روايات

رواية نيران الغجرية الفصل العاشر 10 بقلم فاطمة أحمد

موقع كتابك في سطور

رواية نيران الغجرية الفصل العاشر 10 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء العاشر

رواية نيران الغجرية البارت العاشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة العاشرة

” لا تخطي بقدمك فوق ألغام الكراهية … متى إنفجرت ستكونين أول ضحاياها ! ” # كونسيلر
طُرق الباب و بعد ثوان فتح و ظهرت زوجة عمها ” سمية ” التي انتفضت تعانقها و تقبلها مرددة على مسامعها كلمات الشوق و المحبة ، و لوهلة تعجب عمار و استنكر ردة فعلها أليست هذه المرأة نفسها من أقنعت زوجها بمنع مريم من العمل في القاهرة و جلبها الى هنا لتزويجها من كهل مقتدر ماليا ، وهي نفسها من رأى الجشع على ملامح وجهها عندما عرض عليهم قبل سنتين مبلغا طائلا من الأموال مقابل عقد قرانه بالسر على إبنتهم ؟ اذا كيف تحمل الآن هذه المشاعر الدافئة كيف يستطيع الإنسان أن يظهر لغيره محبته بعدما أذاه ؟؟
أفاق من شروده على كلام مريم الباكية وهي تقبل يديها :
– وحشتيني يا خالة سمية وحشني عمي و البيت و الجو هنا كل حاجة وحشتني اوي الفترة اللي بعدت فيها كانت صعبة عليا جدا يا طنط.
قبلتها سمية دامعة ثم التفتت الى عمار الذي كان يقف بجمود و الوقار يبدو عليه ، تنحنحت و تمتمت بإحترام :
– ازيك يابني عامل ايه ؟
رد عليها بوجه لا يظهر منه شيء :
– بخير الحمد لله.
– انتو واقفين كده ليه اتفضلو البيت نور بوجودكم.
دلفا و أعطت مريم أكياس الهدايا لسمية ثم إتجهت مباشرة إلى غرفة عمها “أحمد” وجدته متسطحا و عندما رآها إستقام جالسا و هتف بوهن :
– مريم …. تعالي يا بنت الغالي.
هرعت تعانقه وبعد وصلة من إظهار مشاعر الإشتياق جلست على الأريكة مقابل السرير و عمار بجانبها يحدثه في عدة أمور برسمية حتى طرق باب الغرفة و دلف إبن عمها عثمان ، إرتجفت مريم و بلعت ريقها بتوجس لحضوره و رؤية إبتسامته السمجة فضغطت على طرف ثوبها محاولة تمالك مفسها و عدم إظهار خوفها للعيان.
أما عثمان فعندما رآها لاحت إبتسامة ماكرة على وجهه و قال :
– اخيرا بعد المدة الطويلة ديه شوفناكي ازيك يا بنت عمي ؟
مد يده ليصافحها ففوجئ بعمار ينتصب واقفا و يصافحه مكانها :
– أهلا و سهلا.
توتر الجو و إنتشرت الشحنات السلبية في الوسط لتحمحم سمية و تضحك بإرتباك :
– مريم بنتي خدي جوزك على أوضتك وانا شويا و هنادي عليكم عشان الغدا.
– حاضر.
ذهبت مع زوجها الى غرفتها بينما أخذت سمية إبنها الى المطبخ و همست محذرة :
– بقولك ايه البنت جاية تطمن على عمها و تمشي انا مش عاوزة اشوفك بتعمل مشاكل ولا تحاول تقرب عليها مفهوم جوزها مش سهل وممكن يقتلك لو فهم سر الإبتسامة اللي على وشك.
قلب عينيه بتملل :
– عملت ايه يا أمي انا لسه داخل اساسا.
– اخرس فاكرني مش فاهمة انت ليه اصريت تتصل عليها بنفسك و دلوقتي جاي من غير مراتك …. كن و أقعد و خلي اليوم يعدي على خير.
**** مرت الساعات بسرعة حاولت فيها مريم ملازمة عمار و عدم التحرك من جانبه مخافة تقرب عثمان منها … ستحدث كارثة إن حاول التحرش بها مجددا و رآه زوجها حتما سيقتله فهو منذ أول يوم رآه فيه لم يعجب به و كان واضحا جدا من نظراته ، تنهدت وهي تخرج الى البهو مع زوجة عمها و قالت :
– طنط سمية احنا جينا هنا ليه خلينا نقعد مع عمي و عمار.
طالعتها الأخرى مجيبة بتريث :
– فكرت اننا نقعد نتكلم براحتنا بعيد عن الرجالة و متخفيش عثمان راح على شقته ومش هيرجع.
أجفلت مريم للحظات و رمشت عدة مرات قبل ان تتلعثم :
– ااا … هخاف مم من عثمان ليه انا …
قاطعتها سمية وهي تمسك يدها متحدثة بخزي :
– انا عارفة السبب اللي خلاكي تقبلي تتجوزي بالسر و تبعدي عن هنا إبني كان بيدايقك و يتحرش بيكي و انتي كنتي علطول خايفة منه و نفسك متشوفيهوش أبدا … انا كنت فاهمة اللي بيحصل بس مقدرتش افضح القصة لأن عمك و الناس كلها كانت هتلومك انتي لأنك بنت ، عثمان راجل و محدش هيقوله حاجة مش بعيد يتهموكي بأنك انتي اللي بتحاولي تغريه و سمعتك كانت هتتوسخ خصوصا اني قولتله يتجوزك لو هو معجب بيكي بس مرضيش …. عشان كده ضحيت بيكي و أقنعت عمك يوافق يجوزك كل ده علشان احميكي و احمي إبني الوحيد.
و الحال أن سمية تكذب ، فرغم أن عمها متشدد معها لكنه لم يكن ليسمح بإهدار شرف إبنة أخيه كان سيطرد إبنها الوحيد و يضعه في الشارع أو يجبره على الزواج من مريم و بما أن الاحتمال الثاني غير وارد لأن عثمان يسعى للزواج من إمرأة غنية آثرت هي التضحية بمن ربتها لأجل ولدها …. ولم تخطئ فهي تحب مريم فعلا لكن ليس لدرجة تزويجها بعثمان الذي كان يتحرش بها في الأساس !!
نكست مريم رأسها بأسى و لمحات من الماضي تحوم بذاكرتها فتابعت الأخرى :
– أحمد ندمان على اللي عمله فيكي بقاله اسبوع مبينامش بيقولي جاله أبوكي في المنام و عاتبه لأنه أهملك و مصانش الأمانة ومن ساعتها مش على لسانه غير سيرتك بيقولي انا ظلمتها و طمعت في الفلوس و بعتها خونت أمانة أخويا و مهتمتش ببنته و ربنا مش راضي عليا.
رفعت مريم حاجبيها بذهول :
– بجد ؟ وهو ده سبب مرضه ؟
هزت الأخيرة رأسها ببؤس :
– ايوة و أصر أنه يشوفك و يطمن عليكي …. مريم بصي يمكن انتي دلوقتي تقولي عليا أنانية بس أرجوكي نفذي طلبي لو عمك سألك على حياتك ماشية ازاي مع عمار قوليله انك مبسوطة و جوزك راجل كويس ومش بيزعلك…
الدكتور قال ان الزعل مش كويس ليه ارجوكي متخليهوش يتعب اكتر قوليله انك مرتاحة مع عمار حتى لو كنتي بتكدبي و متقوليش لحد ان عثمان كان بيحاول يتقرب منك وبعدين واضح انك مبسوطة مع جوزك ده مش منقص عليكي حاجة جايبلنا هدايا غالية و ملبسك أحسن لبس و الدبلة اللي في ايدك لو احنا اشتغلنا 10 سنين قدام مش هنجيب ثمنها.
تفاجأت من كلامها و حدقت بها في صدمة لم تكن هذه أول مرة تقف زوجة عمها بصف إبنها لكنها أول مرة تراها بهذه الأنانية حتى انها لم تعطها حق التعبير عن مكنونات قلبها و البوح بما يؤلمها ، هل لأنها أم لها الحق بالدفاع عن ولدها الذي داس على شرف إبنة عمه وكان يدخل غرفتها ليلا و يكتم فمها مانعا إياها من الصراخ و طلب النجدة ؟
أغلقت مريم جفنيها فإنتحرت الدموع و سقطت على وجنتيها تعبر عن مدى اليتم و الخذلان اللذان تشعر بهما في هذه اللحظة كسياط من نار ، أن يعيش المرء فاقدا للسند و الإحساس بالحماية مؤلم جدا ، و هذا بالضبط ما عاشته هي منذ فقدانها لوالديها ، فلا عم يحميها و ابن عم يحرص على حماية شرفها …. ولا زوج يحبها و يمنحها حق الإعتراف بهويتها … لماذا هي تعيش إذا ؟
هل فقط من أجل تنفيذ الأوامر و إشباع رغبات زوج يأتيها كلما طالب بها جسده ؟! وهل إرتداؤها للمجوهرات و لملابس باهضة الثمن يعني أنها سعيدة ؟
تأوهت مريم بتعب من صراع دواخلها فهمست منهية هذا الحديث المستنزف لطاقتها :
– حاضر يا طنط سمية …. هعمل اللي انتي عايزاه.
وبالفعل بعد مدة عندما حل الليل دخل عمار لغرفتها لكي ينام و إنفرد بها عمها سائلا إياها بجدية تخللها الضعف و التعب :
– انا عارف اني غلطت زمان لما طمعت في الفلوس اللي هتحسن حالتنا المادية و جوزتك لواحد طلب يعيش معاكي في السر و حبسك بين اربع حيطان …. قسيت عليكي يا مريم و ابتزيتك عاطفيا و خليتك توافقي على حياة انتي مش عاوزاها سامحيني بالله عليكي انا حاسس نفسي بموت من تأنيب الضمير سامحيني و…
قاطعته مريم وهي تقبل يده :
– استغفر الله يا عمي حضرتك بتقول ايه انت على عيني و راسي و مهما عملت انا مش هقدر أرد جميلك و حق تربيتك ليا …. يمكن في الاول وافقت على عمار بالغصب بس لما عشت معاه و فهمته حبيته و حبيت الحياة معاه اوي يعني خوفك ده ملوش لزوم.
– بجد يا بنتي انتي مبسوطة مع جوزك ؟
سألها احمد بشك و ترقب فكتمت شهقات بكائها بصعوبة و ردت :
– ايوة مبسوطة اوي عمار حنين عليا و موفرلي كل حاجة بيجبلي اللي بعوزه و بيهتم بيا بيخرجني لما اطلب منه عمره ما زعلني بكلمة ولا خلاني اعيط انا معاه بحس نفسي ملكة من كتر ما بيدلعني حتى تصدق …. هو اقترح عليا نعلن جوازنا بس رفضت و قولتله خليه يمهد لأهله الموضوع وانا مش ههرب يعني.
أنهت كلامها بضحكة سخيفة و تابعت :
– أحسن قرار خدته فحياتي اني اتجوزه عمري ما هلاقي راجل زيه يا عمي.
– و مادام بيهتم بيكي اوي كده ليه مطلبتيش منه يخليكي تشتغلي … انتي كان حلمك تشتغلي بعد تخرجك من الجامعة و انا منعتك.
تألم قلبها لذلك الحلم مستحيل التحقق لكنها ردت بعدم إكتراث مصطنع :
– انا كنت عاوزة اشتغل عشان اعيش في المدينة و احسن من حالتي المادية بس دلوقتي عمار معيشني ملكة ومش منقص عليا حاجة هشتغل ليه ؟
مش محتاجة اتعب نفسي وانا كل حاجة متوفرة عندي.
صمت أحمد ينظر لها بتدقيق و في قرارة نفسه يتمنى لو كانت صادقة في كلامها ، منذ أن توفي أخاه وهو يعتني بمريم كان أحيانا يقسوا عليها لكنه لم يبغضها أو يتمنى لها السوء حتى كان قد شجعها على الدراسة لتحقق حلمها بعمل جيد لكن حديث ابنه عثمان عن انها من الممكن أن تتعرض لسوء أو يخدعها أحد الشبان و يمس شرفها جعله يتشتت و يأمرها بالعودة فورا.
و في الأخير طمع بأموال ذلك الرجل الغامض و أقنعها بضرورة الزواج منه كرد جميل على تربيته لها و الآن هو لا يستطيع النوم بسبب عذاب ضميره لذلك يريد تصديق حقيقة عيشها بسعادة بكنف زوجها.
زفر براحة و قال وهو يبتسم :
– بقالي ايام طويلة تعبان و مدوقتش طعم النوم بس كلامك ده ريحني جدا يا بنت الغالي ربنا يريح قلبك و يسعدك.
أجبرت نفسها على مبادلته الإبتسامة ثم إستأذنت و غادرت ، دلفت لغرفتها المتواضعة و وجدت عمار مستلقيا على الفراش يغطي عينيه بذراعه و الإرهاق باد عليه.
تأملته مرتديا بنطال منزلي و تيشرت ثقيل باللون البني فإمتنت بداخلها لأنها أصرت على جلب غيار له عندما علمت انه سيأتي معها و إلا كان سيتضايق حتما من النوم بملابسه الرسمية.
إرتدت مريم بيجاما حريرية باللون الكريمي و اتجهت إلى الشرفة الصغيرة التابعة لغرفتها ، إستندت على مقابضها المهترئة تستقبل لفحات الهواء الباردة ثم تنهدت بحسرة وهي تفكر …
بعد مرور عامين و نصف على تزويجها بالقوة ها قد تذكر عمها ذنبه الذي اقترفه بحقها و جاء يسألها إن كانت سعيدة ، و كأن هذا لا يكفي بل جاءت زوجته تبتزها عاطفيا و تطلب منها الكذب عليه من أجل ألا يتعب و تخبرها بكل إنعدام رحمة أنها كانت تعلم بتحرش إبنها عثمان بها ولكنها لم تستطع فعل شيء !
الآن هي تجلس مع زوجها في منطقة واحدة مع عديم الرجولة ذاك و تخاف أن يضايقها فينتبه عمار و يلومها … مثلما لامها الجميع سابقا أي ظلم هذا الذي تعيشه هي !!
إنتفضت مريم بخفة عند شعورها به وهو يضع شالا ثقيلا على كتفيها فناظرته بإبتسامة لم تصل إلى عينيها ليبادلها عمار البسمة هامسا :
– بقالك كتير واقفة كده انتي بتفكري في ايه.
سرت قشعريرة لطيفة في جسدها إثر نبرته الرجولية المغرية لترد بلطافة :
– لقيت نفسي مش جايلي نوم و قولت اقعد هنا افتكر ذكرياتي من الماضي.
هز رأسه بتفهم و عانقها من الخلف مميلا رأسه على كتفها فإستدركت مريم بضحكة :
– أقولك على سر ؟ زمان وانا مراهقة كنت بحب اطلع عشان اروح احضر مهرجان كان بيتعمل في المنطقة اللي جنبينا مرة كل سنة بس عمو احمد مكنش بيسمحلي لان الوقت بيبقى متأخر … و انا بقى كنت بعمل نفسي داخلة انام و اقفل الباب عليا و انط من البلكونة عشان اهرب و اروح احضر المهرجان.
توسعت عيناه بدهشة لحظية و حثها على الإكمال متسائلا :
– و المهرجان ده كان بيتضمن ايه عشان تحبيه كده اوعى تقوليلي انك من النوع اللي بيحضر مهرجانات اغاني الشوارع.
تقلصت ملامح مريم وهي تفلت ضحكة صغيرة على ظنه فسارعت في الشرح مخبرة إياه بأن المهرجان كان يحمل جانبيا فنيا و ثقافيا حيث تضمنت فعالياته حضور ورش تعليم لتصنيع الفخار و الخزف على الطبيعة ، كما تضمن عروضا لمسرح العرائس و أفلام وثائقية حول فن الخزف و غيرها من مختلف الفعاليات الجميلة التي تعرض و التي تقدمها مجموعة من الحرفيين و الفنانين.
و بما أنها كانت مولعة بصنع تحف الفخار من الطين ، فلقد حرصت على عرض تحفها البسيطة منها و المزخرفة كما كانت تعرض الإكسسوارات و خيوط الشعر الملونة التي تصنعها و العطور التي تركبها بنفسها.
تنهدت مريم وهي تتابع بحنين :
– كنت كل مرة بكسب المركز الأول كواحدة من اللي قدمو عروض ناجحة و كنت بحوش الفلوس اللي بكسبها من المهرجان عشان اجيب بيها روايات و كتب تانية بعرف منها قواعد اللغة اللي عاوزة اتعلمها.
أرهف عمار السمع لكل كلمة تقولها ، و سَرَّه معرفة هذا الجانب منها ، فهي رغم أنها كانت مراهقة بقدرات محدودة و صعبة في ظروفها إلا أنها لم تستلم و وظفت قدراتها لكي تكسب المصاريف الازمة لصقل موهبتها و إثراء معرفتها …
و للصراحة أذهلته حقيقة أن مريم كانت تمتلك الجرأة و الشجاعة ما يكفي لأن تعارض حواجز عمها و تتسلل من المنزل دون خوف ، و الآن هو يفكر كيف كانت ستكون لو لم يتزوجها و يلزم عليها الحصار ، بالطبع لأصبحت شخصية مهمة بقدراتها و عنفوانها !!
– عمك مكنش بيديكي فلوس كفاية عشان تجيبي اللي انتي عايزاه.
سألها مستفهما فإبتسمت مريم و هي ترد :
– لا كان بيديلي فلوس بس مكنتش بتكفيني ديه مصاريف المواصلات لوحدها كانت بتخلص اللي معايا و الصراحة كنت اتكسف اطلب منه تاني علشان كده بقيت احوش شويا من المصروف اللي بيدهوني و اجمع مبلغ كده استخدمه في الحالات الطارئة.
– وكنتي بتجمعي كام بقى ؟
– اخاف اقولك تقوم تتريق عليا و تفتكرني معفنة.
شعر عمار أنه يجرب مشاعر جديدة عليه فجاراها مشجعا إياها :
– لا قولي مش هتريق.
إلتفت له و همست بجدية و غرور كمن يقدم على التفاخر بإنجازاته :
– اربعين جنيه كل شهرين كانت بتطلع روحي عشان اقدر احوش المبلغ ده من مصروفي.
نبرتها المتفاخرة حركت بداخله إهتزازات ود لو يخرجها على شكل ضحكات ولكنه لم يرد إحراجها فبادلها الهمس مدعيا الإنبهار و يجاهد لكي لا يضحك :
– اربعين جنيه ايه الثروة ديه كلها لا بس انتي عندك خطط إقتصادية ممتازة هتساهم في تحسين اقتصاد البلد بجد.
عضت مريم على شفتها و ضيقت حاجبيها مقلدة إحدى الشخصيات البوليسية :
– انت كده بتتريق عليا صح.
إتخذ عمار نفس حركتها مجيبا إياها بذات النبرة :
– عرفتي ازاي.
إنطلقت ضحكاتها بعلو فسارعت تعطي فمها هامسة بإعتذار عندما أشار لها بخفض صوتها ، ثم راقب إبتسامتها الجميلة و همس بنبرة صادقة رغم خشونتها :
– انتي طموحة اوي يا مريم و ذكية رغم ان اللي عندك قليل بس قدرتي تتفوقي على نفسك و تدخلي لأحسن الكليات في القاهرة …. قليلين اللي زيك في الزمن ده.
بكلمات بسيطة الحروف كبيرة المعنى إستطاع عمار أن يرضي أنوثتها المتعطشة للمديح منه ، بالنسبة لمريم فإن لا شيء يضاهي سعادتها عندما تحضى بالتقدير من أحدهم على إنجازاتها فمابالك لو كان الذي يثني عليها هو زوجها بخيل الكلمات الجميلة.
أمسكت يداه و عيناها تلمعان بسحر فإنخفض عمار إليها و قبل ثغرها بتريث قبل أن يبتعد عنها محمحما بصوت متحشرج غلفته الرغبة :
– يلا ننام عشان نقدر نصحى بكره بدري.
هزت مريم رأسها بتلجلج و دخلت معه لتستلقي على السرير بجواره هاتفة :
– انا شعلت البخور من شوية اتمنى متكونش مضايق من ريحته.
همهم بإنكار وهو يشعل هاتفه ليتفقد أي جديد به :
– لا خالص بالعكس انا بحبه … قصدي يعني اتعودت عليه من لما كنتي بتشعليه في شقتنا مفيش مشكلة.
اومأت بصمت و حدقت بالسقف لثوان قبل ان تسأله على إستحياء :
– اتمنى كمان متضايقش عشان طلبت منك نبات الليلة ديه هنا … انا عارفة ان الأوضة صغيرة ومش واخد راحتك بس فعلا أهلي كانو واحشيني جدا و مقدرتش مقعدش.
ترك عمار هاتفه بعدما أرسل من خلاله رسالة إلى وليد بخصوص الصفقة ثم إلتفتت إليها مرددا بصلابة :
– بصي أنا فضلت سنين طويلة عايش في المدرسة الداخلية و كنت بنام مع ولدين غيري فأوضة واحدة يعني حجم المكان اللي قاعد فيه مش مهم بالنسبالي إضافة ل اني مبسوط هنا تعرفي ليه ؟
عقدت مريم حاجبيها و أشارت بجهل فإبتسم الآخر بشيء من العبث :
– لأني بحب اشوف المكان اللي عاشت فيه البنت اللي ليها استايل مختلف في اللبس و الميك اب و الإكسسوارات وعندها موهبة تركيب العطور ، القرية ديه صغيرة و غريبة بس حلوة و ملفتة للنظر ومش غريب أن واحدة زيك جاية منها ، تعرفي حتى السرير اللي موصول بشرايط ملونة ده عجبني اوي.
فغرت مريم فاهها بدهشة و لمعت عينيها بشكل واضح عند سماع غزله بها للمرة الثانية اليوم ربما من أهم ما يميز شخصية عمار أنه متقلب و غامض لا يُعرف متى سيغضب و يوبخ و متى سيبتسم و يتغزل لذلك أخفضت حدقتيها عنه و تعلقت الحروف على لسانها فعجزت عن الرد عليه.
قاطع وصلة صمتهما صوت رنين الهاتف فتأفف عمار و نهض مغمغما :
– دقايق و راجع.
غادر الى بهو المنزل و فتح الخط ببرود :
– نعم رأفت بيه.
– فاكر نفسك ذكي و بتقدر تلعب عليا بتصرفاتك و تدايقني لما تخلي صاحبك يسافر بدالك وانت تختفي ؟
لوى شفته بسخرية أخفاها من نبرته ببراعة :
– حضرتك تقصد ايه ب اني العب عليك لا طبعا وليد كان محضر للصفقة اكتر مني علشان كده طلبت منه يسافر بدل مني انت عارف الشغل مهم و مينفعش مبقاش جاهز ليه بالشكل المطلوب.
سمع صوت زفرته الغاضبة ثم إجابته :
– انت لسه صغير يا عمار ومش عارف مصلحتك فاكر انك بتأذيني بس بالعكس انت بتأذي نفسك و تصرفاتك ديه هتوديك في داهية خد بالك يا ابني و متغلطش الغلطة ديه ارجع لعقلك و بطل تعند و تتمرد لأنك هتندم …. زي مانا ندمت.
سمع صافرة إنهاء المكالمة فأخفض عمار الهاتف وقد بدأ يشعر بدمائه تغلي بداخله ، سوف يندم على أفعاله ، حقا ؟!
تهكم بإستهزاء و أخرج علبة سجائره يدخن سيجارة وراء الأخرى رغم علمه أنه ليس بمنزله الآن ومن الممكن أن ينزعج المدعو أحمد و زوجته لكنه لن يستطيع التخلص من إنفعالاته دون تدخين ….و دون دوائه … اللعنة لقد ترك علبة الدواء في سيارته الأولى التي ركنها في الجراج صباحا و غيرها بهذه التي حاء بها !!
تأفف عمار بخنق و حاول تهدئة نفسه مرارا و تكرارا حتى إنتظمت أنفاسه و عاد بعد ساعتين الى مريم ليجدها نائمة فإستغل الوضع و بدأ يتأمل في المكان و ذاكرته تعود به الى ما قبل سنتين عندما عقد قرانه و دخل إلى هذه الغرفة تاركا زوجته مع السيدة سمية التي كانت تهمس لها بشيء ما و الأخيرة متجهمة الوجه مطرقة الرأس ….
لا يزال يتذكر جيدا اللحظة التي دخل فيها لهذه الغرفة الفوضوية بطريقة محببة و حاد بعينيه نحو السرير المزدوج الذي تعلوه ستائر بيضاء و صفراء تدلت من أعلى السقف و أحاطت به من الجانبين ، ثم وقف أمام طاولة الزينة البسيطة منساقا وراء فضوله المتعلق بصاحبة الشعر المموج.
مرر أصابعه على قلادات العقيق المعلقة بالمرآة ذات الإطار المزخرف ليلتقط بعدها إحدى الخلاخيل التي إستقرت في إحدى صناديق حليها المفتوحة الى جانب بقية إكسسواراتها الثقيلة و أخيرا وزع زيتونيته على زجاجات العطور المميزة كعطور أميرات الزمن القديم التي تكون مزخرفة بتصاميم عريقة ، إلتقط زجاجة منها وفتحها فلم يستطع إخفاء إنبهاره عند شمه لتلك الرائحة السحرية المختلطة بالنسيم المنبعث من نافذة الغرفة فهمس بتسلية :
– بنت الغجر.
كل شيء فيها كان مميزا و ساحرا ، لم تكن مريم بذات الجمال الخارق و ربما يراها الآخرون عادية بسمارها و سواد عينيها و شعرها المجعد لكنها بشكل ما أخذت لُبَّه فإتخذها زوجة بشروط و حتى لم يدع صديقاه المقربان يرونها أبدا !!
عاد عمار من ذكرياتها عندما تقلبت الأخرى في الفراش و أصدرت صوتا فتنهد الأخير و إستلقى بجانبها متسائلا للمرة الثانية على الأغلب ” ماذا لو كان زواجهما طبيعيا ! ”
*** في اليوم التالي.
جاء عثمان و زوجته ليودعوا عمار و مريم قبل مغادرتهما فقامت الأخيرة متجهة الى المطبخ تعد الشاي و تحمد لله على عدم حدوث اية مشاكل ، لكن راحتها لم تدم طويلا فسرعان ما وجدت إبن عمها يقتحم المكان بهدوء و على وجهه إبتسامة ماكرة إرتجف قلبها لها.
حاولت مريم الإستكانة و قاومت تلعثمها الواضح :
– ااا انت جاي ليه طنط سمية في الحمام.
ضحك و غمزها بوقاحة :
– ما انا عارف و جاي ليكي انتي.
أنهى جملته وهو يقبض على ذراعها فشهقت و كادت تصرخ لكنه كتم فمها و حذرها بهمس :
– هشش مسمعش صوتك و إلا هخرجك من هنا بفضيحة كفاية انك قعدتي جوزك جمب حبيبك السابق و المسكين مش عارف …. ف أوعى تطلعي صوت أحسنلك.
أفلتها و تراجع خطوة للخلف يطالع وجهها الخائف و جسدها المرتجف وهي تتمتم :
– بقولك ايه انا مش هسكت تاني على تصرفاتك لو مطلعتش دلوقتي هصوت و اخلي عمار يجي يقتلك انت لسه متعرفش مين هو وبيقدر يعمل فيك ايه.
ضحك مجيبا بعبث يريها ابتسامته القذرة :
– معقول تخليه يؤذي ابن عمك … و حبيبك.
بدأ الغضب يتسلل لمريم بدلا من الخوف فوجدت نفسها تدفعه بغلظة و تصيح بكتوم :
– عمرك ما كنت حبيبي ولا هتكون انت ندل و قليل الرجولة مش عيب عليك تبقى متجوز و تجي تتبلى على بنات الناس و تتحرش بيهم.
رفع عثمان حاجبه وقد راقه خوفها منه ، هذه الغبية أضعف مما توقع بكثير و يستحيل أن تمتلك الشجاعة لتصرخ فإقترب و حاصرها بذراعيه بينه و بين الحائط و هتف :
– اللي بيشوفك دلوقتي ميصدقش انك كنتي بتموتي فيا و بتحلمي أعبرك جاية دلوقتي و جايبة معاكي جوزك و فاكرة انه هيقدر يحميكي مني ههه تبقي غلطانة الراجل اللي يرميكي في شقة معزولة و يجيلك كل شهر مرة و يقعد الصبح يكلم بنت عمه على الموبايل و يضحك و يهزر معاها مستحيل يحميكي انتي واحدة غبية و ملكيش لازمة آخرك تبقي جسد للمتعة و مسير رجل الأعمال الوسيم ده يرميكي لما يزهق منك.
شهقت وقد ساورتها رغبة في البكاء من قسوة إهاناته و ذله لها حتى هو يتعامل بأريحية معها لأنه يعلم أنها لن تدافع عن نفسها بئسا لها كم هي ضعيفة و ذليلة اللعنة على من مثلها ، أدرك الآخر أنها تعجز عن مقاومة تحرشه بها بسبب إرتعابها من الفضيحة و كذلك إنهيارها من سبابه و ذله فإستغل الوضع و أخفض وجهه يتلمسها و يهمس :
– بما ان عمار البحيري مش معبرك و شايفك زبالة إيه رأيك تسيبيلي نفسك زي زمان و نتسلى مع بعض شويا يلا متخفيش انا مش هقول لحد ع اللي هيحصل بيننا.
إنتفضت بهلع و في لحظة تجمعت كل ذكرياتها السيئة مع هذا الوغد لتجد نفسها ترفع يدها و تنزلها على وجهه في صفعة مدوية إنصدم لها عثمان و نظر على إثرها لمريم وهي تجذبه من ياقة قميصه :
– يا حيوان يا *** وربي لأقتلك لو اتجرأت وقولتلي الكلام ده تاني أو رجعت و قربت عليا فاهم اقسم بالله لأقتلك !!
تراجع يحدجها بذهول و عدم استيعاب ثم وضع يده على وجنته يتحسسها بإبتسامة مريضة و اعتقدت مريم أنه يخطط لضربها فحاولت الهروب لكنه شدد على معصمها بعصبية :
– متعصبة مني لأني قولت الحقيقة ما هو فعلا احنا الاتنين كنا بنحب بعض وانتي جايبة جوزك لبيت حبيبك و منيماه على ودانه.
– إخرس !
قالتها بإندفاع لكنه أكمل :
– ازاي قدرتي تغفليه و تلعبي عليه لدرجة يبقى موفرلك اللي عمرك ما اتجرأتي تحلمي بيه لعبتي عليه دور الشريفة صح يا حرام جوزك مش عارف انك منتي ميتة عليا و اتجوزتيه طمعا في الفلوس صح.
أغمضت مريم عينيها تكتم صراخا لو أطلقته لحضر جميع أهل القرية على صوتها لكنها اثرت الإنسحاب ولم تنطق سوى ب :
– ايوة حبيتك زمان بس كانت اكبر غلطة لأنك بلا فايدة .. ثم همست بنبرة مهينة :
– متفكرش انك راجل لأن اخرك تعتمد على أبوك عشان يصرف عليك و على مراتك … يا مريض.
ألقت عليه نظرة من الأسفل لأعلى ثم تحركت و تجاوزت الباب و عند إلتفاتها لتذهب الى غرفة المعيشة شهقت ووضعت يدها على قلبها عندما إصطدمت بجسد طويل و عيون زيتونية تقطر شررا بملامح مليئة بالشك و الإتهام و الإجرام …. عمار يقف أمامها الآن و من الواضح أنه سمع حديثها مع إبن عمها لكنه فهم الموضوع خطأ …. و إلا لما كان يحدق فيها بهذه الطريقة !!
_______________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى