رواية ضروب العشق الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الجزء الثامن والعشرون
رواية ضروب العشق البارت الثامن والعشرون
رواية ضروب العشق الحلقة الثامنة والعشرون
رافق الطبيب حتى الباب وشكره بامتنان ، واستمع إلى نتبيهاته الصارمة تجاه بعض الأشياء حتى لا تتعب مجددًا ، كان يعطيه نصائح خاصة يتبعها أذا شعرت بإي تعب ، فأجابه كرم بالموافقة ، وبعد رحيلة وقف خلف الباب وهو يزفر القليل من الفزع الذي ترك في نفسه أثره حتى بعد أن طمأنه الطبيب عليها ، فلقد عاد للمنزل بعد أن اجرت اتصال به ووجدها فاقدة الوعي على الأرض وحرارتها مرتفعة لدرجة أنه لم يستطع لمسها فزعر وازداد خوفه وتوتره وحاول أن يوقظها ولكن دون فائدة فحملها ووضعها على الفراش والبسها شيئًا مناسبًا ووضع حجابها على شعرها قبل أن يأتي الطبيب ، فحصها واخبره بأنها تعرضت لحمى شديدة جدًا .. ووضع لها محلول طبي وطلب منه أن يجهز لها طعام حتى تأكل وتأخد الدواء عندما تستيقظ ، وهدأ من روعه بأنها ستكون بخير بعد أخذ جرعة المحلول والدواء .
عاد للغرفة واغلق الباب خلفه ، ليقترب ويجلس على الفراش بجوارها يتأمل ملامح وجهها المتعبة وشفتيها وخديها التي تركت الحرارة المرتفعة آثارها عليهم فأعطتهم لون أحمر فاتح ، مد يده يتحسس جبهتها ووجنتها فأصدر تنهيدة حارة بارتياح حين وجد حرارتها هدأت قليلًا ، نزع عنها الحجاب بحرص شديد وأخذ يملس على شعرها بحنو وهو يطالعها مبتسمًا ، ثم انحنى إليها وطبع قبلة حانية على جبهتها وهم بأن ينهض ليجهز لها طعامها حتى تأخذ دوائها ولكنه وجدها تنقلب على جنبها ناحيته وهي مازالت نائمة زتهلوس نتيجة لحرارتها المرتفعة فسمعها تهمهم بصوت يكاد لا يسمع :
_ ليه سبتوني وحدي ، حتى كرم مبيحبنيش
استمع لآخر كلماتها وعبست ملامح وجهه بالأخص بعدما سمعها تكمل :
_ بحبه أوي
تنهد الصعداء فهو يعرف جيدًا أنها تعشقه وكان يتصنع عدم الفهم ، ولكنه مسك بكفها يرفعه لشفتيه ويقبله هامسًا بنبرة منخفضة وهو يحتضنه بين كفيه :
_ صدقيني حتى أنا مبقتش عارف إنتي بتعملي فيا إيه .. ردي وقوليلي عملتي إيه فيا ياشفق ؟!! ، إزاي قدرتي تعلقيني بيكي بالشكل ده وفي الفترة القصيرة دي .. إزاي ؟!
نائمة لا تشعر به ولا تسمع كلامه فقط تنام وتهلوس بين الحين والآخر ، ليمسح على شعره نزولًا لوجهه وهو يصدر تأففًا محتارًا ثم ينهض من جانبها ويتجه للمطبخ ويبدأ في تحضير الطعام وبعد مرور نصف ساعة وأكثر يعود لها وهو يحمل بيده صينية فوقها طعام مناسب لشخص مريض ووضع الصينية على المنضدة بجوار الفراش وجلس بجانبها من جديد يهمس وهو يملس على ذراعها بلطف :
_ شفق .. قومي ياشفق يلا عشان تاكلي وتاخدي العلاج
لا تجيبه وفقط مغمضة عيناها بتعب فيعود ويرفع يده إلى وجنتها يمرر ابهامه عليه برقة ويهتف بصوت اوضح من السابق :
_ شـــفـق قومي !
فتحت عيناها أخيرًا ولكن بصعوبة وعدم قدرة على فتحها كاملة ، ليخرج همسها ضغيفًا وغير مسموع جيدًا :
_ مش قادرة افتح عيني ياكرم
تمتم بحنو ونبرة دافئة :
_ مينفعش لازم تاكلي الأول .. يلا قومي وأنا هساعدك
اعتدلت في نومتها بصعوبة فحاوطها هو بذراعيه وساعدها على الجلوس ووضع خلف ظهرها وسادة كبيرة حتى تستند عليها ثم جلب صينية الطعام أمامها على الفراش ، مدت يدها لتمسك بالمعلقة ولكن أعصابها مرتخية تمامًا ولا تتمكن حتى من مسكها جيدًا ، فسحبها من يدها وقال بابتسامة ساحرة :
_ أنا هأكلك هاتي
ملأ المعلقة من الصحن ثم مدها لفمها وبمجرد ما أن أكلت أول معلقة قالت برفض :
_ لا مش قادرة آكل بجد
عاد يملأ المعلقة من جديد ويمدها لفمها هاتفًا برفق :
_ معلش كلي حاجة بسيطة بس
ابدت عن نفورها واشاحت بوجهها بعيدًا هاتفة :
_ مليش نفس ياكرم والله
تحولت نبرته ونظرته إلى الحدة البسيطة وهو يقول :
_ وبعدين ياشفق ، متخلنيش اضايق منك كلي يلا .. تعالي على نفسك شوية
زفرت بعدم حيلة وعادت بوجهها ناحيته مجددًا وأكلت مجبرة وعلى وجهها معالم النفور ، ساد الصمت بينهم وهو يطعمها حتى انتهي وامسك بكوب الماء وأقراص الدواء واعطاهم لها لتضع القرص في فمها أولًا ومن ثم تشرب الماء فوقه وتعطيه الكوب من جديد ، فوقف وذهب بالطعام للمطبخ وغير ملابسه في الغرفة الأخرى ثم رجع لغرفتهم واقترب يتمدد بجوارها على الفراش ويمد انامله يبعد خصلات شعرها عن وجهها هامسًا بأعين تنضج بمشاعر مختلفة :
_ حضتيني عليكي .. أنا مكنتش هطلع من البيت لما لقيتك تعبانة وإنتي فضلتي تقوليلي أنا كويسة وروح متقلقش عليا ، بس العيب مش عليكي .. العيب عليا إني سمعت كلامك وسبتك
ابتسمت له بحب وهمست بنبرة رقيقة :
_ متوقعتش إني هتعب أوي كدا ، بس الحمدلله بقيت احسن شوية وكمان لما انام واصحى الصبح هبقى افضل بكتير
اطال النظر في ملامحها البريئة والجميلة فازدادت ابتسامته اتساعًا وفرد ذراعه له هامسًا بأعين تتحدث بالمشاعر ونبرة جذابة :
_ تعالي هنا
فهمت أنه يحسها على الانضمام لحضنه الدافيء فأخفت ابتسامة خجلة كانت على وشك أن تخرج لشفتيها ورأته يشير لها بعيناه بمعنى ” يلا ” فاقتربت باضطراب واستندت برأسها على صدره ليلف هو ذراعه حول خصرها ويقرب شفتيه مقبلًا شعرها هامسًا بنبرة جديدة تمامًا :
_ متقوليش إني مبحبكيش تاني هااا
رفعت عيناها إليه قائلًا بتعجب :
_ إمتى قولت كدا ؟!
