روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم فاطمة أحمد

موقع كتابك في سطور

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الثاني والعشرون

رواية نيران الغجرية البارت الثاني والعشرون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثانية والعشرون

اليوم الموعود.
___________________

” وتلك الرغبة الغريبة في النظر إليك ، وكأني لا أملأ عيني بك بل أملأ قلبي ” # ليطمئن_قلبي

صوت صرير الباب المزعج الذي أصدر فجأة عند فتحه إخترق السكون المرير السائد في المكان ، ثم أُغلق و تحرك هو بخطوات بطيئة موزعا بصره على أنحاء الشقة و روحه تهفو لقياها ، رؤيتها و سماع صوتها الحنون ، و رنة خلخالها الملتصق بها …

تنهد عمار بسقم و دلف إلى الغرفة التي كانت تجمعهما في السابق ، لا يزال يأتي هنا متذكرا ما عاشه معها فلقد إحتفظ بكل شيء في مكانه ولم يغير موقع غرض من الشقة …
حتى أنه بين الحين و الآخر يكلف بعض العمال بتنظيفها و يشرف عليها بنفسه !

ولج إلى غرفة تغيير الملابس و فتح الخزانة ليخرج صندوقا صغيرا منها طالعه بجمود وهو بين يديه ثم جلس على السرير و فتحه ببطء.

غامت عيناه و إهتاجت أنفاسه عند رؤية مكنوناته ، لقد خبأ عمار في هذا الصندوق الصغير أهم ما كانت تستعمله تلك الغجرية فتشتعل النار و تهب العواصف في داخله كلما رأى محتوياته.

مرر أنامله برقة على أكثر خلخال كانت ترتديه وهو نفسه الذي وقع منها يوم الحادث و وجده والده مرميا ليأخذه هو منه …. زجاجة العطر صغيرة الحجم التي أهدته إياها … و خاتم الأوبال الذي تخلت عنه و غادرت !

جز عمار على أسنانه بجنون يستيقظ كلما تذكر أنها مختفية وهو سيتزوج غدا ، ثم إرتعشت حواسه عندما وقعت عيناه على قلادة مميزة فتذكر أول ليلة بينهما عند زواجهما منذ 4 سنوات …

Flash back
( فتح الباب و دخل وهو يحيط خصرها بذراعه و يمشي بخطوات ثقيلة مسايرا لحركتها البطيئة ، جزء منه يشعر بالإنتصار لأنه ظفر بها أخيرا و ها هي تحت ملكيته الآن ، و جزء آخر مقيد يفكر بأنه تسرع عندما عقد قرانه بسرية هكذا.

تنهد بكتوم يهز رأسه ليطرد الأفكار السلبية من رأسه ثم طالع – زوجته – التي يشعر بأنها لن تتحمل دقيقة إضافية وتقع على الأرض.
رسم إبتسامة دبلوماسية على وجهه و غمغم بصلابة :
– أهي الشقة بتاعتنا تعالي أفرجك عليها.

لم تعلق مريم عليه و هو أيضا لم ينتظر ردها بل جذبها برفق و بدأ يعرفها على منزلها الجديد و إستطاع لمح الإعجاب المخبأ خلف الخوف في عينيها.
و أخيرا دخلا إلى غرفة النوم فإحتبست مريم أنفاسها بداخلها لتسمعه يردد :
– و ديه أوضة النوم بتاعتنا و البلكونه أهي … عجبتك ؟

همهمت بتقطع فوقف عمار يقابلها و زيتونيتاه تركزان عليها بدقة.
كانت عروسه مريم ترتدي ثوبا بسيطا باللون الأبيض يضيق عليها من فوق و يتسع قليلا من الأسفل مطرز باللؤلؤ و به فتحة واسعة من جهة الصدر أخفاها جاكيت الفرو الأبيض الذي وضعته على كتفيها و أحكمت إغلاقه.

عيناها مزينتان بكحل عربي ثقيل أبرزهما أكثر و شفتيها ملونتين بأحمر الشفاه القاني.
أما شعرها الأسود المموج فكان منسدلا يتجاوز منتصف ظهرها بقليل و قد وضعت طوقا من الورد الأبيض و الأحمر على رأسها.
ثم جاءت الإكسسوارات المتمثلة في أقراط ثقيلة ذات تصميم غجري و سوار ذهبي و خلخال في قدمها ..

و رغم إستغرابه من عدم شراء خاتم زواج من الأموال التي قدمها لعمها لكي تضعه في إصبعها إلا أنه تجاوز ذلك مفكرا بأنها ربما خجلت من شرائه دون أن يكون هو معها.

و إختار أن يستمر بتأملها ، لم تكن مريم شديدة الجمال لدرجة الفتنة و ربما ستكون عادية في عيون غيره لكن عمار إنبهر بها منذ أول مرة رآها و نجح في الحصول عليها.

حمحم و مد أصبعه يرفع ذقنها بلطف ، فقابلت عيناه خاصتها ليبتسم هامسا :
– خايفة ؟

هزت رأسها تنفي صحة سؤاله رغم جزمه بحقيقته ثم في لحظة تحولت ملامحه الساكنة إلى أخرى قاتمة عندما ردد بخشونة :
– اسمعيني يا مريم انتي و أهلك كنتو عارفين ايه هي شروطي في الجوازة ديه و وافقتو عليها و أنا مجبرتكمش على حاجة.
الشقة ديه بتاعتك من النهارده اعملي فيها ما بدالك بس لازم نتفق على كام نقطة الأول.

بلعت مريم ريقها بهلع من تغيره هكذا و احتشدت أنفاسها بترقب منتظرة ما سيقوله بينما تابع هو :
– انتي دلوقتي مراتي على سنة الله و رسوله عايزك تفهمي كلامي كويس دلوقتي عشان نقدر نتفاهم مع بعض.
أول حاجة أنا الآمر الناهي في العلاقة ديه اللي بقول عليه بيحصل ومن غير أي إعتراض كمان …

و طفق يملي عليها تعليماته حول كيفية التعايش معه ليسعدا مع بعض ، و لم ينتبه إلى نبرته وهو يتحدث لذلك أكمل بشيء من الحدة :
– انتي هتسمعي كلامي و تنفذيه بالحرف و أنا في المقابل هحترمك و أعاملك كويس و أوفرلك كل اللي بتحتاجيه مهما كان أوعدك مش هتتأذي طول ما انتي معايا و هتعيشي حياة محلمتيش بيها ….. موافقة ؟

اومأت بصمت فشدد عليها عمار بصرامة :
– عايز اسمع صوتك.

أخيرا همست بتلعثم :
– م … موافقة حضرتك.

همهم برضا و هنا إتخذت لمساته مسارا آخر ، بدأ يمرر أصابعه على وجهها إبتداء من عينيها و رموشها ثم وجنتيها نزولا إلى شفتيها.
إرتفعت نبضات قلبه و إهتدجت أنفاسه من شدة الرغبة بها مع ملاحظته لتجمدها الغريب أثناء لمسها لكنه فسر ذلك بالخوف و التوتر.

فأدخل أصابعه بخصلات شعرها الغجرية يداعبها و نزل يقبل وجنتها هامسا :
– أنا مستني اللحظة ديه بقالي كتير.

تزامن كلامه مع خلعه لجاكيت الفرو الخاصة بها و عندما كاد يحط شفتيه على شفتيها تفاجأ بمريم تشهق و دموعها تنزل بصمت.
أجفل عمار و إبتعد عنها لكي يسألها عن سبب عبراتها ولكنها إنتفضت و بدأت تجهش في البكاء بصورة غير طبيعية أذهلته فحاول تهدئتها مرددا :
– انتي بتعيطي كده ليه يا مريم ايه اللي حصل.

لم تجبه و إكتفت بالبكاء فقط ليأخذ نفسا عميقا متسائلا بريبة :
– أنا أذيتك من غير ما أحس طيب انتي رافضة اقرب منك ؟ مريم إهدي و ردي عليا !

أجفلت من نبرته المتشنجة فكتمت أنفاسها ولم تعد تصدر سوى إنتفاضات منها ، قضب عمار حاجباه ينظر لها بصمت حتى هتف مستدركا :
– انتي خايفة … لسه مش مستعدة لليلة ديه ؟

إضطربت مريم أكثر ولكنها اومأت بإيجاب ، فإبتسم الاخير و مسح دموعها بلطف متمتما :
– كل العياط ده علشان كده لو صارحتيني من الأول كان هيبقى أحسن يا مريم ، طيب إحنا هنأجل الموضوع لو هيريحك أنا مش مستعجل خالص.

كان يكذب عليها بهذه الكلمات فهو كان متشوقا لها حد الهوس ولكن عند رؤية كم هي خائفة فكر في التريث ليضمن إحترامها و إمتنانها الدائمين له بعد هذه الليلة.
مسح دموعها و ضمها لصدره بحنان تحت صدمتها التي تحولت إلى راحة و إطمئنان كبيرين رغم خجلها من إحتضانه لها هكذا.

أبعدها عمار عنه بعد دقيقتين وهو يستطرد بإدراك :
– صحيح أنا جبتلك هدية.

أمسك يدها برفق و أخذها إلى التسريحة وقفا أمامها ليظهر إنعكاسهما على المرآة ، كادت مريم تسأله عن ماهية الهدية ولكنها توقفت عندما رأته يخرج من جيب سترته الداخلي علبة مخملية و يفتحها.

شهقت بذهول عندما أزاح عمار شعرها إلى الجانب و لف حول عنقها من الخلف قلادة من الخرز الأرجواني على شكل قمر يعكس إضاءته في الظلام أو عندما تكون الإضاءة خافتة.
تلمستها بعينين متسعتين فهمس الآخر عند أذنها بنبرة مثقلة :
– السلسلة ديه إسمها ” القمر المضيء ” ، شوفتها لايقة عليكي لأن وشك شبه القمر في جماله.

تأوهت بإنبهار واضح و هدرت بنبرة مأخوذة من السحر :
– أنا … وشي زي القمر ؟

لاحظ التأثير الذي طرأ عليها جراء غزله فأكمل مؤكدا :
– و أحلى منه كمان.

إنفلتت ضحكة سعيدة منها و نظرت إلى إنعكاسه على المرآة مرددة :
– عمار بيه …. هدية حضرتك جميلة اوي أنا مش عارفة اشكرك ازاي …

قاطعها عمار عندما أدارها نحوه و أمسك كتفيها يطالعها برغبة وقد أعجبه نوعا ما خضوعها هذا ولكنه حاول طمس ما يشعر به فقال بثبات :
– أولا أنا عمار بس ، وثانيا متقوليليش شكرا تاني ديه هدية جوازك و أنا جبتهالك عشان انتي مراتي ده حقك يا مريم.

تلون فمها بإبتسامة خجولة سرعان ما إضمحلت و ظهر مكانها الإرتباك عندما رأته ينحني عليها و رغبته واضحة …
إلتقف عمار شفتيها في قبلة رقيقة لا تعكس ما يريده أبدا فهو يطمح لإمتلاكها بقوة لكن هذا لن ينفع الآن ، يجب عليه التمهل و التريث و إلا سيفشل في جعلها تستميل له و تتعود عليه.

إبتعد عنها بعد دقيقتين وصدره يتراقص صعودا و نزولا غير مصدق بأنه أخيرا حصل على تلك الشفتين …. ضم وجهها بين كفيه يراقب ردة فعلها المشوشة ليهمس :
– الوقت اتأخر وانتي لازم تنامي و ترتاحي.

– أنام ؟
برطمت مريم بدهشة وهي تطالعه كأنه مخبول فضحك عمار مجيبا :
– أيوة قولتلك من شويا إني مش مستعجل و مستعد نأجل و أنا عند وعدي.

وضع يده على ضهرها و أخذها إلى السرير ثم ملس على وجنتها :
– أنا مش هغصبك على أي حاجة.

طبع قبلة خفيفة عليها و عندما إستدار ليغادر تفاجأ بها تمسك يده توقفه ، إلتفت لها عمار ولم يكن بحاجة لسؤالها عن سبب إمساكها به فوجهها الخجول و أصابعها المشددة عليه أكدت له أنه نجح في طمأنتها و إبعاد الخوف عن قلبها.
و بالفعل جذبها لحضنه يقبلها بتروي و شيئا فشيئا إستسلمت و سلمت نفسها له طواعية لتكون هذه الليلة أول ليلة تجمعهما ….. )

Back

عاد من ذكرياته و همس بحيرة :
– أنا حقيقي شوفتك امبارح ولا كنت بتخيل لأني بفكر فيكي كتير …. لأ أنا شوفت وشك و بصيتلك أكتر من مرة مش معقول أبقى غلطان.

تأفف بضيق متذكرا ما حدث البارحة و أنه لمحها تقف على بعد أمتار منه ثم إنسحبت فركض وراءها لكنه لم يستطع إيجادها.
حينها أعطى مبررات تافهة لندى عن سبب خروجه المفاجئ و منذ ذلك الوقت لم يكف عن التفكير و أين من الممكن أن تكون رغم عدم تصديق يوسف و وليد له و تشكيكهما بما أبصرت عيناه.

خلل عمار أصابع يده داخل شعره هادرا بغضب و توتر :
– مستحيل تكوني طلعتي قدامي فجأة ولو حقيقي كنتي هناك هربتي ليه إنتي رجعتي ليه أصلا معقول علشان هتجوز بكره.
و إيه اللي أنا بعمله ده بدل ما اكون مشغول بتجهيزات فرحي عماله أفكر بيكي زي المجانين !

قاطع صوت رنين الهاتف و كان أحد رجاله وقد طلبه منذ ساعات ليتواصل معه في هذا الوقت من اليوم.

أجاب ليسمع الآخر يردد عليه التحية و يقول بإحترام :
– حضرتك طلبتنا يا باشا.

هز رأسه ماسحا على وجهه بإنفعال قبل أن يغمغم :
– أنا هبعتلكو صورة واحدة مع المعلومات بتاعتها و المطلوب منكم تدورو عليها فكل مكان في المدينة و تعرفو اذا جت فعلا القاهرة ولا لأ و أوعى حد يسمع بالكلام ده مفهوم.
– تحت أمرك.

أغلق عمار الخط و ناظر الصندوق بين يديه بنظرات مظلمة :
– هنشوف اذا كنتي خيال ولا حقيقة يا مريم … و لو حقيقة فعلا ساعتها هيبقى لينا كلام تاني مع بعض !!

__________________
من جانب آخر.

كانت الحديقة الواسعة المحيطة بالقصر تعم بالضوضاء و مهندسو الديكور و عمال الإضاءة على قدم و ساق لأجل تجهيز زفاف يليق بفخامة عائلة البحيري.
أطلت ندى من شرفة غرفتها تراقب التحضيرات النهائية لحفلة الغد بوجه شارد حتى إستفاقت على طرق الباب لتدخل شقيقتها الكبرى و عندما رأتها قالت مبتسمة :
– انتي واقفة كده ليه انا قولت هلاقيكي قدام المرايا او ماسكة تلفونك.

لم تعلق الأخرى فقط إكتفت بإبتسامة مقتضبة فقضبت منال حاجبيها بوجل :
– ندى خير باين عليكي مدايقة ، What’s wrong ؟
– أحم لا مفيش حاجة.
– مفيش ازاي تعالي معايا.

أمسكتها منال و أخذتها للداخل مجلسة إياها على السرير :
– إنتي متوترة عشان الفرح بكره ؟ طيب عمار مزعلك في حاجة ؟

تمتمت بالجملة الأخيرة وقد لاحظت الحزن البادي عليها لتجيب ندى أخيرا :
– معرفش … أنا قلقانة شويا.
– طبيعي تبقي قلقانة أي واحدة بتعيش الأحاسيس ديه لما فرحها يقرب.

نفت برأسها و الإنفعال يزداد لديها :
– لأ مش عشان كده بس أنا حاسة أن عمار متردد من جوازنا يعني بحسه بيعاملني ببرود و بيبعد لما بحاول اقرب منه و علطول سرحان و مبيتفاعلش مع أي حاجة تخص الفرح بتاعنا و ….

صمتت تتذكر وضعه قبل خطوبتهما عندما كان يغيب عن المنزل ثم يعود وهو يفوح برائحة عطر نسائية و ذلك اليوم حين رأته مع حبيبته ، تنهدت و تابعت بقلة حيلة :
– أحيانا بحسه لسه متعلق بالماضي بتاعه و منسيش الست اللي كان معاها أنا خايفة نتجوز و اتصدم بعدين لما اتأكد أن حبيبته السابقة مطلعتش من دماغه و لسه بيفكر بيها.

أجفلت منال مندهشة من حديثها لكنها تمالكت نفسها و علقت :
– عمار قال حاجة تدل على أنه مش موافق ع جوازكم حاول يلمحلك بأي كلمة أو قالك لسه منسيش الست اللي كان معاها ؟

رفعت رأسها إليها تعيد بذاكرتها للوراء و بالضبط بعد أسبوع من طلب يدها للزواج ….

flash back

( نزلت من غرفتها بخطوات متباطئة و عقلها قد تعب من شدة التفكير في إبن عمها الذي فاجأها برغبته بالزواج منها ، لقد كان يتجنبها منذ آخر موقف بينهما حينما بادرت بتقبيله و بادلها هو إياها ثم نفرها بعيدا عنه و ها هو الآن يريد الإرتباط بها.

إتجهت إلى الحديقة الخلفية و تسمرت مكانها لوهلة عند رؤيته جالسا على إحدى المقاعد يدخن بشراهة و بكميات وفيرة لدرجة أن رائحة السجائر وصلتها وهي على بعد مسافة طويلة منه و هذه الحالة تصيب عمار عندما يكون منزعجا غاضبا أو يفكر في معضلة ما.
أخذت نفسا عميقا و تشجعت لتذهب إليه جلست بجانبه و هنا إنتبه لوجودها فأطفأ السيجارة مغمغما بطريقة مباشرة :
– جاية تعرفيني بقرارك ؟

– لأ جاية علشان اسألك.

– إتفضلي.

بللت ندى حلقها الجاف مترددة بين التحدث و الصمت ثم حسمت أمرها و إندفعت تسأله :
– ليه طلبت إيدي ؟ اشمعنا دلوقتي وانا كنت قدامك من زمان و معتبرني بنت عمك و صديقة بس ، انت من الأول شايفني كزوجة و عايزني ولا اتقدمت عشان … عشان اللي حصل بيننا ؟

ثبت عمار نظراته على الأرض و ظل صامتا بضعة دقائق قبل لان يجيبها :
– أولا اللي حصل مكنش ينفع بس أنا نسيته بقالي كتير و مفيش داعي تفضلي تربطي كل حاجة بيه …. ثانيا مش هكدب عليكي و أقولك بعشقك و مبقدرش أعيش من غيرك و حابب نتوج الحب ده بالزواج لأ بس أنا نويت استقر و أعمل عيلة و لما بقعد أفكر في واحدة مناسبة مبلاقيش غيرك.
انتي أقرب شخص ليا يا ندى بتفهميني و بتعرفي اللي بحبه واللي بكرهه اللي ييعجبني و اللي بنفر منه فاهمة طبيعتي كويس أنا بشوفك مناسبة ليا علشان كده طلبت ايدك و اتمنى تبقي شايفاني بنفس الطريقة.

لمعت عيناها ببريق ساحر و رغم أنها كانت ترغب في سماع كلام آخر منه كأن يعترف بحبه و يخبرها كم كان يحلم بها إلا أن صراحته و منطقه جعلاها تحلل كل كلمة منه جديا فتمتمت بتردد :
– و … الست اللي كنت بتقعد معاها لما تبقى غايب عن البيت … أنا عارفة أنك قضيت ليالي كتيرة معاها و عايزة أعترفلك بحاجة أنا شوفتكم سوا اليوم إياه في المطعم و يعني …
انتو كنتو قريبين من بعض أوي و بعديها غبت أسبوع و رجعت ساعتها أنا فهمت أنك كنت مع البنت ديه و مش بلومك على فكرة عشان ديه حياتك بس عاوزة أعرف لو هي لسه في حياتك أو أنت بتفكر بيها.

رأته ندى يغمض عينيه و لسوء حظها لم تستطع قراءة ملامحه الجامدة هذه المرة فإلتزمت الصمت حتى هتف بنبرة مثقلة :
– لا هي طلعت من حياتي من زمان و بقت صفحة و اتقلبت و أنا عايز افتح صفحة جديدة بعيدة عن الماضي بتاعي … عايز أفتحها معاكي إنتي.

إبتسمت ندى و عضت على شفتها بشيء من السعادة و الإطمئنان ثم تمتمت :
– طالما ده كلامك … أنا موافقة على الجواز … )
Back.

إستفاقت من ذكرياتها على تكرار شقيقتها للسؤال فزفرت بحيرة مرددة :
– لأ يا منال بالعكس عمار كان صريح معايا و قالي عايز يتجوزني عشان شايفني مناسبة ليه و كمان انه نسي حبيبته السابقة بس …

قاطعتها الأخرى على الفور :
– ادي الإجابة على أسئلتك عمار مفيش سبب يخليه يعمل حاجة هو مش عايزها و بعدين حطي في دماغك أنه محظوظ علشان ارتبط ببنت زيك و مش هيبقى غبي لدرجة يفرط فيكي.

صمتت منال قليلا ثم تابعت :
– شيلي ال negative thoughts ديه من دماغك و فكري بس في اللي جاي … بكره فرحك أهم يوم في حياتك الناس كلها متحمسة علشان تشوف فرح بنت البحيري وانتي بقى لازم تنسي الي مدايقك ده أوك ؟

تمهلت ندى قليلا و لكنها وافقتها في الأخير مستدركة :
– اوك … صحيح ال Wedding dress ( فستان الزفاف ) لسه واصل من لندن بس مجابوهش لحد دلوقتي اعرفي هما فين أنا متحمسة اجربه.

في نفس اللحظات طرق الباب و دخلت فريال و خلفها فتاتان و شابين يجران الحامل المعندي الذي يعلق عليه الفستان المغطى بعناية.
إنتصبت ندى واقفة بلهفة وبمجرد رؤيتها له شهقت بإنبهار و عزمت على تجريبه ناسية ما كان يقلقها ….

___________________

وصل اليوم الموعود ، يوم جديد إنتظره البعض بحماس و البعض الآخر إستقبله بجفاء.

تململ في فراشه بإنزعاج من الصوت الصادر خارجا ولم يكن يعلم سببه حتى ركز ليدرك أن هذه اصوات صديقيه.
و شيئا فشيئا تذكر ان اليوم زفافه فزفر بسخط و حك عينيه مهمهما :
– و دول ايه اللي جابهم على هنا.

تأفف عمار و انتصب واقفا ليفتح باب غرفته فقابله وليد بإبتسامة بلهاء و يوسف يهز كتفه بقلة حيلة :
– صباح الخير يا عريس ، I’m sorry بس هو اللي أصر عليا أنا مليش دعوة.

إقتحم الأخير الغرفة مرددا بصوت عال :
– انت ليك نفس تنام لحد دلوقتي في يوم فرحك يا جبروتك يا أخي.

رسم عمار إبتسامة صفراء على وجهه مجيبا :
– ماهو مش أنا العروسة عشان أتوتر و مقدرش أنام ؟

تدخل يوسف قائلا بجدية :
– طيب احنا جينا علشان نساعدك تجهز نفسك و ياريت متعترضش يلا أدخل خد شاور محترم عشان ريحة السجاير اللي عليك ديه و بعدين تعالى … عندنا شغل كتير النهارده.

قلب عيناه بسأم و إختار عدم الجدال فدلف إلى الحمام و عند خروجه تفاجأ بوجود مجموعة من الشباب و قبل أن يتكلم سحبه وليد كي يجلس على الكرسي و نظر إليهم هاتفا :
– تقدر تبدأ دلوقتي و انت كمان يلا اتفضلو بسم الله.

إنهال عليه الشباب متكفلين بتجهيزه على أكمل وجه أحدهم إنشغل بوضع مستحضرات غريبة أسفل عينيه إستنكرها عمار ورفضها بشدة ولكن وليد أخبره أنها مهمة لإزالة الهالات السوداء.
و الآخر تكفل بقص بعض خصلات من شعره الذي تكاثف بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ثم تصفيفه و حرص غيره على هندمة لحيته ، كان الجو مفعما بالحيوية و لم يخلو من المزاح و الضحك فوجد عمار نفسه متحسن المزاج و صمم وليد على إلتقاط صورة لهم و نشرها …

و بعد ساعات قليلة كان عمار يقف بمفرده أمام المرآة العمودية بعد مغادرة أصدقائه ، تطلع إلى هيأته و هو يرتدي بدلة سوداء كلاسيكية فخمة مع حذاء بنفس اللون فتنهد و طفق يعدل ربطة العنق متذكرا يوم زواجه الأول عندما حرص على تجهيز نفسه بأحسن شكل ثم إنبهر بعروسه مريم و هي ترتدي فستانا بسيطا إلا أنه كان كفيلا بسلب عقله.

تنهد هامسا بجمود ظاهري :
– النهارده هتجوز واحدة تانية بس لسه بفكر بيكي … مش عارف أطلعك من دماغي يا مريم.

إستفاق على طرقات الباب و دخلت سعاد مرددة :
– عمار انت لسه ….

بلعت باقي حروفها و تسمرت مكانها بذهول وهي تراه واقفا أمامها بهيأته الرجالية المبهرة ، ثم دمعت عيناها بتأثر متمتمة بعدما لاحظت تقاسيمه المتسائلة :
– أنا حلمت كتير باليوم ده ومش مصدقة اني شايفاك عريس قدامي …. الحمد لله اللي كتبلي أحضر فرح إبني الغالي أنت طالع بتجنن يا عمار بسم الله ماشاء الله عليك.

إبتسم معلقا بكلمات لطيفة وهو يطالعها بإعجاب :
– سعاد هانم … شكرا ليكي حضرتك كمان طالعة بتجنني زي الملكات على رأي يوسف.

كانت سعاد ترتدي فستانا كلاسيكيا باللون الأزرق الداكن و ترفع شعرها في تسريحة أنيقة تليق بسيدة مجتمع مثلها ، وقد إرتدت قطع إكسسوارات من الألماس.
هيأتها هذه شبهها عمار بملكات العصر الفكتوري اللواتي كن يأسرن النفوس بطلتهم ، لطالما كانت السيدة سعاد جميلة ، مثل والدته تماما.

مسحت الأخيرة عبراتها بخفة و تقدمت منه ماسحة على وجهه بخفة :
– أنا مش بجامل والله أنت طالع بتجنن و هتسحر قلب عروستك يا حبيبي.

لانت لمساتها مكملة بصوت مختنق دون أن تزول إبتسامتها :
– أنا كنت بحلم باليوم ده بقالي كتير صحيح ربنا مرزقنيش بولد من دمي بس عوضني بيك … أنت إبني.

إنقشع البرود منه و غامت عيناه في الحزن و العاطفة ، قبل عمار جبينها ثم إحتضنها مردفا بصوت أجش :
– و حضرتك غلاوتك عندي كبيرة ربنا يديمك ليا.

أسدل عمار رموشه سريعا قبل أن تخونه عبراته ثم ابتعد عنها لتقول سعاد :
– جدتك الله يرحمها كانت بتتمنى كتير تشوف فرحك على بنت عمك ياريت كانت موجودة معانا ….. هي و مامتك فيروز.

ضغط على أصابع يده عند ذكرها لوالدته لكنه لم يظهر ذلك و اكتفى بالتمتمة :
– الله يرحمهم.

تنهدت و قالت بإستدراك :
– المهم أنا جيت علشان أشوفك بس لازم انزل دلوقتي عشان فاضل 3 ساعات كده و المعازيم يوصلو يلا يا حبيبي خد بالك من نفسك.

اومأ عمار برسمية و إنشغل بوضع أزرار أكمام قميصه حتى وقعت زيتونيتاه على الخاتم في يده اليسرى و هنا توقف عن تشويش أفكاره و حدث نفسه … بعد هذه الليلة سيصبح زوجا لأخرى و لن تعود هناك إحتمالية لإجتماعهما مجددا …

إذا ظهرت مريم في الأيام القادمة و علمت بزواجه ستجن … و إذا عرفت ندى بالقصة الحقيقية لحبيبته المزعومة ستنهار ولن تسامحه لأنه أخفى عنها الأمر و سيخسر صديقته.

و لكن هذا ليس ذنبه ، لقد حاول عمار مرارا إخبار إبنة عمه بأنه كان متزوجا و لكن في كل مرة كان والده رأفت يمنعه و يتحجج و يقنعه بأن لا داعي لكشف قصة تم قمعها و طي صفحاتها منذ وقت طويل إضافة إلى أن سر زواجه سيحدث فضيحة إذا إنتشر و عمار لا يريد ذلك … لهذا رضخ له !

و في خضم أفكاره هذه ، رن هاتفه و كان أحد رجاله الذين كلفهم بإيجاد مريم إن كانت عادت إلى المدينة فأجاب ، و تبعثرت دواخله حينما سمع الآخر يردد :
– لقيناها يا باشا … احنا لقينا مريم هانم !

*****
عيناها متعلقة على الاشيء ، من ينظر إليها يخيل له أنها تراقب الذاهب و القادم إلا أن عقلها كان منشغلا بأمور أخرى …

ها هي تجلس مقابل ضفة نهر النيل تهز قدميها و ملامحها جامدة ، تقبض بيديها على طرفي المقعد أسفلها و شعرها يتحرك يوتيرة محاكية لحركتها …

سوداويتاها مشخصتان على الفراغ بجمود و أنفاسها بطيئة مترقبة ، ظلت على حالها فترة طويلة حتى شعرت بأحد يقف أمامها يسد عنها أشعة الشمس.

و أنفاسه متسارعة بشكل مخيف ، رفعت عينيها فقابلت خاصته وهو يحدجها بقتامة ، بغضب ، برعونة ، و بكل المشاعر المناقضة لبعضها …

و في لحظة واحدة فقط ، وجدت نفسها تسحب نحوه إثر يده التي جذبتها ، فشهقت و إنفلتت همسة بإسمه :
– عمار.

تأوه بخشونة عند سماع إسمه بصوتها الذي غاب عنه ثم ضغط على معصمها بعنف حتى كاد يكسره مغمغما بنبرة قاتمة :
– أخيرا … أخيرا لقيتك يا مريم !!

_____________________
ستووووب انتهى البارت
رايكم بيه ؟
يا ترى ايه اللي هيحصل بعد ظهور مريم و فرح عمار فاضل عليه كام ساعة ؟ و هي ليه رجعت ؟
عمار هيعاملها ازاي بعد ما لقاها ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى