روايات

رواية قابل للكتمان الفصل السابع عشر 17 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل السابع عشر 17 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء السابع عشر

رواية قابل للكتمان البارت السابع عشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة السابعة عشر

بعد مـــرور سـبـع أشهـر .
شبك معاذ أصابع يديه واتكأ بذقنه فوقهم وهو يفكر ما الذي دهاه، عندما شعر بالضعف وعدم الاتزان وعدم الاكتمال، وجد نفسه يفكر في ما حدث له فلم يعتاد أبدًا أن يكون بهذه الحالة. يشعر الآن بأنه رجل مهدم لم يعد قادرًا على تحمل الألم. والأمر المحزن هو أن كل ما حدث له في الحياة كان بسبب فقدانه لزوجته الصالحة التي كان يعتقد أنها ستكون معه. وفي المقابل فقد حياته. حياة لن تعود كما كانت في السابق.
يشعر دائمًا بالوحدة، حيث أن والدته مشغولة طوال الوقت بأعمال المنزل ولم يعد له أولوية بعد الآن، آخر ما يخطر في بالها هو أن تسأل عن حاله وكيفية تعامله مع الصعوبات في عمله مع والده و هذا الأمر يحزنه بشدة، أن يشعر بأن بسمة ووالدته انسحبوا فجأة من حياته بعد أن كانا محور اهتمامهما.
ولكن بين كل ذلك، ما يثير اهتمامها هو أن تزوجه بامرأة غير بسمة في أسرع وقت ممكن. تذكر يومًا ما عندما دخل غرفة المعيشة وشعر بالخجل عندما لاحظ وجود شخص غريب في منزلهم، وقف في مكانه بتجهم، مما جعل والدته تحثه بشغف على الدخول قائلة بلهفة
= معاذ تعالي سلم على منال بنت جارتنا اللي ساكنه في العماره اللي قدامنا.. بنت جميله وما شاء الله عليها تتحب وشاطره أوي في عمايل
شغل البنت
عبّر حاجيبة عن دهشته واستياءه، ثم أوجعه الأمر عندما فهم أن تلك الفتاة قد تكون زوجته المستقبلية، بناءً على رغبة مايسة في أن تكون جيدة في أعمال المنزل لتساعدها وتخفف عنها، كما كانت تفعل بسمة وهذه كانت رغبتها الوحيدة في زواجه وعندما بدأ يفهم ذلك مؤخرًا سبب استعجالها في الزواج، بدأ في كل مرة يجد عيبًا في تلك الفتيات حتى لا يكمل الموضوع حتى النهاية.
وعندما يئست من ذلك الأمر ثارت عليه بعصبية منفعله
= هو في ايه؟ هو انا كل ما اجيبلك عروسه هتطلعلي فيها عيوب الدنيا كلها ما تفهمني في دماغك ايه، لو في واحده قولي ونروح نخطبها لك انا وابوك.. لكن تفضل كده من غير جواز أهو ده إللي مش هسكت عليه ابدأ .
جلس بحذر وبطء بجانبها حتى لا يسقط رغم عنه طبق الحلويات الموضوع فوق الطاوله وحينها ستغضب والدته وتثور عليه وتجبره على تنظيفها بنفسه، جلس على أريكة مقابلة لها ثم تهكم معاذ من كلماتها ساخراً بلا مرح
=بقى عاوزه تتجوزيني عشان ما افضلش كده
ولا عشان اجيبلك واحده تساعد في البيت
هزت رأسها باعتراض وهي تقول بمراوغة
= وافرض ان ده غرضي فيها ايه، طالما ما جتش منك يا عديم الاصل بقيلي كام سنه بربي فيك و اخدمك، كفايه ابنك اللي متشحطط هنا وهناك بينك وبين طليقتك هو ده يرضي ربنا
تحفزت ملامح معاذ ليتساءل ببطء
= تقصدي ايه بكلامك بقى اني ارجع بسمه على ذمتي تاني عشان ابني ما يترباش بعيد عنا.
استنكرت أمه من استنتاجه الذي وصل له من كلامها لتهتف به بصوت غاضب
= واشمعنى دي اللي جت في دماغك على طول؟ آه تلاقيك بترفض تتجوز عشان في نيتك ترجع القديم؟ وعاوز اللي يشجعك على كده لكن على جثتي البنت الكذابه دي تدخل بيتي تاني
امتعضت ملامح معاذ لكلام أمه التي غادرت المكان غاضبة..وظل صامتاً في ذلك التيه الذي يضرب رأسه دون فائدة أو حل لحاله.
رغم أنه يسمع من جهات مختلفة لكن مشوش ويرسم بعقله ألف تصرف و لا يوصل لأي قرار.. فقط ضجيج عنيف يعصف بعقله صريع التعثر والتشوش، وعندما نظر إلي والدته من بُعد، ثم عاد لينظر إلى طاولة الحلويات وهو يتذكر الماضي، حينما كان يسقط شيء ما سواء بقصد أو بدون قصد، كانت والدته تقول له بعدم اهتمام لا يهم وتطلب من بسمة تنظيف المكان بالكامل دون أن يفعل شيئًا، وعندما رحلت بسمة.
ظلت تشتكي وتشتكي مثل بسمة وأكثر و تجبره على تنظيف ما فعله، وتخبره أنه يجب أن يساعدها في ترتيب المنزل من الآن فصاعدًا وهذا واجب عليه! وما يخربه يصلحه بنفسه.
ولم ينقص من رجولته شيء إذا ساعدها في أعمال المنزل أيضًا… إذًن كانت بسمة محقة عندما كانت تشكو من كثرة الأعمال في ذلك الوقت، وهي اعترفت بذلك بطريقة غير مباشرة أو مقصودة.
❈-❈-❈
انتهت بسمة من غسل الاواني في الحوض بينما كانت تراقب وتسمع طفلها مالك الجالس أمامها يقص إليها بحماس شديد كيف قضي وقت ممتع مع والده ليله امس وما فعله معه. طالعته بنظرات دقيقة وهي متعجبه من تغير معاذ وقربه الواضح من إبنه فكل يوم يأتي ليراه ويطمئن عليه أو يأخذه بنزهه، حتى بدأ ان يتعلق به الطفل.. من المتوقع أن تفرح بما حدث فهذا ما كانت تتمناه وأنه بدأ يقترب هو وابنه من بعضهم البعض.
لكن كانت تشك بالأمر وتشعر بانه يفعل ذلك متعمد حتى يراها! هي لا تفهم نواياه جيد، لكن تأكدت عندما سألت والدها عن زياراته المتكرره لهم حينها ابتسم و أجابها بهدوء جاد
= هو انتٍ مفكره نفسك الوحيد اللي واخده بالك من تصرفات طليقه؟ ابوكي مش كبر للدرجه دي، هو اكيد بيقرب من ابنه عشانك عشان يشوفك ولو بتفكري ترجعي مش همانع ممكن تكون فرصه كويس عشان ابنكم ما يترباش بعيد عنكم، بس المره دي مش هغصبك وهرجعك بشروطك .
ومع ذلك، فمن المستحيل الوثوق بتغير معاذ. لقد عانت وحاولت ذلك في الماضي وفشلت جميع محاولاتها، وانتهى بها الأمر بالاحباط.
بينما أيضا قد انتهت من دراستها وحاولت تعمل بشهادتها لكن والدها رفض ذلك الشيء، وقد أخبرها بأنه وافق على تعليمها فقط ولا تحلم بذلك الشيء.. حتى في الفتره الاخيره تدهورت حاله متولي بشده وقد توقف عن العمل وهم الآن يصرفون من المعاش… و مساعده معاذ البسيطه أيضا لهم.. لكن وسط ذلك ظلت وما زالت تتجاهل أمر معاذ .
وفي ذلك الأثناء سمعت صوت مالك وهو يركض بحماس ولهفة يردد
= بابا جي! ده صوت عربيته.
لمعت عيناها بنظره شرسه تدل علي غضبها وهي تقول من بين اسنانها بصرامة حاده
= برده مش هرجع تحت رحمه اهلك تاني يا معاذ حتى لو رجعتلك فعلاً.
فلم تكن راضية عن اقترابه من طفلها لهذا السبب فقط، أو ربما يفعل ذلك لجعلها تستسلم وتعود مجبرة بسبب الطفل.
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر، كانت مايسة تمدد جسدها المتعب فوق السرير، تشعر أن جسدها متكسر وكأنها كانت في حلبه مصارعه.. تنهدت بحزن شديد تريد تشكو لأحد كيف أصبح الحمل كبير عليها أو ربما لكونها لم تعتاد على ذلك، و شاهين يجعلها تنهك نفسها في طهو الطعام له واحيانا الى اصدقائه بالعمل حتى يدخل الى صفقات جديده لكن بالنهايه تفشل، وهي تنهك نفسها بلا فائده.. بالإضافة إلى القيام بأعمال المنزل الشاقة من ترتيبها ونظافتها.
وطوال فتره زواجها الطويله تلك، قد تفاجأت بأن تلك الأعمال أصبحت شاقه عليها فلا تصدق بأنها بمفردها تقوم بكل هذا العمل الشاق الذي كان يستوجب في الأصل أن تقوم به من البدايه، تنهدت ببؤس وهي تشعر بأن كل ما كانت تجبر بسمة على فعله في الماضي بأمر منها ها هو يرد عليها!!. و هي مضطرة أن تقوم بكل هذا العمل المضني لوحدها..
لكن رغم كل ذلك لم تعترف بخطائها بالكامل فما زالت تبحث عن فتاه مشابهه لبسمه تساعدها، وعند ذكر المساعده تذكرت منذر! الذي طال غيابه حوالي ثلاث سنوات ولا تعرف عنه شيء حتى الآن؟ فهي كانت تحمله فوق طاقته مثل والده أيضاً.. بينما كانت توفر كل شيء لمعاذ من الطعام والراحه وعلى الجانب الآخر ترفض أن تصنع له طعام مخصوص عندما كان يعود من الخارج متعباً وأحياناً أخرى تطلب منه أن ينظف منزله بنفسه لأنها ليس متفرغه الآن ومشغوله مع معاذ بشيء ما.
وتضطر بسمة لإعداد وجبات المفضلة لمعاذ، وهي لا تهتم بأمر طفلها الاخر، و رغم أنها كانت تراه يعود من الخارج متعباً وجائع لكن تخبره بكل جبروت أن يجهز الطعام لنفسه فليس الأمر صعب عليه، فهل بعد تلك السنوات الطويله بدأت أن تراجع نفسها في معامله طفلها الكبير وكيف كانت قاسيه عليه؟ حالياً فقط لاحظت ذلك؟ بعد أن رحل ولا تعرف أين هو!.
مدت يدها على الكومودينو تبحث عن دواءها
ولعقت شفتيها وهي تتنهد ببؤس وإرهاق عندما وجدت العلبه فارغه، رغم انها قد اخبرت معاذ و شاهين منذ شهر تقريباً أنها بحاجه الى علاج حتى يشتري أحدهم لها وهو قادم، لكن لم يتذكر أحد حتى اليوم أو يلاحظ تعبها.
تذكرت في الماضي، عندما تمرض كان منذر هو من يسهر عليها طوال الليل بعد ان يحضر لها الدواء! واذا وجب يفعل لها الطعام بنفسه
ويظل جانبها حتى يتأكد من شفائها واذا كانت بحاجه الى الذهاب للمشفى أو الأمر بسيط، بينما شاهين ومعاذ يذهبون الى النوم دون ان يهتموا الى حالها .
ورغم كل هذا الإهتمام لكن كانت لا تقوم بشيء سوى التذمر منه وانه يبالغ بالأمر دون ان تشكره حتى، وبعد شفائها تعود و تعامله بنفس القسوه رغم أنه الوحيد من أسرتها يعتني بها لكنه رحل عندما فقد صبره واكتشف أنه لم يتم تقديره في ذلك المنزل، وهنا لم تتحمل المزيد وبكت ومواقف كثيرة وأصوات أكثر تتداخل برأسها تتعلق بمنذر وأفعاله، حيث كان الإبن الوحيد الذي كان مطيعًا طوال الوقت دون أن يتلقى أي مكافأة أو ينتظر أي شيء منهما.
شهقت بالبكاء متحسره وهي تقول بندم
= سامحني يا ابني، سامحني يا منذر لأني عمري ما كنت الأم اللي تستاهلك يا حبيبي.
مسحت دموعها التي تساقطت بيديها بعد فتره وهي حزينه على رحيل منذر وعلى افعالها، ثم خرجت من شرودها علي صوت زوجها من الخارج وهو يأمرها قائلاً
= مايسة انتٍ فين انا جيت يلا قومي حضري الغداء بسرعه قوام عشان نازل تاني.
هزت رأسها بيأس ورغم أنها كانت مرهقة وتكاد الآن أن تسقط تعبًا نهضت تتوجه نحو الخارج لتفعل ما يريد حتى لا يغضب عليها.
❈-❈-❈
في العيادة النسائية ظل منذر يجوب الرواق ذهاباً وإياباً وهو يدعو الله في نفسه أن تنجو زوجته وطفلته فقط زاد عليها التعب الشديد فجاه وعندما احضرها الى هنا اخبرته الطبيبه بانها ستولد الآن قبل موعدها الاصلي، وبعد لحظات إنضمت إليه كوثر و اتجهت ناحية زوجه ابنتها وســألته بإهتمام كبير
=طمني يا أبني على ضحي !
هز رأسه بعدم معرفة وهو يقول بصوت متوتر
= معرفش أي حاجة بقيلها كتير جوه ومحدش طلع يطمني، أنا مش مرتاح
نظرت له بقلق شديد لكنها حاولت أن تقول بصوت هادئ
= اهدى يا أبني وإن شــاء الله خير هي البكريه كده ربنا معاها.
أسند كفه على الحائط الملاصق للباب دون رد، ولم ينتبه هو إلى أي أحاديث جانبية منها ولم يشــارك التعليق في أي شيء يُسئل عنه.. فقط يفكر في حال زوجته فلم يسامح نفسه ابدأ اذا حدث لها شىء سيء ولا يستطيع العيش بدون ضحى لذلك تمنى ان تمر تلك الساعات الصعيبه بسرعه.
وفي تلك اللحظه خرجت الطبيبة فســألها منذر بتلهف
= ضحي ولدت طمنيني عليها ؟
ابتسمت الدكتورة وهي ترد عليه
= ولدت الحمد لله وجابت بنت زي القمر تتربى في عزكم .
تنفس الصعداء بصعوبة بالغة ثم سألها بصوت متقطع وهو يرمقها بنظرات شبه متوترة
= يعني هي كويسه هي والبنت واقدر اشوفها دلوقتي .
هزت رأسها بالايجاب ثم رحلت بينما أحتضنت كوثر منذر قائلة بسعادة
= مبروك يا حبيبي، الف مبروك ربنا يحفظهالك يارب .
بادلها الإبتسامة بصمت وهو يحاول السيطره على مشاعره الجديده، بينما إنسابت عبرات حماته عفوياً حينما تذكرت وفاه زوجها وهي تقول بحزن
= ابوها كان هيفرح أوي لو كان لسه عايش، كان نفسه يا عيني يشوف احفاده منها قبل ما يموت يلا الحمد لله على كل حال
ثم مسحت دموعها بسرعه وحاولت تغيير الموضوع وهي تقول بحماس
= الا بالحق ناويين تسموها ايه.
قبل أن يتحدث حضرت ممرضة ما إليه و أشارت له بيدها وهي تقول بهدوء
= حضرتك تقدر تشوف المولودة دلوقتي
ربتت كوثر علي كتفه بحنان وهو تقول بنبرة حنونه
= روح انت شوف بنتك وانا هشوف بنتي!.
نظر لها بامتنان فهو كان يشعر بالفعل بالحيره الى أين يذهب بالأول يطمئن على زوجته او يرى ابنته لاول مره، تحرك بالفعل إلى داخل تلك الغرفة الصغيرة وإستمع إلى أنين ضعيف مع اول خطواته لها، ومع كل خطوه كانت كافة حواسه تختطف قلبه قبل عقله.. حتي وقعت عينيه عليها في فراش صغير يتوسط الغرفة فأدار رأسه ناحيتها وأحس بإضطراب جلي يسيطر على كافة أعضائه.. وهو يتطلع إلى تلك الصغيره الملفوفه ثم دقق بملامحها لون البشرة والشعر والشفاه كل شيء بها قريب منه كأنها بالفعل نسخه مصغره له .
