روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الحادي والسبعون

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الحادي والسبعون

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الحادية والسبعون

ج٢–٢٥–” ما أحلى الرجوع إليه ”
شعرت بالغثيان ما أن رآت ما يعرض على شاشة التلفاز الموجود بالغرفة من مشاهد خادشة لحياءها كفتاة تربت وترعرعت بكنف أبوين صالحين ، كانا يعملان على توصيتها دائماً بأن لا تنظر إلى ما حرمه الله ، فلمحة واحدة خاطفة كانت كفيلة بأن تشعر بأن أنفاسها صارت ثقيلة ودماءها تترك أوردتها لتضخ فى رأسها ، تكاد تسلبها الوعى ، فسريرتها النقية الطاهرة الخجولة ، وتوعية والديها لها منذ حداثة سنها بألا تقع عيناها على ما يغضب الله ، هذا ما جعلها تخفض بصرها سريعاً ، بل وتعود إلى المرحاض وتغلق بابه تستند عليه وهى تزفر بتتابع لتتخلص مما أعتراها مما رآته من مشاهد منافية للأداب ، ظلت عيناها متسعتان لا تصدق ما حدث وأن زوجها والذى لم تصبح له زوجة إلا منذ بضعة ساعات ، يهوى مشاهدة أفلام كتلك التى وقع بصرها عليها بعفوية ودون قصد منها وجعلتها تريد الفرار ليس من الغرفة فقط ولكن تفر هاربة منه هو أيضاً ، فكم من طباع سيئة مازالت متوارية خلف تلك الوسامة واللسان المعسول ، والأدهى من ذلك أنها عندما خرجت من المرحاض لم تجده بالغرفة ، ولم تهتم بأن تناديه أو تبحث عنه لتسأله عن فعلته التى لم تجعلها تشعر بالذنب فقط لزواجها منه ، بل ستجرمه بأنه تسبب فى جعل عينيها البريئتين تتلوثان ، حتى طفرت منهما الدموع وكم شعرت بتلك اللحظة بأنها فى حاجة إلى أبيها ليصرف عن ضيقها ومقتها لما حدث منذ برهة
خرجت من دائرة أفكارها على طرقات متتالية على باب المرحاض ، بل وسمعته يناديها بصوته المرح :
– ياسمين يا حبيبتى أنتى هتفضلى فى الحمام كتير ولا إيه ، أنا كنت قربت أنام فى البلكونة
– أنت على فكرة قليل الأدب ومعدوم الحياء كمان
قالتها ياسمين بإستياء عارم ، وودت لو تخرج إليه ، لتأنبه وجهها لوجه وليس من خلف الباب المغلق
عقد ديفيد حاجبيه متعجباً من هجومها المبكر ، فسألها بإلحاح عن معنى قولها هذا :
– أنتى بتقولى إيه ، أنا عملتلك إيه علشان تقولى كده ؟
إستدارت ياسمين حتى باتت كأنها تقف قبالته ولا يفصلها سوى الباب وردت قائلة بإشمئزاز :
– كمان لسه بتسأل عملت ايه ، شوف أنت كنت بتتفرج على ايه فى التليفزيون ، أنا مكنتش اعرف أنك قليل الأدب كده
ما أن أتت على ذكر التلفاز ، نظر إليه تلقائياً ، ففزع هو الآخر مما يراه يعرض أمام عيناه ، فهو لم ينتبه لما يعرض على الشاشة الصغيرة ، إذ أنه اراد ضياع الوقت حتى تخرج إليه ، ففتحه ولكن ما أن جاءته مكالمة هاتفية اخرى من أحد رجاله وما تلا ذلك من شعوره بالضيق من الحديث الذى تم بينه وبين ذلك الرجل ، جعله لا يفكر بمشاهدة التلفاز بل خرج للشرفة وظل واقفاً هناك مستنداً على السور ، وما أن شعر بغيابها الذى طال عن الحد اللازم ، عاد للغرفة وطرق باب المرحاض ، فإنقطاع صوت التلفاز ، جعله لا يشعر بأنه مفتوح ، إذ لم يهتم بالنظر إليه وهو فى طريقه إليها
عاد ونظر لباب المرحاض قائلاً بصدق :
– ياسمين صدقينى والله ما كنت اعرف ايه اللى موجود على التليفزيون ، أنا فتحته وخرجت البلكونة وكمان الصوت مقطوع فمكنتش أعرف أن فى حاجة زى دى شغالة أو إزاى حاجة زى دى تتعرض فى فندق
حتى وإن حاول إقناعها ، فهو شبه متيقن ممن حاول مضايقته ، فمما لا شك فيه أن ذلك العاهر المقيم بإحدى غرف الفندق ، هو من فعل ذلك ، فكم يتمنى لو أن يذهب إليه الآن ويدق عنقه لمساهمته فى إفساد ليلته الأولى مع محبوبته
ولكن ظل وقتاً طويلاً يقنعها ببراءته وأن تخرج من المرحاض ، فما أن يأس من إقناعها ، ترك مكانه وإستبدل ثيابه ووقف أمام النافذة ، لعلها تخرج إليه بعد قليل
ما كادت تقتنع بصدق حديثه ، وتحسم أمرها فى الخروج من المرحاض ، حتى عادت تتسمر فى مكانها وكأن تلك الليلة لن تنتهى من المفاجأت الغير مرضية التى تأتيها من جانبه
فغمغمت بضيق :
– ياربى هو إيه البنى أدم ده
أبت قدميها التحرك من أمام باب المرحاض ، فما أن وقع بصرها على ذلك الوشم المخيف الذى يتصدر ظهره بأكمله ، بعدما خلع عنه ثيابه ووقف أمام النافذة لا يكسوه سوى سروال قصير ، باتت وكأنها ترى عقرباً حياً يزحف على جسده ، فصدرت عنها صرخة خفيفة جعلتها تجفل إذ أنها لم تكن تظن يوماً أن تتزوج رجلاً يمتلك وشماً كهذا ، فذلك الأمر مرفوض لديها بل ملعونًا بعقيدة الإسلام ، إذ لعن الله الواشم والمستوشم ، وكيف يجرؤ على فعل ذلك ألا يعلم أنه فعل مُحرم ، ولكن لم تتوقف دهشتها وإنفعالها لهذا الحد ، بل ما أن سمع صرختها وإستدار إليها فزعاً يخشى أن يكون حدث لها مكروه ، حتى رآت وشماً أخر لحية رقطاء على ذراعه ، ولا تعلم سر ذلك الغثيان الذى إجتاحها ثانية وهى ترى تلك الوشوم تغطى جسده من الأعلى ، كونها دائماً كانت تكره رؤية الحيات والثعابين ، بل ترتعب ما أن يتم ذكرهم وسط مجلس كانت تجلس وتشعر أنهم يزحفون إليها ولا يتركونها إلا إذا أنتشر سمهم الزعاف بأوردتها ، حتى بأحلامها دائماً ما كانت تستيقظ فزعة من نومها ، إذا رأت حية أو ثعبان يركض خلفها ولا تستطيع هى الركض بل تظل تحبو باكية وتنادى أبيها لينقذها من براثنهم ، فكيف لها أن تسمح له بالإقتراب منها أو أن تلتف ذراعه تلك حولها ، وتصبح الحية كأنها على وشك أن تنشب أنيابها فى عنقها
هرول إليها ديفيد يخشى قائلاً بلهفة :
– ياسمين صدقينى مش أنا اللى حطيت الفيلم ده على التليفزيون ، مستحيل أفكر اعمل حاجة زى دى وأنتى موجودة معايا
قبل أن يضع يده عليها ، وضعت يداها على إطار باب المرحاض خشية أن تتعثر بوقفتها بعدما نأت بنفسها عن مرمى يداه المتلهفتان ، فعقدت حاجبيها وقالت بإستياء :
– يعنى لو أنت لوحدك ممكن تتفرج عليها عادى ، ثم إيه الوشوم اللى على جسمك دى كلها ، أنت مش عارف أن الوشم حرام ، لاء كده فى حاجة غلط ، أنا حاسة كأنك واحد تانى غير اللى جه يخطبنى واتجوزنى
أدرك الآن أنه وقع فى مأزق معها ، فبحكم نشأتها وتربيتها على يد أبيها إمام المسجد لابد لها أن ترى أفعاله تلك محرمة ، ولن تستطع أن تمرر له الأمر دون إبداء أرائها وربما تأنيبه على فعله ذلك ، فحاول تبرير ذلك مثلما فعل عندما أخطأ وذكر إسمه الحقيقى
