روايات

رواية كبير العيلة الفصل الحادي عشر 11 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الفصل الحادي عشر 11 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الجزء الحادي عشر

رواية كبير العيلة البارت الحادي عشر

كبير العيلة
كبير العيلة

رواية كبير العيلة الحلقة الحادية عشر

صوت طرقات على الباب تعالت ليدخل بعدها رؤوف الى غرفة ابنتيه فيبصر سلمى تجلس في منتصف الفراش يحيط بها من الجانبين امها وأختها, بينما ترفع هي ركبتيها تحيطهما بذراعيها, نظرت ناحيته ليجد عينيها مليئة بدموع محبوسة وسط نظرات لوم وعتاب, تقدم اليها ووقف أمام الفراش يطالعها بنظرات أبوة حانية, ثم تحدث بصوت هاديء:
– معلهش ممكن تسيبوني مع بنتي الكبيرة لوحدنا شوية؟
نهضت سلافة مقبلة جبين أختها ونظرت الى والدها قبل أن تنصرف وكذلك فعلت ألفت التي ربتت على كتف سلمى, غادرت ألفت وسلافة التي أغلقت الباب خلفهما, تقدم رؤوف ليجلس على طرف الفراش بينما عدلت سلمى من جلستها, تحدث رؤوف بهدوئه المعهود قائلا:
– ممكن نتكلم بالراحه وبهدوء؟
أومأت سلمى بالايجاب وهمهمت بنعم, تنفس رؤوف عاليا وتابع:
– أول حاجة عاوزك تكوني متأكدة منها ان عمري ما هغصبك على شيء, بس في نفس الوقت ما يرضيكيش انه بعد العمر دا كله أطلع معرفتش أربي بناتي!
شهقت سلمى وهتفت باستنكار:
– لا يا بابا ما عاش اللي يقول على حضرتك كدا..
رؤوف بابتسامة صغيرة:
– وقوفك انهرده في وش جدك وعمك ورفضك لابن عمك بالاسلوب دا هيخليهوم يقولوا كدا وأكتر من كدا كمان, مش بس كدا.. أنا لولا اني حاولت أحتوي الموقف كان زمان أبويا زعلان مني, انتي مش عارفة يعني ايه تنتقدي تفكيرهم وعاداتهم؟, كأني بسخر منهم, بيكون فيه نوع من السخرية والتجريح أنا لا يمكن أسمح لنفسي ولا لكم بيه..
سلمى برجاء:
– يعني يا بابا يا أوافق على ابن عمي اللي انا مش مقتنعه بيه أصلا يا اما أبقى بنت عاقة؟, بابا شهاب مش متقدم لي عادي زي أي عريس .. لأ… السبب اللي عاوزيني أوافق عليه مش سبب أساسا وأرفض اني أكون محل شك, بابا حضرتك علمتنا انه طالما أنا صح يبقى ماليش دعوة مين بيقول ايه, وانا معملتش حاجة غلط, مش مشكلتي هما هنا بيفكروا ازاي ولا عوايدهم ايه, الحاجات دي مزروعة جواهم انا مش هربي مجتمع بحاله لكن في نفس الوقت أرفض اني أعيش حياتي بأسلوبهم, بابا أنا مش هفسد حياتي علشان خاطر فلان قال ايه ولا مين هيعمل ايه!…
رؤوف بجدية:
– خلصتي كلامك يا سلمى؟, ممكن تسمعيني بقه؟
تابع بدون أن ينتظر رد منها:
– شوفي يا سلمى انا زمان رفضت جوازة اتفرضت عليا علشان حبيت والدتك, وأول مرة أقولها اني كنت غلطان لما ما حاولتش مرة واتنين وتلاتة, ركبت دماغي والعناد خدني وسيبت اهلى وسافرت, انا مش بقول اني ندمان على جوازي من مامتك… لا طبعا, لو الزمان رجع بيا كنت مش هتجوز الا هي.. انا ندمي على الطريقة نفسها, كرهوا مراتي من قبل ما يشوفوها, عارفة لما بلاقيهم دلوقتي فرحانين بيها وأمي مش بتقولها غير يا بنتي وأشوف فرحتهم بيكم.. على أد فرحتي بكدا على أد ندمي اني حرمتكم من حضن العيلة, سلمى يا بنتي أنا عمري ما هعمل حاجة تكون مش في مصلحتكم, انتو ثروتي الحقيقية اللي طلعت بيها من الدنيا, لازم تكوني واثقة ومتأكده من كدا..
زحفت سلمى لترمي بنفسها بين أحضان والدها وقالت ودموعها تلمع مهددة بالسقوط:
– ربنا ما يحرمنا منك أبدا يا بابا, أنا عارفة ومتأكدة حضرتك بتحبنا أد ايه, وانت محرمتناش من حاجة أبدا, بالعكس كنت دايما لينا الأب والصديق والأخ, ربنا ما يحرمنا منك أبدا انت وماما…
أحاطها رؤوف بين ذراعيه وقبلها على جبينها ثم قال:
– طيب ممكن أسألك سؤال؟
رفعت نظراتها اليه وأجابت:
– اتفضل يا بابا.
رؤوف بهدوء:
– ممكن أعرف سبب رفضك لأبن عمك؟, وقبل أي كلام تاني عن اللي حصل.. ابن عمك صارحني تحت انه فعلا عاوز يخطبك, وكان ناوي يفاتحني أول ما ترجعوا من مصر, بس اللي حصل هو اللي قدّم المسألة شوية, وهو على فكرة متضايق انك تفتكري انه عاوز يتجوزك علشان كلام الناس ولا حاجة, هو قاللي بالحرف الواحد انا مش هلاقي زي سلمى بنت عمي.. هي دي الانسانة اللي أتمنى إني أكمل معاها مشوار حياتي..
سكتت سلمى مشدوهة, لم تستطع التعليق عمّا سمعته من والدها, أمعقول أن شهاب كان ينوي مفاتحة والدها في أمر ارتباطه بها؟, لا مؤكد هناك سببا آخر ولكن ترى.. ماهو؟
أيقظها والدها من شرودها قائلا:
– شوفي يا سلمى أنا مش هطلب منك غير حاجة واحده بس.. شهاب يبقى ابن عمك مهندس محترم واحنا عارفين أخلاقه كويس, ممكن تفكري فيه بعيد عن أي حاجات تانية؟, أنا مش هقولهم ردّك دلوقتي.. بس اوعديني انك تفكري بجدية وتصلّي استخارة, وفي وسط دا كله لازم تكوني عارفة اني هكون مطمّن عليكي وانتي معاه, ممكن؟
زفرت سلمى بيأس وأسدلت أهدابها وهي تتمتم بصوت خفيض:
– ممكن يا بابا, حاضر..
ثم نظرت اليه وهي تردف برجاء:
– بس ممكن محدش يضغط عليا؟, سيبوني أنا أوصل للقرار لوحدي, وأنا أوعد حضرتك انك هتكون مقتنع بيه..
زفر رؤوف براحة وأجاب:
– وانا موافق يا حبيبتي..
ثم قبل جبهتها ونهض وهو يقول:
– أسيبك دلوقتي ترتاحي شوية..
وانصرف تتابعه بعينيها حتى اذا ما أغلق الباب خلفه زفرت بيأس متمتمة:
– يا رب اتصرف ازاي انا دلوقتي؟, وتابعت بحنق:
– لا والاستاذ رايح يقول لبابا انه كان بيفكر فيا من زمان!, يعني عاوز يطلع هو الملاك اللي بجناحين وانا الشرير ولما أرفض يقول شوفتوا هي اللي ر افضة لو عليا أنا موافق!..
برقت عيناها ببريق التحد وقالت بعزم:
– طيب, ماشي يا باش مهندس.. بس ابقى افتكر انت اللي ابتديت, أما أشوف هتعمل ايه بعد ما تعرف ردي, بس مش معنى كدا اني هريحك خليك قلقان كدا كم يوم لغاية ما يجيلي مزاجي أقول رأيي؟!
وارتسمت ابتسامة مكر على كرز شفتيها وهي تتخيل منظر شهاب ما ان يسمع جوابها على طلبه!
******************
دلف رؤوف الى غرفته هو وألفت التي نهضت ما ان رأته, جلس رؤوف الى الصوفا الموضوعة تحت نافذة غرفتهما, تقدمت ألفت لتجلس بجواره فيما أسند رأسه الى الخلف زافرا بتعب, قالت ألفت باستفهام:
– عملت ايه يا رؤوف؟
نظر اليها رؤوف وأجاب بتعب:
– اتكلمت معاها, وربنا يهديها وتوافق…
نظرت ألفت الى زوجها بتقطيبة وصرحت بما يدور بخلدها:
– هو انت موافق يا رؤوف؟, ايش معنى شهاب يعني؟, ما سلافة رفضت غيث وانت سيبتها براحتها؟
تنهد رؤوف بعمق لينظر الى زوجه ويجيب بما يقلقه:
– اولا سلافة غير.. سلمى بنتك الوضع اللي هي فيه غير اختها ولو اني متأكد انه غيث مش هيقبل برفضها دا لكن مش موضوعنا دلوقتي, اهل البلد هنا عندهم عادتهم وتقاليدهم, ما ينفعش اقف في وش ابويا بعد العمر دا كله واقوله لا او معلهش يعني توز في العادات دي, بنتك مش عاوزة تسيب لي فرصة احلها بمعرفتي وقفت قودام الكل وقالت لا..
نظرت أليه ألفت لا تعلم لما يخالجها الشك ان هناك سبب آخر وراء سكوت رؤوف, تحدثت بما يجيش في نفسها من تساؤلات وقالت:
– مش عارفة ليه يا رؤوف حاسة انه فيه سبب تاني, ممكن تصارحني.. انت موافق على شهاب فعلا ولا علشان ما تزعلش والدك؟
نظر اليها رؤوف واعتدل في جلسته ملتفتا اليها وهتف:
– بصراحة آه, تقدري تقوليلي بنتك عندها كم سنة؟, 28 سنة, رفضت كم عريس لغاية دلوقتي؟ احنا مش عايشين لها هي واختها, ماله شهاب مهندس محترم وابن عمها وهيخاف عليها, بنتك لازم تفكر انه فرصها بتقل في الجواز كل ما بتكبر, ومن الاخر كدا كفاية اللي حصلها قبل كدا, انا مش مستعد اكرر حكاية اللي اسمه احمد دا تاني, كفاية اللي جرالها المرة الاولانية دي كانت هتروح من ايدينا, احنا جربنا اختيارها وشوفنا النتيجة خلِّيها هي بقه تجرّب توافق على اختيارنا احنا وانا متأكد انها مش هتندم..
ألفت بدهشة:
– يعني ايه تجرّب يا رؤوف؟, دا جواز!, يعني معنى كلامك انك موافق بجد؟.
رؤوف بحسم:
– أيوة موافق, ولما تعرفي أسبابي انتي كمان هتوافقي!
نظرت اليه ألفت بتساؤل ليجيب بجدية بالغة:
-احمد رجع يا ألفت, عارفة يعني ايه رجع؟!, رجع ومصمم يعيد اللي فات بينه وبين بنتك, ايه رأيك بقه؟
شهقت ألفت عاليا واضعة يدها فوق فمها وهي تردد بذهول: –
– رجع, مش ممكن؟, دي.. دي تبقى مصيبة!!..
زفر رؤوف بيأس وهو يجيب:
– عرفتي أنا ليه كنت عاوز نيجي هنا البلد بأي طريقة؟, البيه كلمني في التليفون وروحت قابلته, جاي بمنتهى الصفاقة وقلة الأدب يقوللي أنا آسف!, تخيلي بعد اللي عمله دا كله وآسف!
قطبت ألفت وهتفت بغضب:
– دا مجنون.. أكيد مجنون!
رؤوف بابتسامة سخرية:
– أنا قلت له كدا بردو, بس هو قالي انه عارف هيقدر يقنع سلمى ازاي!
ثم أردف بيأس:
– شوفي يا ألف أنا منكرش ان سلمى بعد اللي حصل منه ولما فاقت من اللي كانت فيه انه اسمه نفسه كرهته, لكن أنا خايف.. خايف يرجع يحوم حواليها تاني, الزن على الودان أمر من السحر, خصوصا لو شغل لها اسطوانة انه ندمان ومش قادر يعيش من غيرها زي ما قالي, هو كان أول واحد مشاعر سلمى تتفتح له, ما أقدرش أنكر رعبي كأب عليها, ألفت سلمى لو وافقت ترجع له وعمل فيها حاجة تانية كدا يبقى احنا خسرنا بنتنا وربنا يستر المرة دي, مش هيبقى انهيار عصبي وشهرين في المصحة زي ما حصل لها قبل كدا!
ترقرقت الدموع في عيني ألفت ثم حاولت تمالك نفسها وقالت بعزم:
– بنتي قوية يا رؤوف, على أد ما بتبان هادية وباردة لكن أنا عارفة سلمى كويس أوي, على أد ما بتسامح لكن عمرها ما تنسى اللي كسرها وهو كسرها وكسرنا…. مش ممكن توافق ترجع له, لو انت شايف ان شهاب هو الحل أنا معاك, ومن ناحيتي هحاول أٌقنعها ولو بطريق غير مباشر…
نظر رؤوف الى ألفت حبيبته وشريكة عمره وقال وهو يحتويها بين ذراعيه ليلقي بحموله إليها:
– ربنا يستر يا ألفت, يا ريت تقتنع بكلامنا يا ريت..
***************
– عتمان يا ولدي ما تنساش تبجى تجول لاخوك رؤوف انه الليلة عزا راضي الله يرحمه, اللي حوصل دِه نسّانا كل حاجة, اني رايح داري أريح شويْ, معايا يا أم عتمان…
نهض الجد من مجلسه تلحقه الجدة بينما تطلع عثمان الى ولديه غيث وشهاب بتركيز قال بعدها:
– أجدر أعرف ايه اللي حوصل بالظبط؟, مرة واحده عاوزين تتجوزوا وانتو التنيين رايدين بنات عمكم رؤوف؟!, ايه مش غريبة حبتين ؟!..
نظر غيث الى شهاب قبل أن يلتفت الى والده مجيبا بهدوءه المعتاد:
– ما غريب الا الشيطان يا بويْ, بنات عمنا واحنا أولى بيهم, واحنا وصلنا لسن لازمن نتجوزوا, يبجى ايه المانع؟, ولا انت شايف انهم مش مناسبين لنا؟
نفى عثمان سريعا هاتفا:
– لاه.., يشهد ربنا من يوم ما شوفناهم وايجو حدانا ما شوفنا منيهم الا كل طيّب, أني بس مستغرب حبتين, لكن لو متوكدين يبجى خلاص, انتو فاتحتوا عمكم في الموضوع نسيب له وجت يفاتح بناته وربنا يعمل اللي فيه الخير..
شهاب بغموض:
– تفتكر يا حاج انه هيقنعهم؟
عثمان ببراءة مزيفة:
– والله يا ولدي دِه زواج.. يعني لو ما وفجوش منجدرش نغصبوا عليهم, ما تنسوشي انهم تربية البندر!
قفز شهاب هاتفا بحنق:
– يعني سلمى ممكن ترفض؟, حتى بعد ما عرفت انه البلد كلها ساعتين وتعرف انها مراتي؟
نظر اليه عثمان بصرامة وأشار له بعصاه قائلا:
– ولد.. جعمز اهنه..
نظر اليه شهاب متمتما بنزق وهو يجلس مكان ما أشار والده:
– ولد ايه بس يا بويْ؟
لم يستطع عثمان كتم ابتسامة صغيرة وعلق على تبرّمه الواضح:
– طالما اتحدت بلغوتنا يبجى الموضوع إمأثّر فيك صوح!
كتم شهاب زفرة حانقة, وحاول التحدث بهدوء بعيد عنه تماما:
– انا مش شايف سبب تخليها ترفض بصراحة..
عثمان وهو ينظر الى غيث بمكر مستتر:
– ليه.. ما سبج وأختها رفضت خوك!
شهاب بدهشة بينما زفر غيث حانقا مشيحا بعينيه بعيدا:
– هو غيث اتقدم لسلافة؟
عثمان بتلقائية:
– إيوة, والبنيِّة رفضت حسب ما جدك جالي!
غيث وقد بدأ بروده الظاهر بالتصدع:
– لاه يا بوي هي رفضها كان لحاجة تانية وأني كنت هتفاهم معاها لوما جات حكاية ليث ابن عمي خلتني انشغلت بيها, بس اني عارف هقنعها كيف!
عثمان بهدوء:
– مش هنغصبهم على حاجة, اني مش بجول انكو تهمّلوا الموضوع لكن اتعاملوا امعاه بعجل, جدكم موافج بس ما تضمنوش.. بنات عمكم واخدين عجله ويمكن يجدروا يجنعوه برفضهم دِه, وجتها محدش فينا كلاتنا هيعرف يفتح خشمه واصل, يبجى العجل يجول بالراحة إكده والهداوة, ها.. فهمني يا باشي مهندز.. بالراحة مش بالخناج والصوت العالي…
ثم نهض مردفا:
– افوتكم أني دلوك, وما تنسوشي تجولوا لعمكم على عزا ولد عمكم انهاردِه بعد صلاة المغرب ان شاءالله..
وانصرف تاركا ولديه كلا منهما يفكر كيف يقنع متمردته الحسناء بقبول الارتباط به؟!..
**********************
دلف عثمان الى جناحه هو وراوية التي سرعان ما خرجت من غرفة النوم الملحقة بالجناح على صوت صفق الباب بقوة, نظرت الى عثمان الذي وقف يطالعها بنظرات غامضة, حاولت التحدث مدعية القوة:
– بجه يصوح برضيكي تزعّج لي جودام الجاعدين كلاتهم كيف البت الصغيرة؟
تقدم عثمان بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها وأجاب بصوت هاديء يخفى وراؤه غضبا مستعر:
– وانتي يصوح تجفي جودام بوي وجودامي وجودام خوي وتجولي بالفوم المليان انك مش رايده بناته لولادك؟
راوية باضطراب وهي تهرب بنظراتها من نظرات عينيه القوية:
– أني ما غلطتش, دول ولادي واني من حجي اني اجول آه ولا لاه!, ولو مش هيتزوجوا واصل بنات ألفت لاه ومليون لاه كماني!
شعت عيني عثمان بغضب ناري وتحدث بهسيس غضب من بين أسنانه المطبقة:
– ما اسمهومشي بنات ألفت, دول بنات خوي رؤوف!
راوية وقد تسلط شيطانها عليها ونسيت من هو عثمان الخولي وكيف يكون غضبه الذي لا قبل للرجال به, فهو كالبركان ما أن ينفجر لا يبقى ولا يذر:
– ولو, ما كانيش يصوح تحدتني اكده وتجولي روحي دارك كاني واحده مهبولة, أني مهما كان مرتك انت يعني كرامتي من كرامتك, ولمن اللي اسمها ألفت دي تسمعك بتحدتني بالطريجة دي هتعمل هي معاي ايه؟
عثمان وهو يقبض بشدة على رأس عصاه حتى ابيضت سلاميّات أصابعه:
– المرة اللي ما بتعملشي احترام لجوزها وترد على كبير العيلة يتعمل امعاها أكتر من اكده!, انتي سمعتيها فتحت خشمها بكلمة واحده؟, ما الموضوع كيف ما يخص ولدك شهاب يخص بتّها, حتى لما بت اخوي فتحت خشمها خوي عرف يسكتّها كيف, الدور والباجي ع الكبيرة العاجلة اللي كنها مخّها ضرب ولازم لها تأديب من أول وجديد!.
راوية بشهقة عالية:
– انت بتجول ايه يا عتمان؟, عاوز تضربني؟!
عثمان بصرامة وبريق شرس يلمع بين مقلتيه:
– لا إنتي أكبر منّيها ولا أني أصغر من أني أسوِّيها!
راوية بدموع التماسيح:
– طب اعملها يا عتمان وشوف مين هيجعد لك فيها بعد إكده!, أني ما اتبهدلش على آخر الزمن وجودام اللي يسوى واللي ما يسواش!
وفي أقل من لمح البصر يسكتها عثمان بصفعة مدوية على وجهها جعلتها تصرخ عاليا ألما, وغضبا, و… خوفا!!
نظرت اليه ويدها تغطي وجنتها اليسرى حيث علامات أصابعه الخمسة موضع صفعته, والتي شكلت مكانها لونا أحمر قان, همست راوية بغير تصديق:
– انت بترفع يدك عليا يا عتمان؟, اني مش مصدجة!, انت عمرك ما اعملتها!, بترفع يدك عليّا عشان ألفت وبناتها!
مد عثمان يده ليقبض على رأسها فيسقط وشاحها جانبا بينما تتأوه ألما وهو يقول بغيظ وغضب جعل أوداجه تنتفخ وبشدة:
– انتي واعية للي جولتيه؟, هما مين دول اللي ما يسووش؟, بوي وامي واخوي؟, انتي كل اللي هامك ألفت وبناتها؟, ايه ما عاوزاشي تنسي انها هي اللي فضّلها عليكي!
سكتت راوية في ذعر بينما تابع عثمان بين غضب وأسى:
– سنين وأني شايل جوايا ومعبِّي, وأجول خلاص يا ولد احنا ولاد انهارده, سنين وأني كاتم جواتي, فكرك مش عارف انك كتِّي حاطة عينك عليه.. على خويْ؟!, ومن فُجرك صارحتيه باللي جواك!
نظرت اليه راوية وقد غرقت معالم وجهها في دموعها المنهمرة بينما تشكلت كدمة زرقاء في زاوية فمها وتحدثت بتلعثم واضح:
– انت.. انت بتجول ايه؟, كدب ما حوصلـ…….
ليصرخ عاليا:
– اوعاكي تجولي كدب, اني سمعتك بدناتي التنيين يا بت عمي, يوميها شوفتك وانتي واجفة امعاه, آخر يوم كان فيه إهنه جبل ما يسيب البلد ويسافر, كانت اختك شايفاكم وأني كت بالصدفة جاي أتكلم امعاه أحاول أجنعه انه ما يزعِّلش بوه منِّيه لمن شوفت وسمعت كل حاجة….
ودفعها بقوة جانبا , ليهز برأسه أسى وأسف, ثم ينهار جالسا فوق المقعد خلفه وهو يردف بأسف وغضب:
– كت أتمنى يكون كدب, بس ما جدرتش أكدب وداني, ولمن جوم بعد الغيبة الطويلة ده كلاتها عرفت انك لساتك شايله في جلبك منيه ومنيها, مع ان هي مالهاش ذنب..
ثم رفع رأسه ناظرا اليها متابعا بحدة:
– لكن توصل بيكي انك تهيني خوي وبناته ومرته في وجودي ووجود بوي كبير العيلة.. يبجى لاه.. أدفنك مُطرحك ولا انك تكوني سبب في فرتنة العيلة..
لم تصدق راوية ما سمعته أذناها, هو يعلم!, انه على علم بكل شيء ومن قبل اتمام زيجتهما!, لما لم يخبرها؟, فجأة تغيرت صورة عثمان في ناظرها, ذلك الرجل التي كانت تسيّرها رهبتها وخوفها منه, لم تسأل نفسها أبدا عمّاهية شعورها تجاهه, فهو ابن عمها الذي أجبرت عليه, كانت طوال عمرها تخافه وتهابه لشخصيته القوية, فيما كان رؤوف هو الدائم الابتسام والطيبة, لذلك كان رؤوف هو فتى أحلامها, بينما عثمان صورة مطابقة من أخيها عدنان!
ارتمت أسفل قدميه وقالت وهي لا تتصور أن تخلو حياتها من عثمان!, رجلها ووالد أبنائها, هتفت برجاء:
– ليه ما جولتليش؟, والله العظيم ويمين تلاته ان عمري ما اتحدت مع خوك واصل, غيرشي هو اليوم دِه, انت ما تجدرش تحاسبني على عجلي واني لساتني بت 15 سنة, بس احلف لك على مصحف اني من وجت ما بجيت مرتك على سنة الله ورسوله ما فكرت في غيرك واصل, اني مش خاينه يا عتمان, مش خاينه يا ولد عمي!
نظر اليها برفض وأشاح بعينيه بعيدا, فانحنت على يده تقبلها وهي تغسلها بدموعها هاتفة:
– أحب على يدك تصدجني, صدجني وسامحني, اني طول عشرتي امعاك زعلتك مني واصل؟, كل اللي كت بتجول عليه كت بنفّذه بالحرف الواحد, اني مش غيرانه منيها زي ما انت فاكر عشان اللي حوصل زمان.. لاه!, هي جات خدت كل حاجة ع الجاهز, حتى مرت عمي ما بجيتش معايا زي الاول!, حتى انت يا ابو غيث… بشوفك بتشكر في أي حاجة بتعملها, دِه حتى زينب في صفّها, اني خالص ما عادليشي عازة, حتى زواج ولادي ماليش صالح بيه, عارف يعني ايه يتزوجوا بناتها؟, يعني تبجى مجابلاني يا هي يا حد من طرفها طول ما اني عايشة, ما جدراشي يا عتمان, افهمني!
جذب عثمان يده بعيدا ونظر بجدية اليها مجيبا:
– لازمن تنسي يا راوية, الست من يوم ما جات ما شوفناشي منيها غير كل خير, غيرك انتي!, فكرك اني معارفش اللي بيوحصل من وراي!, كلامك اللي بتسمي بيه بدَنْها!, أمي كات لازمن تبجى في صفها.. خصوصي انه الغلط راكبك من ساسِك لراسك, انتي اللي بتنفِّريهم منيك وتبعديهم عنّك, ده بدل ما تحاولي تاخديهم في حضنك, وتحبيهم وتبجى كيف أمهم!
زفر بضيق وأردف:
– أني عارف انك عمري ما خنتيني ولو بفكرك حتى, بس تفتكري ما زعلتش انك كت حاطة عينك على خويْ, وانك كت عاوزاه هو؟!, مش هكدب وأجولك اني لساتني متضايج من اكده بس برضيكي انتي مش بتخليني أنسى!
راوية بيأس ولا تزال راكعة على ركبتيها أمامه:
– أحلف لك بالله انه ما فيه حاجة في بالي من الحديت الجديم دِه, أني.. اني يمكن أكون زودتها اشوي خصوصي جودام عمي ومرات عمي بس..
رفع عثمان يده مانعا اياها من المتابعة وقال بجدية وهو يميل ليأسر عينيها في نظرة قوية:
– من غير بس, مرت خوي هي وبناتها كرامتهم من كرامة خوي, آخر مرة أسمح لك انك تتعاملي امعاهم ولا تلجحي عليهم بكلامك الماسخ دِه!, وموضوع زواجهم من ولادنا مالكيش صالح بيه واصل, ده موضوع الرجالة هي اللي تتكلم فيه, مفهوم ولّا لاه؟, ما عاوزشي أتحدت في الكلام دِه تاني!
أومأت بالايجاب وهي تسدل عينيها الى الأسفل, تنهد عثمان بيأس وهو يطالع وجنتها حيث بدأ اللون الأزرق يزحف مكان الصفعة, أشاح بعيدا وهو يقول بصوت خشن:
– خلاص, جومي شوفي هتعملي ايه وهمّليني لحالي, عاوز أرتاح شوي!
ونهض متجها الى غرفتهما تتابعه راوية بعينيها ودموعها تغرق وجهها ولكن ترى هل هي دموع الندم أم الحزن أم الغضب ممن كان السبب فيما حدث من وجهة نظرها؟!
***********
– ليث يا ولدي تعالى عاوزك في موضوع..
لحق ليث بوالده في غرفة الجلوس, بعد أن استقر بهما المقام, نظر عدنان الى ولده وقال بهدوء:
– هنعملوا ايه مع ام عدنان؟
قطب ليث وتساءل:
– هنعملوا ايه في ايه يا بوي مش فاهم؟
عدنان بجدية:
– يعني لمن تفوت العدة.. هتفضل معانا اهنه ولا هتعاود لاهلها؟, ولمن تعاود هتاخد امعاها الولد ولا هتسيّبهم حدانا, الولد لساتهم اصغيرين حرام نحرمهم من امهم مش كفاية بوهم!
ليث عاقدا جبينه بقوة:
– وليه السؤالات دِه دلوك يا بوي؟, لا هي جالت عاوزة تعاود لاهلها ولا عمي جال انهم هياخدوها!
اغمض عدنان عينيه وزفر بضيق ثم فتحهما ناظرا اليه بتركيز مجيبا بجدية بالغة:
– لانه دِه اللي هيوحصل, ولازمن نكون مرتبين نفسنا وجتها ونعرفوا هنجول ايه..
ليث بزفرة حنق:
– ممكن تدخل في الموضوع طوالي يا بوي؟, اني مش فاهم انت عاوز توصل لايه بالظبط؟
نظر عدنان لابنه قائلا بصرامة:
– اتجوزها يا ليث!
هتف ليث بدهشة وهو يقفز عن قدميه واقفا كمن لدغته أفعى:
– باه!, بتجول ايه يا بوي؟
أشار اليه عدنان بالجلوس فأطاعه ثم أجاب عدنان بحزم:
– بجول اللي لازمن يوحصل!, بت عمك لساتها اصغيرة وحلوة ومن عيلة كبيرة وألف عيلة تتمنى تناسب الخولي, وما يعيبهاشي انها أرملة.. دِه أمر الله, واحنا مش هنجدر نجفوا جودام نصيبها, مهما كان هي لساتها اصغيرة ووكيد بوها مش هيوافج انها تفضل مترملة العمر كلاته!
ليث باستهجان:
– يعني ايه؟, هيزوجها إيّاك!
عدنان بجدية:
– طبعا, واني هوافجه, دِه حلال ربنا!
ليث بانفعال رغما عنه:
– بس كيف نخلي غريب هو اللي يربي اعيالنا؟, لو رايده الزواج هي حرة بس تهمّل لنا اعيالنا..
عدنان بزفرة تعب:
– يا ليث افهم, حرام العيال لساتهم اصغيرين ليه يتحرموا من امهم مش كفاية بوهم؟
ليث رغبة منه بانهاء النقاش في هذا الموضوع الذي بدأ يثير حنقه و… غضبه!, وقف وأجاب:
– لمن تبجى عدتها تخلص ويجي لها عريس يبجى نشوف هنعملوا ايه, عن اذنك يا بوي!
ليصدح صوت عدنان خلفه مانعا اياه عن التقدم ما ان لفظ كلمته:
– وان جولتلك انه عريسها موجود!
تسمر ليث واقفا في مكانه قبل أن يلتفت الى أبوه مرددا بغير تصديق:
– عريسها موجود!, كيف دِه؟, ومين؟, هي لساتها في العدة!
عدنان وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة:
– يبجى مجاهد ولد جابر الخولي, من الخولي برضيكي, مجاهد كان صديج المرحوم الروح بالروح, بوه حدتني أني ما ينفعشي يكلم عتمان وبتّه لساتها في العدة, هو عارف انها مطمع ناس كتير جوي, زينة ومن عيلة و…
هتف ليث وغضب من نوع آخر يتصاعد في صدره:
– بكفاياك يا أبويْ, ما عاوزشي أسمع جالو ايه!, الحديت دِه مالوشي عازة دلوك.. واحنا مش جاصرين على ترباية اعيالنا..
عدنان محاولا توضيح الصورة له:
– يا ولدي افهم, كلامهم خلاني أوعى انه سلسبيل مسيرها تتزوج, وسلسبيل خسارة وألف خسارة, وأديك شايف امك روحها فيها وفي العيال, وانت ما شاء الله عليك رجل طول بعرض وولد عمها وانت اولى بتربية صغار خوك من غيرك, جولت ايه؟
زفر ليث بيأس وهتف:
– ربنا يجدم اللي فيه الخير يا بوي!
ألح عدنان قائلا:
– برضيكي يعني ايه؟
هتف ليث قبل أن يولي مغادرا:
– اللي تشوفه يا بوي اللي تشوفه!
لينصرف والشياطين تتراقص أمام عينيه بينما ارتسمت ابتسامة راحة على فم عدنان, فيما وقف ليث ما أن غاب عن ناظري والده متمتما وهو يستند برأسه الى الجدار خلفه ليضربه بخفة مرات عدة:
– أتزوجها كيف بس؟, ده كانت مرته يا بوي مرته!
ليعتدل واقفا وهو يتابع بعينين يملؤهما التحد والاصرار:
– لكن طالما اكده ولا اكده هتتجوز تاني يبجى أني هكون جدرك ونصيبك يا سلسبيل, زي ما انتي جدري اللي مجدرتش أهرب منِّي واصل مهما حوصل!
************************
التزم رؤوف برغبة سلمى في عدم الضغط عليها, وكان قد مر أسبوع على حديثه معها, كانت لقاءاتها بشهاب تقتصر على تبادل السلام والتحية, كان كثيرا ما يزورها في المستوصف الصغير الذي تم الانتهاء منه, كانت تتعامل معه بمنتهى البرودة والرسمية الأمر الذي كان يجعل شهاب يستشيط غيظا وغضبا ولكنه كان يحاول تمالك نفسه تماما كما وعد عمه!, بينما حاول غيث مرارا مفاتحة سلافة في أمر ارتباطهما والتي ما ان تقع عيناها عليه حتى تنظر الى يديه وتشيح بنظرها سريعا لتبتعد عن أي مكان يصدف وجوده به حتى أنها امتنعت عن الذهاب الى الديوان وكان كل العمل المطلوب منها تقوم به عن طريق الحاسوب من المنزل الأمر الذي كاد يذهب بعقل غيث, وعقد العزم على مواجهتها قريبا جداً!!..
– دكتورة سلمى شعبان تعبان جوي يا دكتورة..
نهضت سلمى وقالت لسالم الممرض الخاص بالمستوصف:
– ماله يا سالم؟, لو معاك بره دخله!
خرج سالم من فوره ليعود في غضون ثوان برفقة شعبان وشخص آخر يسنده, أمرت سلمى بوضعه فوق سرير الكشف, وقف معها سالم ومتولي رفيق شعبان, بعد أن فحصته قالت:
– دي كريزة كلى, مش انا قلت لك كذا مرة لازم تروح عند دكتور مسالك بولية شاطر يا شعبان؟؟
استمعت اليه وهي تتناول محقنا لتجهيز الدواء اللازم لحقنه عندما دلف شهاب الى العيادة بغتة, نظرت اليه رافعة حاجبها بدهشة وتساؤل, قال شهاب وهو يدير نظراته بين الرجال الثلاث الذي يحيطون بها هي الأنثى الوحيدة وكأن ما يراه لم يرق له فقال مقطبا جبينه:
– معلهش مالاقيتش سالم, قلت اطمن عليكي!
لم تجبه وبدلا من هذا التفتت الى شعبان الذي يضع يده على مكان الألم في جنبه الأيسر وهو يتأوه بقوة من شدة الألم, قالت وهي تشير الى سالم ليساعده في رفع ثوبه لتحقنه بالمسكّن:
– معلهش يا شعبان الدوا دا بإذن الله هيهدي الألم…
نظر شهاب الى سالم الذي يساعد شعبان في رفع الجلباب ثم الى سلمى التي وقفت بعيدا تتظاهر بالانشغال بالنظر الى المحقن بيدها, تاركة له المجال حتى يجهز لحقنه, تقدم اليها بخطوات سريعة ووقف أمامها وهو يهتف بحدة بصوت منخفض:
– انتي فاكرة نفسك هتعملي ايه؟..
نظرت اليه بدهشة حائرة وأجابت:
– أفندم؟, هعمل ايه يعني؟, هديلو حقنة…
سخر شهاب مقلدا اياها:
– هديلو حقنة!, يا سلام!, لا طبعا ما ينفعش!..
سلمى بنزق محاولة عدم رفع صوتها وهي تسترق النظر بين كل كلمة واخرى الى مريضها:
– هو ايه دا اللي مينفعش!, سالم مش بيعرف يدي حقن, وانا الدكتورة هنا ودا مريض, يبقى مين اللي هيديلو ان شاء الله.. انت؟!
مشيرة اليه بسخرية, فنظر اليها ضاغطا على شفتيه بقوة قبل أن يجذب المحقن من يدها بشدة أجفلتها وهو يحتد قائلا:
– آه..
هتفت به بصوت منخفض غاضب:
– تعالى هنا.. هو ايه اللي آه؟, انت عمرك اديت حقن قبل كدا؟
شهاب بسخرية:
– للبهايم ولا مؤاخذة, وبيتهيالي البني آدمين مش هتبقى بعيدة اوي عنهم, مش كيميا يعني..
سلمى محاولة أخذ المحقن من يده بينما يبعد يده عنها:
– بقولك ايه يا شهاب دي مش اول مرة أدي حقن لرجالة, ودا بالذات انا عارفة حالته كويس وسبق واديتو قبل كدا, هات الحقنة الراجل تعبان احنا مش عيال صغيرين!
شهاب برفض قاطع:
– لا يعني لا, وحكاية تدي حقن لرجالة دي لينا فيها كلام تاني, محدش هيديلو الحقنة الا أنا, قوليلي ازاي لو خايفة عليه أوي!
سلمى بزفرة يأس:
– يا ربي أقوله دكتورة يقول لي حقن لأ, يا بني أنا بعمل عمليات مبفرّقش بين راجل وست دول كلهم حالات بالنسبة لي!
لم تر تجاوبا منه فزفرت بحنق وأشارت اليه بكيفية اعطائها, تقدم شهاب منه وحدجها بنظرة زاجرة ما ان اقتربت منه لتبتعد, سمعت صوت صراخا عاليا من الرجل سكت تماما بعدها, ما جعلها تقطب, تقدمت ببطء وكان سالم قد ساعده على ترتيب ثيابه, قالت:
– انت كويس يا شعبان؟
رفع شعبان عيناه الذابلة اليها وأجاب وهو ينقل نظراته بينها وبين شهاب الواقف امامه يحدجه بنظرات تحذيرية واضحة:
– الحمد لله يا دكتورة, الباشي مهندز يده بصراحة تجـيلـ… خفيفة.. خفيفة…كيف المرزبة تومام!
ساعده متولي زميله في النهوض, وناولته سلمى وصفة طبية مع تشديدها عليه في الذهاب الى طبيب متخصص, ما ان انصرفوا حتى التفتت الى شهاب هاتفة بحنق وهى ترفع سبابتها في وجه:
– آخر مرة تيجي لي العيادة فاهم؟, أهو دا اللي ناقص دكتورة وأعالج العيانين بتوعي بالمراسلة!
هتف شهاب بغضب:
– وانا ما اقبلش انه يتكشف عليكي رجاله, عاوزة تكشفي يبقى ستات بس, الرجالة يروحوا المستوصف بتاع المركز, وانا هقول لجدي كدا!
سلمى بذهول:
– ايه التخريف دا؟ يا باش مهندس افهم.. انا دكتورة.. وجراحة كمان.. يعني بعمل عمليات للصنفين ستات ورجالة مش على أد حقنة وبس..
شهاب بأمر:
– كانت أيام وخلاص, من هنا ورايح انت تخصص ستات بس!
تخصرت سلمى هاتفة بحنق:
– يا سلام ومين اللي قال كدا ان شاء الله؟, وبمناسبة ايه؟
تقدم منها شهاب حتى على أصبح على بعد انملة منها ومال عليها ناظرا بعمق في زيتون عينيها مجيبا وهو يشدد على كل كلمة تخرج منه:
– أنا اللي بقول, أنتي مش هتكشفي على رجالة تاني, انا مقبلش ان مراتي تتعامل مع أي صنف مذكر غيري!
عقدت سلمى جبينها في حيرة ورددت:
– مراتك!
أكد قائلا:
– ايوة, مراتي..
هتفت بجنون:
– مرات مين؟, شهاب انت جرالك حاجة؟, أنا مش موافقة ومش ممكن…
ليقطع سيل حديثها صوتا لم تصدق أذنيها حين سماعه, كان صاحب الصوت يقف أمام الباب المشرّع وهو يهتف:
– سلمى حبيبتي, أخيرا عرفت أوصلك, وحشتيني أوي يا سمسمة!
لتفتح سلمى عينيها واسعا وهي تلتفت الى مصدر الصوت في ذهول لينقلب الى دهشة عارمة وهي تهتف بغير تصديق:
– أحمد!!
بينما ينظر شهاب الى هذا الواقف فاتحا ذراعيه على وسعهما وترتسم ابتسامة عريضة بلهاء على وجهه الوسيم, ضيق شهاب عينيه ناظرا له نظرة تساؤل وغموض بينما يحدج سلمى بنظرات أقل ما يقال عنها أنها.. ناااااااارية!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى