روايات

رواية قابل للكتمان الفصل التاسع عشر 19 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل التاسع عشر 19 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء التاسع عشر

رواية قابل للكتمان البارت التاسع عشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة التاسعة عشر

في أحد المستشفيات الكبيرة، لم يتحمل منذر أن يترك والده في الشوارع دون مساعدة، حتى يتطوع أحدهم ليأخذه إلى المستشفى أو يطلب له إسعافًا، فأخبرهم أنه يمكنهم وضعه في سيارته وسيتكفل بمساعدته وتكاليفه.
ومنذ ساعات، وهو ينتظر أمام غرفة العمليات حتى يخرج الطبيب وبالنسبة لابنته، اتصل بالسائق ليأتي ويأخذها إلى والدتها على الفور ويخبرهم عندما يعود سيشرح لهم الأمر.
ركض منذر ناحية الطبيب عندما لاحظ خروجه، وســأله بقلق
= لو سمحت يا دكتور هو المريض اللي كان جاي في حادثه عربيه اخباره ايه دلوقتي
عقد حاجيبة بتركيز وهتف بعملية
= هو حضرتك قريبه؟ احنا قعدنا ندور على مين اللي جي معاه ما لقيناش بس اتصلنا باخر رقم اتصل بيه على تليفونه وردت علينا مراته وقالت انها جايه .
هز رأسه برفض وهو يقول بإصرار جاد
=لا انا مش قريبه ولا اعرفه بس انا اللي وصلته هنا لما العربية خبطته وجريت.. صعب عليا يعني راجل كبير وكده فكنت عاوز اعرف اخباره ايه
أجاب الطبيب قائلاً بهدوء واهتمام
=الحقيقه مش هقدر اقول لك حالته عامله ايه دلوقتي، احنا طبعا عملنا اللازم والاشعه هي اللي هتحدد الكسور اللي عنده بسيطه ولا هتحتاج لي حراجه غير ان احنا شاكين أنه عنده نزيف داخلي.. الخبطه برده ما كانتش بسيطة عليه .
تنهد منذر بعمق شديد ثم قال بجدية
=طب يا دكتور انا دفعت في الحسابات تحت التكاليف وسبت كمان مبلغ زياده فشوف اي حاجه هو محتاجها واعملها على طول.. وان شاء الله تطلع حاجه بسيطه
هز رأسه الآخر بالموافقة ثم استأذن ليرحل بينما ألتفت منذر ليذهب لكنه تفاجأ بوالدته أمامه وهي تردد بصوت حزين للغاية
= منذر ازيك يا ابني عامل ايه؟ للدرجه دي مش طايقنا و مش راضي تقول للدكتور ان المريض اللي جوه يبقى ابوك.. جالك قلب تقول عليه واحد غريب وما تعرفوش
ليردف بغضب جامح وقسوه دون تفكير
=زي ما انتٍ وهو جالكوا قلب تعملوا فيا كل حاجه وحشه! انتٍ اخر واحده ممكن تعاتبيني هو انتٍ تعرفي عني حاجه أصلا من يوم ما جبتني على الدنيا.. انتوا ما كانش في حياتكم غير معاذ بس! واديني سبت كل حاجه و مشيت عاوزين مني ايه دلوقتي .
بللت عبراتها صدغيها وهي تقول بقهر مكتوم
= أكيد مش عاوزين فلوسك اللي عمال تساعدنا بيها واحنا عرفنا غلطنا وكان نفسنا نرجع زي الاول وترجع انت واخوك لحضننا بدل ما كل واحد فينا كده في حته وما يعرفش حاجه عن التاني.. احنا عاوزينك انت يا منذر
شعر أنه سيصاب بالجنون بسبب ظلمهم و جحود قلوبهم، لذا لم يستطع السيطرة على نفسه واقترب يمسك كتفها بقوة، ثم أردف بعنف واشتد عينه و عضلاته من الانفعالات
=ولله! دلوقتي بس بقيتوا عاوزيني وعرفتوا انكم غلطانين في حقي؟ طب وبعدين هتقوليلي اسفه يا ابني حقك عليا ما كانش قصدي اقسى عليك واكون بالجبرات ده معاك وانا المفروض اخدك بالحضن واسامحك مش كده؟ بقول لك ايه اطلعي من الدور ده عشان مش لايقه عليكي.. انتم مش بتدوروا غير على مصلحتكم، والدليل اهو لما بعدت وخسرته وابنك التاني كمان اتخلى عنكم افتكرتوا ان انتم عندكم ابن تاني؟ اللي نسيتوا في المستشفى لحد الفجر وانتم مش دريانين بيه فاكره ولا افكرك
شعرت وكأن روحها تسحب منها وان انفاسها تكاد تنقطع من فرط صدمتها وكلماته القاسية لكنها تستحق، وهتفت بحسرة
= خليك احسن مني انا امك برده يا أبني، انا عارفه انك مش مصدقنا بس جرب بنفسك وشوف ولو عملنا نفس اللي بنعمله زمان امشي وسيبنا.. انت مش عارف أحوالنا بقيت عامله ازاي من ساعه ما سبتنا كل حاجه اتدمرت واحنا، حتى الوكاله راحت واخوك كمان ابوك طرده من البيت، وابوك حتي صحيته بقيت في النازل وعلى طول تعبان.. وانا مابقتش قادره اشيل الحمل لوحدي ومش لاقي حد جانبي
ليردف بقسوة شديدة غير عابئ بتلك التي يرتجف بدنها بين يديه وعينها تتسع بصدمه ولا تستطيع منع سيل دموعها فوق وجنتيها بانهيار فقد كانت الحقيقه صادمه لها وفوق طاقتها ولكن قد حان وقت المواجهه وكشف الدواخل التي تدثرت طويلاً بين ثنايا الزمن.
=مش بقول لك مش بتدوري غير على مصلحتك، طب اسمعيني بقى اعتبري نفسك ما شفتنيش و رجوع مش هرجع واياكي تقولي كلمه اسامحكم دي تاني، عشان أنتم ما تستاهلوش ابص في وشكم حتي.. ارجع لكم برجلي بأماره ايه؟بصي حواليكٍ كويس الفاشل الصايع بقى ايه وانتم بقيتوا ايه؟ مش طول عمري ما بعرفش اشيل مسؤوليه ولا بفهم في حاجه دلوقتي بقيت حلوه ونفسكم ارجع ده بعينكم .
شعرت بيده تضغط بقوة على معصمها، ولكنها لم تهتم بهذا الأمر، حيث كانت تنظر إليه بفم مفتوح ولسانها متجمد من الصدمة، وجسدها تصلب وهي غير قادرة حتى على أن ترمش بعينيها. لم تصدق ما كانت تراه أمامها، إنه ابنها الأكبر الذي كان يسعى دائمًا لجعلها راضية وسعيدة، وكان يفعل كل طلباتها وأمنياتها وأكثر من ذلك.. وليت كان يكفيها ذلك من الأساس او تعترف به، فهتفت بصوت غير مصدق
=انت فرحان فينا.. شمتان في امك وابوك
كان يقف أمامها و وجهه يلتصق بوجهها يفح من بين أسنانه كالافعي ثم أردف بنبرة اشرس
=ما قلتلك بلاش الجو ده مش لايقه عليكي حتى الدموع دي مش هتاثر فيا زي زمان! ما انا ياما كنت بعيط عارفه كنتم بتعملوا ايه؟ تقعدوا تقولوا ادي اللي فالح فيه بتعيط زي الستات وتنزلوا تهزيق فيا وتقولوا عليا مش راجل! دلوقتي بقيت وحش لما بقيت اعملكوا بنفس المعامله؟؟ حقيقي ما شفتش أحقر من كده.. مش فاهم مصدومه ليه متوقعه مني أيه غير كده اصلا انتٍ وجوزك اللي جوه اشربوا بقي! اللي بيحصل لكم ده ذنبي ولسه هتشوفوا اكتر.. تعرفي انا زمان ما كنتش بدعي عليكم بس من ساعه ما سبتكم وانا بقيت ادعي كل يوم ربنا يجيبلي حقي، و داعيت كمان لما اليوم ده يجي اشوفكم وانتم بتموتوا في اليوم ألف مره ومش لاقيين اللي يساعدكم .
وكأن كلماته كالصفعه التي افاقتها من حالتها تلك، ثم ضغطت هي على ساعده وبكت مستغيثة
= منذر آآ لا يا حبيبي لا يا أبني انت مش كده انت احسن مننا ما تبقاش زينا، لا بلاش تمشي في السكه دي احنا نستاهل آه بس بلاش انت اللي تتغير… سامحنا يا حبيبي سامحنا عشان خاطري.
أبعدها عنه باشمئزاز وجفاء وقد هوت للخلف فوق المقعد بضعف و دموعها فوق وجنتيها بغزاره لتراه قريب منها ولكن هذه المره بعيون ليست يملؤها الشفقه أو القلق أو الحنان عليها بل أردف بكل حقد وكره الدنيا داخله قائلاً
=عمرك ما كان ليكي خاطر عندي! فبلاش تطلبي بعشم أوي كده يا مايسه هانم، خليكي جنب جوزك أحسن وشوفي المحروس التاني فين هيجي ولا هيكون شرب من قسوتكم كفاية واللي يخليه ما يعبركوش.
راقبت رحيله عنها بأعين مقهورة بندم شديدة فصاحت صارخة بآلم كبير
= منذر.. منذر رد عليا يا ابني.. آآآه يا خسارتك يا حبيبي يا رب سامحني وحنن قلبه علينا .
❈-❈-❈
كانت ضحي تجلس متأملة خاتم الالماظ لفترة طويلة، الذي كانت ترتديه وكان هدية من زوجها منذ فترة، فكانت تشعر بالقلق من عودة ابنتها مع السائق بمفردها دون زوجها وفي الوقت نفسه كانت والدتها تجلس بجانبها تحمل حفيدتها وتلهو معها، قبلت خدها عدة مرات بحنان وهي تردد
=حبيبه تيتا، بس جدعه انك ما كبرتيش الموضوع واتصالحتي انتٍ وجوزك ربنا يهدي الحال بينكم دائما، في ايه يا بنت ما تردي عليا زي ما بكلمك سرحانه في ايه ؟!.
أدارت عينيها حولها بقلق و هي تقول بنبرة شاردة
= قلقانه على منذر، مش عارفه ليه فجاه بعد ما خرج رجع البنت لوحدها مع السواق، حتي تليفونه مقفول حاسه في حاجه حصلت
هزت رأسها مستنكرة تفكيرها، وقالت بضيق
=هنرجع تاني للأفكار دي والقلق ما تهدي و لما يرجع أبقي استفسري منه، ممكن جاله شغل فجاه ولا حاجه
وفي ذلك الأثناء دخل منذر من باب المنزل بهدوء تام ولم يتحدث بشيء، نظرت له زوجته بغرابة وهي تعقد حاجبيها، ثم هتفت متسائلة بقلق
= هو في ايه ماله؟!.
زمت فمها للأمام هاتفه بحنق واضح
=انتٍ لسه هتسالي ماله قومي شوفي جوزك ده راجع وشه مخطوف واصفر خالص.. روحي اطمني عليه .
بالأعلى جلس وهو يتنهد بحزن كلما تذكر حال والده وسقوطه على الأرض بتلك الطريقة
يجعل قلبه يتألم وعندما واجهه والدته بما كان يحمله داخله لسنوات من حسره، لم يرغب في رؤيتهم منذ أن رحل! لكن من الاستحالة أن يكون النسيان تام لكل هذا مُمكنًا وكل هذه الذكريات مُكدسة في روحه.. فرغم أنه دائما يحاول خلال السنوات الماضية دفنها ولا يتذكرها.. لكن غالباً ما تنتصر تلك الذكريات لتقوم بالتسلل لذهنه..الآن وبعد أن قابل والدته ودافع عن نفسه بتذمرة المستاء شعر بالراحة تتسلل لصدره .
صحيح لم يكن يرغب في حادث والده او يؤلم والدته بذلك الشكل، لكن يستحقون.. نعم يستحقون ذلك واكثر.. وهو الآن شامت بهم وما يتعرضون لهم.. فهذا دين ويُسدد..
دلفت ضحي الغرفة بهدوء لتري وجه الذابل وملامحة المكسورة تطلع نحوها لعده دقائق بصمت، فاحياناً نلزم الصمت لان هناك أشياء لا
يعالجها الكلام.. لكنها تعرف علاج آخر يحبذه بشده، فتحت ذراعيها له وفي الحال دون تردد كان مُرتميا بين أحضانها لتُحيطه هي بكلتا ذراعيها لأنها تعلم تماماً أنه لا يُحِب أن تسأله عَن شيء فصمتت تنتظره يتحدث ولَم تمر سوى دقائق حتى سمعت صوته العميق
يُحادِثها
=الحياة لما بتقسى علي واحد بيكون قدامه خيارين، يا يكمل دائرة القسوة ويدوق غيره نفس المرار اللي داقه، يا يكسر الدايرة ويجود على غيره اللي افتقده.
رمقته بتعجب و حزن ثم أمسكت بيده وهي تتسائل بتوجس
= مالك يا حبيبي إيه اللي حصل اتكلم انا جنبك أهو وهسمعك
وكأنه كان ينتظر سؤالها وبدأ أن يشرح لها ما حدث معه بصوت مسرع وانفاس لاهثة
=شفت ابويا يا ضحى حاول يكلمني بس انا صديته وسبته وفجاه ما اعرفش ايه اللي حصل لقيته مرمي على الارض وبينزف عربيه خبطته وطلعت تجري! المشكله مش هنا وبس انا لما سالوني اعرفه أنكرت ده وكنت همشي وهسيبه فعلا بس استحقرت نفسي أوي.. بس وديته المستشفى بعد كده وفضلت مستني لحد ما اطمنت عليه بس اتفاجئت بأمي هي كمان موجوده ولما حاولت تتكلم معايا ما قدرتش أمسك نفسي قلتلها اللي جوايا و فهمتها أن أنا شمتان فيهم و انهم يستاهلوا اللي بيحصل لهم وده ذنبي.. بس من ساعتها عندي إحساس أني شخص وحش أوي.
شحب لون وجهها من هول كلماته السريعة وتنفسه الصعب، وزعت أنظارها المرتبكة بوجه تفكر في أمر أسرته وكيف الحال الان، ثم ابتلعت ريقها وأجابت عليه بنبرة حنونه
=طب اهدى يا حبيبي اهدى وخد نفسك، انت مش وحش ولا حاجه ده رد فعل طبيعي عارف كنت هتبقى وحش امتى لو مشيت لكن انت عملت اللي عليك وساعدته، و المواجهه كانت هتحصل كده كده وتعرفهم اللي جواك .. وانا كنت متاكده ان انتوا هتتقابلوا في يوم من تاني .
نهض عن فراشه ذارعًا الغرفة جيئة وذهابًا بخوف شديد، خرج أنينًا من جوفه شاعراً بوخزات قاسية تعتصر إياه حيث أدرك مؤخرا بأنه شخص سيء مثلهما، فانهار متسائلاً بتوتر
=عارفه كانت مستغربه وانا بكلمها فكرتني هبقى زي زمان هاخدها بالحضن واقول لها اعملي ما بدلك فيا، بس هي اصلا ازاي مفكره بعد كل اللي حصل أن ممكن اسامح؟ هي نفسها كانت مستغرباني وانا كمان كنت مستغرب نفسي.. وقالتلي بلاش تتغير وتبقى زينا هو انا زيهم يا ضحى ما تكدبيش عليا انا بقيت شخص وحش صح انا ازاي كنت هعملها وامشي وما تساعدهوش .. ازاي فكرت في كده شفتي وصلوني لايه عرفتي ليه بقول لك مش عاوزهم في حياتي من تاني
ارتجف بدنها من حالته الصعبة، فاقتربت منه لتضع يدها على كتفه لينظر نحوها، ثم حوطت وجهه بيدها و قامت بتقبيل وجنتيه وهي تخبرة بملامح متألمة
=هشش اي حد مكانك هيفكر في كده دي مشاعر جواك هم اللي حطوها والسبب فيها، اللي عملوا معاك كتير عشان كده انت لقيت نفسك عاوز ترد لهم اي حاجه من اللي عملوها وبعدين هو انت فعلا كنت شمتان فيهم
شعر بجفاف أشد في حلقه وهو يحاول تبرير الوضع، حيث تسارعت دقات قلبه بخوف كبير من أمره المخيف، وأجاب بألم كبير
=ايوه يا ضحى حسيت بالاحساس ده فعلا! عشان كده متضايق من نفسي ومش قادر اوقفه ولما حطيت عيني في عينها وقلتلها تستاهلوا وده ذنبي واشربوا شويه من اللي كنتم بتعملوا فيا.. للحظه حاولت اوهم نفسي ان انا بزيف الاحساس ده عشان اضايقها بس لما ركزت مع نفسي لقيت ان فعلا حاسس بيه وشمتان فيهم! شمتان أنهم خسروا كل حاجه من غيري وأن معاذ اللي كان على طول بيهتموا بيه سابهم هو كمان وشمتان أن الوكاله والشغل وكل حاجه انا عملتها بتعبي وهم عمرهم ما نسبوا التعب ده ليا راحت
تجمدت عيناها بصدمة من كلماته، لكنها ظلت جانبه فلم تكن تتركه على تلك الحالة بمفرده وهي تعلم جيدًا أنه في أشد حالاته ضعفًا ولدي المبررات القويه لتلك الحاله، فنظرت له بحنو وقالت بتأثر
= شفت انت بتقول ايه؟ هم عملوا كده انا عملت زيهم! انت مجرد رد فعل يا حبيبي فلو في حد المفروض يتحاسب في الموضوع ده هم.. صحيح رد الغلط بغلط عمره ما كان صح لكن انت ما عملتش حاجه ليهم مجرد شعور مش قادر تسيطر عليه حسه وأي حد مكانك كان هيعمل كده وزياده.. بطل عشان خاطري تحمل نفسك فوق طاقتك
ارتمي في أحضانها، فلف ذراعيه حول خصرها ليزيد من تشبثها به، و من ضمته لها وهو يهز رأسه عده مرات محاولا الإقتناع، ليرد بارتباك وخوفاً
= ايوه صح انا سبت كل حاجه ومشيت مش كده، كان ممكن انتقم بس ما عملتش كده فمن حقي بقى شويه اشمت فيهم وافرح ان ربنا بيرد ليا حقي .
أبتعدت عنه ومدت أناملها ماسحة كل هذا الحزن الساكن في عينيه، وردت هاتفه بحسرة
= جرب تسامح هترتاح التسامح بيغسل القلب وبيريح النفس هم خلاص جربوا اللي انت كنت بتجربه ولسه.. بس التسامح هيخليك تنسى الوجع والألم والحسرة اللى بتحس بيها
انهار مجددًا عاجز عن مقاومة كل أوجاعه التي هاجمته بشراسة بعد رؤيتهم، هاتفا فيها بنبرة
يأس
= الاذي النفسي بيوجع اكتر من البدني لانه بيكون في الذاكره عمره ما يتنسي يا ضحي، يا ريت عندي زرار للنسيان واقدر انسى كل حاجه بسهوله كده، اقسم بالله ما بتتنسي الأوجاع اللي من الاهل وبتفضل موشومه علي القلب لحد طول العمر
مسحت بيدها علي وجهه كأنها تريد أزاحت احزنه واوجاعه، ليتها تعرف، ليتها تعلم كيف تقتل جيوشا مِن الحزن والبؤس داخله، ليتها تجد السعادة له ليعيش ماتبقى له من قلب في هناء ورخاء، ليتها تعيد له السعادة المسلوبة منه.. هزت رأسها بالايجاب بتفهم ثم قالت بصوت جاد
= انا فاهمه ده كويس عشان كده بطلت افتح معاك الموضوع وقلت بلاش اضغط عليك، و وقت ما تحس انك عاوز كده روحلهم وسامح لكن ولا هضغط عليك ولا هسمح لحد يضغط عليك برده.. عشان دي حاجه مش بايدك فعلا .. ايه رايك تجرب تنام شويه
نظر لها بحيرة ثم تساءل بتردد
= هاه، ماشي بس الخروجه اللي ظبطناها والسفر
ربتت على كتفه ونظرت في عيناه الحائِرَة مُجيبا عليه ببساطة
= نعوضها بعدين مش مهم اي حاجه دلوقتي غير صحتك يا حبيبي نام واستريح براحتك ومحدش هيعمل لك ازعاج وانا هفضل جنبك وهسيبك تصحى براحتك كمان.
إبتسم وأومأ لها دون أن يُجادِلَها، فعادت تحضنه ثم أغمض عينيه مستسلمة لدفء أحضانها التي انتزعت عنه حزنًا مؤقتًا ليشعر بعدها بالرضا والارتياح .
وعندما جاء الصباح حاولت ضحى ان تأخذ هاتف منذر حتى لا ينزعج وينام فتره اطول، لكن رن الهاتف فجأة في يدها، فانتفضت في مكانها مفزوعة على إثر الرنة المباغتة، أطلقت تنهيده ضيق وهي تحدق في الشاشة لتجد رساله من تلك السخيفة رغد قائلة فيها
“صباح الخير يا منذر عماله احاول اتصل بيك مش بترد انت فين يلا عشان ورانا شغل كتير، اوعى تتاخر وخلي بالك وانت سايق”
جزت علي أسنانها بغيظ شديد وهي تهمس
= بني ادمه مستفزه ايه ياخد باله وهو بيسوق دي؟ مالها هي ان شاء الله يعمل حادثه.. لا لا إيه الكلام ده بعد الشر طبعا عليه، ان شاء الله هي يارب .
تجاهلت اتصالاتها المتكررة واضعة هاتفه على الوضعية الصامتة، لكن فكرت في أن ترسل إليها رساله تغيظها، امسكت الهاتف بالفعل وبدات ان تضغط على الازرار وتكتب وهي تبتسم بانتصار قائلة
“انا مرات منذر واليوم هنكون مشغولين جدآ في حاجات مع بعض فبيعتذر لك أنه مش هيجي.. حتى ما عندوش وقت يمسك التليفون ويرد عليكي، معلش مره من نفسه ياخد اجازه كملي انتٍ بقى شغلك”
لكن بعد فتره من إرسال الرساله شعرت بالتوجس والقلق من رده فعل زوجها، فهل سيغضب عليها لأنها أجابت عليها بدل منه و أخبرتها بانه سيغيب اليوم .
❈-❈-❈
بعد مرور ساعة، استيقظ منذر وهو يشعر بخمول، لكن قد تحسنت أحواله النفسية تحسنًا طفيفًا عن أمس بعد ارتفاع معنوياته النفسية ورغم أنه مزال يشعر بالقلق من كل شيء إلا أن وجود زوجته جانبه لم يؤثر ذلك عليه بفضلها، نعم هي كان لها الدور الأكبر في ذلك بحبها الدائم، فأزاحت عنه الكثير من الهموم والأحزان بتفائلها الدائم، لتجعل إياه يمسك بذلك الأمل الجديد الذي أوجد في روحه الفانية وتشبث به، وجد زوجته تدلف من باب الجناح لتقول مبتسمة
=صباح الخير كنت نمت تاني براحتك لو عاوز
اعتدل منذر في نومته واضع الوسادة خلف ظهره ليستند عليها، فرد بصوت مبحوح
=لا خلاص كفايه كده زهقت من النوم، هي الساعه كام و اوليندا فين مش سامعلها صوت ليه
دثرته ضحي في الفراش هاتفة بحماس رهيب
=سبتها تنام هناك في اوضتها زمان المربيه جنبها وماما.. ما تشغلش انت نفسك بحاجه واقوم خد شاور اكون جهزتلك الفطور ولو عاوز كمان اطلعه هنا مفيش مانع.
عقد حاجيبة مبتسماً كونه يفهم جيد لما تفعل كل ذلك، ليحصل على راحته ثم لف ذراعه حول خصرها ليضمها إلى صدره هامسًا
=ده إيه الدلع والهنا ده هتطلعيلي الفطار هنا في السرير وكمان سبتي البنت تنام في اوضتها من غير عناد زي كل مره.. ده انا كان لازم اتضايق من بدري علي كده
اعترضت بدلال وهي تداعب صدره
= اخص عليك يعني انا مش بدلعك غير لما يكون في حاجه ومتضايق.. تنكر ان انا بعمل لك كل اللي انت عاوزه في النهايه حتى لو مش على هوايه هو انا يهمني غير راحتك برده
يا حبيبي
بقي ذراعه محيطًا لخصرها فا للحب تأثير عجيب حقا لذة محببة تذيب الحواجز و المخاوف، فتخطي تلك اللحظات السيئة بشاعرية مضاعفة، ثم تحدث متنهدًا بحرارة
= انا مش عارف ازاي بتقدري تمتصي وجع كبير بياكل فيا ذي كده، انا كنت فاكر ان هبطل العاده دي لكن مع اول مشكله جريت ادور على حضنك واشتكيلك زي زمان وانتٍ تخففي عني
ابتسمت بخجل مثير وهي ترد ممتثلة
= لا دي قدرات خاصه بقى وسر المهنه
استمر منذر في رسم ابتسامة لطيفة شيقة على ثغره وهو يقول بعشق جارف
= أنا بحبك يا ضحي صدقيني بحبك.. و ماليش غيرك أصلًا، عارف إني أوقات نفسيتي بيخليني اجي عليكي وبيعميني غضبي لما أتعصب و أزعق لكن أول ما بترمي في حُضنك ببقي طفل صغير، بدون حيل و لا قوة، حقيقي طفل و ببقى محتاجلك أكتر منك.. أنا محتاجك بجد يا ضحي
تلاحقت أنفاسها التي كانت حارقه من شدة النيران التي تعصف بقلبها و سائر جسدها
فـبللت حلقها قبل أن تتحدث بتوجس
= انا كمان بحبك أوي وما ليش غيرك، بما انك يعني صاحي ورايق كده فكنت عاوزه اقول لك علي عمله عملتها بس كانت نيتي خير والله وما تضايقش، بس لما لقيتك نايم بقالك كتير وامبارح كانت حالتك مش كويسه بعت للي اسمها رغد دي انك اجازه النهارده، عشان خاطري بلاش تروح النهارده الشغل
نظر لها مطولاً ثم أخذ هاتفه من جانبه ونظر الى الساعه ليجد الوقت تأخر بالفعل وقرا الرساله التي ارسلتها أيضاً، ثم ألتفت نحوها بكسل وهو يردد بعبث
=هو انا نمت كل ده دي الساعه عدت ١٢ .. اقول لك خير ما عملتي بلاها شغل النهارده واخد أجازه و..
صمت فجاه ولم يكمل للنهاية فاستغربت من صمته بقلق، لكنه فسره لها حينما اقترب منها و تحفزت خلاياه سريعًا للاستمتاع معها بحب جارف، فنهض من جوارها متابعًا بمزاح
=هو عرض الفطار لحد السرير لسه متاح ولا رجعتي في كلامك
تقوس فمها بابتسامة راضية وكأنه برده فعله تلك، حصلت على سلام داخلي وتصالحت أخيرًا مع نفسها بأن منذر يحبها ولا يرى غيرها
لكن رغم ذلك لا مانع من الاحتياطات، ثم ردت برقة ناعمة
= لسه متاح طبعا روح خد شور وانا هقوم اجهز الفطار ليك .
❈-❈-❈
كانت بسمة تمسك بيديها عده ورقات نقديه ثم
ألقت ما بيدها فوق المنضدة أمامها وغرت فاهها بصدمة قائلة
= ودول ايه ان شاء الله؟ يعني نزلت من الساعه ١٢ الصبح وراجع الساعه ٧ وفي الاخر جايب ٢٠٠ جنيه، طب ازاي فهمني ده انت لو شغال على توك توك هتجيب فلوس اكتر من كده.
جلس علي أقرب مقعد خشبي بالي و أجاب بسأم و بكل تبجح
= اعمل لك ايه هم دول إللي في الاخر طلعت بيهم ٤٠٠ جنيه وفطرت بـ ٢٠٠ جنيه، وكمان انا اشتغلت اصلا ثلاث ساعات بس وباقي اليوم كنت قاعد على القهوه بريح
نظرت إليه بضيق وتذكرت كل ما تحملته من معاملة أمه السوء لها وها هو الآن يكمل عليها و يتخلي بإستسلام بائس عنها دون مقاومه، فقالت بغضب
= انا لو اتشليت ولا جالي ذبحة صدرية ما حدش يلومني! واكل ب ٢٠٠ جنيه ليه وكمان اشتغلت ثلاث ساعات بس وقعدت الباقي علي القهوه زي عدتك لله الامر ومن بعد وال ٢٠٠ جنيه دي بقى ان شاء الله امشي بيها البيت ازاي ؟؟. امال لو حظك الولد مش في اجازه كنت هتكفي مصاريف مدرسته منين
حدق فيها بنظرة أثارته وجعلته مرتبكاً لا سيما فكانت محقه بالفعل هو لا يتعامل مع الموقف بجدية أكبر، كونه لم يتعود بعد! فأجاب بصوت يكاد يكون مسموعاً
= انا عارف بقى اتصرفي زي ما الستات بتعمل وبعدين شوفيلي لقمه أكلها انا واقع من الجوع .
إبتسمت بتهكم علي كلماته فأردفت بصياح
ساخراً
= جعان لا حاضر ما انا لازم اغذي الراجل اللي بيشتغلي ثلاث ساعات وفي الاخر راجع ب ٢٠٠ جنيه، عندك بتنجان جوه سخن وكل.. وسيبني في حالي بدل حرقه الدم دي.
❈-❈-❈
وصلت الرساله إلي رغد والقت الهاتف فوق المكتب بغضب، ثم جلست علي أقرب كرسي و وضعت ساق فوق الأخري وهي تتحدث مع نفسها بعصبية شديدة
= ايه قله الذوق دي وهي مالها تمسك تليفونه وترد بدل منه ليه؟ هو انا بكلمه احب فيه ولا على الشغل بني ادمه غيوره ومقرفه ايه ده انا عارفه مستحملك على ايه؟!.
سمعت رنات هاتفها فبسرعه اخذته مجدداً واجابت بلهفه وابتسامه واسعة
= الو يا منذر أخيراً رديت عليا في ايه فينك انت نسيت الشغل اللي عندنا النهارده، انا حاولت على فكره ابعتلك رساله بس المدام ردت بدل منك وانا شكيت انها عملت كده من نفسها.. ممكن بقي تيجي بسرعه
جاء صوت الآخر وهو يرد باختصار
= صباح الخير أولا يا رغد لا معلش مودي مش تمام النهارده فعلا وعندي حاجه كده انشغلت فيها.. عشان كده ضحى ردت مكاني وصعبت عليها انزل الشغل وانا تعبان، بكره بقى نعوض يلا سلام مش عاوز اعطلك .
اغلق الهاتف وهي شعرت بالغيظ والضيق منه ومن زوجته وبدأت تبرتم بكلمات غير مفهومه بعصبية، ليدخل في تلك اللحظه والدها وهو يردف بدهشة
= مالك يا رغد انتٍ بتكلمي نفسك انا فكرت معاكي حد، انتٍ كويسه يا حبيبه بابي
حمحمت وهي ترد بهدوء زائف لكي لا تلفت الانتباه تجاهها
=اه يا بابي كويسه ومش بكلم نفسي ولا حاجه، بس عماله احاول اتصل بلطيفه مش بترد عليا وانت عارف بتضايق قد إيه لما اتصل بحد وما يردش عشان كده ضايقتني .
عقد حاجيبة باستغراب وشعر بانها تخفي عنه شيء لان ببساطه صديقتها تبحث عنها بالخارج، جعلها تلتفت إليه و قال باهتمام
= بس لطيفه بره يا رغد وكانت بتسال عليكي
وما لقيتكيش في مكتبها، وانا خمنت ان انتٍ في مكتب منذر وبتشتغلوا.. في حاجه يا حبيبتي مخبيها عليا المفروض اعرفها
قرأت علامات الدهشة و التعجب علي ملامح والدها فأردفت باقتضاب
=هاه، لا انا تمام ما فيش حاجه وهطلع دلوقتي أشوف لطيفة عند إذن حضرتك.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين.
أعدت ديمة السفرة مليئة بالأطعمة المحببة إلي آدم وأسندت على طرف السفرة حيث يجلس هو فوق المقعد أمامها و ابتسمت له بود، ثم قدمت صحن الحساء له فمد يده نحوها ليمسك به وهي ظلت تقف مترددة كأنها تريد شئ، نظر لها بطرف عينه باستغراب ثم أمرها تجلس، هزت رأسها بالايجاب وفعلت ذلك ثم بعد فتره رسمت ابتسامة زائفة على ثغرها وتساءلت باهتمام
= عجبك الأكل، على فكره انا اللي عملت المكرونه بالبشاميل النهارده ونعمات ساعدتني في الباقي
عقد حاجيبة وهو ينظر لها وأجاب بهدوء
=بجد.. طب تعبتي نفسك ليه كفايه عليكي مذاكرتك احنا قلنا مش عاوزين حاجه تشغلك السنه دي عشان تنجحي على خير
رضخت له وإن بدا القلق يغبر ملامحها وهي تقول بنبرة حانية
=ما جتش يعني من مره دخلت المطبخ ما انا بقيلي كتير مش بطبخلك، وبعدين ما تقلقش انا مركزه المره دي في مذاكرتي جدا عشان اجيب تقدير كويس او ما عادش السنه تاني
أمسك بيدها واحنى رأسه عليها يقبلها بحنان وامتنان ثم هتف بتريث
=تسلم ايدك يا حبيبتي بس ثاني مره خلي مذاكرتك اهم وسيبي نعمات تعمل الباقي، ويا ستي لما تنجحي أن شاء الله يبقى ادخلي المطبخ براحتك كل يوم ما حدش هيمنعك بس مش عاوزين حاجه تعطلك.. بس تسلم ايدك عملتيها المره دي حلوه أوي .
نظرت ديمة لادم بتردد لتخبره قائلة برقة ناعمة
=بالهناء والشفاء، انا بس مش عاوزك تشغل بالك بيا وبعدين ساعات من ضغط المذاكره
بكون عاوزه اعمل اي حاجه تانيه اريح بيها اعصابي شويه، ده انا حتى في واحده زميلتي خطوبتها هتكون آخر الشهر وعزمتني و كنت بفكر اروح بعد اذنك طبعا
برقت عيناه بغضب واستاء آدم من قولها علي الفور، وقال بحزم
=تروحي فين مش فاهم و زميلتك مين دي، هو مش حسب معلوماتي ان انتٍ ما عندكيش اصدقاء طلعت منين دي وامتى ما انتٍ بقيتي تذاكري في البيت وبطلتي تروحي الجامعه
غمغمت ديمة هاتفه برجاء مفتعل
=بقول لك زميلتي مش صاحبتي يا ادم و اتعرفت عليها من شهرين كده و كل الدفعة راحه على فكره.. وبعدين اهو اتعرف بقى على ناس جديده ويبقيلي اصحاب ولا انت مش حابب كده زيي وعاجبك اكون لوحدي
ابتسم لها وربت علي كتفها برفق يسترضيها و ابتسم لها بحنان لا يشوبه خبث
=وهي فين الوحده دي يا حبيبتي امال انا ايه واولادك الاتنين اللي نايمين جوه دول كمان؟ و مذاكرتك اللي مفروض تاخد كل وقتك، يومك يعتبر كله مشغول وتقولي برده قاعده لوحدك
وبعدين انا ما قلتش اني مش عايزه يبقي ليكي اصحاب بس انتٍ بتقولي متعرفه عليها من شهرين وعزمتك على خطوبتها وانتٍ بسرعه كده عاوزاها تكون صاحبتك كمان يبقي مش لازم اقلق.
ليختنق صوتها بالعبرات عندما بدأت تدمع فهي تشعر بالضيق من حياتها المغلقة تلك، واردفت بصوت مختنق
= يعني هم الساعتين اللي هروح احضر خطوبتها هم دول اللي هيكونوا خطر على حياتي مثلاً.. وبعدين انا بصراحه تعبت وزهقت من المذاكره للاولاد وما بخرجش خالص من البيت وحتى الجامعه بطلت اروحها عشان خاطرك، وما ليش حد ادردش معاه شويه زي اخواتي ولا اهلي اللي برده منعتني عنهم نفسي بقى اخرج واشوف ناس جديده ويبقى لي اصدقاء .
أبتسم بسخرية دون مرح ثم قست نبرته وهو يتحدث بتهكم
= انا اللي منعتك عن أهلك بجد! طب اذا كان عمك المتحرش واهله اللي اتستروا عليه فانا عملت الصح وأي حد مكاني كان هيعمل كده،
اما بالنسبه لاخواتك فهم اللي بعده عنك بارادتهم وانا حاولت كتير اصلح اللي بينكم عشان ما اكونش انا السبب واه كمان اللي ما تعرفوش أني حاولت من وراكي وبرده وصلت لنفسي النتيجه انهم مش عاوزين يتحملوا مسؤوليتك! هم دول بقى الأهل اللي بتتهميني أني منعتك عنهم ولا هم اللي منعوا نفسهم عنك .
نظرت إليه بأعين صادمة وهي تحاول ان تفهم هل يعايرها بتخلي أسرتها عنها، تفهم جيد سبب دموعها تلك المرة، فاقترب منها يجفف دموعها ويلثم خدها بحب متحدثاً بجدية
=بلاش تبصيلي البصه دي انا مش بعايرك يا ديمة بس انتٍ اتهمتيني أن السبب وانا بحاول ادافع عن نفسي.. وبعدين خليني ماشي معاكي لو وافقت انك تروحي الخطوبه دي تقدري تقوليلي مين هيخلي باله من الاولاد انا شغلي ما لوش ميعاد ممكن اكون اليوم ده مشغول غير ان انا مش هعرف اهتم بالاتنين لوحدي
دي عاوزه مهمه ست وانتٍ بتقوليلي عاوزه تروحي ساعتين وترجعي.
فقالت غاضبة وهي تنهض تاركة صحنها فوق الطاولة أمامها
= ممكن نعمات تقعد بيهم اليوم ده اعتقد ان احنا خلاص اختبرناها كتير وبقينا واثقين فيها زياده وهي مش هتمانع وسيبني انا ليها هعرف اقنعها.. اظن بقى دلوقتي بعد ما حليت موضوع الولاد ما فيش حجه تانيه تخليني ما اروحش مش كده .
كز على أسنانه بقوة ثم وقف شامخاً بجسده أمام زوجته وهتف بصرامة حاده
=ماشي يا ديمه روحي بس بشرط واحد لو فعلا نعمات هتوافق تقعد مع الولاد انما لو رفضت، هتقعدي انتٍ بيهم لاني ما عنديش استعداد اجيب واحده غريبه تقعد مع ولادي غيرك أو غيرها.
تنهدت براحة ثم قالت مبتسمة بثقة
=لا ما تقلقش انا كمان ما عنديش استعداد اجيب حد غريب يقعد مع ولادي وانا قلتلك هتوافق وانا متاكده من كده.
هز آدم رأسه بعدم اعتراض بينما، جففت باقي دموعها وابتسمت لأنه بدا عليه بعض الأقتناع وأخذت تلثم كفه بحب وبامتنان وهي تدعي له بهمس (أدامك الله لنا وأطال عمرك يا حبيبي)
❈-❈-❈
وضع منذر قبضته على رقبته ثم دلك عنقه وبدأ في فركه بحركة تدليكية خفيفة، وتأوه بصوت خفيض قائلاً بارهاق
=آه الواحد تعب النهارده من الشغل أوي، و والدك ضغط علينا كلنا وعلى نفسه عشان الشغل يخلص على اخر الشهر
ردت عليه رغد بابتسامة متسعة
=معلش أنت يعني مش عارف بابي وقد ايه بيحب الانتظام في الشغل امال هو عينك ليه هنا وادالك منصب كبير بسرعه، عشان حس ان انت برده ذيه بتحب الانضباط في الشغل..
عبست بوجهها وهي تتابع حديثها باهتمام
= بس ما قلتليش يعني اخبار مراتك ايه كانت اسمها تقريبا ضحى! اتصالحتوا ولا لسه مخاصماك اصل انا يعني فهمت الموضوع علي طول و انها جريت واتضايقت عشان ما قدرتش تتحكم في غيرتها
رد منذر متعجبًا من سؤالها وهو يشير بيده
= صالحتها من بدري، ضحى طيبه جدا و بتحبني أوي وانا وهي ما نقدرش نقعد وقت طويل واحنا مش بنكلم بعض عمرنا ما عودنا بعض على حاجه زي كده ولا نقدر نعملها دلوقتي بعد العمر ده كله .
عقدت حاجيبها ساخرة وردت باستنكار ساخط
=صالحتها! قصدك يعني مش هي اللي جت وصالحتك كمان واعتذرتلك على الموقف البايخ ده، أصلا أنا ما رضيتش اقول لك بس المره اللي فاتت الناس كلها هنا استغربت جيرك وراها، بصراحه انت غلطان كنت سبتها ولما روحت تتجاهلها خالص وانا اراهنك هي اللي هتصالحك من نفسها، احنا ستات زي بعض وانا افهم دماغ الستات كويس .
لم يكن بحاجة إلى مثل تلك العبارات و النصائح في كيف تسير أموره مع زوجته لأنه بالفعل حريص على أقل شيء يخصها، فالتفت نحو وجهها، وقال بصوت آجش
=الموضوع مش حكايه مين يفهم دماغ مين؟ كل واحد لي مواصفات غير الثاني وانا فاهم كويس دماغ ضحى، الدليل ان اول ما كلمتها هي كمان نسيت كل حاجه وما فتحناش الموضوع تاني.. وهي ما كانتش تقصد اللي حصل ولا انتبهت ان احنا في مكان عام، و بيني وبينك بصراحه هي معاها حق انا لما قعدت افكر فيها مع نفسي لاقيت أن اي واحده مكانها كانت هتعمل كده و انا ما كنتش لازم اعمل كده من البدايه.
اشتعل وجهها بحمرة غضب خفية وردت ببرود
=بس لازم بعد كده تاخد بالها انت عارف اي حاجه كده ولا كده هتتنشر عنك والصحافه لما بتصدق تصطاد الناجح، و ياتري هي أيه بقي الحاجات اللي بتثير عصبية مراتك؟ عشان ناخد بالنا وانت تحذر
تنهد الآخر وهو يرد قائلاً بهدوء رزين
= ضحى مش من النوع اللي بتتعصب اصلا، ده أنا ممكن اعدلك الايام اللي كانت ممكن تغضب فيها و لما بتحصل بتكون عشان مصلحتي وبس انما دلوقتي الوضع اتغير شويه، وانا للاسف خدت بالي متاخر .. انها بدات تتعصب لما واحدة تقرب مني غيرها أو تبدي إعجابها بيا حتي.. لكن أنا لازم مش أعمل حاجة تثير غيرتها بعد كده.
أردفت رغد قائلة بابتسامة صفراء
= بتشتري عمرك انت يعني
ليحدق فيها بنظرات لامعه و بوميض مشرق أثر حديثه عن زوجته، وهو يقول بحب
= بشتري إحساسها.. ماحبش أعمل حاجة تضايقها وهي ما تستاهلش أن اضايقها، هي عملت معايا كتير أوي وفوق ما تتخيلي.. هي بالنسبه ليا زي الملاك، امال انا بقول لك ليه هي مش بتتعصب الا لمصلحتي عمرك بقي شفتي ملاك بالشكل ده .
استمعت له بحزن ظاهر في نظراتها المثبتة عليه، وشعرت بالحقد تجاه زوجته وأنها لا تستحق كل ذلك العشق وهي الأجمل و الاغني والافضل منها لم تقابل الحب الحقيقي ابدأ فلما لم تحظي بشخص مثل منذر وفي ويحبها بصدق…اصطنعت التفكير بأسف وهي تقول بنبرة مقصودة
=مش عارفه بس بحس علاقتكم مش موضوع حب، يعني انت مثلا دايما طول الوقت لما بتحكيلي عنها بتقعد تقول عملت معايا كتير.. فما فكرتش انك مخليها جنبك ولسه على ذمتك لحد دلوقتي عشان بس ترد شويه من الجمايل اللي هي عملتها ليك.
جمد أنظاره عليها بدهشة، فابتسم لها مشيرًا بيديه في الهواء قائلاً بجدية
= يعني ايه لسه مخليها على ذمتي لحد دلوقتي قصدك يعني عشان ربنا كرمني؟ هو العادي ان لما ربنا يكرمني هتنازل عن البنت اللي انا بحبها وادور على غيرها ولا ايه؟ ممكن ده بيحصل في مجتمعكم عشان كده قلتلي حاجه زي كده لكن معايا مستحيل.. اما بالنسبه ليه كل ما اتكلم عنها بقول انها عملت معايا كتير؟ فعشان بحب افكر نفسي بكل حاجه عملتها معايا عشان لما الغرور ياخدني شويه عنها افتكر على طول .
كورت يدها ضاغطة على أصابعها بقوة و اضطرت مجبرة ألا تعلق عليه حتى لا تكشف نواياها، وقالت بغيظ مكتوم
=ياه هو انت للدرجه دي بتحبها؟ وعامل حتى حساب حاجه لسه مش متاكد انها ممكن تحصل
نعم هو غارق حتى النخاع في حب امرأة سلبت قلبه وسيطرت على عقله، تمنى في نفسه أن تدوم تلك الفرحة وألا تعود الأمور إلى سابق مجدداً، أبتسم بهدوء مثير ثم أخرج تنهيدة عميقة من صدره هاتفًا
=أخيرا انتٍ إللي انتبهتي ان انا فعلا بحبها و
هي مش مجرد واحده اتجوزتها عشان اخلف منها وخلاص ولا عشان وصلت لسن الجواز! ولو بفكر كده كنت زماني سبتها وشفت غيرها من اول ما كان عندها مشاكل في الخلفه، ضحي اغلى واحلى حاجه ممكن تكون حصلتلي في حياتي يا رغد.
شعرت بالاستياء من طريقته في التعبير عن حبهم بكلمات متزنة، وذلك مما يذكرها بحياتها السابقة وفشل العلاقات الزوجية التي عاشتها. فأجابته بحزن
= بصراحه بتفاجئني كل شويه يا منذر عمري ما شفت شخصيه زيك ولا حد وفي للدرجه دي.. ولا ممكن يكون بيحب حد بالطريقه دي
اتسعت ابتسامته وهو يقول بعدم انبهار بنفسه
= مش شايف نفسي بعمل انجاز تنبهري بيه، عشان الانجاز الحقيقي اللي هي عملته معايا، انا لو قعدت اتكلملك عنها من هنا لـ 100 سنه مش هيكفيها عرفتي ليه يختصر ليكي الكلام عنها انها عملت معايا كتير.
رمقته بنظرات مزعوجة من أسلوبه في التعامل معها والحديث عنها بحب كبير وكأنها ليست زوجته وتستحق ذلك؟ وهذا نتيجة صبر الاثنين، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا عنه مرددة بإحباط
= ما انت السبب برده ما بتحكيليش عنها، ما تجرب تحكيلي عشان اعرف الملاك اللي انت معاشرها بجد مواصفاته ايه.
❈-❈-❈
في طريق كان معاذ يقود السيارة ومعه زبونه واولادها الخمسة جالسان في المقاعد الخلفية وكاد يفقد عقله من شقاوتهم وصوتهم العالي. ثم صف السيارة جانب وقال بضيق وهو ينظر إلى عبر زجاج النافذة بجانبه
= اتفضلي يا مدام خلاص وصلنا، انزلي وعدي عيالك واحد واحد احسن تنسي واحد منهم ولا حاجه، انا مش ناقص ده انا استحملهم طول الطريق بالعافيه .
فتحت المرأة الباب لتهبط عندما قالت له بغتة بصوتٍ يرتجف غضبا
= هو انا لاقياهم في الشارع عشان انساهم دول عيالي وتعبانه فيهم، أمسك خد اجرتك بعربيتك الخربانه دي إلا حتى شغلت شويه اغاني العيال يتبسطوا بيها .
احتقن وجه معاذ بالامتعاض و أخرج رأسه من نافذة السياره وهو يقول باستياء
= اغاني إيه اللي اشغلها ما كفايه عيالك كانوا قلبين العربيه ملاهي وجابوا لي صداع.. دول كرهوني اجيب عيل تاني، هي المدام ما سمعتش عن حاجه اسمها تحديد النسب ولا ايه.
شهقت المرأة بغضب وظلت تلومه وتذكر بعض الآيات القرآنية عن الحسد، ورفعت كف يدها نحو وجهه خوفًا من أن تتعرض هي وأطفالها للحسد بسببه، نظر إليها بسخرية ثم تحرك ليقود السيارة مرة أخرى، ثم عاد إلى طريقه إلى المنزل.
بعد مرور وقت في المنزل، أطلق نفسا بائسًا وهو يرخي جسده ثم مرّ من الصالة ليجد مالك يمسح منضدة الطعام بعد أن انتهى من تناول الغداء فسارع يسأله بلهفة
= مالك انت كنت بتاكل، هو الاكل النهارده ايه؟
عقد إبنه حاجبيه لسؤال أبيه وأجابه بضجر
= ما اعرفش ماما هتاكلك ايه انا خلصت اكل و رايحه اتفرج على التلفزيون شويه وبعد كده ادخل انام عشان مش ورايا حاجه اعملها .
تفهم والده بأنه غاضب منه لان لم يعد يخرج معه مثل سابق، لكن تفاجئ مالك من لحاق أبيه به كأنه يحاول فتح حديث معه بأي عذر بالكلام.. سأله عن اسم البرنامج الكرتوني الذي كان يشاهده وأجاب الآخر بضيق واختصار علي اسئله ثم أشاح بوجهه بعيدا عنه بنفور، فحدَّق في عيني أبنه باضطراب ثم تحدث قائلاً
= مالك حبيبي ما تزعلش مني عشان ما بقتش اخرجك زي زمان بس انا الايام دي بقيت مش فاضي وبشتغل
تنهد بعدم تصديق فأجابه بنفاذ صبر
= بتشتغل بجد ولا بتقعد مع جدو ومش بتعمل حاجه زي زمان
أنصدم من سؤاله ليعلم بان بسمه كانت محقه عندما قالت الأطفال يفهمون كل شيء يحدث حولهم جيد، شعر أنه جرح كبرياءه فأجاب بنبرة مشوبة بالاقتضاب
= لا بشتغل فعلا بجد، خلاص زمن الدلع بتاع زمان راح والوكاله كمان راحت و انا شغال دلوقتي سواق على العربيه .
كان تصرف الطفل منطقي.. فهو لا يذكر ولو مرة أنه قد بادر سؤاله عن حاله أو قام باصطحابه معه لنزهة إلا بعد انفصاله عن والدته، وعندما اقترب منه كان سعيد جدا وظن بانه تغير، لكن عندما أبتعد عنه مجدداً اعتقد أنه عاد مثل سابق لم يهتم لامره.. لكن إذا كان الأمر كذلك وما زال يعمل فمعنى ذلك بانه يحاول التغيير لأجلهم لذلك اجاب قائلاً
ببراءة
= ماشي خلاص هعذرك، عشان ماما قالتلي لو حد زعلان منه عشان مش بيزورك ولقيته فعلا تعبان ومشغول بجد سامحه واعذره وانا هسامحك واعذرك.
أبتسم معاذ بشرود ثم بعثر شعر طفله وهو بفكر بأن بسمة نجحت حقا في تربيه طفلهما وبطريقه جيده للغايه، ثم تساءل باستغراب
= هي امك فين مش سامعلها صوت ليه؟ هي نامت بدري كده.
❈-❈-❈
مرت عده أيام و أسابيع، بينما لاحظت رغد شرود منذر هذه الفترة علي غير العادة حتى عندما حاولت التحدث معه كان بجيب باختصار شديد وأحيانا لا يسمعها، ولاحظت أيضا عبوسه المستمر طول الوقت فنظرت له بغرابة وهي تعقد حاجيبها متسائلة باهتمام
= مالك يا منذر ما بتردش ليه؟ ده أنت مش معايا خالص ولا مركز في الشغل لو تعبان ما تاخد اجازه
ارتشف ما تبقى من قهوته جرعة واحدة و ابتسم ابتسامة باهتة محدثًا بصوت مخنوق
=لا أجازه ايه الشغل هو احسن حاجه ليا خصوصا الفتره دي، لو قعدت في البيت هتخنق اكتر والتفكير مش هيرحمني.. انا مش واخد على كده
إجابته بابتسامة واسعه وهي تشعل عقاب سيجارتها
=للدرجه دي كاره قاعده البيت.. هو انت اتخنقت مع مراتك تاني ولا حاجه ومش طايق البيت عشان كده
اعتدل في جلسته فوق المقعد وهو يرد بإحباط
=اللي انا فيه ما لوش دعوه بمراتي يا رغد
المشاكل اللي عندي واللي انا فيها بسبب حاجه تانيه خالص.. وبالعكس ده هي اللي مصبراني على اللي انا فيه ولولاها ما كنتش رجعت البيت أصلا، انا ما ليش غير ضحى اصلا هي الوحيده اللي بتفهمني وبتعرف تطلعني من اللي انا فيه .
كانت مستشعرة نظراته الهائمة وهو يتحدث عنها فقاومت قد الإمكان عدم إظهار علامات النفور والغيظ منها لزوجته كي لا تفسد ثباتها،
ثم وضعت كلتا قبضتيها على يديه ضاغطة بقوة عليها في محاولة الإقتراب منه وهي تردد هاتفه بصوت رقيق
=طب اهدى كده ولو عاوز تحكيلي انا ممكن اسمعك، هو احنا برده مش اصدقاء وانا بحكيلك لما اكون حاجه مضايقاني وانت بتقترح عليا حلول.. جرب بقي تحكيلي انا كمان اكيد انا هستوعب اكثر عنها بحكم يعني الناس اللي بنقابلهم بالشغل لفترات طويله والمواقف اللي بنتعرضلها، وهقدملك حل مناسب اكيد مش هسمعك وبس
أزاح يدها عنه ليبتعد عدة خطوات وهو يرد
بجدية
=ومين قال لك ان ضحى بتسمعني وبس ضحى بتقدملي اكتر من انها بتسمعني وتخفف عني كمان.. بس الوضع المره دي غير وانا اللي مش قادر اخد الخطوه دي او الحل ده
وقفت تسد عليه الطريق بجسدها، وحينها وضعت يدها مجددا على كتفه بحنان وهي تحاول أخذ دور ضحي وتجذبه إليها لتهتف نبرة ناعمة
= منذر هو انت ليه كتوم معايا كده وغامض برغم بحس أنك شايل مشاكل كثير ومش بتحب تحكيلي ليه؟ انا والله العظيم ما هقول لحد على اي حاجه وهم الاصدقاء وجودهم في حياه بعض ايه غير عشان كده أصلا يسمعوا بعض ويقدموا حلول ويخففوا على بعض، انا اقدر اعمل لك كل ده بس جرب
هز رأسه بهدوء وهو يرسم ابتسامة باهتة ثم أردف قائلاً بلهجة عميقة
=انا متاكد من كده من غير ما تقولي، بس تقريبا كده العيب فيا انا، ضحى الوحيده اللي بيرتاح وانا بحكيلها حتى لو متاكد انها مش هتقدم ليا اي حاجه بس فكره انها تسمعني دي عندي كتير وبرتاح جدا، ومش موضوع تعود وبس احنا بقيلنا سنين طويله كده.. اي حاجه ممكن تتخيليها حتى لو ما ينفعش تتقال بين الازواج عشان ما تكونش نقطه ضعف ليا انا بحكيها ليها وهي بصراحه شاطره في كده جدآ وهي السبب واللي خلتني كده
أرخت يدها عنه ببطء بحزن وإحباط ورغمًا عنه أضاف لسانه بتنهيدة تحمل الأشواق والاشتياق
= تعرفي كنت فاكر حتى لما بكبر وانشغل هبطل كل العادات دي بس مع اول مشكله حصلت، رجعت ثاني فكرت فيها و رحت عليها هي اول واحده عشان تسمعني وتطمني حتى انا نفسي استغربت مني.. هي بجد جميلة أوي.
اغتاظت من تصرفه وتعامله تجاه زوجته حتى وهي غير موجودة معه؟ يحافظ على كيانها وكرامتها. كانت مندهشة جدًا من حبه وتعلقه بها حقًا، فلم تجد رجلاً مثله في حياتها يحب زوجته بهذا الشكل. جلست مستاءة على طرف المقعد مستندة برأسها على مرفقها، ولفظت مجددًا دخان سيجارتها مرددة بسخرية مخفيه
=يااه ده احنا المفروض بقى نعرف السر فين وازاي مدام ضحى بتقدر تعمل كل ده، عشان تخليك مش شايف غيرها وبتحكيلها كل حاجه
ده في ستات كتير نفسها تعمل كده ومش بتعرف
أصابه حاله شغف وهو يتذكر صاحبة القلب الحنون التي تبذل قصاري جهدها من أجله واردف بنبرة عاشقة
= مش هتعرفي، عشان السر فيها نفسها، في ضحي! هي شخصيه طيبه ومسلمه وما فيش زيها .
❈-❈-❈
عاد معاذ من الخارج مرهقًا وبحث عن بسمة وأخبره مالك بأنها نامت كالعادة وتركت له طعامه في المطبخ ليتناوله بمفرده. ضغط على شفتيه بغضب فهو يحاول التغيير من أجلها ولكنها لا تزال تبتعد عنه. تحرك متجهًا نحوها وطرق الباب بشيء من الانفعال النابع من أفكاره وعندما لم تفتح له، لم ينتظر أكثر ودخل ليجدها تنهض وتطل عليه بقميص قطني يصل للركبتين وبشعر مشعث من النوم لتقول بتعجب وهي تفرك عينيها
= في ايه يا معاذ عاوز ايه؟!.
كانت نظراته تنخفض وترتفع لمنامتها الخفيفة التي تكشف عن مفاتنها ليقول بنبرة نارية
= ايه اللبس اللي انتٍ نايمه بيه ده، حد ينام كده؟ هو انتٍ مش ملاحظه ان إبنك كبر على أنه يشوفك بالمنظر ده.
نظرت إليه باستغراب بعينيها لترد بفظاظة
= طب ما أهو بترد على نفسك أني كنت نايمه
هنا لوحدي وابنك بره، ايه عاوزني انام كمان بإسدال صلاه.. وبعدين مصحيني عاوز ايه؟.
جز علي أسنانه مغتاظًا ليقول بوجه حازم
= هو انتٍ ليكي نفس تنامي من غير ما تطمني علي جوزك و يرجع من بره، هو انا بعمل كل ده ليه، وكمان مش مجهزه ليا لقمه اكلها حتي
ابتسمت ابتسامة غريبة بجمود دون أن يرف لها جفن لتقول
= هو ايه اللي بتعمله ان شاء الله راجل ذي كل الرجاله عادي بتشتغل عشان تصرف على البيت وابنك.. وبالنسبه للاكل عندك الباذنجان على الرخامه سخن العيش وكل.
اشمئزت ملامح معاذ وهو يقول بنفور
= بتنجان تاني امال الفلوس اللي بديها لك بتروح فين.. انا زهقت من الباذنجان كل يوم
كتفت بسمة ذراعيها دون أن تتراجع قيد أنملة ثم شمخت بذقنها بعزة و قالت بزهو
= كان على عيني والله، بس الفلوس اللي انت بتجيبها يا دوبك بتكفي امور البيت بالعافيه ده انا حتى لسه ما خدتش الفلوس اللي استلفتها مني، وبعدين يا حبيبي زود دخلك وانا اعمل لك المحمر والمشمر مش يا دوبك تروح و تيجي بمزاجك وتشتغل ساعتين ولا ثلاثه وتقولي ده اللي عندي وكمان بتصرف نصف الفلوس بره عشان تفطر .. انا عارفه فطار إيه ده اللي بيكلفك كل يوم 200 جنيه.
كاد أن يتحدث مجدداً لكنها اشتعلت عيناها وهدرت بعناد
= بقول لك إيه انا تعبانه وعاوزه أنام، و لازم تعمل حسابك تزود ساعات عملك و تخف اكل كتير بره لأنه مضر وبيصرف كتير.. لاما بقي خليك عايش طول حياتك تاكل باذنجان.
صمت معاذ بوجه محتقن بينما كان ينفخ غضبا ليس بسبب عنادها وتجاهلها له فقط؟ بل أيضاً من هذه الملابس التي ترتديها وأيضا لأنها كانت تنام بعيد عنه بينما النوم حرم عليه بسببها.. صحيح كان يشمئز منها عندما ترتدي ملابس شبيهة لذلك لكن بهذه اللحظة ودون أن يفهم نفسه كان جسده يرتعش كأنه لا يريد الشعور بشيء إلا بها، الاحتراق بلمسها.
بينما لم يحتمل استفزازها برفضها المتكرر لخدمته فوجد نفسه يقترب منها بوجه غير مقروءه، نظرت إليه بوجل وهي تتراجع للخلف بينما وجد نفسه يهتف بها في فورة انفعالاته ومشاعره المحتدمة
=هو انتٍ عاوزه توصلي لايه من عمايلك دي؟ من زمان وانتٍ عارفه أني مبحبش أشوفك لابسه كده! فما بالك دلوقتي واحنا منفصلين ليه دايما بتحاولي تعملي عكس إللي عاوزه وبطلبه منك..
حدقت بسمة بعينيها في عمق عينيه بتوتر مبالغ و رسمت الثبات وهي ترد بتحدي سافر
= مش عاوزه حاجه غير انك تبعد عني، و بعدين مش انا لما بلبس كده بخليك مش طايق تقرب مني وتقرف؟؟ خلاص يبقي المفروض أكون دلوقتي بثير اشمئزازك بشكلي ده وانت قرفان مني.. ولا فجاه بقيت بعرف اغريك!
قبض على معصمها بقسوة يسحبها له بحده لتصطدم بصدره فقد أصابته حقا بكلماتها لكن أي رجل يستطيع تجاهل امرأة بهذه الملابس الفاتنة، تشنج جسده في جوع إلى وصالها، بل تلوّت روحه توقا لقربها ثم تحركت شفتاه ينطق بإصرار جاد
= بـســمـة.. بلاش تختبري صبري اكتر من كده وتعالي نرجع لحياتنا القديمة ذي زمان!. واحنا الاتنين غلطنا ومعترفين بكده.
هزت رأسها باعتراض عابس وجفاء وهي تحاول بكل قوتها دفعه بعيدًا عنها، أصابه حاله غضب شديدة فكان يحاول عقله أن يواسيه ويلهمه الصبر للتعامل معها ولكنه فشل بوضوح.. فكل ما فيه ينبض ليكون معها بشوق غاضب وبيأس و عذاب لا يوصف، لقد جهل لسنوات أن فتاة أحلامه كانت تعيش بالقرب منه وهو لم يكن يدري، نعم يرغب فيها بشدة ويحتاج إليها وهي تبتعد وتتجاهله تمامًا و تعامله كأنه لا يهمها. وكل ذلك يزيد رغبته فيها أكثر.
وقبل أن تنجح في الهروب منه، أخفض رأسه ليقبل شفتيها بشكل عنيف ومليء بالشغف والحاجة واللهفة لها فقط، تجمدت للحظات في صدمة حتى استوعبت ما يفعله وبدأت تقاومه بشراسة وتضرب على كتفيه بينما هو مستمر في انتهاك شفتيها بهجوم حتى تذوقها بكل ما فيها كما تمني.. توقفت عن المقاومة بعدم استيعاب وتهاون جسدها بين يديه.. وأصبح عقلها يتساءل هل هو من يبادر في فعل ذلك حقًا؟ هل كان صريحًا وواضحًا في مطلبه؟ هل يأخذها وسط الأنوار وليس في الظلام؟ هل هو معاذ نفسه زوجها السابق؟ أم شخص آخر؟
بعد وقت لاحق، انتهى الأمر بهما على الفراش التف معاذ والعرق يتصبب منه، بينما شعر بانخفاض بتأثير الاحتياج العاطفي تدريجياً عنه وبدأ يستوعب ما فعله قبل قليل! غضب من نفسه بشدة.. بينما انكمشت ملامح بسمة بأسى عندما رأته ينهض بسرعه يرتدي ملابسه ليرحل بصمت، ولم تحتاج تفسير للأمر لا بد أنه نادم على علاقتهما التي حدثت بذلك الشكل رغم انها شعرت بسيل جارف من عاطفته الحقيقية فلأول مرة بحياتها تشعر بحب معاذ لها.
❈-❈-❈
لم تستطع ديمة إخفاء حسرتها أو غضبها تجاه نعمات بسبب غيابها المفاجئ يوم حفله خطوبه صديقتها، نظرت لها بضيق وهي تقول باقتضاب
=كده يا نعمات بعد ما اتفق معاكي تيجي تقعدي مع الاولاد يوم الخميس ساعتين بالليل عقبال ما اروح خطوبه واحده صاحبتي واجي الاقيكي رجعتي في كلامك وما جيتيش وافضل مستنياكي..
توترت نعمات قليلاً وأجابت بتردد حرج
= معلش يا ست هانم كان غصب عني حد تعب من ولادي وكان لازم افضل جنبه.. آآ و كمان التليفون كان عطلان وبايظ مني اليوم ده وجوزي ما كانش موجود عشان يلحقني
تنهدت ديمة بقله حيله ولم تستطيع عتابها عندما عملت بمرض طفلها ثم ربتت علي يدها بحنان وقالت باهتمام
= طب يا ستي اتصلي بيا من اي تليفون عرفيني بدل ما انا مجهزه نفسي واتعشمت على الفاضي، على العموم الف سلامه عليه هو إبنك عامل إيه دلوقتي لو لسه تعبان انا ممكن اديكي نمره الدكتور اللي بتعامل معاه وهو كويس
ابتلعت ريقها بقلق فكذبت قائلة دون انتباه
=لا الحمد لله كويس.. ده اول ما تعب من هنا اتصلت بواحده جارتي دكتوره وقامت باللازم هو انا برده ههمل في ولادي
عقدت حاجيبها للاعلي وهي تقول باستغراب
=هو انتٍ مش لسه من شويه قلتي تليفونك كان بايظ يبقى اتصلتي بجارتك دي ازاي عشان تيجي تكشف على ابنك
ردت عليها نعمات بنبرة مرتبكة
=هاه، آآ من تليفون جوزي ما هو كان موجود
شعرت الأخري أنها تكذب أو تخفي شيء ما، لذلك اقتربت منها بملامحها الجادة ونظراتها الصرامة وهي تهتف بجدية
=في ايه يا نعمات مالك كلامك مش راكب على بعضه ليه وبتقولي حاجه وترجعي فيها ما انتٍ لسه من شويه برده قايله جوزك ما كانش موجود عشان يلحقك.. ما تقوليلي الحقيقه في ايه بالظبط .
هربت الدماء من وجه نعمات ثم تنهدت بضيق شديد وهي ترد باعتراف صريح
=يووه ما انا بصراحه بقي ما بعرفش اكذب ولا الف وادور، ابني ما كانش عيان ولا حاجه وانا كنت خالص جايه لك و جوزي وافق كمان و قالي طالما هم كويسين معاكي مش هيجرى حاجه و روحي.. بس اتفاجئت بالاستاذ ادم بيتصل بيا وقالي ما تروحيش !!.
انتفضت ديمة من مكانها بصدمة كبيرة قائلة بتوجس
= آدم! وهو قال لك كده ليه ؟!.
تمتمت بصعوبة وهي تحاول استجماع ما حدث
=ما انا استغربت وسالته وفكرت ان حضرتك خلاص رجعتي في كلامك ومش هتروحي الخطوبه بتاعه زملتك دي بس لقيته بيقولي، ملكيش دعوه واسمعي كلامي تقفلي تليفونك وما ترديش علي المدام مهما حصل ولما تروحي تاني يوم عادي قوليلها ان إبنك كان تعبان ولا اي حاجه بس اوعي تجيبيلها سيرتي ان أنا اللي قلتلك ما ترديش عليها ولا تروحي وهددني كمان ان لو عرفتك حاجه زي كده هيقطع عيشي بس انا والله ما قادره اسكت وانتٍ صعبانه عليا أوي وما شفتش منك حاجه وحشه.. و والله العظيم ما بكدب يا ست هانم وكل كلمه قلتها لك حصلت
شل تفكيرها تماماً ولم تجد ما تبرر به فعلته من موقفه ضدها فقد ألجمتها المفاجأة وعقدت لسانها، ثم تساءلت بتوتر
= مش فاهمه حاجه، لو كلامك صح هو بيعمل كده ليه؟ ما هو قالي بنفسه اصلا خلاص روحي طالما في حد هيقعد مع الولاد
قالت دون تفكير وراحت ترمقها بحنان وشفقة
= وهي محتاجه ذكاء يعني يا مدام اكيد مش عاوزك تروحي الخطوبه دي وقال بدل ما تيجي منه تيجي مني انا، وهو يطلع قدامك مش ممانع.. انما ليه بيعمل كل ده بقي؟انا ما اعرفش بالضبط بس في كذا سبب تعرفي لوحدك مع جوزك انا ما ليش دعوه بخراب البيوت ده..
بصعوبة بالغة تمكنت ديمة من الجلوس فوق المقعد خلفها من الصدمة وهي غير مصدقة أفعال زوجها ولا مبررة لذلك، لما يمنعها من الذهاب إلي الأغراب أو حتي لأسرتها، ارتجف جسد نعمات من عنف آدم ضدها، و اضافت بصوت متوسل
= بالله عليكي ما تعرفوش ان قلت لك حاجه يا ست هانم احسن من ساعه ما هددني وانا بقيت اخاف منه أوي بصراحه.
❈-❈-❈
مرت أيام كثيرة ولم يتغير حال منذر منذ لقاءه مع أسرته ولم يسأل عنهم أبدًا، لكنه لم يتركهم من الجانب الآخر وسدد كامل المستحقات المادية للمشفى. بينما كانت ضحي تلاحظ حالته النفسية جيدًا حتى وإن لم يظهر ذلك، فكانت حائرة ماذا تفعل لمساعدته للخروج من تلك الدوامة؟ وفكرت في النهاية في طريقة ما لتساعده، على الرغم من أنها لم تفتح معه تلك المسألة مرة أخرى، لكنها تعلم جيدًا أنه يرغب في ذلك ولكنه متردد، لذا ستأخذ هي الخطوة بدلاً منه.
استمعت مايسة لطرقات فوق باب المنزل و تحركت لتفتح الباب وهي تردد
=ايوه ياللي على الباب جايه أهو.. ضحي!.
ابتسمت ضحي ابتسامة بسيطة وهي تقول
=ازيك يا طنط مايسه عامله ايه واخبار صحه عمي شاهين
نظرت إلى الفور إلي تلك الصغيرة التي تحملها ثم أمسكت بيد الرضيعة لتمتع عينيها برؤيتها بشغف وتساءلت بتلهف
= البنت اللي انتٍ شايلاها دي بنتكم صح؟ دي بنت منذر مش كده! شاهين قالي انه كان معاه بنت صغيره لما شافه و كان نفسه يلمسها ويحضنها بس هو ما رضاش
هدهدت ضحي صغيرتها قائلة بحنو
= ايوه دي اوليندا بنتي انا ومنذر، عاوزه تشيليها اتفضلي.
صاحت مايسة بامتنان كبير وهي تبتسم لها
=يا حبيبتي تعالي فيكي الخير ادخلي يقطعني نسيت اقول لك اتفضلي، تعالي ده شاهين هيفرح أوي لما يشوفك ويشوفها.. والله شاهين كان معاه حق لما قالي انها شبه منذر دي حته منه.
استقبلت كلماتها بابتسامة صغيرة، رأت مايسة الرضيعه تداعب الهواء بكفيها ببراءة، فدنا منها تلاعب أناملها الصغيرة بحب كبير وادمعت عيناها بفرحه وهي تاخذها منها وتقبلها بحنان ثم هتفت بحماس
= ماشاء الله ربنا يحميها، يا شاهين.. مش هتصدق مين هنا جي يشوفك حفيدتك من منذر.. ضحي كثر خيرها جايه تطمن عليكي كمان
تحركت ضحي أنظارها للداخل مع خطواتها تجاه حماها وسرعان ما اتسعت عيناها بصدمة كبيرة وهي تهتف بعدم استيعاب
=ايه ده؟؟.
فهمت الأخري مقصدها لتجيب هاتفه بحسرة على مصائبهم
= آه ما انتٍ ما تعرفيش صحيح ولا حد يعرف عشان ما حدش بيسال علينا اصلا، عمك شاهين الحادثه قصرت على رجليه ومش هيمشي تاني وهيفضل طول العمر بكرسي العجل ده .
** ** **
_________________
بللت عبرات شاهين كف الطفله الصغيره وهو يحملها ويحتضنها، ثم قبلها مطولاً وبدأ يتحدث بصوت ثقيل
=عارفه.. فيه حاجات ما عرفتش قيمتها إلا افتقدتها، ولحد دلوقتي مش قادر اعوضها وبخاف أحس أن افتقدها للأبد وما يكونش في امل للرجوع، ودي حاجات لا يمكن نعوضها بمال الدنيا كله
أدمعت عيني ضحي وهي تشعر بالعطف علي حاله فحقا كان مثير للشفقة، وشعرت أنها تجلس أمام شخص آخر فأين ذهب غضبة وتجبره المعتاد، ابتلعت ريقها وقالت بخفوت
= كل حاجه فيها الوحش والحلو يا عمي، و احنا لازم قدام الحاجات الحلوه دي ندي امتنان وشكر حتى لولادنا .
تابع متحدثاً بصوت حزين للغاية وبندم أعنف
= تعرفي يابنتي.. انا اكتشفت أني كنت بستكـتر علي منذر اللي إحنا مبنستكـتروش على نفسنا.. يعني فين وفين على مافهمت إن من حقه يتعـصب زي مانا بتعـصب عليه.. و يزهـق زي مانا بزهـق.. و يقول كفايه تعبت زي مانا بتعب.. يلاحقنـي بطلباته زي مانا بلاحقه بطلباتي كل يوم.. لو كنت أعرف كنت إستحملت شويه كنت عديت مكنتش وقفت على الواحده ومكنش ده هيبقي حالنا! طبيعه بشر هنعمل ايه بنصعب الحياه وبنخليها مستحيله!!
إلتفتت مايسة نحو ضحي وهتفت بإلحاح وأمل
= انا عارفه ان انتٍ ممكن تكوني زعلانه مننا برده وبالذات انا عشان المعامله اللي كنت بعملها لك زمان، بس انتٍ قلبك ابيض حاولي تحنني قلبه علينا واحنا والله ندمانين ومش هنعمل حاجه تضايقه تاني
تنحنحت قائلة بتردد وهي تتحاشى النظر في عينيها كي لا يكشف أمر حزنها وعطفها تجاههم
= والله يا طنط من غير ما تقولي انا حاولت بس منذر مش بيجي بالزن في المواضيع دي
بالذات لازم القرار هو اللي يكون واخده من نفسه.. وما تزعلوش مني الموضوع برده كبير مش سهل علي منذر يفضل في العذاب ده اكثر من 20 سنة.. صعب ينسي في يوم وليله حتى لو انتم ندمانين فعلا
تنهد شاهين قائلاً باستسلام
=مايسة ما تضغطيش عليها عشان ما تعملهاش مشاكل بينها وبين جوزها خليها براحتها دي برده غلطتنا ولازم نحلها احنا، مش نجيب حد يحلها لنا ومش قادرين حتى نتعب شويه
رسمت ابتسامة زائفة على ثغرها، وهي تقول بنبرة متوترة
=اكيد ما اقصدش كده وانا قلت ولله كلمته بس هو ما سمعش كلامي، عشان كده بقول لكم هو مش هيجي بالكلام لازم القرار يجي من نفسه بس هحاول مره ثانيه اوعدكم .. عن اذنكم بقى مضطر امشي عشان اتاخرت.
أخذت الطفله وتحركت لتسبقها حماتها و
ابتسمت لها قائلاً برجاء ودود
= أبقي تعالي تاني بالله عليكي ما تقطعي بينا احنا ما بقاش حد بيزورنا ولا يعبرنا، وكمان هاتي بنتك معاكي تاخد بحسنا شويه.
للحظة، توقفت في مكانها عاجزة عن التقدم نحو الدرج، حيث شعرت بشدة بتعاطفها معهم لأنهم أصبحوا وحدهم ولا يراهم أحد حقًا، من يكن يعلم أن حالهم سيصبح هكذا في النهاية بعد تجبرهم وقسوتهم ضد منذر ولكن زوجها كان محقًا، فهذا هو ذنبه بالفعل وهم من فعلوا ذلك وأكثر.
بعد خروجها أغمضت عينيها وهي تتنهد بعمق ثم فتحت عينيها مستديرة للإمام لترحل، و كانت تفكر بجدية شديدة في أمر أسره زوجها وهتفت مع نفسها بحسم
= لازم منذر ما يعرفش موضوع والده انا كنت جايه عشان اخليه يطمن! انما لو قلته أن والده اتشل هيحس بالذنب وانه السبب وهو مش ناقص، خليه احسن يعرف لوحده؟ بلاش مني.
❈-❈-❈
مر يومين وتفاجأت ديمة باتصال بسمة لها دون إتفاق مسبق للتسامر و رغم انها قد تضايقت من اختفائها المفاجئ لكنها عادت ترحب بها وهي تهتف بعتاب
=مع اني كنت ناويه ما اكلمكيش خالص بسبب اختفاك المفاجئ ونمرتك اللي غيرتيها بس يلا هطلع احسن منك، اخبارك ايه.
جاءتها زفرة حارة من قلب بسمة متألمة لتجيب عليها يتصارع داخلها
=والله كان غصب عني يا ديمه لو تعرفي اللي حصلي هتعذريني وبعدين بيني وبينك كان نفسي ابعد عن كل حاجه، وعن كل الناس و قطعت علاقاتي بكل حد عشان كده غيرت نمرتي وريحت نفسي حتى مروه ذات نفسها اول واحده قطعت معاها وفهمتها اني هسافر البلد وهغير نمرتي ومكاني وكل حاجه ومش هينفع نتقابل تاني .
عادت تبتسم بتهكم وهي تقول بنبرة جاده
=بمناسبه مروه صحيح عرفتي اخر الاخبار ولا انتٍ هتعرفي منين بعد ما خلصتي السنه وهي عادت، مش اتصاحبت على الشاب اللي اسمه محمود ده اللي كان بيجي يوم ويغيب عشره كان معاكي في نفس الدفعه!
اتسعت عينا بسمة وهي تسألها بغباء واضح
=معقول مروه ومحمود! وهي ازاي تقبل حاجه زي كده وهي عارفه ان كان عينه مني.. هم لسه متصاحبين لحد النهارده علي كده؟.
ظهرت علامات الملل تكلل ملامح ديمة ثم نهرتها بصوت حازم
=ما انا جايه لك في الكلام أهو! ده انتٍ ربنا نجدك انك بعدتي عن الاثنين دول من فتره اتخانقوا خناقه كبيرة وفرجوا الجامعه كلها عليهم وقالوا كلام لبعض صعب وما يصحش، الظاهر أنه كان عاوز يسيبها وهي مش راضيه عشان كده طلعت القديم والجديد عليه وطلع متجوز ومخلف بس راميهم ومش بيسال عليهم وسارق ابوه وهربان وخدي عندك بلاوي ومصايب من دي كتير قالتها له قدامنا كلنا و
هو كمان ما سكتش وقال انها مطلقه ومحدش بيطيقها وبيره ولما صدقت انه عبرها اصلا.
ارتبكت ملامحها بشكل واضح لينتفض قلبها وهي ترد بعدم استيعاب
=لا لا واحده واحده عليا كده عشان انا مش فاهمه حاجه؟ مروه صاحبتي انا اللي كنت بروح واجي معاها على طول طلعت مطلقه؟ دي عمرها ما لمحت ليا لحاجه زي كده ابدا ولا قالتلي وانا كنت بقول لها كل اسراري! لا وكمان محمود اللي كان عاوزني اتطلق عشان اتجوزه ما طلعش زي ما كنت فاكره شاب مكافح و بيشتغل ويدرس وما فيش زيه واتاريه رامي مراته وابنه وسارق ابوه؟ ايه الناس اللي انا كنت مصاحباهم دول.
شعرت بسمة بالدموع بعينيها واللوم بعينى ديمة وهي تتحدث بجدية شديدة
=انا ياما حذرتك بصراحه منها وما كنتش فاهمه ايه سر صحوبيتك مع البنت دي بالذات وكانت باينه جدا انها بني ادمه مش سويه ولا كويسه، وبالنسبه للشخص اللي اسمه محمود ده برده كويس انك حذرتي منه من البدايه.. ودلوقتي واضحلك انه كان بيرسم وش عليكي عشان ينول غرضه وانه مش بتاع جواز واصلا ما فيش راجل محترم يقبل على نفسه يكلم واحده متجوزه ويطلب منها كمان انها تطلق وتتجوزه .. وما حدش عالم اصلا كانت نيته فيها ايه لو كنتي طوعتي
كانت تسمعها وتشعر بشئ ما يثقل أنفاسها بشدة، حاولت ملأ رئتيها بالهواء لتشعر بالمزيد من الألم والصدمة فيهما ولولا انسحبها عنهم فجاه لكانت وقعت في فخ الاثنين! حيث
تألم قلبها لمجرد تخيل الأمر وانها اذا كانت وافقت على طلبه واستسلمت ليشيطانها وقد انفصلت عن معاذ وذهبت الى جحيم أكبر، لتردف بنبرة متألمة
=انا عمري ما كنت هطوعه واسمع كلامه اصلا انا مش وحشه للدرجه دي يا ديمه! حتى لو جوزي في كل عبر الدنيا الطلاق عندي ارحم.. ومش هكذب عليكي انا عارفه ان مروه مش كويسه وابتدي ده يظهر الفتره الاخيره لما كانت عادي بتلمحلي اني اصاحب وانا متجوزه ولا اطلق من جوزي ودلوقتي عرفت سبب زنها عليا كانت عاوزاني ابقى زيها مطلقه، بس انا ما كنتش اعرف حد غيرها يخرجني من الجو اللي كنت فيه ويوافقني على الجنان اللي في دماغي! والاهم من كل ده كانت بتسمعلي لكن بعد كده فوقت متأخر وبعت عنها هي اول واحده.. اما بالنسبه لمحمود ما كانش قريب مني عشان ابعد اصلا.
صمتت الأخري برهة، ثم هتفت بعدها بتفهم
=انا فاهمه كل ده يا حبيبتي وما قلتش عليكي وحشه، بس اتمنى تكوني اتعلمتي مهما كانت الظروف واعذارك ما ينفعش تمشي في طريق غلط وانتٍ عارفه انه غلط وانتٍ الحمد لله لحقتي نفسك في الوقت المناسب.. و خلاص خدوا جزاهم وراحوا والجامعه اصلا رفدت الاثنين.. دول كونوا عمالين يعدوا السنه يجي اكتر من خمس مرات ولا بينجحوا وشكلهم كانوا جايين يتسلوا مش يتعلموا..
ثم اتسعت ابتسامة ديمة وتابعت حديثها وهي تضيف بحماس
= سيبك بقى وقفلي على الموضوع ده عاوزين نرتب خروجه ونتقابل انا هطق ما بقبلش حد وعلى طول قاعده في البيت مع الاولاد وحتى مذاكرتي بقيت في البيت وبروح على الامتحانات بس.. و في كلام كتير عاوزه اقوله لك.
وجدت ديمه هاتفها يرن برقم صديقتها على الطرف الاخر فاستاذنت لتغلق وتجيب عليها،
زاد ارتباك ديمة وتلعثمها وهي ترد بأسف
=نيره انا اسفه عارفه اكيد بتتصلي بيا تعاتبيني عشان زعلانه مني اني ما جيتش الخطوبه بس والله حصل ظرف غصب عني منعني.. وكان نفسي بجد احضرها .
عقدت حاجيبها باستغراب وهي ترد بتعجب
=اتصل اعاتبك ايه بس! انا فكرتك ما جيتيش عشان عرفتي ان انا اجلتها وكنت بتصل اعزمك تاني عشان حددت الميعاد
صدمت الأخري من كلماتها الغير متوقعه ثم فكرت قليلاً قبل أن تهتف بارتياح كبير
=بجد يعني الخطوبه ما اتعملتش اصلا، دي تبقى جتلي على الطبطاب لو الكلام ده صح
❈-❈-❈
كان يجلس منذر داخل غرفه المكتب بالمنزل يعمل حتى الآن حتى يجعل عقله يتوقف عن التفكير بالماضي، تثائب وعاد يعمل لكن النعاس بدأ يتسرب لعينه، فأكتفي بما عمله اليوم فأخذ ينهض ليذهب إلي جناحه ليجد زوجته كانت مستيقظه تطلع إلي ملامحها الناعسة وتسأل حائراً
= ايه اللي مصحيكي لحد دلوقتي.
أجابت مبتسمة وهي تعيد ترتيب الكتب تضعها في مكتبها الصغيرة الخاصة بها، الذي جهزه لها منذر عندما تفاجأ بحبها للقراءه بالفتره الاخيره
= ما بعرفش انام وانت بره، قلت اقرا شويه اي حاجه لحد ما تطلع.. منذر انت كويس مش حاسس عاوز تقولي حاجه أو تتكلم .
رد عليها منذر بهدوء وهو يقبله من وجنتيها
= لا يا ضحى مش عاوزه اتكلم في حاجه أنا تمام، ما تقلقيش عليا عارف أني متغير الايام دي بس الموضوع هياخذله شويه وهرجع انسى تاني زي ما نسيت زمان..
نظرت له غير مصدقة لما تفوه به فـ باغتته حين همست بخفوت
= بس انت ما نسيتش زمان يا منذر انت حاولت تتجاهلهم! بس برده ده اريح من انك تفضل في العذاب ده على طول
حاول يحيط خصرها ومسد على شعرُها من ورا، واجاب وعينيه تنضح بنظرة إشتهاء
= ما تسيبكٍ من الكلام ده كله وخليكي معايا، انا بجد عاوز انسى يا ضحى! ومتاكد طول ما انتٍ معايا وبنتي هنسى.
أصغت له بانتباه تام فقالت بابتسامة متوترة
= يعني انت متاكد ان انت عاوز تنسى عيلتك يا منذر.
وضع اطراف اصابعه على شفتيها ليجعلها تصمت ولا تتحور حول ذلك الموضوع مجددا، ثم ضمها لقلبه واخفض رأسه ليستنشق عبير شعرها بعشق متوهج فقال بعد تنهيدة
= ريحة جسمك من غير أي برفان.. بتقتلني!!!
قلت لك خليكي معايا وبلاش تفتحي المواضيع دي ماشي .
طالعته بنظرات ودية وخجل ثم هتفت بتردد
= ماشي زي ما تحب يا حبيبي، منذر هو انت ما وحشكش فكره ان يكون ليك اولاد ثاني ونجيب اخ لاوليندا.. يعني تخيل لو جبنا ولد يكون شبهك في كل حاجه.. شكل و طباع و أخلاق و حنين و كله أنت!!
هز رأسه برفض دون تفكير فقال بهدوء
= لا يا حبيبتي مش نفسي ولا عمر هيكون نفسي، انا مكتفي ببنتي وبس .
نظرت له بإستغراب وسألت بنبرة حزينة
= ليه؟ عشان نفس السبب برده بتاع زمان، منذر انت لما بتفكر بالطريقه دي بتخوفني وترعبني عليك.. منين بتقول عاوز تنسى وتتجاهل ومنين مسيطر عليك فكره ان احنا لو جبنا ولد ثاني هتفرق بينهم وهتبقى نسخه من والدك ووالدتك
تحدث منفعل بصرامة وبجدية شديدة
= عشان ده اللي هيحصل فعلا يا حبيبتي، و قبل ما تقوليلي احنا مش شاهين ومايسه طب ما ممكن غصب عننا نوصل للدرجه دي واحنا مش دريانين وانا مش هخلي ولادي يحسوا الاحساس ده.. كان نفسي في اطفال وجبنه مش هتفرق بقى كام واحد… وبعدين ده اللي حصل معايا بالظبط كانوا في الاول بياخدوا بالهم مننا انا ومعاذ وبعد كده اتعودوا انهم يجوا عليا عشانه ويا ريتهم خدوا بالهم غير في الآخر بعد العمر ده كله، بذمتك لما تفتكري اللي كانوا بيعملوا زمن فيا بيبقى نفسك بجد تجيبي اخ انا عن نفسي لا.
تابع حديثه وكأنه تحول والعشق والحب يرسم بسمة تملئ ثغره
= وبعدين أنا عايزك مُتفرغة ليا أنا وبس، مش عايز حد يشغلك عني حتى لو الحد ده إبني!!
لكن لما تكون طفله واحده هتعرفي، وبعدين افتكري اول ما جات اوليندا شفتي انشغلتي معاها ازاي ونسيتيني ما بالك بقى انا لو كنت اخ ثاني.
أصرت على مفاتحته مجددًا بطريقتها الخاصة قائلة برجاء
= يا منذر ما تكبرش الموضوع ده غير ده، و بعدين أنا عايزة بيبي منك تاني!! عارف لو هتقولي مش دلوقتي وموافق على الفكره انا هوافقك لكن انت مش راضي خالص .
مط فمه للإمام بعدم رضا ثم قال بجدية
= مش عارف يا حبيبتي مش بحب اديكي حاجه انا متاكد من قراري فيها بس يعني.. ممكن افكر ولا حاجه بعد اربع خمس سنين.. بس افكر ده مش اكيد .
شهقت بصدمة وهي تردد بصوت حزين
= خمس سنين وقرار مش نهائي كمان !!! ليه يا منذر!!
أردف قائلاً بجدية واقتضاب
= قولتلك ليه! انتٍ ليه بتحبي بتسمعي الاجابه كذا مره
قال بضيق هذه المرة و أبتعد عنها، فضمت وجنتيه برفق وقالت بإلحاح أكبر
= طب مين قالك يا حبيبي إني هنشغل عنك أو هفرق بين الاطفال؟ أنا هبقى مُتفرغة ليهم و ليك مش هيبقى في حياتي أغلى منكم!!!
رمقها بإزدراء قبل أن يهتف بصرامة
= أنا قولت لاء يا ضحي!! وده قرار ما فيهوش مناقشه وانتٍ عارفه لما بقفل يبقى خلاص
أبتعد عنها وتحرك تجاه الأريكة ونظر إليها و هو يقول بهدوء مغير تمامًا لإنفعاله الذي كان منذ دقيقتين
= تعالي!!
نظرت له بضيق و بعدها نظرت للأرض و هي تمسك طرف فستانها تحاول اشغال نفسها، ليقول مرددًا بإصرار
= اسمعي الكلام وتعالي ما بحبش انده عليكي وما ترديش بدل ما اقوم، قربي!
اقتربت منه وجلست بالفعل ودفنت راسها في صدره لكن عندما تذكرت موضوع الانجاب مجدداً أبتعدت عنه بضيق بسيط، لكنها قررت إنها ستفتح معه الموضوع مره اخرى، أبتعدت عنه بخجل وقالت
= اديني جيت اهو عاوز ايه ؟
حاول أن يهدأ روعه ليهدأ أيضاً قلبه الذي ينبض بقوة، فـقال بخبث
= طب يعني كملي جميلك و أقعدي على رجلي!
توترت بشكل ملفت للأنظار من كلماته وزاد احمرار وجهها حتى بات ككتلة ملتهبة من الحرج، وهي ترد بحرج
= كده كويس عشان رجلك ما توجعكش .
تفهم حرجها المستمر من وزنها الذي لا يراه كبير الى ذلك الحد او ملفت ليجعلها ما زالت تخجل منه، جعلها تجلس على قدمه فعلًا،
كانت متحرجة أكثر منه فقالت باعتراض
= يا منذر!!
أضاءت ملامح منذر وقلبه حين قبلها قبله خاطفة ليناظرها وهو يقول بأنفاس محمومة
= يا عيونه!!
اخفضت عينيها خجلًا فحاوطت رقبته و دفنت راسها في تجويف عنقه، فـ إتنهد و قال و هو يمسح على ظهرها
= كده أفضل!
قالت بعدم فهم وهي تشدد على حضنه
= ليه كده بقى؟
أبعد راسها عنه، ونظر إليها بإبتسامة عاشقة
فقال بحنان
= عشان عايزك تبقي في حُضني على طول!!!
وكمان عشان اعرف اصالحك بذمه، كله إلا ازعل حبيبتي وروح قلبي.
هزت رأسها بقله حيله ثم قالت بإبتسامة و هي تنظر له بحب
= ما باخدش منك غير كلام وبس؟ بس تعرف بحس شخصيتك معايا بتختلف 180 درجة يا منذر ..!!
حدق إليها بابتسامة ماكرة و اخبرها بنظرة شوق عاشق متيم و أردف
– مش مراتي .. و بنتي و حبيبتي، أكيد هيبقى ليها معاملة خاصة!
أسبلت عيناها نحوه بحب كبير وثقة أكبر بسبب كلماته، وزادت ابتسامتها تدريجيًا وهي ترد بدلال
= حبيبي إنت!!
لم يكن هناك مجال للحديث فقد اجتاحها بقوة
اختطفها معه إلي عالم آخر يقتصر عليه و عليها وعلي عشق جارف أثقل القلوب التي فاضت بأشواقها، ناثرًا عشقه فوق ملامحها و علي سائر جسدها.. حيث صارت شفاهة تعزف سيمفونية رائعة من الشغف فوق خاصتها بنهم لم يستطيع التحكم به و هي بين ذراعيه يبثها أشواقه العاتية وعشقه المحموم.
❈-❈-❈
بالصباح المنعش وصوت العصافير المنبعثه من النافذه التي تطل على منزل بسمه، كان معاذ يلهي مع إبنه مالك بالدراجه التي اشتريها له
ليلة أمس ومن حينها وهو يضحك بسعادة فاقت سعادته عندما جلبها والده له كمفاجأة، فلم يتوقع معاذ سعادته تلك ابدأ رغم انها كلفته الكثير من العمل لساعات طويله حتى يشتريها له لكن بالنهايه عندما رأى فرحته الكبيره قد نسى كل شيء! ليعلم هنا بان العمل الشاق هذا لدي مميزات أخرى لم يكن يدري بها.
انتشله صوت بسمة القادم وهي تقول بتردد
= يلا سيبوا العجله دي بقى على جنب وتعالوا الفطار جاهز.. وانت يا معاذ الدوا بتاعك هتلاقيه علي رف الكومودينو ما تنساش تاخده
توجهت عينا معاذ بصدمة ثم رد بغرابة
= ده بجد، وجبتي فلوس منين؟ انا قلت اشتري العجله اولى المره دي لمالك وبعد كده ابقى اجيبه بعدين
لحظتها، ظنت أنها لم تسمع جيدًا أو أنه ليس زوجها الذي يفضل شيء لطفله مقابل التنازل عن صحته ولكن معاذ القديم كان من المستحيل عليه أن يفعل ذلك، ولا يعرف كيف يتحمل المسؤولية.. مرت يدها برفق فوق ذراع معاذ قبل أن تقول بنبرة خافتة
= علاجك وصحتك اهم يا معاذ وبعد كده هات الحاجات اللي محتاجينها وبعدها يا سيدي هات لعب بعدين..بس صحتك اهم واذا كان على الفلوس انا ما دفعتهاش بس حاولت مع الدكتوره بتاعه الصيدليه انها تصبر عليا اسبوعين وهي عشان عارفاني قالتلي ماشي و وقت ما ربنا يكرمك ابقى عدي وادفع.
هزّ رأسه بامتنان وشعر بتغيير طفيف في زوجته حيث بدأت تتحدث معه وتهتم بأمره، وهذا ما يرغب فيه. بدأ يتناول وجبة الفطار معهما وهو يتحدث بتلقائية
= بس الفطار جه في وقته، اخيرا هفطر مره معاكوا قبل ما انزل.. وكلنا متجمعين مع بعض .
شعرت بسمة بالذنب قليلاً لأنها كانت تتجنب زوجها و تتناول الغداء معتمدة قبل عودته وتتركه يتناول بمفرده، ولكن منذ مكالمتها مع ديمة واكتشافها حقيقة أصدقائها الذين كانوا قريبين منها، أدركت أنهم كانوا أشرارًا أكثر من معاذ وأكثر مما توقعت. و شكرت ربها كثيرًا على أنها لم تقع في نفس الفخ الذي وقعت فيه غادة أختها، وتستسلم لتلك الأفكار الشيطانية.
ثم بدأت تفكر في مستقبلها وتسأل نفسها إلى متى ستستمر بهذه الحالة؟ وإذا كان زوجها يسعى للتغيير حقًا، فعليها أن تقف بجانبه ولا تتجنبه، حتى لا يندم على تغييره ويتوقف عنه في أي لحظة، وبعدها ستندم على عدم وقوفها إلى جانبه من البداية. ابتسمت هاتفه
= ومش بس كده كمان، ناويه كمان اغير الباذنجان بتاع كل يوم واعمل لك الفراخ المشويه اللي بتحبها..
اتسعت عينا بسعادة ثم قدمت اقتراحًا وهي تضيف إليه برجاء
= بس عشان خاطري كمل شغلك لحد بالليل شويه بالعربية انت أهو لما جربتها مره ربنا رزقك بفلوس كتير تخيل بقى كام طالعه ذي كده كل يوم قدام وان شاء الله ظروفنا تظبط.
مسكت بيداه دون انتباه وقد توهج الصدق فيما تقوله باهتمام
= بس برده مش كل يوم! عشان صحتك انت ممكن تحدد ايام اجازه ليك او ترجع تريحلك ساعتين وتاكل لقمه وتكمل تاني، انت شغلك يعتبر انت اللي متحكم فيه وتقدر تحدد عدد الساعات اللي تناسبك.. بس الافضل فكر في موضوع ترجع تتغدى وتريح وبعدين تكمل الشغل ويبقى اتصل بيا قبليها وانا احضر لك الاكل اللي انت عاوزه.
التقت عينا معاذ بعيني زوجته مطولاً يستوعب التغيير الظاهر فجاه وقد طل بعينه بريق لم يستطع منعه لكنها رمقته بتعجب وتوتر
= ايه مالك! بتبصلي كده ليه.
ظهرت علامات الشقاوة المتأصلة بملامحه وهمس لها بنبرة خاصة
= ما فيش بفكر في كلامك؟ أصل ما بعرفش افكر غير وانا باصص في عينيك.. الكلام بيوصلي اسرع كده.
لم تستطيع أن تكتم ابتسامتها رغمًا عنها وهي تشيح بوجهها عنه عندما يصر على طريقته تلك في المراوغه، هزت رأسها بيأس منه تفكر لن يتغير أبدًا.
مرت الوقت فقد حان مغادره معاذ لعمله فسارع مالك يركض لحضنه قائلاً بلهفة
= بابا ما تتاخرش في الشغل النهارده علشان عاوز اوري صحابوا عربيتك عشان في واحد منهم بيتريق عليا .
وضع كوب الماء جانبا بعد ان تناول ادويته ثم قال وهو يشد شعر صغيره بأصابعه بخفة
=لا يا حبيبي مضطر اتاخر النهارده عشان اشتغل كثير واجيبلك الحاجات اللي بتحبها، وبعدين ما ينفعش حد يتريق عليك تقوم انت تتمنظر قدامه بحاجه مش عنده.
عقد مالك حاجبيه بشدة وهو يقول بحانقة طفولية
= امال اعمل إيه لما يتريق عليا بعد كده ويقول عليا ما بعرفش العب ولا بفهم في حاجه .
أبتسم بهدوء ثم قبل وجنتاه وهتف يحفز الثقه بداخله
= هو غيران منك مش اكتر، عشان انت بتفهم واذكى منه.. وطالع شاطر ذي أبوك كده يا حبيبي فما تعبروش ولا تهتم بيه.
حدقت بسمة نحو معاذ بدهشة وعدم تصديق لكلامه، فكان من الواضح أن عمله قد طوره و أصبح أكبر بكثير، وتم قبول مسؤوليته و الاعتراف بها أخيرًا. ومن الممكن أن يحدث المزيد من التغييرات فيه. تشتتت انتباهها للحظة وتفاعله مع طفله بشكل جميل و إن علاقتهما معًا أصبحت رائعة، فما أجمل أن يكون الأب يعرف كيف يهتم بتفاصيل طفله ويصالحه بعد كل خلاف بينهما، ويقدم له هدايا تلامس قلبه مثلما فعل في الأمس.
لكن عندما قال آخر كلماته، لم تتمكن من إبقاء نفسها على ما يرام وتتمالك نفسها من الضحك حقًا، فهو لا يفشل أبدًا في إضحاكها، مما يزيد من تألق شيء ما في قلبها تجاه هذا الشخص الذي بدأ يتعلم يومًا بعد يوم.
❈-❈-❈
عاد آدم من عمله مبكراً وتفاجأ بزوجته أمامه تقف كانها كانت تنتظره، أردفت هاتفه بلهفة
=حمد لله على سلامتك يا حبيبي اتاخرت ليه انا قاعده مستنياك من بدري
عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بعدم مبالاة
=الله يسلمك بس مش فاهم مستنياني ليه يعني؟ ما انا قلت لك ان انا هاجي بدري ولا اتاخرت ولا حاجه
رست ابتسامتها المخملية على شفتيها ودون مقدمات هتفت بتحدي خفي
=ما انا عشان كده مستنياك يا حبيبي طالما رجعت النهارده بدري من الشغل قلت فرصه
نخرج مع بعض ونروح خطوبه صاحبتي.. و بالمره نعمات جوه مش وراها حاجه تشغلها تقعد مع الاولاد هي عقبال ما نرجع.
أصابت إياه الدهشة للحظات قبل أن تنفرج عنه ضحكة غير مصدقة ليتمتم بحده مكتوم
=نعم خطوبه ايه مش الخطوبه كانت الخميس اللي فات وانا قلت لك روحي ونعمات هي اللي ما جتش .
زمّت شفتيها ثم غمغمت مردفه بتهكم ساخراً
=اه يا حبيبي ما انا فاهمه ان انت ما حرمتنيش من الخروج ولا حاجه وهي اللي جت من عند ربنا كده، بس عشان بقى ربنا حاسس بيا أن قد ايه كنت هموت من الخنقه هنا اكتشفت ان الخطوبه اتاجلت أصلا وأن ميعادها النهارده فانا قلت فرصه طالما هترجع بدري نروح سوا وقلت لنعمات تتصل تستاذن من جوزها انها تقعد معانا وهو وافق، ايه رايك بقى في المفاجاه دي مش حلوه ؟!.
صعق مما قالته، إذ لم يتوقع أنه حفله خطوبه صديقتها ستتاجل بعد كل ما فعله حتى لا تذهب الى هناك، ومع ذلك زاد غضبه وسخطه قائلاً
=ايوه ومين قال لك يعني أن موافق اخرج ولا انتٍ كمان انا بكون راجع من الشغل تعبان و عاوز استريح، مش وقت خروج وسهر دلوقتي
رفعت يدها وأمسكت ذقنه بأصابعها ثم تحدثت بدلال ناعم
=ما تقلقش يا حبيبي مش هنتاخر هناك حتى لو ساعه واحده انا راضيه وبعدين انت ما اشتغلتش النهارده كتير وجاي بدري اهو! دي فرصه مش هتتعوض يلا بقي يا حبيبي بلاش نضيعها طالما في إللي ياخد باله من الاولاد يلا بطل كسل وروح ألبس بسرعه..
قطب آدم حاجبيه من مقصدها المبهم وقبل ان يعترض مجدداً هزت كتفيها واضافت بمكر غامض
= انا عارفه ان انت ما كنتش ممانع من البدايه واهي جت من عند ربنا عشان نخرج سوا واظن هتكون مطمن عليا اكثر واحنا مع بعض ولا اروح لوحدي احسن وانت و نعمات تفضل هنا تخلي بالك من الولاد ؟!.
❈-❈-❈
ارتدى منذر حلة جديدة سوداء ناثرًا عليها عطره الهاديء، ومن أسفلها قميصًا أبيض اللون وتأكد من إكمال وجاهته بوضع رابطة عنق تحمل لون الحلة، بدأ حقا كرجــال الأعمال في تلك الهيئة الكلاسيكية الرائعة، و ارتدات ضحي أيضا ثياب مبهجه بعد محاولاتها بإقناع زوجها في الخروج الى اي نزهه بدلاً من التي تاجلت يوم حادث والده.
ألتفت نحوها وحاوط خصرها المليء نسبياً ثم انحني بجسده قليلًا واحتضن وجهها براحتيه ليقبلها قائلاً بحب صادق
= ايه القمر ده؟ صحيح الشياكه ليها ناسها بس انتٍ برده اللي محليه اللبس.
هتفت ضحي بابتسامة عريضة
= ده عشان عيونك هي اللي جميله يلا بقى عشان ما نتاخرش.
هز رأسه بالموافقه وابتعد عنها ليتحرك لكن تفاجأ بهاتفه يرن برقم رغد، تأسف لزوجته واضطر ان يجيب بتعجب
=الو ازيك يا رغد.. ايوه تمام بس انا فكرت الكلام ده بكره، اصل انا دلوقتي في البيت و ورايا مشوار ومش فاضي… بجد ماشي تمام تشرفي طبعاً.
أغلقت هاتفه بينما جزت الأخري علي أسنانها بغيظ وهي تردد بصرامة
=هي الهانم دي عاوزه ايه؟ حتى يوم اجازتك بتتصل ما تقوليش ان انت رايحلها
هز رأسه برفض ليقبله من جبينها مرددًا بتوضيح جاد
=لا يا حبيبتي هي اللي جايه، في ورق مهم لازم اطلع عليه عشان ميعاد تسليم المشروع اتقدم، وهي كمان هتاخد مني الملف بتاع المشروع.. معلش أوعدك مش هناخد اكتر من ربع ساعه وبعد كده نمشي.. وهي وفرت عليا المشوار وبتقول انها كانت قريبه من البيت بالصدفه وهتعدي.
لوت شفتاها باستخفاف وهي تقول بنبرة غير مصدقة
=بالصدفه وانت بياكل عليك الكلام ده؟ انا البنت دي بصراحه مش بطقيها ولا بستريحلها
داعب طرف أنفها بإصبعه، ونظرت لها بأعين لامعة قبل أن يجذبها نحوه ليحضنها بحنو صادق، واردف مازحًا
= مش ناويه تنسي بقى قلتلك كانت بتلبسني الكرفته معلش يا حبيبتي ضيفه عندنا برده وتاخد الواجب ما أنا اكيد مش هقول لها يعني لا ما تجيش.. يلا روحي جهزي واجب الضيافة عشان هي خلاص كمان خمس دقائق وهتكون هنا.. بس اوعي تحطلها حاجه كده ولا كده انا عارفك
نفخت بضيق شديد ثم أولته ظهرها متجهة نحو الخارج مبرطمة بكلمات ناقمة.
لكن اضطرت ضحى بالفعل ان تنتظر حضورها وراحلها حتى تستمتع بوقتها مع زوجها، وقد جاءت بالفعل ولم تتاخر، اقترب منذر نحو رغد ليرحب بها بترحيب حاره، فلم تشعر الأخري بجسدها وهو يهب واقفًا مستقبله حضرته الآسرة بتلهف كبير، لوي ثغره للجانب مُشكلًا ابتسامة هادئ
= نورتيني، اتفضلي واقفه ليه معلش بقى تعبتك بس هو الشغل اللي طلع فجاه لو حد قالي كنت عملت حسابي وسبتلك الملف هناك.
تطلعت نحوه بنظرات متشوقة وإعجاب فحقا كل شيء صغير وكبير فيه يقول انه يليق على تلك الاجواء وأنه منهم!، ابتسمت بهدوء وقالت
برقة زائدة
=لا ولا يهمك انا عارفه ان الموضوع حصل فجاه وانت ما لكش ذنب، عشان كده قلت انتهز الفرصه واعمل لك زياره بنفسي
حدق منذر في باقة الورد التي تحملها متساءلًا بفضول
=تشرفينا اكيد، لمين الورد اللي انتٍ جايباه ده لضحى أكيد مش كده.. هي هنا على فكره وشويه وهتيجي ترحب بيكي، وبالمره سوء التفاهم اللي حصل يوم الشركه يتحصل بينكم
احتدت نظرات رغد للغاية وأظلم بريق عيناها عندما جاءت سيره ضحى، وتمنت ان تخبره بأن هذه الورود له لانه يستحقها وليست لتلك الساذجة، لكنها فضلت الصمت افضل.
بعد فترة تقدمت ضحى منهم، فبادلتها رغد بنظرات حزينة ومتأسفة لقوع الاختيار عليها لتكون زوجة رجل أعمال مثل منذر، شاب طموح ومجتهد. كيف يمكن لفتاة مثلها أن تكون زوجة بسيطة له وحبيبته أيضًا؟ فدائمًا تراها من وجهة نظرها أنها غير مناسبة له ولا لمكانته الاجتماعية الجديدة. كانت تتمنى أن تكون العروس شابة مثلها على الأقل بمكانة مناسبة له، ولكن في النهاية القرار الأخير بيده. خرجت من حالة التفكير المؤقتة علي هتاف ضحي القائلة
=اهلا يا مدام رغد نورتينا.
ابتسمت ابتسامة بسيطة وهي تقول بود زائف
=البيت منور باصحابه شكرا.
نهض منذر وهو يتحدث بصوت هادئ
=طب انا هقوم اجيبلك الملف عشان ما تتاخريش لو وراكي مشاوير تاني لحظه واحده
لم تفارقه عيناها رغم ابتعاده من المكان و بقيت أنظارها معلقة على ما تبقى من أثره، عقدت ضحي حاجيبها للاعلي باستنكار عندما لاحظت انظارها المعلقه نحو زوجها، كتمت غيظها داخل نفسها الغاضبة، فهي لا تعرف هل حقا عيناها من زوجها او تتخيل ذلك.
جلست ضحي مكانه بعد رحيله، ثم ضمت الصغيره التي كانت تحملها إلى صدرها لتقبلها من جبينها بحب وبدات الصغيره تبتسم و تلاعبها أيضا.. تابعتهما رغد وهي تتقد غيظًا من استحواذها على منذر وقلبه وأيضا انجبت منه، همست لنفسها بنبرة مغلولة
= ما فيهاش اي حاجه زياده مش عارفه حابب فيكي ايه؟ ولا سر تعلقة زي ما تكون سحر له لو مش بصدق بالحاجات دي كنت قلت هو ده السبب فعلا، لأني مش لاقيه فيها اي ميزة
بس متاكده انه قريب هيسيبك..
فكرت أن الفرصة أمامها بدلا من أن تعيش تعيسه الحظ هكذا للإلتقاء بمنذر تسعى لإختلاق الفرص معه.. ثم قالت باهتمام زائف
=جميله أوي بنتك وكويس انها طلعت شبه باباها، عقبال ما تاخد صفاته كمان وتتعود على مكانته الاجتماعيه الجديده.. وما تفضلش زيك!
احتدت عينيها بغضب وتحدثت بنبرة حاده
=هو طبعا اتمنى انها تاخد كل حاجه من باباها بس مش فاهمه! إيه ما تفضلش زيي اللي هو ازاي؟ فيا ايه غلط مش عاجب حضرتك
مطت شفتاها للإمام بعدم مبالاة وهي تقول بنبرة متعمدة التحقير من شأنها
=بلاش تزعلي كده وافهميني الاول عشان انا بتكلم لمصلحتك بجد، انتٍ لحد دلوقتي ما عرفتيش تتاقلمي على العالم الجديد بتاع جوزك، انا فاهمه انكم زمان يعني كنتم ناس على قدكم وهو كمان! بس شوفي منذر كده؟ دخل في الاجواء بسرعه كأنه كان واحد منا اصلا.. بجد شاطر وبيعرف يطور نفسه في اي مكان هو فيه انما انتٍ حاسه لسه بدري عليكي او مش شاطره كفاية زيه عشان كده بقولك سيبيه البنت تطلع لي باباها افضل.
عقدت حاجيبها بدهشة من جرأتها للتحدث عن علاقتها بزوجها هكذا، لكنها حاولت السيطره على نفسها وهتفت بنبرة ثابتة
=لا انتٍ فاهمه غلط او المجتمع اللي انتٍ جايه منه هو اللي علمك تبقي متعايله ومغروره مع الناس اللي مفكراهم اقل منك وانا سواء كنت في المجتمع القديم اللي على قد حالنا من وجهه نظرك او دلوقتي بتعامل بطبيعتي واللي اتربيت عليها، ومنذر كمان كده! بيتصرف بطبيعته اللي اتربى عليها مش المجتمع بتاعك
توهجت عيناي رغد بوميض متحمس وهي ترد باستفزاز
=يبقى ما تعرفيش جوزك كويس! لأنه اتغير وبقى زي المجتمع بتاعي ودي حاجه اعتز بيها وفرحانه بيها اني عرفت بفتره قصيره اعلمه ده.
رمقتها ضحي باحتقار وهي تجيب بوقاحة فظة
=والله طب شاطره! بس مش ملاحظه معلش في كلمه انك سطحيه زياده عن اللزوم لان الانسان الحقيقي المحترم مش بالمجتمع اللي هو فيه ولا بالناس اللي حواليه، الشخص بتربيته واصله اللي بيحتفظ بيه مهما ربنا كرمه.. وآه مره ثانيه ما حدش في الكون ده بيبقى عارف كويس الشخص اللي متجوز وبيحب غير مراته واللي هي انا طبعا .
ابتسمت ابتسامة مشرقة معتمدة وهي ترد
عليها بنبرة رقيقة
= شكلك اتضايقتي مع اني بقول لمصلحتك بدل ما تصحي الصبح تلاقي جوزك يبدلك بواحده تانيه.. طالما مش عاوزه تتعودي و تتاقلمي على اللي هو بقى فيه أو ممكن مش بتحبي التغيير وده هيخسرك كتير.
مـــالت ضحي للامام بعد ان تقدمت الخادمه منها تضع الشاي امامهم ورحلت، لتقول بخفوت جاد
=انا بقول تشربي احسن الشاي اللي اتحط قدامك وتسيبك من اهتمامك لحياتي مع جوزي عشان دي في النهايه اسمها خصوصيات وما حدش ليه دعوه… سكرك قد ايه يا مدام رغد
استشاطت نظراتها، وشعرت بغلي الدماء في عروقها لكنها رسمت ابتسامة صفراء قائلة
=زي منذر بالظبط انا وهو بنشربه زي بعض من غير سكر عشان كده ملناش في الشاي أوي.. بس ممكن اخذ زيه قهوه مظبوطه وفي كوبايه هو بيشربها كده وبيحبها كده.. أصلا تقريبا كده فينا حاجات مشابهه كتير من بعض بنحبها انا وهو.
اتسعت عينا ضحي باستنكار من تصرفاتها الجريئه وقبل ان تعلق، اقترب منذر قائلًا بابتسامة هادئة
=اتفضلي يا رغد الورق اهو! انا لاحظت انك مش جايه بعربيتك خليني ابعت السواق يوصلك عشان ما ينفعش تمشي لوحدك المنطقه هنا مش ساكنه أوي .
لم تستطيع رغد السيطره على رغبتها في
مليء جفنيها برؤياه حتى وإن أفتضح أمرها
فهو يثبت لها يوماً بعد يوم أنه المعنى الحقيقي للرجولة المتأصلة. ذلك الشيء الذي انعدم تماماً في طليقها السابق او بمعنى اصح كلهما.. والى هنا لم تستطيع ضحى السيطره على نفسها ونهضت راحله بعصبية شديدة التفتت رغد نحوها ثم ابتسمت مجاملة وهي تشكرها
= فرصه سعيده يا مدام ضحى اتشرفت بيكي
ايه ده هي راحت فين؟!.
رمقها منذر بصرامة شديدة وهو يردد بصوت مرتفع ليمنعها من الرحيل
= ضحى في ايه؟ ضحي مالك استني هنا.
وضعت خصله من شعرها خلف اذنيها وهي تتصنع الإحراج وأجابت بحزن مصطنع
= شكلها فهمتني غلط لما حاولت اتكلم معاها واعرض عليها اني اساعدها انها تتغير وتكون جنبك دائما، ده حتى اتضايقت أوي مني و قالت عليا سطحيه وبتدخل في اللي ما ليش فيه.. حاول توصل لها اعتذاري ورغم انها شتمتني في بيتها بس انا هعذرها .
شعر بالضيق الشديد من أفعال زوجته مؤخرا، ثم أخذ نفساً مطولاً و زفره على مهل وهو يرد بحذر
= معلش يا رغد امسحيها فيا، هي اكيد ما تقصدش.. ضحى قلبها ابيض وطيبه بس مش عارفه الايام دي بقت غيرتها تتحكم فيها ليه.
❈-❈-❈
علي مضض اضطر ان يذهب آدم مع ديمة إلي حفله الخطوبه بعد إصرار كبير منها ولم يعرف كيف يمنعها مثل المره السابقه، ولم يستطيع تركها ان تذهب الى هناك بمفردها و تتركه مع افكاره و هواجسة؟ مع من ستذهب وتقابل هناك؟ لذلك ذهب معها وهو غير راضي لكنه مضطر!
وصلوا بالفعل إلي هناك وكانت ديمه متحمسه وذهبت لتسلم على الجميع بفرحه وحماس، بينما هو تنهد بضيق مكتوم من النظرات الفاضله ووجوده في مكان لا يعرف أحد به.. تحرك جانب وتركها مع اصدقائها الفتيات يتسامرون.. لكن عيناه لم تنخفض عنها ابدأ لحظة وكان يراقبها طول الوقت.
بعد مرور وقت، بدأ يراقب ما حوله بتركيز وهل من أحد ينظر إليها وقد جاء بعض من الشباب يتقدمون منها ليسلمون عليها كان الأمر عادي لكن بالنسبه اليه كان صعب للغاية أن يتحمل أحد يقترب منها غيره، حاول ان يسيطر على نفسه و انهم اصدقائها بالجامعه ويرحبون بها لا أكثر.. لكن اكثر ما يؤلمه بانهم من عمرها.
عند ديمة استاذنت من اصدقائها بأنها ستذهب الى الحمام وتعود، بينما كانت أعينه عليها متابعة لكل ما يصدر منها، فاستغرب كثيرًا لابتعادها عن أجواء الحفل دون إبداء أي مقدمات، بدا مزعوجًا من خروجها بمفردها خاصة أنها ترتدي ثوبًا لافتًا للأنظار رغم احتشامه بالتأكيد، لكنه لا يعرف نوايا البشر هنا!
فهي فتاه صغيره وجميله وملفته للجميع و متزوجه من رجل يكبرها بسنوات كثيره لذلك معه الحق ان يخاف عليها ويفعل المستحيل، و بلا أدنى لحظة تفكير أو تردد، انطلق ورائها وهو متجهم الوجه.
لكن توقف امامه شخص فجاه وهو يقول باهتمام
= ازيك يا استاذ ادم حضرتك مش فاكرني انا وليد انت كنت استاذي من حوالي ثلاث سنين!
انا خدت بالي من ساعه ما دخلت وعمال اشبه عليك وقلت لازم اجي اسلم عليك .
تنهد بضيق مكتوم وهو يرد بنفاذ صبر
= آه تمام اهلا بيك.. معلش انا ياما بدرس لناس كثير فمش كلهم بفتكرهم فرصه سعيده
كاد أن يرحل لكن أجبره ذلك الشخص علي أن
يتحركان الاثنتان نحو الجانب بعيدًا عن الضوضاء المحيطة بهما، ثم أشار بيده وهو يهتف مبتسماً بحرج
= معلش أعذرني في السؤال، والله أنا مكسوف من حضرتك ومحرج، بس.. بس ملاحظ انك دخلت مع الانسه اللي هناك دي وعمال تبص عليها.
قطب حاجبيه بقوة وتساءل بسخط
= انسه! مش فاهم داخلك ايه ابص ولا ما بصش قول على طول اللي عاوزاه!
توتر ذلك الشخص وهو يقول بفضول كبير
= هو بنتك اللي هناك دي متجوزة ولا مخطوبة؟ وما تفهمنيش غلط بس انا غرضي شريف
خمن آدم ما يرمي إليه دون أن يفصح له علنًا عن نواياه، لذا انقلبت ملامحه للاستياء واحتج مرددًا
= ما تدخل في الكلام على طول وهو ايه اللي غرضك شريف وعمال تسال عليها ما تفهمني مالك ومالها .
ابتلع الآخر ريقه قائلاً بارتباك واحراج
= اهدى بس حضرتك متعصب ليه؟ انا كنت بس عاوز اطلبها للجواز من حضرتك بس أنت اللي فاهمني غلط ووالدي ووالدتي كمان هنا.. انا واخد بالي من ساعه ما دخلت وباين عليها محترمة! وقلت مش هلاقي فرصه أنسب من كده.. هي مش بنتك برده ولا حضرتك اخوها الكبير.
لم يتحمل كلماته ولا اهتمامه عنها فأفلتت اعصابة بعنف يزجره مرددًا
= ولا اخوها ولا ابوها دي مراتي! وثاني مره أبقي اتاكد الست اللي انت عينك منها دي تبع حد ولا لاء، ولولا ان احنا بفرح ناس كنت هتشوف تصرف تاني مني.. اوعى من وشي.
تحرك من مكانه يسحب يد زوجته بغلظة ليغادر الحفله بغضب واضح و غيرة قاتله..
بقوة أمسكت ديمة يده ترفعها بعيد عنها بتعجب وحرج وقبل إن تتحدث همس
من بين أسنانه
= تعالي انتٍ الثانيه هنا، هي كلمه واحده انا هطلع وانتٍ هتطلعي ورايا على طول! ده لو مش عاوزه فضايح هنا يلا.
رأت ديمة غضبة الذي اصبح متهور فتوجست خيفة أن يرتكب شيئًا أحمقًا دون أن يعي و بحرجها أمام الجميع وبالاخص إمام اصدقائها، لذا أسرعت خلفه محاولة فهم ما الذي به.
لم يتحدث بحرف طوال الطريق ولا هي، لكن سريعًا ما تحول خوفها إلى حنق ظاهر في نظراتها حينما تذكرت كيف جذبها امام اصدقائها و وضعها في موقف محرج، وعندما وصلوا إلي المنزل أسرع يسألها بنظرات نارية
= ايه اللي قومك من عند اصحابك و وقفك بعيد لوحدك؟
لم يعطيها فرصه للتبرير او الرد بسبب غيرته الشديده، لينقلب حاله رأساً على عقب وتتبدل تعابيره للشراسة والعنف يصيح
= ما تردي كنتي بتعملي ايه لوحدك؟ ولا عاجبك الرجالة يتفرجوا عليكي ويعاكسوكي
أنصدمت من طريقته تجاهها على شخصها دون تقديم أي مبررات تستوجب ذلك ناهيك عن إهانته بشكل سافر، هتفت معترضة بحده
= ايه اللي بتقوله ده، رجالة مين ومعاكسة ايه دي؟
أبتسم بسخرية وهو يقول بصوت غاضب
= هو إنتٍ فايقة ولا عارفه اللي بيحصل وراكي، انا كان عندي حق لما قلت لك بلاش تروحي الخطوبه ولا يحصل الـ….
قاطعته ديمة بنبرة جافة باردة كالجليد القاسي
= عندك ولا كلمة زيادة، مش هاسمح بأي اتهام أو إهانة! انت مكلفتش خاطرك حتى تسمعني وعمال ترمي اتهامات وخلاص؟ مع اني مش عارفه مين المفروض يحاسب التاني بعد لما عرفت ان انت ما وفقتش اروح الخطوبه ولا حاجه انت منعتني بس بطريقه تانيه
اضطربت ملامحه وقال بهمس ساخط وهو يشيح بنظره عنها
= ايه الكلام الاهبل اللي انتٍ بتقولي ده.
حدقت فيه مطولاً لم تقاوم رغبتها في التحدث عما بداخلها، ثم قالت بنبره ساخره وهي تنظر إليه بإستياء وحزن
=ده مش كلام اهبل دي الحقيقه تنكر ان انت اتصلت بنعمات وقلتلها تقول ابنها تعبان وما تجيش ولا ترد عليا؟ لا ما شاء الله بتعلم المساعده اللي بنامنها على بيتنا انها تكدب! واياك تعمل لها حاجه ولا تطردها زي ما هددتها انا اللي ضغطت عليها بالكلام وهي اتعرفت، لكن اللي مش قادره افهمه عاملتك دي ليه؟؟
نظر لها شزراً وأصبح الوجوم هو المسيطر على تعابير وجهه الذابل قبل أن يتحدث بسخرية عنيفة
=آه يعني انتٍ كنتي عارفه كل حاجه ولعبتي عليا اللعبة دي عشان تضطريني اروح معاكي الحفله مش كده؟ يعني ما طلعتش لوحدي بلف وادور وبكدب
أغمضت عيناها متألمة وهي تتنهد بيأس منه
ثم عادت تفتح عينيها وتحدثت بنبرة جاده
=لا يا ادم انت اللي بتكدب وتلف وتدور مع ان لما بعمل كده بتقوم الدنيا، بس انت عادي تعمل كده وزياده.. أنا الايام اللي فاتت عماله افوت واكبر دماغي كتير واقول معلش واديك اعذار ومبررات لكن لحد هنا وكفايه انا مش لاقيلك مبرر للي انت عملته بتمنعني ليه اروح وشفت مني ايه عشان تشك فيا .
كان كمن يقف على نيران متقدة، ثم فرك قبضتي يده بعصبية لاعن إصرارها على أن تذهب الى تلك الحفله ويراها الاغراب و يعجبون بها، وهو الوحيده الذي يملك ذلك الحق وأثمن اللحظات معها، هز رأسه بنفي متحدثاً بجمود
=انا مش بشك فيكي ومش هستنى لما اشوف حاجه، واحد من اللي هناك كانت عيني عليكي وجي يطلبك مني شفتي الهنا اللي انا فيه ؟ و لاحظت ناس عينهم كانت عليكي ليه اتحط في وقف زي ده ما تخليكي في بيتك وخلاص لازم يعني المنظره وتروحي هنا وتيجي
رفعت ديمة وجهها الخالي من أي تعابير وأجابت عليه
=من زمان وفي ناس قليله الربايه و عينهم زايغة وانت شايف الحل ان اقعد في بيتي بدل ما هم اللي يتربوا! والموقف اللي انت بتقول عليه واحد جه يتقدملي عادي ياما بتحصل ومجرد سوء تفاهم وانتهى انما بعض الناس اللي عينها مني اعتقد ان ده مش حقيقي وان ده خيلك المريض!
أخذت نفساً مطولاً و زفرته على مهل وهي تضيف بجدية
= عشان حتى لو بجد فده برده ما يعبنيش في حاجه المفروض يكون عندك ثقه في نفسك اكثر من كده وفيا، مش مع اول حد ولا نظره حتى تقلب الدنيا وتمشيني وتحطيني في موقف محرج مع اصحابي، اوعي تفكر اني مش فاهمه انت بتعمل كل ده ليه؟؟ عشان غيرتك اللي هتخلينا نسيب بعض في يوم لانك مش عارف تتحكم فيها، وفهمه كمان سببها السن اللي بينا و انت حاطط في دماغك ان ممكن ابص لغيرك ولا عيني تزوغ واندم أن اتجوزتك .
اقترب منها بملامح وحشيه قاتمه وعينان يتطايران منهما شرارات الغضب صارخاً في وجهها قبل ان يحكم قبضته علي فكها يعتصره بقوه
=بطلي خيابه وكلام اهبل هتدفعي ثمنه بعدين عشان لو حصلت حاجه زي كده بس مجرد تفكير؟؟ ده انا اموتك فيها ولا عمري اسيبك.
ضيقت عينيها عليه قبل أن تبعد يده وأجابت بكل بساطه
=تمام وانا عاوزك تعمل كده فعلا عشان الموت اهون ليا من اني اسيبك يا آدم ؟؟
ذهل من اجابتها وردت فعلها التي أخمدت النيران داخله أخيراً، كاد يطفو على ثغره طيف ابتسامة سعيدة، لكن منعها من الظهور قبل تشكلها عليه ليحافظ على غضبة الزائف، لترمق ديمة الواقف أمامها بنظرات حانية ودمدمت تضيف له بتعاطف صادق
=ايه بتبصلي كده ليه مستغرب كلامي مثلا؟ الموضوع بسيط لو فكرت بينك وبين نفسك لمجرد دقيقه واحده! انا محدش غصبني اكمل معاك بالعكس ده انا عديت اهلي عشان ما تطلقنيش؟ وانت رفضتني بالاول اكتر من مره وانا برده حاولت معاك.. يبقى بكل بساطه ليه هسيبك وانا بحبك و عملت المستحيل عشان ما تسيبنيش وتبعد عني، حاول تفكر في كلامي وتقتنع بيه عشان انت لو استمريت كده انا مش عارفه علاقتنا هتنتهي بايه.
❈-❈-❈
علم معاذ بأمر والده وقد جاء على الفور ليراه ويطمئن عليه، لم يتحمل مظهره وهو فوق
الكرسي المتحرك هكذا وبكى بحزن عليه وعاتب نفسه بشدة لانه لم يقتنع من البدايه بانه مريض وبحاجة له، وخزه تأنيب الضمير والذنب وهو يردد
= حقك عليا يابا والله ما كنت اعرف ان حالتك صعبه كده ولا أنك عملت حادثه سامحني انا اسف و والله ما هسيبك بعد كده وهفضل جنبك .
تنهد شاهين بأنفاسه الثقيلة ثم ابتلع ريقه بيأس و قال بصلابة
= ما تتعبش نفسك خليك في حياتك انا خلاص اتعودت على كده وبقيت مقتنع ان كل واحد فيكم بقيله حياه، هقول إيه ؟ ياريتني عرفت أربيك كويس ولا عرفت اعاتبك صح لما غلطت! فضلت أندم وأقول ليه يارب.. بس لما حصل اللي حصل رجعت افكر ازاي اكفر عن ذنوبي عشان لما اموت ابقي سايب في الدنيا عيال بيحبوا بعض وسند لبعض في ضهري إنما لو فضلت عايش وشايفكم كده هفضل مقهور وبموت كل ليله من احساس الذنب
تنحنح معاذ يجلي صوته قبل أن يتحدث بقله حيله قائلاً
= لو اعرف طريق اخويا هروحله واطلب منه يسامح.. بس أمي قالتلي على اللي حصل وأنه مش عاوز حد فمش هقدر اروحله بالعافيه ولا اجيبه بس خلينا في المهم دلوقتي سامحتني وهتاخذني في حضنك وتدعيلي زي زمان ولا هتدعي عـلـيا
ساد الصمت المتوتر بينهما للحظات قبل أن يكسره شاهين ساخراً بمرارة طافحة بالذنب
= ادعي عليكم! عمري ما اقدر دة انا طول الوقت بدعي ربنا يحنن قلوبكم عليا بس انت بالذات قـسـيت عليا أوي، تعالي.. تعالي في حضني ما اقدرش اردك مكسور الخاطر وانا مستني السماح من حد تاني اصلا
أدمعت عيني معاذ أكثر وهو يقبل يده بحب وآسف مرددًا بندم
= أنا آسف يا أبويا .. أنا آسف.
بينما في الخارج كانت جاءت بسمه لتطمئن على حماها أيضا، تناولت كيس الحلوى من طفلها مالك لتفتحه له ليتناوله، لكن ارتعش جسدها على صوت حماتها الممتعضة من عدم مبادرة بسمة للسلام عليها وبادرت وهي تقول بجفاء
= اخبارك ايه مع جوزك اتعلمتي ولا لسه زي ما انتٍ لسانك سابقك زي تصرفاتك المتهوره.
رفعت ملامحها المتجهمة نحوها وهي تحاول السيطره على اعصابها فرغم عدم إجبار زوجها علي مجياها الى هنا لكن حاولت ان تطبق الاصول وتأتي تطمئن على حماها ومع ذلك لا تطيق أبدًا أن تتعامل معها بأكثر من إلقاء السلام، ازدادت تجهم وهي تردد باستياء
= والله يا حماتي الحمد لله كويسين واهو معاذ ربنا يهديه شويه يشتغل وشويه يرجع زي زمان و زي ما اتعود منكم! بس انا في ظهره و متاكده ان شاء الله طالما بعد عن كل حاجه وحشه هيتغير.
كانت تعبر بنبرة مقصودة لتوصل إليها أنها لم تكن الوحيدة المخطئة في علاقتهما، وأن معاذ أيضًا ارتكب أخطاء، وكانت هي السبب وجزء من تلك الأخطاء ولا يمكنها أن تنكر ذلك، لوت شفتاها باستخفاف وهي تقول بنبرة حادة
= طب قومي على المطبخ اعملي لعمك و جوزك حاجه يشربوها وشوفي كمان ضايفي نفسك وابنك.
أصدرت صوتاً ساخرا، وفهمت جيد ما الذي تحاول الوصول اليه حتى تجعلها تعود مثل سابق تخدمها، لكنها هتفت معترضة
= ما لوش داعي يا حماتي احنا شويه و ماشيين وشاربين الحمد لله قبل ما نيجي، و كمان عيب لما افضل راحه جايه في بيت انا في ضيفه.
ضيقت مايسة عينيها بشرر وهي تطلع نحوها باستهزاء واردفت بغضب مكتوم
= ضيفه وده من امتى؟ ما انتٍ ياما عملتي في البيت ده، وبعدين انا عاوزاكي تقومي تجهزي الغداء وبالمره تغسلي المواعين اللي في الحوض.. إيه هتقوليلي ايه؟
رفعت بسمة إحدى حاجبيها وقالت بنبرة ذات مغزى
= لا يا حماتي انا مرتاحه بالقعده هنا، واديكٍ قلتيها بنفسك ان ياما كنت بعمل في البيت ده
كتير وفي الاخر اتنسى! رغم ان البيت ده كنت في ضيفه ومش بيتي فبصراحه بقى بيتي اولى بتعبي .
تحركت شفتاها وهي تهمس بغضب عنيف
= هو انتٍ بتعرضيني وبتقوليلي لا يا بنت متولي
هزت رأسها بالايجاب بكل بساطة وتحدي ثم قالت بهدوء ظاهري
= حقك عليا يا حماتي واعذريني كمان بس انا خلاص ولا هقوم ولا هعمل لحد حاجه، الا لما اكون قادره وبموافقتي بتراضي يعني مش غصب.. البركه فيكي بقى انتٍ قدها وده كان كلامك زمان لما كنت بشتكي تقوليلي هي دي حاجه ده انا ياما كنت بعمل اكتر من كده فمعني كده أنها حاجه مش صعبه عليكي .
اتسعت عينا مايسة بذهول وغيظ من اسلوبها فقد ظنت بعملتها تلك ستمسكها عليها زلة و تجبرها على خدمتها مثل سابق، لكن أيقنت أخيراً هنا أن بسمة لم تعد تصغي لها.. فمن الواضح أنها اخذت قرارها ولم تندم على رفضها..
فارادت بسمة ان تصل إليها أنها كانت تخدمها وتفعل ذلك بإرادتها وليست مكسورة الجناح لتظل تحاسبها على خطأ غير مقصود حدث منها سابقًا رغم أن خطأ أبنها أكبر بكثير من خطأها، بالاضافه الى ذلك ليس من السهل أن تنسى ما فعلته بها من تحريض زوجها عليها و تعاملها السيء معها في كل الأوقات.
فهي بالوقت الحالي، تعيش حياة بسيطة و تسعى لنشر السعادة في منزل آخر لها وحدها مع عائلتها الصغيرة، حتى لو كان المنزل صغيرًا والمال قليلًا، مع ذلك فهي راضية عن راحة البال وصحة طفلها الجيدة، وهذا هو الأهم بالنسبة لها وبعد ذلك، ستأتي كل الأشياء تدريجيًا.
❈-❈-❈
لم تستطع ضحي تحمل المشهد، امامها شابة تتغزل بزوجها، فكتمت شهقاتها براحتي يدها ثم أولتهم ظهرها و ركضت هاربة من المكان بأسره تاركة العنان لعبراتها المريرة فلم تتخيل إعجاب غيرها بمنذر وامامها أيضاً تتحدث بكل وقاحه بأنها غير مناسبه له.
دفـــع الباب بقوة فانفتح على مصرعيه شهقت مرتعدة حينما رأته يقتحم الجناح هكذا وصاح بانفعال ظاهر
=هو انتٍ اتجنيتي انا لسه قايل لك ايه قبل ما تيجي ما تعمليش اي حركه من حركات الجنان دي؟ تقومي تمشي وتسيبيها وهي بتسلم عليكي وكمان اعرف ان انتٍ قلتلها انها سطحيه وما لهاش دعوه بحياتنا وتكسفيها وهي كانت غرضها تنصحك.
كفكفت عبراتها سريعاً ثم حركت ضحي عينيها نحوه لتحدق فيه بعدم تصديق
=تنصحني ولا عشان عينها منك وعاوزه توقع بينا! انا مش فاهمه أنت ازاي مش شايف حركاتها الصفراء دي وانها واحده خبيثه ومش تمام! اللي بتنصحني دي قالتلي لو ما تغيرتيش بكره جوزك هيبدلك بواحده ثانيه! لا وكمان عامله فيها منصحه وبتقولي كويس ان بنتك ما طلعتش شبهك ولا زيك في الصفات و سيبيها تطلع لابوها بتفهم وشاطرة وانا بقى اللي خايبه مش كده؟؟.
أجابها بفتور وهو يهز كتفيه بنفاذ صبر
=ما تكبري بقى عقلك هي مين دي اللي عينها مني؟ واكيد ما كانتش تقصد المعنى اللي وصل لك هي بس عاوزاكي تبقي جنبي في موضوع الحفلات والتنظيم حاجات كده في الشغل كثير انتٍ مش هتعرفيها عشان كده بنحاول ندخلك فيها، وبعدين مش انتٍ اللي سبق وقلتيلي كنت عزمتني على الحفله وعلمني زعلانه ليه دلوقتي؟؟
حركت رأسها لتنظر في اتجاه وهي تقول بصوت ضعيف
=اديك قلت انت انما هي ملهاش دعوه بحياتنا دي بتغيظني عشان اتغيرت وبقيت شبه المجتمع بتاعها وانا ما بقيتش قد المقام ولا لايقه! كان ناقص تقولي ما تطلقي منه احسن وسيبهلي.
حك منذر رأسه بعصبية وهو يردد باستنكار ممتعض
=ثاني؟؟ انتٍ ما بتهمديش قلتلك عينها مش مني وعمرها ما هتبصلي.. ما تبطلي بقى غيره وقرف اللي بقت تتحكم في حياتنا طول الوقت ومش قادره تسيطري عليها هو احنا هنفضل في النكد ده كتير ؟
لتنهمر الدموع منها بغزارة مغرقة وجهها بالكامل لم يعد لديها أي طاقة لتتحمل دفاعه عنها الغريب والذي يجعلها تشك بالامر قليلاً لذا لم تستطع التفكير بذهنٍ صافٍ فالأمور معقدة للغاية..
حدقت فيه بأعين مليئة بالعبرات الغزيرة متحسرة على حالها البائس من جديد فزوجها لا يرغب ان يكون في صفها ويصدقها هي، و دائما تبدأ الحكايات بهكذا؟ تأججت نيران الغيرة بداخلها فحركت رأسها للجانب لتنظر إليه. فرأت نظراته الحادة مثبتة عليها، فعضت على شفتها السفلى مرددة بأنين موجع
=دلوقتي بقيت انا اللي نكديه و بغير وقرف! انت قوم سمعتلها ومش عاوز تسمعني ولا واخد بالك من طريقتها ولا واخد بالك من نظراتها اللي ما اتشلتش من عليك من ساعه ما جت هنا.. ما تبص حواليك هو اهتمامها المبالغ بيك ده طبيعي هو العادي بتروح لاي حد كده بيته ؟ وبعدين تعالي هنا هي عرفت منين العنوان ! ده انتم ما شاء الله علي كده الكلام بينكم بقى كثير.. لا ليها حق تقولي هتغيرني قريب
قست تعابير وجهه أكثر، وضاقت نظراته وهو يرد بجمود
= انا مش قادره اصدقك بصراحه لا و راحه تقولي عليها هي إللي سطحيه؟؟ قوام ألفتي حوارات في دماغك، الفيلا دي هي اللي قالتلي عليها أنها للبيع وهي كمان اللي جابتلي ناس يفرشوها وساعدتني كتير.. وانا على فكره سبق وقلتلك بس انتٍ ما ركزتيش في الكلام عشان انا في العادي مش بخبي عليكي حاجه لكن هيستمر شغل الغيره ده يبقى هتخليني أفكر فعلا اعيد حسبتي في حاجات كتير
شعرت حقاً بوهنها و بضعفها وبقلة حيلتها و ظنت أنه يريد الانفصال عنها، استندت بيدها على المقعد وقالت بسخرية مريرة
=انت قلتلي فعلا في واحده ساعدتك بس ما كنتش اعرف ان عينها منك ولا اهتميت اعرف اسمها بس ما توقعتش أنها بالرخص ده، و ممكن تبص لواحد متجوز مهما كانت مكانتها وده اللي انت مش عاوز تصدقه، وبعدين عاوز اعرف ايه الحاجات اللي هتعيد حساباتك فيها ايه ناوي تطلقني فعلا
لم تهتز عضلة واحدة من وجهه وهو يصغي إلى حماقاتها وبدت تعابيره جامدة للغاية لا تعكس أي شيء. صمت للحظات ولم يعقب لكنه أزعجه تفكيرها السطحي فأجابها منذر باستنكار قاسي
=مش بقولك غبيه ومش عايزه تشغلي دماغك شويه انا كان قصدي اني مش اي حاجه بعد كده اقول لك عليها عشان ما بقتيش تتحكمي في غيرتك واحرجتي واحده جايه في بيتنا وجبتي الحق عليكي، ده انتٍ حتى ما فكرتيش انك ممكن تعمليلي مشكله في الشغل لانها بنت صاحب الشركه وكل اللي احنا فيه ده ممكن في ثانيه يروح.. بس هقول إيه كل اللي يهمك ما حدش يقرب مني وخلاص و سبق وقلتلك انا لو عاوز اعمل كده مش هستنى اخذ رأيك ولا اثير شكوكك وهاجي اقولها لك في وشك، عشان انا شخص واضح.
عبست ضحي بوجهها وهي تطالعه بنظرات محتقنة، فصاحت محتجة بانفعال بائن على تصرفاتها
= اه طبعا ما هو ده من ضمن التغيير الجديد اللي انت خايف عليه تخسره، وتخسر المجتمع اللي انت بقيت حبه وناسي نفسك فيه ونسيت اصولنا بتاعه السيده زينب فاكر ايام السيده زينب يا منذر ولا افكرها لك
تنهد بصوت مسموع على مضض ثم نظر لها بجمود قبل أن يرد قائلًا بجدية صارمة
= انتٍ الكلام معاكي والحوار بقيت حاجه صعبه، و انتٍ ما بقتيش حابه تسمعي غير نفسك وبس! انا قلتلك كل ده عشان اوصل لك حاجه واحده ان انا بحبك وعمري ما هسيبك لكن انتٍ ترجمتيها بطريقتك! لانك كالعاده ما عندكيش ثقه في نفسك ومن زمان ولسه الحوار ده مستمر معاكي فاقتنعي بقى ان المشكله عندك انتٍ مش مع اللي حواليكٍ.
أغلق الباب بقوة خلفه، بينما هوت جالسة فوق الفراش وأنزلت رأسها لتبكي بإنكســار أكبر محتضنة نفسها بضعف، جفل جسدها أكثر وزادت رعشتها وهي تضمه إلى صدرها…
❈-❈-❈
عاد معاذ في منتصف اليوم من العمل حتى يرتاح ساعتين ويعود مجدداً للخارج يواصل العمل، فهو لم يعود يعمل ساعات أكثر لولا الديون التي ازدادت عليهما.. ورغم عدم رضا بسمه على أفعاله لكنها فضلت الصمت و استمرت تعاونه فكيف كانت وأصبحت الآن؟
فمن يصدق من الأساس أن معاذ بدأ يتحمل المسؤوليه قليلاً و يذهب ليعمل ويجلب لهم النقود.. لذلك ستنتظر حتى يتغير كليا وبدأت راضية بأنه هو نصيبها.
أم عن ليلتهما تلك لم تتحدث معه عنها لانها اصبحت معتاده علي ذلك منه، فكانت تظن بانه سيتغير من هذه الناحيه أيضاً في علاقتهما الزوجية لكن فقدت الأمل في ذلك وهي لا تفهم امره حتي الآن.
بعد انتهاء معاذ من الاستحمام، اقترب مالك منه وطلب أن يعطيه هاتفه ليلعب به لفترة قصيرة في البداية رفض، ولكن في النهاية استسلم لطلبه بسبب إصراره. فكان متعبًا وليس لديه طاقة له، وعندما مر أمام الصالة، سمع صوت زوجته وهي تتحدث عبر الهاتف مع شخص يدعى ديمة، حاول تذكر أين سمع هذا الإسم ولكن لم تساعده ذاكرته.
لكن شعر بالتوجس لو أنها مازالت على اتصال بتلك الفتاه التي كانت تساعدها على الخروج والتنزه من خلفهم، لذا عندما انتهت من هاتفها اقترب ليسالها باهتمام
= هي مين ديمة دي اللي كنتي بتتكلمي معاها انا سمعت الاسم ده قبل كده فين؟ اوعي تكون هي نفسها البنت اللي كنتي بتخرجي معاها من ورانا؟؟.
تحشرج صوتها وهي ترد دون النظر له
= لا ما تخافش انا قطعت علاقتي مع مروه خالص دي ديمه مرات آدم ما هي اصلها كانت معايا في نفس الجامعه ويوم فرح منذر لما قابلناها كانت شافتني هناك بس انا اللي خليتها تكدب عليكم.
توترت بعدها عند ذكرى ذلك الشيء وكذبها عليه، ولم تستطع رفع عينيها ومواجهته لذا
بدأ القول بصوت جاهد في إخراجه عفويًا دون أي غضب أو عتاب
= خلاص ده مجرد سؤال سالته ما فيش داعي للتوتر ده، وأنا سبق وقلت لك احنا الاثنين غلطنا وعاوز انسى الموضوع ده
تنهدت بعصبية فأجبت باضطراب عليه
= الموضوع مش موضوع ان انا متوتره ولا ندمانه بس، انا بقيت بكره نفسي لما بفتكر المرحله دي وازاي كنت مصاحبه واحده زيها وبجاريها في اللي هي عاوزاه وكنت هبقى زيها بيوم.
أطلق عدة أنفاس كانت تجيش بصدره عندما
لاحظ حزنها واراد ان يذهب ليستريح بالداخل لكن تجمد مكانه عندما تجمعت الدموع في عينيها وهتفت بقهر مكبوت في جنبات قلبها
= هو انت في حاجه خسرتها ولا حسيت أن رجولتك اتهزت لما وافقت أخيرا بعد فوات الاوان واشتغلت؟ ولا كنت هتخسر إيه برده لو كنت جيت على نفسك شويه وخرجتني مرة أو مرتين في الشهر بدل ما كنت كاتم على نفسي انت وامك؟!. وخليتني الجا لحاجات ما كنتش عاوزاها وكنت هضيع نفسي في اي لحظه.. بدل ما في النهايه احنا الاتنين كنا عايشين في كذبه ولاقيين ليها مبررات؟
نظر لها بصمت شارد، لكن استمرت في اللوم والسخط بغتة كتيارات كهربائية لاذعة
= المشكله عمرك ما كنت منصف لعلاقتنا انت كنت بتحلل لنفسك كل حاجه تحرمها عليا انا و ابنك وكنت بتلاقي لنفسك وقت تهرب ذي ما انت عاوز ما أنت ما عندكش التزامات.. ان شاء الله تقضي اليوم بطوله كله بره تتفسح وتقابل ناس وتتكلم وتلاقي اللي يسمعك..
صمتت قليلا تاخذ أنفاسها واضافت عليه بعذاب وانفعال
= على فكره انا ما ببررش ذنبي انا كمان غلطت، ولكن أنتَ كنت جزءً من الغلط ده و اللي دفعتني للطريق ده وخليتني أخدعك.. كنت بتغاضى عن كل حاجه وحشه وغلط في شخصية مروة وسلبياتها لاني مش لاقيه غيرها قدامي.. بس ما تنكرش ان كنت بحاول كتير معاك افهمك واوصل لك أن تعبت لكن انت كنت بتعند ودايما متسلط معايا ويا ريتك انت وبس! حتى أمك وابوك اللي محدش منهم قدر اللي كنت بعمله معاهم و كنت شايلاهم فوق دماغي وبعمل لهم كل اللي هم عاوزينه و طلباتهم مجايبه.. لكن مع اول غلطه كلهم علقوا ليا المشانق.. طبعا ما أنا الست اللي المجتمع بيحاسبها انما الراجل بيعملوا نفسهم مش شايفين.
ناظرها بملامح عابسة وهتف بخشونة
= هو انتٍ شايفه ده وقت مناسب لكلامك؟ و كنتي عاوزني ارجع بدري يعني عشان تفضلي تلومي فيا كده، ما خلاص يا بسمه انا عارف كل ده واتكلمنا فيه كتير.
هزت رأسها عده مرات عندما أحست بالغصة تسد حلقها وهي تتحدث بينما تجهش بالبكاء
= مش عاوز ننسى اللي فات ونفتح صفحه جديده يبقى تسمعني، انت مش عارف يعني ايه واحد يقيدك ويفرض عليك حاجه انت مش عاوزها.. كان نفسي طول الوقت اعيش حياه جميله وهاديه لكن من وانا صغيره وكل حاجه مفروده عليا.. عشان كده اضطريت اكذب! لاني ما كنتش لاقيه طريقة للتعايش بحريتي عنك وعن أهلي غير دي.
حاولت أن تجلي حلقها ليتغلب عليه تأثرها وهي تكمل عتابها المستنكر
= المشكله ان انا كنت صح! والدليل اهو اللي اهلك كانوا بيرفضوا لما كنت أنا بطلبه عملوا لما بقوا مضطرين.. ورموك تشوف الدوامه اللي انت فيها هتوديك لفين من غير ما يعلموك .
محقة لا يستطيع الإنكار والدليل هو ذاته ما أصبح فيه بسببهم، لذلك تنحنح الآخر يجلي صوته قبل أن يردف قائلا بصوت أراد أن يخرج ثابتا
= تمام معاكي حق ومهما أقول عارف ان ما فيش حاجه هترجع اللي راحه ولا تغير حاجه بس اديني بحاول.. عشان كده خلينا ننسى اللي فات ونفكر في دلوقتي.
أمعنت النظر في عمق عينه التي ترسل أشارت رجاء وغفران، لكنها ابتسمت بتهكم قائلة بعدم أمل
= الكلام سهل! المهم أشوفك على ارض الواقع وانت بتغير واقع علاقتنا .
زفر أنفاسه بقله حيله ثم تحرك للرحيل…
مسحت دموعها بيدها وهي تغمض عينيها بتعب شديد ويأس، ثم قامت وذهبت لتحضير الغداء، لتستمع في الوقت نفسه إلى صوت هاتف معاذ بيد طفلها وهو يطلق إشارات تدل على انخفاض شحن البطارية، نظرت إليه وهي تهتف بانقضاء صبرها
= مالك يلا يا حبيبي روح ألعب جوه وهات التلفون اشحنه قبل ما يفصل، ابوك شويه وهينزل تاني اكيد هيحتاجه .
ضم مالك شفته بملل واعطائها إياه ثم ذهب للداخل، بينما تنهدت بسمة بعمق وهي ذاهبة تبحث عن الشاحن وفي ذلك الأثناء رمت بصرها علي هاتف زوجها دون إهتمام لكن جاء في ذهنها أن لما لا تبحث خلفة وتري هل يتحدث مع غيرها و مازالت فكره الزواج من اخرى في ذهن حماتها تصر عليه.
فهذه الصفه السيئه الوحيده التي لم تراها في معاذ لحد الآن وهي الخيانه؟!.
نظرت حولها بتردد ثم فتشت بالهاتف وحينها صعقت مما تراه، فقد وجدت بضمن سجل البحث الذي بجوجل شيء لم تتوقعة مطلقاً؟؟
صور لفتيات شبة عاريات.. و أيضاً بملابس راقصات شرقية.. وأخريات بملابس مغرية جدآ.. ماذا وكيف؟
إذن كان يرى ويبحث عن ما يمنعها ويوهمها بأنه يشمئز من تلك المظاهر، ومن الواضح أنه مولع بملابس تلك النساء وهي زوجته حلاله يمنعها من ذلك، فلماذا يفعل ذلك طالما لديه رغبة في أن يراها كذلك؟
لكن ما إن ضربت الإشارات المتأخرة عقلها وعيناها تنفثان اللهب.. تحركت بسرعة نحوه واقتحمت الغرفه بقوة ولم تعطيه فرصه للحديث صائحة بصوت غاضب
= تقدر تفهمني ايه اللي في تليفونك ده ؟؟
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى