روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الثامن عشر 18 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل الثامن عشر 18 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الثامن عشر

رواية قابل للكتمان البارت الثامن عشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الثامنة عشر

ارتدت ضحي إحدى المنامات الجديده التي إليها فلم يحرمها زوجها من مشاعره الوليدة التي تزدهر داخل قلبه أو من أي شيئا آخر..و هاهي تقف أمام سفره الطعام تنظر لما اعدته له من طعام بعدما حرمته لأيام من طعامها الشهي، بسبب انشغالها مع الصغيره.. داعبت الرائحه أنفه وهو يُغادر غرفته ليقول
= اخيراً ضحي هانم اتكرمت ورجعت تطبخلنا
اتسعت ابتسامتها وهي تراه ينظر بتلذذ نحو الطعام لكن تجمدت عيناه بعدما ارتكزت على جسدها بذلك الثواب الطويل بعد رضا وهتف دونا تعقيب على ذلك
= يلا خلينا ناكل، عشان عندي ميعاد مهم
سكبت له الطعام بصمت وقد علق شعرها بأنفه فأبتعدت عنه تجذب خصلاتها جانباً ازداد خفقان قلبه وهو يلعن داخله ضعفه امامها من أقل حركه تثيره، لكن يعلم أيضاً بأنها لا تهتم بذلك الجانب جيد
رغم طوال فترة زواجهم حاول قدر الإمكان أن يكون الزوج الجيد معها إلا أن الخجل الذي كانت تكنه له كان يمنعه من ممارسه حياته بشكل افضل مما كان يتوقع وهو رجل حرم سابق من أشياء كثيره.. بالاضافه إلي أنه يري حوله الكثير والكثير من الفتيات الجميلات! صحيح من المستحيل ان ينظر الى غيرها لكن يريدها أن تحقق ما يتمناه ويأتي في خاطره دوماً.
ولكن كان هناك سبب آخر جعلها تلتزم بارتداء تلك الملابس حتي الآن، اعتيادها بعد زواجهما على ارتداء ملابس محتشمه بأمر منه! حتى لا يضع في موقف محرج بسبب مرضه النفسي قبل أن يتعالج.. لكن مازالت لم تفصل بين الأمرين وبأنه تغير بعد.
حتى أنه اشترى فيلا كبيره لها لينفرد هو وهي في مكان واحد لعل الخصوصية تساعد في حصول تقدم ولو كان بسيطا في علاقتهما..
لكن لا فائدة.. خاصة أنه كان يدرك جيداً
خجلها وأنها لا تعرف متطلباته من واقعها الحالي.. فأحلامه لطالما كانت عند تلك الحياه وبذلك الموضوع بالأخص ستعوضه الكثير .
افاق على صوتها المتساءل باهتمام
= ها الاكل عجبك.
تنهد مطولاً فاهتمامها على ذلك النحو به جيد لكن عند النقطه الأخري لا، وبعدما كان الجوع يدب معدته فقد مذاق الطعام وهو يُصارع رغبة عيناه في التهامها وازداد الأمر سوءً وهو يشعر بيدها فوق يده قائلة بتعجب
= مالك يا منذر انت كويس ما بتاكلش ليه، ما تقوليش انك هتمشي من غير ما تتغدى معايا .
مرر منذر أصابعه بحنق على عنقه ثم قال
= ضحى هو انتٍ ليه ما بتلبسيش اللبس اللي انا جبتهلك.. ما فيش يعني حد غريب عشان تتكسفي تلبسيه وحتي والدتك عملت لها جناح خاص بيها بعيد عننا عشان ناخد راحتنا .
عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسأله بتعجب
= وماله اللبس اللي انا لابساه! ما هو كويس .
تلبكت ملامحه وتنحنح وهو يحاول ان يصل اليها ما يريد دون أن يحرجها
= ما لوش يا حبيبتي كويس بس اظن ما خدتيش بالك من اللي انا جبتهلك امبارح تعالي.. وبالمره تقسي قدامي واشوف ذوقي عجبك ولا لأ
هزت رأسها بنفي وأخبرته بأنه يجب عليهم أن يتناولوا الطعام أولاً ثم سترى ماذا يريد فيما بعد.. زفر بملل و تفاجأت عندما رأته ينسحب من فوق مقعده وتابعت حركته بأعينها بدهشة، فقد كان سعيداً برائحة الطعام. لكنه أخذ يديها من فوق مقعدها ليجعلها تسير معه.
دلف منذر إلى حجرته ومن خلفه ضحي التي مزال يجبرها على الدخول وهي تشعر بذبذبات التوتر تعم من حولهم ولا تفهم شيء..
لكنه أصر على ان ترتدي تلك الملابس بالفعل،
ثوبً وراء ثوب كانت ترتديه حتى يُعاينه بعينيه ومع كل ثوب كان يفقد قدرته على ارضاخ عقله بأنه لدي موعد هام وليس متفرغ الآن، ابتلع لعابه وهو يراها تدور أمام عينيه بذلك الثوب والسعادة تملئ قلبها ثم سألته مهتمة
= حلو ده كمان عليا مش كده.
تطلع إلي جسدها بالمرآة بذلك الثوب القصير وكأن رؤيتها هكذا يتراقص قلبه فرحاً لارضاءه واهتمامه بها، ليرد بغزل صريحاً
= انتٍ اللي محليه يا ضحي.
ابتسمت ضحي بسعادة علي كلماته وما إن اقترب منها حتى يقبلها انتفضت وابتعدت عنه عندما وصل إليها سماع صوت بكاء طفلتها يزداد من الجهاز.. فأسرعت تخطى نحو الخارج لكن منذر منعها واغلق الباب، طالعت زوجته وهي تتساءل بضيق
= منذر قفلت الباب ليه أبعد صوت اوليندا بتعيط .
رمقها بنظرات حادة، ثم لوى ثغره مرددًا بضجر
= طب ما تعيط يا حبيبتي ما هي المربيه معاها هناك امال انا جايبها ليه، عشان كل مره انتٍ اللي تروحيلها؟ خليها شويه عليكي و شويه عليها.. وبعدين هو انا مش قلتلك لما
تكوني مشغوله معايا هنا هيكون دور المربيه
هناك
عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً ثم ردت عليه
بصوت خفيض
= طب ما انا خلاص قست اخر فستان! عشان خاطري خليني اشوفها انا اصلا مش جايه على هوايا حكايه المربية دي.. بدل ما انا اللي اربي بنتي
تعالي هتافه المستاء ممزوج بصوتٍ غاضب
= ضحي وبعدين، احنا مش اتكلمنا في الموضوع ده كتير، ده الصح واللي لازم يحصل
وهي خلاص جت يبقى الحمل كله مش هيبقى عليكي.. وبعدين انا ملاحظ من ساعه ما خلفتي وانتٍ مش شايفه حد غيرها وناسيه كل اللي حواليكي
عبست ضحي بعتاب نحو زوجها الذي يتهمها بالانشغال عنه إذا ما تركته قليلاً واهتمت بالطفله اكثر، هزت رأسها بيأس وعدم رضا من منذر ثم أمسكت يده تبعدها عنه لتخرج لكن لحسن الحظ توقفت الطفلة عن البكاء..
فرك موخرة رأسه وهو يتنهد بارتياح مرددًا
= اهي الحمد لله سكتت اهي، اكيد المربيه معاها هناك.. انا بقول كمان نقفل بقى الجهاز ده اللي كرهتيني ان انا اشتريتهلك أصلا
توترت قليلاً ثم ردت عليه بضيق
=طب هو انت عاوز ايه دلوقتي مش كنت تحت مستعجل وبتقول وراك ميعاد مهم يلا روح عشان ما تتاخرش .
إرتسمت إبتسامة ساحره على شفتيه و هو يقترب منها مراقباً ملامحها المتوتره قائلاً بتسلية
=لا ما انا هاجله شويه يا حبيبتي، عشانك…!
كلماته كانت بألف كلمه ومعنى.. ولكن مع أول خطوه خطأها تجاهها فهمت مقصوده جيد، زحفت الخمرة لوجهها لتنزله للأسفل متحاشية النظر لعيناه التي تلتهما، لقد أخفضَت عينيها عنه هروباً لكنه زاد اقترابه وطلب منها تفعل المثل؟
وبخضوع وتردد حركت رأسها تأييداً لما يريد، اخذها نحو الفراش وهو يحرك جسدها حتى وضعها على سريره ثُم أحاط كتفيها مُنحنياً ليقبل رأسها، استقبلت قبلاته بحبًا ومودةً حتي وجدته يشد على قبضتها وتنفسه هائج عندما بدأ تلاحم أجسادهما .
❈-❈-❈
وضعت مايسة الطعام أمام زوجها الراقد فوق الفراش بتعب وهو يزفر انفاسه بارهاق شديداً، أردفت زوجته قائلة بحزن
= يا شاهين كل بقي حرام عليك اللي بتعمليه في نفسك ده… مش هيغير حاجه خلاص عليه العوض في عيالنا وخسرناهم! هنخسر ايه تاني مهم من بعد فراقهم عشان تتعب عشانه.
طالعها بعيني قد فقدت بريقهما وهو يقول بصعوبة
= هو انتٍ فاكراني زعلان على موضوع الوكاله وهو سبب تعبي! مش هنكر صحيح زعلان على شقي عمري لكن زعلي الأكبر على عيالي
واحد قسينا عليه فبعد عننا وبقى يقسى علينا هو كمان ومش طايق يشوفنا ولا يسمع سيرتنا حتي، والثاني دلعنا بزياده فضيع كل حاجه ومش عاجبه ان بعاقبه.. بس هو معاه حق الغلط فينا يا مايسه
هزت رأسها بالايجاب وهي تردد بيأس وإحباط
=متوجعش قلبي عليك اكتر من كده اللي حصل حصل! والندم مش بيفيد وعلى رايك
مهما نعمل لمنذر ونتاسف مش هيرجع يبص في وشنا
دب الأمل في قلب شاهين لتتعلق عيناه بها
والتقط يدها يرجوها
=واشمعنى منذر انتٍ شفتي يا مايسه عشان خاطر طمنيني .. تعرفي حاجه عنه
أدمعت عينها بحسرة وهي ترد بتوتر مبالغ
=ما شفتوش بس حاولت اتواصل مع حماته وهي كثر خيرها وصلتله كلامنا ان احنا عاوزين نشوفه بس هو آآ
عقد حاجيبة باهتمام وهو يقول بلهفة شديدة
=كملي يا مايسه قال لك ايه وافق مش كده انا عارف ان منذر طول عمره قلبه طيب و هيسامحنا
شهقت بالبكاء وهي تردف بقهر وسط شهقاتها
=لا يا شاهين إبنك اتغير خالص واحنا السبب، ما رضيش يقابلنا يطمنا عليه ولا حتي يطمن علينا وقالها بشكل صريح ان ما لوش علاقه بينا من ساعه ما سبنا.. و آآ و بعت فلوس لينا كاننا شحاتين ومستنيين منه حسنه مش اهله وعايزين نطمن عليه .
اتسعت عيناه بذهول وصدمه وضاع الأمل بعدما أن أحي داخله ثم أخفض نبرة صوته قائلاً بخيبة أمل كبيرة
= ما تزعليش منه لي حق يعمل اكتر من كده! احنا جينا عليه كتير مش قادرين يعني نستحمل الشويه دول لحد ما يسامحنا.. معلش هنحاول مره كمان لحد ما يرضى، اسنديني يا مايسه عشان اقوم
نظرت إليه بقلق وهي تقول بنبرة مرتجفة
= ليه.. رايح فين وانت تعبان كده؟
تنهد بتعب شديد لكنه هتف مرددًا بإصرار جاد
= هروح لكوثر اتحايل عليها عشان تديني عنوانه، اكيد لما تشوفني بالمنظر ده هصعب عليها.. و ممكن كمان اصعب على ابنك!.
❈-❈-❈
بعد وقت لاحق كان منذر بداخل المرحاض ياخذ شاور، بينما في الخارج ذهبت ضحى تتفقد اوليندا ثم دلفت للجناح تستعجله حتى يتناول معها وجبة الغداء التي لم يلمسها و اجبرها على الطلوع هنا بحجه أن تقيس الملابس ثم بعدها آخر موعده لأجلها! لاجل ان يقضي معها وقت ممتع، لا تنكر بأن تلك الأفعال التي يفعلها ترضي ثقتها الأنثوية
فذلك أكبر دليل لعشقه لها.
تنهدت بسعادة ثم بحثت بعينيها عنه لتجد ملابسه فوق الفراش طالعت باب المرحاض المغلق مقربة اذنيها منه فتسمع صوت رذاذ الماء، كادت ان تطرق فوق الباب تُخبره بأنتظارها ولكن صوت رنين هاتفه بتلك النغمة المخصصة للرسائل جعلتها تتراجع نحو الفراش تلتقط هاتفه.
لم يكن يوماً لديها فضول تجاه شيئاً ولكن معه كانت تختبر مشاعر عديدة التمعت عيناها بالغيرة وهي ترى رسالة تلك المدعوة رغد تُخبره بأنتظارها له في موعدهم بالحفله
تلفتت نحوها تلقي الهاتف فوق الفراش لتتجه نحو غرفه الملابس تنظر لهيئتها بإحباط وهي تشعر بانخفاض بمعنويتها بعد ان ارتفعت .
فهي تشعر بالغيره من فتاه تحوز على اهتمام زوجها أكثر منها او ربما لا تشعر هذا يحدث بالفعل فذلك الإسم أصبح يتردد في حياتها كثيراً على لسان زوجها، بحجه العمل! لكن هي انثي وطبعها ستغار حتى لو زوجها يوفر لها كل الاحتياجات من المشاعر والحب.
وفي ذلك الأثناء دخل زوجها وهو مرتدي ملابسه يبحث عنها وعندما رآها أخبرها
= ضحى انا همشي انا يا حبيبتي بقى عشان اتاخرت أوي عاوزه حاجه .
نظرت له مطولاً وصوتها خرج متعلثماً تحاول ان تشيح نظراتها عنه حتى لا تنكشف ضيقها
= هو انت المشوار اللي رايحه دلوقتي حفل عمل!
هز رأسه بالايجاب، بينما تنهدت بضيق فلم يعجبها تلك الأجواء و الخروج طوال الوقت إلي عالم جديد عليهما بالإضافة أنه يذهب و يسهر بتلك الحفلات كثيراً وهي تعلم جيد ما يحدث بها وكم الفتيات التي يراها هناك! وإذا طلبت منه أن لا يذهب من المستحيل ان يوافق وسوف يخبرها بأن تلك المرحله جديده في حياتهما ويجب ان يتاقلموا عليها.
اقترب من ضحي ليحتضن إياها مرددًا باهتمام
= خلي بالك من نفسك لو عاوزتي حاجه ابقي اتصلي بيا ولو ما ردتش عليكي اعرفي بسبب الدوشه اللي هناك بس انا هكلمك اول ما اوصل ما تقلقيش، وابقى نامي انتٍ بلاش تستنيني عشان انا ما ليش ميعاد محدد.
هزت رأسها الموافقه على حديثه، ثم وضع قبلة فوق خدها ليتركها بعدها مُغادراً، تطلعت فيه بحسرة وهي تهمس ببؤس
= طب حتى كان قالي تعالي معايا الحفلة لو بالكدب انا كده كده مكنتش هروح
هزت رأسها ممتعضه بعتاب من أفكارها وهي تردد
= مالك هتدوري على النكد… ديه حفله شغل مش رحله هي ومنذر حتى لو حوالي كل ملكات الجمال عمره ما هيبص لغيري .
❈-❈-❈
بينما على الجانب الآخر، تألقت رغد كعادتها لتكون نجمة الحفل كما اعتادت واعتاد الجميع عليها والصحافه لكن أصبحت تلك الفتره تهتم بمظهرها أكثر، كانت تقف في الحفله وعيناها على الباب بلهفه لم تستطيع اخفائها ابدأ، باهتت ملامحها وهي تفكر هل من المحتمل أن لا يأتي فالوقت قد تأخر.. حتى انه لم يجب على اتصالاتها لكنها ظلت بانتظاره على أمل
عقدت حاجيبها صديقتها وقالت بشك
= هو إيه اللي واخد عقلك ومش معانا خالص؟ كل ما أكلمك على شغل تقوليلي مش وقته الحفله معموله عشان نتبسط واكلمك في مواضيع عاديه برده تقوليلي مش وقته! اتمنى يكون اللي في بالي مش صح عشان اللبخه اللي انتٍ فيها دي انا عارفاها كويس .
تطلعت نحوها بنظرات حادة، وأجابت بصوت خفيض
= بتقولي ايه مش فاهمه و بتتكلمي علي ايه
أكدت لطيفة على كلامها تهتف بمكر
= بقول إللي شكله حصل، كده تخبي برده عليا ده انا هفرحلك ربنا يستر بس و ما يطلعش زي اللي فاتوا.. لاحسن انتٍ تاريخك مع الرجاله مشرف أوي ولما بتدلقي ما بتشوفيش عيوب اللي قدامك.
نظرت إليها عده ثواني، ثم قالت بغضب دون مبرر
=يوووه بطلي زن عشان ما فيش حاجه من اللي في دماغك صح، كل الحكايه أني مستنيه منذر عشان اتفقنا احنا اللي هنفتتح الرقصه الاولى مع بعض بعد ما يقول كلمه شكر على المنصه.
اتسعت عينا صديقتها بذهول وصدمه وهي تقول
= نهارك اسود منذر مين! اللي جاي من الحاره ومعهوش شهاده ولولا أنه شاطر حبتين و الحظ لعب معاه بقيله اسم معاكم مش بقول لك خيبه وشكلك ما بتتعلميش بقى دون عن الرجاله كلها ما لقيتش الا ده.. استني هنا كمان هو مش متجوز انا فاكره ان انا لمحت في ايده دبله .
نظرت حولها بحذر ثم اجابتها بعصبية ظاهرة عليها
= ممكن توطي صوتك يا لطيفه بابي قاعد في الترابيزه اللي ورانا وممكن يسمعك ويصدق كلامك، وأنا قلتلك ما فيش حاجه احنا مجرد اصدقاء عادي، وبعدين ماله منذر مش عاجبك ليه؟ أهو اللي مش متعلم ده ومتربي في حاره احسن من اي راجل قابلته في حياتي.. بيعرف يحترم الست اللي معاه كويس وشاطر وناجح رغم الظروف ممكن تمنعه يكمل بس بيبقى دايما مصر يطور من نفسه مش زي البهوات اللي قابلتهم في حياتي واتجوزتهم.. بيعتمدوا على فلوس أهاليهم وما لهمش طموح
لوت ثغرها باستهزاء ثم ردت عليها بعدم تصديق
=لا واضح فعلا ان مفيش بينكوا حاجه، باماره كل الشكر والانبهار ده؟ ومجرد اصدقاء ماشي يا رغد هعمل نفسي مصدقاكٍ بس فوقي لنفسك احسن توقعي بجد.. و ده ما ينفعكيش خالص ومش هقول لك بقى الكلام العبيط عشان متجوز وجاي من حاره! عشان ما ترديش عليا نفس الرد وانه احسن من اي رجاله قابلتيها في حياتك واتجوزتيها..
تابعت صديقتها حديثها قائلة بضيق
= بس باباكي عمره ما هيقبل والانبهار حاجه وانك تتجوزي حاجه ثانيه.. وانتٍ ياما انبهرتي باشخاص وبعد الجواز لقيتيهم حاجه ثانيه خالص وكانت النتيجه انفصلتوا وكنتي برده بتقعدي تشكري فيهم وتدافعي كده.. ده غير بقى في مشكله اكبر انك شكلك كده بتحبي من طرف واحد وهو مش في باله .
ضغطت على شفتيها بغضب مكتوم ثم هزت رأسها باعتراض وهي تقول بغرور كبير
= مش رغد بسيوني اللي تحب من طرف واحد وانتٍ عارفه كويس لو شاورت بس لمين
مهما كانت مكانته هيجيلي راكع! انا رغد القويه وهفضل القويه ومش مجرد كلمتين خايبين من اي حد هيهزوا ثقتي.. وبعدين ليه ما يكونش هو اللي بيحبني من طرف واحد عشان متجوز يعني! طب ما انا ياما بيقعوا في جمالي رجاله متجوزه وانا اللي برفض..
ثم أضافت قائلة بثقة كبيرة وقد شددت من لهجتها وهي تبتسم بسخرية
= ولعلمك اصلا منذر مش بيحب مراته رغم انها ما تنفعوش نهائياً ولا لايقه على الاجواء الجديده اللي بقى فيها، هو بس مخليها على ذمته كده كرد جميل انها سندته و وقفت جنبه.. والدليل عمرها ما ظهرت معاه في اي نجاح لي معانا بالشركه ودلوقتي هتلاقيه داخل من غيرها كمان.
رفعت الأخري حاجبيها بالاعلي وهي تقول بنبرة مدهوشه
=مالك يا رغد براحه على نفسك يا حبيبتي انتٍ دخلتينا من حوار حب من طرف واحد لواحد هيطلق مراته واحنا مالنا سواء بيحبها ولا ما بيحبهاش، على العموم اهدي احنا لما صدقنا طلعتي من الحاله اللي انتٍ فيها و نسيتي اللي عمله فيكي جوزك الاخير ومش عاوزين بقى نرجع للقديم عشان كده بحاول احذرك .
لم تهتم رغد لحديثها كثيرا الا ان التمعت عينيها وقالت بسعادة
=منذر جي لوحده.. مش قولتلك ديه جوازه رد جميل مش اكتر.
رفعت رغد رأسها بأعتزاز تُلقي عليها قبلاتها بوداع، وابتسامه واسعه حطت فوق شفتيها وهي تندفع للأمام نحوه.
❈-❈-❈
تسطحت ديمة فوق فراشها تتقلب يميناً و يساراً وتارة أخرى تقضم اظافرها، منذ أربعة أيام وهي تشعر بتغيره معها كان يهتم بأن يعود لها بابتسامة لكنها اختفت الآن واختفت معها حماسها وبدء ينطفئ وعاد كل شئ محبط من جديد رغم أنه يشعر بالضيق من حاله لكن لا يستطيع ان يذهب اليها ويخبرها بمخاوفه .
ولكنه ابي ان يكون الرجل الذليل لامراته كما كان يفعل مع ابنته التي كانت بكلمه واحده حانيه منها تجعل قلبه طوع بنانها، وبالنهايه تركته عند اول محطه.. الضعف ليس من شيماته لكن كل ليلة يصارع بين قلبه وعقله.
آه لو يعلم انها تراه أجمل رجلاً وتشتاق له و تتمنى حضنه فهي نشأت وعاشت وحيده إلا معه داخل أحضانه لكن لا تعرف لما يحرمها منها.. وهو يعلم ذلك جيد وكيف هي بحاجته.
بعد نصف ساعة كان عاد رفعت عيناها نحوه تُطالعه في ظلام الغرفه لكنه تحرك بصمت وبتجاهل إلي المطبخ بعد ان ترك حقيبه العمل فوق المقعد.
ذهب يتناول اي شيء ولم يطلب منها حيث تجاهل الأمر كونه تأخر وبعدها توجه لغرفته وضع يده علي مقبض الباب وهم بفتحه لكن وقف بل تشل قدميه وجميع حواسه بسبب صوت عزف على البيانو بمقطوعة يعرفها جيداً ارتعشت قدمیه ونبض قلبه بجنون للحظه..
علم بأنها هي! استدار عائداً إلي باب المكتب فوجدها جالسة ترتدي ثوب باهت البياض و مفاتنها ظاهرة بخمول جمالها وشعرها مبعثر على كتفيها بينما تجلس عند البيانو و تعزف مقطوعته الحزينة! كأنها تعاتب إياه بتلك الطريقه.
وقف لدقائق يتنظرها لتقف تحولت الدقائق
لربع ساعة ثم لنصف ساعة تحدث معها عدة
مرات محاولا ايقافها لكن لا فائدة، ثم اضطر
أن يقترب منها ووقف مواجها لها نظر لداخل عينها اخترقت مقلتاه فارتعشت بطريقة اعجبته بل هام بمنظرها ورائحة الورود
القوية التي فاحت منها وكأنه غرق في بركة
مغلقة لكن ليست ببركة ماء بل بركة عطر مركز
من الورود آه ديمة ماذا تفعلين بقلب حبيبك .
تنفست باضطراب وهو قريب منها لدرجة قدرة
عطرها على التغلغل داخل روحه، ارتبكت و تنفست بتوتر بينما جسدها انتفض بشدة! اقترب منها خطوة اخرى لدرجة لم يفصل بينهما سوا بضع أنشأت لعينة هبط برأسه كونها كانت تصل لصدره فقرب وجهه من تلك الخصلة رافعاً سبابته مقرباً لها من انفه مستنشقاً لتلك الرائحة عن قرب بينما كانت تشعر بأنفاسه الحارقة تخترق رقبتها!
توقفت بسرعه عما تفعله ليبتسم بأمل اخيراً بينما هي حملت خصلاتها للاعلى ونظرت له
نظرة خاطفة، ليسالها بصوت عميق
= بتعملي ايه هنا و ايه اللي مصحيكي لحد دلوقتي مش عندك مذاكره بكره.
ابتلعت ريقها بتوتر وضغطت علي شفتيها بضيق وهي ترد عليه بصراحه
=طول ما انت بعيد عني مش هعرف اذاكر ولا اعمل حاجه ولا انام حتى! آدم انت ليه بتعمل معايا كده .
نظر نحوها مجدداً بنظرات مختلفه ثم دون حديث ضمها اليه يشعر كأن روحه عادت اليه من جديد، أربع أيام يعدهم بالتمام والكامل كانت بعيده عنه أربع أيام عرف فيهم أن ضحكتها و حضنها أثمن شئ حصل عليه بالحياه..و أدرك انه ما يقوده نحوها ليست مرهقة متأخرة كما يُسميها الرجال او لحظة اندفاع قادته لها انما هذه سعادته المُقدرة.
حينها بدى بتحريك وجهه بين ثناني رقبتها يتحسسه بفمه برقه، انفجرت مشاعرها على حين غفله منها، بينما ارتفعت وتيره انفاسها.. هل يفعل ذلك متعمداً ام انه يحاول استفزازها! لأنها لن تحتمل تلامسا آخر منه حتى مع انها من بدأ أولا في الإقتراب.
بعد بوقت لاحق، في غرفة النوم اتسعت ابتسامته وهو يضمها بقوه داخل احضانه و كأنه يخشى فقدانها، ثم تحدث بخبث
= ما طلعتش لوحدي اللي بعاقب وبحرم اللي قدامي، انتٍ كمان طلعتي حرماني منك .
توردت وجنتيها من مغزى كلماته لتدفعه عنها وارتفعت عيناها نحوه وهي تقول
= عايزه اعترفلك بسر
عقد حاجيبة بقلق وقد بهتت ملامحه، لتقول بصوت مطمئن
= مالك اتخضيت ليه كده؟ ما تخافش حاجه كويسه
تنهدت بقوه واردفت بأنفاسها الهائجة من تلك المشاعر التي لم تختبرها يوماً مع أي شخص تعرفت عليه قبل منه
= أنا كنت هتجنن الأيام اللي فاتت وانا شايفك بعيد عني وحرماني من ابتسامتك حتي.. آدم انا ما ليش غيرك وانت عارف كده كويس فبلاش تعاملني بالطريقه دي لو في حاجه مضايقك مني تعالى قولي واحنا نتناقش و نحل الموضوع بس بكره عقاب الصمت ده.
هز رأسه بالايجاب وانخفض بشفيته يلثم خديها مرددًا بحب
= وأنا كمان اكتشفت اني بقيت احب ارجع البيت عشانك مخصوص… وما ليش حد غيرك رغم كل اللي حواليا ما برتاحش مع حد إلا حضنك
كلماته كانت الفيصل بل مسك الختام، الذي جعلتها تنام أخيراً بسلام وعلى وجهها ابتسامة.
❈-❈-❈
استفاقت ضحى بحذر بعد أن التفتت ورأت منذر يدخل من باب الجناح بينما كانت تجلس على حافة السرير تحاول أن تجعل أوليندا تنام ارتعشت وهي تضع يدها برفق تحت الطفلة الصغيرة ثم قالت بتوجس
= منذر انا والله سبتها الصبح مع المربيه واخذتها انيمها دلوقتي بس.
تنهد الآخر بضيق مُجيباً أياها بنبرة مطمئنة
= ضحي في ايه؟ هو انتٍ مفكراني عاوز امنعك من بنتك مثلاً انا عاوز اريحك مش اكتر يا حبيبتي ومش عاوزك تعملي حاجات كتير .
هزت رأسها بالايجاب رغم عدم اقتناعها التام ثم طالعت الصغيره بين ذراعيها تنظر لملامحها بسعاده قائلة
= اوليندا قلبت شبهك خالص .
اقترب منها يُحاوطها بذراعيه سعيداً لسعادتها
واردف بحب
= بس انا شايف انها شبهك انتٍ
التمعت عيناها وهي تنظر للصغيره مجدداً، ثم همست له بصوتٍ أنثوي رقيق
= لا هي واخده منك اكتر ولسه ماما بتقول هتقلب اكثر لما تكبر.. وبعدين هو انا حلوه كده؟
قام بوضع كفها على فكه الحاد سامحاً لها بالعبث بلحيتهُ المهملة، وحينها أبتسم مُردفاً
بصوتاً أجش
= طبعا يا حبيبتي حلوه، واحلى واحده شافتها عيوني كمان.
تعلقت عيناها به ونظرة واحده كانت تحمل كل ما داخل قلبه برجلاً أمات داخله من الحكايات لتأتي هي تعلمه كيف يكون الحب، أغمضت عينيها تشعر بيديه تُداعب وجنتيها ثم بعدها لم تعرف كيف خطف اوليندا و أصبحت بين ذراعيه ليجعلها تنام في غرفتها الصغيرة رغم اعتراضها عندما إبتعد قليلاً عنها تُخاطِبَهُ راجية
= ما تخليها تنام هنا النهارده .
هز رأسه بنفي وهو يتحدث بصوت ماكر
= لا واستنيني لحد ما ارجعلك عشان عاوزك في موضوع مهم
رحل للخارج قبل أن يغمز إليها بطرف عينه و أرسل إليها قبلة في الهواء، بينما أخفضت عينيها بخجل وسعادة وهي داخلها متعجبه من اهتمامه الزائد وأصراره علي قضاء وقت ممتع مع بعضهم البعض.. فكرت ربما يحاول تعويض ما فات بسبب الأمور الصعبه التي منعته عن اكمال مـ.ـمارسه حياتهم بشكل طبيعي.
لكن لماذا يحدث ذلك الآن بالذات؟ لا تعرف و لم تفكر بأنه قد يكون هناك سبب آخر تمامًا؟
عاد مجدداً بالفعل، كانت المسافة بينهما أمتار قليلة تحرك تلك الأمتار وهو يفكر إن قطعها سيلمس بشرتها وسيحيط بجسدها و سيقبل شفتيها، وسيغرق في بحر عيناها كسفينة التايتنك وسينعم باستنشاق رائحة الورد المنبعثة منها… اقترب حقا ليخطف أنفاسها دون شعور منها لتسلمه مفاتيح حصونها.
بعد وقت لاحق وهم بالفراش، كان يمرر أنامله على ملامحها وبأعين ناعسة تحدق به حتى كادت تغلق عينيها لتنام لولا تحدث بصوتاً كالهمس
= ما تقفليش عينك! ما شبعتش من النظر فيها
لسه.
انسحبت عن حضنه بخفة لتحدق به وأجابت بصوتاً متعب مرتجي
= حاسه نفسي مرهقه ونعسانه وعاوزه انام .
لم يتحدث إنما أخذ كفُها بين شفتاه يقبل أناملها واحدة واحدة وهو يغلق عيناه والذُّبول يزين ملامحه الحادة وحين أكمل تقبيل أنامِلُها قبل باطن كفُها قُبلة طويلة دافئة جعلت منها تشعر بالمشاعر التي كانت تفتقد الشعور بها، وهو الأمان…
إبتسم بجانبية وسارت يده على خصرها ليقربها منه مُردِفاً بذات النبرة مشيراً لصدره
= ماشي، قربي وتعالي نامي هنا.. في مكانك الأساسي.
راقبت حركته والى أين يشير لتجد الى صدره وبالتحديد الى قلبه مررت كَفُها عَلَى شعرها تعيده خلف إذنيها، ليحدق في أناملها وهي تشتت عنه خجلها ولا تعلم بأن حركتها تلك
فضحت خجلها أكثر، قهقه عليها بخفة وهي ابتسمت بأعين بالكاد تجاهد للبقاء مستيقظة..
وإقتربت منه حتى أراحت رأسها على صدره
وأحاط بها بكلتا ذراعيه وقبل رأسها قبل
متقطعة حتى سرعان ما نامت..
حينها حقاً تمنت أن يعيشوا في عزلة عن العالم بأكمله ويبقيا معًا في هدوء ودفء دون تدخل من أي شخص، لا حتى عائلتها أو حتى عائلته، أي شخص على الإطلاق وإذا كان بوسعهما، فليظلوا في أحضان بعضهما البعض لما تبقى من الليل.
❈-❈-❈
وخلال تلك الفترة ذهب معاذ إلي بسمة في منتصف الليل وهو متردد من أن تطرده هي الاخرى ولا تستقبله فهو لا يعرف احد غيرها بذلك الوقت يذهب له لكن لم تعترض وبكل صمت تركت له الباب مفتوح من دون حديث يدخل و نام في غرفة والدها.
في الصباح، التفتت للخلف نحو باب غرفتها الذي تم فتحه دون استأذن معتقدة أنه طفلها الذي أخبرها أنه سيخرج ويجلس مع والده بعد أن ملّ من الجلوس هنا، لكن ما أن رأت الدخيل حتى شحب وجهها وتراجعت خطوات للخلف..رمها معاذ بنظرات ازدراء هاتفا بحده
=هو انتٍ مش سامعاني عمال انده عليكي بره
ما بترديش ليه.
قالت بسمة له بنبرة جفاء وهي تتوجه للغرفة الأخرى للخارج
=عشان زي ما انت شايف كده مش فاضيه وبروق البيت، فأي كانت الحاجه اللي مش مهمه اللي هتقولهالي مش فارقه.
ارتعد معاذ غضبا من ردها فاقترب منها يجذبها من يديها لتقف أمامه متحدثاً بامتعاض
= لا اللي هقوله لك مهم ومن ضمن ترتيباتك و عملك في البيت برده، اتفضلي اعمليلي حاجه اكلها قبل ما انزل
تراجعت خطوة للوراء مفلتة يدها منه لتقول بغل نابع من حرقتها
= ايدي مش فاضيه المطبخ عندك روح اعمل لنفسك حاجه تاكلها ولا انزل خفيف خفيف احسن برده
ليرفع معاذ سبابته يحذرها بسخط
=بسمة اتلمي واتكلمي مع جوزك باحترام هو انتٍ ناسيه ان انا رديتك و بقيتي على ذمتي يعني انا من مسؤولياتك و واجب عليكي تخدمي جوزك وتعمليله اكل كمان وتسمعي كلامه..
برق في عيناها الغضب وهي تقول ببرود ظاهري
=يا حبيبي تصدق صعبت عليا، بقول لك ايه يا معاذ قصر في يومك.. انت مش من واجباتي ولا حاجه ولا عليا اخدمك ولا اخدم اهلك اللي يا ريت في الاخر تمر فيهم ومن اول غلطه كلهم علقتوا المشانق.. وما قلتلكش رجعني فلو كنت فاكر بسمة بتاعه زمان اللي كانت بتكبر دماغها وتعمل غصب عنها.. لسه زي ما هي تبقى غلطان .
تطاير الشرر من مقلتيه من الكلمات التي وجهتها له فقال بجمود قاصداً أن يؤلمها بالصميم
= ولله! هو انتٍ كمان ليكي عين بعد ما استغلتينا كلنا وفضلتي سنين تكدبي علينا اكثر من كدبه، واحده غيرك تحمد ربنا ان انا رجعتها تاني بعد كل اللي عملته ده انا بسببك ابويا طردني وامي اتبرت مني! ولسه بعد كل ده بتاوحي بجحه صحيح
توقع أن تخجل من فعلتها وتصمت لكنها ردت بتحدي لا تقبل هزيمته
= لا يا بابا ما تجيبش غلطاتك فيا! انا سامعاك من صباحه ربنا وانت بتتخانق مع اصحابك عشان تعرف ترجع الوكاله اللي نصبه عليك فيها وقلت لهم أن ابوك ضربك وطردك بسبب كده مش موضوع جوازنا إللي هتعلق عليه شماعه اخطائك.. ولو انا بجحه زي ما بتقول عشان بس كملت تعليمي من وراكم! فيا ريت تلاقي لنفسك برده وصف على واحد ضيع شاقي ابوه وجاي يقعد عال على مراته من غير شغله ولا مشغله
دبت قشعريرة بجسده، و ابتلع ريقه ثم اغتصب ابتسامة غيظ أمام زوجته حتى لا يصلها ارتباكه، ليهمس لها من بين أسنانه
= بتصنتي عليا ماشي! وبعدين مين قال لك ان انا هقعد كده ولا كنت طلبت منك تصرفي عليا
لوت شفتاها باستخفاف وهي تقول بحزم
= امال هتصرف منين يا سبع الرجال ابوك وخلاص ولا هيبص في وشك تاني ولا هيرجع يديك فلوس لو لسه معتمد على كده و انهم يومين وهيقولوا لك ارجع وحقك علينا، خلاص شغل الدلع بتاع زمان بح والدليل لما
منذر سابكم غصب عنهم نزلوك تشتغل و دلوقتي بس عرفتوا قمته.. والله حلال اللي بيحصل فيكوا ده ذنبه .
كان معاذ يغلي في داخله لكنه هتف بعبوس
= ما لكيش فيه لما اجي اطلب منك حاجه يبقى ساعتها يبقيلك عين، انما ما تخليش نفسك في اللي ما لكيش فيه دي مشاكل بيني وبين اهلي
كان عدم التصديق جليا في عيني بسمة وهي تقول ساخرة
= لا يا حبيبي ليا ونص، عشان البيت ده محتاج فلوس واكل ومصاريف ولازم النهارده قبل بكره تنزل تدور على شغل بدل ما نشحت من الناس ولا هتعتمد على معاش ابويا! مش لسه من شويه قايل مش هاخد منك حاجه
ابتلع معاذ ريقه بصعوبة وقد غلبته قلة حيلته بالرد ليتمتم بصرامة زائف
= وانا لسه عند كلمتي مش معاذ اللي ست تصرف عليه، وريحي نفسك يا بسمه عشان مش مستنيك تقوليلي اعمل ايه
هزت رأسها بالايجاب باستفسار ثم تحدثت مجددًا بحزم
= حلو! هتجيب بقى فلوس منين طالما مش عاوز ست تصرف عليك! مش رجعتني على ذمتك من تاني وبقيت مسؤوله منك وعندك عيل كمان، يلا يا رجل البيت عشان البيت محتاج فلوس وانزل شوف هتجيب فلوس منين، بس تبقى مصيبة لو معتمد على اصحابك انك هتعرف ترجع الوكاله ولا يسلفك حد منهم فلوس .
جلست بسمة على الأريكة باسترخاء ظاهر وهي تتطلع لمعاذ الذي بدأ أمامها كالأرنب المذعور لانها قد كشفت مخططه هو يسعى الى ارجع الوكاله وذلك شبه مستحيل
وحاول بالفعل ان يستلف منهم بعض النقود لكنهم رفضوا جميعهن، ثم أضافت باستهزاء
= عشان يا حبيبي اللي راح مش بيرجع! ولا الحدايه بتحدف كتاكيت واللي زي دول مش هيعملوا اي حاجه إلا لو ضمنين قصادها اللي هياخدوه الضعف، يعني مصلحه قصاد مصلحه مصلحه وانت بقيت على الحديده يعني عمرهم ما هيبصوا في خلقتك.. هم خدوا مصلحتهم وخلاص ما بقتش تلزمهم ودول عمرهم ما كانوا اصحاب ينفعوا والعنوان بان من اوله؟ واحد كتبك وصل امانه وخد الوكاله؟ يبقى الباقين هيعملوا معاك ايه يا حلو.
بقي معاذ واقفا مكانه يفور بالغضب من كلام زوجته وهو يرخي أجفانه ويداه تتقبضان إلى جوار جسده قبل أن يشحب وجهه، انعصرت عيناه بأنين متألم فالجميع يلوم فيه ويعاتبه باشد الطرق، لكن لم يعرف أحد أن يضع إياه على اول الطريق الصحيح..ثم تحرك أخيرا ليرحل للخارج.
❈-❈-❈
في فيلا منذر، ارتجف قلب ضحي خوفاً مما تراه يوجعها حيث اهتزت المجله التي بين ايديها، كانت تقع عيناها عليه والآلم ينهش روحها انها صور الحفل التي لم يفكر في أخذها معها ليُقابل رغد ويرقص معها ويحضنها والصور خير دليل و الشك ينبض بقلبها وما عساها ان تعيش ألم خيانه فلم يكن بالهين عليها .
يبدو ان التجربه الجديده التي تعيشها هنا ستجعلها تقابل الكثير من ذلك، فاذا ذهبت اليه سيخبرها كالعاده كل مرحله ولها تغيرتها؟ وان هذه صديقته ولم يفعل شيء خاطئ وهكذا.. وهي المغفلة التي يجب عليها ان ترى ذلك و تصمت.. ولا يحق لها ان تعاتب زوجها حتى.
فكرت قليلاً إذا لم يتعالج او تلك التغيرات صدرت قبل شفاؤه! هل سيكون بتلك الثقه ليدخل ذلك العالم ويتعرف على فتاه غيرها! وهو بالسابق كان يخشى ان يقترب من اي فتاه حتى لو بنيه الزواج إلا عندما اوقعها القدر في طريقه.. لكن حقا لا تفهم هل هي مرحله في حياته وسوف يبحث عن غيرها لأنها لم تعد مناسبة له.. إذن لما طول الوقت يقترب منها ويخبرها بانه يحبها ويريد ان يقضي وقت ممتع معها أكثر، ستجن و لا تفهم سر تغيراته الغريبه تلك.
انتفض جسدها على صوت والدتها وهي تسحب منها المجله وترى ما فيها ثم هتفت بحده
= طب ما بدل العياط مروحتيش ليه مع جوزك يا خيبه حفله زي ديه.. كل ست بتكون متعلقة في دراع جوزها ومبتسبهوش، واللي مش لاقيه راجل تتعلق فيه هتتعلق مع اللي جاي من غير مراته.
والحقيقه التي لا تعلمها أمها ان زوجها هو من لم يدعوها لذلك الحفل، مسحت دموعها بيدها وهي تقول بنبرة حزينه
= وهو يعني كان عزمني وانا اللي قلت لا! سيبيني في اللي انا فيه بالله عليكي يا ماما
احسن انا ما بقتش فاهمه حاجه، شويه في حضني وشويه في حضن غيري وفي العلني اهو.. والمشكله لو رحت أعاتب هيقولي الكلمتين بتوع كل مره! هو ده العالم الجديد اللي احنا دخلناه ولازم نتاقلم عليه
زفرت كوثر أنفاسها مقتاً من سلبية ابنتها وقالت بضيق شديد
= بلاش تبقى خايبة وفتحي عينك كويس حاجه زي كده مش لازم يعزمك عليها بنفسه هو بيحبك ولو قلتيله عاوزه اروح معاك مش هيقول لك لا، افهمي كل ما جوزك بيكبر مرحله الستات حوالي بتكتر اللي طمعانه واللي هتقع في غرامه.
نظرت لأمها بأسف، هي دومًا تنظر للأمور من نطاق محدود، أخرجت من صدرها تنهيدة أكثر حزنًا وهي تقول
= هو انا كل ما اشتكيلك منه تقوليلي أنه بيحبني ومستحيل يرفض لي طلب انا بالذات، متهيالك وقلت لك بدل المره عشره منذر اتغير عن زمان..لما بيتقفل علينا باب واحد أنا إللي بتعامل مع شخص تاني .
لوت كوثر ثغرها للجانب وهي تعاتبها بجفاء
= يا بت ماتبقيش عبيطة.. الرجاله عامله زي الاطفال! في راجل بيجي بالكلمة الحلوة وفيه واحد بيجي بالنظرة.. المهم النظره دي جايه من حد نيته ايه؟ وانتٍ نيتك تحافظي على بيتك وجوزك فشطرتك بقى تسحبي ليكي زي ما إنتٍ عايزة.
اخذت نفسًا عميقًا لتضبط به انفعالاتها المتأثرة خاصة بعد أن لمعت عيناها بالدموع بقوة، بدت نبرتها مهتزة وهي تقول
= ياريت الموضوع سهل زي ما انتٍ فاكره كده
انا بقيت حاسه ان هيدخل عليا في مره ومعاه واحده وهينسى كل اللي عملته معاه زمان، صدقيني منذر اتغير والدليل اللي انتٍ شايفاه وانا في المجله ده عمره ما كان يقدر يرفع عيني في ست، حتى انا خد وقت عقبال ما اتعود عليا التغير المفاجاه ده مخوفني طول الوقت
هزت رأسها باعتراض ثم ردت عليها باحتجاج ناقم
=وطالما مخوفك نقعد نحط ايدينا على خدنا ونستنى اللي تيجي وتاخد مكانك فعلا ولا نحلها بالعقل، اول حاجه بلاش فعلا تفتحي معاه الموضوع ده طالما عارفه الاجابه وانتٍ اللي هتطلعي غلطانه ومش عارفه تتعودي على الاجواء الجديده وهتطلعي ست ما بتفهميش في الأمور اللي حواليكي انما اللي حوالي هو فاهمين وجاهزين من غير ما يتعبوا ويتعلموا ويفهموا.. نقوم احنا عاملين بقى ايه نحوط عليه وما نخليهوش يشوف غيرك .
تفاجأت ضحي بما رددته، هي تفكر فقط في مسألة رغد المنتهية قبل أن تبدأ، و تفكر ربما من الأساس منذر أفسد فرصتها قبل أن تستمر لكن حديث والدتها جعلها نبذت تلك الفكرة و احتقنت دماؤها واستشاطت نظراتها، ثم ضمت شفتاها ببؤس وهي تقول بنبرة مؤلمة
=هو انا ممكن الاقي غير الزفته اللي اسمها رغد دي اللي طلعلي في البخت انتٍ عماله تتكلمي بصيغه الجمع ليه هو انا ناقصه رعب ده انا واحده بس.. ومجنناني .
هبت واقفة من مكانها لتقبض على ذراعيها، ثم هزتها وهي تهدر فيها بتوبيخ حاد
=مش بقول لك هبله وعبيطه هو انا لسه قايله لك ايه من شويه كل ما جوزك بيكبر مرحله والفلوس تزيد في ايديه الطماعين والحلوين هيكتروا حواليه، و مش بعيد واحده تقع في حبه ولا هو كمان لو فضلتي كده هبله وما تغيرتيش زي ما جوزك اتغير.
أزاحت يدها بعيدًا عنها فلقد تأوهت من قبضتها فوضعت يدها على كتفها لتفركه قليلاً مخففة من حدة الألم، وهي تقول بنبرة ساخرة
بلا مرح
= اتغير ازاي ابقى زيه كده يعني! ارقص مع ناس غرب واتصور وما اعملش اعتبار لي.. على فكره اللي عامله كبير اوي معايا ووجع كرامتي
ربعت يديها أمام صدرها وهي تقول بنبرة هادئ بتفكير
=تمام! يبقى زي الشاطره كده تحافظي على جوزك وكرامتك وقلتلك بلاش تفتحيه بحكايه الصور دي وما تبينيش ان انتٍ غيرانه و واحده زي دي هتهز ثقتك.. و اللي هقول لك عليه هتعملي ايه هو انتٍ مش بتحبيه وهتموتي عليه ما تدلعي زي ما الستات بتدلع والبسي احسن منهم كمان.. وافضلي حواليه ما تسيبهوش يبعد عن عينيك الا لما تكوني عارفه بيعمل ايه ومع مين؟ ركزي معاه وخليكي زي ضله، اتصلي كتير بيه بسبب ومن غير سبب وطبي عليه في اي مكان هو فيه وقولي جايه تطمني عليه ولا تشوفي الشركه ومكتبه شكلهم عاملين ازاي او البنت وحشها وتبقى حجتك انك خدتي البنت هناك وتعرفي كل اللي حواليكي أنه راجل متجوز وبيحب مراته و بنته.. هاه كل دي حجج مش ماليه عينك ولا اقول لك تاني؟..
أصغت لأمها دون مقاطعة ثم تنهدت ضحي بقوه واردفت بارتباك وخوفاً
= الموضوع مش كده وبس يا ماما بصراحه انا خايفه من الاجواء والتطورات اللي عماله تحصل حوالينا بسرعه دي وما عنديش الثقه الكبيره او الكافيه أن اعمل كل ده! حتى ان اعمل زي اللي ما عندهاش دم دي وحضنت جوزي ورقصت معاه واتصورت وانا احق من ده لأني مراته.
خرجت أمها عن شعورها، فأمسكت بها من ذراعها مجددًا لتجذبها نحوها، وقالت بعصبية
=خلاص خليكي كده خايفه وما عندكش ثقه واللي عندهم ثقه بيحضنوا جوزك وانتٍ قاعده هنا عليه العوض ربنا يصبرني! مش كنتي هتموتي يا اختي على الجواز يا ريتك ما اتنيلتي طالما طلعتي خيبه كده وهتضيعي جوزك.. خليكي قاعده خايفه تجربي وغيرك جرب وشويه وهتخش متشعبطه في ذراع جوزك وتاخد مكانك، مش انا كنت بقول لك بيحبك وبيسمعلك أهو دلوقتي هتيجي اللي هتركنك علي الرف
نفضت ضحي يديها الممسكتين بها مبررة بضيق
= ما بلاش بقى تقطيم وكلام يخوف، تعرفي انا دلوقتي جي في بالي ايه منذر الفتره الاخيره طول الوقت بقى مهتم أوي البس إيه قدامه ونقضي وقت مع بعض بس انا ترجمت دي بطريقه تانيه ان يعني عشان الفتره اللي فاتت ما كانش بيعرف يـلمسـ..آآ قصدي ما كانش بيعرف ياخد راحته معايا بسبب مشاكله مع عيلته ولما بعد خد راحته اكتر.. تفتكري ممكن يكون السبب التاني اللي جي في دماغي
اغتاظت أمها أكثر من طريقتها الضعيفه في التعامل مع الموضوع وقله فهمها، وردت عليها هاتفة بسخط
= تصدقي يا بنت انا مش عارفه حب فيك ايه، طب اراهنك أنه كان بيحاول يلمحلك انك تركزي معاه عشان بدأ يتاثر من اللي حواليه و هو راجل برده راح ولا جه وحتى لو بيحبك برده عينه هتزوغ يا حبيبتي..
اتسعت عيناها بعد تصديق وبدأت تفكر في إمكانية أن يكون منذر قد أعجب بفتاة أخرى وأن لديها مشاعر تجاهه أيضًا، لم تتمكن من السيطرة على غيرتها من هذه الأفكار، انفجرت منفعلة وموضحة بيديها
= نعم! والمفروض برده اسمع الكلمتين دول وعادي وما عاتبهوش زي موضوع صور المجله هو انا كل حاجه فوق دماغي انا لوحدي ! ما تروحي تنصحي انتٍ كمان بالكلمتين دول وانه ما يبصش بره بيته طالما انا مش مقصره معاه في حاجه، كل ده يعني عشان مشغوله مع البنت ما طبيعي بنتي ومحتاجه رعايه و مش مقتنعه بحكايه واحده تيجي تربيها غيري وانا مستنياها بعد شوقه والمربيه دي كمان لسه مش واثقه فيها دي ما كملتش خمس شهور معانا اسيب بنتي معاها بتاع ايه.
صاحت بها كوثر بنفاذ صبر وهي تلوح بيدها بتحدٍ
= عشان انتٍ بنتي أنا و لازم انصحك وعمري ما اروح اقوله الكلمتين دول هبقى بنيلها اكتر، اسمعيني يا بنت عشان مش هفضل ارغي كتير وانتٍ دماغك ناشفه اياكي ثم اياكي تواجهي بالكلام ده وانك وصل لك هو عاوز إيه.. لأنه ممكن ينكر.
نظرت لها ابنتها بغرابة وهي مقتطبه الجبين ثم تابعت حديثها الأخري مؤكده بثقه
= وبالطريقه دي مش هيحاول يوصل لك اي حاجه تاني وهيكون عنده الدافع انه يعمل كده و هيقول لنفسه ما أنا حذرتها وهي اللي عبيطه، يبقي غصب عنك هتسمعي كلامي وهتهتمي بجوزك وتقربي منه وحكايه بنتك والمربيه اللي كل يوم في مشاكل دي ما تخافيش عليها انا موجوده و عيني هتكون عليها وعلى البنت كمان بس انتٍ اتلحلحي يا بتاعه الثقه قبل ما جوزك يروح منك .
بعد استعادتها لتلك الأحداث في عقلها نظرت لها والدتها بإشفاق، فلم يتحمل قلبها رؤيتها هكذا، وعقدت العزم على تيسير السبل من أجل ابنتها كي تحقق مرادها وتحافظ على أسرتها حتى لا تهدم او تكون مثلها منبوذه الحظ لأنها بالسابق لم تجد من يعاونها او يخبرها عن الطريقه الصحيح للتعامل مع زوجها المتوفي.
❈-❈-❈
تحركت بسمه تفتح باب منزلها عندما سمعت صوت الجرس اعتقدت بأنه معاذ حيث كان يخرج بتلك الأيام الأخيرة كثيراً ولا يأتي إلا بالليل، لكن اتسعت عيناها عندما تفاجات بحماتها امامها تطلعت فيها بنظرات مُحتقرة قبل أن تدلف للداخل إلى الصالة حيث يجلس حفيدها أمام التلفاز.. لا تعلم لما توترت بسمه من هيبتها قليلاً وقد ذهبت قوتها التي كانت تحاول اكتسبها امام زوجها الفتره السابقه.
تطلعت نحوه حفيدها، ثم هتفت بجمود وقد ضاقت نظراتها
= مالك، ادخل جوه لحد ما اتكلم مع والدتك شويه وبعد كده جهز نفسك عشان هتروح معايا تقعد يومين عشان جدك نفسه يشوفك و وحشك .
نظر الى والدته حتى ياخذ الأذن منها وهي هزت رأسها حتى يدخل بالفعل الى الداخل،
تقوس فمها للجانب وهي تضيف بشراسة لا تبشر بأي خير
= انا خليت الواد يمشي عشان ما يعرفش فضايح امه واهلها! ولا شكلي كده هعملها قريب عشان يعرف امه على حقيقتها وقد ايه هي واحده خبيثه.. لا برافو عليكى عرفتي ترجعي ليكي ازاي بعد كل المصايب اللي عملتيها .
اجتاح خلاياها غضبًا جمًا من نفس الأسلوب القديم الذي كانت تتخذه معها من قبل لإقناع معاذ بطلاقها، لتردف بحذر
= طنط خلي بالك من كلامك وما تنسيش انك في بيتي
وقفت مايسة مكانها وهي تستعد مرغ بكرامتها الأرض هاتفه باهانه شديدة
= اوعي انتٍ اللي تنسي نفسك يا بنت لو كنتي ناسيه افكرك! واحده غيرك ما توريناش وشها وتحمد ربنا ان احنا سايبينها لحد دلوقتي تربي الواد بعد تاريخها المشرف هي واختها! ولو كانت مشيت علي أبني الاهبل اللي بيصدق اي حاجه فمش هتمشي عليا
عقدت حاجيبها للاعلي بقلق ثم خرج صوتها المرتجف
= تصدقي ايه انتٍ بتلمحي لايه أصلا
تشنجت ملامح حماتها للحظات قبل أن تقول بجمود قاسي
=يصدق انك ام وزوجه مهمله وما تستاهليش فرصه ثانيه، وكنتي بتسيبي إبنك مش عشان تخرجي تتفسحي وتفكي عن نفسك مع واحده صاحبتك ارهنك انك عملتي زي اختك و الحكايه فيها راجل! وانتٍ ست خاينه و كدابه واللي تكدب مره واثنين وثلاثه تعمل اكتر من كده.. و اختك ما طلعتش كده زرع شيطاني هي الوحيده اللي في العيله وانتٍ زيها..
لم تتحمل اتهاماتها الشنيعة ضدها وبدأت بسمة تذرف الدموع وهي تقول بانفعال
= احترمي نفسك واتكلمي معايا كويس انا مش كده، صحيح اختي غلطت غلطه كبيره بس انا الحمد لله متربيه كويس والموت عليا اهون من أني اخون جوزي حتى لو مش باقيه عليه و في بينا مشاكل! ولو مش هفكر فيه
هفكر في ابني وسمعتي وفي ابويا الله يرحمه.
لوت شفتاها باستخفاف وهي تقول بسخرية لاذعه
= صدقتك انا كده لما عيطتي! اقول إيه بس الله يسامحه ابوكي ويرحمه ما اعرفش يربي واحده منكم عدل والنتيجه باينه.. بس أنا مش هسكت وقريب هكشفك يا بنت متولي والمره دي مش هكتفي ان يطلقك وبس ان كمان مش هتشوفي ظفر ابنك، اختك عرفت تلعبها صح و عمرنا ما شكينا فيها وصدقتها لكن مش هعيد نفس الغلطه تاني.. واسيبكٍ تستغلي معاذ أبني ما انتٍ مسيرك تعيدي القديم وتكدبي .
لم تستطيع أن تسمع إهانات أكثر وأن ترى شكها بانها امرأه منحلة، نظرت لها بعينيها الفاتحتين الذابحتين لأدميتها فنكست رأسها امامها وتهدلت كتفيها قائلة بضعف وانكسار
= انا مش مضطره ابرر ليكي حاجه، بس والله العظيم عمري ما فكرت اخون جوزي ولا اعمل حاجه حرام! والاماكن اللي كنا بنخرجها انا وصاحبتي دي زي كافيهات وسينما ومسرح وكده ولوحدنا بس.
رمقتها مايسة بنظرات قوية هاتفه بنبرة تقصد إهانتها أكثر
= لا طبعا صادقه! هي في واحده محترمه تخرج من ورا اهلها واهل جوزها وجوزها نفسه كمان! الا عشان تروح سينما.. ويا ترى الهانم اللي كنتي متصاحبه عليها كانت زيك كده دايره على حل شعرها ما انتٍ هتعرفي ايه غير واحده زيك وشبهك عشان تداروا على بعض
وقفت أمامها منكسة الرأس كانت عاجزه عن الدفاع عن نفسها وهي بمفردها امامها.. فالكثير من كلامها كان صحيح لذلك كانت الصعوبه في جعلها تصدقها، لكنها ظلت تحاول إفهامها وأقسمت وتوسلت وبررت، وأكدت بأنها لم تكن تفعل أكثر من هذا دون جدوى.
لترد عليها بصوتٍ جامد لا يحمل أي تعبير
= قالوا للحرامي احلف! والله لو حلفتلي بايه عمري ما هصدقك.. ويا ويلك لو عرفت انك خرجتي من بيت ابوكي من غير اذن جوزك ولا فكرتي تكدبي عليه من تاني! ما هو ابوك ما عرفش يربيك حتى بعد ما عرف مصيبتك وسيبك تكملي تعليمك وتدوري على حل
شعرك فاكيد متعوده على كده وهتعملي نفس الحاجه وتلبسيها لجوزك! بس في كل خرابه هتلاقيني .
مسحت دموعها بانفعال قلق لتتمتم بطاعة كي تفر من نظرات حماتها وكلماتها الساخطة
=مش هعمل حاجه زي كده تاني ما تخافيش حتى صاحبتي دي قطعت علاقتي بيها من زمان.
في هذه الأثناء فتح معاذ باب المنزل من قبل إبنه وبتلقائية توجه لغرفته، تطلع باستغراب لزوجته الواقفة في المنتصف منهارة، دلف أكثر ليُفاجئ بوجود أمه اعتقد بالأول بانها عادت حتى ترجعه لكن عندما لاحظ جانب الحقائب الخاصة به قد فهم بانها جاءت حتى تعطيها له وما زالوا لا يريدون رؤيه بالمنزل، فهتف فيهم بتعجب
= هو ايه اللي بيحصل هنا؟
التفتت بسمة إليه بأمل كأنها وجدت نجاتها فيه، لكن اسرعت مايسة واقفة من مكانها تقول بصوت جامد
= جيت عشان اديلك هدومك وبالمره اشوف الهانم اللي رجعتها من ورانا.
وضع يده على رأسه ضاغطًا عليها بقوة وهو
يقول بصوت مخنوق
= أمي بلاش نفتح في القديم وبعدين مش انتم اللي طردتوني هتفرق معاكي في ايه بقي أني ارجعها، وبعدين انا عملت كده عشان مصلحه ابني.. فمش وقته بقى اي كلام دلوقتي
مرت لحظة قبل أن تقول أمه بنبرة هادئة لكن مبطنة تحذيراً ضمنيا وتنذر بعواصف مروعة قد تهب في الأيام القادمة
= لا وقته! لو عاوزني اسامحك واحاول اخلي ابوك يسامحك هو كمان بعد عملتك السوداء
يبقى هتيجي معايا بكره اخطبلك منال اللي شفتها وعجبتك، وانا حددت ميعاد معاها كمان وبالنسبه لموضوع انك رجعت مراتك يبقى نفهمهم انك رجعتها عشان ابنك بس ملكش علاقه بيها ولا بقت فارقه معاك بعد عملتها.
شحب وجه بسمة من كلمات حماتها ولا تصدق بانها كانت الفتره السابقه تخطط الى زواجه بغيرها، لكن كانت متاكده بانه سيوافق فلا يستطيع ان يرفض اليها طلب! لكن هل يظن أن الأمر بهذه البساطة؟ وهي ستوافق يظلمها مجدداً عندما يتزوج مرة أخرى و يحاول أن يكون شخصا أفضل مع زوجته الجديدة!، بينما أردف معاذ بصوت مذهولًا
= نعم حددتي ميعاد معاهم بكره ومن غير ما تقوليلي كمان! هو انتٍ عاوزه مني ايه بالظبط انتٍ وجوزك
هتفت مايسة به بإصرار جاد و فولاذي
= قلتلك اللي فيها ولو مش هتوافق يبقى هتنسى ان ليك اهل فعلا المره دي، هتتجوز واحده غير البنت دي وعمري ما هعتبرها مرات ابني بعد اللي عرفته عنها.. هاه قولت ايه؟
نظر أبنها إليها وهو يرفع عينيه الداكنتين بألم و وجع، قبل أن يردف بصوت حزين للغاية
= قلت اللي بقوله لنفسي كل يوم وانا بعيد عنكم! هو انا كنت مستحمل تحكماتكم و استغلالكم لعواطفنا دي ازاى و منذر كمان.. عاوزه تجوزني مش كده! طب يا ترى فكرتي هصرف عليها منين وانا مش عارف اصرف على مراتي الأولى اصلا كل ده؟ وبرجع متاخر عشان ما احطش عيني في عينها وهي اللي بتصرف عليا.. وقبل ما تقولي انت السبب و ضيعت الوكاله تمام ولما انتٍ عارفه اللي فيها جايه تحمليني حمل فوق طاقتي ليه؟
صمتت أمه لحظة بتوتر فهي لم تفكر بذلك الموضوع بالفعل من إين سينفق على منزلين،
انعصرت عيناه بأنين متألم واضاف مرددًا بصوت مقهور
= اقول لك ليه؟ كل ده بس عشان تغيظي بسمه او تجيبي واحده تساعدك في البيت و تخليها خدامه وتتحكمي فيها زينا! ذي منذر وذيي و ذي بسمة، انا تعبت منكم حقيقي و مش كنت زعلان عشان طردتوني انا دلوقتي بقي فرحان ان بعدت عنكم زي ما منذر عمل! وفهمت متاخر ان هو اللي كان معاه الحق وانتم ما تتعاشروش.. وكل اللي يهمك انتٍ بالذات تعملي اللي انتٍ عاوزه وتستغليني مش اكتر
اتسعت عينا أمه بصدمة كبيرة وأشارت لنفسها وهي تردف بوجع وبعبوس
= انا يا معاذ عاوزه اتحكم فيك وبستغل لك! بقي انا جايه عشان احاول اصلح اللي بينك وبين ابوك واخليك تتجوز واحده شريفه عفيفه غير الهانم اللي جنبك واللي شكلها قوتك عليا تقولي الكلام ده؟
انفلتت أعصاب معاذ فصرخ بها وهو يقول بغضب شديد
= ما فيش حد قوني عليكي وانا ما بتكلمش مع بسمه من ساعه ما رجعتها، عشان لحد دلوقتي مش عارفين نحل اللي وصلنا له بسببك وابويا كان معاه حق احنا الاتنين غلطنا عشان كده رجعتها.. فوجهي نفسك بالحقيقه بقى ان انتٍ ست ظالمه .
كانت الصدمه لم تختلف كثيراً عن زوجته وهي لا تصدق انقلابه ضد والدته! فذلك اخر شيء كانت تتوقعه بينما أسرعت مايسة تبارح المكان نحو خارج المنزل قبل أن تنهار تماماً أمامهما وبالاخص بسمه التي ستشعر بالشماته فيها بالتأكيد.. كانت لا تصدق كلمات طفلها التي كانت ترعاه لسنوات طويله حتى لو على حساب نفسها! وعلى حساب الإبن الأكبر ايضا! فلما الإثنين يحاملوها فوق طاقتها ويلموها.. مسحت دموعها وهي تهبط الدرج و تفكر في واقعها المؤلم.
أشاح معاذ بوجهه عن بسمة عندما لاحظ نظراتها له، فاقتربت منه وصارحت بعصبية ظاهرة عليها
= هو انت كنت هتتجوز فعلا؟ طب طالما في واحده عاجباك كده كنت رجعتني ليه
اشمأزت ملامح معاذ عندما التفت نحوها إلا أنه قال صائحا على مضض
= هتفرق معاكي في ايه! ما انتٍ في الحالتين بتعملي اللي انتٍ عاوزاه وما تفرقيش حاجه عنهم بتدوري على مصلحتك وخلاص! حتى لو على حساب غيرك، زي ما كنتي بترمي ابنك في اي حته عشان تروحي تكملي دراستك وتخرجي مع صاحبتك تتفسحي.. زي ما انتٍ بتتهمينا اننا مسكنا في اول مشكله ليكي و سايبين عيوبنا فانتٍ كمان ليكي عيوب لازم تعترفي بيها يا بسمه .
اتسعت عيناها بتوجس أثر حديثه لا تعرف لما! فمن متى وهو حكيم في كلامه، ظل يحدق فيها بملامحه المتألمة التي توجعه فتجعله عاجز، إلا أنه أضاف بصوت لاهث
= عارفه انتٍ مشكلتك إيه يا بسمه انك عاوزه حياه مثاليه زياده عن اللزوم لحد ما خنقتيني واضطريتيني اطلقك لاني ما لقيتش اي حاجه تخليني احس أنك ندمانه على اللي عملتي، بس لازم تتقبلي الفشل وان مفيش انسان كامل.
** ** **
_________________
ذهبت ضحي منذ الصباح الى مركز التجميل لتطبق نصيحه والدتها، وفكرت أن تقص شعرها ليكون قصير وقد اعجبها مظهره و اقترحت العامله عليها أن تغير لونه وهي امتثلت لاقترحها، ثم بدأت فيه عمل عده أشياء أخرى من جلسات عنايه بالبشره و الأظافر وحتي الجسد فلم تبخل على نفسها بشيء ثم ذهبت للتسوق.. واختارت ملابس مناسبه لها ولحجابها والى مراكزها الحالي جانب زوجها، ثم أمرت السائق ليذهب إلي شركه منذر حتى تراه وتفاجئه بمجيها.
بينما في الشركه لدي منذر كان يعمل في مكتبه وكانت جانبه رغد يتحدثون حول العمل
ويجهزون الى إجتماع طارق بالشركه، نهض منذر لينظر الى مظهرة بالمرأة ثم قالت بتسائل
= هو انت ليه مش بتلبس كرفته هتليق على مظهرك أوي على فكره، و لو مش متعود عليها جرب حتى تلبسها في الإجتماعات بس.
نظر لها بطرف عينه قائلاً بتفكير
= مش عارف جربتها مره وزهقتني بس على رأيك ممكن البسها في الإجتماع وبعد كده اقلعها
أخرج واحده من مكتبة وعندما حاول ربطها لم يعرف وبالطبع لما تنتظر رغد أن يطلب منها وذهبت لتساعده، وهتفت بصوت ناعم
= عنك انتٍ انا اعرف اربطها كويس ياما ربطتها لبابي.. ولي ازواجي قبل ما أطلق منهم كمان .
عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بغرابة
= ازواجك ازاي هو انتٍ اتجوزتي كام مره .. شكلهم كتير.
مطت شفتاها للإمام وهي تقول بدهشة زائف
= هو انا ما قلتلكش معقوله؟ انا يا سيدي اتجوزت وحبيت ثلاث مرات واتطلقت برده ثلاث مرات.. أو كنت فاكره نفسي بحب لان أكيد مش حبيت كل دول.. بس انا الحقيقه ما عشتش الحب الحقيقي ولا اعرفه، مالك اتضايقت ولا حاجه أني مطلقه ثلاث مرات
هز رأسه برفض وهو يقول بعدم اهتمام
= اكيد لا دي حاجه تخصك وما ليش دخل اعلق عليها لاني ما عشتش حياتك ولا اعرف حاجه، وبعدين في النهايه انتٍ ما بتعمليش حاجه حرام ده جواز
ابتسمت ابتسامة مشرقة أثر كلماته فكل يوم يزداد إعجابها لشخصه، كونها لم تقابل شخصيه مثله هكذا.. ثم دفعها تلهفها وشوقها إلى الإقتراب أكثر رغم تخوفها من تأثيره عليها لكن رغبت في الاقتراب والنظر الى عينيه لترى هل تؤثر عليه مثلما تؤثر على كل الرجال التي يروها ويقعون في جمالها الساحر والملفت للانظار.
تجرأت رغد أكثر معه فمدت يدها لتضعها على صدره متحسسة إياه برفق كأنها لم تقصد و هي تضيف قائلة بعبث
= لأ يا منذر، بس طريقتك بتقول غير كده، انت زعلت.. و عينيك فضحاك!
تفاجأ من حركتها بينما حدقت فيه بنظرات مطولة تراقب كل حركه، ثم قبل أن تلاحظ اي شيء اقتحمت ضحي الغرفه عليهما وسرعان ما تلاشت ابتسامتها بتلقائية إلي صدمه وقد ابتعدوا عن بعضهم.. وهتف هو بتعجب
=ضحي! انتٍ إيه اللي جابك هنا اوليندا كويسه
تجمدت أنظارها على ذلك المشهد الحميمي الملتهب في وضح النهار رمشت بجفنيها غير مصدقة أنه يقف مع فتاه غيرها تداعبه و تلامسه بوقاحة وبالنهايه يقول لا شيئًا يكن بينهما، رمشت بعينيها بحرج كبير وهي تقول بغضب مكتوم
=هو لازم يكون حد تعبان عشان اجي اشوف جوزي! بيعمل ايه ومع مين؟ بس واضح انك مشغول بجد وانا بعمل ايه هنا فعلا عند اذنكم كملوا اللي كنتم بتعملوا مع بعض.
صدمت رغد من رؤيتها لكن إطالت النظر فيها بتقييم وقد رأيتها فتاه عاديه جدآ من وجهه نظرها، فلا تعرف لما متمسك بها حتى الان
فلم تمتلك من علامات الجمال اي شيء مثلها.
أسرع منذر خلفها عندما خرجت وهو لا يفهم ما بها، تحرك سريعًا ليعترض طريقها قائلاً بحده
= ضحي.. استني اقفي هنا وبطلي تجريني وراكي في ايه؟؟ ايه اللي حصل عشان تيجي وتمشي كده
تسمرت في مكانها مجبرة، وابتسمت ساخرة وهي تردد بتعصب
= يا بجحتك وكمان بتسال؟ هو انت لو دخلت عليا ولقيتني مقربه أوي كده من راجل وهو كمان مقرب مني وعمال يحسس عليا هتعمل ايه؟ هتدخل تسلم عليه عادي ولا تحفظ كرامتك وتمشي.. أبعد من قدامي وسيبني امشي احسن عشان انا لو ما عرفتش امسك اعصابي اكتر من كده هفضحك هنا في الشركة.
نظر حوله ليجد بعض الأنظار ملفته اليه، فحافظ على ثباته كي لا يزيد حرج وسط الجميع، حيث بدأ عقله في صراع كبير محاولاً الوصول إلى طريقة مثاليه في التعبير وشرح ذلك الموقف، ثم جذبها من ذراعيها نحو سيارته وهو يردد بأنظاره المحتقنة
=تعالي معايا نتكلم في العربيه بدل ما الناس عماله تبص علينا وما تنسيش ان انتٍ في مكان شغل والكلام اللي انتٍ بتقوليه ده مش صح ده خيلك صورهلك ولو اتديني فرصه هوضحلك
فتح باب سيارته ليجبرها على الدخول فيها و دلف هو الآخر دون أن يصعد بها، وقبل أن يتحدث صاحت بانفعال ظاهر
=اه طبعا لازم تخاف على مظهرك، طب انا واحده مريضه وفهمت غلط ان انت والهانم مقربين لبعض لغرض ثاني! وصورك في الحفله وانت بترقص معاها وبتحضنك برده خيالي صورها ليا؟ انت ما حفظتش على كرامتي و واحد ما عندكش دم ولا احساس ولا عامل اعتبار للهانم المغفله اللي سايبها في البيت
أمعن النظر فيها فأصبح غضبها مبررًا مفهومًا بصورة كبيرة الآن، فهتف متسائلاً بوجوم صريح
=في إيه يا ضحي مالك هو انتٍ ما تعرفنيش كويس وان عمري ما هعمل حاجه زي كده ولا هخونك، أولا لما دخلتي وشفتيني مع رغد كانت بتربطلي الكرفته عشان مش عارف اربطها قبل ما نحضر الاجتماع.. والصور اللي اتنشرت؟ كان ده نظام الحفله لازم المسؤولين عن المشروع يفتتحوا الراقصه مع بعض او مع اجوازهم
شعرت بدمائها تغلي بداخلها عندما استعادت في ذاكرتها لحظات رؤيتها له، مرة وهو يرقص معها ومرة أخرى عندما تلامسه، فقالت بتحدي وانفعال
=حلو! وما اخذتنيش ليه على الحفله معاك ولا ما بقتش قد المقام خلاص وراحت عليا، و قريب هكون من ضمن التغيرات الغريبة اللي بتحصل في حياتك أنا كمان.
مسح على رأسه بغضب مكتوم قائلاً بابتسامة مهددة
=ما دعتكيش للحفله عشان كنتي وقتها مشغوله مع بنتك وعارف انك هترفضي ده غير انك مش عارفه النظام هناك شكله ايه، وما بتحبيش الاجواء دي ومن اول يوم مش عاجبك حاجه فيها خالص.. وكفايه كده يا ضحى عشان أسلوبك ما بقاش يعجبني في الكلام والتلميحات اللي عماله تلمحيها عليا انا لو عاوز اخونك ولا اغيرك زي ما بتقولي ما فيش حاجه هتمنعني! بس انا اللي بحبك ومستحيل اعمل حاجه زي كده .
رمقت إياه بنظرات مشتعلة، قائلة بغيره متهوره
=وكنت برده مستحيل تقرب من غيري ولا تصاحب بنات، و كنت مستحيل تعمل حاجات كتير زمان بس بقيت تعملها دلوقتي عادي! فحقي اخاف واشك.. وانت لو عاوزني فعلا جنبك هتحاول تدخلني العالم بتاعك حتى لو غصب عني وهتعمل حساب لكرامتي لما واحده زي دي تعرض عليك ترقص ولا حتى اصحاب الحفله مع أن اشك حاجه ذي كده مستحيل تحصل وحد يجبرك عليها، بس كنت هتعرف ترفض باي حجه وانت متاكد ان الصحافه هناك بتصورك و حاجه زي كده ممكن تجرحني لكن انت بكل بساطه ما فكرتش غير في مصلحتك .
بقى ينظر إليها بعيونه المحمومة، مستمرًا في عدم تصديق حديثها و شككها فيه، ولا اتهامها الباطل بأنه شخص أناني ولا يفكر إلا في نفسه وهو في الأساس دخل ذلك العالم من أجلها، فهدر بها بانفعال مهتاج
= انا يا ضحى ما بفكرش غير في مصلحتي بعد كل اللي عملته؟ انا أصلا بدايه المشروع ده داخله عشانك! لما كان عندك مشاكل في الخلفه وكل يوم اسمعك بتعيطي وبتدعي ربنا يراضيكٍ، عمري ما فكرت اكون شريك أصلا بس اول ما جاتلي الفرصه وفيها فلوس زياده فكرت فيكي على طول.. وكل خطوه بخطيها رغم بتعب فيها لوحدي كنت بفكر فيكٍ وبكتب أسمك تحت اي حاجه بدخلها تكوني انتٍ شريكه ليا فيها، وبصي حواليك هتلاقي اي حاجه بشتريها بكتب النص ليكي
سحبت منديل ما التقطه يدها من على تابلوه السياره بعصبية وهي تمسح دموعها، ثم هتفت مبرطمة بكلمات مزعوجة
=مش عاوزاهم وما طلبتش منك تكتبهم باسمي ولو عاوزني اتنازل عنهم من تاني يوم هعمل كده بس ما تتغيرش معايا يا منذر ولا تبعد.. انا عاوزه منذر بتاع زمان اللي حبيته
ضرب على تابلوه سيارته بقوة بكفه وهو يصيح قائلاً بشراسة
=الاثنين واحد يا ضحي وبلاش مبررات ملهاش لازمه، انتٍ كبرتي الموضوع على ولا حاجه لو كل ده عشان رقصت مع البنت دي ولا كانت قريبه مني بغرض انها تربطلي الكرفته، فريحي نفسك حتى لو انا في دماغي حاجه هي عمرها اصلا ما هتبصلي دي بنت صاحب الشركه دي كلها.. واللي بينا مجرد شغل وصداقه مش اكتر
وضعت يديها على قلبها ضاغطة عليه من الألم، ثم أخرجت من صدرها تنهيدة أكثر حزنًا
هاتفه بخيبة أمل
= شايف كلامك بياكدلي ان اللي قدامي واحد ثاني غير اللي حبيته زمان! يعني انت مشكلتك انها مش هتبصلك؟ ولو بصيتلك هيبقى عادي.. الله يرحم أيام زمان ما كنتش تقدر تكلم بنت وتقف معاها عادي مش تقول صاحبتي.. وكنت بتتمنيلي الرضي ارضا
و أي خطوه كنت بتاخد رأيي وكنت بتخاف على زعلي جدآ إنما دلوقتي مش فارقة واخر حاجه بتفكر فيها انا .
أزعجه بشدة ذكرها عن الماضي وشخصيته السابقه، التي سببت له الأذي و حفر في عقله ذكريات أليمة، بصعوبة واضحة عليه سيطر على أعصابه وهو يقول بسخرية مريرة
=آه هي بقى الحكايه كده عاوزه ارجع منذر بتاع زمان! اللي الكل كان بيجي عليه عادي حتى انتٍ نفسك اوقات.. هو انتٍ تقريبا بتعيريني بطريقة غير مباشره؟ وبتقوليلي انا اللي اتغيرت، كنت فاكرك هتكوني فرحانه باللي انا وصلتله بس الظاهر عاوزاني ارجع منذر بتاع زمان اللي يفضل يتحايل ويبوس ايدك ورجلك، ايه صعبان عليكي لما شفت نفسي شويه.. كلكم عاوزين منذر بتاع زمان اللي كان بياخد فوق دماغه ويسكت ويقول حاضر مش كده .
تطلعت فيه بنظرات محبطة خاسرة قبل أن تهتف بحسرة
= انا مش بعير حد! و لو كنت جيت عليك زيهم زمان فده عشان مصلحتك وما تنكرش ده.. واللي بحاول اوصلهلك من كل ده دلوقتي ان خايفه تتغير مع كل التغيرات اللي عماله تحصل حوالينا وانا زي اي ست بحاول احوط على جوزي، بس برده مش هتفهمني ولا هتفهم اللي جوايا.. روح شوف شغلك ما تشغلش بالك بيا أحسن .
❈-❈-❈
عاتب شاهين زوجته بشدة على ذهابها إلى بسمة وإخبارها بهذا الكلام، فهو قد سعد بعودتهما إلى بعضهما البعض! ويرى أن عودته إلى زوجته هي أفضل شيء قام به معاذ في الفترة الأخيرة وظل يعاتبها لأنها كادت أن تتسبب في خراب منزل ابنها للمرة الثانية عندما اقترحت زواجه من آخرى، تحدث معها مرارًا وتكرارًا في تلك المسألة لكي لا تصبح شاغلتها الأكبر و وعدته بعدم التفكير فيها والامتثال لطلبه في النهاية.
صحيح أنه ما زال غاضبًا منه بشدة لكنه يحاول أن يقسى عليه مثلما كان يفعل مع منذر حتى يتحمل المسؤولية التي لم يعلمها له من قبل.
فهو لم ينسى عندما زاد عليه المرض واتصلت به زوجته حتى تستنجد به ليأتي ويساعد والده ليذهبوا به إلى المشفى، وقد تفاجأ الاثنان من رده فعله عندما أجاب ببرود قائلاً
= تعبان برده! ماشي وحتى لو تعبان المفروض انا بايدي اعمل له ايه ما تتصلي بالدكتور.. ما انا من امتى بتدخلوني في المواضيع دي ولا بتستنجدوا بيا بحاجه، منذر اللي على طول كان بيعمل كده وانا ما بفهمش حاجه في الحاجات دي لان مش متعود عليها ولا كنت بعملها.
أغلقت حينها مايسة الهاتف وهي لا تصدق قسوة طفلها الصغير التي كانت ترعاه وتفضله على الجميع حتى أبنها الأكبر، فتكون تلك جزاءهم على خدمتهم له يتجاهل مساعدتهم دون الاهتمام بأمرهم، وبتلك اللحظة حقًا قد تفهما الاثنان إلى ما أوصلا ابنهما له.. وكان يجب عليهما أن يعلماه المسؤولية مثلما كانا يفعلان مع منذر.. بدلاً من أن يحملانه كل شيء بمفرده وفوق كل ذلك لم يعجبهم أيضًا.
تفهم شاهين مؤخرًا قيمة أفعاله وأنه يحصد الآن نتيجة ما فعله بالاثنين، وأن منذر كان محقًا عندما كان يخبره دومًا أن يحمل معاذ المسؤولية قليلاً ليتعلم.
وفي ذلك الاثناء دخلت مايسة معللة وملفته النظر نحوها وهي تقول بسعادة كبيرة
= منذر يا شاهين.. منذر شفت صورته في المجله وانا راجعه من السوق اديها لي جارنا مصطفى وكان بيباركلي ويقولي ابنك بقى زي رجال الاعمال وصوره في المجلات
نظر لها بأعين لامعة غير مصدق ثم أشار إليها بالاقتراب لان لا يستطيع النهوض بسبب مرضه وهتف بلهفة كبيرة
= بتتكلمي بجد فين وريني المجله دي
اقتربت وناولته إياها بينما للحظة تضايقت مايسة بانه يعيش حياته و هي و زوجها الخوف الذي اصابهم لظنهم أن مكروه ما قد أصابه، وهو يقف أمام الجميع متباهية بنجاحه الكبير.
مسح شاهين بيده المرتجفه على صورته في المجله فأدمعت عينه رغم عنه بألم وهو يردد بابتسامة باهته
= طول عمره شاطر ربنا بيجازيه نهايه صبره زي ما بيجازيني دلوقتي قسوته عليا وخسرت كل حاجه.. شايفه ابنك واقف ازاي وفارد طوله بثقه بين كل الناس كأنه واحد منهم فعلا .. شايفه هو بقى ايه واحنا بقينا ايه؟
تنهد مطولاً مخرجًا عن صدره ثقلاً يجثو عليه ويصيبه بالهموم، وهو يضيف بعتاب قاسي إلي نفسه
= كان معاه حق وقبل ما يمشي ولله قالها هتخسر لان انا إللي كنت بمشي الشغل مش انت! صحيح انا اللي علمته بس هو طور نفسه وطور الوكاله كمان وكانت ماشيه على حسه، وانا سبت كل حاجه زي ما سبت لابني التاني واعتمدت عليه وهو ما لوش فيها وفي النهايه ضيعني وضيع شقي عمري
اقتربت زوجته ماسحة علي ظهره برفق وهي تقول بقلق
= جرى ايه يا شاهين ده انا لما صدقت عرفت اخبار عنه وقلتها لك عشان تفرح برده تزعل
أشار إلى نفسه بقوه فبكي أمامها بشهقات متتالية، مرددًا بصوت مقهور
= انا اللي ضيعته يا مايسه واستاهل، النجاح اللي هو فيه ده كان هيعمله في الوكاله؟؟ المشروع اللي كان بيحوش لي وزعل لما اشتريت بيهم عربيه لمعاذ.. كان دايما قلبه على الوكاله ونفسه وينجحنا وانا اللي كنت خايب ومش فاهم حاجه و بدل ما اساعده كنت بكسره..
ضربت زوجته كفه بالأخر وهي تبكي على بكائه بحسره ولم تستطيع ان تعاونه وتخفف عنه ولا عن نفسها، تابع حديثه بأعين متأثرة
= تفتكري بعد كل ده هيرجع يبص في وشنا! ده انتٍ بتقولي بعت فلوس و فكرنا بنشحت منه.. كأنه عاوز يوصل لنا أن ده آخر اللي بينا مش اكثر.. وما تحلموش باكتر من كده.. خلاص ما بقيناش قد المقام لي ولا نشرف .
تحول وجهها لحمرة ملتهبة من كثرة البكاء، ثم حدقت فيه بأعينها المنتفخة مرددة بضيق
= قصدك إيه بقى ان شاء الله هننسى ولادنا كده ولا هنحاول نرجعهم لينا طالما عارفين ان احنا غلطانين ما نصلح، معاذ امره سهل لكن منذر هو اللي صعب وعلى رايك دلوقتي بعد ما حاله اتغير ممكن ما يبصش في وشنا.. اصل هيبص في وشنا على اي أساس صحيح ولا احنا كنا الأهل اللي يتبهى بيهم ويبقى فخور ده احنا كنا دايما بنكسر في مآديفه يا حبيبي..
ضمت يديها إلى صدرها محدقة فيه بنظرات نادمة وهي تبرر تصرفها بانكسار
= بس برده لا يا شاهين بلاش نياس كده والله وحشني ونفسي احضنه.. تعرف انا اكتشفت اني مش عارفه حضن أبني ده شكله ايه ولا احساسه لان عمري ما حضنته وكنت دايما بحضن واطبطب على معاذ.. معاذ إللي عرف ان انت محتاج تتنقل المستشفى وما سالش فيك والغرب ساعدونا
أخفض رأسه وهو يتألم مثلها فايضا تذكر أنه لم يحضن منذر ويرعاه، امسك طرف المجله وهو يحاول اشغال نفسه بصور الحفله مرددًا باستياء
= كوثر حماته مش راضيه تقولي مكانه خايفه على زعله، الظاهر الأحوال بينهم بقت تمام واحنا اللي بعدنا.. هي ضحي ليه مش ظاهره مراته؟ فين من نجاحه ده كله
مسحت بيدها عبراتها عن وجنتيها متسائلة بغرابة
= بتسال عليها ليه يعني ممكن ما جتش معاه الحفله دي ولا مش بتظهر من الاساس، وهو قاصد يخفيها..
شهقت بتوتر وهي تفكر بذلك الأمر وقد خمنت متابعة بحماس مفتعل
= ولا ما تكونش البنت حامل ولا حاجه ولا ولدت اصلا هو انا ازاي فاتت عليا حاجه زي كده و نسيت أسأل كوثر عليها، تفتكر لينا احفاد من منذر.. اكيد ضحي طول الفتره دي حملت منه .
صمت قليلاً وهو يفكر في كلماتها و بتريث قاصدة الضغط على كل كلمة فيها تحدث بصوت خافت
= ضحى هي اللي هتحاول ترجع الشمل من تاني يا مايسه.. لازم نوصل لها باي طريقه هي طيبه وغلبانه زيه.. بس هنوصل لها ازاي وفين
❈-❈-❈
أغاظها كوثر ما فعلته أبنتها ولم تستطيع التحكم في تصرفاتها وهجومها الغير مبرر عليه، بالإضافة إلى تعاملها معه بخشونة غير مقبولة، ضاقت نظراتها وهي تقول بعدم رضا
=قلت لك بلاش تواجهي وتعرفي حاجه راحتي برده عملتي اللي في دماغك وفي الاخر قاعده تعيطي جنبي، امال انا الايام اللي فاتت كنت بعلمك ايه
سحبت نفسًا عميقًا لتتحكم بانفعالاتها المتأثرة، وبدت تهتف بصوت مهتز وسط دموعها
=اهو اللي حصل بقى ما قدرتش امسك نفسي لما شفتها مقربه منه كده، البنت دي مش سهله على فكره وشكلها عينها منه واللي مجنني انه مش مصدقني وعمال يدافع ويقول دي صاحبتي.. صحوبيه ايه اللي تطلعلي فيها دي مش عارفه
بدأت أمها موضحة وجهه نظرها التي ربما تكون خطأ لكن لا تريد الخراب إلي ابنتها، و هتفت محاولاً إقناعها بوجهة نظرها بطريقة عقلانية
=طول ما انتٍ عماله تعندي وتقوليله ما تعملش ده واعمل ده! هيعند اكتر ويعمل العكس الراجل مش بيحب اللي يتحكم فيه طب جربي كده اقبليها في حياتك ممكن يبعد عنها ويطلعها من حياته.. أو ممكن فعلا اصدقاء ومفيش بينهم حاجه والموضوع يخلص
هزت ضحي رأسها بعدم اقتناع ثم مسحت دموعها بعنف وردت قائلة بضجر
= وافرضي طلع صح وبعدين اقبلها ليه وهو بيعمل حاجه غلط اصلا والمفروض يبعد عنها من امتى وهو لي اصدقاء بنات ولا كان يقدر يقرب منهم اصلا ما خلاص زمن الكسوف راح
الله يرحم
زمت فمها للأمام بحنق واضح واردفت بعتاب
=لا كده اسمه هبل وعك اتلمي وما تخليش عصبيتك ما تخليكيش تعرفي بتقولي ايه، زمان حاجه ودلوقتي حاجه ومن دلوقتي يا حبيبتي هيعرف واحده و اثنين لانه غصب عنه هيشوف ويتعرف ويشتغل معاهم فلازم انتٍ بقى اللي تتحكمي في غيرتك
أدمعت عينها بانزعاج لترد بتنهيدة متأثرة
=يعني برده انا اللي طلعت غلطانه ماشي، ماهو لو كان العكس كان زمانه مموتني لو قلتله عندي صديق راجل
مسحت بيدها علي كتفها بحنان هاتفة بتفاؤل
=ما تخربيش على نفسك يا حبيبتي ولمي الليله، واذا دلوقتي بيدادي فيكي وصابر فبعد كده هيزهق منك.. اقبلي ان في حاجه زي كده هتحصل في حياه جوزك ومن ناحيه تانيه حاوطي عليه زي ما قلتلك
ظلت ضحي جالسة في مكانها، مشتتة تفكر في رفض زوجها للابتعاد عن تلك الفتاة، و شعرت بالقلق من المستقبل القادم! ثم أفاقت علي صوت والدتها وهي تقول مجدداً هاتفة بعدم ارتياح
=الراجل اللي اسمه شاهين دي حماكي كل يوم والثاني ابص الاقي جي يتحايل عليا اقول له مكان ابنه فين، حتى سال عليكي الظاهر عاوزك انتٍ كمان تدخلي في الموضوع
مع اني قلتله انك سبق وفتحتي وهو رفض
ضغطت على شفتيها بضيق و ردت بتنهيدة متعبة
= مش وقته خالص وبعدين بصراحه لما فكرت في كلام منذر لقيت معاه حق هم بسهوله كده عاوزينه يسامح باماره ايه، ده انا الفتره اللي قعدت معاهم هناك مش قادره أنسي اللي كانوا بيعملوا فيه.. امال هو يعمل ايه لما كان مستحمل الاسلوب ده من اول ما اتولد اخوه! بس انا ما حبتش اقول كده قدام جوزي عشان ما شيلوش اكتر ناحيتهم لكن منذر من الواضح أخذ القرار خلاص وهم بره حياته
ثم حدقت أمامها وهي تضيف باقتضاب
= انا حاولت اعمل اللي في ضميري لكن اكثر من كده مش هقدر.. وبعدين فاكرين بعد كل السنين دي كلها دلوقتي بس لما بعد يطلبوا السماح ويركزوا في تصرفاتهم؟ يشربوا بقي من اللي كانوا بيعملوا فيه زمان
❈-❈-❈
كانت الصمت الوحيد المتاح في منزل والد بسمة بينهما بعد رحيل حماتها.. مرت الأيام بشكل عادي ولكن حديث حماتها وحديث معاذ بالأخص كان يتردد دائمًا في عقلها وتفكر فيه. هل هو محق وهي أيضًا أخطأت؟ فعلاً، هي ليست ملاكًا ولكن الأخطاء تفرق بينهما ودائمًا تخبره بأسلوب ساخط عن أخطائه فلما غضبت الآن عندما أخبرها عن أخطائها وفعل المثل.
وهذا يعني أنها أيضًا كانت السبب في خراب المنزل؟ لم تجد إجابات لكل أسئلتها، لذلك اختارت الصمت وهو فعل ذلك أيضًا، ولم تعد تصر على أمر العمل، رغم أنه لم يعد يخرج كالسابق يبحث عن وظيفة ولكن رأت من وجهة نظرها أنها يجب أن تأخذ هدنة من الحديث والخناق والمشاكل، أو ربما قد اشفقت عليه بسبب مشاجراته هو والدته.
وفي ذلك الوقت، كانت تخرج الملابس من الغسالة وكانت مشتتة لكن عندما دققت في الملابس أكثر صدمت فمن الواضح أنها وضعت المبيض الخطأ في الغسالة .
اتسعت عيناها بذهول وتمتمت وهي تنظر بتوتر إلى سراويل زوجها الداخلية الذي كان ذات لون أسود في سابق قبل أن تغسله
= يا نهار ازرق الراجل هيطلقني من قبل ما يتجوزني من تاني! شكلي حطيت كرول كثير على الغسيل
ثم ألقت نظرة على بقية ملابسه التي جلبتها والدته تلك الليله معها وكان من بينهما أشياء جديده لتجد أنها قد أتلفت كلها بيبقع غريبة أيضا لعنة حظها السيء على ما حدث.
ثم صمتت تفكر بارتباك ما العمل و تحدثت مع نفسها محاوله بث الشجاعة داخلها
= وانا مالي خايفه ليه؟ ما يحمد ربنا أن بغسله اصلا بعد اللي عمله معايا هو وامه.. يلا
فديكٍ يا بنت يا بسمه، ما انا ياما شلت فوق دماغي منهم.
ألقت السروال بالخلف بلا مبالاه، ثم التفتت بالخلف لترحل لكنها انتفضت بهلع عندما تفاجأت بزوجها يقف أمامها وكان يمسك بيده السروال وينظر الى باقي الملابس بحسره..
نظر لها معاذ بملامح الغضب تلتهب به، فكل ملابسه الجديدة التي اشتراها وكانت المفضلة لديه ليقول بانفعال
= انتٍ عملتي ايه في الهدوم بتنتقمي مني فيها صح؟ اروح دلوقتي ارميلك هدومك انا كمان ولا اقطعها
ارتعشت بسمة من أسلوبه الجاف وتوترت أنظارها نحوه، حاولت أن تختلق عذرًا ما لتبرر سبب ما فعلته فتحرجت منه، لكنها رغم ذلك عانت بتبرطم قائلة
= في ايه ما براحه خضتني وانتقم منك ليه وانت قدامي كامل مكمل وكل يوم بتنام هنا في البيت معايا.. بقي اسيبك واروح امسك في شويه هدوم.. حصل غصب عني ما حصلش حاجه يعني
ظلت أنظاره مثبتة على وجهها وهو يتسائل بهدوء زائف
= كمل مكمل! و ايه بقي اللي ممكن تعمليه فيا
عشان تنتقمي
هزت كتفها بغرور ثم هتفت بسمة بعدم مبالاة
=عادي يعني مش هغلب لو عاوزه انتقم منك بصحيح، هستناك لما تنام واحط المخده على وشك لحد ما تطلع في الروح وبعدين هحط المخده تحت راسي وانام جنبك ولا اكني عملت حاجه ولما اصحي الصبح هصوت والم الناس .
اتسعت عيناه بعدم تصديق ثم ضرب كف علي كف، وهو يهتف بتبرم منفعل
= لسانك اللهم صلي على النبي مشرط! والله ساعات بحس ان انا متجوز عشماوي مش بني آدم، بس الموضوع ده محتاج يكون عندك صحه وكمان مش هينفع لان اكيد هقاوم فا هيخربشك فا هياخدوا عينه من ضوافري و يعرفوا أن انتٍ، فقبل ما تنامي بقي قصي الضوافر اللي انتٍ فرحانه بيها دي
حاولت أن تخفي ابتساماتها المتسلية قدر المستطاع، وهي تقول باهتمام زائف
= تصدق فكره كويسه تاهت عن بالي دي! آآآه انت اتجننت بتحذف الهدوم بوشي أفرض اتعورت دلوقتي
قذف الملابس بعصبية بوجهها والباقي على الأرضية الصلبة، انتفضت في مكانها بألم بينما هتف صارخًا بحدة
= بقى يا واطيه عماله تخططي ازاي تموتيني وصعبانه عليكي اعورك يا شيخه في داهيه، اتفضلي الهدوم دي شوفي هتعملي فيها إيه عشان ترجعيها زي الاول والبقع اللي فيها دي طلعيها.. ما بقاش حالتي فلوس اجيب غيرها زي ما بوظتيها صلحيها
رفعت حاجيبها للاعلي بعدم رضا صائحة بتذمر
=لا عندك بقي لحد هنا انا مش الخدامه بتاعتك انت بالك كام يوم عمال تشخط وتتامر وانا اقول لنفسي معلش بيمر بظروف صعبه ولازم تقفي جنبه.. لكن هترجع لاسلوب زمان لا هقف جنبك ولا اسندك وفي داهيه
لوي شفتاه بسخرية وهو يشير بيده الى نحو الملابس و علق بتنهيدة متعبة
= تقفي جنبي اه ما هو واضح، بتعمليلي الاكل بالعافيه ودلوقتي مبوظه الهدوم.. ومن شويه بتخططي تموتيني ازاي ويا عالم إيه المرة الجاية
نفخت مستاءًه منه ثم تحركت حولها تجلب الملابس وهي تردد بصوت منخفض بغيظ
= راجل نكدي وبايخ! إيه يعني بوظتله كام طقم.. بدل ما يقولي فدى صحتك
لم يرحل إنما كان يتابعها بنظرات قوية وقد استمع الى كلماتها وشعر بنيران الغضب تزداد داخله، اقترب نحوها وعندما لاحظت الأخري ذلك ارتجفت من اقترابه المهلك منها في لحظة لكنه توقف قبل أن يهتف بصلابة
= بسمه فاكره المره الوحيده اللي طلبت منك نخرج سوا وانتٍ شفتي نفسك عليا ورفضتي و قلتلي ساعتها جرب أخرج مع نفسك واحتويها؟
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبه بتذكر
= ايوه فاكره، بس ليه.
دفعها معاذ من ذراعها بغيظ وتحدث قائلاً بلؤم
= اهو انتٍ كمان جربي احتوي اخطائك واعترفي بيها مره واحده بحياتك يا شيخه.
نظرت إليه لفترة طويلة بطريقة غامضة ثم قررت أن تتبع نصيحته و تحتوي أخطائها، تحركت من مكانها وبدون أي تردد أحتضنته كان مندهشًا مما فعلته واعتقد أنها بدأت تلين تجاهه وتساءل بضيق مصطنع.
= وده إسمه ايه بقى؟!.
هزت بسمة رأسها وهي تجيب بحزن مصطنع
= بحتوي اخطائي زي ما طلبت مني!.
❈-❈-❈
دمعت عين ضحي عندما لاحظت مرور الوقت بسرعه ولم يعود زوجها حتى الآن وبدأ عقلها يستنتج بانه بالتأكيد معها وعندما يعود لم يهتم بامرها أو يصالحها، فهو لا يرى نفسه أخطأ، بدأت تعيد ذكريات ما حدث معها و حديث والدتها أيضاً ولا تعرف من الصحيح وهل هي أخطأت بالفعل أم هو؟.
وبتلك الأثناء تفاجات به يدخل من الغرفه، نظر أول شيء الى ابنته الصغيره ليجدها تنام هنا وليس بغرفتها كما يخبرها دوماً واستنتج انها وضعتها هنا قاصده حتي تعانده، أطال النظر نحوها ليري دموعها التي لم يتحملها فتفهم سبب هدوئها الحزين.
فهو خلال عمله لم يتوقف عن التفكير في كل كلمه قالتها، ولم ينكر بأنه شعر بخطاه الفاضح في بعض المواقف وتصرف بتهور قليلاً، لذلك اقترب منها و وضع يده برفق على كتفها قائلاً بحنو
= هو انتٍ لسه من ساعتها بتعيطي؟ وبعدين يا ضحى امتى هتكبري دماغك من كل الهبل ده، بقى انا برده هروح ابص لغيرك بعد كل اللي بينا.. المفروض انا اللي ازعل منك عشان ما بقتيش تثقي فيا زي زمان على فكره.
حاولت الإبتعاد عنه، لكنه أصر وعاند إياها بيده التي تمسكت بخصرها بقوة، تجلت في نبرتها حين قالت له بعمق
= تمام و لو قلت لك ان انا لسه بثق فيك بس مش واثقه في اللي حواليك وانا وانت مش عارفين نيتها ايه ولا نيت غيرها يبقى ليه تحطنا في الموقف ده
قام برفع رأسها لتناظره قائلًا بخشونة
= حتى لو نيتها كده سوا هي ولا غيرها، انا اللي اقدر اتحكم في نفسي ومش هروح ليهم، يبقى راجل غبي يا ضحى اللي يفهم الست هي اللي بتضحك عليه! هو بيروح بمزاجه وانا مزاجي و روحي معاكي انتٍ يا حبيبتي .
كانت لهجته معذبه بالقدر الكافي جعلها تدرك ان الرجال عندما تعشق بصدق قد يزادوا إصرارًا علي تجاهل كل شئ لأجل من يحب لذا قالت بصوت متأثراً
= متسبنيش يا منذر
شعر بالقلق عليها فقام بالتشديد من احتضانها أكثر وهو يقول بلهفة
= حبيبتي.. أنا جنبك خايفه من ايه؟
رفعت رأسها تطالعه بحب ثم تلاحقت أنفاسها التي كانت حارقه من شدة النيران التي تعصف بقلبها وسائر جسدها فـبللت حلقها قبل أن تتحدث بصراحه مقلقه
= خايفه أقوم في يوم الاقيك زهقت مني و مشيت.
انفلتت ضحكة خافتة من بين شفتيه قبل أن يقول بمزاح
= ازهق من مين؟ ده انا بقوم في الليله اتأكد انك نايمه قدامي و معايا في اوضة واحدة.. وان احنا خلفنا كمان وانا قدرت اعدي كل ده وانتٍ جنبي.. مش عاوز اسمع الكلام ده عشان ما ازعلش منك انا مستحيل ادور على غيرك يا ضحي، عشان انتٍ ما فيش زيك .
اشعرتها كلماته بأنها شئ ثمين يؤكد علي ملكيته مما جعل العبرات تتقاذف من مقلتيها فهمست بخفوت اخترق قلبه
= بحبك يا منذر ..
التهمت عينيه حسنها الظاهر من خلال نور القمر الذي فاق جمالها جمال، فاقترب منها يحتضنها بين ذراعيه و قال بلهجة محمومه أمام شفتيها
= و منذر بيعشقك يا قلب منذر ..
نظر نحو شعرها وهو مقطب الجبين، ثم عبث بخصلاته القصيرة واضاف هاتفا بمرح
= وبعدين كده تاخديني في موضوع تاني وما لحقتش اباركلك على شعرك القصير والتغيير اللي عملتيه.. بس شكلك حلو في كل حالاتك
هزت رأسها بخجل وأخفضت نظراتها لتحدق في أي شيء إلا هو، حمحم قائلاً بابتسامة خبيثة
= طب ايه بقى هي اوليندا مطوله معانا هنا كتير؟ مش هتوديها اوضتها وبالمره اعرف اعبرلك كويس عن إعجابي بالنيولوك الجديد اللي انتٍ عاملاه .
هزت رأسها بنفي عده مرات وهي ترد بعناد
=لا هتفضل هنا بالعند فيك، وهتنام هنا وسطينا كمان .
ضحك على حديثها فقام بوضع قبلة حانيه فوق جبينها، ثم استدار وبسط يده يغلق الأنوار بجواره وهو يردد مبتسماً
= ماشي يعني انتٍ اللي غلطانه وانا اللي جيت صالحتك وفي الآخر بتعاقب مقبوله منك يا ستي.. تصبحي على خير .
❈-❈-❈
أستيقظ آدم على أصوات بالخارج ثم اعتدل فوق الفراش وهو يفرق عينيه لينهض من فوق الفراش للخارج، وجد ديمة تجلس بالارض و تطعم الطفلين وهي تلعب معهم وتمرح .
أبتسم بسعادة ورضا على هذه الحياة التي جعلته يتعوض عن صبره الطويل بمكافأة كبيرة، الأيام تمر وها هو أصبح بعمر الثانية و الأربعين من عمره، لم يتوقع في هذا العمر أن يتزوج ويحب وينجب طفلين أيضًا.. لو أخبره أحد في الماضي بهذا، لم يكن سيصدقه أبدًا كان يعتقد أنه سيعيش ويموت وحيدًا بهذه الحياة والفضل يعود لديمة لأنها لم تستسلم وظلت تحاول أن تقنعه بأن هذه الحياة ليست خاطئة وأن كل شخص حر طالما لا يفعل شيئًا محظورًا ولا يتقيد بعادات المجتمع.
وعلى مر الوقت، لم يتوقف عن رعاية عائلته وإعطائهم الكثير من الحب والاهتمام.. كان يقترب منهما وكان الطفل آدم يلوح بيديه بحركات عشوائية وينظر إلى والديه بعيونه الواسعة معبرًا عن سعادته بأصوات لطيفة لم يتخيل آدم الكبير هذه اللحظة من قبل، حتى في أحلامه.
نظرت إليه ديمة وتساءلت بقلق
= صحيناك معلش، اصل النهارده اجازه المربيه
قال آدم وهو يحمل طفله بين ذراعيه لترتفع
ضحكاته بطفولية رائقة
= مش مهم طالما هصحى على الوشوش الجميله دي فانا مستعد كل يوم تزعجوا نومي براحتكم
ابتسم لعفويته وحب زوجها للأطفال، ثم قالت
برجاء
= طب طالما صاحي ورايق كده ممكن طلب صغير، ممكن تخلي بالك منهم لحد ما اخد شاور.. أصل مش عارفه اتحرك من جنبهم وخايفه يعملوا حاجه .
أبتسم لها بعذوبة قائلاً بتريث
= ماشي يا حبيبتي براحتك انا هعرف اسكتهم
ما تقلقيش.
بعد فتره انتهت ديمة من الإستحمام وقد نام آدم الصغير و أمير ظل مستيقظ وتركه والده يلعب بغرفه الالعاب، ثم ذهب لديمة نظر اليها و هي تجفف خصلات شعرها برفق ناظرة اليه من المراه مبتسمة برقة و هدوء و ما ان انتهت حتي أمسكت فرشاة الشعر و بدأت بتمشيط خصلاتها و ترتيبها ثم التفتت اليه هاتفه بمرح
=هو ينفع تبقي عاطل و تفضل معانا علي طول وما تروحش الشغل تاني
تقدم نحوها يحاوط خصرها ليميل بها بحنو إلي الجانب الأيمن متحدثاً
= لو كان عليا انا مش عايز ابعد عنك خالص
بس مضطر بقى .
هزت رأسها بالايجاب بزعل كالاطفال و هي تنظر الي عينه، ليقبل وجنتيها برقة متحدثاً
= هروح البس عشان متاخرش واجي على طول تمام
تنهدت مستسلمه وهي تبتعد عنه ثم ذهب للداخل حتى يرتدي ملابس وعندما عاد بعد فتره تفاجأ بها كانت تتحدث بالهاتف فاغلقته
عقد حاجيبة باهتمام وهو يتسائل بفضول
= بتكلمي مين اوعى تكون نمره غلط تاني؟
ابتسمت ديمة لتقترب تقف بين احضانه تتشبث به بقوة قبل أن ترفع رأسها اليه تنظر له بابتسامة عريضة و مدت يدها تضعها علي وجهه تتحسس ذقنه النامية قائلة
=لا ما تقلقش انا بتعلم من اخطائي اي حاجه تحصل بعد كده هقول لك عليها وانت حر بقى اتصرف معاه
قبل خدها و هو يمسد علي خصلات شعرها
هاتفا بارتياح
=شاطره يا حبيبتي، بلاش تعملي حاجة تضايقني والاشكال دي لازم راجل يتصرف معاهم.. ما قلتليش بقى كنتي بتكلمي مين
هزت كتفها بعدم مبالاة وهي ترد دون إهتمام
= مش حد مهم دول اعمامي، بيحاولوا بس يعملوا نفسهم عندهم ضمير ويطمنوا عليا فاكرين أني نسيت اللي فات وأن وقتها كنت صغيره ومش فاهمه حاجه.. لما عمل اللي عمله
مع اختي رانيا
سألها بجدية وهو قاطب لجبينه
=عمل ايه مع أختك رانيا؟ مش فاهم؟
عندما نظرت إلى وجهها توترت، فلقد لاحظت أنها تتحدث بحديثها لا يصح قوله، ولكنها وقعت في الفخ المحظور فلم يتركها إلا عندما يفهم معنى كلماتها، وبدون تردد قالت بارتباك
= هاه آآ أن يعني عمي فضل حاول يتحرش باختي وهي صغيره وده اللي خلا بابا يقطع معاهم خالص عشان كدبوها ومحدش صدقها إلا هو لانه كان شاكك في سلوك اخوه من الاول .
احمرت عيناه من الغضب ثم دفعها من ذراعها قائلاً بانفعال
= انتٍ بتستعبطي ولا بتتكلمي بجد؟ يعني حاجه زي كده تحصل وانتٍ تكوني فاكراها كويس وتسيبيني عادي اروحلهم و احط ايدي في ايدهم.. وهما بينهم واحد متحرش و بيتستروا عليه؟؟
رمقها بنظرات نارية مشتعلة انتو فيها إحراقها حية بسبب غيرته وشعوره بأنها كاذبه أو أخفت أمر كذلك عنه وكأنها تستهين به، فإضاف مرددًا بتعصب
= آه عشان كده لما صدقوا صلحت المشاكل اللي بينكم ورجعوا اتكلموا معاكي عادي، وانا اقول يا ترى ايه سر الكره اللي بينكم أوي كده ومش عاوز يتحل.. وانتٍ ملبساني العمه انطقي حالا في حد منهم قربلك او حتى بالكلام؟؟ واياكي تكدبي عشان هعرف
ابتلعت ريقها بخوف من غضبة وأجابت رغم اهتزاز نبرتها
=لا والله العظيم هي مره واحده بس حصلت مع اختي و بابا قطع معاهم، و كلنا عملنا كده ولحد النهارده ولما بيتصلوا بيا برد بحدود واوقات بطنش ومش برد واعمل نفسي مش سامعاه .. آدم ممكن تهدى وتفهمي الموضوع
تطلع فيها باشمئزاز وهو يردف بجفاء قاسي
=اسكتي خالص عشان ما بقتش عارف اعمل معاكي ايه عشان تبطلي تخبي عليا حاجه وكل شويه اكتشف حاجه جديده ويا عالم مخبيه ايه تاني.. ليه مصممه تكدبي عليا حتى لو كانت حاجه بسيطه.. لو واخده على كده زمان فبعد الجواز دلوقتي حاجه ثانيه وقلت لك اكثر من مره كل حاجه لازم اعرفها
لم تتحمل الاتهامات الباطلة الصادرة منه، و اختنق صوتها نوعًا ما وهي تقول بزعل
=آدم حاسب على كلامك انا مش كدابه كل الحكايه الموضوع فات عليه كتير وما حدش فيهم فكر يقرب مني ولو حصل ما كنتش هسكت
رمقها زوجها بنظرات أكثر سخطًا و رد ساخرًا
=آه انتٍ هتقوليلي باماره اللي كان بيعاكسك في التليفون وعرفت بالصدفه، هاتي تليفونك عشان اعمل لك بلوك من نمرهم الظاهر اللي انا كان لازم اخليكي تقاطعي عيلتك كلها.. ولا فاكره بعد اللي عرفته هرجع اخليكي تكلميهم عادي هم دول نسب يشرف أصلا بعد ما عرفت ان حد منهم حاول يتحرش باختك وهي صغيره.
لم تحاول الجدال أو النقاش معه وهو في تلك الحالة، لذلك قامت بفعل ما يريد، فبسبب ذلك أصبح متهورًا ويغضب بسرعة دون سبب مبرر أو ربما يكون محقًا، فهي لا تعرف ولا تستطيع الوقوف أمامه عندما يقلب الطاولة وتجد نفسك المخطئة، نظر إليها بنظرات نارية مشتعلة تشعرها فيها بأنها ستحترق حية بسبب غيرته وشعوره بأنها كذبت عليه أو أخفيت عنه شيئًا، ثم رحل من أمامها دون حديث آخر.
ضربت جبهتها بعتاب وهي تتحدث مع نفسها بضيق
=غبيه ما كنتيش قادره تمسكي لسانك شويه وانتٍ عارفه انه بيتلكك على كل حاجه الايام دي.. يا رب يرجع يثق فيا زي زمان انا مش عارفه ماله بجد .
❈-❈-❈
بعد مضي عدة أسابيع، ذهب شاهين ليرى صديقه الذي دعاه وأصر عليه أن يأتي لزيارته في مكان عمله “السوبر ماركت” لكي يتحدثوا قليلاً ويتخلص من تلك الأجواء الكئيبة و الجلوس في المنزل دون فائدة وبعد أن أخبره بأحواله بشكل موجز، هتف الآخر باهتمام
= طب وانت دلوقتي بتصرف منين لو محتاج فلوس او شغل قولي .
رفع شاهين رأسه له وهتف بتبرم ساخط
= انا مش بحكيلك عشان عاوز فلوس ولا شغل الحمد لله مستوره ولا هتعمل زي ابني الكبير وتديني قرشين في ايدي كاني بشحت ما انا خلاص بقيت ملطشه بعد اللي عمله فيا معاذ .
لم يعاتبه صديقة على حديثه بل سأله بجدية
= ماسألتش نفسك مرة واحدة يا شاهين.. ليه ولادك دلوقتي وحشين معاك و ليه مقصرين في حقك؟!
هز رأسه باعتراض وهو يتحدث مرددًا باستياء
= أنا مش محتاج حاجة من حد، ولو عشان عاوز ارجعهم حواليا فده عشان ما احسش بتانيب الضمير انما انا مش مستني منهم حاجه
تنهد الآخر ببطء وأجابه بتمهل
= يا سيدي ربنا ما يحوجك لحد ثم إنت زعلان ليه؟! ماهو إنت السبب في كل اللي حصلهم .. إنت اللي دلعت ابنك الصغير يا شاهين وإنت اللي خلته ما يقدرش يتحرك خطوة إلا برأيك وبمشورتك.. إنت اللي عودته يعتمد عليك فلما حاول يعتمد على نفسه ضاع
نفخ بضيق أكبر واحتج عليه قائلاً بعدم اعتراف
= ناقص كمان تقولي أنا اللي طلعته بالأخلاق دي وخليته في عز تعبي يعمل نفسه مش شايفني ويسيب الغريب يساعدني، انا عملته كل حاجه نفسه فيها وانت لسه قايل كده بلسانك فما كانش قادر يجي على نفسه و يقدرني شويه ثم ان تعبي للدرجه دي مش فارق معاه ان يحط زعله مني على جنب ويجي يساعد ابوه
أصر صديقه أن يكون صارمًا معه بهذه الطريقة ليتمكن من خروجه من هذه الدائرة، أن ينظر إلى وضعه ويرى نفسه كضحية ولكن الواقع تمامًا هو العكس، لذلك يجب عليه أن يتخلص من الحزن ويبحث عن كيفية استعادة العلاقات كما كانت في السابق دون أن يظلم أحد منهما، هز رأسه بإيجابية وقال بكلمات
باقتضاب
= أيوة إنت يا شاهين.. إنت اللي عزلته عن الناس وأنه يعيش حياته كاي شاب عادي بحجه انه تعبان لحد ما طلع ما يعرفش في الواجب ولا المجاملة.. وحشرت نفسك في كل ثانية في حياته.. عملت كل حاجة بداله و اجبرت ابنك التاني يعمل ذيك، ما خليتوش يشيل المسؤولية وعايز يبقى راجل إزاي بس ؟!
تحركت عيناه نحوه ليطالعه بنظرات مهتمة مضيفًا بهدوء جاد
= إنما التاني عملت العكس تماما! فاكر زمان لما كنا بنحاول ننصحك ونقول لك بلاش تيجي على منذر بالشكل ده؟ ترد تقول لنا انا بعمل العادي ولازم يشيل المسؤوليه وده الراجل الوحيد ومن بعدي هيشيل كل حاجه، ولما نيجي برده نقول لك طب وابنك التاني مش هيشيل معاه ترد برده وتقول لنا ده تعبان يا عالم وكان هيموت.. وفضلت مركز مع الصغير لحد ما نسيت الكبير خالص واتعودت اصلا انك تيجي عليه وتظلمه عشان كده كل ما يحاول يشتكي كنت بتشوف ان اللي بيحصل عادي وكأنه حق مكتسب وما لوش انه يعترض وده العادي أصلا.. انت غلطت مع منذر غلطه كبيره اوي والمتوقع انه كان هيعمل كده في اي وقت لانه بشر زينا وانت نسيت أنه لي قدره على التحمل
تعجب الآخر من طريقته معه، وعنفه شاهين بانفعال طفيف ملوحًا بيده في الهواء
= ما كفايه بقى تانيب انت التاني هو انت جايبني هنا عشان كده؟ عشان تقولي انك راجل ظالم ومفتري وعمرك ما حسيت بابنك.
تنفس بعمق ثم رد عليه بجمود وهو يتفرس وجهه
= إنت صعبان عليا يا شاهين .. فضلت تدي معاذ وهو يطلب وياخد لحد ما طلع ما بيعرفش يدي.. مايعرفش إن الدنيا أخد وعطا، سلف ودين.. ماتزعلش مني بس النهاردة إنت بتحصد اللي زرعته فيهم
لم يكن في حاله جيده او تسمح له بالنقاش في ذلك الموضوع والضغط على نفسه أكثر فهو كل ليله بالفعل يفعل ذلك من الاساس،
كور قبضته ضاربًا المقعد جانبه بعنف ومفرغًا فيه شحنة المكبوتة، ثم نظر له بأعين دامعة
هاتفًا بصوت متعباً
= كفاية خلاص مش قادر أسمع اكتر من كده هو انت فاكرني مش عارف كل ده بس مش بقدر اواجه نفسي، عارف ان ظلمت الاثنين بايدي بس اعمل إيه اللي راح مش بيرجع فمش هقدر أغير الزمن
تراجع هنا صديقة عن تصادمه معه، وأشار له بيده ليرد بإلحاح
= لا تقدر تصلح! ايه يعني لما تروحلهم انت و وتبدا بالصلح هيرفضوا وايه يعني حاول مره واثنين وثلاثه.. طالما عارف انك غلط وانت اللي بدأت وانت اللي خليتهم كده وربيت يبقى تستحمل لحد ما توصل لنتيجه كويسه.. انا مش عارف اذا كانوا هيسامحوك الاثنين ولا لا بس قولهم من باب انك ترجع الود من جديد حتى! انت محتاجهم يا شاهين محتاج ولادك جنبك وده اللي لازم تعترف بيه كمان .
❈-❈-❈
كان معاذ يجلس فوق المقعد في منزل والد زوجته، بوجه محبط فالأيام السابقة كان يبحث عن وظيفة ولكنه لم يجد أي شيء مناسب له، خاصةً أنه لا يمتلك أي شهادة أو مهارة مهنية.
ولم يهتم بالاتصال بوالدته عندما أخبرته بمرض والده، ظن أنها تخبره ذلك فقط لكي يأتي إليها وعندما تحدثت عن صحة، لم يعطِ الموضوع أهمية كبيرة. فمنذ متى و أحد منهما يعتمد عليه في أي شيء ؟
قد اعتاد عليهم بذلك، مهما حدث من أمور خطيرة يتولى منذر الأمور بدلاً منهم جميعا، لكنه نسي أنه أيضًا رحل ولم يعد يساعدهم.
لاحظت بسمة جلوسه من بعيد فاقتربت منه ثم جلست جانبه، وهي تتساءل
= فينك مختفية كده تكونش خلاص حليت كل مشاكلك وقاعد فاضي .
رفع معاذ كفه في الهواء قائلاً بتبرم
=هي المشاكل بتخلص، أنا بس مش عايز ادوشك بمشاكلي .
تقوس فمها للجانب بابتسامة صغيرة وهي تربت علي كتفه عده مرات، لتؤيد رأيه هاتفة
= راجل جدع! استمر بقى على كده.
هز رأسه وهو يرد عليها بصوته الحاد والمزعوج
‏= بطلي استفزاز يا بسمه، أنا خلاص أصلا مش عايز أي حاجة من حد ولا من الدنيا.
عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسأله بسخرية طفيفة
= وده ليه أن شاء الله خلاص حققت كل أحلامك
هز رأسه برفض هامسًا لها بتنهيده طويلة
= لأ بس زهقت.
رمقته بسمة بغضب ثم حانت بوجهها للإمام وهي تقول بصوت مغتاظًا
= زهقت من ايه؟ ده انا حتى شايفك قاعد في البيت وبطلت تنزل تدور على شغل زي ما كنت بتقول! مش كان كلامك برده انك مش هتخلي ست تصرف عليك
أغاظه ردها المستفز له، فقال مرددًا بتهكم
= ما تعرفيش خمس دقائق تقعدي ساكته من غير ما ترمي كلام زي السم وتحرقي دمي ما تسيبيني في حالي هو انتٍ ولا عاجبك انزل ولا أفضل قاعد في وشك وبعدين شفتيني لقيت شغل وقلت لا، انا مش ساكت فعلا ويوم ما بلاقي شغل بلاقي مش مناسب
بدت لهجتها متشنجة إلى حد ما، وهي تردف بغضب
= ايوه هترجعي زي زمان لما كنت بتطلع عيني، عاوز تفضل قاعد على مكاتب ويجيلك لحد عندك الشغل، طب اسمعني بقى ما اتكلمتش الأيام اللي فاتت وقدرت الحاله اللي انت فيها ابوك وامك جايين عليك وقلت لنفسي ما هو معاه حق يا بنت، قضي سنين عمره كلها من غير شغله ولا مشغله فخليكي جدعه معاه وبلاش تكوني قاسيه عليه طالما بيحاول انما هترجع لدلع زمان يبقى لا يا حبيبي المصاريف ما بقتش تكفي وانا بالعافيه بحاول امشي نفسي
أشاحت بوجهها عن مرمى بصر زوجها واضافت بخفوت دون أن يرف لها جفن
= كفايه أن مش بلاقيلك عذر زي اي راجل على اهمالك ليا زمان، واقول معلش معذور علشان الشغل بس لو بتتهمني في الإهمال
فأنتٍ كمان أهملت فينا كلنا.. انت مكنتش بتعرف عني حاجه كويسة ولا مضايقة ؟ مضغوطة ولا مرتاحة ؟ واهملت في ابنك و مبتسالش عنه ولا عني عارف حاجه.
تجهم وجهه تمامًا من أسلوبها الضاغط، و لم يتحمل المزيد فنهض صائحًا بحده
= هنبدا نفس الاسطوانه بتاعه كل مره ما قلت لك مش لاقي شغل وبعدين انا لا بدلع ولا بدور على شغل وانا قاعد ولا بتنيل اعمل حاجه انا اللي مش لاقي شغل عدل قدامي فعلا.. و الموضوع ما طلعش سهل زي ما كنت فاكر انا ولا معايا شهاده ولا بفهم في حاجه يبقى مين هيغامر بقى يشغلني ولسه هيعلمني كمان
دست يديها في خصلات شعرها المتبعثرة ضاغطة على شفتيها بقوة، مرددة بتفكير
= مممم ماشي عاوز حاجه تكون متعلمها وفاهم فيها طب ما سهله عربيتك لسه معاك مش كده.
عقد حاجيبة بقلق ثم رد عليها بقوة رغم هدوء نبرته
= ايوه معايا بتسالي ليه اوعي تقوليلي ابيعها
عشان ده عمره ما هيحصل ابدا .
أجابت عليه بصوت خافت لكنه يحمل الجدية
= لا يا فالح مش هقول لك بيعها ولا حاجه لكن شغلها زي اوبرا ولا تاكسي طالما بتعرف تسوق ومعاك رخصه كمان..
اتسعت عيناه بدهشة فهمس عفويًا
= اوبرا انا صحيح إزاي ما فكرتش في حاجه زي كده
تنهدت بارتياح لقبوله للأمر فهتفت برجاء
= طب الحمد لله ان في حاجه اخيرا قلتها عجبتك، واديك هتشتغل ملك نفسك بس وحياه ابوك تطول بالك بس مع الزباين بدل ما تقفل الشغلانه، عشان اسمع الحاجات دي بتستمر من تقييم الناس ليك .. وان شاء الله ربنا يرزقك.
أخفى إرتباكه ببراعة وهو يفكر في أمر ما ولا يريد احبطها، لكنه نطق محبط
= بس في مشكله العربيه بقيلي فتره راكنها وأكيد هتحتاج صيانه وبنزين وانا مش معايا فلوس لكده.
صمتت لحظة تفكر بشئ بضيق وتحاشت النظر إليه هاتفة بتردد
=تمام هديك فلوس وامري لله بس اعتبرهم سلف و اول ما تشتغل ترجعهم، احسن دي تحويشه العمر ولازم من اول يوم تجيب فلوس عشان خلاص البيت شطب .
نظر معاذ إليها بفخر غير مصدق أنها ستقوم فعلاً بذلك وستمنحه كل ما تملكه من المال وتساعده، على الرغم مما فعله، ولكنه عبّر عن اعتراضه بغضب وقال بكبرياء زائف
= لا مش عاوز حاجه منك انا هتصرف، عشان ما تفضليش تذليني بيهم وبعدين قلتلك مش انا الراجل اللي اخد فلوس من واحده ست وخصوصا لو مراتي واخليها تصرف عليا
ضغطت على شفتيها قائلة بامتعاض
= يا شيخ اتنيل امال انت طول الفتره اللي قاعد فيها هنا دي بتاكل وتشرب منين، مش وقت عزه نفس ما عندكش حد تستلف منه وانا وانت عارفين اللي فيها، وبعدين هو انا بقول لك خدهم وماترجعهمش انا بقول لك سلف.. ومن اول مرتب هاخدهم منك ولو عاوز تكتب وصل أمانه اكتب مش همانع واهو بالمره عشان ضميرك يرتاح
تلاشت علامات الفخر لدى معاذ فجأة نحوها ليسألها بتشكك بوجهه المكفهر
=انتٍ بتستعبطي يا بسمة عاوزه تكتبي جوزك وصل امانه فرقتي انتٍ ايه بقى عن صاحبي اللي نصب عليا.
صاحت فيه بصوت غاضب مهددة بيدها
=واكتب أبويا كمان ذات نفسه، الله مش حقي وبضمنه، وبعدين انت ما شاء الله اي فلوس ولا مشروع بتمسكه بركاتك بتهل عليه و بتجيبه الارض فربنا يستر من اللي جاي
نظر لها بخيبة أمل على عدم ثقتها به وحديثها بانه شخص منبوذ ثم رد عليها بجمود
=هي وصلت لكده تمام اعملي اللي انتٍ عاوزاه هي جت عليكي .
بررت إصرارها بنبرة حزينة رغم عدم اقتناعها
=خلاص يا اخويا ما تتقمص كده بهزر ولا هكتبك ولا نيله عوضي على الله بقى مع اني لسه برده مش مطمنه لك.. بس بعمل باصلي .
❈-❈-❈
استغلت ضحي يوم العطلة لدي منذر وطلبت منه أن يخرجوا للتنزه هم الثلاثة وهو قد رحب بالفكرة لأنه بالفعل أصبح مشغولًا بالعمل كثيرًا. وقد اتفقوا على أن يذهبوا إلى إحدى المدن لمدة يومين ويعودوا.. جهزت ضحى الصغيرة أولاً وطلبت من زوجها أن يأخذها وينتظرها في الخارج حتى ترتدي هي الأخرى.
وضعها بالسياره في الخلف في مكانها المخصص ثم ذهب ليجهز الترتيبات قبل أن تنتهي زوجته وعند عودته في الطريق، توقف في أقرب محطة وقود ليملأ السيارة حتى لا تتعطل في الطريق، ثم أخذ ابنته ليشتري بعض الأشياء من السوبر ماركت الداخلي وهو يحمل رضيعته على ذراعه، اقترب من العامل وطلب منه بعض الأشياء ليحضرها له وفي تلك الأثناء، حركت الرضيعة أوليندا رأسها بحماس نحو وجه أبيها وكان اللعاب يسيل من فمها الصغير وبدأت في عض وتلطيخ وجهه أبتسم منذر عليها قائلاً بهمس
= انتٍ جعانه ولا بتلعبي.. استحملي خلاص راجعين دلوقتي لماما.
قبل خدها برفق ولكنها خدشته بكفها فتأوه من الآلم وعاتبها بنظراته وهي أصدرت حركات وأصوات غير مفهومة منها، هتف منذر مجدداً بعتاب وهو يمطرها بوابل من القبلات الحنونه
= مش عاجبك كلامي ولا إيه، شكلك طالعه لمامتك ما بتسيبيش حقك، ماشي مقبوله منك انتٍ بالذات تعملي ما بدالك، انتٍ حبيبة قلبي وروحي وحياتي كلها يا اوليندا !
= هي إسمها اوليندا.
توسعت عينا منذر وتجمدت أطرافه عندما سمع ذلك الصوت الذي يعرفه جيدًا ولم يستطيع أن يلتفت في البداية، فلم يتوقع أن يلتقي به في أي مكان بعد سنوات على فراقه.. يلتقي به صدفة في سوبر ماركت.
حيث كان الآخر ينتظر صديقه الذي طلب منه أن ينتظر وسيذهب ليرى ما المشكلة هنا، و لكن وهو يتمشى لاحظ شخصًا يشبه ابنه منذر، اعتقد في البداية بأنه يتوهم فقد تغير كثيرًا عن السابق من حيث الشكل والمظهر، لكن صوته لم يتغير أبدًا عندما تحدث مع ابنته.
ظل شاهين يتابع اندماج منذر مع ابنته بصمت وهو يراقب كل تحركاته معها.. فتاة صغيرة يبدو أن عمرها حوالي خمسة أشهر عرف علي الفور أنها ابنته لأنه سمعها عندما كان يلاطفها بحبيبه أبيها… عكس ما كان يفعل معه تمامًا.
يا له من عنف اللحظة، مرت الأيام بسرعة و تغيرت الملامح والبشر وتبدلت الأحداث و الزمن… والآلام ما زالت داخل كل منهما! جذبه الشوق والحنين واحتاجه رغبة جامحة في أن يلمس تلك الفتاة ويقبلها، يقبل حفيدته و يضمها إلى صدره، إنها جزء منه ومن ابنه الذي كان يومًا جزءًا منه، لذلك نادى على اسم الطفلة.
رمقها شاهين و والدها يحملها على ذراعه وما زال يلوي ظهره له ونظر في عينيها بكل معاني الماضي الذي مات، وقبل أن يلمسها تحرك منذر بسرعة وهو يقول بصوت جامد
= الظاهر حضرتك غلطان وبتشبه على حد تاني.. عن اذنك عشان مستعجل.
شعر شاهين بوخزات رهيبة وحــادة تجتاح بقلبه، غير مصدق رده فعله القاسية ليسرع قائلاً بلهفة
= منذر استنى هنا يا ابني انا اما صدقت لقيتك .
لم يستطيع الآخر السيطره على نفسه أكثر فالتفت له وهو مشمئز من رؤية فصـــاح بصوت هــادر
= انا مش ابنك واياك تقول الكلمه دي تاني.. إيه فاكرها سهله كده عشان اي واحد تنده عليه وتقول له ابني؟ لما تعرف قيمتها كويس ابقى انطقها الاول.
فُـزعت على أثره الرضيعة وبكت بخوف فقبلها بحنو أبوي ونظر له بجفاء، وهدأها بحركات بسيطة ثم تحرك ليرحل حتى انه لم ياخذ طلبه.
ظل شاهين مكانه يحاول استيعاب ما حدث!
ياااه، قسوة الأيام صاروا غرباء عن بعضهم؟ وفكر داخله اترى هل نسي من أكون بالفعل ام مجرد انكار؟..
لكنه لم يستسلم بعد وتذكر حديث صديقه السابق، فشعر شاهين بالرغبة في متابعتهم وهو يركض خلفهم رغم تعبه فكيف يمكنه تركهم بعد أن وجدهم؟ ولكن عندما خرجوا من المتجر، اختفوا في زحمة المدينة، في حين بقي هو واقفًا متأسفًا على خيبته وظلم الحظ وقسوة القدر.
لكن فجأة استدرك صوت بكاء الطفله جعله يلتفت إلى الجانب الآخر ليجد منذر يقف بجانب سيارته يحاول فتحها للرحيل بسرعة. تسارع بخطواته نحوه دون تفكير وهو ينادي عليه بصوت عالٍ دون أن ينظر أمامه للطريق والسيارات قادمة، وبنفس اللحظة تصطدم سيارة مسرعة به مما جعله يسقط أرضًا بدون وعي.
ثم هربت السيارة التي صدمته بسرعة، وتجمع الناس حوله وهتف أحدهم بانزعاج قوي
= لا حول ولا قوه الا بالله، هو حضرتك تعرفه هو تقريبا كان عمال ينده على حد في الاتجاه بتاعك
تعلقت أعين منذر بوالده المطروح على الأرض والدماء تتدفق منه بصدمة كبيرة، ثم استدار برأسه بتشتت ونظر نحو الشخص الذي كان يسأله للتو، ثم أجاب بصوت متقطع.
= هاه، آآ لا ما اعرفوش.. ولا ليا علاقه بي .
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى