روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثلاثون 30 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثلاثون 30 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الجزء الثلاثون

رواية يناديها عائش البارت الثلاثون

يناديها عائش
يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثلاثون

“لِنكُن أنا و أنتَ أبدِيَّانْ، لا يهزِمُنا ٱلخِصامُ و لا ٱلوَقتُ و لا ٱلبُعدْ.”

***

أحسـت بأن عقلها تفكك من بعضه، وظلت ترمش بأهدابـها عدة مرات بعد أن فتحت فمها نصف فتحة دلالة على عدم الإستيعاب والدهشة مما قـاله
“قومي اعمليلي شاي !” جابت تلك العبارة عقلها التي بدت هزليّة للغاية في موقف غير مناسب بالمرة، وبدأت الأسئلة تحوم خلايا مُخـها.
“هل تزوجني لأصنع له الشاي ؟..وماذا عن عشقه لي كما أخبرني ؟ حسنًا، وإن صدق ظنِ ولم يكن يُحبني من الأسـاس، لابد إذًا أنه تزوجني من أجل الورث كما قال البعض، ولكن ما قالـه هذا الوغد جعلني أفقد صوابي..
“أنـا عروس وهذه أول ليلة لي معه ويأمرني بأن أصنع له الشاي !”
ما هذا الهراء اللعين الذي يتفوه به، لا أحد يلومني الآن إذا قمت بتحطيم رأسه وشجته لنصفين.

استوعبت عائشـة أخيرًا وهي تطالعه بنظرات مندهشة، ولكن سرعان ما تحولت للسخرية لتحدث نفسهـا

–متجوزني عشان اعمله شاي ! وأنا اللي فكراه هيعبرلي عن مشاعره المدفونه ليا واللي شكلها كمكمت من كتر الركنة ويقولي قومي ارقصي على شيك شاك شوك.. جاك شكه في قفاك يا بعيد.. أنا يتقالي ليلة دخلتي اعملي شاي !! ده أنا معملتوش لأبويا الله يرحمه.

كان بـدر يتـأملها بعشق شديد استطاع جاهدًا اخفائه؛ لكي يعلمها الدرس جيدًا حتى لا تسخر منه ومن حبه لها ثانية، كان يعلم ما يدور في رأسها الساذج وهو يرمقها مبتسمـًا من حين لآخر على تعبيرات وجهها المحتقنة من الغضب والتي زادتها جمالـًا كعادتها عندما تنفعل أساريرها.

هبّت عائشة كالعاصفة هاتفة بغيظ

— انت متجوزني مخصوص عشان أعملك شـــــــاي.. خبطه في صداغك روح.. ماكنت شربته عندكم ولا التموين خلص جاي تعكنن على اللي خلفوني.. بقولك إيـــه أنا فيا اللي مكفيني مش ناقصه العبط ده على المسـا

اتسعت ابتسـامة بـدر الماكرة وعبث في شعره الطويل؛ ليبعثره قليلًا على جبهته ثم عضّ على شفتيه واقترب منها ببطء وعلى فاههِ ما زالت ترتسم تلك الإبتسـامة الساخرة، حتى ارتبكت عائشة ورجعت بظهرها للوراء.. حاوطها بـدر بذراعيـه ونظر في عينيها طويـلًا، مما أشاحت بصرها بخجل وازدات ضربات قلبها.. همس بـدر في أذنيها قاصدًا استفزازهـا

–بالنعـناع.. شاي بالنعنـاع

اتسعت عيون عائشة بذهـول، بينمـا هو ابتعد سريعـًا ثم شرع في نزع قميصه قائلًا بلهجة آمرة

— بسرعة.. أنا هاخد دش واتوضى.. خمس دقايق والاقي الشاي خلصان.. وانجزي يلا عشان تتوضي وتصلي معـايا

كـزت عائشة على أسنـانها بغيظ وغضب شديد، ثم نهضت من الفراش بتريث بسبب كاحلها الذي ما زال يؤلمهـا، وقامت تعرج من أمامه وهي تغمغم بنظرة إنتـقام

— ماشي يـا بـدر.. اتفرج بقى على عمايـل عائشة في الشـاي.. ليلة أمك مفيدة مش معديه انهـارده

اتجه بـدر للمرحاض وهو يكتم الضحك بصعوبة برغم حزنه الشديد على كاحلها الذي لم يُشفى بعد، فكانت كل خطوة تخطيها تؤلم قلبه وهو يراه تتكئ على الحوائط وتعرج بوهن، ولكنه صمم أنه يُكمل تعليمها الدرس بالتجربة والفعل بدلًا من القول، لم تجدي نصائحه ولا أحاديثه معها نفعـًا وقد سئم من كونه مصدر سخرية لها؛ لذا قرر أن يضع قلبه على الهامش قليلًا ويتحكم في رغبته الشديدة بعنـاقها بعد أن أصبحت زوجته وحرمه المصون؛ لكي يجعلهـا تحترم دينها وتقدره هو أيضًا حتى ولم تكن تحبه، المهم عنده أن تتعامل معه بلُطف كما سيتعامل معها بعد أن يعطيها الدرس كما يجب أن يكون.

بدأ في الإستحمام، بينمـا عائشة ظلت تتأفف وتشتمه بخفوت وهي تسمع قطرات الماء تنزل على جسده.. ابتسمت بمكـر وبدا على مُحياها الدَسِيسَة وهي تُبدل ملاعق السُكر بالمـِلح ثم وضعت الشاي والماء المغلي، لتأخذه وتضعه على المنضدة وأضاءت شاشة التلفاز، لتجلس بأريحية واضعة قدم فوق الأخرى على المنضدة التي عليها الشاي، وشبكت أصابعها ببعضهما ثم وضعت يديها خلف رأسها تستند عليها، وهي تُشـاهد مُسلسل تُـركي، مُحاولة بكل جُهـد أن تُخفي مُدَاهَنتها وابتسامتهـا الماكرة.

دقائق مرّت عليها وهي تتـأفف بضجـر وملل، تنتظره أن يخرج على أحر من الجمر؛ لترد له الصاع صاعين بـإرتشافه للشاي

المملح.. انتبهت لمشهد رومانسي بين البطل والبطلة فسهت لوهلة وابتسمت بخجل حين تذكرت اقترابه الشديد منها منذ قليل وتلك الحركة التي فعلها بفمه فزادتها خجلـًا وارتباكـًا.. تمتمت بخفوت

–اللاه مهو طلع باد بوي وبيعرف يغازل اهو.. اومال ايه بقى جو الشيخ زعبلاوي اللي عاملهولنا ده.. شكله حلو أوي في الإنحـراف.. يارب يفضل منحرف علطول

قالت أخر جملة بصوت واضح دون أن تنتبه لذلك الذي يقف بالقرب منها يجفف شعره المُبتـل.. قال بـدر متساءلًا بعفوية

–هو مين ده اللي يفضل منحرف علـطول ؟

شهقت بخضة وهتفت بالتفـاته سريعة نحوه

–هاه !

” هاه إيـه ؟.. مين اللي بتدعيله بالإنحراف ده؟.. وايه قلة الأدب اللي بتتفرجي عليها دي ..؟؟ “

قالـها بدر في شيء من التعصب وعينيه تقع رغمـًا عنه على مشهد القبلات المتداول بين البـطلين، فذهب في الحال وأطفئ التلفاز ثم استدار قائلًا بلهجة آمرة

–اسمعي يا ماما.. من هنا ورايح مفيش حاجه تتعمل غير بـإذني.. مفهوم ؟؟

قطبت عائشة حاجبيها بعدم رضـا وهتفت معترضة

–مو إما يطحشرك.. متقولي بالمرة حضريلي الرضعة.. قال ماما قال.. وبعدين مالك ومال التلفزيون بتاعنا.. ده بيتي يا عسل مش عجبك الباب يفوت جمل

لم يُعجبه تطـاولها عليه بالمرة، حتى في أصعب مواقفها لا تستطيع التخلي عن عنادها وتسيطر على لسـانها السليـط.. رمقها بغضب ليقـول

–احترمي نفسك يا عائشـة.. متخلنيش أقسى عليكِ

ابتسمت عائشة بسخرية وعقدت يديها على صـدرها مردفة

–في أكتـر من كده قسـوة !

تنهدت بحسـرة ورغمـًا عنها أدمعت عينيها، فأشاحت بوجهها بعيدًا، أمـا هو ظل يتـأملها مبتسمـًا بإشتيـاق شديد لإحتوائها بين أضلعـه،
مـا زال يستوعب تدريجيـًا أنها أصبحت في ذمتـه، إمرأتـه وعشق مراهقته وشبـابه تجلس الآن أمـامه ومسموح له بالإقتراب منها في أي وقت يشاء، لكن عليه أولـًا أن يلتزم الصبـر لبضعة أيام حتى يؤدبـها كأنهـا تُولد من جديد.

وقع بصره على كوب الشـاي، فمد يده ليـأخذه وقبل أن يقربه من فمه قـال بهدوء

— عائـش.. تسلم إيدك

ابتسمت بسخرية هاتفة

— بالشفـا يا أبيـه

تنهـد مردفـًا

–مسألتيش نفسك أنا ليه أول حاجه طلبتها منك هي انك تعمليلي شاي رغم أن رجلك بتمشي عليها بالعافية ؟

طالعتـه للحظات تحاول أن تفهم الغرض من ذلك، فزفرت قـائلة

–عاوز تتعبني وخلاص.. انت مش قولتلي هعيشك ايام سوده.. أهو ده أول يوم.. مش كده ؟

وضع كوب الشاي، ثم نظر لقدميها المرفوعة في وجهه بدون استحياء منهـا، تركها وذهب ليحضر المرهم وجاء ليجلس أمامها بعد أن أزاح قدميها برفق،ووضع المُصابة على فخذه ليدهن لها الدواء.. تأملتـه عائـشة بإبتسـامة صافية عفويـة، وبداخلـها دقة حُب تنبض تجاهه رويدا، تتمنى لو أن كل هموم العائلة انتهت، لتضيء البهجة فيها من جديد وتستطيع التعايش والتأقلم مع بـدر بسلام، حتى ولو لم تستطيع أن تبادله الحُب كزوج، يكفي أنها تُحبه كونه مُدللها وأمانها وأبـًا وسندًا لها، تحبه كـأخ حنون عليـها، ولكن هذا الحُب الذي يكنه بـدر لها في قلبه، لم تستطيع هيّ أن تبادله نفس الوتيرة بعد.

تحدث بـدر بهدوء بعد أن انتهى من وضع المرهم

–أي واحدة مكانك لو إنطلب منها ليلة فرحها تعمل شاي هتستغرب.. هتقول في نفسها بدل ما يقولي كلمتين حلوين يطلب مني شاي !
زي ما قولتِ بالضبط.. بس في الحقيقة يا عائش أنا قاصد أخليكِ توصلي للمطبخ وانتِ بتعرجي وكل إما تتدوسي على رجلك توجعك أكتـر.. وتفضلي واقفه على رجلك اللي وجعاكِ لحد ما البراد يغلي وتعملي الشاي وتجبيه وكل ده بيزيد الألم عندك.. الدرس هنا بقى.. إن مهما كان حجم الألم اللي حسيتِ بيه من شويه.. مش هيجي ذرة في اللي هتحسيه لما تُقفي يوم العرض والحساب خمسين سنة.. خمسين سنة للكفار والمشركين والمنافقين، لكن اللي قريب من ربنا وحياته كلها رضا لله وبيعمل الفرائض المطلوبة بدون تأخير.. ربنا بيخفف عنه تعب الوقوف

قاطعتـه عائشة لتتساءل في دهشة

–خمسين سنـة ؟؟

أومـأ بدر مؤكدًا، فقالت عائشة

–بس.. بس إحنا مؤمنين بالله وبرسوله !

ابتسم بـدر وهو يتأمل ملامحها بُحب، ثم مدّ أنامله ليرجع خصلات شعرها وراء أذنيها وقال بنبرة تُؤَدَة

— عائـش.. افهمي يا حبيبتي.. مينفعش تكونِ بتحبي حد ومتعمليش اللي يرضيه.. لو سألتك بتحبي ربنا ورسوله ولا لأ.. اجابتك هتكون طبعـًا بحبهم.. طيب لما انتِ بتحبيهم مبتعمليش بكلامهم وتعاليمهم ليه ؟.. أنا مش عاوز أبين إني شيخ ولا أنا ملاك مبغلطش.. لا يا عائش…كُل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. طالما لسه بنتنفس يبقى نسعى للتوبة كل إما نغلط ونجاهد منكررش الذنب ده.. لأن باب التوبة هيتقفل لما روحنا تطلع للي خالقها.. ساعتها لو مكناش بنطيع ربنا هنقول ياريتنا.. ونبقى كده ما عملناش بوصايا رسول الله ولا خُفنا من عذاب ربـنا.. فبالتالي هيكون مصيرنا قريب من الكُفار والمنافقين.. ده لو إحنـا بنصلي وبنصوم بس بنعمل ذنوب.. أما بقى لو تركنا الصلاة.. فإحنـا كده بنرمي نفسنا في الجحيم.. تارك الصلاة كافر ودي مفيهاش نقـاش..
الرسول عليه الصلاةوالسلام قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.

المصدر/ خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة .

كانت عائشة تنصت بإهتـمام شديد لأول مرة لِمَ يقوله بـدر وهي تشعر بتأنيب الضمير والخوف من الله عز وجل وفي نفس الوقت ترى الحُب في عين بـدر وأنه حقـًا خائف عليها..

بينمـا بـدر تابع..

في كمان حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، في مسند أحمد بإسناد جيد، عن النبي ﷺ: أنه ذكر الصلاة يومًا بين أصحابه وقال: من حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف.

أخفضت عائشة رأسـها بندم وحزن، فرفع بـدر لها ذقنها بـأنامله مُردفـًا بلُطف

–ده كان أول درس ليكِ.. كان ممكن أطلب منك حاجه أكبر من الشاي بس محبتش أتعبك أكتر من كده.. وزي ما قولتلك شعورك بالألم في الخمس دقائق دول ميجوش حاجة قصاد وقفة يوم الحساب وانتظارنا عشان نشوف مصيرنا..

اسمعي الحديث الجميل ده.. روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] فقيل: ما أطول هذا اليوم؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة»

المؤمن يا عائش هو اللي يعمل بكتاب الله وسنة نبيه مش يبقى اسمه مسلم وموحد بالله وهو بيعصيهم.

تنهـدت عائـشة وهي تغمض عينيها بندم غمرّ قلبها، تمنت في تلك اللحظة لو أنها لم تعصي الله قطّ.. احتوى بـدر وجهها وداعب وجنتيها هامسـًا وهو يغوص في عينيها بميـان

— أنا بحبك يا عائش وعشان بحبك بنصحك.. حتى لو أنا مبعملش باللي قولته بس واجب عليا ءأمر بالمعروف، واجب عليا أنصحك لعلّ وعسى تبقي أقرب لله مني..اللي بيحب حد بجد لازم ياخد بـإيده للصح.. للحق.. لرضا الله ورسوله.

أومـأت عائشة بتفهم وارتسمت على شفاهَ ابتسامة مشرقة، بـادلها بـدر الإبتسامة مُـردفـًا

–دعوتي الدائمة هي إنك تبقي رفيقتي وزوجتي في الجنـة.. مش هرتـاح غير إمـا تدوقي حلاوة الإيمـان.. توبي لله واستقيـمي يا عائش.. استقيمـي يا جميلتـي.. عسى أن تكونِ برفقة أم المؤمنين السيدة عائـشة رضي الله عنـها.

اتسعت ابتسـامة عائشة ورفعت كفها؛ لتضعه على يد بـدر المحاوطة وجهها برفق ولين، في محاولة منها أن تستمد الصلابة والإرادة والحُب منه.. فقـالت

“إنت كُنت قولتلي إنك سمتني عائشة على اسم السيدة عائشة رضي الله عنها.. صح ؟ “

بإيمـاءة يسبقها الإبتسـامة رد بـدر

–عشـان كنت واثق في ربنا أنه هيجعلك قدوة لبنـات كتيـر..كنت متأكد إن هيجي يوم وتفتخري إنك حملتِ اسم أم المؤمنين عائشة.

تأملتـه بسعادة في صمت للحظات، بينمـا هو أرخى جبهته على جبهتهـا وأغمض عينيه ليتنفس بعمق قائلـًا

–أدمنتك ولا أجد علاجًا سوى قُربك

أجـابت ضاحكة بعد أن ابتعدت عنه قليلًا

— ما إنت طلعت رومانسي أهو.. كان فين الكلام ده ؟

تبسم ضاحكـًا وقـال

–أنا اعجبك أوي.. بس كنت مستني اللحظة اللي تبقي حلالي فيـها

وقعت بصرها على الشـاي فقـالت بخبث

–الشاي زمانه بِـرد.. هو أي نعم نصايحك حلوه وكل حاجه بس قدر تعبي واطفح.. قصدي اشرب الشاي

رفع بـدر حاجبيه بإستنكـار وغمغم

–لسانك مش هيتعدل أبدًا

رفـع كوب الشاي ومع أول رشفة ارتشفـها بصقهـا في الـحال وهو يلوي فمـه بتقـزز صائحـًا

— ملــــــــــــــح !!

وضع كوب الشـاي والتفت لها والشرر يكاد يتطـاير من عينيه بينما هي وضعت يدها على فمها تكتم الضحك بصعوبـة شديدة.. استطـاع بـدر كظم غيظة وهو يغمض عينيه زافـرًا بضيق.. ثم ذهب من أمـامها ليجلب زجاجة ماء يضيع مذاق الملح السيء في فمـه.

كانت عائشة تشعر بلذة انتصـار بالغـة، كأنهـا حررت القُدس وأخذت تفرك يديها بحماس مُحدثة نفسـها

–هو شكرًا على النصايح وكل حاجه بس حقي برقبتي.. ويا أنـا يا إنت يا ابن عمي.

***
‏{ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }

______♡

استيقظت رُميسـاء بعد ذهاب روان بساعتين وتوضأت؛ لتُصلي الظُهـر ثم أخذت المصحف وقرأت وِردهـا اليومي وظلت تذكـر الله، بعد ذلك استعدت للذهاب لدروسـها، فـإرتدت إدناءها البُني ونقابـًا بنفس لون الإدنـاء واتجهت لتُخبر والدتها بأنهـا ذاهبة، ولكنها لم تجدها..

وجدت شقيقتها الصُغرى تذاكر في غرفتها فهمّت بسـؤالها

— سلسبيـل هي ماما راحت الشُغل ؟

أجـابت سلسبيل

— لأ.. جالها تليفون إن فيه واحدة اتوفت وهتروح عشان تغسلها

” لا حول ولا قوة إلا بـالله.. إن لله وإنا إليـه راجعون “

قالتهـا رُميسـاء بحزن ودعت للمرأة بالرحمة.. والدة رُميسـاء تعمل مُغسلة في إحدى الجمعيات الشرعية دون أن تتقاضى أجرًا على ذلك، هي تعمله لوجه اللـه.. بجانب عملها الأساسي وهو التدريس لتلاميذ الإبتدائيـة.

استدارت رُميساء لتخرج من غرفة شقيقتها، فسمعت همهماتها تقول
” الحمدُ لله حتى يبلغ الحمدُ منتهاه “

التفتت لها رُميساء لتقول بلُطف

— سلسبيل حبيبتي متقوليش كده تاني.. لا أصل للعبارة دي وهي فاسـدة.. مفيش منتهى لحمد الله تعالى.. الصح نقول.. “الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبـًا مباركـًا فيه”

ابتسمت سلسبيل بعد لحظات دهشة وقالت

— أول مرة أعرف المعلومة دي.. جزاك الله خيرًا يا رُميسـاء

بـادلتها رُميساء الإبتسـامة، ثم ذهبت لتفتح الباب ففوجئت بوالدتها تُقبـل عليها وهي منهارة في البُكاء.. هلعت رُميسـاء عليها كثيرًا وتساءلت في خوف

— ماما خير في إيه ؟

رددت الأم من بين بكاءها

— ربنا يرحمها.. يارب سامحها واغفرلها.. يارب ارحمها

تساءلت رميساء بحيرة

— في إيه بس احكيلي

مسحت الأم دموعها بحزن شديد وكفكفت بكاءها ثم قالت بعد دقائق من الصمت

— حُرمة الميت تمنعني أحكي اللي شوفته.. بس عشان تنبهي صحابك اللي بيسمعوا أغاني.. هقولك على اللي شوفته وربنا يسامحني ويسامحها ويغفرلها..

بكت الأم ثانيةً وهي تردف

— الله يرحمها كانت لسه بنوته مراهقة عندها ١٨ سنة.. وأنا بغسلها مع الأخت رئيفة اللي من الجمعية.. اتفاجئنا بدم بينزل من ودن البنت.. بقينا نغسله ونحط قطن ونمسحه.. مفيش فايدة برضو.. الدم بيكتر وفجأة اتحول للون الإسود.. بقينا مرعوبين ومش عارفين نوقفه.. فضلنا ساعات نحاول نوقفه مش عارفين.. لحد ما قعدنا نقرأ قرآن وندعي ربنا وفي الآخر كفناها بالعافية.. بعد ما خلصنا سألت أمها.. عيطت بقهرة وقالت إن بنتها مكنتش بتسيب الأغاني لحظة.. رايحة جاية السماعات في ودنها والاغاني شغالة.. ومبتسمعش لنصايح حد.. أمها بقت تعيط من الخوف عليها واحنا عجزنا إننا نسكتها.. مكناش عارفين نواسيها ازاي.. مفيش في إيدنا حاجه غير إننا ندعيلها ربنا يرحمها ويسامحهـا.

ابتلعت رُميساء ريقها بخوف وادمعت عينيها لتحدث نفسها

–الحمد لله إن روان تابت قبل فوات الآوان.. يارب ثبتها وثبتني واهدي أي حد قلبه متعلق بالأغاني

احتضنت رُميساء والدتها لتهدئها قائلة بحزن

–ربنا يغفرلها ويرحمها ويرحمنا جميعـًا

.. همست الأم

— آمين

استأذنتـها رُميساء ثم ذهبت لدروسهـا ذاكرة الله في كل خطواتهـا.

***

قد يكون شر الشياطين من الأنس، هو من يظهر لك وهو في ثوب الملاك البريء، احرص من هؤلاء الناس جيدًا. (لأحـدهم)

_____

أُعجـب “كـريم” كثيـرًا بذكـاء ودهـاء “زيـاد” في الخطـة التي رسمها؛ لكي يستطيعوا إيقـاع هذا الوغد في فخ القـانون، ورافقـه كـريم بعد أن أعطـاه الإذن للتسجيل.

السـاعة الثانية ظُهـرًا، الجو مشمس وحـار والناس يتأففون بضجـر، وآخرون يدعون الله سرًا أن يجيرهم من حر جهنـم.. على مقربة من ذلك الشارع الذي يوجد في مقدمته مخبـز وبعض البـاعة الجائلين ويجلس على جانبه اثنانِ من المتسولين.. يقف كريم وزيـاد على الجهة المقابلة للشـارع ومعهما فتاة اخذها كـريم من السجن لتنفذ معهمـا الخطة.

اطمئن زيـاد على كاميرا التسجيل التي علقها بجانب زر بدلته والتي حجمهـا أصغـر من عدسة العين ثم ذهب للشاب الذي يقف على مقربة من الشـارع.. تأملـه الشاب للحظـات بوجوم من مظهـر زيـاد المهندم والجذاب والذي يوحي بأنه شخص مهذب ليس لـه علاقة بما يقومون به من تزوير صور للفتيـات.. حول الشاب بصره بين زيـاد والفتاة وتسـاءل

— انتوا اللي عاوزين اظبطلكم الصـور ؟

تحكم زيـاد في غضبه كلما تذكر حديثه مع نورا شقيقته، فقـال بثقـة

–اعتبرني سمسار.. البنت دي معاها شوية صور وعاوزك تظبطهلهـا

بإيمـاء قال الشاب

— تمام.. بس قبل أي حاجه نتفق على الحساب.. أنا مبدخلش حد المكان بتاع شغلي غير اما اتفق معاه على كل حاجه.. عشان كده قابلتكم برا.. بس عشان انتوا أول مرة هخفضلكم السعر.. هتدفعوا ألفين ونص دلوقت ولما تستلموا الشغل تدفعوا باقي المبلغ.

اعطـاه زيـاد المبلغ كاملـًا فتعجب الشاب كثيرًا، بينما زياد حافظ على ثباته وأردف

— عاوزينك تنجز في الموضوع شويه.. أنا عطيتك المبلغ كامل.. الحاجة تجهز بسرعة

وافق الشاب وأخذهما لمقرّ عمله.. أخذ الصور من الفتاة وبدأ يقوم بتركيب صور مزيفة عاريـة عليها ببرامج تقنية عاليـة تجعل المرء يصدق أن هذا جسد الفتاة بالفعل.

سجلت الكاميرا كل ما يحدث صوت وصـورة وبعد ساعة أرسل زيـاد لكريم رسالة بأن يجلب سيارة الشُرطة ويأتي للقبض على هذا المحتال الذي اتضح أنه يمارس جريمته برفقة صديق آخر له يساعده في ابتزاز الفتيات..مسح زياد صور عائشة التي كانت بحوزة هذا الوغد ومن شدة غضبة وغيظه مما كان سيفعله بإبنـة عمه، لقنه درسـًا لن ينساه دون أن تتسخ يده بمدها عليهم..انتقم منهما بالقانون وبالعقـل.

انتفض الشاب وصديقه الذي حضر منذ نصف ساعة، من دخول كريم ورجاله فجأة وهو يرفع سلاحه في وجهم هاتفـًا

— ارفـع ايدك إنـت وهو.. يـلا

وُضعت الأصفاد حول الشابين ونفذ زيـاد خطته بكل حذر وذكاء؛ ليضم قضية أخرى سيعرضها على المحكمة حالما ينتهي من قضية اليوم.. ودع زيـاد “كـريم” ثم ركب سيارته واقتادها للمحكمة وبداخلـه يدعو ربه أن ينتصر في تلك القضية التي يحضرها أهم رجال في الدول، فالجاني هو ابن رجـل أعمال شهير ومحامي الدفاع خاصته معروف بجبروته ويكبر زيـاد سنـًا وخبرة؛ ولكن زيـاد هو من معه الحق لذا توكل على ربه ووثق في عزتـه ثقة عمياء أن يكون معه وينصره.

تجمعات هائلة من الصحافة حول قاعة المحكمة وعندما اقترب زيـاد من باب المحكمة هرولوا إليـه محاولين أن يصلوا منه لأي معلومه ولكن زيـاد ابتسم وقـال

–لكل ظالـم نهايـة.

ثم دلف للداخل تحت أنظـار الغيرة والغِل من المحامي الآخر ووالد الجاني واقاربه.. ابتسم لهم زيـاد بثقة ثم خلع نظارته الشمسية وألقى عليهم نظرة أخيرة ساخرة ودخل ليرتب أوراقة حتى يستعد لمواجهة أي شيء قد يقولـه رئيس المحكمة بشـأن القضية، تلك هي أخر جلسة لصدور الحكم والجميع متوترون وخائفون إلا زيـاد الذي استمد قوته من ثقته الشديدة في العادل المنتقم.

“محكمــــــــة”

قالـها الرئيس.

على تلك الطاولة الكبيرة يجلس الرئيس في الوسط وعلى يمينه ويساره مستشاران، النائب العام على يسار الرئيس في طاولة صغيره وحده وآمين ضبط الجلسة أمامه أما وسط القاعة أمام الرئيس يقف على اليمين المحامي بجانب المجني عليه وعلى اليسـار زيـاد.. وكبار الدولة والأقارب وراءهم يجلسون بتوتر على المقاعد.

قـال الرئيس..

( أصدرت محكمة جنايات المنصـورة، قرارًا بالإعدام شنقًا للمتهم بذبح والدتـه يُسريه الضبع تبلغ من العمر ٥٢ عامًا، وقتلها مع سبق الإصرار والترصد، حيث إنه بعد ذبحها وضع جثتها في كيس بلاستيك، وجاء الحكم بعد عرض القضية على فضيلة المفتي وصدق بقرار الإعدام.)

ضجت أصوات الإعتراض في القاعة بينما ابتسـم زيـاد بسعادة شديدة رافعـًا رأسه للأعلى متمتمـًا

(الحمد لله.. الحمد لله كنت واثق في حكمك وعدلك يـارب)

كان المحامي الأخر يغلي حقدًا وكُرهـًا لزيـاد، بينما زيـاد لم يوليه اهتمام وحمل اغراضه متجهـًا لمكتبه.. انقضت عليه وسائل الإعلام والصحافة يصورونه ويضعون الميكرفونات في وجهه ليرغموه عن التحدث.. فقـال مبتسمـًا بسعادة

— الحمدلله.. ربنا ما بيظلمش حد وهو خد جزاءه

ثم ذهب لمكتبه بعد أن اقتاد سيارته وهو سعيد للغاية، وصل المكتب ونزع ثياب المحاماة ووضع أغراضه ليرى ما القضية التالية التي سيعمل عليها..

حدث نفسه ببهجة واصرار

— يـارب انت فرحتني ومكسرتش بخاطري ونصرت الحق.. أنا كنت واعد نفسي لو كسبت القضية هخلي اليوم كله فرحة وافرح العيلة بكتب كتابي على هـاجر.. يارب توافق ومتخذلنيش.

تنهد زيـاد ثم هاتف بـدر وأخبره بأن ينتظره عند بيته.. علم زيـاد بزواج بـدر من عائشة، كان على علم سابقـًا بأن بدر اتخذ القرار ولكنها تفاجئ بزواجه منها اليوم تحديدًا دون ترتيب أو حسبان.. على كُلـًا سيفي بوعده لنفسه ويذهب لمحل المجوهرات كي يرى إذا كان الخاتم الذي أعده لها انتهى الصائغ من عمله أم لا.

ذهب زيـاد لمحل المجوهرات داعيـًا الله أن يكون الخاتم جاهزًا..
أخبره الصائغ بأنه تبقى القليل فقط من الوقت لينجزه.. أذن المغرب فاتجه للمسجد ليُصلي حتى ينتهي الرجل من عمله.

أطـال زيـاد السجود ككل مرة يصلي فيها وهو يردد اسمها بعشق راجيـًا الله في نفسه أن يكتبها له.

انتهى من صلاته وعاد للصائغ..

ارتسـمت سيمـاءُ الإرتيـاح وأمـاراتُ الإنشـراح على وجهه وهو يطلب من مُصمم الخاتم أن يحفر اسمـاهما.
ابتسمـت له الحيـاة ثانيـة، و رُفعت الحُجُب شيئًا فشيئـًا، أطـاع الله فأرضـاه الله وأراح قلبه، وبدل تعاستـه حبورًا.. اليوم ستكون وردتـه ملك له أمـام الله والجميـع، أحبـها بل كان وما زال وسيبقى مُتيم بها للأبد، حبه لها ليس له حدود هي الوحيدة التي جعلته يشعر بأن الحياة جميلة مهما قست، وضع الله حُبها في قلبه؛ فسعى جاهدًا ألا يُغضب الله أبدًا ليستحق وردة جميلة نقية مثلـها.

أخذ الخاتم واقتـاد السيارة عائدًا لحارتهـم، خاصة بيت وردتـه.

***

جاء بـدر اتصـال زيـاد وهو يشرب الماء بسبب ما فعلته عائشـة.. أجابه وأخبره زيـاد بالأمر.

تنفس بـدر بعمق وزفر بهدوء محاولـًا التحكم في غضبه من تلك المتمردة ثم قـال بنظرة برود

— اتوضي عشان نصلي ركعتين نبدأ بيهم حيـاتنا

ضحكت بسخرية قائلة

— ده على أساس إن احنا مبدأنهاش من شوية بكوباية الشاي

تأفف بـدر بيأس منها وأردف

–انتِ مبتزهقيش من العِند.. يعني كل اللي قولتهولك ده مفرقش معاكِ ؟ ده لو حجر كان نطق.. عارفه يا عائش.. انتِ اللي زيك ميجيش براحه لازم يتهزق عشان يسمع الكلام

ظلت ترمقه بسخرية غير مبالية بما يقوله، فزاد ذلك من غضبـه واتجه ليقف أمامها وضاقت عيناه وهو يطالعها ببرود شديد جعلها تخاف منه.. فقـال

–قومي اتوضي مش هكررها تاني

صمتت لدقائق ثم غمغمت بخوف

— هتضربني ؟

“مفيش راجل محترم وحطي تحت كلمة راجل ميت خط، بيمد ايده على مراته أو على واحده عمومـًا.. أنا هعلمك الأدب بطريقة.. منستش اللي عملتيه علفكره.. وده حسابه لوحده”

قصد بأخر جملة له وجودها مع أمير على الرغم من أنه حذرها منه كثيرًا ولكنها فعلت ما يحلو لها، لذلك حدث ما حدث.

استجمعت عائشة شجاعتهـا وهتفت

— هو انت ليك عين تكلم وتزعق.. مش كفايا متجوزني في بيت ابويا لأ وكمان من غير حتى فستان فرح زي بقيت العرايس.. محسسني انك لاقيني في الشارع.. دي لو جارية مش هتتعامل كده.. طول ما انت قاعد في بيت ابويا يبقى مسمعش نفسك

قالت الكلمة الأخيرة بخفوت وخوف.

لوى بـدر شفتيه بإمتعـاض وانحنى عليها ليحتجزها بين ذراعيه، وظل يتأملها للحظات بينما هي تصنعت الشجاعة وبادلتـه النظرات بلامبالاة.

قال بـدر أمام وجهها وهو ينظر في عينيها

— انتِ لسه مشوفتيش حاجه.. أنا لحد الآن ماسك نفسي بالعافية.. متطلعيش أسوأ ما

فيا يا عائشة عشان متندميش

“هو انت عندك انفصام في الشخصية؟.. كل شويه بحاله شكل.. من شويه تنصحني وبحبك ومعرفش ايه ودلوقت جاي بزعابيبك علينا “

قالتها بحنق.. فهتف بدهشة

“زعابيبـك !.. انتِ بتجيبي الكلام ده منين؟ “

ضحكت بسخرية وهي ترفع حاجب وتخفض الأخر

— كل يوم من ده يا عنيا.. مفكر عشان اتجوزتني عشان مليش حد يبقى اسيبك تهين فيا براحتك.. ده انا اوديك مكان واتوهك واحلف إن معرفكش

تعجب بـدر من جراءتها رغم أن عينيها تقول عكس ذلك، رغمـًا عنه ضحك بخفة ثم قبْلها من جبينها هامسـًا

–هنزل أشوف زيـاد عاوزني في ايه وأجيلك.. مش هتأخر

اصطنعت الغثيان وظلت تمسح جبينها كالأطفال مكان القُبلة وصاحت بإنفعـال مزيف

–اتكل على الله يا عم.. معتش تبوسني تاني أنا بقرف

تنهد ضاحكـًا وهو يهز رأسه بقلة حيلة ثم هبط للأسفل وبعد دقائق قليلة جاء زياد بسيارته وترجل منها ليُقبـل على بدر فرحـًا مسرورًا وكأنه نـال سعادة العالم.. تحدث بلهفة

–مكنتش اعرف انك هتتهور وتكتب كتب كتابك انهارده ومن غير وجودي بس معلش كان عندي قضية مهمة والحمدلله كسبتها وفرحان أوي.. عاوز يومي يتقفل بحاجه تطلعلي جناحات من السعادة.. عاوز اكتب على هاجر دلوقت.. أنا طالب ايدك اختك.. بص أنا طالب أختك كلها.. عايز أعيش بقيت عمري مبسوط ومش هرتاح غير وهي جنبي ومعايـا.. انت عارف يعني ايه الواحد يعشق بجنون.. أنا وصلت لمرحلة إن بتخيلها معايا في كل مكان بروحه.. مبتفارقش حلمي لحظة.. نفسي الحلم يبقى حقيقة وهاجر تنكتب على اسمي.. عاوز أجوز اختك يا بـدر.. انا مبطلبش رأيك انا بعرفك بس.. يلا خش عرفها وأنا مستني أهو… ادخل يلا

كان بـدر يستمع له مبتسمـًا بشدة وانتظره حتى يُنهي حديثـه وأردف بسعادة مماثلة

— أنا مش عارف أقول ايه غير….. حاضر.. حاضر يا زيـاد هدخل أعرف هاجر وربنا يقدم اللي فيه الخير

بالفعـل دخل بـدر لبيته بينما زيـاد ظل واقفـًا بالخارج والتوتر يأكل قلبه خوفـًا من أن ترفض.. أخذ يدعو الله أن توافق ولا تخذله.

ما زالـت الدهشة تعتري وجه هاجر ومفيدة بسبب قرار بدر المفاجئ في الزواج من عائشة في مثل تلك الظروف.

كان سيف نائمـًا وهاجر تُصلي العشـاء ومفيدة تجلس على الأريكة وتمسك سبحتها في يدها تسبح عليها بهمس.. انتبهت لمجيء بـدر فقالت ساخرة

— خير يا عريس ايه اللي جابك دلوقت ؟

قبْل بـدر يدها قائلًا

— فكك مني دلوقت.. زيـاد عاوز يجيب المأذون ويكتب على هاجر دلوقت.. ايه رأيك ؟

كانت هاجر قد أنهت صلاتها للتو ووقفت وراء الباب تصتنت على حديثهما بوجه دبت فيه الحياة وصدر منشرح حين علمت بأن حبيب طفولتها وشبابها قرر الزواج منها بعد أن تطهر من ذنبـه، كانت تشعر بأنه سيفعل ذلك عن قريب ولكن شعورها بالخوف من مرضها فاق الشعور بالفرحة.. لم تدرِ بعد ما القرار الصحيح الذي يجب أن تأخذه بشـأن زواجها من زيـاد، ولكن استقر قلبها أخيرًا وألهمهـا بأن الفرصة الجميلة نادرة ولا تتكرر، أحبت أن تشعر بلذة الحياة قبل مفارقتها بالقرب مع الرجل الوحيد الذي دق قلبها له وقرع بطبول العشق، حسنـًا فلتكُن كُل البلاد باكملها لهُم
‏أما جِواركِ فأودّ أن يكون ليّ.

قالت مفيدة

— خد رأي أختك هو الأهم

دلف بـدر لغرفة هاجر وانتبها لوجودها واقفة بجانب البـاب.. ابتسم بـدر واحاط وجهها برفق ليقول بلين

— أكيد سمعتِ وعرفتِ أنا عاوزك ليه.. كل اللي اقدر اقوله إنك عاقله وناضجة وبتعرفي تقرري كويس بس غلط انك وقفتِ علاج من غير ما تعرفيني.. إن شاء الله هتكملي علاجك..مفيش مستحيل على ربنا.. ربك الشافي قادر يشفيكِ بطرفة عين.. ثقِ في ربنا

كاد أن تتحدث ولكنه أسكتها مردفـًا

— مش هلاقي أحسن من زياد ينفع يكون شريك حياتك.. أنا شايف حبه ليكِ في عنيه.. زيـاد هو الإختيـار الصح ليكِ وهو عوض من ربنا وهدية بعتهالك.. مترفضيش وعيش وانبسطي وسيب الباقي على ربنا.. هو قادر على كل شيء

ابتسمت هاجر بخجل وأخفضت رأسها، فسألها بـدر

— ها.. اقوله ايه؟.. ده واقف برا على نار عامل زي المجنون

بإيماءة رأس ونظرة حُب ممزوجة بخجل همست هاجر

— موافقـة

ابتسم بـدر وعانقها بحنان ثم ذهب وأخبر زيـاد فكان رد فعله أن ظل يهتف بفرحة عارمة

— الحمد للـه.. الحمد للـه.. كنت واثق إن ربنا هيكتبهالي..

ثم صــاح بسعادة شديدة

— هـــــــــــاجر.. بحبــــــــــــاك.. بحبـــــ….

كتم بـدر فمه سريعـًا وهو يضحك وينهره بلطف هامسـًا

— هات المأذون الأول قبل ما تفضحنا يا غبي

انطلق زيـاد مهرولًا وهو في قمة سعادته ليأتي بالمأذون الذي يسكن بجوارهم.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى