رواية ضروب العشق الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الجزء التاسع والعشرون
رواية ضروب العشق البارت التاسع والعشرون
رواية ضروب العشق الحلقة التاسعة والعشرون
ظلت هي على حالها تحملق به بصدمة حتى وجدته يقبض على ذراعها ويجذبها معه للخارج ، فاستوقفه راسل الذي مسك بيد حسن وابعده عنها هاتفًا بصوت رجولي مخيف :
_ متقربش منها !
نقل نظره بينهم في دهشة وهو يضحك باستهزاء ليقترب من راسل ويقف أمامه هاتفًا بنظرات نارية :
_ اعتقد إن أنا اللي المفروض أقول كدا مش إنت ، خليك بعيد ياراسل عن مراتي احسلك
_ كانت مراتك !
نظر ليسر التي تتابع مايحدث وهي في حالة من الذهول لاتفهم شيء فقط تفغر فمها وتشاهدهم ، لف ذراعه حول كتفيها وضمها إليه متمتمًا بابتسامة مريبة :
_ هو أنا مقولتش ليكم ولا إيه .. رديتها لعصمتي ، ومش عايز اشوفك حواليها تاني ياراسل
تلقت الصدمة الثانية ولم يكن وضع راسل أفضل منها حيث قرأ حسن معالم الدهشة على وجهه فابتسم ساخرًا وقبض على رسغها يسحبها معه باتجاه السيارة وهي لا تزال غير مدركة مايدور حولها وغائصة في قوقعة صدمتها ، ولم تفق إلا وهي في سيارته بعد أن انطلق بها عائدًا إلى المنزل الذي خرج منه قبل أن يأتي لها .
نظرت له وقالت بهدوء تام وعدم استيعاب :
_ ممكن تفهمني إيه اللي بيحصل .. وجيت إمتى وليه ؟!!
ابتسم باتساع وغمغم في مشاكسة ليستفزها :
_ اللي بيحصل إني رديتك يعني إنتي مراتي دلوقتي ، ولسا يدوب واصل امريكا .. وجيت عشان نقضي شهر عسل حلو
لم تتمكن من منع ابتسامتها المستنكرة وتجيبه بغيظ مكتوم ونبرة مرتفعة :
_ يعني إيه رديتني هااا ، يعني إيه !! .. إنت اخدت رأى الأول قبل ما تعمل كدا
هتف ببرود تام :
_ واخد رأيك ليه !! .. هو إنتي اخدتي رأي لما صورتيني وسجلتي ليا وهددتيني بإنك هتفضحيني بالتسجيلات والصور ؟ .. لا صح ، وأنا كمان مخدتش رأيك ، ورديتك عشان أنا عايزك وعايز اصلح اللي اتكسر بينا
صرخت به بانفعال هادر وعصبية :
_ وإنت قولت أهو اتكسر ! ، واللي اتكسر مبيتصلحش ، وأنا مش عايزاك ياحسن ومش طيقاك .. رجعني عند خالتو دلوقتي حالًا
حدجها بأعين مشتعلة بالغيرة وقال وهو يحاول تمالك أعصابه :
_ أه ارجعك عشان تقعدي مع ابن خالتك الملزق ده
قالت بقرف وسخرية بصياح :
_ صدقني مفيش حد ملزق غيرك في حياتي .. وقف العربية ونزلني اخلص
قهقه بصوت مرتفع رغم الغضب الذي كان يهيمن عليه للتو وأجابها في رفض وهدوء أعصاب مستفز :
_ لما نوصل البيت هنزلك يامزتي
صرخت به بهسترية وهي تهتز من فرص العصبية :
_ بيت إيه إنت عايز تجلطني .. أنا مش هروح معاك مكان ، نزلني يامستفز
لم يهتم بصراخها وكان هادئًا أكثر من اللازم وفقط نظر لها يغمز بعيناه ويهدر بوقاحة :
_ اسكتي بدل ما اسكتك بطريقة مش هتعجبك ومش هيهمني حاجة ، واحنا مش في مصر يعني نعمل اللي احنا عاوزينه وفي أي مكان .. اعتقد فهمتيني !
رمشت بعيناها عدة مرات في عدم تصديق وانهارت عليه تلكمه في ذراعه بعنف صائحة :
_ سافل ومنحط
تجاهلها تمامًا واكتفى بنظرته الجانبية وهو يبتسم باستمتاع لعصبيتها وغيظها منه .. أما هي فأخذت تفرك جبهتها بقوة وتزفر بقوة لتهدأ من نفسها الثائرة بالشهيق والزفير ، وتلقي عليه نظرة من حين لآخر ، تود لو أن تقبض على حنجرة هذا المستفز وتقتلعها بيدها !! ………
***
بمكان ما داخل دولة كندا إحدى دول قارة امريكا الشمالية ……
كان يجهز حقيبة السفر خاصته ويرتدي ملابسه التي عبارة عن بنطال أبيض وفوقه قميص من اللون الرمادي ، ابتسامته تشق طريقها إلى شفتيه باتساع .. لا يصدق أنه أخيرًا حالت الظروف التي كانت تعوق بين فتاته وسيعود لها ليتزوجها !! .
دخلت عليه شقيقته واقتربت منه تنظر له وهو يتجهز ، لتسمعه يهتف في حماس :
_ فرحان أوي ياريماس أخيرًا مفيش حاجة هتمنعني من إني اجتمع بيها
رمقته بنظرة غريبة وهي تزفر بقوة وتخشي أنه تقول له الخبر الذي عرفته بالأمس فيتحول لوحش كاسر هو وأبيها .. سمعته يكمل باستهزاء وتشفي مع أعين شرانية :
_ مبقيش ليها حد غيري خلاص ومش هتقدر ترفض .. اللي كانت بتتحامي فيه مات
ضحكت ساخرة وقالت بنظرات مترددة :
_ جاسر بلاش ترجع please وطلعها من دماغك بقى
_ نعم !! .. بلاش ارجع ! ، ده أنا مستني اللحظة دي من سنين
تأففت بعدم حيلة وهتفت بخنق دون مرعاة لردة فعله :
_ شفق اتجوزت ياجاسر
وقعت الكلمة عليه وقع الصاعقة ، وتسمر بأرضه كالصنم يحدجها بذهول .. عقله لا يستعوب الجملة ، يرفض حتى أن يفكر مجرد التفكير بأن ما قالته حقيقة !! .
التفت لها بجسده كاملًا وهدر ضاحكًا بسخرية :
_ بتهزري مش كدا ؟!
_ لا مش بهزر أنا لسا عارفة الموضوع ده امبارح .. اتجوزت من حوالي شهر ، واتجوزت كرم العمايري
تلقي الصدمة الثانية بقولها ” كرم العمايري ” ليضحك باستهزاء ويجيبها بأعين لا تبشر بالخير :
_ كرم !! .. ابن محمد العمايري وصديق سيف !
اطالت النظر إليه بصمت وأعينها تجيب عليه بالإيجاب ، فيسكت هو لثلاث ثواني بضبط حتى صاح بسخط هادر :
_ شفق ليا ومش هسمح لحد ياخدها مني
_ جاسر افهم بقولك اتجوزت خلاص .. هتعمل إيه يعني !!؟
_ هرجع مصر وهعمل اللي المفروض يتعمل
ثم سحب حقيبته واتجه إلى الخارج وهو يكمل بصوت أجش :
_ أنا همشي عشان متأخرش على الطيارة وخلي بابا يركب وياجي ورايا
***
اتجهت هدى باتجاه الباب لتفتح فوجدت طاهر أمامها ليبتسم ويقول بنبرة مهذبة :
_ إزيك ياهدي
افسحت له الطريق وهي تجيبه ببشاشة :
_ الحمدلله بخير .. كويس إنك جيت ماما من وقت ماعرفت اللي حصل لميار وليك وهي مصممة تروح البيت عشان تطمن بنفسها
_ طيب أنا هطلع اشوفها في حد ولا لا
هزت رأسها بالنفي هاتفة :
_ لا مفيش اتفضل
صعد الدرج واتجه إلى غرفة والدته ثم طرق الباب فسمع صوتها تهتف ” ادخل ” .. فتح الباب ودخل فيرى الابتسامة تشق طريقها لشفتيها وهي تقول بسعادة وراحة :
_ طاهر تعالي ياحبيبي طمني عليك
اقترب وجلس بجوارها على الفراش ثم التقط كفها وقبَّل ظاهره بدفء مغمغمًا باعتذار :
_ الحمدلله بخير يا أمي .. محبتش اقولك واقلقك علينا متزعليش مني
اتخذت معالم وجهها الحزم وهي تهدر بضيق وقلق :
_ حاجة زي كدا مينفعش تخبوها عني ياطاهر .. قولي هي عاملة إيه دلوقتي ؟
تنهد الصعداء وقال بعدم حيلة :
_ كويسة اطمني عليها وعلاء ماخد باله منها الأيام دي احسن تعمل حاجة تاني في نفسها
ظهر في عيناها الحزن والهم على حفيدتها التي كانت هي السبب الأكبر فيما حدث لها ، لتجد يد ابنها تربت على كفها بلطف هاتفًا :
_ ميار مغلطتش وحدها احنا غلطنا معاها يا أمي إننا سبناها لغاية ما وصلت للوضع ده .. واعتقد إنها دلوقتي بدأت تعرف غلطها وتندم وترجع لربنا
_ أنا مبقتش عارفة الوم نفسي ولا الومها ، ومش قادرة اسامح نفسي إني دلعتها وسبتلها السايب في السايب كدا
_ مش هيفرق بحاجة الندم دلوقتي .. خلاص اللي حصل حصل ومش هنقدر نغيره
هزت رأسها بالإيجاب توافق ابنها على رأيه وهي تتنهد باختناق وأسي ……
***
نزلت يسر من السيارة ووقفت تحدق بذلك المنزل الكبير نسبيًا ، لا تنكر أنه منزل رائع وجذب إعجابها بشدة لمجرد النظر إليه من الخارج فقط !! .. وجدته يلف ذراعه حول خصرها ويقول بابتسامة عريضة وصافية :
_ هيعجبك اكتر من جوا كمان تعالي هفرجك عليه
مسكت بذراعه ولوته خلف ظهره بحركة ماهرة وهي تقول بتحذير وشراسة :
_ إيدك دي متلمسنيش تاني فاهم ولا لا
لم يبدي أي ردة فعل مغايرة وفقط يرسم الابتسامة على شفتيه ويجيبها بهدوء غريب :
_ إنتي تأمري يامدام يسر .. ممكن تسيبي إيدي بقى
تركت يده وتراجعت للخلف وتشدقت بأعين مشتعلة :
_ ومتقولش مدام دي !
_ وهو أنا قولت حاجة غلط ! .. بس ماشي ما علينا مش هقولها ، في أي اوامر تاني ؟!
عادت تخطف المسافة التي صنعتها للتو وتقول بنبرة صارمة ونظرة جافة وقوية :
_ رجعني لخالتو وطلقني .. مش عايزاك ياحسن
لا يزال محتفظ بهدوئه الغريب حيث تجاهل ما قالته واجابها بعذوبة ونظرات لينة :
_ طيب تعالي هفرجك على البيت الأول
كفطل صغير يحاول الهائها بأي شيء لكي ينسيها أمر الطلاق ويذعنها له ، ولكنها ليست بطفلة ! .
يسر بغضب ونبرة مرتفعة :
_ بقولك رجعني أنا مش هقعد معاك في بيت واحد .. إنت مبتفهمش !!
بدأ يفقد أعصابه فمسح على وجهه وهو يتأفف بصوت مسموع ويهمهم بصوت مسموع لها :
_ أنا قولت برضوا إنك مش هتاجي غير بالعافية
ثم انحنى بجزعة للأمام وحملها على كتفه فأصبح نصفها خلف ظهره وهو يمسك بقدميها من الأمام ويسير بها للداخل .. اطلقت صرخة عالية وأخذت تضرب على ظهره بكلتا يديها وهي تصيح به باغتياظ :
_ نزلني ياحيوان
_ عيب ياروحي في ست محترمة تقول لجوزها ياحيوان
اكملت صياحها وهي لا تتوقف عن ضربه :
_ أيوة حيوان وقذر وغبي وعديم الاحساس وبارد .. نــــــزلــــــنــــي !!!
لم يعيرها اهتمام مطلقًا واستمر في طريقه لباب المنزل حتى فتحه ودخل وهي لا تزال على كتفه حتى وجدها تهتف بصوت به غرابة :
_ نزلني ياحسن دوخت بجد والله
اوقفها على الأرض وولاها ظهره يغلق الباب بالمفتاح ويضعه في جيبه متمتمًا بنبرة بدت لها طبيعية :
_ عشان عقلك ميوزكيش تعملي حاجة كدا ولا كدا !!
زفرت مغلوبة على أمرها وقالت بنفاذ صبر وصوت متحشرج وجاد :
_ إنت عايز إيه مني لسا ياحسن ؟ .. سيبني في حالي ابوس ايدك وابعد عني ، رديتني ليه .. هااا رد عليا ؟!!
سألته وكانت في نفسها تنتظر إجابة بعينها تريد أن تسمعها منه ! ، فبرغم كل ما فعله لا تنكر أنه لا يزال يشغل مكان كبير من قلبها ! .
رأته يقترب منها ويقول بندم حقيقي وأعين تلمع بوميض مختلف تراه للوهلة الأولى :
_ عايزك ترجعيلي وتسامحيني .. أنا مش عايز اخسرك يايسر ، والله العظيم أنا ندمان على كل حاجة وعندي استعداد اعمل أي حاجة تطلبيها مني بس تسامحيني
ليتك شعرت بالندم قبل أن تجعل علاقتنا تصل لمفترق طرق مسدود ، ليتك قلت لي أنك لا تريد خسارتي ، ولكن بماذا سيفيد الكلام بعد فوات الآوان !! .
منعت عيناها من ذرف الدموع وقالت بقسوة :
_ طالما مستعد تعمل أي حاجة يبقى طلقني وابعد عني
مسك بذراعيها يهزهم في قوة ويهتف بنبرة رجولية قوية وأعين تجمعت بها العَبارات :
_ إنتي ليه عايزة تضحكي عليا وعلى نفسك ، أنا عارف ومتأكد إنك لسا بتحبيني ، سبيني اثبتلك إني تغيرت ومبقتش حسن اللي كنتي تعرفيه ، خليني اثبتلك ندمي وإني بجد عايزك .. صدقيني هتشوفي شخص مختلف معاكي .. اديني فرصة يايسر !
تقهقرت للخلف وهي تقول بأعين دامعة وصوت يغلبه البكاء :
_ إنت شخص إناني وغدار وأنا مستحيل امنحلك ثقتي تاني .. مش عايزة اكون مراتك ، كفاية ياحسن ارجوك !!
ترفض حتى اعطائه فرصة ، من قبل أن ترى صدق كلامه أو كذبه .. ولا تزال مصرة على الانفصال ، ولكنه سيثبت له انانيته هذه المرة حقًا ! .. قال بنبرة خشنة وصوت مبحوح :
_ أنا فعلًا اناني ومش هسمحلك تبعدي عني تاني .. متتعبيش نفسك في موضوع الطلاق ده ، أنا رديتك ومش هطلقك وهتفضلي مراتي سواء شأتي أو ابيتي
ثم ابتعد وصعد الدرج متجهًا لغرفة النوم في الطابق العلوي ، وتركها بمكانها تحدق في اللاشيء أمامها بصمت ودموعها تنهمر على وجنتيها ، تريد أن تعطيه الفرصة ولكنها لا تثق به ولا تستطيع نسيان كل ما فعله معها ، فتقف هذه الذكريات عائق بينهم ولن يتمكن شيء من هدمها بسهولة !!! …….
***
ارتفع ضوء القمر وظهرت النجوم الساهرة في السماء ، لتعطي لوحة غاية الروعة ابدعها الخالق عز وجل .. ومع تمام الساعة الثامنة مساءًا ! ، داخل منزل كرم العمايري ….
كان يجلس بمكتبه ينهي بعض الأعمال المتراكمة ولكن عقله عالق بتلك الكامنة في غرفتها .. منذ الأمس وهي تتصرف بغرابة وكأنها تختصر الحديث معه وتتجنبه ، ولا يفهم سبب هذا التغير .. وفقط يتساءل هل قام بفعل خاطيء معها دون أن ينتبه فتضايقت منه ! ، فقط لا يعرف ولن يحاول أن يشغل عقله كثيرًا ، فقد بدأ يستاء من غرابتها ولابد من أن يفهم كل شيء منها دون أن يستمر في طرح الأسئلة على عقلها والتي تصل به لإجابة واحدة وهي ” لا أعرف ” ! .
ترك الذي بيده واستقام مغادرًا يقود خطواته باتجاه غرفتهم ، وصل وفتح الباب ثم دخل واغلقه خلفه وتجول بنظره في أرجاء الغرفة باحثًا عنها ليراها تقف بالشرفة وعيناها على السماء ، فتحرك بخطواط هادئة من خلفها ، وضع اليد اليمنى على ذراعيها الأيمن واليد اليسرى كانت على الكتف الأخر وهو يقف خلفها مباشرة شبه ملتصق بظهرها ، وانحنى ناحية أذنها يهمس برقة معهودة منه :
_ ادخلي جوا هتبردي
ارتبكت منه والتفتت برأسها نصف التفاتة تتمتم بصوت انوثي عذب :
_ لا الجو مش برد أوي
رفع كفه الأيمن وبأنامله يعبث بخصلات شعرها في لطف ويستمر في همسه الذي يبعثر نفسها :
_ طيب إنتي مضايقة مني في حاجة !
تعجبت من سؤاله فاستدارت بجسدها إليه وقالت باقتضاب حاجبيها :
_ لا ، ليه ؟!
ضيق عيناه بحيرة وقال باسمًا بجدية بسيطة :
_ لا يبقى الموضوع في حاجة مش هيّنة بقى طالما مش مضايقة مني .. تعالي نتكلم جوا
دخلت معه وأغلق هو الشرفة لتتجه ناحية الفراش وتجلس عليه ، تنتظر أن يشاركها جلستها ويحكي لها ما الأمر الذي بدأ يثير فضولها هي الأخرى ، رأته يقترب ليجلس بجانبها ويقول بنظرات واضح عليها الضيق والتذمر مع نبرة صوت مختلفة قليلًا عما كانت عليه قبل قليل :
_ لما إنتي مش زعلانة مني .. ممكن أفهم إيه سبب تصرفاتك الغريبة من الصبح ؟ ، بتختصري في الكلام وفيكي حاجة مش مظبوطة كدا !
هيمن السكون عليها للحظات تفكر في كلامه ، هي بالتأكيد لا تقصد هذا ولكن منذ ليلة أمس في يوم ميلاده وبعد ماحدث بآخر جلستهم خجلت كثيرًا منه ولازالت خجلة حتى الآن ، لذلك قد تكون تصرفاتها غريبة بعض الشيء وهو فسرها بطريقة عكسية ! .
ابتسمت بساحرية وقالت بخفوت جميل :
_ بيتهيألك ياكرم .. مفيش حاجة نهائي
_ لا والله وهو أنا عبيط يعني مش هفهم ، ما إنتي كنتي إمبارح زي الفل وعملالي مفاجأة عشان عيد ميلادي لغاية ما …..
توقف عن الكلام عند تذكره آخر ماحدث بينهم ، فطالعها بنظرات ثابتة يفكر ويربط كل شيء ببعضه ، كيف لم يدرك الأمر من قبل .. الآن فقط أدركه فافتر عن ابتسامة واسعة اظهرت عن اسنانه البيضاء وهو يهمس بمداعبة :
_ إمبارح ! .. اممم ما أنا بقول برضوا في حاجة مش طبيعية
كسا وجهها بلون الحمرة واطرقت رأسها لأسفل وهي تشاركه ابتسامة ولكن احلى ، فزاغ هو بنظره عنها وضحك بصمت ثم عاد لها بوجهه وقال مشاكسًا في لطافة تذيب العقل :
_ طيب كنتي اديني إشارة فهميني حتى ، مش سيباني كدا عمال اسأل نفسي مالها وحصل إيه !!
لم يجد إجابة منها ، فقط تنظر للأسفل مبتسمة باستحياء .. فاستقام وهو يتنهد بعدم حيلة ضاحكًا واتجه للحمام ، فتمددت علي ظهرها في الفراش فورًا وسحبت الغطاء لأعلى صدرها ، محملقة في السقف تضحك بصوت خفيض على الموقف .. دقائق قصيرة وخرج من الحمام ثم تحرك باتجاه الفراش من الجانب الآخر يتسطح عليه ويرمقها بنظرة بها شيء من اللؤم هامسًا بعد أن بسط ذراعه بجانبه يحسها على الانضمام لصدره :
_ تعالي ولا لسا مكسوفة !
القت عليه نظرة سريعة بطرف عيناها وأماءت برأسه في إيجاب ووجنتيها تحجرا بلون الدماء الأحمر ، ليبتسم على خجلها الشديد والذي يؤكد له حقيقة واحدة أنها تحمل بداخلها براءة طفل .. عم الصمت بينهم وهو يحدق أمامه بسكون فمالت بجسدها على الجانب الآخر توليه ظهرها حتى لا يرى اضطرابتها منه ومعالم وجهها التي تتلون بألف لون في الدقيقة الواحدة .
أصدر تنهيدة حارة مبتسمًا ، وبدأ يشعر بأنه لا يتمكن من حجب رغبته بها ، فاعتدل في نومته ناحيتها واختلس المسافة الصغيرة بينهم ليلف ذراعه حول خصرها ويضمها معانقًا إياها من الخلف ، هامسًا في أذنها بنبرة مرحة وعاطفية :
_ إنتي مكسوفة بس أنا لا !
حبست أنفاسها لثواني واخرجتهم في زفيرًا متمهلًا لتحاول السيطرة على بعثرة قلبها وجسدها بسبب اقترابه منها بهذه الحميمية ، وسمعته يتمتم بحنو :
_ تصبحي على خير يا أميرتي
ردت بتلعثم وتوتر :
_ وإاا .. وإنت من أهله
لم يستمر اضطرابها كثيرًا حيث ارتخت أعصابها تدريجيًا لدفء جسده واغمضت عيناها بتلذذ وسعادة ، تترك نفسها حتى تنغمس في النوم براحة بين ثنايا ذراعيه ……..
***
ساعات مرت وهو أمام الحاسوب النقال الخاص به يعمل بتركيز واهتمام ، حتى عندما حضرت الطعام لم يأتي وقال بأنه لا يشعر بالجوع فتناولت طعام العشاء بمفردها ! .
كانت ترتدي منامة قصيرة من اللون الفوشيا وتترك العنان لشعرها الذي يميل للبنى ، اقتربت وجلست بجواره متمتمة وهي تستند برأسها على كتفه :
_ زينو
_ نعم
أجابها وهو لا يرفع نظره عن الحاسوب فأكملت هي بملل ونظرات انوثية مع نبرة غنج ودلال :
_ مش كفاية شغل بقى ولا إيه ، أنا زهقت تعالى اقعد معايا ياحبيبي
لم يعيرها اهتمام حيث أجابها باختصار وعدم مبالاة دون أن ينظر لها حتى بسبب تركيزه على العمل :
_ لما اخلص هاجيلك ياملاذ
زمت شفتيها للأمام بتذمر وهي تجيبه محتجة بخنق :
_ إنت حتى على العشا سبتني اتعشي وحدي ، كفاية بقى أنا مليت من القعدة وحدي
نظر لها أخيرًا بأعين قاسية وقال بعصبية غير مقصودة منه وصوت مرتفع نسبيًا :
_ مش فاضي ياملاذ .. إنتي شيفاني فاضي !! ، لما اخلص قولتلك هاجي اقعد معاكي
ابتعدت عنه فورًا وطالعته بنظرة مستعجبة من أنفعاله عليها دون أي سبب ، احتقن وجهها بغضب وضيق ثم هبت واقفة واتجهت للغرفة تشد على محابس دموعها المتجمعة في مقلتيها ! .. أما هو فقد أدرك الخطأ بعد وقوعه حيث تأفف ماسحًا على وجهه بندم ، لم يكن يقصد الانفعال ، ولكن ضغط العمل ضغط عليه أيضًا فجعله يخرج عن نفسه الهادئة ويفقد أعصابه .
اغلق الحاسوب وقرر أن يكتفي بهذا القدر من العمل اليوم ، ووقف وتحرك ناحية الغرفة لكي يعتذر منها ويحاول أن يبرر لها موقفه ، فتح الباب ودخل ثم اقترب من الفراش ومدد نصف جسده وماله بنصفه العلوي عليها من الخلف ناحية كتفها طابعًا قبلة رقيقة مغمغمًا باعتذار صادق :
_ متزعليش مني .. مقصدش والله انفعل عليكي وإنتي ملكيش ذنب ، بس الشغل اليومين دول في ضغط شوية
هزت كتفها بحركة نافرة لكي تبعد يده عن ذراعها وهي لا تنظر له ، ففهم أن أمر الاعتذار لن يمر بسهولة .. طبع قبلة أخرى ولكن على شعرها متمتمًا بخبث :
_ إنتي مش كنتي عايزة نقعد مع بعض ، اديني جيت أهو
اتاه صوتها الحازم دون أي لطف :
_ لا أنا عليا النوم وعايزة انام .. تصبح على خير يازين
التصق بها أكثر وقال بمكر أشد باسمًا :
_ ويهون عليكي تسيبي زينك يقضي الليلة وحده زي قرد قطع
_ اهاا يهون .. روح كمل شغلك أو نام ، وابعد عني
قالتها بامتعاض وجفاء فابتسم وقال ببساطة متصنعًا البراءة :
_ طيب ممكن احضنك عشان اعرف انام بنفس مرتاحة بس
التفتت بجسدها له وجذبت الوسادة تضعها بين يديه هاتفة ببرود :
_ احضن المخدة اهي
وعادت توليه ظهرها مجددًا ، فينظر هو للمخدة بعلامات استفهام ويقول ساخرًا بقسمات محتقنة :
_ إيه شغل العزاب ده !! ، وأنا احضن المخدة ليه ومراتي جمبي !
كتمت ضحكتها بصعوبة وإجابته بصوت حاولت خروجه طبيعيًا :
_ عقاب ليك
فهم أنه لا مفر من العقاب اليوم كما اوضحت له بصراحة للتو ، فزفر بنفاذ صبر والقى بالوسادة اسفل رأسه في عنف واغتياظ هاتفًا :
_ طيب ياملاذ
انطلقت على شفتيها ابتسامة عريضة لم يراها لأنها توليه ظهرها ، مرت لحظات طويلة حتى أغمضت عيناها مستسلمة للنوم ولكنه لم يدخل النوم لعيناه فنزل من الفراش وهو يتنهد باختناق ، وغادر الغرفة كلها ليمسك بكتاب القرآن الكريم ويجلس على الأريكة بالخارج ثم يبدأ في القراءة بصوت عذب وهاديء ……..
***
سارت ميار وهي تحمل بيديها كوبين من القهوة الساخنة ، كان هو يجلس بحديقة المنزل على مقعد هزاز وثير وكبير يتسع لشخصين ، ويرجع برأسه للخلف مغمضًا عيناه في سكون .
لا تنكر أنها تنجذب له تدريجيًا دون أن تشعر ، وفقط تريد دوما أن تكون بقربه .. تخيفها بشدة هذه المشاعر وتحاول السيطرة عليها ولكنها تفشل في كل مرة هزيمة ساحقة ، وهو ينجح في أن يزيد من اشتعالها الداخلي !! .
اقتربت منه ووقفت أمامه ثم تنحنحنت برقة وهي تمد يدها له بكوب القهوة فانتصب شبه فزعًا في جلسته ، وطالت نظرته لها لثواني قليلة حتى التقط من يدها الكوب وقال بنبرة عادية :
_ شكرًا
رسمت ابتسامة خفيفة وهي تقف بتردد وتحتضن الكوب بيديها ، كانت وقفتها بها شيء من الاضطراب لا تعرف ماذا تقول لتوضح له رغبتها في الجلوس معه .. ولم يكن هو بالأحمق حتى لا يفهم هذا من نظراتها ، فأصدر زفيرًا طويل وافسح لها مكانًا بالمقعد دون أن يتفوه ببنت شفه ، لترمقه هي بنظرة مرتبكة وتجلس بجواره تحملق في السماء بسكوت لدقائق ، وكان الصمت هو سيد الموقف بينهم .. ولكنها تختلس إليه النظرات خلسة دون أن يلاحظ ، وما ادركته من قسمات وجهه أنه متضايق من شيء ، فترددت في البداية وخشيت من أن تسأله فيكون الرد منه قاسي ! ، ولكن حسمت قرارها بعد تفكير عميق وقالت بصوت خفيض ومضطرب :
_ ينفع اسألك مالك ولا مينفعش ؟!
استقرت عيناه عليها للحظات بأعين ثاقبة مستعجبًا سؤالها حتى زاغ بنظره وأجاب بغلظة :
_ لا مينفعش
أماءت بإحراج وعادت تثبت نظرها على السماء ومن ثم عادت تتحدث بعد لحظات ولكن هذه المرة كانت بعفوية دون تفكير وعيناها لا تزال معلقة بالسماء :
_ تعرف إن تقريبا بتولد كل يوم 276 مليون نجم
_ شكًرا على المعلومة .. بس أنا معنديش مزاج دلوقتي للحكاوي اللي ملهاش لزمة دي
رمقته بأسى وهبت واقفة تقول باعتذار :
_ أنا آسفة ياعلاء
أدرك في نفس اللحظة ما قاله فاسرع ومسك برسغها هاتفًا بهدوء :
_ اقعدي .. أنا مقصدش
_ عادي .. أنا هطلع الأوضة فوق وهنام
_ اقعدي قولت ياميار !!
قالها بلهجة شبه آمره فتنهدت بعدم حيلة وجلست من جديد لتجده يسألها بطبيعية بعد وقت قصير :
_ حصل إمتى موضوع الصور ده ؟
حملقت به في ريبة من سؤاله ، ثم أجابت بخفوت وهي لا تنظر له :
_ قبل ما ننزل مصر بأسبوع
_ كان بيحاول يتقرب منك إزاي قبل اللي حصل ؟
ازدادت نظراتها حيرة من إهتمامه بالأمر واسألته ، ولكن لم تعقب وفضلت بأن تجيب عليه دون مناقشة حيث غمغمت بنبرة أكثر خفوتًا :
_ عن طريق إنه يفتح معايا كلام بأي شكل مثلًا ، أو إنه يقرب مني على سبيل إني صديقته المفروض ، أنا في البداية مكنتش فاهمة ده بس بعدين بدأت أفهم تصرفاته وبقيت اتجنبه وابعد عنه
_ وإنتي كنتي تعرفيه منين ؟!!
غضنت حاجبيها بفضول حقيقي هذه المرة حيث سألته بفضول :
_ هو في إيه !! .. إنت إيه اللي فكرك بالموضوع ده دلوقتي ؟!
هتف بصوت رجولي أجش :
_ هتعرفي قريب في إيه .. جاوبي من غير اسئلة دلوقتي
زمت شفتيها بعدم فهم وأجابت عليه كما أمرها :
_ كنا مجموعة اصدقاء من الكلية مع بعض وهو اتعرفنا عليه من فترة قريبة ومكنش في حد بيستلطفه فينا أساسًا
هز رأسه بتفهم ثم هب واقفًا وهم بالانصراف لتعتري طريقه وتقول بفضول حقيقي وحيرة :
_ مش هتقولي في إيه ؟!
_ قولتلك هتعرفي قريب .. أنا طالع الأوضة خلصي قهوتك وتعالي ورايا
ثم تركها واتجه للداخل ، لتظل هي بمكانها تحاول توقع أي شيء ، أو اختراق عقله حتى ومعرفة ماهو الذي ستعرفه قريبًا ، ولكن دون جدوي .. تأففت بقوة في غيظ وجعلت ترتشف من القهوة وهي لا تتوقف عن التفكير مع ذلك !! …….
***
على الجانب الآخر ……
انتفض واقفًا من فرط الغضب وهو يصيح بانفعال هادر ونبرة مرعبة :
_ اتجوزت ومحدش له علم فينا
أجابت زوجته ساخرة بلؤم :
_ ماهي بنت اخوك ماشية على حل شعرها من زمان مش جديد عليها يعني
كانت ريماس تتابع صياح أبيها وازدراء أمها بسكون لا تجيب على أي منهم ، لا ترى في فعل ابن عمها شيء مخالف بالأخص بعد الذي فعله ” جاسر ” معها ، وهناك علاقة شبه منقطعة بينهم منذ ذلك الوقت ، فلماذا تأخذ رأى عمها أو تخبره حتى !! .
تحدثت ريماس بامتعاض :
_ جاسر سافر وشكله ناوي يعمل مصيبة
صاح الأب بسخط امتزج ببعض الاستنكار :
_ وإنتي فكرك إني هسيب بنت أخويا لابن العمايري ده .. أنا لولا سيف وإنه كان واقفلي في الوش وقاطع علاقته بينا بسبب عملة أخوكي المهببة كان زماني جوزتها لجاسر من زمان ، بس خلاص دلوقتي بقى لازم اتدخل
تبادلت زوجته نظرات الريبة مع ابنتها ، ورجعت بعيناها تثبتها على زوجها وتقول بتساءل :
_ هتعمل إيه ؟
_ جهزوا نفسكم عشان هنرجع مصر بكرا ورا جاسر
قالها بصرامة ولهجة لا تقبل النقاش أو الرفض ، ثم غادر الغرفة وتركهم ينظرون لبعضهم بدهشة ، وماهي إلا لحظة حتى أصدرت الأم ضحكة بسيطة وسعيدة قائلة بنظرات ليس بها أي شيء من الود بل كلها نقم وبغض:
_ وأخيرًا هنطلع من ورا عمك وولاده بفايدة !
***
يحتجزها بالمعنى الحرفي !! ، كسجين يقضي عقوبته على ذنب اقترفه .. وهو لا يفهم أنه هكذا يزيد من الفجوة بينهم ولن تعود له أبدًا وستصر أكثر على الانفصال .
ظلت تجوب بالغرفة إيابًا وذهابًا وهي تترنح من فرط العصبية والغيظ ، لا يمكنها البقاء معه بنفس المنزل .. باتت لا تريده معها ، لا تثق به ، ولا تريد حبه ، وفقط تريد شيء واحد وهو نزعه من فؤادها وهذا لن يتم وهي مقيمة معه بمنزل واحد وبعد أن عادت زوجته .. حكت ذقنها وهي تفكر بصوت عالي هامسة ” أكلم بابا وعلاء طيب ! .. لا لا لو بابا عرف هتحصل مشكلة وهيرجعني مصر وأنا مستحيل ارجع ، أعمل إيه ياربي .. أعمل إيه ؟!! ، فكري يايسر .. فكري ” لمعت بذهنها فكرة شيطانية فابتسمت بوعيد له .
رأت الباب يفتح ويطل هو بهيئته من خلفه حاملًا لها الطعام فرمقته شزرًا وهو يقترب باتجاه الفراش ويضع الطعام فوقه متمتمًا بلطف ونبرة مهتمة :
_ كلي يايسر مينفعش تقعدي من غير أكل
قالت بثبات ولهجة بها شيء من الآمر مع نظرات منذرة :
_ مش عايزة حاجة من وشك .. افتحلي الباب وخليني امشي
تنهد بنفاذ صبر قائلًا بإصرار :
_ قولتلك مش هتروحي مكان ، اديني فرصة أخيرة وبعدها احكمي عايزة تكملي ولا تنفصلي
صرخت بهسترية واستياء عارم :
_ إنت مجنون !! ، حابسني وتقولي اديني فرصة .. لا والمفروض اقولك موافقة وهقعد معاك مثلًا
استقرت نظرات حزينة منه عليها فهي لا تفهم شدة شوقه لها وأنه لا يطيق ابتعادها عنه ليوم آخر .. أما هي فهدأت ثورتها في لحظة وقررت أن تبدأ في خطتها .. تحركت ناحيته وهي تقول بقوة ونظرة شرسة :
_ أنا عندي استعداد دلوقتي ابعت لبابا صورك واقوله إنك خنتني وده سبب طلاقنا وابعتله التسجيلات وكمان أقوله على اللي عملته معايا وإنك خلتني اجهض الطفل ومديت إيدك عليا وقولتلي إنك هتسقطني بنفسك لو منزلتهوش ، وشوف بعدها اللي هيحصل بقى ! .. بابا وعلاء مش هيخلوك تحاول بس تقرب مني مش إني أفضل مراتك ، وحتى اخواتك وأمك هيقفوا ضدك ، وهتبقى فعلًا خسرت كل حاجة ، فالبذوق كدا طلعني وخليني ارجع لخالتو وملكش دعوة بيا تاني لغاية ما نتطلق بشكل نهائي
تفعلها .. لا يشك في ذلك ، هو لا يخشى من شيء سوى من ردة فعل عمه .. فإن عرف بكل هذا لن يسمح له بأن يقترب منها مطلقًا كما قالت ، والآن هو لن يستطيع بأن يجازف بالمتبقى من علاقتهم للأبد في حيث أنه يحاول كسبها من جديد ، وإلا سيكون لا مجال للعودة بالفعل هذه المرة إن كشف كل ماحدث بينهم للجميع .
حسن بنظرة تحمل بعض الرجاء والعجز في آن واحد أمام اخطائه التي لا تغفر :
_ يسر أنا مش عايز اخسرك بجد .. بلاش تضغطي عليا من النقطة دي
_ أنا قولت اللي عندي ياتسبني ، يإما صدقني هقوله ومش هيفرق معايا أي حاجة المرة دي وسعتها هتكون إنت الخسران
لحظات طويلة استغرقها وهو يحملق بها ، يخشى خسراتها ، ويريدها معه .. ولكنه فكر من الجانب الآخر بإن أسلوب القهر والإجبار معها لن يجدي سوى النتائج السلبية ، ولن يتمكن من استعادة قلبها بهذه الطريقة أبدًا .. ولكن ماذا عن ” راسل ” هل سيتركها تعود لخالتها وتكون معه دومًا !! ، لا ، هو لا يحتمل بقاء ذلك السمج حولها ، إذا كيف يتصرف حتى يرضي كلاهما ؟! .
تحدث أخيرًا بنبرة رجولية صلبة :
_ تمام موافق .. أنا مش هجبرك على حاجة مش عايزها ، بس خلينا نتفق بينا على اتفاق
ارتخت عضلات وجهها ورفعت حاجبها مستنكرة وهي تجيبه ببعض الفضول :
_ اتفاق !! .. طيب قول خلينا نشوف
هدر بحزم وصوت أجش :
_ خالتك طول ما راسل موجود في البيت مستحيل اوافق تقعدي معاها حتى لو هتقولي كل حاجة لعمي ، فأنا عندي حل أفضل .. أنا ممكن اشوف بيت فيه شقتين وإنتي تقعدي في شقة وأنا في شقة وبكدا مش هتكوني معايا في بيت واحد زي ما إنتي عايزة ، ووعد مني مش هضايقك خالص ومش هقرب منك .. تمام
هتفت بعناد وغضب :
_ لا مش تمام .. ماهو برضوا هفضل في وشك في النازلة والطالعة وأنا مش طايقة اشوفك ، ثم إنك إيه اللي يقعدك معايا هنا ، ارجع مصر !!
_ في شغل هنا هخلصه ولغاية ما اخلصه متتوقعيش إني هسيبك تقعدي في بيت وحدك وفي بلد غريبة .. أو إني اخليكي تقعدي مع الكائن الملزق ده ، وبخصوص إنك هتفضحي كل حاجة أنا لو عايز اتصرف واطلع نفسي من الموضوع نهائي هعملها .. بس أنا مش حابب اجبرك على حاجة زي ما قولت وماشي وراكي زي ما إنتي عايزة لغاية النهاية عشان اثتبلك إني باقي عليكي ومش مستعد اخسرك
لوت فمها بعد اقتناع وقالت باقتضاب :
_ ده العرض فين بقى الاتفاق ؟!
أخذ نفسًا عميقًا وغمغم بثبات تام ونظرة جادة :
_ الاتفاق إن محدش هيكون ليه دعوة بالتاني ، لا أنا هدخل في خصوصيتك ولا العكس ، وكل واحد في حاله .. حلو كدا ولا لسا في حاجة تاني حابة تضفيها ؟!
_ ولما محدش له دعوة بالتاني .. عايزة تقعد في نفس البيت ليه معايا ؟!!
_ عشان تبقي قدام عيني وأكون مطمن .. هااا قولتي إيه ؟
زمت شفتيها بامتعاض وقد بدا عليها أنها اقتنعت ، وحدقت به مطولًا ثم قالت بحدة ونظرات مشتعلة :
_ موافقة بس بشرط .. هتبدأ في اجراءات الطلاق من بكرا بحيث إنك لغاية ماتكون خلصت الشغل بتاعك ده ، تكون الاجراءات خلصت واطلقنا
حسن بضجر ونبرة مرعبة :
_ طلاق لا يايسر .. قولتلك انسي الطلاق ده ، على الأقل دلوقتي حتى
_ يبقى الغي الاتفاق ومش موافقة
تأفف بصوت عالي ونفاذ صبر وهو يمسح على وجهه ، وقرر بأن يسايرها في رغبتها ويقنعها بأنه خضع وقبل شرطها :
_ خلاص يايسر ماشي موافق هبدأ في الزفت .. في حاجة تاني ؟
استدارت تعطيه ظهرها وهتفت على مضض :
_ البيت ده تشوفه من الصبح عشان نروح من بكرا بليل
جز على أسنانه وقال مغتاظًا :
_ حاضر في أي اوامر تاني ؟
_ اهااا اطلع ومتدخلش تاني الأوضة ، عشان لما بشوفك بتعصب
استنشق شهقيًا طويلًا وأخرجه زفيرًا قوي حتى يهدأ من غيظه ، والتفت متجهًا ناحية الباب وانصرف كما طلبت أو أمرت بالأصح !! …..
***
في الصباح التالي …….
كانت تقف أمام المرآة تسرح شعرها غير منتبة له مطلقًا ، بينما هو فكان متمدد على الفراش ويحدق بها شارد الزهن ، أشياء كثيرة تجوب بعقله أولهم حادث أخيها وكانت نفسه تحدثه بأنه قد يكون هو الشخص الذي كان يبحث عنه ، خرج صوته بعد دقائق من الصمت القاتل بينهم :
_ ملاذ هو حصل إيه بظبط لإسلام ؟
التفتت له برأسها وتمتمت بتعجب من سؤاله :
_ قصدك على رجله ؟!
هز رأسه بالإيجاب فقالت بهدوء وهي تعود برأسها للمرآة مجددًا وتكمل تسريح :
_ ما أنت عارف إنه عمل حادث
_ متعرفيش إمتى وفين ؟
انتابها الحيرة حول أمره ، ومع ذلك أجابت بنفس النبرة السابقة :
_ من عشر سنين في منطقة اسمها ( ….. ) تقريبًا ، واللي خبطه منعرفش مين لإن المكان كان طريق فاضي ومفهوش أي كاميرات أو محلات ، يعني هو خبطه وهرب
نفس المنطقة وهو أيضًا لم يبالي وتركه وفر .. الاحتمال الأكبر أن يكون هو ذلك الشخص ، وقد يكون الله سبحانه وتعالى يختبره بأصعب الامتحانات ، من جهة زوجته وحبيبته ومن جهة أخرى أخيها .. انتصب في جلسته وانزل قدماه من على الفراش وهو يحملق في اللاشيء أمامه مهمومًا لدرجة أنه لم يسمعها وهي تسأله بريبة :
_ إنت بتسأل ليه ؟
انتظرت ملاذ لحظات طويلة أن تحصل على رد منه ولكن لا حياة لمن تنادي ، وكأنه تحنط مكانه لا يصدر صوت ولا حركة ! .. قلقت حياله وفهمت بأن هناك شيء ليس بهين يحدث معه ، فنهضت من مقعدها أمام المرآة وتحركت بتجلس بجانبه وتقول باهتمام :
_ زين في إيه مالك ؟!!!
انتبه أخيرًا لصوتها فنظر لها وهز رأسه بالنفي هاتفًا بتشتت ونظرات زائغة بعد أن أدرك سؤالها بصعوبة بسبب شروده ونفسه المضطربة :
_ مفيش حاجة .. أنا هطلع اقعد برا
استقام واتجه ألى خارج الغرفة ، وظلت هي تعلق نظرها على أثره والأسئلة تتناطح في رأسها حول تصرفه الغريب .. تحاول وجود تفسير لنظراته الفارغة ولون وجهه المسلوب منه الدماء ، ولكنها لم تصل لإجابة مقنعة !! ……
***
تنتقل لهنا وهناك بالمطعم وتتابع بعض الأعمال بدقة شديد وتركيز .. لم يتبقى سوى أيام قليلة على الافتتاح والجميع في جلبة ، كانت تمسك بمجلة صغيرة بها أشكال مختلفة من الطاولات بمختلف الألوان .. وغيرها من أشكال والوان لطلاء حوائط .. الخ ، وجدت صعوبة في الاختيار بمفردها ففكرت بأن تذهب لـ ” إسلام ” ليساعدها في الاختيار ويبدي عليها برأيه ، نهضت وقادت خطواتها نحو الغرفة الداخلية في المطعم حيث يجلس .. وقفت أمام الباب وضمت كفها تمدها لتطرق ولكن سماعها لصوته وهو يتحدث في الهاتف ويذكر أسمها ، جعلها تتسمر مكانها وتسمع مايقوله باهتمام …..
_ رفيف مش هتقبل .. أنا خايف يامعاذ ومش مستعد حاليًا إني اواجه رفضها اللي هو أكيد هيحصل
” عن أي رفض يتحدث ؟! ” دار السؤال في ذهنها كالآتي ، وعادت تصغي أذانها مجددًا لتسمع جملته التالية بعد لحظات من السكوت وتلحقها الصدمة فتجمدها كما هي في وقفتها .
_ طيب .. طيب لما يرجع زين هكلمه واطلب إيدها منه
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)