رواية قصة حنين الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم صباح عبدالله
رواية قصة حنين الجزء الثالث والعشرون
رواية قصة حنين البارت الثالث والعشرون
رواية قصة حنين الحلقة الثالثة والعشرون
صلوا على الحبيب المصطفى.
نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم.
**في منزل عائلة عاصي**
الساعة 7 ونصف صباحاً
يجلس على مائدة الطعام كل من نوال وكاظم، الذي يتناول فطوره في صمت ولم يقل شيئاً، مما زاد شكوك نوال تجاهه. أردفت قائلة متسائلة عن سبب هذا الهدوء الذي تلاحظه لأول مرة، وملامحه المتوترة تدل على أن هناك أمراً خطيراً قد حدث.
_خير، مالك يا كاظم ساكت ليه كده ومش على بعضك؟
يرفع كاظم رأسه ناظراً إلى أمه وجهاً لوجه، وأردف قائلاً بتلعثم وزاد توتره، فحمل كأس العصير الذي أمامه وأخذ منه بضع شربات ثم أعاده إلى مكانه قبل أن يقول:
_بصراحة يا أمي، في حاجة؛ أنا كنت عاوز أقولك عليها._
ينهش الفضول وقلق عقل هذه الأم تجاه ابنها الوحيد، وزاد فضولها أكثر علامات التوتر التي تراها على ملامح وجهه. نظرت إليه والشكوك تحوم حول عقلها، وأردفت قائلة بمزاح وهي لا تعلم أنها قالت الحقيقة أو أنها قرأت ما يتبادر في خاطره من ملامحه ونظرات عينيه التائهة، لكنها فضلت قولها بمزاح على أمل أن تكون قد أخطأت أو هلوسة في أفكارها:
_خير يا كاظم، عاوز تقول إيه؟ لتكون تجوزت أنت كمان زي أخوك، من غير ما تأخذ رأي أحد.
ينظر كاظم إلى أمه مندهشاً مما قالت، وعقله الصغير ما زال لا يستوعب أنها أمه والرابط القوي الذي بينه وبينها يساعدها على قراءة كل ما يتبادر في خاطره قبل أن يتفوه بحرف. وأردف قائلاً وهو يشعر بغصة في حلقه والكلمات عالقة في حنجرته:
_هو أنا فعلاً اتجوزت يا أمي.
تهبط الكلمات مثل الصاعقة على مسمعها، فتجبرها الصدمة على النهوض من مقعدها وهي تضرب بيديها على صدرها بقوة، وأردفت قائلة بذهول وصوت عالٍ:
_يا نهار مش فايت، انت بقول إيه يا طاظم؟ اتجوزت؟ اتجوزت إزاي ومين؟
ينظر كاظم إلى أمه بخوف من انفجارها، والأفكار المزعجة تحوم داخل عقله، ولا يعلم ماذا يقول أو ماذا يفعل لإيجاد مبرر مقنع لما فعل. فينهض هو أيضاً من مقعده ويضع يده على كتف أمه محاولاً تهدئتها ليتمكن من تبرير ما فعل، وأردف قائلاً بهدوء:
_أهدئي بس يا أمي، ما حصلش حاجة لكل ده._
تجيب نوال بغضب أكثر وهي تدفعه بعيداً عنها، وخذلتها دموعها القريبة من جفون عينيها فهربت على خديها بشغف، وهي تقول بخيبة أمل قد خاب أملها حقاً في أولادها الاثنين. لم تفعل مثل ما تتمنى كل أم في العالم، وهو أن تفرح بزفاف أولادها وتأتي إليهم بعروس حسب رغبتها وكما تتمناها، لكن ما فعله أولادها كسّر أحلامها وتخطيطها المستمر ليوم مثل هذا.
_ما حصلش حاجة زي، أخوك جاب بنت من الشارع وقال “دي بقت مراتي” وساب البيت، وربنا وحده يعلم راح فين ولا إيه اللي حصل، وأنت جاي تقولي إنك اتجوزت وربنا يعلم هي مين وإيه أصلها وفصلها، وتقولي “أهدئي بس يا ماما ما حصلش حاجة”، ولا أنت علشان شفت أخوك غلط وما فيش حد قدر يكلمه، قولت أعمل زيّوه، ما هو أنتم كبرتوا خلاص، ما بقيتوش تعملوا احترام لحد، ولا أنا وأبوك موتنا خلاص، وبقى كل واحد فيكم يعمل اللي هو عاوزه._
ثم ترفع إصبعها السبابة في وجه قاظم بتحذير، وقد أحمرت عيناها من شدة البكاء والغضب:
_اسمع يا كاظم، الكلام ده لك أنت وأخوك. أنا ولا راضية على جوازك ولا على جوازه، وحتى البنت اللي أنت اتجوزتها أنا مش عايزة أعرف هي مين أصلاً، وأفضل لك ما تجيبهاش على البيت، وهتشوف مني من هنا ورايح وش مش هيعجبكم.
ثم تترك وتذهب إلى غرفتها قبل أن تسمع ما سيجيب به كاظم. وفي هذه اللحظة يدخل عاصي، الذي ظل طول الليل خارج المنزل ولا أحد يعلم إلى أين قد ذهب أو ماذا كان يفعل، وهو يحمل الجاكيت على كتفه الأيسر ويمسكه بأصبعين فقط من يديه اليسرى ويتأرجح في سيره إلى اليمين واليسار ويحارب من أجل أن يظل مستيقظاً ولا يغلق عينيه. كان سيسقط لولا أمسكته يد كاظم، الذي أردف قائلاً بتساؤل وهو ينظر إلى أخيه بذهول:
_عاصي، انت كويس؟
يجيب عاصي بتوهان وصوت متقطع من شدة النعاس، ولسانه ثقيل كما لو كان يتفوه بكلمات من صخور وليست كلمات من أحرف:
_أيوة، بخير. أنت ليه تسأل؟
يضع كاظم يده على أنفه ليصد الرائحة الكريهة التي خرجت من فم شقيقه، وأردف قائلاً بتقزز:
_عاصي، انت شارب إيه؟
يضع عاصي أصبعه السبابة على فم شقيقه، وأردف قائلاً وهو ينظر يميناً ويساراً مثل طفل صغير فعل شيئاً خاطئاً وخائف أن تعلم أمه به وتقوم بمعاقبته بقسوة:
_شششش، حد يسمعك. أنا شربت بس شوية خمر صغيرين قد كده.
يقول ذلك وهو يضم أصبعه السبابة مع أصبعه الأكبر بمعنى أنه حقاً لم يحتس الكثير من الشراب، ثم يربت على كتف كاظم ويتركه ويصعد إلى غرفته وهو يتأرجح في سيره إلى اليمين واليسار، ولا يقدر على السير بشكل مستقيم مثل العادة من ثقل رأسه بسبب المشروب، بينما كان ينظر كاظم إليه بدهشة، والفضول ينهش عقله لمعرفة ما الذي حدث وجعل شقيقه يصل إلى هذه الحالة التي لا يحسد عليها. وبعد مرور دقائق، وصل عاصي إلى غرفته وقام بفتح الباب بحذر وأدخل رأسه فقط من الباب مثل طفل صغير يلعب لعبة استغماية مع أحد أصدقائه وخائف أن ينقض عليه أحد، بينما يبحث بعينيه عن حنين التي ما زالت تغط في سبات عميق ومستلقية بجسدها على الأرض كما لو كانت تنام على أحد الطرق في ليلة شتاء قاسية، ولا تجد من يأخذها في أحضانه ليشعرها بالدفء والسكينة قليلاً في هذا العالم القاسي. يتقدم عاصي تجاهها وهو ينظر إلى حالها المبعثر ووجهها الشاحب من كثرة البكاء، ويشعر بسكين باردة قد خرقت قلبه، وعلامات الندم ظهرت على ملامحه ويؤنبه ضميره لأنه ذهب وتركها وحيدة ليلة أمس وهي في أمس الحاجة أن يبقى بجوارها. قام بحمل جسدها من فوق الأرض وذهب ببعض الخطوات تجاه الفراش، وقبل أن يضعها على الفراش، تفتح حنين عينيها وتنظر بفزع إلى ذلك الوجه الشاحب ثم تغلق عينيها وتفتحهم مرة ثانية، ويظهر أنها تحاول أن تستوعب ما يحدث. وأردفت قائلة بتساؤل وصوتها ضعيف أثار النوم وهي تحدق بخجل إلى عاصي، وعندما استوعبت ما يحدث لفت يديها حول عنق عاصي خوفاً من أن يتركها فتسقط أرضاً:
_عاصي، أنت بتعمل إيه؟ نزلني، شايلني ليه كده؟
يتجاهل عاصي ما تفوهت به حنين وظل يحملها على ذراعيه إلى أن وصل بها إلى الفراش، وقام بوضعها برفق عليه واستلقى بجوارها، وأردف قائلاً بتوهان وهو يغرق في جمال عينيها، وكانت هي أيضاً تنظر إلى عينيه الذابلتين من كثرة النعاس والمشروب، وتحسس بأنامله ملامح وجهه الحزين، وتنصت بصمت إلى ما يقول:
_ليه يا حنين؟ أنت مش عاوزة تحسسي بيّ ونار اللي جوايا؟ أنت لو تعرفي أنا بحبك قد إيه مش هتعملي فيّ كل ده. أنا بحبك كتير يا حنين.
تجيب حنين بحزن وتسللت دموعها في صمت على خديها:
_ أنت شارب يا عاصي؟
يضع عاصي إصبعه على شفتيها، وأردف قائلاً بتخدير وهو لا يشعر بما يفعل:
_ هششششش، مش تتكلمي خالص يا حنين، بس بس اسمعي أنا هقول إيه ماشي، أنتِ عارفة أني بحبك صح؟
تهز حنين رأسها بهدوء بمعنى نعم، بينما أردف عاصي قائلاً بحزن:
_ طب مانتي عارفة أني بحبك ليه عاوزها نفضل بعيد عن بعض حتى بعد ما تجوزنا، ليه عاوزها تتعبني وتتعبي نفسك؟
تجيب حنين بحزن وبكاء شديد قائلة:
_ ياريت أقدر أقول لك السبب يا عاصي.
يجيب عاصي قائلاً وهو يرخي جسده على الفراش ويظهر أنه سوف يغط في سبات عميق، وقام بضمها إلى صدره بقوة:
_ أنا بحبك يا حنين قولي لي ليه…..؟
ويسيطر عليه النعاس قبل أن يكمل حديثه، فتشعر حنين بأنفاسه الهادئة وتعلم أنه ذهب في سبات عميق، فتنهض من جواره بهدوء وهي تنظر إليه ببكاء، وقد أحمرت عيناها من شدة البكاء. وضعت قبلة رقيقة على جبين عاصي، ثم قامت بفك أزرار قميصه ونزع حذائه، ثم ذهبت تجاه دورة المياه وبعد دقائق خرجت، لكنها وقفت مندهشة وهي تنظر إلى ما يقف أمام باب الغرفة، وأردفت قائلة بذهول:
_ نوران، أنتِ بتعملي إيه هنا!؟
تنظر إليها نوران وهي تبتسم ببرودة، وأردفت قائلة بسخرية:
_ إيه، مش هاترحبي بسلفتك الجديدة؟ ما أنتي برده متجوزة قبلي بساعتين.
——
في المستشفى عند رياض والشباب…
يجلس محمد على مقعد أمام الغرفة التي فيها رياض، بينما يجلس كل من علي وعماد وزياد بجوار رياض الذي ما زال تحت تأثير المخدر. وأردف محمد قائلاً محدثاً نفسه وهو يضم رأسه بين يديه:
_ ليه كده يا حنين؟ أتجوزتي عاصي طيب، واللي حصل أنا مش وعدتك أني هصلح كل اللي حصل، طيب إنتِ هتعملي إيه في نفسك دلوقتي، ولا هتواجهي جوزك إزاي دلوقتي وتقوليه الحقيقة؟ أنا عارف أن اللي حصل مش ذنبي ولا ذنبك، بس اللي حصل غلط كبير وما يتسامحش عليه!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قصة حنين)