_ كنتي بتهلوسي وإنتي نايمة
اعتدلت في نومتها ورفعت رأسها عن صدره فورًا لتقول بزعر وارتباك :
_ قولت إيه تاني غير ده ؟!
ابتسم بهدوء وهو يتذكر اعترافها له ثم نظر لها وغمغم بخفوت محاولًا الظهور بطبيعية :
_ مقولتيش حاجة
_ كرم قول بجد ، قولت إيه ؟
ضحك بقوة هذه المرة وقال بنبرة بدت لها صادقة :
_ هلوستي شوية بسيف ومامتك ، بس مش اكتر
تنهدت الصعداء بارتياح وعادت برأسها على صدره من جديد متمتمة بخفوت جميل :
_ الحمدلله
لم تستغرق دقائق طويلة حتى ذهبت في ثبات عميق وظل هو يحملق في السقف بشرود ويده تعبث في خصلات شعرها برقة ورفق شديد ثم غلبه النوم هو الآخر ! ……
***
تحركت ملاذ باتجاهه عندما رأته جالس في حديقة المنزل وعيناه معلقة على السماء وكأن عقله مشغول بشيء مهم للغاية ، فاقتربت منه حتى جلست بجواره وخطفت قبلة سريعة من وجنته هامسة بعبوس انوثي ومدلل :
_ سايبني وحدي ليه ، وقاعد بتفكر في إيه هنا ؟
لم ينزل نظره عن السماء وظل معلقها في الأعلى لتسمعه يسألها بنبرة مشتتة :
_ ملاذ هو إنتي ممكن تكرهيني وتسبيني لو سمعتي عني في يوم كلام أو حجات مكنتيش تتوقعيها
لم تفهم سبب هذا السؤال ، بل كان السؤال غامض بالنسبة لها ولا تفهم منه شيء .. ماذا يقصد بأشياء لم تتوقعها منه ؟!! ، وهل هو سؤال فارغ أم خلفه خفايا وأسرار لم يفصح لها عنها ؟ .
سألته بريبة حقيقية واستغراب :
_ حجات زي إيه يعني مثلًا ؟
مازال لا يملك الجرائة ليخبرها بماضيه الذي لا يتقبله هو حتى الآن ، يخشى أن تتغير نظرتها فيه أو تبغضه وتفقد ثقتها فيه ، يخشي من شيء لا يعرف تحديدًا ماهو ، ولكن هناك صوت بقلبه يلح عليه بأن الأفضل أن تظل الحقيقة غامضة لفترة أخرى .
هتف بنفي وابتسامة متصنعة :
_ لا خلاص متشغليش بالك ، سؤال ملوش لزمة
تنهدت بعمق ومسكت بكفه تضمه بين يديها الناعمة وتهمس برزانة ونظرات عاشقة :
_ زين أنا حاسة إنك مخبي عني حاجة من وقت ما روحنا بيت العيلة وقولتلي إن في حاجة حصلتلك وبعدين باباك اخدكم لبيت منفصل ، وزي ما حاسة بده حاسة كمان إنك خايف ماتقولي بس صدقني أي كان الشيء ده عمره ما هيقدر يقلل من حبي ليك .. إنت سندي وحبيبي وجوزي ومفيش حاجة هتقدر تفرقنا عن بعض وزي ما تخطينا صعاب كتير من بداية جوازنا وعلاقتنا هنتخطى كل حاجة جاية كمان ، ووقت ما تحس نفسك حابب تتكلم أنا موجودة .. متخفش أنا معاك ومش هسيبك
” لا يمكنها أن تكون بكل هذا التفهم والحكمة وهي تعرف أني اخفي شيء عنها ، كيف تفعلها ؟!! ” كان يسأل نفسه بذهول من ردها عليه ورزانتها وتلقائيًا وجد ابتسامته تخرج لشفتيه بدون أذن ، وتستقر في عيناه نظرة عاشقة ، فهي كالملاذ حقًا الذي ارسله الله له لكي يحتمي به ويجد فيه الراحة والسكينة والحب والتفاهم كما كان يبحث عنه .. اقترب منه وقبَّل جبهتها هامسًا بنبرة حانية :
_ بحبك ياملاذي
قررت أضفاء القليل من المرح على جلستهم فأجابته بمداعبة :
_ عارفة قولتلي كدا أول إمبارح
فهم مداعبتها فضحك بخفة وغمغم غامزًا بحب :
_ وفيها إيه ! ، نقول تاني وتالت ورابع وعاشر كمان .. ولا إنتي عندك اعتراض ؟!
هزت رأسها بالنفي والتصقت به تلف ذراعها حول رقبته وتقول بغنج ومياعة انوثية مغرية :
_ إنت تقول اللي عايزه ياقلب ملاذك
مالت شفتيه لليسار في لؤم واعجاب بتدللها عليه ، لتلمع عيناه بوميض فهمته جيدًا وهب واقفًا وحملها على ذراعيه متجهًا بها نحو الداخل وهو يقول بابتسامة عريضة :
_ طالما كدا يبقى هقولك حاجة سر جوا
تعلقت برقبته ضاحكة وقالت بتذمر وهي تزم شفتيها للأمام :
_ زينو إنت مش هتخرجني ولا إيه اتفسح ؟!
اجابها بتصنع الجدية كامتًا ابتسامته :
_ كل دي فسح ومش عجباكي
_ والله !! ، هي فين الفسح دي بقى ؟!
_ تصدقي إنك ناكرة للجميل وعقابًا ليكي هناخد يومين اعتكاف في الأوضة
اطلقت ضحكة انوثية متأججة فدخل الغرفة واغلق الباب بقدمه هاتفًا بضحكة بسيطة وخبيثة :
_ وبعد الضحكة دي هخليهم تلاتة !
***
كان طاهر بمكتبه في المنزل يباشر بعض أعماله على حاسوبه النقال الخاص به ، فدخلت عليه زوجته وهي تحمل بيدها كوب الشاي الذي طلبه منها وتضعه أمامه على سطح المكتب ، هامسة بتردد :
_ طاهر عايزة اتكلم معاك شوية
أجابها وهو مازال يعلق نظره على شاشة الحاسوب أمامه :
_ قولي خير ؟!
أخذت نفسًا طويلًا واخرجته زفيرًا متهملًا متمتمة بثبات بسيط :
_ يسر اتكلمت معايا في موضوع السفر و…..
قاطعها بحدة ونبرة حازمة لا تقبل النقاش :
_ وأنا رديت عليها ورفضت متحاوليش تقنعيني اوافق
قالت بهدوء وصوت رخيم به بحة حزينة :
_ ولا أنا موافقة والله ، بس لما بصيت من جهة تانية لقيت إن هي فعلًا محتاجة تبعد شوية .. البنت تفسيتها متدمرة ياطاهر من ساعة طلاقها ، أنا بقيت احس إنها مش بنتي .. لا بتضحك ولا بتهزر زي الأول وعلطول حابسة نفسها في اوضتها
صاح بانفعال وغضب :
_ آه ولما تسافر وتبقى بعيدة عن عنينا هنبقى مطمنين عليها كدا مثلًا ، قوليلي كدا هتقعد فين ولا هتتعامل إزاي هناك
_ لا ما أنا هشترط عليها لو هتسافر يبقى هتقعد مع خالتها هناك ، وراسل موجود هناك كمان وهيكون معاها علطول يعني متقلقش عليها .. خليها تروح تاخدلها شهر ولا حاجة وتاجي ياطاهر
سكت وهو يفكر بكلامها وبنقطة اقامتها عند خالتها وإنها ستكون مع ابن خالتها أيضًا في العمل وهو يثق براسل جيدًا ويعرف أنه سيكون معها دومًا ، ولكن مازال خائفًا من أن يتركها تذهب بمفردها وتكون بعيدة عن نظره ، رأى نظرات زوجته المترقبة لموافقته أو رفضه ليجيبها باستسلام :
_ طيب
أماءت له بالإيجاب واستدارت وبمجرد ما أن غادرت المكتب واغلقت الباب اغارت عليها يسر التي كانت تتصنت لحديثهم وعانقتها بقوة هامسة بصوت منخفض في امتنان :
_ حبيبة قلبي ياماما بحبك والله
اشارت الأم بسبابتها على فمها هاتفة بخفوت :
_هششش اكتمي ليسمعنا ، أنا خليته يوافق بس تعرفي يايسر لو عملتي حركة كدا ولا كدا هناك خالتك هتقولي وزي ما خليت ابوكي يوديكي هخليه يرجعك في لحظتها
تأففت وقالت بخنق :
_ ياماما أنا مش هرتاح عند خالتوا وراسل موجود
أجابتها أمها بغضب :
_ خلاص يبقى مفيش سفر
قالت مسرعة بتراجع وهي تزفر مغلوبة على أمرها :
_ خلاص خلاص ماشي ، أنا هبقى اتصرف واخلي خالتوا تقعدني في الدور اللي فوق وحدي
رمقتها أمها بطرف عينها في استنكار ثم تركتها ورحلت ، لتنطلق من يسر ابتسامة منطفئة وهي تأمل في قرارة نفسها أن تكون هذه الرحلة ذات آثار إيجابية عليها وتتمكن من نسيان الألم الذي تركه في قلبها ولا تستطيع التخلص منه مهما فعلت !! …..
***
دخل ثم أغلق الباب خلفه ووقف يحدق بالمنزل ، بات لا يطيق البقاء فيه بدونها و لا يستطيع مفارقته أيضًا ويحس بها في كل جزء منه !! …..
اتجه نحو غرفتها ونزع عنه سترته ثم القاها على الفراش واقترب منه ليرمي بجسده على فراشها يحاول اشتمام رائحتها فيه وهو يهمس بمرارة وسخرية من ذاته الغبية :
_ يارتني صدقتهم لما قالولي هتندم لو خسرتها ، واديني خسرتك وندمان ندم عمري ماندمته في حياتي ومش عارف إزاي ارجعك ليا ، وإذا كنت أنا مش قادر اسامح نفسي هخليكي تسامحيني إزاي وضميري بيموتني وبيفكرني في كل لحظة إني السبب في موت ابني وإني لو مكنتش عملت معاكي كدا مكنتيش هتنزليه ومكنش ده كله هيحصل بينا وكمان مكنش ده هيبقى حالي في بعدك عني
كان باب الخزانة مواربًا وانتبه هو لقطعة من ملابسها الموجودة بداخله ، يبدو أنها نسيت أن تأخذها معها يوم ذهابها ، فهب واقفًا والتقطه يحدق به جيدًا فتذكر أنه نفس الرداء الذي كانت ترتديه عندما جاء للمنزل ثملًا وقضى معها أول ليلة بينهم .. فضحك بأسى وقد فهم الآن لما هذا الرداء لم تأخذه معها ، فقد أبت أخذ أي شيء يذكرها بما حدث بينهم ، تريد أن تنسى كل شيء وكأنه لم يكن ، وهو أول هذه الأشياء !! .
عاد وجلس على الفراش ثم قرب الرداء من وجهه يشم رائحتها ويغمغم بصوت يغلبه البكاء وندم :
_ أنا آسف سامحيني
اجهش في بكاء حار وهو يهتف بصدق وقلب يمزقه الاشتياق :
_ وحشتيني أوي
دامت حالته هكذا للحظات طويلة حتى تمدد بجسده على الفراش ونام حتى الصباح دون أن يشعر بأي شيء ، وإذا به يثب فزعًا عندما سمع صوتها وهي تهتف ” حــســـن ! ” .. تلفت حوله كالمجنون بحثًا عنها ولكنها ليست موجودة ، تأفف ومسح على وجهه بعد أن أدرك أنه خيل له وعقله بدأ يطلق الهلاوس ، لينهض ويتجه للحمام وهو لا يدري أن علقه لم يكن يتخيل وأنها موجودة بالفعل !! .
خرجت هي من خلف الباب وهي تصدر زفيرًا بارتياح وتلعن نفسها الغبية التي نطقت باسمه ، ولكن ماذا تفعل فقد أتت للمنزل مجبرة حتى تأخذ جواز السفر بعدما اكتشفت أنها نسيته ولم تكن تتوقع أنه يأتي للمنزل أساسًا منذ ذهابها فجاءت مطمئنة بأنها لن تجده ولكن صدمت به بل وكانت الصدمة الأكبر حين رأته في فراشها وبيده ردائها ، فوجدت نفسها تهتف باسمه من صدمتها بدون وعي !! .
سمعت صوت رذاذ المياه في الحمام فحمدت ربها أنه يستحم وسيكون لديها الوقت لتبحث عن ما جاءت لأجله وتذهب قبل أن يراها .. اندفعت واخذت تبحث في الادراج والخزانة فلم تجده ، خرجت واخذت تبحث ببقية المنزل في عجلة وخوف كلص دخل يسرق منزل ويخشى أن يمسك به صاحب المنزل ، هتفت بغضب :
_ اووووف فينه ، هيطلع من الحمام يلا بقى
عادت لغرفتها مجددًا لعلها تكون نسيت مكان لم تبحث به جيدًا ، وظلت تبحث بكل قطعة في الغرفة حتى اسفل الخزانة والفراش وبالفعل وجدته اسفل الخزانة ، يبدو أنه سقط منها وهي تأخذ ملابسها في يوم رحيلها ولم تنتبه له ، هبت واقفة وهي تبتسم ثم التفتت خلفها لتدهش به يخرج من الحمام وهو يلف المنشفة حول نصفه السفلي فتشهق بزعر وتستدير مجددًا وهي تغمض عيناها بقوة تلعن حظها السيء ، أما هو فتصلب بأرضه منذهلًا وهمس بعدم استيعاب لما يراه أمامه ولوهلة خيل له أن لا زال عقله يهلوس بها :
_ يسر !!!!
ضغطت على شفتها السفلي بغيظ من نفسها وتحركت باتجاه الباب مسرعة لكي تهرب وتغادر المنزل بأكمله ولا تضطر أنه تكون في موقف معه ، ولكنه ركض خلفها وجذبها من ذراعها قبل أن تفر هاتفًا :
_ خدي هنا إنتي جيتي إمتي ؟!
سحبت ذراعها من قبضته بعنف هادرة بقرف :
_ دلوقتي ، نسيت حاجة وجيت أخدها
_ يعني أنا مكنتش بتخيل لما سمعت صوتك من شوية
لوت فمها باستهزاء وقالت ساخرة بنفس نظرات القرف السابقة :
_ لا كنت بتتخيل عشان أنا لسا يدوب داخلة ، وابعد من وشي خليني امشي
اعتري طريقها مجددًا يسألها بفضول مبتسمًا :
_ جيتي تاخدي إيه ؟
صاحت باندفاع واغتياظ :
_ ملكش دعوة وابعد ياحسن احسلك
اقترب منها بنظرات ماكرة فاضطربت هي وتراجعت للخلف حتى التصقت بالحائط واصبحت نظراتها متوترة لتسمعه يهمس بنبرة جديدة عليه وهو يستند بكفه على الحائط بجوار رأسها :
_ تعرفي إن وحشني أوي خناقنا
تفادت النظر إليه واشاحت بوجهها للجهة الأخرى تهتف بتحذير حقيقي وهي تحاول كتم غيظها :
_ طيب ابعد ياحسن وإلا …
قاطعها غامزًا بلؤم وبابتسامة واسعة :
_ وإلا إيه !! ، هتعملي إيه لو مبعدتش ؟!
نظرت له وقالت بنظرة شرسة وقوية :
_ هعمل كدا
ورفعت كفها في الهواء وهوت به على وجنته بكامل الغل والغيظ وكأنها تنتقم لجزء من كرامتها بهذه الصفعة ، ثم دفعته بعيدًا عنها واندفعت لخارج المنزل بأكمله ، وتركته يصر على أسنانه بغيظ بسيط .. ولكنه ابتسم في اللحظة التالية وقال بنفس متقبلة الصفعة الذي كان يستحقها منها على كل أفعاله الدنيئة معها قبل طلاقهم :
_ حقك !
***
ساكنة في فراشها تجلس وتضم ساقيها لصدرها وعيناها معلقة عليه تتأمله في نومه ، كان نائم على أريكة متوسطة أمام الفراش وهي لا تزيح نظرهت عنه .. تفكر في تصرفه معها في المستشفى وعند عودتهم للمنزل وعندم قصت له الحقيقة كاملة ، رغم أنه لم يصدقها كليًا إلا أنها أحست في نظرته أنه حقًا يريد تصديقها وليس مجرد كلام .. يريد أن يصدق بأنها كانت ضحية لإهمال الجدة .. وضحية لصغر سنها وعدم نضجها الذي دفعها لفعل أشياء منافية للعرف والعادات والاحترام والدين قبل كل شيء .
لا تعرف ماذا يحدث لها ولكن نظرتها له تبدلت منذ آخر مواقفه معها التي اظهرت لها رجولته وحكمته وطيبة قلبه رغم القسوة التي يتصنعها أمامها .. ظلت على حالها ولم تنتبه له حين فتح عينه واعتدل في نومته وهو يتثاوب ويمسح على وجهه ، ثم انتقل بنظره ناحية فراشها ليعقد حاجبيه بعدما رأى وضعية جلستها وشرودها به .. هتف بغلظة صوت :
_ ميار !!
افاقت من شرودها واعتدلت فورًا لتجيبه بابتسامة خفيفة تكاد لا ترى :
_ نعم !
_ ليه قاعدة كدا ؟!
هزت رأسها بطبيعية وقالت بابتسامة اوضح قليلًا :
_ عادي كنت بفكر في حاجة وسرحت شوية
_ صباح الخير
تفوهت بها في رقة ليست متصنعة ليتنهد هو ويقف ثم يتجه نحو الحمام ويجيبها ببرود :
_ صباح النور
أصدرت زفيرًا حارًا ووقفت لتتحرك نحو الخزانة وتخرج شريط اقراص مسكن لآلام الرأس وعادت إلى فراشها والتقطت كوب الماء الموضوع فوق المنضدة المجاورة للفراش وكانت على وشك أن تضع القرص في فمها ولكن وجدت يده تقبض على يدها ويسحب منها الشريط والقرص هاتفًا بغضب عارم بعدما اعتقد بأنها تحاول الانتحار مجددًا :
_ بتعملي إيه ؟!!!
ابتسمت بمرارة مغمغمة ببساطة :
_ ده برشام للصداع .. متخفش ، لما افكر انتحر مرة تاني أكيد مش هيكون في وجودك يعني
_ جبتي البرشام ده منين ؟ .. أنا شلت كل حاجة من الأوضة !
اجابت بمنتهي البساطة وهدوء الأعصاب :
_ كان في دولابي باخد منه لما بحس بصداع ، ثم إن أنا لو عايزة انتحر في مليون طريقة غير إني اشرب برشام ، برأي متتعبش راسك بيا
علاء بنظرة حادة ومستاءة :
_ ميار اعقلي وبلاش جنان أنا مش ناقص
تأففت بعدم اقتناع وبسطت كفها له هاتفة بخفوت :
_ طيب ممكن تديني الشريط عشان آخد قرص
التفت وولاها ظهره بعد أن وضع الشريط في جيبه وقال برفض قاطع وهو يتجه للخارج :
_ لما تفطري الأول .. مينفعش على معدة فاضية
تأففت بصوت مسموع وهي تهتف :
_ اوووووف
سمعت صوته وهو يهتف بعد أن غادر من الباب :
_ من غير أفأفة .. يلا تعالي ورايا عشان الفطار
زفرت بخنق واقتربت من الباب تغلقه ثم بدأت في تبديل ملابسها ورفعت شعرها بمشبك وتركت نصفه ينسدل على ظهرها من الخلف .. ثم خرجت خلفه كما آمرها للتو بأن تلحق به …..
***
فتحت الباب ودخلت ثم اغلقته خلفها .. كانت ترتدي منامة تصل إلى الركبة وبحمالات رفيعة فرفع هو نظره لها وابتسم بلطف وبيده مسبحة يمر على حباتها بانامله ويذكر الله بهمس منخفض .. وجدها تقترب منه وتنضم إلي احضانه فيلف هو ذراعه حولها وتسمع همهمته وهو مستمر بالتسبيح ، سكنت للحظات بين ذراعيه وهي تستند برأسها على صدره حتى خرج همسها :
_ زينو !
سمعته وهو يجيبها بـ ” امممممم ” لتتنهد بعمق وتقول برقة :
_ أنا عايزة احفظ قرآن
حدجها ببعض الاستغراب وقال باسمًا :
_ ده بجد يعني ولا هي لحظة حماس كدا جاتلك فجأة
_ لا لا بجد والله ، ومستنية نرجع القاهرة عشان اروح مقرئة واتعلم احكام التجويد الأول وبعدين ابدأ في الحفظ .. إنت أكيد معندكش اعتراض طبعًا
افتر على ابتسامة واسعة اظهرت عن اسنانه البيضاء ثم انحنى برأسه إلى وجهها وطبع قبلة رقيقة على جانب ثغرها متمتمًا بغرام :
_ وهي حاجة زي كدا ينفع فيها الاعتراض برضوا !! ، نرجع بإذن الله وهنبقى نشوف مكان كويس وتروحي تحفظي فيه
سألت بفضول ونبرة ناعمة :
_ هو احنا امتى هنرجع ؟
غمز لها بلؤم وهتف في خفوت اربكها :
_ لو عليا مش عايز ارجع خالص .. إيه رأيك ناخد شهر ؟
_ شهر !! ، طيب والشغل وبعدين إنت من هتمل لما تقعد شهر في البيت مبتخرجش
اعتدل واصبح يهل عليها بهيئته ليقول بمكر أشد ونظرات راغبة :
_ مفيش حاجة أهم منك ! .. ولو على الملل فاحنا هنسلي بعض متقلقيش
توترت من اقترابه وخجلت و لكن حين سمعت صوت رنين الهاتف ظنته المنقذ لها فكادت أن تمد يدها وتلتقطه وإذا بها تجد يده تقبض على يدها وهو يقول بحزم مزيف :
_ وهو ده وقت التلفونات يعني
اشارت بأصبعها ناحية الهاتف وهدرت بأعين زائغة ومستحية :
_ طيب هشوف مين حتى
اجابها بضحكة تبشر باقتراب الهجوم ونظرة كلها خبث :
_ سبيه يرن براحته
وبالفعل أغار عليها ينل منها ما يستطيع لتطلق هي ضحكة متأججة هاتفة من بين ضحكاتها القوية ” زين بس بقى !! ” وتعود ضحكاتها لتتعالي اكثر فيطلق هو ضحكة رجولية مرتفعة على ضحكها !!! …….
***
الساعة تخطت العاشرة مساءًا وكانت عيناها معلقة على الشارع من النافذة تنتظر مجيئة ، منذ أيام وهي تستعد لهذا اليوم وهاهو أتى ، كانت ترتدي رداء طويل من اللون الأسود وبأكمام طويلة ، ضيق بعض الشيء على جسدها المتناسق ولديه فتحة ظهر واسعة من الخلف ولكن شعرها الحريري الذي تركت العنان له يخفي ظهرها ، وقد وضعت بعض مساحيق الجمال البسيطة التي زادتها جمالًا .. لم يعد هناك أي آثار للحمي عليها فقد تحسنت كثيرًا بعد أن أخذت الدواء والآن هي في أفضل حال وتنتظره لكي يحتفلوا بيوم ميلاده !! .
ظلت على وضعها تارة تنظر من النافذة وتارة ترفع نظرها للساعة تتفقدها ، إلى أن رأت سيارته تتوقف أمام المنزل فاتسعت ابتسامتها وهرولت ناحية الأضواء واغلقتها جميعًا ثم اتجهت نحو كعكة عيد الميلاد التي اعدتها له خصيصًا واشعلت الشمع وهرولت نحو الغرفة تختبيء فيها ، وماهي إلا لحظات معدودة حتى فتح الباب وغضن حاجبيه عندما وجد المنزل في ظلام دامس فهتف بقلق :
_ شـــفـــق !!
اضطرب بشدة فهو يعرف خوفها الشديد من الظلام ، ويستحيل أن تغلق الأضواء بهذا الشكل وتنام ، فنزع حذائه عنه بجوار الباب وهرول باتجاه غرفتهم مسرعًا ولكن توقف حين رأى الطاولة المتوسطة في منتصف الصالة وفوقها كعكة متوسطة الحجم والشموع عليها ، اقترب منها بخطواط بسيطة وابتسم بساحرية حين تذكر بأن اليوم هو يوم ميلاده ، وقف يحدق بالشموع والكعكة بابتسامة واسعة حتى سمع صوتها من خلفه وهي تهتف بنبرة مرحة ورقيقة في نفس ذات اللحظة :
_ Happy birthday to you .. Happy birthday to you
التفت بجسده ناحيتها وطالعها بنظرات تحمل معاني مختلفة في جوفها لتستمر هي في الغناء حتى انتهت وقالت بحماس :
_ يلا اطفي الشمع
عاد بجسده ناحية الطاولة وانحنى ينفخ في الشمع لينطفأ فتمد هي يدها وتفتح الضوء ثم تقترب وتلف ذراعها حول رقبته هامسة بغنج ومداعبة محببة لقلبه منها :
_ كل سنة وإنت طيب ياكوكو
_ وإنتي طيبة يا أميرتي .. بس مش هنبطل كوكو دي !!
هزت رأسها بالنفس وهي تضحك بخفة وتقول بمشاكسة :
_ أبدًا ! .. أنا بحب ادلعك بيه ، وعشان أنا مش أي حد لازم يكون دلعي ليك مختلف ومميز
_ يعني مفيش فايدة !!
_ تؤتؤتؤ ، خالص
اطلق ضحكة بسيطة ، ثم انتبه لمظهرها الجديد والرداء الأسود الجميل الذي ترتديه مع قصة شعرها ومكياجها ، رمقها بنظرة متفحصة بعد أن رجع بخطوة للخلف لكي يتمكن من رؤيتها أوضح وقال باسمًا بإعجاب حقيقي :
_ إيه الجمال ده !
اجفلت نظرها عنه أرضًا في استحياء من تغزله الصريح بها ، لتجده يمسك بكفها ويرفع يدها لأعلى لكي تلف حول نفسها ففعلت .. لتزداد نظرات الإعجاب في عيناه وهو يجيبها :
_ مغلطتش لما قولت إن أي حاجة بتلبسيها بتحليها أكتر
صعدت الحمرة لوجنتيها في ظرف لحظة ففكرت في التخلص من جو التوتر والحياء المهيمن عليها وانحنت على الأريكة تلتقط الكوفية التي صنعتها بيدها له وكانت تعمل عليها منذ أيام ، هتفت في خفوت جميل وخجل لا يزال بستحوذ عليها :
_ معرفتش اجبلك إيه هدية الصراحة ، ففكرت وعملتلك دي هي حاجة بسيطة بس حسيت إنها هتعجبك اكتر من أي حاجة تاني
التقطها من يدها ، وكانت من اللون الرصاصي ومجهزة بإحكام شديد ودقة ، أعجبته كثيرًا وخصوصًا أنها من نفس لونه المفضل .. رفع نظره لها وقال بحنو وهو يقترب يطبع قبلة حانية على شعرها :
_ فعلًا عجبتني جدًا .. شكرًا على الهدية الحلوة دي ياشفق
رمقته بأعين تتحدث بالعشق ثم جذبتها من يده ولفتها حول رقبته ثم قالت بوجه مبتسم :
_ جميلة أوي عليك
تمتم برقته المعهودة ونظراته التي تسحبها لعالم آخر :
_ لازم تبقى حلوة طالما إنتي اللي عملاها بإيدك
ماذا به اليوم لما يتغزل بها بشكل زائد عن العادة ونظراته مختلفة حتى نبرته ، بل بالأحرى هي تشعر بتغيره الجذري منذ الأمس ولكنها فسرته على أنه خوف وقلق عليها ، ولكن الآن ماذا يحدث ؟! .. لم تهتم كثيرًا أيضًا هذه المرة وطردت أي أفكار قد تكون ساذجة بالنسبة لها ، لتجده ينحني ناحية الكعكة ويقرأ بصوت مسموع ما كتبته عليه ” شكرًا لإنك معايا ” ، فتتسع ابتسامته اضعافها وينتصب في وقفته ثم يمد يديه ويلفهم حول خصرها جاذبًا إياها إليه ويهمس في أعين تحمل مشاعر جديدة ونبرة دافئة :
_ في الحقيقة أنا اللي المفروض اشكرك .. أشكرك لوجدك في حياتي .. واشكرك لإنك متخلتيش عني وسمحتي لعلاقتنا بفرصة تاني ، وكمان لإنك بتعالجي جروح جوايا مكنتش متوقع إن في حد هيقدر يعالجها ، وأخيرًا لإنك دواء لهمي لما أكون مضايق
تلألأت الدموع في عيناها من سعادتها بما تسمعه منه لأول مرة ، واندمجت فرحتها بدهشتها بما يقوله لها ولم تكن تتوقعه منه أبدًا ، ولكن الدهشة الحقيقية حين وجدته يقترب بوجهه منها فتجمد جسدها ككتلة ثلج ومجرد التفكير فيما سيفعله كان كفيل بأن يشعرها بأنها على وشك فقدان وعيها ، فأغمضت عيناها بقوة تقنع نفسها بأنه لن يفعلها فقط سيقبلها من وجنتها أو جبهتها ، ولكنه فعلها !! .. شعرت بارتخاء أعصابها ولو كان الوضع استمر لثانية أخرى لكانت حتمًا فقدت وعيها ، ابتعد بعد لحظات طويلة نسبيًا وهو يطالعها بترقب ينتظر أن تفتح عيناها ولكن انتظاره طاله فهمس في لطف :
_ شفق !!!!
استفاقت من غيبوبتها وانتفضت على صوته ، فارتدت للخلف وقد رأى وجهها أحمر كلون الدم وصدرها يعلو ويهبط كأنها كانت في سباق للعدو للتو ! .. رمقته بخجل وارتباك بالغ لتقول بصوت متلعثم :
_ إنت … إنت قليل الأدب على فكرة
قالتها وفرت هاربة للغرفة في لحظة من فرط توترها ، وتركته مندهش قليلًا من جملتها حتى ضحك بصوت منخفض على عفويتها وبرائتها الذي يعشقهم أكثر شيء !! …….
***
بمنزل محمد العمايري …….
انضمت هدى لجلسة الجدة المنفردة في غرفتها وبمجرد ما أن جلست بجوارها نظرت لها الجدة وقالت بقلق :
_ طاهر ليه يومين مجاش .. حاسة قلبي مش مطمن عليه ياهدى
صمتت لبرهة وهي تطالعها بتردد ولكنها حسمت أمرها وقالت في خفوت :
_ طاهر تعبان ياماما كان اليومين اللي فاتوا ومجاش عشان محبش يقلقك عليه
انتفضت في جلستها وقالت بزعر :
_ تعبان !! .. ماله ياهدى انطقي ؟!
تنفست الصعداء وقالت بعدم حيلة :
_ لما جاتلك ميار من يومين كانت قبلها علطول في المستشفى .. حاولت تنتحر ولحقوها على آخر لحظة وطاهر تعب معاها هناك من الخضة .. أنا عرفت من علاء وقالي مقولكيش عشان متاخضيش
_ تنتحر !! .. إزاي متقوليش الكلام ده !
_ ياماما خوفنا عليكي لتتعبي ولا حاجة
وثبت واقفة وقد ادمعت عيناها وهي تقول بحزم :
_ أنا هروح اشوف ابني وميار
استقامت هدى وقبضت على ذراعها تهدئها قائلة برزانة :
_ اطمني والله هما كويسين دلوقتي ومفيش أي حاجة
هدرت في حدة ونظرة ثاقبة :
_ قولت هروح ياهدى
_ طيب حتى اصبري للصبح وهنروح والله بكرا .. اهدى ابوس إيدك ، وصدقيني أنا بنفسي هاخدك ونروح بكرا الصبح
اطالت الجدة النظر في فيها لتنفجر باكية وهي تهمهم بكلمات لم تفهمها جيدًا ولكنها عانقتها وهي تربت على ظهرها بحنو تهتف بكلمات تحاول من خلالها أن تهدأ نفسها الوجلة …..
أما بالأسفل فكان كل من حسن ورفيف يجلسون في الحديقة الخارجية للمنزل ، كان هو يعلق عيناه على السماء في سكون تام وهي تارة تنظر له وتارة تعبث بهاتفها .. حتى سئمت الصمت وقالت بضيق :
_ هتفضل تعاند لغاية إمتى ياحسن .. مش معقول لسا مأدركتش إنك بتحب يسر ومتقولش لا ؛ لإن إنت مش شايف حالك بقى إزاي
ابتسم لشقيقته وقال باستنكار ونبرة مهمومة :
_ ماله حالي !!
تأففت بصوت مسموع واعتدلت في جلستها أكثر لتقول في غضب وعفوية :
_ حسن يسر سافرت وإنت لسا بتعاند هتفضل كدا لغاية امتى ؟!!!
وقعت كلمة ” سافرت ” وقع الصاعقة عليه ، واستيقظت جميع حواسه حيث انتصب جالسًا وهو يجيبها بعدم استيعاب وذهول :
_ سافرت فين ؟!!!
_ إنت متعرفش ولا إيه ؟!
قالتها باندهاش بسيط ليجيبها بعد أن بدأ الضجر يتملك منه ويهتف بنبرة خشنة :
_ معرفش إيه يارفيف ؟!!
تنفست الصعداء وقالت بأسى :
_ يسر سافرت النهردا المغرب مع راسل هتقعد في امريكا هناك لفترة معرفش قد إيه ، وهتمسك الإدارة في الشركة اللي هناك بدل عمي
تحول لجمرة نيران متوهجة واظلمت عيناه بشكل مخيف بالأخص بعدما قالت ذهبت مع ذلك السمج ابن خالتها ، وجدته يهتف بغضب عارم :
_ نعم !! .. وأنا آخر من يعلم يعني ، إزاي تسافر من غير ماتقولي .. لا ومع راسل كمان ، ماشي يايسر
ابتسمت رفيف بمكر واقتربت منه تقول في خبث ضاحكة :
_ ومالك متعصب كدا ليه !! ، مش مشكلة يعني سافر وراها بكرا
حسن بنظرات مشتعلة :
_ ماهو ده اللي هيحصل فعلًا ، قال مع راسل قال ده أنا هطين عيشتها هي والملزق ده
اشاحت بوجهها للجانب الآخر وهي تضحك بصمت دون أن يصل صوت ضحكها إليه ، أما هو فكان يستشيط من الغيظ وكلما يفكر بأنها مع ذلك الـ ” راسل ” الآن تتأجج نيران الغيرة في صدره أكثر ويود لو يذهب الآن قبل الغد ويفتك به ، فقط لأنه يقترب من شيء لا يخصه !! …….
***
مع صباح اليوم التالي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا كان حسن بالفعل في مطار القاهرة بانتظار النداء لاقتلاع الطائرة الخاصة به ، لم يخبر أحد بسفره وفقط شقيقته تعرف بهذا .. وقد تعهد بأنه لن يعود إلا وهي معه ، عقد العهود مع نفسه على أنه سيصلح كل شيء بينهم ، فمنذ الأمس وهو يفكر بماذا سيفعل حتى تغفر له وتسامحه ، وكان الحل الأمثل هو كما قالت شقيقته أن يتوقف عن العناد ويتصرف بحقيقة مشاعره دون أي إخفاء !! ….
وأخيرًا بعد ما يقارب النصف ساعة استقل بمقعده في الطائرة وعقد حزام الآمان حول خصره ، وماهي إلا دقائق واقتلعت الطائرة من مطار القاهرة متجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
دامت الرحلة لساعات حتى وصل واستقل بسيارة آجرة وطلب من السائق أن يتجه به لمكان معين متحدثًا الإنجليزية بطلاقة .
توقفت السيارة أمام ڤيلا فخمة ذات طراز عصري ومذهل ، فترجل هو ودفع للسائق حقه ثم امسك بحقيبة ملابسه واتجه إلى الداخل ، كان المنزل نظيف تمامًا من الداخل والأثاث غاية الجمال ، فابتسم بإعجاب و صعد الدرج متجهًا إلى غرفة النوم والقى بالحقيبة على الفراش ، ثم دخل الحمام ليأخذ حمامًا دافيء وسريع وخرج بعد دقائق ليبدأ في ارتداء ملابسه التي كانت عبارة عن بنطال من اللون الأسود وقميص أبيض فوقهم سترة جلدية من نفس لون البنطال ، صفصف شعره أخيرًا ونثر عطره الرجولي على ملابسه ورقبته ثم غادر ليجد السيارة الذي طلبها بانتظاره ويقف أمامها حارس المنزل ، فنظر له حسن وتمتم بابتسامة عذبة :
_ Thank you
شكرًا لك
أماء له الرجل إماءة خفيفة وهو يبادله نفس الابتسامة ، ليستقل حسن بالسيارة وينطلق بها نحو منزل خالتها وعيناه معلقة على الشاشة الصغيرة في السيارة التي تدله على الطريق بضبط .
ترجل من السيارة بعد دقائق طويلة من السير في طرق أمريكا ، وقف يحدق بالمنزل الكبير المكون من طابقين ثم تحرك باتجاه الباب الرئيسي والحديدي وفتحه ليدخل ويهم بصعود الدرج للطابق الثاني بعدما أخبرته رفيف بأنها حين تحدثت معها قالت لها أنها ستقطن في الطابق الثاني من منزل خالتها ، ولكن قبل أن تخطو قدمه خطوة واحدة على الدرج سمع صوت قهقهتها وهي تنزل الدرج وتتحدث مع راسل بتلقائية شديدة ، فوقف ينتظرها وهو يصر على أسنانه ويستعد لكي ينقض على ذلك السمج الذي لا يطيقه ، وبمجرد ما أن وصلا لمقدمة الدرج الذي هو يقف في آخره بالأسفل ، تصلبت بأرضها وفغرت عيناها بذهول تحملق به في عدم استيعاب ليخرج همسها مدهوشًا :
_ حسن !!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)