مدت يدها الممرضة له ليحملها توتر من ذلك في البدايه لكن بالنهايه اخذها منها بين ذراعه
و إستشعـر بقلبه ينبض تلك النبضات التي أعلنت الى أحب الأشخاص الى قلبه من بعد ضحي زوجته.
لاحظ حركتها التي خطفت قلبه وهي تتثاءب فضحك بلا وعي ثم قرب رأسها منه وقبلها ثم همس في أذنها قائلاً
= ربنا يباركلي فيكي، وأقدر اسعدك واعوضك على اللي اتحرمت منه يا.. يا اوليندا .
❈-❈-❈
في شرم الشيخ، كانت ديمة تجلس بجوار أطفالها الإثنين النائمين منذ زمن (آدم الصغير والطفل الثاني أمير) كان لا يأتي النوم الي جفونها ابداً تنظر امامها بشرود و هي تتذكر أيامها السابقه معاً زوجها وكيف قضت اوقات حزينه وسعيده بنفس الوقت، فقد سافروا هم والاولاد الى تلك المدينه حتى ينسون ما حدث
عندما علمت بانها لم تنجح هذه السنه ورسبت بسبب انشغالها وتركيزها الاكبر مع اطفالها الاثنين، كانت صدمه كبيره لها وقد حزنت بشده لكن حاول آدم أن يخرجها من تلك الأجواء وبنفس الوقت عاتبها بلطف هاتفا
= خلاص يا ديمه كفايه عياط العمر مخلص يعني قدامك وقت تعدي السنه وما تنسيش انها غلطتك من الاول عشان لو كنتي سمعتي كلامي وجبتي حد يساعدك ويخفف عنك كان زمان عندك وقت تذاكري اكتر، على العموم المره دي هجيب واحده تساعدك فعلا ومش عاوز اي اعتراض اتفقنا .
هي كانت ترفض تلك الفكره حتى لا يشعر بانها امرأه غير جيده، هتفت بصوت باكي بعد ان اطالت النظر به بإحباط
=اعمل اللي انت عاوزه مش هتكلم خلاص
تنهد آدم وشعر بالضيق والذنب ليقول مرددًا
=يا حبيبتي ليه الحزن والزعل ده كله انتٍ مش اول ولا اخر واحده تسقط وتعيد السنه، وبعدين انتٍ عندك عذرك بتربي طفلين يعني عندك مسؤوليات كثيره
ظلت في هذا الجو الكئيب نادمه على تلك السنه التي ضاعت منها، وعندما لاحظ آدم حالتها أخبرها أن تحضر حقيبه لهما وهم مـسافرون لأسبوع عطله، تفاجأت وسعدت لاهتمامه لامرها.. كانت وقتها تقوم بتمشيط
شعرها تركت الفرشه متقدمه له بحماس
=هنروح فين ومع مين والاولاد هنسيبهم ولا ناخدهم معانا.. انا مش هقدر اسيب ولادي يا ادم اتصرف وخدهم معانا مش…
لم تكمل جملتها للأخير حيث حاوطها من خصرها مقربًا إياها بقوة إلى صدره هامسًا بحب
= اكيد يا حبيبتي هناخدهم معانا هم و المربيه، مش هنروح بره البلاد خلينا في مصر برده ايه رايك في شرم الشيخ انا وانتٍ
هزت رأسها بالايجاب بحب وبسرعه تقدمت تخرج الحقيبه تضع بها ملابسهم، وها هم وصلوا منذ يوم الى شرم الشيخ.
بعدها خرجت من تلك الأجواء الكئيبه بالفعل
حين احضرها الى هنا وذهب كليهما الي عده اماكن لتناول الطعام والشراء و جلبت الكثير من الأشياء وذهبوا إلي إحدي المطاعم الشهيرة وظلوا يتبادلا الأحاديث عن إهتمام كليهما و بدأت تشعر بخفق قلبها بحبه نتيجة شعور حقيقي تشعر به دوماً.
عوده الى الوقت الحالي وقـد حـل العصر و الشمس اصطكت على الأرض، لتدخل لها المربيه وهي تقول بأدب
= استاذ ادم بيقول لحضرتك مستنيكي تحت في البول! وانا هفضل هنا اخلي بالي من آدم وأمير.
ابتسمت ديمة بهدوء ثم سارعت بالنزول الى الأسفل حيـث يقف أدم الذي فتح ذراعيه لها عندما وجدها قادمه له و احتضانها قائلاً
= بتعرفي تعومي مش كده! الناس حوالينا قله البسي المايو بتاعك اللي انا اشتريتهلك وتعالي ننزل انا وانتٍ شويه .
اتسعت عيناها بسعادة ومالت عليه لتقبله من وجنتيها قائلة بحماس
= بجد انت احلى زوج في الدنيا هطلع على طول وما تخافش هلبس المايوه اللي انت جبتهلي الطويل ومش هتاخر استناني.
أبتسم عليها وانتظرها بالفعل حتى نزلت مجدداً وهي تمسك بيديها الفوط وتلف نفسها بالبرنس، مـد يـدة يتنزع التشيرت خاصته ليبقى بالشورت القصير وتقدم اليها لافاً ذراعيه حول خـصـرها الصغير يـرفعها له وهي تشبثت بأرتباك في عنقه حتى صغرت عينيها قائلة بضيق زائف
= انت ايه اللي قلعك التيشرت بتاعك؟ ناوي تعوم كده والستات يبصوا عليك
هز كتفيه قائلاً بمكر وهو يغمز لها
= طب ما يبصوا هو انتٍ يعني مش عارفه انا قلبي وعيني مع مين.
ضمت شفتاها بحنق زائف وهي تقول بغيرة
= طب افرض من كتر ما بصوا عجبتهم و واقعوا في حبك زيي هعمل اي وقتها.. هرتكب جريمه انا بحذرك اهو! فخلي عينك معايا وبس .
ضحك بشده علي عقلها الصغير ثم ابتسم مداعباً انفه بخاصتها وهو يردف بحب
= حتى لو حبوني انا كلي ليكي!.
ظهرت ابتسامتها كأنها طفله يتم ارضاءه وظل يمازحها و يلاعبها ثم حملها راكضاً بها الي المسبح وتظاهر انه سيسقطها حين ارخي ذراعيه لتصرخ هي برعب وتتشبث به ليعود متمسكاً بها مرة اخري و هو يطلق ضحكة عالية ذات بحة رجولية داعبت ثنايا قلبها،
اخذت تتأمل مشاكسته اللطيفة بابتسامة هادئة فاستمر هكذا بجرأة لانه لم يجد حوله أحد يشعره بالحرج، حتي وضعها أعلي الأرض وتحرك نحو البول وسحبها ليغوصوا بالماء واكملوا جو المرحه.. لكن توقف فجاه عندما لاحظ قدوم الناس حولهما وشعر بالحرج وطلب من زوجته ان يصعدوا.
لكنها رفضت وضمت كفيها معًا بحركة متوسلة
وهمست له بصوت مستعطفًا
= بالله عليك سيبنا شويه كمان طالما مبسوطين وبعدين هو احنا لحقنا
حاولت أن تتحرك من أمامه لكنه سد عليها الطريق بذراعه وجاهد ليقنعها بالرحيل لكنه فشل، فقال باستياء
= و بعدين يا ديمة بلاش شغل الاطفال بتاعك اما اقول لك يلا يبقى يلا، ولا انتٍ ناسيه الولاد اللي سايبينهم فوق لوحدهم مع المربيه ولا دلوقتي احلوت المربيه وما بقيتيش خايفه نسيبهم معاها.. يلا وبلاش شغل العيال بتاعك
يبقى ننزل مره ثانيه
هزت رأسها باعتراض وهي تقول دون وعي
= انا برده اللي طفله ولا انت اللي عجزت و بقيت تتعب بسرعه، ما تخلينا شويه ايه اللي هيحصل، وبعدين المربيه بقيلها معانا كتير هتيجي تعمل حاجه وحشه في الاولاد هنا والمكان كله كاميرات
استمع إلى جملتها تلك وأزعجه كلماتها معتقد بأنها تقصد السخرية و الاستهزاء منه بسبب فارق العمر بينهما فبدأ متجهم من طريقتها تلك أو ربما هو حساس بتلك المساله بالأخص، فتحولت تعابيره للصرامة والضيق ليحدق فيها بنظرات حادة صاح بها بصوت غاضب
= ديمة قدامي مش هعيد كلامي تاني، عشان الناس ما تتفرجش علينا يلا
عندما رأته إزعاجه حولها فاستجابت له ولم تبدي اعتراضها مره أخري، بينما جذبها بيده وهو يسبح ليصعد فأقبل عليه رجل عجوز في المسبح واصطدم بجسده وكاد ان يسقط لكن آدم أمسك بيه، ليقول الآخر بامتنان
= متشكر يا أبني، ربنا يباركلك ويخليلك بنتك
ضغط علي يدها بعنف جعلها تتألم لكن هو لم يعبأ بمقاومتها وحذبها بشراسة له فأكمل سيره متابعًا طريقة دون النظر إليها، حاولت أن تنسل من أحكم ذراعيه وهي تدفعه متسائلة بارتباك
= آدم بالراحه ايدي وجعتني انت بتسحبني كده ليه؟ آآ هو انت زعلت من كلمتي والله انا مش قصدي حاجه وحشه انا قلتها كده هزار
يا آدم بالراحه هقع كده في ايه.
التفت برأسه للجانب دون ان يتوقف عن السير ليقول مرددًا بتوبيخ لها
= تعرفي تمشي وانتٍ ساكته ما تفصلي شويه وبطلي رغي، ولا لازم تلفتي النظر حوالينا وخلاص
فزعت أكثر من أسلوبه الذي لم تعهده من قبل، فقالت بتوتر وعدم فهم
=الفت النظر لايه وبعدين هو الراجل قال لك إيه خلاك متضايق أوي كده
أرخى ذراعه عنها من معصميها، والتفت نحوها
هادرًا بتشنج
= ما لكيش فيه وامشي وانتٍ ساكته مش هقول لك تاني، ده انتٍ غلبتي عيالك في زنك ايه ده.
انصدمت من صياحه فيها عندما حررها من قبضتيه فانطلقت مسرعة تفر منه نحو باب غرفة الفندق بسبب طريقته.
❈-❈-❈
في الوكاله تدهور الحال كثيراً من ناحيه العمل والانفاق منها اصبح يخرج لهما من النقود قليل جدا، وما زال لم يتوقف شاهين عن الغضب والثور بابنه معاذ واهانته مثل ما كان يفعل مع منذر وتلك الاحوال كانت تزداد اكثر واكثر معه، بينما الآخر كان يتحمل لانه مجبر و يحتاج المال الذي كان معتاد على صرفه يومياً بكثره.
كان مالك طفله يلعب في الخارج، فالشيء الوحيد الذي فعله معاذ بعد الانفصال هو أنه اقترب من طفله وحسن معاملته له، وتحسنت العلاقة بينهما قليلاً. في البداية كان يتردد في زيارة بسمة بين الحين والآخر ليرى ما تفعله. وإذا اقترب منها رجل حتى ولو كان بحجة الارتباط، فإن هذا الأمر مرفوض تمامًا في نظره ولم يوافق عليه حتى وإذا ساومها على الطفل، ولكنه لم يتحمل تلك الفكرة على الإطلاق.
كان يجلس أمام والده ينكس رأسه بملامح منزعجه فلم يعجبه حاله ويشعر طوال الوقت بأن ينقصه شيء، ويحتاج الى احد بحياته من جديد لكن يستبعد فكره الزواج من أخرى.. لكن بنفس الوقت ما زال غاضب من طليقته بسمة.. تنهد بسخرية طفيفة وهو يشعر بانه بحاجه الى استنشاق الهواء والخروج مثل ما كانت تطلب بسمه وهو يرفض.
فقد انفصل عنه حتى أصدقاؤه بسبب قلة المال، وهذا هو الشيء الثاني الذي لاحظه أن بسمة علقت علي ذلك كثير بأنه لا يعجبها، وأظهر أنها كانت محقة في ذلك أيضاً .
لكن وسط ذلك لم ينسى أيضاً بأنه يشعر بحاجه الى اخيه منذر فهو كان مستمع جيد له وسوف يكون الفاصل لحاله هذا التردد و التشدد، حقا اشتاق له والى رأيته والى حديثهما معا.
فهو يريد فقط البوح بما يقبع في قلبه مؤخراً ليرتاح ولا أحد يستطيع التحدث معه، فليس من المعقول أن يفضح زوجته أمام أصدقائه و والدته لو علمت ما في خاطره ستغضب وتعترض.
افاق على صوت والده وهو يتساءل بصوت خشن
=قالب وشك كده ليه؟ ايه تعبان من كتر الشغل ما اديك شايف بوشك الحلو من اول ما اشتغلت معايا و الشغل اتضرب وبقينا بنشتغل بالعدد .
لم يعترض على اهانته نحوه وقال بصوتٍ مجهد وهو يشبك أصابع يديه
= انا مش بفكر في الشغل انا بس لسه مصدوم باللي عملته بسمه فيا وكدبها، وانا اللي كنت فاكرها ساذجة وما تعرفش حاجه في الدنيا غيري.. وغير حوارات امي اللي مش بتخلص و كل يوم تجيبلي عروسه
هز شاهين رأسه وهو يعقب متهكماً
= وبعد كده اكتشفت ان ما فيش حد ساذج غيرك، مش كده! عاوز المفيد مني سيبك من امك
أسدل جفنيه وزفر نفسا عميقا كأنه يحث نفسه على البوح وإفراغ ما يكتمه في قلبه ولو القليل منه ونطق بمرارة
= مراتك وانت عارفها مش هتهدى غير لما تعمل اللي في دماغها، بس معاك حق طول سنين جوازي دي كلها واكتشفت اني مغفل ولا عارف حاجه عن بيتي ومراتي ولا ابني .
هز رأسه بعدم مبالاة وهو يقول بصوت جاد
= خلاص طالما عارف ان الغلط جاي منك زي منها.. روح وحاول تحل اموركم وترجعها .
رفع معاذ عينيه نحو والده بدهشة كبيرة وهو يقول بتعجب
= نعم ! انت بتتكلم بجد يابا انت ما عندكش مانع زي أمي ارجع بسمه على ذمتي بعد كل اللي عرفنا عنها .
هتف شاهين بحيادية وتأنيب خشن
= انا ما قلتلكش اصلا من البدايه طلقها زي امك ولا ابعد عنها، ومش هنكر أني زعلان منها ومن اللي عملته واتصدمت زيك وكنت فاكرها برده قطه مغمضه، بس برده خلينا نقول كلمه حق دور هي عملت كده ليه هتلاقي اغلاطك واللي انا كنت سبب فيها برده.. يبقى بلاش تقفوا على بعض للواحده عشان ابنكم
جز علي أسنانه بعصبية قاتلة من حزم أبيه واتهامه الصريح ضد كذب زوجته.. فقال بصوتٍ حانق خيب ظنه
= بس برده ما فيش مبرر للي هي عملته دي كدبت عليا اكتر من ثلاث سنين!؟. واكتر من كذبه كمان
شددَّ شاهين علي كلامه فقال له بهدوء
= محدش قال ان في مبرر للي هي عملته
لكن لازم تعترف أنك كنت السبب في أنها تكدب وتدور عن احتياجاتها خارج بيتك لما كانت بتتحايل عليك ليل ونهار تخرج معاك، غير موضوع انك ما كنتش بتشتغل وكانت ياما بتلمحلنا كلنا انها نفسها تشوفك راجل كامل في عينيها… عشان كده كدبت عليك كل السنين دي عادي جدآ، وموضوع امك إللي كانت ممرمطاها معاها في البيت ولما دلوقتي بقت تعمل اللي هي بتعمله بقيت تشتكي زيها واكثر.. مع اني برده بسمه يعتبر كانت بتعمل اكتر و تخدمك وتخدمنا .
فضل والده يفتح تلك المواجهة الصارمة والتحدث بروية أكثر لعله ينجح في أن يصل إلى تفكيره واضاف بجدية
= واحمد ربك أنها كانت بتدور على ده مع واحده ست في النهايه ما عملتش زي اختها.. وعشان ما تظلمهاش تاني ولا تظلم اي واحده غيرها وتتجوزها ما تعدش اللي انت كنت بتعمله تاني معاها.
لم يعد يفهم معاذ والده هل يريد مصلحته حقا ام يريد ان يفرغ غضبه بسبب رحيل منذر عن الوكاله ومن بعدها بدأت الخسائر، لكن احيانا يشعر بانه لدي انفصال بالشخصيه ما بين رجل شرير و رجل صالح .
لكن لا يعرف بان شاهين يرغب في الاصلاح لكن لا يعرف من أين يبدأ؟ وبنفس الوقت لا يريد خسارته هو الآخر .
❈-❈-❈
في العيادة النسائية، أمــال منذر رأسه نحو زوجته الراقده فوق فراش المستشفى ثم قرب فمـــه من رأسها يقبلها بحنان بالغ وهو يردف بحب
= حمد لله على سلامتك يا روحي شفتي بنتنا
اوليندا جميله قد ايه .
كانت كوثر تجلس فوق الأريكة وهي تحمل الصغيره بين ذراعيها، ثم مــازحه قائلة
= تبارك الله ربنا يباركلكم فيها وتكون وش السعد عليكم يارب، البنت نسخه منك يا منذر.. بس ليها حق تطلع شبهك.. ما الحب باين أهو.
ابتسمت ضحي ومنذر أيضاً، ثم طلب ضحي منها ان تحمل ابنتها فنهضت أمها و مــررت الأخري ذراعيها أسفل منها لتتمكن من حملها ..
فإنها قارورتها الغالية، فتابعتها بنظرات مترقبة
وهي تردف بنبرة حنونه
= يا روحي شكلها جميل أوي.. اخيرا نورتي دنيتنا آه لو تعرفي تعبت قد ايه عشان توصلي الدنيا واشوفك.
لاحظ زوجها تعبها أثر الولاده، فبحرص بالغ أسـند منذر الرضيعة من زوجته إلى جوار والدتها، ثم احنى جذعه عليهما ليقبلهما سوياً.. بينما أردفت كوثر قائلة بابتسامة سعيدة
= ربنا ما فيش ذي رحمته علينا ومش بينسى حد شفتي بعد كل الفتره دي وفي الاخر حملتي وجبتي البنت اللي كان نفسك فيها عشان رضيتي ووثقت فيه، وانتم الاتنين تستاهلوا كل خير حتى انت كمان يا منذر… سامحني على معاملتي زمان كنت خايفه تظلم بنتي بس بعد ما شفت حنينك عليها وقد ايه كنت متفهم حالتها واحتويتها و أنا بقيت بحبك والله زي ما تكون ابني.
أبتسم منذر بامتنان نحوها ثم تحدث مع زوجته بخفوت وهو يمسح على جبينها
= حلوة مش كده؟ وشبهي زي ما مامتك بتقول..
هزت رأسها بالايجاب بحب وهي ترد عليه بينما فركت عينيها بإرهاق
= اوليندا دي حتة منك!
لتردف كوثر قائلة بإبتسامة مرحة
= يا اختي انتٍ وهو من قله الاسامي ما لقيتوش غير الاسم التقيل ده؟ هقول إيه بنتكم وانتم احرار.. شدوا حيلكوا بقى عشان تخاوها بس بعد ثلاث سنين ولا اربعه على الأقل وان شاء الله العمليه تنجح من اول مره المره الجايه.. وتجيبوا اخ ليها .
ابتسمت ضحي بسعادة وهي تقول بأمل
= يسمع منك ربنا يا ماما، يا ريت لو اخ جميل زيها.
تأمل منذر بصمت حديثهما ثم تأمل ابنته الصغيرة بنظرات شبه شـــاردة، فقد عـــاد بذاكرته إلى لحظات سيئه قضاها مع أهله ولم ينساها مهما حدث لذلك لا يرغب بان يعيد تلك المأساة مع اولاده لذلك قرر قائلاً بنبرة جـــادة
= لا ما احنا هنكتفي بي اوليندا بس! ومش ناويين نجيب اطفال تاني هو واحد كفايه أوي عشان نقدر نربيها ونخلي بالنا منها .
حاله من صمت دامت للحظات لتستوعب ضحى وامها كلامه، ثم قالت كوثر بتعجب
= كلام ايه ده يا ابني! هو احنا قلنا لك هات بدل العيل عشره هو واحد ثاني وكفايه بس عشان ما تكونش لوحدها وما لهاش اخوات.. الاخوات عزوه يا حبيبي وبيخلوا بالهم من بعض والاطفال برده لاهاليهم.
ارتجفت ضحي اوصالها واغمضت عيناها بشده حتي تتحكم باعصابها و تدعوا الله بداخلها أن لا يكون تأثر بسبب أسرته و وصل لتلك الحاله،
تنهدت بقوه حتي تستطيع الصمود امامه ومواجهته، لكنه أجاب مرددا بسخرية بلا مرح
= يا طنط قولي الكلام ده لحد تاني غيري! انا اكتر واحد فاهم انا بقول لك ايه كويس، ولا الأخوات ولا الاولاد الكتير عمرهم كانوا عزوه لاهاليهم.. وانا مش مستعد اعرض بنتي للظلم اللي انا شفته من أهلي! حتى لو عملت كل احتياطاتي غصب عني هيجيلي وقت وهفرق بينهم زي ما كان ابويا بيعمل معايا بالظبط وامي.. عشان كده انا اخت القرار من زمان هو طفل واحد ومش هجيب غيره
تحركت رغم تعبها مبتعده عنه بعيون تشع غضباً وصدرها يعلو ويهبط بعنف دلاله علي شده انزعاجها ثم قالت بتهكم
= و اخذت القرار ده على أي اساس؟ كده لوحدك من غير ما تستشرني وتاخد رأيي، منذر هو انت بتتكلم بجد مش هتجيب اخوات لي اوليندا عشان ما تعيشهاش اللي انت شفته! انت غيرهم يا حبيبي واحنا عمرنا ما هنظلم ولادنا
دنا منها زوجها واحنى رأســه ليقبل حبيبتها وهدر بها هذه المره بحده وغلظه غير قابلة للتفاوض
= ضحي حبيبتي افهميني انا هوافق علي اي حاجه الا القرار ده! و مش هتنزل عنه ولا هتراجع مهما حصل مش هجيب اخوات لابنتي وهي بس اللي هربيها، وانا فاهم كويس ان انا وانتٍ مش شاهين ومايسه.. بس غصب عننا هنتحط في موقف هتضطرنا لكده وده أفظع احساس ممكن حد يتحطى فيه ويحس بالتفريق بينه وبين اخواته وانا مش مستعد تحت اي ظرف اخلي ولادي يحسوا بكده وأكون أب ظالم.. فالافضل نجيبها من اصرها ونكتفي بطفل واحد و ربنا يباركلنا فيها .
لاحظت كوثر الأجواء بينهما اصبحت مشحونه لتهتف لتغير الموضوع بصوت شبه مرتفع
= هو صحيح يا منذر يا ابني انتم هتنقلوا في فيلا جديده قريب! ربنا يوسع عليك يا حبيبي ويرزقك .
حدق منذر في صغيرته و زوجته بنظرات حنونة للغاية، وداعب طرف ذقنها بإصبعه قائلاً بخفوت ناعم
= اه يا طنط الحمد لله الفيلا خلصت، واتفقت انا وضحي هننقل فيها بعد ما تولد! و اهي الحمد لله ولدت على خير يبقى هنطلع من هنا على الفيلا الجديده.. و انتٍ اوضتك موجوده هناك معانا.
❈-❈-❈
بـعـد مـرور أسبوعين.
في أحد الشوارع انتصبت الخيمة المقابلة لمنزل والد بسمة الذي توفى قبل ثلاث أيام وقد انصبت الخيمة لاحتضان المعزِّين الذين جاؤوا لتقديم واجب العزاء، من بين اهلها في البلد و أهل طلقيها أيضاً لم يتركوها لحظة، وقف الحاج شاهين الذي يستعد للمغادرة مع آخر المعزين بالمكان وقد أسدل الليل ستاره.. لكنه مال نحوه معاذ يهمس له
= معلش يابا روح انت وانا هحصلك كمان شويه.
بينما في الاعلي بمنزل بسمة، كانت جالسة و هي تتلو سورة البقرة وتدعي لوالدها بالرحمة ولتجاوز أيامها الصعبة التي ستعيشها بعد وفاته المفاجاه… أغمضت عينيها بحسرة و دموعها البائسة تنساب على وجنتيها الباردتين حتّى تمنت أن تفقد وعيها لتتخلص من هذا الجحيم الذي تعيشه الآن ولا يبدو له نهاية..
لم يبقَ في حياتها معنى للحياة وهي وجدت نفسها بمفردها، بلا أهل أو زوج أو أب!. لتتجرع دموع قلبها نهارًا كما تتجرع وسادتها دموع عينيها ليلًا.. فلا يهنأ لها بعيش ولا تتلذذ بشيء كأن هناك جزء منها يتجول في هذا العالم الفسيح بعد أن رحل والدها عن حياتها!
بدأت السيدات ترحل هي الأخرى، ونهضت هي أيضاً لترى طفلها بالداخل لكن انكمشت فجأة على نفسها عندما سمعت أصوات ضرب فوق باب المنزل بعنف وقوة وبعدها قالت أمينه بصوت صارم
= التلات ايام العزاء خلصوا خلاص خشي هاتي حاجتك عشان تروحي معانا اكيد مش هنسيبك لوحدك هنا من غير راجل! وسيبي كمان ابنك مع جوزك هو اولى بتربيته .
صعد في تلك اللحظه معاذ وقبل ان يتحدث تفاجأ ببسمة نفضت عنها الضعف وتحركت واقفة مباشرة تصرخ بهم بحده
= اروح معاكوا فين وابني ايه اللي اسيبه انا مش هروح مع حد ومش هسيب ابني يتربى بعيد عني، انا مرتاحه هنا ومتشكره لضيفتكم
استنكرت أمينة باستهجان كلامها لتهتف بها موبخها بمقت
= جرى ايه يا بنت متولي حد قال لك بناخد رايك؟ مش هنستنى لما سمعتك تبوظ زي اختك لما تبقي لوحدك من غير راجل يخلي باله منك، ابنك هيتربى مع ابوه يعني مش حد غريب، وانتٍ تعالي معانا واظن عدتك خلصت من زمان يعني نقدر نجوزك زي اختك .
ظهرت في نظراتهم ما عنفها بقسوة لمجرد تفكيرها في الذهاب معهم وان تتزوج رجل لا تعرفه وتعيش كالخادمه هناك! وهي بالأساس انفصلت عن معاذ لذلك السبب، لكن مع ذلك صرخت بهما
= انتم مش طبيعيين صح؟ ايه الجنان اللي انتم بتقولوا ده هو انتم مين عشان تتحكموا في حياتي؟ ابني مش هيترب بعيد عني وانا مش هتجوز غصب عني.. وده اخر كلام عندي واعملوا بقى ما بدلكم .
تجهمت ملامح تلك المرأة وأجابتها إياها بتوعيد خطير
= لا احنا عندنا كتير ونقدر نعمله وطالما الذوق مش جاي معاكي يا بنت متولي يبقى هنجيبك بالغصب، هاتوها يا نسوان زي ما شدينا أختك المره اللي فاتت، وتبقي تشوف مين هيقدر يمنعنا .
سـدت عليها الطريق بجسدها واستشعرت بسمة تهديدها الظاهر بعيناها يظهر نواياها السيئة، ابتلعت ريقها بخوف شديد وهي تهز رأسها برعب ترفض الذهاب معهم وهي تعرف جيد مصيرها هناك، وعندما اقتربوا خطوه منها صاحت بذعور حقيقي
= ابعدوا عني.. حد يلحقنا…سيبوني بقول لكم
فاضت ملامح معاذ بمشاعر ثائرة وارتجف عرق جبينه وهو يركض يلحقها منهم ليقول من بين أسنانه
=اوعوا منك ليها محدش يقربلها انتم مجانين صحيح؟ هو انتم مين عشان تمشوا الناس على مزاجكم وتجوزوا وتطلقوا
وفي هذه اللحظة ركضت بسمة دون التفكير تستنجد به فلم تجد غيره أمامها في تلك اللحظة، وهي تقول بخوف
=الحقني يا معاذ ما تخليهمش ياخدوني و يبعدوني عن ابني
انتبهت تلك المرأة لصوته فسلطت أنظارها القاتمة عليه ومصمصت شفتيها مرددة بنبرة قاسية مستنكرة
= وانت داخلك ايه بينا احنا احرار معاها، و بعدين احنا مش بنعمل حاجه غلط ولا حرام هنجوزها! ولا هستنى لما تدور على حل شعرها وتحط راسنا في التراب زي اختها؟ قعاد لوحدها لأ! عاوز تردها والعيل يتربى بينكم من جديد ماشي مش هنمانع! لكن نسيبك لوحدك من غير راجل اهو ده اللي مستحيل.
صمت معاذ قليلاً وهو يفكر بالأمر ثم أطلق نفسا طويلاً قبل أن يقول بنبرة متوترة
= آآ طب خلاص ماشي انا مستعد اردها و أجيب المأذون كمان دلوقتي واكتب عليها من اول وجديد بس سيبوها.
نظرت بسمة إليه بعينين واسعتين، و ارتجفت شفتاها ووجدت نفسها مصدومة بحنق ناسفة ما كانت تفكر به قبل قليل، ثم هزت رأسها باعتراض وهي تنظر إليه، لكنه أغمض عيناه بهدوء بعد أن أشار إليها بقله حيله وأنه ماذا سيفعل حتى ينقذها من براثن عائلتها، لذلك كان عليها الاستسلام هي الأخري للأمر .
❈-❈-❈
خرج آدم من المرحاض وعينه تحركت بهدوء لتنظر الي تلك النائمة بصمت، ثم اقترب منها بخطوات هادئة حتي وصل للفراش..امال رأسه بخفوت لتتحرك خصلات شعره السوداء المبتله عليها لتعقد حاجبيها بأنزعاج حين نظر لوجهها المبتسم بغباء وهي نائمه.. بينما فمها الصغير مفتوح بخفوت دليل على إثر ارهاقها
اقترب ناحيتها لينحني نحوها مما جعل خصلات شعره السوداء تسقط ناحيه وجهها النائم، رمشت ببطئ بينما شعر لوهله برغبه لتقبيلها.. عينه تحولت عن شفتيها لرقبتها البيضاء.. وسرعان ما اقترب يملاها بقبلاته و
علامات ملكيته عليها.. عقدت حاجبيها بأنزعاج لتفتح عينيها ببطئ شديد.. عينيها كانت بالفعل غائمه و هي تنظر له ثم قالت بدهشة
= هو ايه اصله ده! انت مش كنت مزعلني وانت اللي مقموص كمان، ومش راضي تكلمني ودلوقتي بتستغل نومي وتبوسني وانا نايمه
لوي فمه بابتسامة مغرية وهو يعبث بأصابعه بخصلات شعرها وقال بنعومة
= مين قال لك أني مقموص هو انا اقدر ازعل منك، اتضايقت شويه وطلعت غضبي عليكي وبعدين اذا ماكنتيش هتستحمليني مين هيستحملني
عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً بتعجب وهي تتسائل باستفسار
=ايوه ايه اللي خلاك بقى تغضب وتزعل فجاه وتتقمص كده رغم أننا كنا مبسوطين ايه التحول المفاجئ ده مش عارفه
توترت تعبيرات وجهه ثم هتف مرددًا بارتباك
= عادي يعني اتضايقت واحنا طالعين في حد كده خبط فيا، ما انتٍ خدتي بالك وسالتيني الراجل ده قالي ايه؟ تصدقي هو اللي غلطان وبدل ما يتاسف قاوح معايا وصمم ان انا اللي غلطان.. معلش يا حبيبتي حقك عليا.
أسبل عينيه نحوها متابعًا عن قصد عل رسالته تصل إلى مداركها
= ديمه بقولك ايه انا فكرت يعني ان انتٍ بدل ما تعيدي السنه تاني لا قدر الله بسبب مستواكي و غيابك الكتير ايه رايك لو تقدمي منازل و تروحي على الامتحانات بس عشان ما تتعبيش نفسك.
حاولت أن تنسل من أحضانه لكنه أحكم ذراعيه حولها كي لا تفلت منه، انتابها مشاعر متداخلة وهي تدفعه متسائلة بارتباك
= نعم وايه اللي طلعها في دماغك يعني ان اروح على الامتحانات بس، أنا هحاول السنه الجديده ارتب ظروفي والمربيه شالت عني شويه اهي غير البنت اللي انت اتفقت معاها تيجي تنظف البيت كل ثلاث ايام، وبعدين فتره الجامعه دي احسن فتره ليه عاوز تحرمني منها
التفت نحوها بأعينه المزعوجة وقال بغضب مكتوم
= ولا احلي فتره ولا حاجه اكثريه البنات و الشباب بيبقوا مركزين أوي انهم يصاحبوا ده ويخرجوا مع ده، وانا عارف يا حبيبتي ان انتٍ مش كده فيبقى ليه تضيعي وقتك في حاجات هايفه غير المدرسين اصلا مش كلهم بيجي يدرسوا كويس المواد.. لكن في البيت انا مستعد اذاكرلك بنفسي ولا اجيبلك المدرسين لحد عندك وتفهمي منهم اكتر.
استخدمت أقصى قوتها في دفعه من صدره تتحرر منه، ثم اعتدلت في جلستها وعاتبت إياه مرددة بصوت مختنق
= مالك يا ادم ما تخليك صريح معايا! بقيت تعاملني بطريقه غريبه وبحس انك عاوز تفرد رايك عليا طول الوقت و تديني اوامر بلاش ده وما تعمليش ده وانا بحاول على قد ما اقدر اسايس واقول حاضر ونعم بس مش لدرجه تمنعني من دراستي
انقبض قلبه بقوة وتوجس خيفة أن تكون قد فهمت مقصده فهز رأسه هاتفًا بتلهف
=انا ما قلتش بمنعك من دراستك ولا قلت عليكي حاجه وحشه ، انا قلت لك انا عارفك كويس وعارف اخلاقك، بس مش واثق في اللي انتٍ هتقابليهم وما تنسيش يعني ان الشاب بتاع زمان إللي حاول يلعب بيكي انتٍ اتعرفتي عليه وانتٍ بتدرسي برده
توترت أكثر وحاولت أن تفهم ما الذي يجول بخاطره وهي تقول بنبرة مهتزة
= امور الشك دي جديد عليا، ومش فاهمه ليه حسيت الاحساس ده فجاه كده رغم أن وعدتك من قبل ما تتطور علاقتنا ان انا ندمانه وعمري ما هعمل حاجه زي كده تاني! وبحمد ربنا ليل ونهار انه رزقني براجل زيك ولقيت اللي يستر عليا فعمري ما هرجع للموضوع ده تاني.. ما تخافش يا ادم مراتك مش وحشه للدرجه دي ولا هتعمل حاجه زي كده وهي على ذمتك ومعاها اطفال منك .
ابتلع ريقه برهبة ولف ذراعيه حول ظهرها ماسحًا عليه برفق وهو يقول بتوجس
= ما تقوليش على نفسك كده تاني! انتٍ احلى حاجه حصلت ليا في حياتي وانا ما كنتش اقصد كده من كلامي ولله
لم تستطع حبس عبراتها أكثر من ذلك، فأدمعت عينها وهي تقول بنبرة حزينة
= وانا مش هستناك لما تقصد كده! انا عذراك لاني فاهمه كويس يعني ايه راجل يتجوز بنت ليها علاقات سابقة، عشان كده موافقه على اللي انت عاوزه عشان ما توصلش للدرجه دي وتشك فيا! بس اتمنى افضل أوافق على طلباتك كحب وتقدير ليك ما توصلنيش اوافق عشان ارضيك وخلاص وانا مش مقتنعه.
شعر بالارتياح لقبولها طلبه فنظر لها ممتنًا و اقترب أكثر وأكثر منها، فقلد أغرته للعودة مجددًا إلى تذوق مذاق الحب من على شفتيها فهو يعيش مشاعرًا لم يختبرها من قبل مع زوجته الراحلة، بدا كالمراهقين بالفعل معها.
وبعد وقت لاحق كان ينام على ظهره وديمة تنام على صدره وانتشرت خصلاتها عليه و كانوا ينظرون الى النافذه والامطار فالخارج، لتقول ديمة بهمس
= الشتا شكله هيبدأ جامد
التفتت برأسها نحوه لتجد أعينه تقتحم عينيها بقوة وظلت أنظاره مثبتة عليها وهو يميل برأسه نحوها، قائلاً بهمس مثلها
= مش حاسس بيه
اعتدلت ديمة ونظرت له وهي تقول بهمس مجدداً
= ليه كده
حاوطها من خصرها مقربًا إياها بقوة إلى صدره هامسًا بعشق
= وجودك شمس حياتي اللي مستحيل
أبرد بعدها
ردت ديمة عليه مبتسمة وهي تحتضنه
= أنا بحبك أوي.
أغمضت عينيها وهي تنام عليه مره اخرى في
أمان وصمت تام وصوت الأمطار على النافذه
كان يعزف سيمفونيه خاصه لحياتهم الهادئه
الجميله.. أو إلي حد ما لذلك.
❈-❈-❈
بعد مجهود مضني من منذر بالعمل بشراكتهما قد تطور بالفعل واصبح له اسم كبير بالسوق وافضل شيء فعله انه وافق على تلك الشراكه فمن بعدها تغير الحال تماماً، من حيث حياته الاجتماعيه والماديه وكل شيء.. وها هو انتقل الى فيلا كبيره اشتراها من مجهوده بالعمل ونجاحه الباهر.
خلال تلك الفترة، قد تغير منذر أيضًا في لغته في الحوار وأخذ دروسًا في اللغات، بما في اللغة العربية أيضا، ليطور نفسه اكثر كون أصبح رجل أعمال ناجح، و نظرًا لعدم حصوله على شهادة أو إكمال تعليمه حتى النهاية. حتى طريقته في ارتداء الملابس تغيرت تمامًا إلى مظهر جذاب وكلاسيكي، واعتمد علي أحدث صيحات الموضة والزي الرسمي في المناسبات، مثل البدلة.
انتظر شهر حتى تسترد زوجه صحتها حتى يفعل حفل كبير على شرف ابنته الصغيره (سبوع) احتفال بمولدها، فقد تعلق منذر بالرضيعة تعلقاً شديداً فباتت نسخة مصغرة منه بعيناها الخضراء.. وكان مصمم بأنه لم ينجب غيرها حتى لا يظلمها بيوم ويفرق بينه وبين طفل آخر سواء كان بقصد أو غير قصد لم يجعل احد يعرف ذلك الشعور الذي عاني منه سنوات طويلة وحتى الآن ما زال يوجد أثر لذلك.
بينما كوثر حماته كانت شبه مقيمه معهما في الفيلا، فبعد موت زوجها اتفقوا معها بناتها بأن كل فتره تمكث عند أحد قليلاً حتى لا تظل بمفردها، لكن لم تجد راحتها بأكثر مكان إلا مع منذر الذي كان يعاملها مثل والدته و أكثر.
وبينما كان هو مندمجاً في التحضير بالحفل
كانت ضحي تجلس وهي تحمل الصغيره بين ذراعيها و والدتها جانبها، لاحظت تعبيرتها الضائقة لتقول بتوبيخ
= يا بنت افردي وشك دي منظر واحده مبسوطه انها بقت أم بعد حرمان، ولا واحده فرحانه ان جوزها اشتري ليها فيلا والدنيا بقت ماشيه معاهم كويس.. ولو لسه زعلانه على كلامه اللي قالوا في المستشفى في يا عبيطه قلبه الوش دي مش هتصلح حاجه خدي واحده واحده وهو هيغير كلامه .
هزت رأسها باعتراض وهي ترد بحنق
= منذر مش بيجي بالطريقه دي يا ماما وانا اكتر واحده فاهمه طالما الكلمه طلعت منه يبقى مش هيرجع فيها، ممكن زمان كنت بعرف اثر عليه انما دلوقتي في حاجات كتير اتغيرت مع التغيير اللي بقينا فيه ده.
أصرت والدتها عليها قائله بجدية
= برده خليكي جنبه وقدري ظروفه واللي هو فيه واللي شافه من اهله، عشان كده خايف اللي حصل زمان يتكرر مع أولاده، بس انا متاكده مع الوقت هو نفسه هيحن وهيكون نفسه في ولد عشان يورث ويشيل إسمه.
هنا ارتفعت نبره صوتها وقالت بصوت متحشرج اثر خوفها من القادم
= هو انتٍ واخده بالك أنا بقى عندي كام سنه ٣٩ وخلاص فاضل لي سنه واكمل الاربعين! صحيح مش بحمل الا بحقن مجهري بس انا بفكر في صحتي ومجهودي وهكون وقتها قادره اربي أولادي وانا في السن ده ولا لاء.. وهو يقولي لو جبنه طفل تاني هنعيد اللي انا شفته مع ابويا وامي
لوت شفتاها بضيق وهي ترد بحذر
= ما تخربيش على نفسك واسمعي كلامي، انا واثقه ان جوزك كمان فتره وقريب كمان هتيجي منه، الراجل برده مهما كبر هيكون نفسه في ولد
أغمضت عينها بيأس وإحباط وهي تهمس ببؤس
= هو مش بيفكر بالطريقه دي قلت لك انا كل اللي قلقني، ليكون اللي في ده بسبب أنه ما كملش العلاج للآخر .
لاحظت كوثر قدومه لتنهض بصمت تاخذ منها الطفله وتذهب حتى يحلوا ذلك الجدال بينهما،
نهضت ضحي هي الأخري لتقف أمامه بتوتر ملحوظ بفستانها البسيط، شعرت به يجذبها من خصرها ويشدد فوقه وينحني بجزعه حتي اقترب من وجهها و شعرت بشفتيه تلامس اذنها يهمس بحب وبابتسامة مغرية
= ايه يا حبيبتي تعالي اقفي جنبي عشان اعرفك على الناس والمجتمع الجديد اللي دخلنا وبقينا فيه، هي دي حياتنا كلنا بداية أحسن وأفضل للي جــاي ! مش كده ما بترديش ليه هو انتٍ لسه زعلانه مني .
تجردت من اضطراب مشاعرها وخوفها من رد فعله قائله
= انا مش زعلانه على قرارك انا زعلانه ان انت مخدتش رأيي! وبصراحه انا نفسي في اطفال تاني طفل واحد بس حتى.. هو انت مش واخد بالك ان انا مراتك على فكره و موضوع زي ده تفتحني فيه قبل ما تديني الأمر
شعرت بلمساته حين اخذ يتمسح بأنفه فوق بشره وجهها الحريريه وبأنفاسه الدافئه حين قال بلين وصبر حتى تستجيب له
= ضحي بالراحه كده وبشويش احنا الاتنين حصلت لينا مشاكل وكنا خلاص فقدنا أن احنا نكون عندنا طفل صح؟ لحد ما ربنا اراد و جاتلنا بنت زي القمر وكنا نفسنا قبلها حتى بعيل واحد بس.. يبقي نحمد ربنا عليه مش لما يجي بقى نتشرط ونتامر.. قفليه على الموضوع ده لو بتحبيني عشان انا مش هغير رايي فيه، و بعدين طفل واحد هنكون قادرين نوفرله كل حاجه .
هزت رأسها برفض وهي تقول بنبرة حادة
= منذر احنا حياتنا بقت كويسه ونقدر نصرف علي بدل العيل عشره كمان، انت بتقول كده عشان احساسك اللي جواكم وماثر عليك ومش عارف تتخلص منه لحد دلوقتي
جز علي أسنانه مغتاظًا منها ثم أضاف بصوت غاضب غير قابله للنقاش
= ضحي انا ما فيش حاجه ماثره معايا انا خايف ابقى ظالم زيهم، وأيوه مكتفي بيكي و ببنتي.. لأنكم حياتي كلها ودنيتي الجديدة اللي ماتمناش غير إني أعيش فيها معاكي ومعاها ممكن بقى ما نفتحش الموضوع ده تاني لو سمحت
إستندت بكفيها عليه وهي تخرج تنهيدات حارة من صدرها بقله حيله ثم قالت باستسلام
= حاضر يا منذر
إحتضنها بشغف أكبر وهمس بصوت حنون وهو يقبل كفها بأسف
= ما تزعليش مني يا حبيبتي هاه! انا بحاول اعمل لك كل حاجه سواء قادر عليها أو ما اقدرش كمان، بس بلاش تضغطي عليا في الموضوع ده.. أنا روحي فيكي وانتٍ عارفه ده كويس.
استغرب حين وجدته يمسك هاتفه ويحاول الاتصال باحد دون استجابه للطرف الاخر، هزت بكتفيها قائلة باهتمام
= هو انت عمال تكلم مين ومش بيرد عليك.
أجاب بهدوء وهو مزال يحاول الاتصال بها
= دي رغد مش عارف اتاخرت ليه
عقدت حاجيبها للاعلي بتعجب ثم وضعت يدها على كتف زوجها لتربت عليه قائلة بفضول كبير
= رغد مين ؟!.
ظهرت أعلي ثغره ابتسامة رقيقة و رد بهدوء واثق
= رغد بنت صاحب الشركه اللي انا شغال معاه وصديقتي!. هتحبيها أوي لما اعرفك عليها بس لما تيجي.. مش عارف اتاخرت ليه.
ابتعدت عنه باستنكار كبير فاستشاطت غضبًا و غيره من كلمه صديقته فمن متى وهو له اصدقاء فتيات، ولما متحمس هكذا لمقابلتها! لتردد بصوت مكتوم
= لا مش فاهمه يعني ايه صاحبتك ولا صديقتك دي ومن امتى وانت كان ليك اصدقاء بنات!
استاء من حديثها عن تصرفاته السابقة فعاتبها بلطف
= في ايه يا حبيبتي هو انا قلت لك ماشي معاها، مجرد صداقه عاديه يعني وبعدين انسى زمان ده احنا في دلوقتي، و كل مرحله وليها تغيرها .
نظرت له مذهولة وتسمرت في مكانها من طريقته الجديدة، ثم تابعت رحيله بأعين غير مفهومة ولا مستوعبة كلماته أو تغيره.!!
❈-❈-❈
في منزل شاهين، كان يجلسونا لتناول الطعام رغم غياب معاذ المفاجئ لم يعلق احد على الأمر كثيراً، فكانت مايسة متردده في قولها لكنها حسمت امرها بالنهايه وربتت على كتف زوجها مرددة بحذر
=شاهين كنت عاوزه اقول لك حاجه .
لم يرد زوجها في البداية على كلام زوجته، لكن عندما عادت تهتف باسمه مما جعل الآخر يرد مزمجرا بصرامة
=مش هجيبلك خدامه تساعدك في البيت يا مايسة قلت لك اكثر من مره الفلوس مش مكفيه وبتكفي البيت بالعافيه، تعالي على نفسك واخديمينا.. مش عارف عامله الموضوع مشكله ليه ما انتٍ من اول يوم جواز وبتعملي بدأتي بس تدلعي لما بسمة جت و أهي طفشت هي كمان
أخرجت من صدرها تنهيدة عميقة، قائلة بابتسامة باهتة
= انا ما كنتش هقول لك على كده انا كنت هقول لك ما فيش اخبار عن منذر، الواد من ساعه ما مشي معقول ما اتصلش بحد فينا يطمن علينا ولا يطمننا عليه! انت عارف انا حسبت قد ايه بقيله ماشي طلع يجي اكتر من ثلاث سنين.. شايف ان دي مهله قليله ما نقلقش عليه ليكون جرا له حاجه
هز رأسه معارضاً و قال بصوتٍ ميت خالٍ من الحياة
= لا طبعاً مش عادي، بس هو لا هيتصل ولا هيعرفنا طريقه، ده تلاقيه لما صدق خلص مننا.. وما اعرفش طريقه ولا حد اساله عنه
عبست بوجهها معترضًا، وهي تعاتبه بجفاء
=يعني ايه ما تعرفش حد، آمال الناس اللي حوالي فين ما كان بيقعد معاك في الوكاله اكتر ما بيقعد معانا في البيت معقول ما تعرفش اصحاب لي تسألهم
كسا الحزن تعابيره وبدا بائسًا إلى حد كبير
ثم نظر لها بفتور مرددًا بيأس
= لا يا مايسة ما اعرفش حاجه عنه، و ما اعرفش ابنك اذا كان لي اصحاب ولا لا زي ما انتٍ برده أمه وما تعرفيش حاجه عنه.
نظرت له بإشفاق متمتمة بحرقة
=والله ما أقصد يا شاهين بس قلبي واجعني على الواد وعاوزه اطمن عليه.. كل يوم بقول هيجي ده ما لوش غيرنا هو يقدر يستغنى عننا بس طلع معاك حق! هو لما صدق خلص مننا، ما هو صحيح هيرجعلنا ليه؟ عشان نحمله فوق طاقته تاني.. عشان مهما يعمل معانا كويس والصالح نقول ايه يعني؟ هو عمل اللي ما اتعملش، بس لما مشي عرفت قيمته وان كان بيعمل معانا كتير واحنا اللي ما نستاهلش
تنهد مطولاً ولم يضف المزيد، لكنه نهض من علي السفرة وألقى بثقل جسده على أقرب أريكة محدقًا أمامه بنظرات شاردة، راقبته مايسة باهتمام، ففي الماضي مهما أخطأ معه كان يجد من منذر الصمت والهدوء والمجاراة لكن الآن اختلف الوضع معه وذهب بلا رجعه.. فنطق بعذاب
= لسه عارفه دلوقتي بس قيمته وحسيتي بفراقه، انا حاسس من اول يوم وبحاول اكذب نفسي واعمل مش واخد بالي! فراق منذر اطم ضهري يا مايسه وكسرني أوي.. انا نفسي ما كنتش واخد بالي انه طلع مهم عندي أوي كده وفراقه هياثر بيا بالشكل ده .
نظرت إليه بأعين حزينة للغاية ثم تذكرت السيدة كوثر، فبالتاكيد ما زالت تتواصل مع ابنتها وعن طريقها ستعرف طريق منذر أبنها
لتتحدث مع نفسها هاتفه بحسم
= ما فيش غير الحل ده هروحلها بكره البيت
وهفضل اتحايل عليها عشان تقولي عنوان منذر فين.. لازم اعرف طريقك وارجعك يا أبني.
** ** **
_________________
أغمضت اوليندا الصغيرة عيناها ونامت بسلامه في فراشها الصغير، اوليندا ذلك الاسم الذي اختاره منذر وأصر على تسميتها هكذا حتى تليق بذلك المجتمع الجديد الذي مقبلين عليه وضحي لم تمانع فقد اعجابها الإسم كونه جديد وجميل على السمع.
مسحت علي وجه طفلتها وزاد حينها خوف مما هي مقبلة عليه رغم يقينها بأن وجود تلك الصغيره بحياتها سيمنحها السعادة والحب، حاولت بث الثقة لنفسها كي تهدأ ومع ذلك بدت أكثر ارتباكًا، ألتفتت جانبها لتجد زوجها يجلس فوق الفراش وهو يعبث بهاتفه اقتربت لتجلس جانبه بهدوء لكن لم يلاحظ وجودها اضطرت أن تميل براسها لترى ماذا يفعل بالهاتف وكان يتحدث مع فتاه وحاولت أن تركز في المحادثه ووجدت يتحدثون عن العمل!
نفخت مستاءًه وقد خمنت بأنه يتحدث مع رغد بالتأكيد التي لا تعرف من اين ظهرت لها، وقالت بعتاب لطيف
= هو التليفون ده خلاص بقى امر واقع في حياتي حتى واحنا في اوضه النوم ارحم عينيك شويه يا منذر ونام بقى! وبعدين مين اللي عمال تتكلم معاها دي وانتٍ جنبي
نظر لها بطرف عينه قائلاً بابتسامة عذبة
= يعني اكيد مش قاعد بحب فيها وانا قاعد جنبك يا ضحى بعمل شغل وبعدين عشان تعرفي ان انتٍ ظلماني انا بتكلم معاها في حاجه لمصلحتك، عن مربيه جديده لي اوليندا
اتسعت عينا ضحي بدهشة وهتفت باعتراض
=نعم مربيه وانا رحت فين! هو انا كنت اشتكيت و قلتلك مش قادرة على تربيتها لوحدي عشان تجيبلي حد يساعدني ما كفايه الخدم اللي قد كده في الفيلا ومش فاهمه ايه لازمتهم كلهم.. ممكن اديها لحد شويه منهم لو الموضوع زنق معايا أوي ومش لاقيه حد يساعدني وبعدين انت ناسي ماما انها قاعده معانا
هز رأسه بإصرار جاد وهو يقول بصوت هادئ
=اولا مامتك مش طول الوقت قاعده معانا شويه عند اخواتك وشويه بتروح بيتها، واكيد مش عاوزين نتعبها والخدم اللي هنا قلت لك بدل المره عشره دول تخصصهم حاجه ثانيه في البيت الطبخ والتنظيف وكده وما لهمش علاقه ولا يفهموا في التربيه حاجه.. غير أن لازم يبقيلك مربيه زي كل ازواج رجال الاعمال وانتٍ مش اقل منهم يا حبيبتي
رفعت حاجبها للاعلي بضيق فقالت بتنهيدة حارة
=هو احنا بنجيب الحاجه عشان محتاجينها ولا عشان نقلد الناس وخلاص، هو انا كل ما اقول لك حاجه تقولي عشان المجتمع الجديد اللي احنا فيه بيعملوا كده نعمل زيهم.. بقي انا مستنيه بنتي السنين دي كلها عشان اخلي مربيه تربيها
ترك هاتفه جانب وأمسك بقبضة يدها يحتضن راحتها وهو يقول بصوت جاد
=يا حبيبتي كل مرحله وليها تغييرها! وبعدين مين قال لك انها اللي هتربيها هي يا دوبك هتساعدك والأطفال في البدايه بيكونوا صعبين وهي متخصصه في كده و اوليندا لما تكبر شويه عن كده هجيبلها واحده غيرها برده متخصصه لسنها هي مجرد اشراف بس وانتٍ الاصل وكل اوامرك هتعملها..
صمتت لحظة تفكر بينما استغل ذلك واعتدل منذر في نومته ليحدق فيها بنظرات والهة، وهو يعتلي جسدها دون أن يلمسها، وهتف قائلاً بنبرة ذات مغزى
= وبعدين نيجي لاهم نقطه انتٍ هتنشغلي مع بنتك وانا عارفك و مش هتفضيلي لكن المربيه لما تيجي وتشيل عنك هتركزي معايا يا روحي..
مد يده نحو وجهها ليشعر بسخونته من فرط حرجها، متابعًا بهدوء مغرٍ
= ولا انتٍ ناويه تركنيني خلاص وبنتك تاخد كل الإهتمام! ده أنا اخد بنتك في ساعتها و اوديها أقرب دار ايتام لو ده حصل.. انا اللي قبلها وانا الأصل مش كده ولا إيه!
حدقت فيه بأعين لامعة، مرددة بصوت شبه مكتوم
= منذر اتلم! وبعدين مين قال لك أن ههملك ولا انساك.. خلاص مش اتفقت معاها اعمل اللي انت عاوزه.. اديني ماشيه وراكي لحد ما اشوف اخر التغيير ده إيه
انحنى على رأسها ليطبق على شفتيها بشفتيه، قبلها بشغف أكبر فذابت معه سريعًا وتفاعلت مع حبه لكن بآخر لحظة تذكرت شيء هام وعندما أبتعد عنها هتفت بصوت متردد
= منذر هو انت مش ناسي حاجه؟ اقصد يعني مش حاسس ان لسه في ناس نسيت تقول لهم ان بقيت اب.. من باب المعرفه حتى
مط فمه بعدم مبالاة وهتف باستفزاز
=ناس زي مين يا روحي هو انا ليا حد غيرك، لا ما اعتقدش في حد مهتم ولا يهمني اعرفه حاجه زي كده
اعتدلت في جلستها و أوضحت مقصدها بجدية أشد
= منذر انا بتكلم بجد وبتكلم على اهلك وانت فاهمني كويس.. قلتلي ما تفتحيش الموضوع ده تاني من ساعه ما مشينا وانا عملت اللي انت عاوزه بس انا بقول لك من باب المعرفه انت مش ملاحظ ان بقيلك سنين طويله ما تعرفش عنهم حاجه خالص مش ممكن يكون حد تعب ولا جرا له حاجه بعد الشر
تحولت تعبيراته للوجوم الشديد حينما سماع اسم عائلته مرددًا بازدراء
= طب ما يتعبوا مثلا وانا كنت مالي هو انا دكتور ما يروحوا يكشفوا، هي دي مشكله تخليني اسال عليهم ضحي يا ريت تكملي جميلك للاخر وما تسالنيش عنهم تاني ولا تجيبي سيرتهم انا ناقص حريقة دم.. وبعدين على اي اساس يعرفوا اني خلفت مفكراهم مهتمين بيا يعرفوا حالي واللي بيحصلي ولا هيفرحوا ليا مثلا طب قولي كلام غير ده
كان قاسي بالحديث عنهما لكنه كان محق و هي تفهمت ذلك جدآ، ثم ردت ضحي بإصرار واضح
=يا حبيبي مهما كان اهلك، وانا متاكده انهم دلوقتي عرفوا قيمتك وبعدين انا مش بقول لك روح واتكلم معاهم انا بقول لك بس يعرفوا ان بقيلهم حفيده.. ما هو مش معقول هنفضل طول العمر كده ويعرفوا بالصدفه
اغتاظ من حصارها له، فصاح بها بغلظة
=ولا يعرفوا بالصدفه ولا يعرفوا بقصد، هم اصلا ممكن يقابلونا فين ولا يشوفونا احنا بعدنا خالص عنها.. يعني حاجه زي كده مستحيل تحصل الا لو انتٍ رحتي بنفسك من ورايا وزرتيهم.. او مين عالم شكلك عملتيها ومش بتمهدي ولا حاجه وساعتها هيكون لينا كلام ثاني بينا
هزت رأسها متفهمة أمره وهي تتحدث بأسى
=مستحيل اعمل كده من وراك! وانت عارفني كويس مش بيخبي عنك حاجه انا لسه فاتحة الموضوع دلوقتي معاك وبتكلم عادي وبحسبها بس من ناحيه صله الرحم وكده
هز رأسه بسخرية مريرة وضحك بشدة باستهزاء علي كلماتها السخيفه، ثم هدر بصرامة
=نعم! صله رحم مع مين مع شاهين ومايسه! جرى ايه يا ضحى هو انتٍ نسيتي القديم ولا ايه تحبي افكرك لو ناسيه؟ صله الرحم اللي بتتكلمي عنها دي عملوا معايا ايه وظلموني ازاي؟ دول لو كانوا قادرين يرموني في بير ولا قدام قطر ما كانوش هيترددوا لحظه واحده دول اخر ناس تتكلمي عنهم وعن صله الرحم.. دول من كتر اللي عملوا معايا كنت بصعب على الناس الغرب الا هما! دول قلوبهم جاحده وانا بحمد ربنا كل يوم أن بعدت عنهم، و انتٍ مفكرني ممكن ارجعلهم في يوم ولا حتى اوصلهم اي معلومه عني من بعيد.
ارتجف جسدها من صوته مستشعرة تلك النبرة القاسية التي تراها لاول مره في حياتها في عينيه، رغم انها تعلم جيد كيف كانوا جاحدين وقلوبهم قاسيه واذا استطاعت ان تقول ليس بشر ستقول! لكن تحاول أن تاخذ دور الزوجه الصالحه وتصلح ما بينهما حتى لو كان جزء بسيط، ثم هتفت مرددة بتوسل
= يا حبيبي انا عارفه كل ده زيك ومش بقدر اسامحهم وبقول الله يكون في عونك بس انا بتكلم من ناحيه اني..
لحقها قبل ان تتحدث بالمزيد وهو في حاله غاضبه، وهنا زاد شحوب وجهها وزاغت أبصارها عليه عندما جذبها منذر من ذراعها بقبضته العنيفة وتحدث بصوت آمرًا بجمود
= ما تجيبيش سيره الناس دول وانا ما ليش اهل! اعتبريهم ماتوا يا ستي زي ما انا اعتبرت كده من اول يوم طلعت من البيت و سبتهم.. انسي زي ما انا نسيتهم من زمان واي حد يسألك زي ما بيسالوني قوليلهم ان انا مقطوعه من شجره ويتيم الأب والام وماليش اخوات كمان.
❈-❈-❈
كانت رنا تقف في المطبخ تحضّر الغداء لخالتها وابنها ففي تلك الفترة السابقة، تغيرت معاملة الاثنين لها بعد رفض والدها إعطائها المال الذي طلبته منه، بعد أن فاجأها بزواجه و إنجابه لطفل غيرها، شعرت حينها بأنه بدأ يتخلى عنها ولم يعد يهتم بها أو قد مل من اسلوبها الغير مهذب معه.. لكنه أخبرها أنه سيعطيها المال المطلوب إذا جاءت إليه بفواتير لمشترياتها للتأكد من أنها لا تنفق المال في أمور غير ضرورية.
في الأساس، كانت تأخذ تلك الأموال وتعطيها لابن خالتها أو للخالة نفسها عندما يحاولون خداعها بأنهم بحاجة إليها، وهي تعطيهم دون تفكير ولكن بعد أن توقفت عن أخذ المال من والدها، بدأت المعاملة الحقيقية تظهر.. في البداية كانت تمنعها خالتها من القيام بأعمال المنزل مثل الطبخ والتنظيف وهكذا، ولكن الآن أصبحت تجبرها على فعل ذلك.
جف حلقها والثواني تمر عليها كأنها ساعات هنا، لم تستطع التوقف عن البكاء والنحيب وهي تفكر هل والدها كان محقًا عندما كان يقول لها أنهم لا يبحثون إلا عن مصلحتهم ولا يهتمون بها.. لا تزال تتحمل كل ذلك لأنها تحب ابن خالتها وقد تعلقت به أملها وكانت أمه تطمئنها دائمًا بأنهم سيتزوجون بوقت ما عندما تكبر، ولكنه أصبح يتجاهلها تمامًا ولا يهتم بأمرها.
ولا تفهم إذا كان كل ذلك بسبب عدم قدرتها على الحصول على أي أموال من والدها مجدداً فإذا كان هذا هو السبب الحقيقي، فهذا يعني أنها فقدت الكثير، سواء في السنوات التي قضتها هنا أو في السنوات التي ابتعدت فيها عن والدها بسبب معاملتها السيئة وعدم اهتمامها به أيضًا.
كم خسرت من خسائر فادحه لم تستطيع تعويضها، و هذا يعني أن والدها آدم كان الشخص الوحيد الذي أحبها في حياتها، لكن أين ذهب ذلك الحب فقد ذهب وتزوج وانجب غيرها! و بالتأكيد لم يعد يفكر بها ولا يريد رؤيتها بالمره .
❈-❈-❈
تم عقد القرآن ثم رحلت عائله بسمة بعد أن عادت ابنتهما من جديد الى زوجها، تنفست الصعداء براحه كبيره عندما رحلوا و أنها ظلت هنا جانب طفلها، صحيح لم تكن تريد العوده الى معاذ لكن الأمر كان خارج ارادتها بالفعل.
فعندما عادت إليه، أدركت أنها تعرفه بشكل أفضل من أي شخص آخر هناك، بالإضافة إلى أنها كانت سترتبط بشخص لم تعرفه على الإطلاق وكانت على وشك أن تبتعد عن طفلها الوحيد وهي مستعدة لفعل أي شيء لتظل جانبه و ليست مستعدة للابتعاد عنه.
كانت بسمة ممتنا لعائلة معاذ اليوم كثيرة رغم أنهم انفصاله لكن كانوا في مقدمة الحضور الذين تواجدوا في كافة إجراءات الجنازة من دفن وصلاة على جثمان والدها في المقبرة وقبول التعازي.. فقد جاؤوا من كل شيء للقيام بواجب العزاء.
نظر لها معاذ بتردد لا يعرف ماذا يفعل الآن، لكنه تحرك نحوها قائلاً بحذر
= طب الوقت أتأخر انا همشي بقى، كمان عشان اهلي زمانهم قلقانين عليا عشان ما قلتلهمش حاجه لسه.
ازدردت ريقها بتوتر و بادٍ عليها التردد وهي تشبك أصابع يديها مرتبكه
= ما تبات النهارده مع مالك هو كمان حالته وحشه كان متعلق بجدو أوي واديك شايف ما فيش حد غيرنا
تطلع إليها باندهاش للحظات يستوعب ما قالته وقد آلم قلبه عندما استشعر من كلامها أنها خائفة من فكرة البقاء وحدها في المنزل بعد وفاه والدها، مظهرها كان يدعو للشفقة حقا، ابتسم لها معاذ بملامح ودودة رغم شحوبه ثم قال
= هجيلك من بكره الصبح عشان بس اطمنهم عليا هناك، كمان أمي وابويا لسه ما يعرفوش اننا رجعنا لبعض .
أمسكت بسمة بيده بسرعه بخوف وهي تردف
بلهفة
= ارجوك اوعي تسبني .
تفاجئ من فعلتها التي أيقظت جيوش شوقه الضاريه وقد أصبح الأمر خطرًا للغاية فقد أوشكت الأمور أن تنفلت أمام قربها المهلك لثباته فتحمحم بخشونه قبل أن يقول
= انا عمرى ما اسيبك أبدًا.. طب يالا عشان تنامي أنتِ تعبتي اوي النهاردة.
هزت رأسها بالايجاب ثم تحركت معه ففتح باب غرفتها و ربت عليها بحنان
= أدخلي يا بسمة نامي جنب إبنك، وانا زي ما قولتلك هنزل أروح عند أمي و لو محتاجة أي حاجة رني عليا وانا هجيلك على طول.
أمسكت بيده و قالت من بين بكائها
= أرجوك ما تسيبنيش لوحدي النهارده.
رأي الخوف في عينيها فسألها بتعجب
= خايفة تقعدي لوحدك؟
أومأت له كطفلة صغيرة تشعر بالخوف فعانقها و أخذ يربت عليها مرددًا بقله حيله
= ما تخافيش هم خلاص مش هيرجعوا تاني .
بس حاضر هقعد معاكي مش هسيبك.
تنهدت بارتياح بينما تأمل وجهها الملئ بالبكاء كان مستغرب حالتها بشده فهو لم يراها هكذا ضعيفة ولا مره! لكن من المحتمل فراق والدها وأفعال أهلها جعلوها تشعر بذلك الإحساس الصعب والخوف، أخذ يجفف عبراتها بأطراف أنامله و لم يجد أحد ملام غير سواه، بوخ نفسه علي أفعاله معها أنه جعلها تترك المنزل و تذهب إلي هنا و تتعرض للتهديد ورؤيه أسرتها الظالمه التي لا يرأفوا بها يوماً.
أحست بالعاطفة تكاد تخنقها بينما جلست على طرف السرير بجانب مالك تمد يديها لتمسك يده وتجذبه لها قبل أن تحضنه، بينما عين معاذ تمشطان ملامح وجهها بتدقيق لم يفعله يومًا.. نعم.. كانت المرة الأولى الذي يسمح لنظره التمعن بوجهها الملطخ بالدموع و عيناها المكلومتين بعطف.
صباحا، فتحت بسمة جفنيها بتثاقل تأخذ نفسًا عميقًا سرعان ما بترته حينما بدأت تعيد ذكريات أمس وهي تلوم نفسها كيف تطلب منه ان يكون جانبها، نكست رأسها حرجاً وعتاب فلا يجب أن تستحسن معه وتتساهل حتى لا تعود لتلك الدوامه الماضيه وتعود تحت رحمه تلك العائله من جديد.
خرجت للخارج و تفاجأت بمعاذ يجلس مع ابنهما وابتسم حين رآها قائلاً باهتمام
= صباح الخير عامله ايه دلوقتي.؟ بقيتي أحسن
لكنها مرت أمامه دون ان تتحدث وتجاهلت إياه طول اليوم، لتحاول ان تصل إليه ما حدث ليلة أمس كانت لحظه ضعف ولم تعود له او تنسى ما حدث منه طول فتره زواجهما.
❈-❈-❈
قبلت ديمة رأس طفلها بعد ان غطى في النوم وبعدها أمرت المساعده ان تهتم بالطفل الآخر و ذهبت لترى زوجها، دلفت الي الغرفة لتجده يقف أمام المراه يرتب خصلات شعره و هو يرتدي ملابسه للخروج تقدمت منه بهدوء حتي وقفت خلفه و حاوطه خصره بكلتا يديها مستندة رأسها علي ظهره، امسك بيديها يمسد عليها برقة وهو يبتسم ثم التفت اليها واضعاً يدها اعلي صدره متمسكاً بيدها لتبتسم و هي تنظر الي عينه و قالت بصوتها العذب
= هو انت على طول بتحلو كده! عارف لو واحده بس فكرت تقرب منك هعمل لها ايه؟ و لا انت فكرت تقرب منها؟ هخلص عليها فورا و بعد كده هستلمك انت كمان عشان تبطل تهتم بنفسك كده بزياده
نظر اليها و هو يضع يده علي وجنتيها اليمني ثم قبل وجنتيها اليسري و هو يتحدث اليها قائلاً
= عمري ما هعمل كده عشان بكل بساطه ما اقدرش اعيش اللي جاي من غيرك وانساكي وانسي كل اللي فات قبل ما اقابلك حتى
تحسست ذقنه النامية و هي تتحدث بهدوء
قائلة
= انا مش عايزة افتكر حاجة غير انك في حياتي، أنتٍ و أولادي.
ابتسم لها ثم هتف بنبرة لأول مره تسمعها وهي نبره حب جارف
= عارفه يا ديمة من غيرك البيت ده مكنش هيمشي ولا هيرجع يبقيله حس و روح..
ربنا ما يحرمنيش منك أبدًا..
بادلته الإبتسامة بصمت ثم اقترب واحتضانها
ليخرجوا الى الخارج كانت حينها المساعده تطعم امير الذي أبتسم باتساع ورفع يده في الهواء الى والده، استجاب له ادم وقبله عده قبلات متفرقه على وجهه جعله يضحك بشده
ابتسمت ديمة عليهما ثم هتفت قائلة
= معلش يا نعمات بعد ما تأكلي أمير دخليه
ينام جوه جنب اخو وسيبي الشباك مفتوح ما تقفلوش عليهم دلوقتي .
هزت الأخري رأسها بالايجاب بطاعه واخذت الطفل من والده ورحلت للداخل، ليتسال آدم بتركيز شديد
= مش كده ممكن يتعبوا لما تسيبي الشباك مفتوح عليهم ويجيلهم برد.
أومأت بعينيها متفهمة، وهي تردف قائلة بابتسامة لطيفة
=لا ما تخافش الاوضه جوه دافيه عشان الشمس عندهم قويه والشمس مفيده ليهم وبعدين مش هطول شويه وهقفله
زفر آدم بملل وهو يرد بمكر متعمداً
=اممم ده احنا ما شاء الله اتطورنا خالص و بقينا امهات بحق وحقيقي فعلا.. فكريني كده لما كان آدم عنده خمس شهور وكان عنده مغص وانتٍ كنتي اديتيله برشام واتعاملتي معاه كأنه واحد كبير مش طفل
ردت عليه ديمة بعبوس
= ادم وبعدين قلتلك مش بحب افتكر الموضوع ده عشان بتضايق من نفسي والحمد لله ان ربنا ستر وهو كويس دلوقتي، وبعدين انت عارف لما رحت بي المستشفى لقيت كام أم قاعده بابنها بحاجات ذي كده، يعني ما تحسسنيش بقى ان انا أم مهمله
ابتسم من حالة الشد والجذب الدائرة بينهما، وهتف معلل بتوضيح
=لا يا حبيبتي ما تقوليش على نفسك كده انا بهزر انتٍ احسن ام في الدنيا، وبعدين اهو اديكي بتتعلمي من اخطائك
في ذلك الأثناء تعالي هاتف ديمة لكنها أغلقت الخط علي الفور وهي تنفخ بملل، نظر آدم لها بضيق وهو يقول بشك
=مالك هم اخواتك رجعوا يكلموك تاني
تطلع فيه بنظرات مطولة، و هتفت بلا وعي
=اخواتي! لا طبعا ولا اعرف عنهم حاجه من ساعه ما قطعوني اخر مره.. إيه اللي خلاك تقول كده عشان يعني بقفل التليفون ومش عاوزه ارد.. دي نمره كده واحد فاضي شكله بيعاكس
اشتعلت حدقتاه من حديثها فصاح بعصبية
= نعم! بيعاكس ازاي؟ ومن امتى الكلام ده وازاي ما تقوليش حاجه زي كده .
عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسأله بتعجب
=مالك يا ادم الموضوع مش مستاهل رقم زي اي رقم رديت عليه واكتشفت ان واحد مش محترم وعملت للرقم بلوك على طول لكن هو رجع يكلمني من نمره تانيه و اديني برده بعمل بلوك وبقفل في وشه الخط
ضاقت نظراته أكثر وهو يرد بشراسة
=والله يعني كمان بيكلمك من اكتر من نمره وانتٍ عادي وما فكرتيش تبلغي جوزك عشان يخلص الموضوع ده بدل ما البيه التاني فرحان أوي وهو عمال يلعب ويلطف معاكي و مفكرك راضيه بحاجه زي كده وموافقه.. لكن لو كنتي قلتلي كنت دخلت في الصوره واتلم وخاف
انتبهت لجملته التهكمية بالصرامة والشدة، ناهيك عن سماعها لتلك الكلمات التي لا تفهم هل هي شكوك ام غيره، فانزعجت من تصرفاته المستفزة لها، وقالت بحدة
= بالراحه و وطي صوتك عشان الاولاد انت مكبر الموضوع كده ليه؟ انت بترجع من الشغل تعبان عشان الأيام دي الامتحانات شغاله ورغم كده بتغصب على نفسك تقعد معانا شويه وانا بلاحظ ده بنفسي فهدوشك ليه بموضوع مش مهم.. قلت مسيره يزهق لما افضل اعمل له بلوك من كل رقم ما اكيد مش هيفضل كده طول الوقت
ابتسم بسخرية واستهزاء وهتف بتنهيدة مستاءة
=لا هيفضل كده عادي يا هانم اللي زي دول ما بيزهقوش وبيكونوا عاملين حسابهم ومش بعيد يكون شغال في سنترال ومش فارق معاه الموضوع ولا يغرمه حاجه، مش لاقيكٍ ساكته تلاقيه قال ما لكيش راجل فصطاتك بقى كل يوم برقم شكل!
رفع كفيه عاليًا وهو يضيف بصرامة شديدة
= هاتي تليفونك وريني الرقم ده انا هعرف اتصرف معاه بمعرفتي و أقلها لما سجنته كمان وخليته عبره للاشكال اللي زيه .
سحب منها الهاتف دون انتظار ردها، بينما شهقت مصدومة من فعلته، وتلاحقت دقات قلبها ورددت من بين شفتيها بنبرة مدهوشة
= ممكن تهدي انا أكيد ما كانش قصدي كده ولا فكرت في كل ده ومش اول رقم يتصل بيا أكيد حتى من قبل الجواز ويكون نيته يعاكس، وانا بتصرف التصرف ده وعمرهم ما بيحاولوا يتصلوا معايا تاني لكن الغلس ده فضل مصمم يتصل من كذا رقم وانا اول ما بسمع صوته بقفل على طول ومش بحاول حتى اتكلم معاه ولو كنت بعمل حاجه غلط ما كنتش قلت لك زي دلوقتي عادي
هو واثق من إحساسها الصادق نحوه، لكنه يتخذ حذره على الأخير حتى تتهيأ كليًا لذلك ولا تفكر في الإبتعاد عنه والذهاب إلي غيره، ابتلع ريقه قائلاً بجمود
= الوضع دلوقتي اختلف وانتٍ على ذمه راجل واي حاجه تحصل معاكي تعرفيني بيها وانا اللي حدد! اذا كانت حاجه عاديه ولا حاجه لازم أخذ فيها قرار .
❈-❈-❈
رتبت مايسه موعدًا مع كوثر بعد معاناه فهي لا تأتي لمنزلها إلا قليلاً جداً من بعد وفاه زوجها، و تمكث مع بناتها، حتى أخيرا عثرت عليها و ذهبت لها دون أن تبلغ زوجها بذلك، فقد كانت بحاجة ماسة إلى أي عون لتحرز خطوة في تحسن علاقتها مع أبنها الأكبر ومستغلاً فرصة تواجد زوجها بالعمل لتحظى بحديث ودي جاد في منزل كوثر تحركت بتأنٍ وهي تتجه نحوها لتقابلها في غرفة الضيوف مع واجب الضيافه.
ولقد تفاجأت مايسة بمقابلتها وهي أكثر حيوية تعاملها باحترام و ود عكس سابقآ، صافحتها أم منذر قائلة بهدوء حرج
= معلش يا أم ضحي جيتلك من غير ميعاد بس اول ما عرفت من حد في الشارع كنت قايله له اول ما تيجي يتصل يقولي جيتلك على طول عشان الحقك قبل ما تمشي تاني.
أشارت لها بالجلوس على الأريكة وهي ترد بابتسامة لطيفة
=ده بيتك يا مايسة واحنا أهل ونسايب، ولا نسيتي؟ ده انتٍ ام الغالي
هزت رأسها بامتنان رغم ظهور الإرهاق والتعب على وجهها، لكن قالت باهتمام
= كتر خيرك يا أم ضحي، هو انتٍ بتشوفي منذر أبني مش كده؟ بالله عليكي لو تعرفي مكانه ما تخبيش عليا انتٍ ما تعرفيش انا محتاجه لي قد ايه انا وابوه
هزت رأسها بالايجاب ثم قالت بصوت متردد
= اكيد يعني عارفه مكانه بحكم انه متجوز بنتي وبروحلها كل فتره، بس في نفس الوقت عارفه ان بينكم مشاكل ومش عاوزه ادخل نفسي عشان ما ازعلش منذر، ده بقى زي ابني واكتر.. وهو بصراحه طول الفتره اللي بعيدها عنكم ولا عمري شفته بيجيب في سيرتكم انا مش قصدي حاجه وحشه يعني بس قصدي لو كان عاوز يعرفكم مكانه كان قال فبلاش تيجي مني
أدمعت عينها بانزعاج قهراً، فصعب عليها تعلم بأن هناك امرأه اقرب لابنها منها، ثم زفرت بيأس قائلة بصوت حزين للغاية
= ممكن لو كنت في وقت تاني كنت زعلت من كلامك، بس انتٍ معاكي حق وهو كمان معاه حق ما يسالش فينا ويزعل مننا.. بس انتٍ مش عارفه حال ابوه بقي وحش ازاي من ساعه ما مشي وكلنا بقينا عارفين قمته وندمنا على كل حاجه عملناها معاه زمان.. انا كل اللي عاوزاه انه يسامحني. وانتٍ ام و اكيد عارفه يعني ايه ضناكٍ يكون بعيد عنك ومش طايق يشوفك وكمان غلطانه في حقه
مسحت بيدها علي كتفها باشفاق ثم فكرت قليلاً قائلة بعطف
= بس أم منذر ما تعيطيش، طب حاضر سيبي الموضوع ده عليا وانا هحاول اعمل اللي في ايدي!
مسحت دموعها وانتزعت عنها حزنًا مؤقتًا و
سألتها بحماس
= بجد يعني أعتمد على الله ثم عليكي؟
تنهدت بعمق وهي ترد عليها بنبرة جاد
= ربنا يكرم يا رب! هحاول اخلي بنتي هي اللي تفتحه في الموضوع وتيجي منها هي وهو مش بيزعل منها مهما تقول له وتعمل.
رفعت حاجبها بدهشة وضيق بسبب كلامها الغريب عنها، فمن الواضح أن الأمور تغيرت كثيرًا في الفترة التي ابتعد فيها ابنها عنها! واقتربت تلك العائلة أكثر من ابنها… وما زالت ضحى تحتل مكانًا كبيرًا في قلب ابنها وحياته بأكملها، تنهدت بشكل طويل، معبرة عن يأسها ثم شعرت بالرضا والاطمئنان بسبب الأمل الضئيل.
❈-❈-❈
=يا ست هانم.. يا ست ديمه.. بقيلي ساعه بانده عليكي وبقول لك البيه الصغير صحي وبحاول اسكته مش راضي يسكت الظاهر عاوزك .
انتبهت ديمة إلي المساعدة وهي تقف جانبها وتمسك طفلها في يديها يبكي، فكانت تجلس تفكر في حال زوجها وسرحت كأنها منعزله عن حولها، حدقت فيها مدهوشًة لتقول بصوت خفيض قائلة
= معلش يا نعمات ما سمعتكيش دماغي مش فيا، سرحت شويه.. هاتيه.
ظلت نعمات مكانها لتنظر ديمة ناحيتها باستغراب، ثم أخفضت عينيها حرجًا منها وهي تردد بابتسامة متوترة
= لا مؤاخذه يا ست هانم كنت عاوزه اقول لك كلمتين بخصوص اللي حصل قبل ما البيه الكبير بيمشي أصل سمعتكم وانتم بتتخانقوا بس والله ما قصدي انا سمعت غصب عني، بس معلش ما تزعليش والله كلهم كده عصابين من اقل كلمه حتى لو الست ما عملتش حاجه
وموضوع الارقام الغلط ده كل الرجاله كده حتى جوزي! ده يا لهوي لو عرف بيهد الدنيا رغم ان ما ليش دعوه بس الغيره بقى هنعمل ايه
نظرت لها بانزعاج كبير، وأجابت بصوت خافت لكنه يحمل الجدية
= وهو ايه علاقه ده بالغيره يا نعمات ما انتٍ قلتيها بنفسك بتبقى نمر غلط احنا مالنا، تؤ و بعدين آدم الموضوع عنده غير مش فاهمه حالته إللي اتبدلت دي فجاه.. ما هو مش معقول كل القلق ده عشان رقم غريب يعني
سارعت الأخري تستحسن وجهه نظرها كي تطمئنها قائله بتوضيح جاد
=يا ست هانم ما هي الفكره بيبقوا فاهمين ده كويس! بس بيتجننوا من فكره اي راجل يقرب مننا حتى لو واحد وقفك في الشارع بيسالك عن عنوان وحتى لو راجل كبير.. وحتى لو نمر غلط بيبقوا مش عاوزين حد يقرب مننا و بياخدوا الموضوع على كرامتهم و رجولتهم أوي كده.. كل واحد بقى و عقله مريحه وهم تفكيرهم كده! عاوزه نصيحتي خدي على قد عقله في المواضيع دي وبلاش تقوليله حاجه زي كده من نفسك طالما هو ما اكتشفهاش.. والأمور ان شاء الله هتتحل بينكم.
كانت ديمة صامته وهي تصغي إلى باقي الحديث تفكر في بشكل جدي وعندما صمتت الاخري، أخبرتها باهتمام
= ما بحبش اخبي عنه حاجه واحنا متعودين على كده من اول ما اتجوزنا، وبعدين اخبي ايه هو انا عملت حاجه غلط اصلا
ترددت نعمات في كيف تبرر لها رغبتها في التوضيح اكثر، لكنها دنت منها لتردف بنبرة ذات مغزى
=اصل يعني وما تزعليش مني انتٍ وضعك مختلف شويه؟ يعني صغيره وحلوه وهو كبير عنك بكتير فالفرق ده برده بياثر على الراجل ويشعلله اكتر واكتر في المواضيع دي بالذات، بيبقى خايف لا تروح لحد تاني اصغر منه ويعجبها وهو يتركن على الرف
هزت رأسها إيجابًا بشرود ثم انتظرتها حتى انصرفت من امامها فتحدثت مع نفسها قائلة بعتاب وضيق
= يا ترى ايه اللي شقلب حالك يا آدم معقول بتعاقبني على اللي حصل زمان طب اشمعنا دلوقتي! لسه فاكر يزعل ويشك ولا ممكن نعمات عندها حق وموضوع السن ده هو اللي تعبه وتاعبني معاه! لو كده يبقى انا اللي ازعل هو مش عارف انا بحبه قد ايه يبقى ليه يفكر في حاجه زي كده؟ ربنا يهديك.
❈-❈-❈
كان منذر يجلس اعلى مقعد مكتبه بالشركه ليتابع بترقب أعماله، وفي ذلك الأثناء دخلت رغد دون ان تستأذن فلقد اعتادت على الدخول هكذا و دلفت وهي تقول بسعادة
= منذر كويس انك هنا كنت لسة جاية بدور عليك.. عشان اباركلك على المشروع الجديد بتاعتك في الشركه معانا
نهض من مكانه قائلاً بابتسامة عريضة
= ميرسى يا مدام رغد
احتقن وجهها بصورة بائنة وهي تقول بعتاب
= اية بقا مدام رغد دى احنا خلاص بقينا صحاب مش كدة ولا اية؟ شكلك تعبان اوى اكيد ماكلتش حاجه من الصبح و عمال تشتغل من هنا لهنا.. ايه رايك لو نروح نتغدى وبالمره تعزمني بمناسبه المشروع الجديد اللي توافق عليه في الشركه.. ولا شكلك بخيل ومش هترضى
هز رأسه بعدم اعتراض وهو يقول بتفكير
= لا خالص الموضوع مش كده، تمام فى كافيه قريب لمحته وانا جاي لسه فاتح اية رايك نروح مع بعض؟ بس اقل من نص ساعه مش هقدر
أجابته رغد بامتعاض
= وده ليه وراك ايه يعني مش خلاص الشغل قرب يخلص.
تنهد منذر مطولاً وهو يقول بابتسامة لطيفة
= للاسف مش هينفع اسيب ضحي لوحدها
وعلى فكرة انا لسه زعلان منك وما نسيتش ان انتٍ الوحيده إللي في الشركه هنا ما جيتيش تباركيلي علي اول مولد ليا .
حدقت فيه بنظرات مذهولة فلم تكن تعرف ما هي المناسبه لديه وتفاجات بأنه أنجب من زوجته، تداركت الموقف بسرعة وقالت بابتسامة هادئة
= لا ما تزعلش هعوضك اكيد بس انشغلت شويه ومبروك اكيد.. بس قولي مش تقريبا كانت مراتك عندها مشاكل في الخلفه قلتلي حاجه زي كده.
حرك منذر يده ثم زفر قائلاً بتنهيده
= ايوه بس الحمد لله أصلها ما كانتش مشاكل كبيره ولا حاجه الموضوع مطولش وربنا رزقنا ببنت وأخيرا بقيت اب بسبب ضحى..ده أنا حتي استنيتك امبارح كتير كنت عاوزه اعرفكم على بعض اصلك لما تشوفي ضحي هتحبيها أوي
هزت رأسها بإيماءات خفيفة مرددة بهدوء زائف
= هحبها زيك كده! هو انتم تقريبا اتجوزتوا جواز صالونات مش كده؟
هز منذر كتفه مبتسماً هاتفا موضحًا
= هو بصراحه مش عارف اذا كان جوازنا ينفع اقول عليه حب ولا صالونات بس في الحالتين حبينا بعض بعد الجواز، بس يعني! ايه اللي خلاكي تخمني التخمين ده
مطت فمها بملل لتقول مرددة بضجر
= اصلي مش عارفه ليه بحس الاحساس ده يمكن عشان مش بشوفها بتهتم بيك زي ما كل زوجات رجال الأعمال بتعمل وتتصل تطمن عليك كل شويه في التليفون وكده.. انا فاهمه انها جايه من طبقه بسيطه زيك بس دلوقتي الحال اتغير وانت اهو ما شاء الله عليك اللي يشوفك يقول اتولد وعاش غني وده المجتمع بتاعه ولايق عليه جدا.
نظر منذر لها متعجبًا من سؤالها فهو طول الوقت يتحدث معها عن ضحى وكيف كانت تسانده وحبه الكبير لها فبالطبع ستخمن بأنهن متزوجوا عن حب، هز رأسه الإيجاب قائلاً
= لا بيتهيالك ضحي احلى واحسن حاجه حصلتلي في حياتي، واحنا على طول على اتصال بس هي الفتره الاخيره يمكن عشان كانت تعبانه ومش حمل اي حركه.. عمليه الحقن المجهري برده ما كانتش سهله عليها
ازداد انعقاد ما بين حاجبيها خاصة أنها لم تكن مقتنعة برده، وقالت باهتمام
= اتمنى ده بس حاسه الموضوع هيطول معاك لان اكيد لسه في رضاعه وتربيه والامور دي بتاخد وقت، عشان كده لازم تفكرها ان انت بقيت رجل اعمال واكيد هتحتاجها وجهه معاك طول الوقت في الحفلات اللي جايه و المناسبات.. واكيد يعني لما يسألوا عنها في الحفله مش هتقول لهم مش فاضيه عشان بترضع البيبي.. الاجواء دي ما تمشيش معاهم الأعذار دي.
ثم أضافت بعبث من التأجيل الذي لا داعي له
= انا بقول لك كده مش قصدي حاجه غير مصلحتك ومصلحه الشركه أكيد، أنت الحمد لله اتطورت واتعلمت الأمور دي بسرعه وجبنا لك ناس يعلموك عشان وجهتك قدام الناس و لما حاولنا نعمل مراتك برده، فاكره ان انت رفضت وقلت عندها ظروف خاصه بتمنعها من انها تتعلم الأمور دي حاليا.. وانا عرفت ساعتها منك نفسيتها وموضوع الخلفه ودلوقتي خلاص ما بقاش فيه اعذار
استغرب من تصرفاتها وكلماتها المتجاوزة معه وإصرارها على تعليم أو اظهار زوجته في ذلك المجتمع لكنه يعلم جيد بأنها محقه وهو في حاله تغيير ملحوظ عن سابق، ليقول مرددًا
بدهشة
= حاسس مكبره الموضوع ليه يا رغد، ضحي شاطره زيي وهتتعلم بسرعه ومن غير حتى مدرسين متخصصين لكده، وانا بنفسي ممكن اعلمها ده.. وبالنسبه للحفلات والمناسبات اللي جايه اكيد هنلاقيلها حل بس اكيد الفتره دي مش هتنفع لان عندها اهتمام أكبر وأفضل وهي أنها تعتني بي بنتنا
وضعت رغد يدها على كتف منذر قائلة بابتسامة مشرقة
=خلاص يا منذر سيب الموضوع ده عليا يعني ممكن اروح انا مكانها واكون جنبك ونقول انها تعبانه أو اي حاجه.. وبالمره انا عندي خبره اكتر منك ومنها وهعلمك عشان تعلمها.. اتفقنا.
حدق أمامه بنظرات أكثر شرودًا مديرًا في رأسه فكرة رغد وأن ضحي مازالت لم تدخل ذلك العالم بعد وتتاقلم على حياتهما الجديده عكسهم، لكن ربما بطريقة ما أو بأخرى سيتمكن هو من فعل ذلك.
❈-❈-❈
انشغل معاذ عن بسمة مؤقتًا بالعمل مع والده
وقد شعرت الأخرى بالارتياح من عدم عوده إلي هنا، لكن استغربت غيابه المفاجئ! وظنت ربما انشغل مع اصدقائه فهي كانت لا تعرف عنه شيء.. مر أمام أنظارها الشاردة شريط حياتها العابث وهي تفكر هل ستستسلم وتعود الى عائله شاهين وزوجها مجدداً فبقت وحيده الآن بلا سند .
صحيح معاذ انقذها وظل جانبها في عده مواقف كانت بحاجته بشدة لكن سيظل الأمر ليس سهلاً للعوده.
فالمرعب في فكرة الزواج، ليس أن تتحمل
رجلاً بكل سلبياته وإيجابياته طيلة الحياه ولا أن يتحملك هو، المرعب في حجم التردد هو مصير أولئك الأطفال الذين سينتجون عن قرار ابتدأ بمزحة.. فهل تستطيع أن تصنع منهم رقماً صعباً مجتمعياً؟
أم أنهم سينشؤون في جو روتيني من التلفاز إلى الشارع إلى المدرسة؟ هذا إن لم نصنع مزيداً من المرضى النفسيين؟ الذي أؤمن به: أنَّ مرحلة العزوبية ليست مرحلة إصلاح الشعر المتقصف، والبشرة المترهلة فقط..
إنما هي أثمن فترة لديكِ لتصنع عقلاً مختلفاً و شخصية قادرة على إنتاج جيل حي نابض بالفلاح، هي أثمن فرصة لتتعلم فن صناعة الإنسان وتلملم شتات الشخصيه وترممي عيوبك كي لا يعيد التاريخ التربية الخاطئة نفسها.
كان مالك جانبها يقص عليها مغامراته مع والده كالعادة مما جعلها تشير له بسبابتها صائحة بلهجة صارمة
=خلاص يا مالك هو ابوك كل بعقلك حلاوه للدرجه دي، من ساعه ما جيت وانت عمال تحكيلي خرجك فين و روحك فين .
ضم شفتاه بزعل وهو يقول بتبرير
= افتكرتك هتكوني فرحانه مش انتٍ كان نفسك يعمل كده معانا من زمان هو انتم ليه ما ترجعوش لبعض! يعني يوم ما يتغير نبعد عنه ليه ؟
عقدت حاجيبها للاعلي بشك وهي تقول بنبرة حادة
=هو بقى اللي قال لك كده ولا ايه ؟ لحقت تنسى امك يا مالك واللي عملته معاك زمان و لحد دلوقتي، ده انا وافقت ارجعله عشان ما ابعدش عنك
ضمها مالك واحنى رأسه عليها يقبلها بأسف قائلاً باستعطاف
= انا مش قصدي كده يا ماما انا بحبك أوي بس نفسي كلنا نتجمع مع بعض زي ما كان نفسنا، ولا خالص بابا عمره ما كلمني في حاجه زي كده انا اللي نفسي.. وبعدين انتم متخانقين ليه ما هو ابتدى يخرجني ويقرب مني و يشتغل كمان
اتسعت عينا بسمة بذهول وصدمه وهي تقول بنبرة غير مصدقة
=نعم عيد الكلام اللي انت قلته من شويه كده هو مين ده اللي بيشتغل؟ ابوك! انت متاكد ومع مين وفين؟
هز رأسه بالإيجاب مرددًا بحماس
=ايوه متاكد بيشتغل مع جدو في الوكاله ده بيقعد يزعقله زي ما كان بيزعق لعمي منذر كمان.. هو صحيح عمي منذر بطل يجي هنا ليه وحشني!
ابتسمت بلا تصدق لتردف بنبرة قاتمة وهي تنظر أمامها بازدراء
=ولله! بقيت بتشتغل دلوقتي بس يا معاذ! و ابوك موافق عادي الله يرحم ايام زمان ده أنا صوتي اتنبح معاكم في الموضوع ده.. طبعاً ما البيضه اللي كانت بتبيض ليكم على الجاهز مشيت ومضطرين لكده.
احترقت بمكانها بحسرة على أيامها السابقة فتلك العائلة لا تبحث إلا عن مصلحتها فقط،
الآن فقط عمل معاذ لم يصبح صعب او خطر على حياته طالما هما بحاجته ومنذر رحل! إذن ليت منذر رحل منذ البدايه حتى يتعلمون كيف يتحمل المسؤوليه، حسنا لا بكاء على الاطلال امامها فرصه و يجب أن تستغلها جيدا فكل ما فيها من عزم ستسعي للانتقام! ثم أضافت هاتفه بحسم بملامحها الجادة ونظراتها الصرامة
=ماشي يا معاذ اما وريتك انت واهلك ما بقاش انا بسمة! مش رجعتيني ومفكرني زي زمان استلم بقى مش هتطول شعري مني الا بشروطي.. والله وجاتلي على الطبطاب هطلع القديم والجديد عليكم يا عيله شاهين
❈-❈-❈
أخبرت ضحى زوجها عن مقابله والدته مايسة الى أمها واخبرته أيضاً عن عمل معاذ بالوكاله فقد راته كوثر بالصدفه وابلغتها بذلك لتعلمها بأن الوضع صار صعب عليهم حقا وهم بحاجه الى مساعده زوجها، بدت متوترة للغاية لمعرفة ردة فعله إن كان حقًا قد عطف عليهما، لكن تفاجأت الأخرى بردت فعل زوجها الغريبه و الغير متوقعة.
تعالت ضحكات منذر العالية بشدة ولم يستطيع التوقف عن الضحك وهو يردد بصعوبة بالغة
= لا مش قادر أصدق معاذ بجلاله قدره بيشتغل في الوكاله و بموافقه شاهين كمان! دي اكيد كدبه أبريل او نكته الموسم طب ازاي لا لا لا اكيد القيامه هتقوم او في حاجه غلط
تطلعت زوجته فيه مطولاً، فهم مقصد نظراتها الآخر فورًا واضاف ببرود
=بس والله والدتك عرفت تتصرف صح انها ما رضيتش تقول عن عنواننا وكويس برده اديني من زيارتها عرفت موضوع فرحني وهفضل اضحك عليه طول الشهر ولا طول عمري بقي معاذ بيشتغل؟ دلوقتي ما بقاش تعبان ولا قلبه بيوجعه ولا الدكتور مانعه.. كان عندي حق لما قلت كل ده اشتغاله وانهم عيله جحده وما تستاهلش ابص في خلقتهم تاني .
تنهدت ضحي بعمق وحاولت أخذ الامور ببساطه فمنذر مر باصعب واشد مرحله بحياته وطبيعي تكون رده فعله هكذا، تقدمت تجلس جانبه وهي تحمل طفلتها بين ذراعيها ثم قالت بصوت متأثراً
= انا كمان استغربت زيك بس عارف فكرت فيها بيني وبين نفسي اكتشفت انهم لما وصلوا لحاجه زي كده يبقى اكيد ندموا وعارفوا قيمتك، واكبر دليل على زياره والدتك لماما اهي دي لوحدها بقى صدمتني اكتر من موضوع معاذ انها تيجي لحد ماما وتقول لها نفسها تشوفك وتطلب منك السماح عشان ترجعك
تنهد منذر مطولاً مشبكًا كفيه خلف رأسه وهو يرد هامسًا بتسلية
= كل حاجه بقت بتحصل في الزمن ده يا روحي، بصي افتكري لما والدتك تروح تاني البيت القديم تديها مبلغ من الخزنه اللي جوه عشان تساعدهم، وكده يبقى عملت اللي عليا وزياده انما حوار ارجع واسامح قوليلها كان في وخلص.
انصدمت من أسلوبه وقالت بعتاب وضيق
=منذر مش للدرجه دي انا هتكسف اعمل حاجه زي كده وهتبقى عيبه في حقنا، وهم اكيد مش عاوزين فلوس عاوزينك تسامحهم
احتقن وجهه بصورة بائنة وهو يرد ساخراً
=عيب! هم دول يعرفوا العيب لا ما تقلقيش يا حبيبتي انا اكتر ناس عارفهم كل اللي يهمهم مصلحتهم وبس! وصدقيني هم عاملين كل الحوار ده عشان الوكاله اللي عمال تخسر و اللي من غير ما أسألك متاكد انهم فشلوا فشل زريع فيها لأن انا اللي كنت ممشيها والدليل نجاحي دلوقتي لوحدي..
فرك موخرة رأسه واضاف بعصبية ظاهرة عليه
= اما بقى حكايه اسامح والكلام العبيط ده يبقوا هبل ومن غير معلش في الكلمه لو فاكرين ان انا ممكن اسامح وانسى، كل حاجه عملوها معايا من اول ما كنت طفله صغير ونسيوني في المستشفى وبعدها شفت الويل احكي ايه ولا ايه بالله عليكي خليني ساكت
تفرست ضحي في وجهه محللاً تعبيراته المتجهمة ثم بررت إصرارها بنبرة واهنه
= منذر انا لو مكانك هعمل اكتر من كده واي حد، بس انت برده لو مكاني هتطلب مني ان مش هسامح بس احاول اواصل الواد بينهم من تاني واحنا حتى بعيد عنهم كده برده، بصراحه والدتك صعبت عليا لما عرفت حالهم
بدأ عابسًا نوعًا ما وهو يصغي إلى الحديث بفتور واضح عليه، عبث فمه محدقًا فيها بشرود، ثم زفر قائلاً بملل
= يبقى ما تعرفنيش كويس يا روحي اللي يدوسلك على طرف مش تزعلي منه بس تقطعيه خالص وشيلي من حياتك، وما يصعبش عليكي لما يرجعلك ويعيطلك لان دي اكيد دموع التماسيح! ما هو بالعقل كده ما حدش ياذيكي اكتر من 7000 مره وتفتحي بابك تاني و يصعب عليكي! عشان تبقي معلش في الكلمه هبله وبريال وبيتضحك عليكي وتستاهلي الضربه اللي جايه.. اللي هتكون 7000 مره وعليهم واحده جديده .
ازداد انعقاد ما بين حاجبيها وادمعت عينيها تأثراً وهي تجد حالته هكذا تغيرت حقا بسببهم
ثم ضغطت على شفتيها قائلة بنبرة حزينة
= اتغيرت أوي يا منذر انا متاكده لو كنت زمان كنت هتسامح على طول وتنسى، طريقتك معايا بتخوفني كمان وحاسه نفسي قاعده قصاد واحد تاني مش اللي عرفته زمان واتجوزته وحبيته.
تطلع فيها بنظرات حادة وهو يمسح دموعها، ثم ارتسم على محياه ابتسامة عريضة حتى يطمئنها ولم يتسمر في مكانه مطولاً، أسرع
و انغمسا يقبلها بعمق وهي اندمجت معه على الفور ترغب تشعر بمنذر القديم، ثم أبتعد عنها و مرر أنظاره على طفلتها بين يده وعليها مره اخرى بحب، و لوى ثغره مرددًا
= ما تقلقيش يا روحي انا اؤذي نفسي وما اؤذيكيش ولا افكر فيها حتى! حتى لو اذيتيني زيهم يا ضحى.. ممكن غريبه ان بقول لك كده بس انتٍ غيرهم بجد و ليكي عندي اللي يشفعلك كتير لكن هم لا؟ اما حكايه اني اتغيرت فكان لازم اتغير من زمان أوي عشان هو ده اللي بيمشي دلوقتي في الزمن ده.
هزت رأسها عده مرات ثم شددت من لهجتها قائلة بقلق شديد
=كلامك جميل بس انا خايفه برده عليك لا تؤذي نفسك فعلا بسبب التغيير ده، لو مش عاوز تسامح انا هعذرك ومعاك حق وهفضل اسمع كلامك وابعد عنهم، بس مش عاوزك تتغير كده للاوحش
ساد صمت متوتر بينهما ثم اقترح منذر بعد لحظات من التفكير الصامت
= بلاش مبالغه انا كويس ما تقلقش، ممكن بقى نقفل على السيره دي أو نغير الموضوع احسن
أخفض أنظاره ليحدق في الرضيعه وبدأ في مداعبتها بلطف وحب، ثم همس بمكر
= انا مش جاي من شغلي بدري عشان نتكلم في مواضيع تتضايقنا.. قومي ودي اوليندا مع المربيه بره وتعالي تاني عشان وحشتيني!.
❈-❈-❈
في منزل شاهين، شعر معاذ بالتوجس مما فعله وخطأه الفاضح الذي لا يغفر! حاول أن
يفعل شيء جيد حتى تعود وتعمل الوكاله جيد كما سابق، ولم يجد غير استشاره أصدقاءه السوء الذي اقترح واحد منهم عليه استثمار بضائع جاهزه بدلاً من أن يأتي بعمال ويبدأ في التصنيع و لم يكن يعرف مكيدة صديقه بان تلك البضائع غير صالحه بالمرة ولا تفيد بشيء.
لكن قد مضى على نفسه وصل أمانه بعد ان اقتنع من صديقه سيبيع بسرعه وهو استثمر فيهم بسعر أقل! لكن والده قد فهم الأمر على الفور وبان تلك البضائع غير صالحه وان صديقه فعل ذلك حتى يهدده بوصل الامانه.. ولان أمور الوكاله تمر بفتره صعبه لم يجد والده يدفع له المبلغ؟ لكن الاخر كان له وجهه نظر اخرى وقد هدد الجميع إلا يتنازلون عن الوكاله ام سيذهب الى الشرطه بتلك الوصلات.. و لم يجد غير ان يتنازل عن الوكاله له.. ولم يعد يملك شيء بعد الان.
ومن بعدها وهو صامت يطالعه بريبة و باستهجان فكانت نظراته المصوبة نحوه مختلفة على نحو رهيب، للحظات ظلت نظرات معاذ أيضا مصوبة نحو والده بتدقيق كأنه يدرس ملامحه وما سيقوله، متأهبا أبيه الذي تصلبت ملامحه ثم اقترب منه قائلاً بتوجس وندم
= يا حج والله انا كنت عاوز اريحك واعمل حاجه مفيده ما انت اللي طول الوقت تهزق فيا وتقول عليا فاشل، ومشايلني حمل كبير انا لسه بتعلم ومش فاهم حاجه وكل ما اجي اكلمك في الموضوع ده تتعصب عليا وتقولي اتعلم زي ما اخوك اتعلم وهو صغير بس اللي مش قادر تفهمه ان انا مش منذر
هتف شاهين بصوت خشن مبحوح النبرات بانفعال مشوب بغضب مستعر
= يا ريتك كنت منذر كنت زمانك نجحت و فلحت في حاجه زيه، لله الأمر ومن بعد منك لله يا شيخ.. ضيعت شقه السنين اللي بنيته انا واخوك.. وصعبان عليك عشان بقول عليك فاشل وما بتفهمش طب ما انت كده فعلا، ده اي عيل صغير كان هيفهم اللعبه اللي عملوها عليك صحابك.. بس هقول ايه؟ يا ريتني ما كنت خلفتك ولا شفت اليوم ده .
شعر معاذ بعذاب لم يعرفه يوماً جعل حواسه تتأهب في صدمة وضراوة لينطق لسانه بحريق جوفه
= كنت عاوزني اعمل لك ايه يعني؟ من اول ما اتولدت لا انت ولا امي بتخلوني اعمل اي حاجه في البيت ولا بره فطلعت كده مش عارف حاجه، لكن فجاه بدون مقدمات قلتلي تعالى وانزل واشتغل معايا لا إلا ما فيش فلوس، ويا ريتك بتعلمني صح عاوزني اتعلم ازاي وانت كل حاجه بعملها غلط تفضل تهزا فيا! وتقولي يا فاشل و يا كذا ويا كذا وشتيمه وقرف قدام الناس كلها.. و عمرك ما فكرت في احساسي وانت عمال تجرح فيا قدامهم
أغمض عينيه للحظات وقد أدرك بأن إبنه يقول الحقيقة بالفعل، لكنه صاح به بنبرته المهيبة التي لم يفقدها يوماً
= ما اخوك ياما كنت بقول له كده واكتر وكان بيستحمل وعمره ما قالي لا، كان بيقولي جزمتك فوق دماغي يابا وحاضر ! تيجي انت في غمضه عين تضيع كل التعب ده
عينيه اصبحت تنطقان بالألم المبرح ثم ضرب بيده فوق صدره بعنف عده مرات صاح بصميم مؤلم
= عشان انا غيره! وبعدين مين قال لك ان منذر كان مش فارق معاه كلامك ولا بيزعل امال هو قال قدامنا كلنا ليه أنه كان بيتعالج عند دكتور نفساني ما هو بسببك وانت دلوقتي اهو بتعيد نفس اللي بتعمله معايا، و إللي انت مش قادر تواجه بيه نفسك منذر طفيش اصلا
بسببك بعد ما فضل يشتكي ويقول لك بلاش تعاملني كده قدام الناس وانت برده كنت بتعمل..
وبين كبرياء رجولته كانت صرخة ألم يخفيها بعينيه المتحجرة فأضاف بترفع دون أن يرف له جفن
= فما تجيش دلوقتي تقول كان بيستحمل ولا مش بيستحمل وتجيب العيب فيا وانت السبب.. اعمل لك ايه اكثر من كده حطيت جزمه في بقي ونزلت معاك الشغل اللي مش فاهم في حاجه وانت كنت بتمنعني منه زمان، وفشلت بسببك وبرده بتجيب اللوم علينا مش عليك.
شعر معاذ بدخول والدته ومن شدة غضبها منه لم تعر تعابير زوجها المريبة أي انتباه وهي تهتف باستياء
= انت صحيح رجعت بسمه على ذمتك اللي سمعته تحت في الشارع ده صح؟ انا مش قلت لك لو رجعت البنت دي على ذمتك لا انت ابني ولا اعرفك.. عشان كده كنت بترفض العرايس اللي كنت بجيبها لك.
تناهى إلى معرفتها بذلك ليعود لينفجر فيها هي الأخري هاتفا بتحدي منفعل
= حياتي وما لكيش دعوه بيها، وأيوه رجعتها ومش هسمحلك تاني تتحكمي في حياتي ولا تمشيها على مزاجك انتٍ ما اشتريتنيش ولا جوزك، عشان شويه تقوليلي ما تعملش كده و شويه اعمل كده.. ما ترحموني بقى! هو انتم لا كنتم سايبين منذر في حالي ولا انا، ولا عشان شكلكم مش لاقيين حد تطلعوا عليه عقدتكم من بعد منذر هتطلعها فيا.. والله انتم اللي محتاجين دكاتره نفسيه مش هو
جحظت عينا مايسة لما سمعته وضربت صدرها بلا تصديق كأنه يخبرها بشيء صعب و ليس من حقه ان يخرج عن طوعها وتجبرهم مثل منذر.. وبكل الغضب الضاري بشاهين ارتجفت أنفاسه انفعالا وارتفعت يده لتهوي صافعة خد معاذ بقوة أمالت وجهه جانبا، ليصرخ بصرامة حاده
= اطلع بره يا قليل الربايه، ومن اللحظه دي ما لكش قعاد هنا.. مش انا السبب في دلعك واللي وصلتك لكده خايب ومش عارف تشيل المسؤوليه اديني هخليك تشيلها غصبا عنك.. وريني هتصرف على نفسك ازاي وعلى مراتك وابنك عشان تعرف أنا كنت بوفرلك إزاي كل حاجه على الجاهز، اطلع بره يلا.
شحب وجه معاذ لما سمعه منه وكيف يطرده بالإضافة أنه ضربه لأول مرة بحياته، هبطت دموعه تسابق بعضها وهو يهز رأسه نافي غير مصدق، بينما عضت مايسة طرف شفتها تمنع نفسها من الإقتراب منه وضعفها أمامه .
دقائق مرت واستمر أبيه في طرده واهانته كالعاده ولم يجد الآخر غير ان يرحل لكن أين،
ابتلع ريقه وهو يخطو للأمام خطوات مرتجفة، يشعر بأنه منفصل عن كل ما حوله إلا من حديثهما.. وتحرك بخطوات ثقيلة للخارج حقا.
أغمض شاهين عينيه بتعب و داخله يخبئ ذل رجل حمل خطاياه بإخفاء حقيقته أنه رجل ظالم! طوال العمر حتى اعتاد علي حمل ابنه الكبير الثقل، فلا يصدق انه أخيراً تحرر من ذلك وأزاحه عن كاهله.. أخيرا أعترف باخطائه
صحيح.. لكن بالمقابل خسر أولاده الإثنين.
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى