوعي …
إلا أنه مع مرور الدقائق إزدادت حالته سوءا ، و اصبح غير قادر على مجابهة هذه البوادر العنيفة التي إعترته في غفلة منه دون أن يحسب حساب تعرضه إليها الآن …
حالته هذه جعلت الرؤية ضبابية و بدأ يسمع أصوات تخترق عقله و تدقه بعنف ” ألم ترى ماذا فعلت بك مريم عندما خرجت من حصارك ؟ ماذا تنتظر لكي تنتقم منها ”
” كانت تمثل عليك دور الفتاة الهشة لتستسهلها و لكن حقيقتها ظهرت و ما هي سوى إمرأة حقيرة تفتري عليك من أجل جعلك ذليلا ”
همهم عمار بكبت وهو يضع يديه على رأسه يجرب طرد تلك الأصوات الخبيثة …
” خطتها من البداية كانت السيطرة عليك و إمتلاك ثروتك و عندما فشلت هربت منك و عادت بخطة جديدة ”
” ترى من ساعدها و أين كانت طوال هذه المدة ؟ بالتأكيد مع عشيقها الذي كانت تتحين الفرصة للقائه ”
” لماذا تسعى لتهدئة نفسك و عدم أذيتها في حين أن مريم نفسها تجاهد لإفساد سمعتك ؟
هيا إذهب إليها و أقتلها … ”
” هل رأيت مريم كيف أصبحت ؟ قوية و جريئة مثل أمك ، إنها تتبع خطواتها و قريبا ستراها تنتقل بين أحضان الرجال أمام عينيك ، ماذا تنتظر لترد عليها هي لا تستحق عطفك أقتلها قبل أن تفقد رجولتك أمامها و أمام عائلتك … تخلص منها بسرعة ”
مع كل همسة يسمعها كان يشعر برأسه يحترق و آخر خيوط لأعصابه تنفلت … الهلاوس للسمعية زادت حتى أضحى لا يقاومها …
بدأ يتناهى إلى أسماعه صوت سيدة تناديه ، إنها زوجة والده على الأغلب ، غير أن عمار لم يستطع الخروج من قوقعته فحال ذلك دون فهم حرف مما تقوله بل حتى الإلتفات نحوها و إجابتها …
و على حين غرة ، وسط صدى الكلمات المتداخلة ، وجد عمار نفسه يستسلم لموجة الظلام التي هجمت عليه بقسوة ، فأغمض عيناه يستعد للغرق فيها …
و خرَّ يسقط بجسده المتعرق على الأرض فاقدا للوعي … و هدأت الأصوات … أخيرا …
____________________
ستووووب انتهى البارت
رايكم فيه و توقعاتكم ؟
مريم هتقدر تنجح في خططها ؟
عمار هيقدر يمنعه نفسه و يمنع عيلته من انهم يتعرضولها ولا هو بنفسه هيحاسبها ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)