تقدم منها خطوات قليلة ، ومن ثم كست ملامح البراءة وجهه وهو يقول كأنه غير مذنب :
– الوشوم دى عملتها لما كنت شاب مراهق فى إيطاليا مكنتش فاهم أوى فى أمور الدين غلطة زى أى حد ما ممكن يغلط بجهل منه ، مش ربنا بيغفر للى بيعمل ذنب ويتوب
صمت لهنيهة ومن ثم مد يده وحط بها قرب فكها المرتجف من أثر لمسته المفاجئة وأضاف بصوت هامس خافت :
– من النهاردة هعمل كل اللى تقولى عليه ولو الوشم مضايقك هشوف أى طريقة وأشيلهم بس المهم أنتى تكونى راضية ، وأرجوكى تنسى أى حاجة حصلت ، أنا أسف لو كنتى أضايقتى
أبتلعت ما أمكنها من لعابها وقالت والكلمات ترتعش على شفتيها :
– مم ماشى يلا بينا نصلى بقى ، أنا أتوضيت ، أدخل أتوضى أنت كمان
يبدو أن تلك الليلة لن تنتهى من كثرة المأزق التى سيقع فيها معها ، فبما يخبرها الآن ؟ فإن كان إستطاع الهرب سابقاً وبرر لها مواقفه بحجج واهية ثبتت قدرته وفعاليته على أنه قادراً على تأليف وحبك كذباته حتى تبدو واقعية ، ولكن ماذا سيفعل الآن والأمر يقتضيه أن يتوضأ بل وأن يأمها فى الصلاة ، فالشئ الوحيد الذى مازال يتذكره فاتحة الكتاب الكريم ، وأقتضته الظروف لحفظها
تكاثرت الظنون بعقلها بعدما رآت تردده فى أن يلج للمرحاض لكى يتوضأ ، فرمقته بشك وسألته بإرتياب خشية تأكد ظنونها :
– هو أنت مبتصليش يا تميم ؟
هز رأسه بألية يتمم ظنونها ، فلا فائدة سيجنيها إذا كذب وأخبرها بأنه يعلم بأمور الصلاة ، وأنتظر ثورتها عليه وتعنتها وربما محاولاتها المستميتة فى أن تصفه وتنعته بالكافر ، مثلما كان يرى ويشاهد فى الأفلام السينمائية ، ولكنه لم يجد شئ من هذا القبيل ، بل وجدها هادئة وترمقه بعينيها الوديعتين
فقالت بهدوء :
– طب مقولتش ليه إنك مبتصليش ، الظاهر كده فى حاجات كتير معرفهاش عنك
ضم شفتيه ولكن أطلق سراحهما سريعاً وهو يقول دامغاً نبرة صوته بالحقيقة الوحيدة الصادقة فى عالمه الغارق بالكذب :
– الحاجة الوحيدة اللى عايزك تعرفيها وتتأكدى منها إن أنا بحبك يا ياسمين
لم يستطع جسدها نكران تلك الرجفات التى تصيبه كلما تهدج صوته وأخبرها بعشقه المطلق ، بل وتخرج كلماته من فمه تحمل لهيباً حارقاً كعاشق يعانى من ألم الحب المختزن بين ثنايا قلبه ، فحتى وإن كانت من قبل قابلت من أبدى إعجابه بها كخطيبها السابق ، إلا أن الأمر لم يتعدى سوى كلمات قليلة فى نطاق المسموح به بين المخطوبين ، ولكن ذلك الذى أصبح زوجها يبدو أنه بارعاً فى سبل الغرام
إبتسمت بتوتر وأرادت أخذ وقت كافِ قبل أن يفكر فى الإقتراب منها ، فنصحته بأن يلج للمرحاض ويتوضأ ومن ثم ستبدأ بتعليمه الصلاة ، وأكتسبت ذلك الهدوء والبشاشة واللطف واللين فى معاملة الاخرين من أبيها ، الذى لم يجعل أحد يشعر باليأس من أن فاتته أوقات التوبة ، وأن الله دائماً أبواب رحمته مفتوحة للتائبين والعائدين إليه حتى وإن كثرت ذنوبهم
أطاعها ديفيد وولج للمرحاض وتذكر تلك الخطوات التى علمه إياها ذلك الشيخ عندما ذهب ليعلن إسلامه ، وبعدما أنتهى وخرج إليها ، فأخبرته أن يرتدى ثياب ملائمة ليبدأ صلاته ، فظل يستمع لتوجيهاتها حتى وجد نفسه واقفاً ، وواضعاً يده اليمنى على اليسرى ، وعليه أن يبدأ بتلاوة القرآن ، فببطئ بدأ يقرأ أيات سورة الفاتحة ، ولا يعلم ذلك الشعور بالبرودة الذى إجتاحه فجأة ، بل أن بدا إرتجافه ملحوظاً ، ولكنه قرر إكمال ما يفعله للأخير حتى أنتهى
أنقضى وقتاً لا بأس به وهو مازال مكانه ، وعيناه تحدق فى السماء التى رآها بوضوح من النافذة ، وكم بدت بتلك اللحظة سوداء معتمة ، وما أن نادته ياسمين ونظر إليها ، عاد ينظر للسماء ولكن وجد أضواء خافتة باهتة تضيئها تمثلت بتلك النجوم التى بدأت تظهر من خلف ستار العتمة الذى خيم على أُفقها منذ قليل
– حاسس بإيه دلوقتى
سألته ياسمين بعدما رآته ساهماً شارداً ما أن أنتهى من صلاته
تنهد ديفيد قائلاً بصدق وحيرة :
– مش عارف أوصف إحساسى ، زى ما أكون خوفت يا ياسمين
ضيقت عينيها بعد سماع إجابته ، إذ كانت بإنتظار أن تسمع منه أنه شعر بالراحة أو اللذة من أنه كان يقف سالماً أمام ربه ، ولكن أن يصف شعوره بالخوف ، حمل ذلك لها شئ من الدهشة ، ولكن تبادر إلى ذهنها أن ربما ذلك الشعور نتج لإرتكابه من المعاصى ما يشعر معها بأن الله لن يغفر له
قضمت باطن شفتها السفلى وسألته بحذر :
– خوفت من إيه ؟ عملت ايه يخليك تحس إنك خايف كده قولى
لا تعلم من أين جاءها ذلك الشعور ، بأنها ربما زواجها منه لم يكن القرار الصائب بذلك الوقت ، ولكنها لم تجد حلاً أخر للخلاص من ذلك الفخ الذى كان يعده لها عمها سوى أن تقبل إقتراح أبيها بأن تتزوجه على الفور ، طالما كان مستميتاً للزواج منها وفعل من أجلها ما عجز والديها عن توفيره ، كجلبه لذلك الطبيب الذى أجرى لها جراحة عينيها وعادت تبصر من جديد
تقلصت المسافة بينهما بعدما نهض من مكانه مقترباً منها ، لعله يصرف تفكيرها عما أصابه ، فهو لن يقضى ليلته الأولى معها والتى إنتظرها طويلاً يتحدثان حول شعوره أو تحليل إنفعالاته
إرتجفت لا إرادياً عندما جذبها إليه وإصطدمت بصدره ، وباتت القشعريرة تسرى بعروقها مانعة إياها من أن تلتقط أنفاسها بصورة منتظمة ، فرغم شعورها بالخوف المطلق منه وما هو ناو عليه لإتمام زواجهما ، إلا أنها لن تستطيع نكران حقه بها ، وأنها صارت زوجته ، فأخذه لها إلى عالمه على حين غفلة منها بطباعه وتمرسه فى كيفية جعلها منصاعة مطيعة ، مما جعل الشك ينخر بعقلها حتى وهى تحت وطأة ذلك الشعور من الخجل والخوف والترقيب ، تتسأل كيف له أن يكون بارعاً هكذا بوصالها و التودد إليها ، دون أن يكون خاض بذلك الأمر عدة مرات مع إناث أخريات ، فما تراه منه يجعلها تجزم أنها ليست تلك المرة الأولى له مثلها ، وكلما ناشدته أن يترأف بحالها لشعورها بالخجل ، يعود ويخبرها أن نفسه مشتاقة إليها ولا يصدق أنها أصبحت زوجته
– أنتى حلوة أوى أوى يا ياسمين
نطق بها مهمهماً وسط عناق أسقط كل الحواجز التى حاولت التشبث بها لشعورها بالخوف الطبيعى الذى يزور كل فتاة خاصة بليلة العُرس ، تلونت طباعه فى جعلها تنغمس بعالمه مرة هادئة ومرة أخرى بارعاً فى إظهار تلهفه إليها ، وما أن وثب إلى رشده ووعى على تلك الحقيقة التى باتت راسخة من أنها صارت له زوجة بكل الكلمة من معنى ، وكيف كانت كالجوهرة المصونة والتى ظلت بحماية ورعاية والديها حتى جاء هو لتنتقل إلى رعايته وكنفه ، صار يضمها إليه كأنها أضحت ضلع أخر من ضلوعه ، وكم رغب بذلك الوقت لو أستطاع أن يشق لها صدره لتسكن بين ثنايا قلبه ، فها هى غافية بعد إنقضاء وقت لم يدرك أحد منهم كم طال أو قصر
تحركت أثناء نومها بعد سماع رنين هاتفه ، فمد ديفيد يده ليغلقه ، ولكن بعد علمه بهوية المتصل ، سحب ذراعه من أسفل رأسها وترك الفراش وخرج للشرفة ، ومن ثم فتح الهاتف قائلاً بإمتعاض :
– ماذا تريد ؟ ألم تجد وقتاً اخر مناسباً لتسمعنى صوتك البغيض
ضحك الرجل على الطرف الآخر قائلاً بصوت أثار الضيق أكثر بصدر ديفيد :
– أعلم أنك ربما الآن مشغول بعروسك الجميلة ولكن أردت تذكيرك بأن لديك موعد بالغد من أجل صفقة أسلحة نارية وصاحبها يريدها فى غضون أسبوع وليس أكثر
رد ديفيد قائلاً بضجر :
– ما الحاجة له بأن يتعجل هكذا فى شراء الأسلحة فالعالم لن يفنى ، فلينتظر عندما أعود من صقلية ، أفهمت ، وكف عن الاتصال بى ، وإلا اقسم سأتى إليك وأرسلك لإيطاليا فى تابوت قذر مثلك أيها الوغد لأننى أعلم أنك أنت من قام بوضع تلك الأفلام على التلفاز من أجل إفساد ليلتى ، وليس معنى أنك هنا بأمر من زعيم المافيا الكبير لمراقبتى ونقل خطواتى ، أننى سأكون مضطراً لتحمل افعالك السخيفة ، اذهب إلى الجحيم
أنهى ديفيد المكالمة ، واسند كفيه لسور الشرفة ، وراقب حركة الأمواج خاصة أن الفندق قريباً من الشاطئ ، تمعن جيداً فى تلاطم الأمواج العاتية ، التى تضرب الصخور وسرعان ما تنحسر عنها ، وما أن أكتفى من تأملها عاد للداخل واغلق باب الشرفة وجذب الستائر ومن ثم عاد وإستلقى على الفراش جاذباً ياسمين إليه ، التى ركنت إليه ساكنة ، كأنها لم تجد ضرر من أن تستبدل وسادتها الناعمة بصدره الصلب
فى اليوم التالى ، إستيقظ ديفيد من نومه بعد شعوره بإفتقادها ، خاصة أن الليل بأكمله كانت بين ذراعيه ، ولم ينسى قبيل الفجر بساعتين أنه عاد إليها متلهفاً لأن تهبه إحدى عطايا حُسنها ورقتها ووداعتها ومن ثم غفى بنومه ولم يستيقظ إلا الآن ، جلس فى الفراش وهو يتثائب وغرز انامله بين خصيلاته المبعثرة ، فوقعت عيناه عليها وهى تصلى مرتدية ثوب صلاة باللون الأبيض
بعد إنتهاءها من صلاتها ، نظرت إليه بإبتسامة خجولة وهى تقول برنة صوتها الرقيقة :
– صحى النوم ، أنا حاولت اصحيك علشان تصلى الضهر معايا بس أنت كنت بترد عليا وترجع تنام تانى
رد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– معلش كنت حاسس إن عايز أنام ، صباح الخير
– قصدك تقول مساء الخير الضهر أذن بقاله شوية
قالت ياسمين بعدما إستقامت بوقفتها ومن ثم انحنت لتطوى سجادة الصلاة
ترك ديفيد الفراش ولكن قبل أن يقترب منها سمعا صوت طرقات على باب الغرفة ، ظنت ياسمين أن ربما القادمين هم أسرتها للإطمئنان على احوالها وتوديعها قبل سفرها ، فما أن رأت ديفيد يتجه صوب الباب ، قالت بخجل :
– ادخل خدلك شاور ، لأن ممكن اللى يكونوا على الباب أهلى لأن ماما كلمتنى من شوية وقالت انهم هيجوا بعد الضهر ومينفعش يشوفوك كده
إبتسم ديفيد لفهمه مقصدها ، فإختطف من وجنتها قبلة محبة قبل أن يسرع فى الذهاب للمرحاض ، فذهبت هى لفتح باب الغرفة ، وسرعان ما ألقت بنفسها بين ذراعى والدتها ومن ثم والدها وشقيقها ودعتهما للدخول إلى تلك الغرفة الملحقة بغرفة النوم ، ولم يمر وقت طويل حتى أتى ديفيد إليهم مرحباً بقدومهم ، وكانت ستستمر جلستهم هادئة لولا عدة طرقات متتالية على الباب جاءت لتفسد وقتهم اللطيف
فتحت ياسمين الباب كالمرة الأولى ولكن جفت دماءها ما أن رأت عمها ويصاحبه رجل آخر لا تعلم من يكون ولكن يبدو أنه أجنبياً وليس عربياً ، ولكن كان النصيب الأكبر من الدهشة لعمها ، اذ عقد حاجبيه الكثيفين متسائلاً:
– ياسمين أنتى بتعملى ايه هنا
انعقد لسانها بعدما ظنت أن ربما علم بزواجها وجاء من أجل إفساد تلك الزيجة ، ولكن رآت زوجها قادماً إليهم مبتسماً ولكن اختفت إبتسامته على الفور ، ما أن رآى الزائران
جذب ذراع ياسمين قائلاً بأمر :
– ياسمين ادخلى جوا
رفع عمها يده يشير إليها ومن ثم سأل ديفيد بإلحاح :
– تدخل فين ؟ أنا عايز اعرف بنت اخويا بتعمل ايه عندك يا ديفيد
– بنت اخوك
نطق بها ديفيد مبهوتاً مشدوهاً ، ولم ينتهى الحال الى هذا الحد اذ خرج والديها وشقيقها ليعودوا للمنزل ، فصار كل الحاضرين ينظرون لبعضهم البعض ، ولا أحد منهم يفهم ما يدور هنا
إلا أن عمها نظر لشقيقه قائلاً بسخرية :
– دا الحبايب كلهم متجمعين هنا مش تقولولى فى إيه
هتف بآخر كلمة من عبارته وهو يقتحم الغرفة مغلقاً الباب خلفه لكى يكون الحديث فى نطاق الخصوصية قليلاً ، عوضاً عن إستماع النزلاء فى الفندق لما سيجرى بينهم من حديث
أجابه والد ياسمين قائلاً وهو ينظر لزوجته وولده :
– إحنا اللى مفروض نسألك بتعمل ايه هنا وعايز ايه من بنتى ، خلاص هى اتجوزت يعنى اللى فى دماغك ده انساه ، وازاى عرفت إن احنا هنا
ضحك شقيقه بصوت عالى وارتد رأسه للخلف كأنه ألقى عليه دعابة ، ومن ثم نظر إليه قائلاً بشماتة :
– أنا مكنتش جاى علشانكم ، انا كنت جاى اقابل جوز بنتك المصون علشان صفقة شغل ، بس يعنى علشان بنتك متتجوزش الشاب اللى كنت جايبهولها تقوم تجوزها لواحد يهودى وتاجر سلاح وزعيم مافيا ، وتبقى حرم ديفيد دانيال اسكندر شمعون ، ده اسمه كلام يا راجل
عم الصمت واحتلت الدهشة والصدمة الوجوه ، وديفيد الذى لم ينطق بكلمة واحدة ، صار فزعاً بعدما أفشى ذلك الرجل بحقيقته ، وجاء ذلك لصدفة لعينة لا يمكن أن تحدث إلا بأسوء أحلامه ، فالرجل المفترض به عقد صفقة الأسلحة النارية معه يكون عم زوجته ، فأى حظ تعيس هذا ، الذى جمعهم بمكان واحد لتعلم زوجته وأسرتها بهويته الحقيقية
لطمت والدة ياسمين خديها بعفوية بعد سماع ما قاله شقيق زوجها ، فنظرت لزوجها وهى تقول بصدمة :
– هو أخوك بيقول ايه يا أبو بلال
وجهه الذى خلا من الدماء ، لم يعد يتحرك به سوى عينان ترمقان زوج ابنته ، لينطق وينكر قول شقيقه ، فأقترب منه جاذباً ذراعه متسائلاً بحدة :
– هو الكلام اللى بيقوله ده صح ؟ معقولة انت زى ماهو بيقول كده ؟ رد عليا فهمنا ايه اللى بيحصل هنا بالظبط
لم تفده محاولاته المتكرر فى إبتلاع لعابه لترطيب جوفه ، إلا انه أدنى برأسه من والد زوجته قائلاً برجاء :
– عمى أنا هفهمك كل حاجة ، فأرجوك اهدى
أطاح بصوابه ولم يكن هو وحده الذى تملكت منه حرارة الانفعال لوقوع ياسمين بفخ زواجها منه ، ولكن بلال اقترب منه قابضاً على تلابيب ثيابه وصرخ فى وجهه بحنق :
– يعنى أنت ضحكت علينا كلنا وغشيتنا ازاى انا كنت مغفل كده ومدورتش وراك
نفض ديفيد يد بلال عنه بعدما رأى والد زوجته يقبض على ذراعها ويبدو ان بنيته اخذها معه ، فقطع عليهما الطريق قائلاً بخشونة :
– مراتى مش هتمشى من هنا وإلا مش هيحصل خير أبداً لحد
جذبها بغتة من يد أبيها ، فكل هذا وهى تقف كالدمية لا تعى شئ مما يدور حولها ، كأنها بحلم ولكن ربما طال وقته كثيراً ، إتسعت مقلتيها وهى تحدق فى وجهه وتساءلت بإصرار :
– أنا عايزة إجابة واحدة منك بس ، أنت فعلاً زى ما بيقولوا كده يهودى وزعيم مافيا ؟
توترت عضلة قرب فمه منعت عليه الحديث ، إلا أن صمته كان خير دليل أن ما سمعته الحقيقة ولا شئ غيرها ، فأشاحت بوجهها عنه ونظرت لأبيها قائلة بنهنهة :
– يبقى فعلاً هو زى ما قالوا خدنى من هنا يا بابا
ما أن همت بالذهاب مع أبيها ، قبض زوجها على ذراعها ومنع عليها الحركة ، فنشبت مشادة كلامية بينهم ، وحسم ديفيد الأمر ، بطلقة نارية أطلقها فى الهواء محذراً ، أنه ربما سيتخلى عن كياسته وتصبح الغرفة مسبح للدماء ، فزوجته لن تبرح مكانها إلا بأذنه، وزاد الأمر سوءاً بمساندة ذلك الرجل المكلف بمراقبته له اذ سحب سلاحه النارى هو الآخر ، وباتت أسرة ياسمين بموقف لا يحسدون عليه خاصة وفوهات تلك الاسلحة النارية مصوبة إليهما من كل حدب وصوب
أضحى الأمر كالكابوس ، خاصة وأن ديفيد مكبلاً لها بذراعه ويده الاخرى ممدودة بالسلاح ، صرخت لعله يفلتها ، ولكنه صار أصماً عن سماع توسلاتها ورجاءها له بأن يتركها ، فبعد أن عجزت أسرتها عن إصطحابها معهم ، هدده والدها بإبلاغ الشرطة ، إلا أن ديفيد حذره من ذلك وإلا سيكون هو الخاسر الوحيد ، اذ هدده بأنه لن يكف عن قتل كل من يريد إبعاد ياسمين عنه ، وإنه لن يجد جهداً فى إحداث مجازر بشرية من أجلها ، حتى لو كانت هى الآن تتمنى الفرار منه وربما سترجوه بأن يقتلها هو بيده حتى لا تكون له زوجة ليوم أخر غير ذلك اليوم الوحيد الذى كان بالأمس ، وجاءت راية الحقائق ترفرف على أرض الواقع ، معلنة خسارته المؤكدة فى انه لن يرى من ياسمين ما رآه منها باليلة الماضية ، اذ سيكون عليه من اليوم ان يعتاد بأنها لن تأتيه طواعية بل ستأتى مجبرة ، عندما ينفذ صبره فى أن تمنحه ما يريد
❈-❈-❈
رحلة عودته فى القطار من الأقصر للإسكندرية والتى إستغرقت ساعات ، جعلته يمعن التفكير جيداً فى شأن ما هو مقبل عليه من حيث مقابلته لزوجته ، التى إمتنعت عن الحديث معه منذ رحيلها من منزلهما المستأجر فى الأقصر ، ودائماً ما كانت خالته هى من تتولى مهمة إجابته على إتصالاته الهاتفية المتكررة ، وكم من مرة حاولت تبرير الأمر بأن هند نائمة وما أن تستيقظ ستخبرها بشأن إتصاله ، ولعلمه بأن إستياءها منه بلغ أقصى حدوده ، جعله يتروى بشأن أن يتخذ قراراً جدياً فى عدم إتصاله بها حتى يذهب إليها ، ولكن كلما كان يعصف به الشوق لسماع صوتها ، كانت تسبقه يداه فى إجراء الاتصال الهاتفى ،الذى سرعان ما ينتهى بمحادثة قصيرة مع خالته ، تبدى فيها اعتذارها وحجتها المتكررة من أن هند تقضى معظم أوقاتها نائمة ، وكم من مرة لم تخفى دهشتها مما يحدث ، وعن كيفية إستطاعة هند تركه هكذا بسهولة ، وهى التى مستميتة بعشقه ولا تستطيع أن تحيا يومها بدون أن تراه أو تسمع صوته ، ولكن كان كرم دائماً يفلح فى إيهام خالته ، بأن ما تعانيه هند بتلك الأونة تغيرات ناتجة عن الحمل ، وربما أصيبت بحالة من الإكتئاب مثلما سمع أن كثير من السيدات الحوامل يصيبن به نتيجة تغيرات هرمونية ، وسرعان ما ستعود إلى طبيعتها ما أن تضع مولودها ، لذلك هو لا يحمل لها ضغينة من رفضها الإجابة على مكالماته الهاتفية
– وحشتينى أوى يا هند وعارف إنك دلوقتى مش طيقانى
غمغم كرم بعبارته همساً و يبدو أنه إستغرق وقتاً طويلاً فى التفكير ، إذ أنه شعر بوقوف القطار معلناً عن وصوله إلى وجهته ، فترك مقعده وأخذ حقيبته يجرها خلف حتى خرج من القطار ، ومنه بحث عن سيارة أجرة ليصل إلى منزل والد زوجته ، ومثلما قضى وقته فى القطار مفكراً فى إستقبال هند له ، لم يختلف الأمر وهو يستقل سيارة الأجرة ، وما أن أعلن السائق عن وصولهما ، حتى ترجل من السيارة وأعطاه النقود نظير إيصاله
صاح حارس المنزل قائلاً ما أن رآى زوج إبنه سيده :
– كرم بيه يا ألف الحمد لله على السلامة
تبسم كرم فى وجهه ورد قائلاً ببشاشة :
– الله يسلمك
أسرع الحارس بأخذ حقيبته ودلفا للداخل ، وأثناء مروره بحديقة المنزل ، رآى تلك الغاوية اللعينة تتحدث مع السائق الخاص بسيارة خالته ، والتى إن حافظ على سرها من منطلق الستر ، إلا أنه كلما تطلع فى وجهها يتذكر من أنها السبب الأساسى فيما حدث ، من أن يصر على عودتهما للإسكندرية ، حفاظاً على الحياة الزوجية لإبن الحاج سويلم ، بعدما حاولت تلك المرآة إيقاعه فى حبائلها
تمتم كرم بصوت هامس لم يصل لأذن أحد :
– البت دى لازم تمشى من هنا ، قبل ما تجيب مصيبة لأى حد
أهداها نظرة عابرة ولكنها كفيلة بأن تجعلها تشعر بمدى حنقه وإستياءه منها ، أكمل سيره للداخل ، حتى وصل للصالة ، فصاحت خالته بسعادة من رؤيتها له ، فأقتربت منه تحتضنه مرحبة بعودته ، سعيدة لرؤيته أنه عاد لهنا ولم يعد لشقته القديمة ، وربما كان سيتسبب ذلك فى خلق فجوة بينه وبين زوجها ، إذ أنه لم يكن سيقبل بخروج هند من المنزل قبل أن تضع صغيرها
قبل كرم وجنتىّ خالته باسماً:
– وحشتينى أوى يا خالتو أخباركم إيه وهند عاملة إيه دلوقتى
أجابته خالته بعدما نادت للخادمة بأن تأخذ حقيبته لتضعها بغرفة هند :
– الحمد لله يا حبيبى إحنا كويسين، هند فى أوضتها فوق اطلعلها
صعد كرم الدرج حتى وصل لغرفة زوجته ، فوجد إحدى الخادمات تخرج من الغرفة بعدما وضعت حقيبته ، ولج للداخل وجد زوجته جالسة بفراشها ولا يبدو على وجهها أى مظهر من مظاهر الفرح برؤيته
رمقته هند بنظرة عابرة وعادت تنظر للتلفاز قائلة بنبرة فاترة :
– حمد الله على السلامة ، نورت البيت ، محجزتش ليه فى القطر اللى يخليك توصل بدرى ، بدل ما أنت جاى بليل كده
