رواية إنما للورد عشاق الفصل الأول 1 بقلم ماهي عاطف
رواية إنما للورد عشاق الجزء الأول
رواية إنما للورد عشاق البارت الأول
رواية إنما للورد عشاق الحلقة الأولى
انتفضت من سباتها ترتجف بذعر متوجسةٍ من الأحلام البشعة التي تُراودها، شهقت عدة مراتٍ متتالية لتهدئة ضربات قلبها التي تقرع كالطبول، سحبت نفسًا عميقًا محاولةٍ إدخاله عنوةٍ إلىٰ رئتيها، استحوذَ عليها فجأةً الشعور بالإختناق وكأن روحها تُسلب منها، دون إرادة شحب وجهها،صار جسدها يرتجف كورقةٍ خريفية وحيدة فوق غصن شجرة في مهب الريح؛ لكن ليس إرتجاف ألمًا إنما بسبب الرجفة الحادة من فرط الوجع الذي يضرب بجسدها ..
أغمضت جفونها تعتصرهم بقوةٍ؛ فلم تَعُد تشعر بالاطمئنان بتاتًا خاصةً في الآونة الأخيرة، يظل “فريد” ابن عمها يقتحم غرفتها كي يبث بقلبها الذعر والتعامل معها بخشونةٍ وكأنها لا تعني له شيء ولا ابنة عمهُ الذي حثهُ علىٰ معاملتها بحنوٍ أخوي؛ كي لا تخشاه والشعور بالغرابةِ بينهم؛ لكن حينما توفاه الله كل شيء أخبره بهِ صار كالرماد !!
تلك المسكينة التي لم تنل أي شيء سوىٰ الاهانة والذل،
تركها والديها وحيدة منكسرة لا تعي بشيء سوىٰ إنها لا تستطيع الخروج من هذا المنزل الذي سلب حريتها الكاملة والإذعان لكل شيء دون وجه إعتراض منها !!
انتظرت عدة دقائق حتىٰ استعادت السيطرة علىٰ جسدها،ثم تحركت نحو المرحاض تغتسل وتعاون ذاتها علىٰ الثبات من جديد بهيئة قوية لا تغمض لها جفنٌ
بعد ثوانٍ وقفت تتلو بخشوعٍ بعض آيات من الذِكر بعدما هدأت ذاتها فالله معها مهما توالت عليها الصعاب المنغمسة بها في حياتها
وعندما لامست جبهتها الأرض انفجرت باكية وظلت تدعو بكل مايجول بطياتها من حديثٍ مرير تخفيه ..
انفتح الباب فجأةً؛ ليرتجف جسدها بقوةٍ بعدما انتهت من وِردها اليومي، لتجده يبتسم بإنتشاء مُقتربًا من مجلسها علىٰ الأرضية فأخذ كتاب الله يقبلهُ، ثم وضعه بجوارها علىٰ الطاولة مُغمغمًا بخفوت: صدق الله العظيم
ليوجه نظراته الماكرة لها يقتلعها من النظر امامها بتوجسٍ نحوه قائلًا بنبرةٍ ساخرة: ربنا يقوي إيمانك ياست ورد
أغمض جفونه مُضيفًا بهيام وتلذذ: الله اسم علىٰ مُسمى فعلًا ورد، وأنتِ وردة الجوري بتاعت البيت
رمقته شزرًا ثم بصقت عليه ما بجوفها واشارت نحو الباب قائلة بنبرةٍ تحذيرية: اطلع برا يافريد بدل والله العظيم لهقول لعمي
مسح وجهه من فعلتها المقززة تلك، فامسك بعض خصلاتها المتحررة ليشتم رائحتها قبل أن يُعقب بعتاب زائف: كده برضو ياورد، عايزة تروحي تقولي لأبويا؟
ثم جذبها بقوةٍ من رسغها مُغمغمًا بفحيح: لو طاوعتيني وقولتي موافقة اجيب عيل منك مش هضايقك تاني، بس طول ما أنتِ معاندة معايا مش هسيبك أبدًا
أطبقت علىٰ جفنيها من ذبذبات صوته التي اخترقت قلبها، تألمت من قبضته القوية فوق خاصتها الناعمة فهدرت بهِ: ابعد عني ياحيوان وقُلتلك لأ مش موافقة، عايزني روح اتقدم ليا من عمي إللى هو أخو أبويا
لتتابع بوجع: إللى آمنك عليا وأنت طلعت متستاهلش، منك لله وجعتني أكتر ما أنا موجوعة
جاء ليضع يده فوق ذراعها فدفعته بعيدًا مُجيبة بشراسة: ابعد عني بقولك واطلع برا بدل اقسم بالله هصوت وهعملك فرح وسُمعة زي الزفت في البيت
ازدرد لُعابه بصعوبة من تهديدها ليقول بإرتباك مُحاولًا إخفاءه: هطلع ياورد بس مش علشان سواد عيونك، لأ ياروحي دا علشان مزاجي بس
مُرسلًا غمزةٍ عابثة: نتقابل تحت علىٰ الفطار سلام مؤقت ياحبيبي
أرسل لها قُبلة في الهواء،ثم غادر لتطلق زفرة محملةٍ بالأوجاع، قائلة بنحيب وعبراتها تتساقط من مقليتها بغزارة: ياربّ ساعدني اخلص من القرف دا وابعده عني
****
تقدمت من الكومود لتزيحه من موضعه قليلًا؛ فوجدت تلك الحقيبة البلاستيكية خلفه، إلتقطتها بتلهفٍ مُخرجة منها ذلك الغلاف الممتلئ بمسحوق أبيض، فنظرت نحو الباب وجدته مفتوح علىٰ مصراعيه، ثم هبت واقفة مُهرولة نحوه لتحكم إغلاقه ..
افرغت محتوى الغلاف فوق ظهر كفها؛ فقربته من أنفها لتستنشقه بإنتشاء جَليٍ فوق قسمات وجهها رويدًا رويدًا،
غير عابئة بخطورة ما تقوم بهِ من جلد ذاتها والمخاطرة التي تقوم بها من عذابٍ يفترسها فيما بعد !!
ما استنشقته لم يجعل جراحها تندمل إطلاقًا؛ بل يجعلها تُفكر لو أذعنت بقرارها المحتوم بالتوقف عن هذا الشيء البشع ستتوقف عن التفكير بمعذاب فؤادها؟
ابتسامة وجع ارتسمت فوق شفتيها حينما تذكرت نظراته العاشقة لكيانها،حديثه الناعم معها ككل مرةً يراها،اطمئنانهُ عليها من حينٍ لآخر غير عابئًا بها هي !!
هي ابنة عمه متواجدة امامه دومًا علىٰ الرغم من جمالها الفاتن الإ أنه لم يهتم بها قط كأنها شخصٌ غريب مجهول عنه !!
استفاقت من إضطراب دواخلها علىٰ نداء ابنة عمها لها، لتُسرع بتخبئة الكيس أسفل الفراش، ثم هندمت ثيابها علىٰ عجالة وهرولت للأسفل حيثما جلوسهم في الصباح الباكر ..
وجدت الجميع يتناول طعامه بصمت مريبٍ، فتقدمت مُلقية السلام ثم جلست بجوار زوجة عمها الحنونة طالعته بنظراتٍ عاشقة ،بينما هو غير مُكترِث بها وبوجودها من الأساس
زفرت بيأس، ثم شرعت بتناول الطعام لتوجه لها الحديث “عنان” ابنة عمها قائلة بحماس: بت يافرح جهزي نفسك، علشان أنا استأذنت من ماما وهنروح نقضي اليوم في الغيط مع البت منار ونهال
بتر حديثهم “عاصي” بقوله الحاد: بس مستأذنتيش منى، يبقي مافيش خروج ياعنان
تنهدت بيأس فتحدثت برجاء: علشان خاطري ياعاصي والله، مش هنتأخر هنرجع قبل المغرب
ضرب بقبضته فوق الطاولة ليقول بإحتدام: قُلت لأ يعني لأ، واتفضلي افطري يلا علشان هنروح عند ورد، ماما عايزة تشوفها
أومأت له شقيقته بغضب ،بينما “فرح” ابتلعت ريقها بمرارة ثم وقفت في موضعها مُغمغمة بخفوت: بعد اذنكم
بتر مُغادرتها حديثه بتساؤل جعلها تبتسم بسعادة من اهتمامه بها : أكلك زي ماهو لية يافرح؟
أزدرد لُعابها فردت بتوتر: مليش نفس ياعاصي
أجابت والدته”فيروز” بإمتعاض: قولها يابني دا أنا تعبت من الكلام معاها
تحرك نحوها مما جعلها تتسع عينيها من فعلته الصادمة لها، امسك بيدها جاعلًا تمسك بالخبز عنوةٍ، فتحدث بجدية مُشيرًا بسبابته نحو الطعام الموضوع امامها: اتفضلي كلي كويس علشان متتعبيش مش كل شوية هنعلق محاليل ليكِ
أومأت له بعينيها مُصاحبًا خجلها التي جعل وجنتيها تشتعل بحمرة من اهتمامه وحنانه، فلأولِ وهلةٍ تراه يهتم بشيء خاص بها
تسألت هل لو قفزت الآن من فرط السعادة سيقولون هل جنت أم ماذا؟
****
جلست تتناول الطعام كالعادة بشرود غير عابئة بنظرات زوجة عمها المخترقة لها ولهيئتها المنكسرة تلك لا تعلم أتشفق عليها من أجل أيامها المريرة البائسة أم تنهرها لمكوثها معهم بعد رحيل والديها !!
تصنعت “كوثر” القيام من مجلسها لفعل شيء؛ لكنها فعلت شيء غير متوقع حينما امسكت بكوب العصير الطازج امامها ليقع فوق ثياب “ورد”، مما جعلها تصدر شهقة قوية نتيجة ما حدث لها رفعت نظرها بغضب لتقول الأخرى بآسفٍ مصطنع: يوه غصب عني ياورد ياحبيبتي
اصطكت اسنانها ببعض مُعقبة بإقتضاب: حصل خير يامرات عمي، بعد اذنكم هاغير هدومي
ثم صعدت كي تُبدل ثيابها بينما “فريد” رفع حاجبيه لوالدته قائلًا بحدة: اهدي شوية عليها علشان هي مش حِمل عمايلك دي
رفعت يدها بإستسلام وهزت رأسها بلامُبالة، ثم وجهت نظرها نحو زوجها الذي ينفث دخان سيجارته غير عابئ بما يحدث من ضجيج حوله مما جعلها تسعل ليبتسم بسعادة،
فها هو قد حقق مرادهُ فأردفت بعصبية: أنا مش قُلت ليك ماتشربش سجاير قدامي؟ متشربش أصلا هو لازم كل شوية ازعق
زفر بتوتر بالغ ثم أردف بتلعثم: مـ ماهو ياحبيبتي ..
بترت حديثه بعدوانية: بلا حبيبتي بلا زفت، مش قُلت ليك لما تعوز تشرب سجاير تأكل بدلها حاجة مسكرة؟ بتعمل إيه دلوقتي؟
تحدث “فريد”بنرفزة: ماهو عنده السكر ياماما، حاجة مسكرة إيه إللى هيأكلها؟
بإمتعاض أجابت: اسكت أنت يافريد
ثم أشارت نحو زوجها الجالس كالفأر المبلل بتحذير: أخر مرة يامحمود أنت سامع؟
أومأ لها بلهفة ثم قال بتساؤل مغيرًا مجرى الحديث: كلمتي ماجد؟
تنهدت ثم قالت بغضب سافر: قافل موبايله من امبارح، بس لما يكلمني والله لهنكد عليه
رمق “فريد” والدته شزرًا من حديثها المحتدم دومًا؛ فالتقط أشيائه وصعد ليرىٰ “ورد” التي تأخرت عن هبوطها لتناول الطعام مرةً أخرى ..
صعد ليجدها تقف في الشرفة بهيئة مُهينة مذلة من الخزي بالكسر، كأن الحزن أصبح يلاحقها كظلها، ومازالت مُرتدية ثيابها المُتناثر عليها العصير
ابتلع ريقه بمرارة مُغمضًا جفونه، هي حبيبته، نعم قلبه عاشق لها ولكل شيء تمتلكه، حينما عَلِمَ بعشق ابن خالتِها لها أراد التقرب منها وفعل أي شيء يجعل بينهم ترابط قوي بدلًا من صِلة القرابة؛ فلا يجد طريقةٍ تجعلها تخضع له سوىٰ هذه الطريقة المقززة المُهينة !!
استحوذَ عليه شعور الغثيان لحديثه ولكل شيء بغيضٌ فعله معها، كلما تذكر انتفاضة جسدها ينهر ذاته كيف يتحدث معها ويجعلها تفعل شيء لا ترغب بهِ من الأساس؟
كيف تغير مئة وثمانون درجةٍ هكذا وانقلابه في لمح البصر من ابن عمها لشخصٌ تنفر من وجوده؟
تنهد مُقتربًا منها قائلًا بنبرةٍ هادئة لم تعتاد عليها: ورد
التفت له بذعر قائلة بإرتباك: أ أنت بتعمل إيه هنا
شعر بالوجع من نبرتها وهيئتة المذعورة من وجوده فابتسم ردًا بدعابة: بشوف الأستاذة إللى بتهرب من الفطار كل شوية زي العيال الصغيرة
ابتسامة اعتلت ثغرها الشهي كعنقود العنب؛ لتتلاشاها مُسرعة قبل أن تُعقب بإمتعاض: مش بهرب من الفطار مليش نفس أصلا
لتتابع بحنق طفولي: وزعلانة علشان مرات عمي وقعت العصير علىٰ الفستان الجديد بتاعي
قهقه برجولة مُغمغمًا بخفوت: هجبلك أحسن منه بس متزعليش
رمقته بإستغراب جَليٍ فوق قسمات وجهها منذ قليل كان يرغمها علىٰ فعل شيء بغيضٌ والآن يُداعبها بحديثه؟
هي تعلم بأنه حنون؛ لكن قسوة الحياة هي من فعلت بهِ هكذا جعلته شخصٌ آخر لا تعرفه بتاتًا
تنهدت قبل أن تُعاود حديثها بإقتضاب:
أنت مافيش حاجة وراك غيري؟ كل شوية تيجي هنا وكده مينفعش أنا مش عايزة كلام يتقال عني يضايقني لو سمحت
زفر محاولًا التريُث فتحدث بجدية: ورد أنتِ بنت عمي وعمر ماحد يتجرأ ويجيب سيرتك، عايزك تعرفي إني مش هاسمح بده ياريت تفهمي كده
ليسترسل بنبرةٍ جامدة وتحزيرية في آنٍ واحد : أنا مش وحش، بس زعلي وحش وأحسن ليكِ متجربهوش علشان هتزعلي جامد منى
ليُشير نحو جبهتها مُستكملًا بقوةٍ: عقلك دا يوزك تخرجي من البيت ده هيكون يومك أسود أنتِ سامعة؟
دفعته بعيدًا عنها ترمقه بغضب فصاحت بإهتياج: أنت ملكش حُكم عليا، وأنا مش في سجن أنا لو قاعدة هنا فعلشان دا حقي وبيت أبويا الله يرحمه، غير كده اقسم بالله ماكنت قعدت هنا، مش كفاية مستحملة وحاطة جزمة في بؤقي، لكن مسمحلكش تلغي شخصيتي وتحط قرارات بدالي
ثم تحركت نحو الباب صافقة إياه بقوةٍ جعلته غير مُصدقًا ما أخبرته بهِ من حديثٍ قوي جعله ينظر نحو طيفها مُبتسمًا بإعجاب صارخ: البت طلعت جامدة وبتخربش كمان مش عارف هاحب فيكِ إيه والا إيه …
بتر حديثه حينما استمع لصوت بوق سيارة اقترب من شرفتها؛ فوجد “عاصي” يترجل منها ومعه والدته وشقيقته الأصغر،
شعر بالغيرة وبركان جحيمي يتملك بهِ من تواجده هُنا؛
فهرول إلىٰ أسفل كي يجعلها بعيدة عن نظراته المخترقة لها؛ فكلما جاء يتفحصها بنظراته العاشقة فتجعل “فريد” يشعر بغليان قوي بداخله مما جعله لا يصمت وكاشفًا بداخله حبها المخترق لقلبه ..
****
ترك الهاتف فوق المنضدة بعدما وجد العديد من المكالمات الفائتة من والدته، فتنهد مُتحركًا نحو المرحاض ليسترخي قليلًا من عناء اليوم في عمله الهندسي، انتهي ثم خرج قام بتشغيل المكيف واستلقىٰ فوق الفراش مُتنهدًا بإرتياح، مُغمضًا جفونه لعله يستريح من التفكير في حياته البائسة، بعدما ابتعدت عنه زوجته لمعرفتها بإنه عقيم لا يستطيع الإنجاب !!
تزوج بها سرًا مُستغلًا مكوثه ببلدةً أخرى بعيدًا عن عائلته،
شعر بوخزةٍ مؤلمةٍ شقت صدرهُ لنصفين مُتذكرًا ما حدث قبل شهر حينما أخبرته بأنها تحمل بين أحشّائها جنين من شخصٌ سواه !!
(عودة بالوقت للسابق)
قبض فوق خصلاتها فكاد أن يقتلعها بين يديه من شدة ضغطه، يكاد أن يجن فمنذ إخبار الطبيب له قبل قليل بإنه سيصبح أب جعله يشعر بالتوهان والحيرة التي استحوذت عليه، مُتشككًا بما وقع علىٰ مسامعه، مُتسائلًا هل أخطأت بحقه واللجوء للخيانة؟
فصاح بها بفحيح وجنون:
حامل إزاي يازبالة وأنا مبخلفش ردي عليا؟
نفضت يدها بعد عناء من قبضته القوية لتهدر بهِ بقوة : أنت فاكر نفسك جوزي بجد والا إيه؟ لأ فوق ياحبيبي دا أنا استحملتك كتير ووافقت اتجوزك في السر واتخرست كمان لما عرفت إنك مبتخلفش، أنا مليش دعوة بكل دا أنا عايزة أكون أم
استشاط غيظًا من حديثها الوقح ليتفوه بجنون: بالخيانة
ياحقيرة؟ دا أنا أولىٰ بقي كنت أطلقك وتروحي تشوفي حياتك بدل من القرف إللى عملتيه دا
ليتابع بنبرةٍ حادة مُقتربًا منها كالأسد ينقض علىٰ فريسته : دا أنا هموتك النهاردة قوليلي مين الكلب إللى خونتيني معاه يازبالة، ردي عـلـيـا
صاحت فيه بهيستيريا وهي تبتعد للخلف خوفًا من بطشه
فقبض علىٰ ذقنها بعصبية فارطة: هوريكي إزاي تخدعيني وتلوثي سُمعتي ياخاينة
وقعت في أحضانه بجسدٍ مُرتعش ناتجة عن إنخفاض نسبة السكر في جسدها الهزيل لتُصيبها الصاعقة وهي تهمس بجزع:
ابوس ايدك سيبني وصدقني مش هتشوفني تاني ياماجد
قال بصوتٍ ضعيف وتحسرٍ علىٰ حبه لها: دا أنا كنت بحبك لية، عملتي فيا كده لــيــة؟
تجلّت معالم الذعر علىٰ نبرتها الواهية وهي تكافح ألمها الجسدى، روحها المُتعبة، لتتحدث بترقب من حالته المزرية:
ماجد سيبني بالله عليك، أنا حامل أرجوك متعملش فيا حاجة
اتسعت عيناه يرمقها بنظراتٍ جحيمية، مُقتربًا منها قبل أن ينهال عليها بالصفعات واللكمات وهي تصرخ بإنهيار وعقلها لا يصدق أي شيء من فعلتهُ وضربه المُهين لها !!
ابتعد عنها فجأةً بأنفاسٍ لاهثة قابضًا فوق خصلات شعرها بعنفٍ فصرخت ببكاء مرير وهي ترجو منه أن يتركها لكن نهرها بقوةٍ: اطلعي برا يازبالة أنتِ طالق مش عايز اشوف وشك تاني بــرا
هرولت نحو الخارج غير عابئة بمظهرها وثيابها الممزقة نتيجة ضربه المبرح لها ،بينما هو نظر نحو طيفها بخذلانٍ ووجع مُبتلعًا ريقه بمرارة؛ نتيجة اختيارته الخاطئة دومًا لينتهي بهِ المطاف كما جاء كي يهتم بعمله فقط دون اللجوء للتفكير بتكرار هذه الزيجةِ مرةً أخرى ..
استفاق من شروده وتفكيره المخزي علىٰ صدع هاتفه بالأرجاء ليزفر بضيق ثم التقطه هاتفًا بضيق: إزيك ياماما
لتُجيب بعصبية كالعادة دون مُراعاة الزمان والمكان: أنت فين ياماجد؟، مبتردش عليا لية من امبارح بكلمك
تنهد مُجيبًا بلامُبالة: كنت في الشغل هاكون فين يعني؟
رفعت حاجبيها قائلة بإحتدام: طب تاني مرة مش عايزة ارن عليك متردش أنت سامع؟ بدل اقسم بالله هسافر لك بنى سويف وهاخدك معايا القاهرة حتىٰ لو غصب
قهقه برجولة فأردف بسخرية: تاخديني معاكِ فين أنتِ ناسية إني كبرت، وبقيت مهندس زراعي قد الدنيا؟
ليريح ظهره مُضيفًا بقوله الحاد غير عابئًا بنبرته نحو والدته: يعني محدش يقول ليا تعالى واقعد، غير بمزاجي
تفوهت بنبرةٍ ساخطة: لأ مش ناسية، بس يمكن بقول كده علشان أمك مثلًا
زفر بعصبية قائلًا بغضب سافر: ماما أنا مش فاضي دلوقتي لسه جاي من الشغل تعبان، هنام شوية وهكلمك بعد أسبوعين أكون ارتاحت
ليُغلق الهاتف مُسرعًا ويذهب في سبات عميق، بينما هي اتسعت عينيها من فعلته وعدم تقديره لها ولمكانتها بالمنزل؛ فهي تعتبر كما يلقبونها بـ”الكبيرة” لشخصيتها القوية، الأمر والنهي لها فقط
لا يحق لأي شخص التدخل والقول سواها، تعتبر مالكة المنزل؛ فزوجها ليس لديه شخصية إطلاقًا، تعتبر طيبة قلبه وحنانه الدائم في التعامل بالنسبةِ لها شيءٌ بغيض لاذع؛ فلهذا هي المتحكمة دومًا في كل شيء وهو لا يستطيع الرفض لها مطلقًا !!
لتُحاول إلتقاط أنفاسها ببطءٍ من شدة الضغط علىٰ ذاتها، مُلتقطة بخاخ الربو لتسهيل التنفس لديها، فحمدت ربها بإنه بجيب جلبابها والا العواقب ستكون وخيمة !!
وجدت زوجها “محمود” يهبط الدرج يدندن؛ لكنه ابتلع ريقه ناظرًا بذعر نحوها حينما وجدها تنظر نحوه بسخرية:
متجوزة تامر عاشور يا أخواتي؟
ليبتسم ببلاهة قائلًا بدعابة:
لسه ورد قايلة برضو كده “عمي تامر عاشور”.
رمقته شزرًا مُغمغة بخفوت: جتك نيلة أنت وهي
لتُشير نحو الأعلى مُستطردة بحدة: فَهم بنت أخوك إن قاعدتها في أوضتها دي مش عجباني، طالما هتطفح يبقي تنزل تساعدني، أنا مش هطبخ لتلات عجول كفاية عجلين عليا
تحدث بعدم فهم : قصدك مين؟
كبحت ضحكتها بقوةٍ فحمحمت مُغيرة مجرى الحديث بنبرةٍ جامدة: أنت سامع بقولك إيه؟ ياريت تطلع تقولها تنزل علشان تساعدني في عمايل المحشي
_بس ياحبيبتي المحشي بيسود الأيد، وهي ماشاء الله عليها رقيقة مش زيك يعني و …
بتر حديثه حينما رأى نظراتها المخترقة له ليصحح بتلعثم: هطلع اندهلها حاضر
جاء ليصعد فوجد “فريد” يقول بعصبية: ورد مش هتساعد حد في المطبخ
ليتابع بجمود: هاتي المحشي هعمله أنا معاكِ لو محتاجة مساعدة، غير كده هي مش هاتمد ايدها في حاجة
شهقت ضاربة فوق صدرها لتصيح بهِ: أنت بتستعبط يافريد محشي إيه إللى أنت هتعمله
لتُضيف بضيق حينما لمحت جموده: خلاص يا أخويا خلي السنيورة فوق تحضر عفاريتها، وهروح أنا هعمل الخلطة وأعبيه، مش عايزة حاجة منها
لتتحرك نحو المطبخ تسبها بأفظع الشتائم، بينما “فريد” جلس بجوار والده قائلًا بدعابة: بقولك ياحج مفكرتش تتجوز تاني بدل الولية دي؟
قهقه “محمود” ردًا بخفوت:
أمك كرهتني في صنفهم والله منها لله
ليقهقه “فريد” بقوةٍ ثم تحرك نحو الخارج ليُباشر أعماله مُحاولًا عدم التفكير في معشوقته ..
****
بعد خمس ساعات ..
ظلت تجول بغرفتها ذهابًا وإيابًا تكبح غيظها من حديثه وعناده اللاذع معها ككل يومٌ، لا تعلم لِمَ يتعامل معها بحنق دومًا وكأنها قتلت له شخصٌ عزيز !
انفتح الباب علىٰ مصراعيه لترمقه شزرًا من فعلته الوقحة تلك، اقترب منها يقف قبالتها قائلًا بإقتضاب: هو بيجي هنا لية؟
شهقت من تساؤله المفاجئ لأمر ابن خالتِها من مجيئه إلىٰ هُنا كل يومٌ مطمئنًا عليها، لتقول بغضب سافر: إيه قلة الذوق دي؟ هو دا إكرام الضيف؟ وبعدين هو بيجي علشان يطمن عليا
تحدث بجنون رافعًا حاجبيه لها من حديثها المثير لإغضابه:
يـ إيه ياختي؟ لأ سمعيني كده؟ لأ دا حلو أوي إللى بسمعه دا لأ وجديد كمان يعني سيادتك عارفة إنه بيجي علشانك وعلشان يشوفك وعادي جدًا بالنسبالك؟
زفرت بضيق مُعاودة حديثها بإعتداء: عاصي ابن خالتي متنساش دا لو سمحت
حرك رأسه بالنفي قائلًا بإمتعاض: لأ أنا نسيت صلة القرابة
بينكم لما شوفت نظراته ليكِ
تفوهت بعدائية: أخرس هو كل الناس زبالة زيك والا إيه؟
بتر حديثها بعصبية مفرطة: أخرسي أنتِ ولو عايزة خالتك تيجي يبقي لوحدها، غير كده انسي
ليُشير بسبابته قائلًا بنبرةٍ قوية جادة غير محتملة للنقاش: اقسم بالله لو خالتك جات بعد كده وهو معاها ماهخليها تلمح طيفك
لمعت عينيها بالذعر بتوجسٍ أجابت: هتموتني يافريد؟
انتفض من وقفته حينما لمح مقليتها علىٰ مشارف تساقط عبراتها ليقول بلهفة: لأ ياورد مستحيل اعمل كده دا أنا اقتل نفسي ومعملش كده اهدي طيب وبطلي عياط
تنهد بيأس لضعفه امام عينيها الباكية قائلًا بتساؤل: طب إيه يرضيكي وأنا هعمله؟
نظرت نحو عيناه ببطء ترتشف من ملامحه الرجولية مُغمغة بخفوت: بجد؟
ابتسم ليومئ لها قائلًا بإبتسامة: بجد
اصتنعت التفكير لتُجيب بحماس: نفسي اروح شرم واقعد أسبوع علشان خاطري وافق
هز رأسه فأردف بإيماءة: حاضر، هاخد اجازة من شغلي ونروح كلنا شرم
تحدثت بدعابة جعلته يقهقه بشدة: هو أنت بتشتغل أصلا؟
أنت يعتبر راشق في البيت و أربعة وعشرين ساعة عندي في الأوضة
رفع حاجبيه لها بتساؤل: عاجبك والا مش عاجبك؟
ابتسمت قائلة بتوجسٍ مصطنع: هو أنا قُلت حاجة
ابتسم علىٰ دعابتها مُجيبًا بحزم: يلا روحي نامي دلوقتي
جاءت لتغادر لتُعاود الوقوف أمامه من جديد حينما استمعت
لنداءه لها يقول بنبرةٍ هادئة: امسكي
رمقته بإستغراب جَليٍ فوق قسمات وجهها لتمسك بالحقيبة البلاستيكية كي ترىٰ ما بها اتسعت عيناها من هول جمال
الفستان الذي أحضره لها بدلًا من الأخر المتسخ بفعل والدته في الصباح: الله ذوقك حلو يافريد
ابتسم ليقول بدعابة: أدام عجبك خلاص ياستي عندي استعداد كل ماتلبسي فستان حلو وجديد هوقعلك عليه عصير
بمشاكسة قال: حلو كده؟
غمغمت له بإشادة: شكرًا يافريد
أومأ لها قائلًا بنبرةٍ جعلتها ترتجف من شعورٌ أستحوذ عليها : العفو يامولاتي، تصبحي علىٰ خير
بخفوت استطردت: وأنت من أهل الخير
ثم تحركت نحو المرحاض بشعورٌ جديد لم تعتاد عليه من قبل معه، بينما هو ظل ينظر لطيفها مُتنهدًا بإبتسامة وجع:
ياربّ ياورد لو نصيبي مع حد غيرك منولهوش
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية إنما للورد عشاق)