– الله يسلمك يا حبيبتى ، أصل مقدرتش على بعدك أكثر من كده
قالها كرم وهو يجلس بجوارها على الفراش وأدنى بوجهه من وجنتها ليقبلها ، فمدت له خدها بعفوية ، ولكن سرعان ما أعادت ملامح التجهم لوجهها
فإبتسم كرم على فعلتها ، فعاد يداعب وجنتها مشاكساً :
– مالك مكشرة فى وشى ليه كده ، وليه مكنتيش بتردى عليا لما بتصل بيكى فى التليفون
عقدت ذراعيها واشاحت بوجهها عنه قائلة بإستياء :
– عايزنى أرد عليك بعد اللى عملته ، يعنى ترجعنى من الأقصر وأنا فى حالتى دى وكمان تكدب على بابا وماما وتقولهم ان حالتى كانت فى خطر ، كان ليه ده كله يعنى
زفر كرم بخفوت ومن ثم قال بعدما اخذ كفيها بين راحتيه الدافئتين :
– أنا افتكرت أنك هتبقى مبسوطة بأنك هتيجى هنا ومامتك تبقى معاكى
عادت تنظر إليه وزمت شفتيها لعدم قناعتها بقوله ، فرفعت حاجبها الأيسر وتساءلت بإلحاح تلك المرة :
– قولى يا كرم أنت عملت ليه كده ومتحاولش تلف وتدور عليا فى الكلام ، لأن أكيد فى سبب وسبب كبير كمان وإلا مكنتش هتفكر تعمل كده
ترك كرم مكانه من جوارها واستقام واقفاً وأراد قطع الحديث بينهما لهذا الحد ، إلا أنها أبت أن تصمت دون أن تعرف ما يخفيه عنها ، فعادت مستطردة :
– أنا بكلمك على فكرة ولو فضلت متجاهل سؤالى كده بجد هزعل منك ، أنا لحد دلوقتى بحاول اقنع نفسى إن فى سبب لعمايلك دى ، متخلنيش أصدق انك ممكن تكون عملت كده علشان كرامتك اللى نقحت عليك بسبب وجود الشغالة والمرتب اللى بيدفعه ليها بابا
كست ملامحه علامات الاشمئزاز ما أن أتت على ذكر الخادمة ، فأولاها ظهره قائلاً وهو يفتح ازار قميصه لتبديل ثيابه :
– اهى الشغالة دى سبب المصايب كلها قولتك اطرديها لأن مش مرتاح لسلوكها وباين عليها مش محترمة ، اتهمتينى إن بعمل كده علشان اطفشها
رفت اهدابها وهى تسأله بحذر :
– هى عملت معاك حاجة يا كرم ، ايه سبب كرهك المفاجئ ده ليها ؟
إلتفت إليها ومن ثم ألقى القميص من يده قائلاً بعصبية :
– معملتش معايا أنا ، بس شكلها كانت ناوية تخرب بيت أبو و أم سويلم ، الهانم راحت له فى نص الليل تعرض نفسها عليه
شهقت هند بصدمة ووضعت يدها على فمها أشبه بلطمة خفيفة ، ولا تعلم سر ذلك الدوار الخفيف الذى إنتابها بعد إصابتها بالدهشة والصدمة مما قاله زوجها ، فهى لم تضع ببالها يوماً أن يحدث شيئاً كهذا من الخادمة ومع من مع زوج تلك المرأة الجميلة والتى توطدت الصداقة بينهما منذ أن وطأت الأقصر بقدميها
مررت هند يدها على وجهها لتتأكد من أنها واعية لما قاله ، فإتسعت حدقتيها قائلة وهى مازالت تتململ بجلستها كأنها لا تشعر بالراحة :
– يا خبر ! أنت بتتكلم جد يا كرم هى عملت كده ، طب هو عمل ايه معاها ؟ أوعى يكون …
أخذ كرم نفساً عميقاً ومن ثم زفره ببطئ وأجابها وهو يجلس على الأريكة المواجهة للفراش :
– هو مخانش مراته ولا حاجة بالعكس ضربها بالقلم وهزقها وطردها ، والمصيبة إن اكتشفت إنها كمان حامل وشكلها كده كانت عايزة تورطه فى الموضوع ، أنا بعد اللى شوفته منها ، سمعتها بتتكلم فى التليفون مع حد وأنها هتحاول تلاقى أب لابنها اللى فى بطنها ، وأنها هتحاول تانى مع ابو سويلم لحد ما يوقع ، ولما حاولت ألمح ليكى أنها مش كويسة ، حفاظاً على ان الموضوع ميكبرش لو عرفتى هى عملت ايه ، فضلتى تتخانقى معايا ومفكرانى عايزة اطفشها من غير سبب ، فملقتش حل غير أن نرجع اسكندرية بدل ما نتسبب فى خراب بيت ابن الراجل اللى كان بيعاملنا زى ولاده وخصوصاً أنتى عارفة هو ومراته بيحبوا بعض ازاى وهى بتغير عليه ، ومحبتش اقولك لأن خوفت تقعى بالكلام معاها ، أو أن الخدامة نفسها تورطه من غير ذنب ، لأن باين عليها أنها مكنتش هترتاح إلا لما تعمل مصيبة ، فخفت الموضوع يكبر ، لأن طبيعى اى ست هتسمع أن فى واحدة كانت بتحاول تجر رجل جوزها ، الشك كان هيملا دماغها وهو بيسافر كتير ، فبدل الشوشرة دى كلها ، قولت نرجع هنا لأن مسيرنا كنا هنرجع إسكندرية ، ويبقى حسابها بعيد عن هناك ، لأن العيار اللى ميصيبش يدوش يا هند
عوضاً عن تسكين شكوكها حول الخادمة ، ظلت ترمقه بإرتياب تخشى أن تكون أقدمت الخادمة على اغواءه هو الاخر ، ولكن كأن كرم فطن لنظراتها ، فرفع حاجبه قائلاً بتسلية ممازحاً :
– أنا عارف البصة دى كويس ، انتى دلوقتى بتفكرى اذا كانت عملت معايا كده ولا لاء ، بس للأسف طلعت معندهاش نظر ، محاولتش تتغرغر بيا
شهقت هند ورفعت زجاجة المياة البلاستيكية وألقتها فى وجهه قائلة بحنق :
– والله لو كان ده حصل كنت دفنتك أنت وهى ، أنا هقول لبابا يغورها على بلدها قليلة الأدب دى كمان
بعد أن تفادى إصابة زجاجة المياه لوجهه ، ترك الاريكة وقفز جالساً على الفراش قابضاً على كفيها قائلاً بإشتهاء :
– يا نهارى على حلاوتك وجمالك وأنتى غيرانة ، تجننى يا بنت خالتى
سحبت يدها اليمنى ووضعتها على وجنته قائلة بإبتسامة حب :
– بالرغم إن كنت زعلانة منك ومش عايزة أكلمك ، بس قلبى الخاين ده بيسامحك على طول ، زى ما تكون أنت اللى بتتحكم فيه مش أنا
أدناها منه ليرتوى من أنهار شفتيها ، فذاب الخصام فى خضم عناق كان من المحال أن يتفاداه أحد منهما ، تلاقت نظراتهما وعلت حمرة الخجل وجنتيها وأمتلأت نفسها بأمل جديد ، فأقترب كرم أكثر ورفع وجهها إلى عينيه ، ولم تستطع هند النظر إليه حتى لا تخونها عينيها وتفصح عن مدى إشتياقها إليه ، ولكنه أمرها بأن تنظر إليه ، فأطاعت الأمر خائفة من أن تفضح عيناها عن شوقها وربما فى النهاية سيكون الوضع كارثى ، وعلى الرغم من ذلك ظل كرم يتفرس فى وجهها جيداً وتوقف طويلاً عند عينيها محاولاً النفاذ إلى أعماقها ، فأعاد عناقه حاملاً حرارة الحب الكفيلة بإشعال نيران الشوق ، ولكنه كان حريصاً على عدم تماديه بالأمر ، فظل يداعب شعرها الأسود وأغمضت عينيها لتغفو سريعاً بنومها ، وعندما أفاقت فى اليوم التالى ، وجدته قربها ، كانت سعيدة حتى أنها شعرت برغبة فى أن تغنى ، فطوقها كرم بيده القوية وشدها إليه ، ولكن تذكرت هند ضرورة اخبار أبيها بأن يحرص على إعادة تلك الخادمة من حيت أتت ، فكلما تتذكر ما فعلته ، تعود وتخشى أن تلقى شباكها تلك المرة حول زوجها ، فحقاً لو فكرت بفعل ذلك فلن تتركها حية ، فهو لها هى فقط ولن يكون لغيرها طالما قلبها مازال يخفق وينبض بإسمه
❈-❈-❈
أنتهت من إرتداء حجابها ، الذى لم تكن تعلم إلى أى لون ينتمى ، إلا بعدما وضعته على رأسها ، فحجابها المائل للون الرمادى ، كان الأنسب فى أن يلائم مزاجها التعيس بذلك الوقت ، عيناها الغائرتان واللتان لم تكفان عن ذرف الدموع ، كأنهما صارتا خاليتان من الحياة والإبصار وهى واقفة تنظر لإنعكاس صورتها على المرآة ، شفتيها باهتتين كأن الدماء نضبت منهما ، وشحب وجهها كأنها تعانى من مرض عضال ، ولكن لم يكن الداء تلك المرة يسكن جسدها ، ولكن سكن قلبها وروحها التى صارت هائمة ، كأنها تبحث لها عن مأوى
عادت الدموع من جديد تطفو بمقلتيها ، وسرعان ما وضعت وجهها بين كفيها وأجهشت بالبكاء ، فإلى متى ستظل تبكى ؟ أو إذا صح القول ، لماذا هى تبكى هكذا ؟ أتبكى من أجله أم من أجل شعورها بنكبة وإنتكاسة لحب وليد اللحظات القليلة التى لم تدم سوى أيام ، لينجلى الوهم سريعاً وتعلم ما كان يخفيه من حقائق ، جاءت ممزقة لأحلامها الوردية ، والتى وضعت بها أمنيات فتاة إشتاقت لأن تحيا إحدى قصص الغرام ، فأى حظ تعيس هذا الذى جعلها تقع بداية فى حب معلمها وهى مازالت طالبة فى المدرسة الثانوية ، ووقعت الآن فى حب زوجها ، والذى علمت عنه حقيقة جعلت جسدها يرتعد ويرتجف ، كلما تخيلت بشاعة وهول ما كان يفعله من محرمات
– خلصتى يا سهى
هتف عمرو بعبارته وهو يلج الغرفة ، ليسألها إذا كانت أنتهت من إرتداء ثيابها وحجابها ، حتى لا يتأخران عن موعد الغداء ، الذى دعتهما إليه زوجة أبيها ، خاصة أنهما لم يقوما بزيارة بيت والدها حتى الآن
حاولت سهى الحد من ذلك الإرتجاف الذى عصف بأطرافها كافة ، إلا أن عمرو لاحظ إرتجافها الذى بات يزورها دائماً كلما رآته أو سمعت صوته ، فحاول رفع الحرج عنها ، إذ هتف بها والحزن والأسى ملئ جوفه :
– أنا هستناكى تحت على ما تخلصى ، لو ملقتنيش فى الصالة هتلاقينى فى العربية
إستدار على عقبيه ليهم بالخروج من الغرفة ، وما كادت تفتح فمها لتخبره أن لا حاجة له لإنتظارها ، إذ كانت على أهبة الاستعداد لمرافقته ، وجدته خرج من الباب وهو يسرع بخطواته كأن الشياطين تسير فى أثره
وضعت يدها على جبهتها وتمتمت بإرهاق وتعاسة :
–وبعدين بقى فى الحال ده
زفرت بصوت مسموع بعدما رفعت رأسها ووجهها عالياً كأنها تنشد العون ، ولكن لم تدم حالتها تلك طويلاً ، اذ وجدت زوجة أبيها تهاتفها لتخبرها بضرورة الإسراع في الحضور ، وضعت هاتفها فى جيب حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها وخرجت من الغرفة ، وصوت خطواتها يكاد لا يسمع ، كأنها تسير بخطوات رتيبة خالية من الحماس واللهفة، التى من المفترض أن تشعر بها وهى تزور منزل أبيها فى المرة الأولى بعد زواجها
لم تجده جالساً فى الصالة ، فخرجت للحديقة وجدته يجلس بداخل سيارته ، ويبدو أنه ينتظر فقط أن تصعد للسيارة ومن ثم سيغادران على الفور ، فتحت الباب المجاور له ومن ثم صعدت للمقعد بجانبه ، إبتسمت له إبتسامة خفيفة ، لعلها تزيح ذلك التوتر ، الذى دل عليه أنفاسهما المضطربة ، فرغم مظهره الخارجي الهادئ ، إلا أنها شعرت بمدى ذلك الجهد الذي يبذله لمحاولة الحفاظ على رابطة جأشة حتى تمر الزيارة بسلام
ما كاد يخرج بالسيارة من الباب الخارجى لمنزله ، حتى رمقها بنظرة عابرة ومن ثم حمحم متسائلاً بإرتباك :
– سهى هو إنتى ممكن تقوليلى لباباكى ومراته على اللى عرفتيه عنى ؟
جعدت جبينها من مباغتته لها بسؤاله ، الذى لم تكن تظن أنه سيحاول أن يسألها بشأنه ، فإمتعضت قليلاً لظنه أنها ستهرول سريعاً لمنزل أبيها لتشى لهما بحقيقته ، التى وإن كانت علمت بشأنها ، فما زال عقلها رافضاً تصديقها ، رغم تلك الدلائل التى لا تقبل الشك
عقدت سهى ذراعيها ونظرت من نافذة السيارة قائلة بتبرم :
– هو أنت مفكرنى إيه ، واروح اقولهم ايه بالظبط ، ما لو كنت حابة إنك تختفى من حياتى ، كنت عملت كده قبل الفرح وكنت قولتهم على اللى عرفته عنك زمان ، ثم إن دى حاجة تتقال أصلاً
لمس ضيقها وتبرمها بنبرة صوتها التى خرجت منها حادة بعض الشئ ، فأكتفى بالنظر إليها ، ثم عاد ينظر للطريق أمامه ولم يفه بكلمة أخرى حتى وصلاً لمنزل أبيها ، وما أن وضعت سهى يدها على جرس المنزل ، حتى قفزت إحدى القطط قريباً منها ، فلم تمنع نفسها من الصراخ بصوت عالى ، وتعلقت بعنق زوجها وهى مازالت تصرخ، حتى كادت تزهق أنفاسه وتصيبه بالصمم
هتف بها عمرو بصوت مكتوم خرج منه خافتاً :
– سهى حرام عليكى هتموتينى ، أنتى قربتى تخنقينى
أدركت سهى ما فعلته بزوجها ، فأسرعت فى الابتعاد عنه ، بينما ظل عمرو يسعل عدة مرات ناتجة عن شعوره بالاختناق من لف ذراعيها حول عنقه ، فرمقته بنظرة وديعة قائلة بندم :
– أنا بجد أسفة أنت كويس يا عمرو
لم يخنه حدسه بأن ما سمعه من عبارتها المتأسفة ، بأنها حقاً تشعر بالندم على إيذاءه دون قصد منها ، فأخذ أحد كفيها وقبل باطنه قائلاً بصوت متهدج :
– ولا يهمك يا حبيبتى
لو يعلم كيف راحت ترفرف أجنحة الفراشات التى طارت بمعدتها من تلك القبلة التى تركها على باطن يدها ، ورغم نكران عقلها لما يحدث ، أرادته أن يعلم بحقيقة ما يفعله بها خاصة إذا بدا متمكناً من كيفية التأثير على حواسها ، ولكن لم يكن الحظ حليفها ، إذ سمعا صوت حاتم وهو يقول ساخراً:
– حمد الله على السلامة يا عرسان
سحبت سهى يدها من يد عمرو وظن أنها ارتبكت من حضور ابن عمها ، إلا انه وجدها تتأبط ذراعه بتملك قائلة بسماجة :
– الله يسلمك يا حاتم اخبارك ايه ، يارب تكون كويس
– أكيد كويس لما شوفتك قصدى لما شوفتكم
قالها حاتم محاولة منه أن يثير اعصاب عمرو حد الانفجار ، إلا أن سهى شدت على ذراع زوجها ، كمن تبلغه أن يظل هادئاً ولا يفقد برودة أعصابه أمامه بسرعة
ضغطت سهى على جرس الباب وفتح شقيقها ، فأنحنت اليه تقبله ، بل ورفعته عن الأرض وأخذته بين ذراعيها وهى تشير لزوجها بالدخول ، إستجاب عمرو لدعوتها له ولكن ولج بأثره حاتم ولم يستطع أن يفه بكلمة بعدما رأى والد سهى ينتظرهما فى الصالة
– وحشتنى أوى يا بابا أنت وماما
قالت سهى وهى تقترب من أبيها وزوجته تحتضنهما بشوق لرؤيتهما ، فى حين أن إستقبال أبيها لزوجها لم يكن بالحرارة والود الكافيين للترحيب بزوج إبنته فى زيارتهما الأولى لمنزله بعد حفل الزفاف
قبلتها زوجة أبيها وهى تتفرس فى وجهها قائلة بإبتسامة :
– نورتى البيت يا عروستنا الحلوة
أطلقت زوجة أبيها الزغاريد ، التى لم تعلم سهى ما الداعى لها سوى أنها تعبر عن سعادتها برؤيتهما ، ومن ثم أشارت إليهم بالجلوس ريثما تضع الطعام على المائدة ، فأصرت سهى على مساعدتها ربما هرباً من ظل نظرات زوجها ، وبعد أن صارت المائدة زاخرة بأصناق الطعام المختلفة ، التفوا حولها جميعهم بما فى ذلك حاتم ، والذى يبدو أنه أتى بدعوة من أبيها
سمع عمرو رنين هاتفه ، فقطب حاجبيه بعدما رآى إسم إمام المسجد ، فتلك هى المرة الأولى التى يجرى به إتصالاً ، كون أن عمرو كان دائم الذهاب إليه والإتصال به ، فلم يتردد فى ترك المائدة معتذرًا منهم على أنه جاءه مكالمة هاتفية مهمة ، وما أن ابتعد وعلم أن إمام المسجد يريده بأمر هام يتطلب ذهابه إليه فوراً ، عاد إليهم قائلاً بكياسة :
– أنا متأسف جدا مضطر أمشى دلوقتى حصلت حاجة ضرورية ، أنا مش هغيب كتير وهرجع تانى
تركت سهى مقعدها وأقتربت منه تسأله بصوت خافت خشية سماع الآخرين:
– عمرو الموضوع ده خاص بزوج مامتك
نفى عمرو ظنها وأجابها بصدق :
– لاء يا سهى دا إمام المسجد اللى حكيتلك عنه طالب يشوفنى ضرورى ، خليكى أنا هخلص مشوارى وهرجع اخدك ومتتكلميش مع السمج ابن عمك ده على ما ارجع
بعدما أوصاها تلك الوصية النابعة من شعوره بالغيرة ، خرج من المنزل تتقاذفه الرغبة فى أن يعود ويأخذها معه أفضل من أن تظل بمنزل أبيها وذلك السمج المسمى حاتم مازال يجلس معهم ، ظلت أفكاره تتقاذفه تارة بين التفكير فيما يريده منه إمام المسجد ، وبين شعوره الناتج عن الغيرة ، ولم يدرك مدى استغراقه بأفكاره إلا بعدما رآى المسجد الكبير على مشارف بضعة أمتار قليلة
ترجل من السيارة ودلف للمسجد وجد الإمام جالساً بمكانه المعتاد ويبدو على وجهه الكرب الشديد ، فجلس عمرو قبالته وسأله بإهتمام :
– مالك يا شيخنا باين عليك مهموم
أنسلت دمعة حارة من عين الإمام وهو يقول بنبرة صوت متحشرجة من أثر شعوره الشديد بالحزن :
– بنتى ياسمين اتجوزت وللاسف اكتشفنا إن جوزها يهودى وكمان تاجر سلاح ، وأنا خايف على بنتى ومش عارف اعمل حاجة علشان خايف عليها وعلى اخوها ليأذيهم ، علشان كده منعت بلال يكلم الراجل اللى بيشتغل فى شركته ” عاصم النعمانى ” وقولت جايز أنت تعرف حد تانى له كلمة مسموعة يعرف يرجعلى بنتى منه من غير ما إبنى يتأذى هو كمان
أندهش عمرو مما سمعه منه ، وقطب حاجبيه متسائلاً:
– إسمه ايه جوزها ده
أجابه الإمام وهو يزفر بتعب :
– اسمه الحقيقى زى ما عرفت ديفيد دانيال اسكندر شمعون
– إيه ديفيد ابن اخو ادريانو اسكندر
نطق بها عمرو مبهوراً مما سمعه ، فكيف حدث كل هذا ؟ أو كيف تم اجتماع هؤلاء الاشخاص بقصة واحدة ، واحداهما فى الشرق والاخر فى الغرب
رمقه الإمام بإهتمام متسائلاً:
– هو أنت تعرفه يا عمرو
حرك عمرو رأسه بالايجاب ، فى حين أنه ظل يفرك يديه ببعضهما البعض ، إلا أنه نهض من مكانه فجأة قائلاً بإصرار وتصميم :
– متقلقش يا شيخ أنا اللى هرجعلك بنتك
لم يزد كلمة اخرى ولم ينتظر سماع رد فعل الإمام على ما قاله ، إذ هرول بخطواته ليخرج من المسجد ويذهب لمنزل ديفيد لعله هو يفلح فى إعادة إبنة إمام المسجد
وبعد عدة دقائق وصل عمرو أمام منزل عائلة ” إسكندر شمعون ” وبعد أن اخبر الحارس بأنه يريد مقابلة سيد المنزل على وجه السرعة ، تم فتح البوابة الكبيرة ليسمح له بأن يعبرها بسيارته ذات الدفع الرباعي ، واصطحبه احد الحراس إلى غرفة المكتب لحين مجئ ديفيد
ولم يدم انتظار عمرو له طويلاً ، اذ وجده يلج الغرفة متعجباً من مجيئه ، فرغم ان ديفيد كان يعلم بشأن رجال عمه ادريانو إلا أن بعد وفاته لم يكترث بشأن إعادتهم للعمل تحت إمرته وكان يعلم بأن عمرو احد هؤلاء الرجال ، ورآه بضعة مرات ورغم ذلك لم يكن بينهما حديثاً يوماً
استند ديفيد على حافة المكتب الخشبى متسائلاً بفظاظة :
– خير كنت عايز تقابلنى ليه ، مش أنت عمرو فواز برضه
دون أى مقدمات وثب عمرو من مكانه وأقترب منه قابضاً على تلابيب ثيابه صارخاً فى وجهه :
– هى فين البنت اللى أنت اتجوزتها بنت إمام المسجد ، أنت لازم ترجعها لأهلها حالاً
نفض ديفيد يد عمرو ومن ثم وكزه فى صدره بحدة وقال وعيناه عاصفتان كبحر هائج الأمواج:
– أنت مالك بالموضوع ده اصلاً ، ويلا أمشى من هنا أحسن مش هيحصلك طيب فاهم
بلمح البصر أخرج عمرو سلاحه النارى من غمده وصوبه فى وجه ديفيد ، وهو يعلم أنه من الحماقة أن يأتى إلى هنا بمفرده ، فذلك بمثابة الدخول إلى جحر الشيطان ولا يضمن ان يظل على قيد الحياة أو يخرج من المنزل على قدميه ، ولكن شعوره بالإمتنان تجاه إمام المسجد لما فعله معه ، جعله لا يفكر كثيراً قبل المجئ
يقال أن تشن حرباً من أجل الإنتقام ، فذلك أدعى لأن تشحذ قواك كاملة ، ولكن كيف سيكون الحال إذا شنت الحرب بين رجلين من أجل فتاة ، كل منهما مصوباً سلاحه بوجه الأخر ، وأعينهما خالية من الشعور ، لا يحكمهما بتلك اللحظة سوى غضبهما الأعمى
كز عمرو على أسنانه قائلاً بصوت هادر مرعب شاهرًا سلاحه بوجه ديفيد :
– لو مبعدتش عنها يا ديفيد صدقنى هقتلك ومش هيكفينى قتلك لاء هقطع جثتك حتت وهأكلها للكلاب
ضحك ديفيد بصوت عالى ، ولم يكتفى بأن صوت ضحكته كاد يهز أرجاء الغرفة ، بل غرز مقدمة سلاحه النارى بجبهة عمرو وهو يلوى شفتيه بتهكم :
– متنساش نفسك يا عمرو وأفتكر أنك دلوقتى بتتكلم مع الزعيم الجديد للمافيا ، يعنى ممكن متلحقش تخرج من الأوضة دى دلوقتى ، بس أنا هعديهالك المرة دى ، ومش عايزك تتكلم فى الموضوع ده تانى فاهم
لم تعنيه حياته بقدر ما يريد تخليصها من بين براثن ديفيد ، فذلك الوعد والعهد الذى أخذه على نفسه بأن لا يمسها سوء طالما هو مازال على قيد الحياة ، جعله أكثر تصميماً على ألا يخرج من هذا المنزل إلا وهى برفقته ، ولكن يبدو على ديفيد أنه لن يجعل مهمته سهلة بل ستكون كالحرب الضارية بينهما ، وزاد الأمر سوءاً أكثر ، بعدما رآى عمرو توافد رجال ديفيد لغرفة المكتب وكل منهم مصوباً سلاحه فى وجهه ، فصار الإنسحاب حتمياً ، لكى يكون لديه وقتاً لإعادة ترتيب أفكاره وتنظيمها كون أن اندفاعه وتهوره لن يفيداه بشئ ، وعليه أن يكون أكثر حكمة ، فإن كان نجح مرة فى إنقاذ زوجته سهى من هذا المنزل عندما تم إختطافها على يد أدريانو ، فربما سيكون قادراً على فعلها مرة أخرى ، ولكن عليه إعداد خطة وأن يكون لديه عدد من الرجال كافياً لمواجهة ديفيد ورجاله ، فأعاد سلاحه إلى غمده وخرج من غرفة المكتب ويرافقه عدد من الرجال لضمان وصوله لسيارته دون حدوث فعل أحمق يستدعى خسارة أحد لحياته ، فراقبه ديفيد من نافذة الغرفة وهو يفكر فى أسباب عمرو للمخاطرة فى إن يخلى سبيل ياسمين ويعيدها لمنزل أبيها ، وما أن تذكر زوجته ، رفع رأسه ونظر للسقف لا إرادياً كأنه يسمع صوت بكاءها بتلك الغرفة التى تعلو غرفة المكتب ، فمنذ علمها بحقيقة أمره وجلبه لها هنا بمنزل عائلته ، وهى حبيسة غرفتها ، بل وامتنعت عن تناول الطعام وتقضى يومها باكية وكلما رآته يزداد نحيبها أكثر كأنها رآت مسخاً أو شيطاناً ، ولا تعلم أن نظرتها تلك تقتله وكم من مرة حاول جعلها أن تتناول شئ من الطعام ولكنه يفشل فى ذلك ويخشى أن يصيبها المرض من إمتناعها عن تناول طعامها ، فحظه التعيس لم يجعله يهنئ معها إلا بليلة واحدة ، ومن ثم نأت بنفسها عنه ، وكلما نظرت فى وجهه تخبره أن ما حدث بينهما خطيئة لن تغتفر ، ولكنه يرى أن تلك الخطيئة هى أجمل ما أعترض حياته من خطايا وذنوب
❈-❈-❈
يقود راسل سيارته بسهولة ويسر ومن حين لأخر يميل برأسه قليلاً ليضع قبلة على رأس تلك الغافية على صدره ، فالطريق الفاصل بين قصر أبيه المنيف وبين منزله القديم الواقع فى أحد الأحياء الراقية ، يقدر بعدة كيلو مترات ،أتاحت لهما الفرصة للحديث الهادئ ، الذى أعقبه غفوتها القصيرة ، بعدما مالت برأسها على كتفه تحدثه حول كل شئ وأى شئ ، كأن الأشهر الماضية والتى أختزنت بها حديث العشاق ، قد حان الوقت وأن تبوح بأسرارها ، شد بذراعه حولها ربما ليتيح لها سماع تلك النبضات والخفقات لقلبه المتقد بنيران عشقها ، ولولا محاولته أن يركز بصره وتركيزه على الطريق ، لكان طلب منها ما هو أكثر من تلك الهمسات الرقيقة والتى راحت ترن فى أذنيه ، وهى تتفوه له بتلك العبارة التى إشتاق لسماعها منها أشد الإشتياق ألا وهى ” أنا بحبك يا راسل ” ، جملة مكونة من بضعة كلمات ولكنها بأكثر من كافية له من قصائد رنانة أو نغمات تعزف ألحانها على أرق الآلات الموسيقية ، بادلها عبارتها الرقيقة بعبارة أخرى بصوته الأجش وهو يجيبها ” وأنا بعشقك يا روح راسل ” ، ظل الحديث والهمسات بينهما على ذلك المنوال حتى وصل للمنزل ، فترجل من السيارة ، ريثما يفتح البوابة الكبيرة ويمر من خلالها بسيارته ، وبعدها عاد إليها وولجا إلى الحديقة ، ولكن قبل أن تصل للباب الداخلى ، كان جاذباً ذراعها بلطف
نظرت إليه مقطبة حاجبيها وتساءلت باسمة :
– فى إيه مش عايزنى أدخل ليه ؟
إبتسم فى وجهها ومن ثم أخذ كفيها بين راحتيه وأجابها بصوته العميق والقوى :
– علشان عايز نتكلم وناكل الأكل اللى جبناه معانا ، فى الأوضة اللى رقصنا فيها رقصة الفالس قبل كده ، وكمان هقولك على مفاجأة ممكن تفرحك
أبتهجت حياء ما أن سمعت قوله ، فتذكرت تلك النزهة فى ممر الحب مثلما أطلقت على تلك الغرفة ، التى شهدت ببوحه لها بتلك الأسرار التى كان يخفيها عنها بشأن والده ووالدته الراحلة ، فقالت بحماس وصدق :
– مفاجأة إيه شوقتنى أعرفها علشان أنا كنت بحب المكان ده أوى
– دا أنا اللى بحبك أوى والله
قال راسل وهو يقرص وجنتها بشئ من الدعابة ، فدفعته عنها بمشاكسة وقالت مازحة :
– وأنا بقى مش بحبك
فغر راسل فاه وصاح مندهشاً :
– نعم ! بتقولى إيه
أرادت المزاح معه على طريقتها ، كونها أرادت أن تجعله يستاء قليلاً ومن ثم ستعمل على تسكين إستياءه ، فما أن وجدته يلح عليها فى أن تعيد ما قالته ، قالت والعشق يختلج بنبرتها الرقيقة :
– أيوة أنا مش بحبك ، علشان أنا بموت فيك وبعشقك يا حبيبى
لم تكتفى بقولها ، بل راحت تعيدها على مسامعه وهى تهمس بها فى أذنه ، حتى شعرت بإرتجافه أسفل يديها اللتان ترتحان على صدره بوداعة ، ولكنه أدرك أن المبارزة فى الحديث بينهما محسومة منذ البداية ، فكيف له بالثبات والصمود أمام رقتها ونعومتها ووداعتها، ولكنها أيقظت حواسه وبدا كأنه كامن بداخله أشواق عمر بأكمله قضاها فى إنتظارها حتى قبل مجيئها لهذا العالم ، فكأنها خلقت لتكون له دون سواه ، ولا لأحد حق بها غيره ، كانت وستكون وستظل صبيته الحسناء وزوجته ومعشوقته وإبنته ومبكاه عندما تضيق به الحياة ومرساة الأمان عندما تشرد سفينته مع رياح الخيبة والخذلان
أغمض عينيه وهمهم بنبرة عاشق :
– دايما تغلبينى بكلامك الحلو ، اللى بمجرد ما بسمعه ببقى عايز اخطفك بعيد عن العالم ده كله وتبقى ليا لوحدى ومحدش يشوفك غيرى
وقفت على أطراف أصابعها ولفت ذراعيها حول عنقه باسمة ، وعيناها تتلهف لسماع المزيد ، فقالت بعدما لاحت بعينيها نظرات مشاغبة :
– وإيه كمان ، على فكرة أنت عليك ديون سنتين بحالهم كنت بعيد عنى فيهم ، عيزاك تعوضنى عن كل يوم ودقيقة مرت وأنت بعيد عنى وعن كل دمعة نزلت من عيونى وأنا بلمس بإيدى مكانك الفاضى جمبى على السرير ، وكل لحظة كنت بشتاقلك فيها
خانها صوتها من كثرة إنفعالها وهى تسرد عليه أمنياتها المختزنة من عامين كاملين ، فطوقها بذراعيه حتى ألصقها به ، وود لو كان بإمكانه أن يمحى من عقلها ذكريات هذين العامين ، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، فسبيله الوحيد لأن يجعلها تنسى ما اقترفه بحقها أن يحاول تعويضها عن غيابه عنها وعن كل ما عانته أثناء فراقهما
قال والعزم بادياً ومؤكداً بصوته القوى :
– أنا معاكى يا حياء ومش ممكن أبعد عنك تانى ابدًا إلا بموتى ، مفيش حاجة هتقدر تفرقنا تانى عن بعضنا
تبادلا عهد الغرام ورغم ما يبدو عليها من وداعة وقبول لذلك العناق الذى جاء توثيقاً لتلك اللحظات الثمينة ، إلا أنه بعد أن جذب رأسها لكتفه شعر بأنفاسها الحائرة تضرب جانب عنقه ، ظن فى البداية أن ربما تحاول التخلص من ذلك التوتر الذى أصابها فى الأيام الماضية ، إلا أنها عندما طال بها الحال هكذا ابعدها عنه قليلاً وأخذ وجهها بين كفيه الدافئين متسائلاً :
– مالك يا حياء زى ما تكونى بتفكرى فى حاجة أو عايزة تقولى حاجة
هزت حياء رأسها علامة على صحة ظنه ، فرفعت عينيها إليه قائلة بهدوء :
– هو أنا كنت عايزة أطلب منك طلب ، وعيزاك تنفذهولى ضرورى يا راسل
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى