رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل العاشر 10 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء العاشر
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت العاشر
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة العاشرة
أبعدها “أيان” عنه تدريجياً، فأصبحت مقابله تستكشف بعينيها المكان ومن ثم حررت عقدة لسانها بصعوبةٍ، لتتساءل بخوفٍ:
_أنا فين وأنت مين؟!
منحها نظرة صامتة طالت بتأملها ومن ثم قال بصوتٍ أخشونت نبرته:
_أنا اللي أنقذتك من السافل اللي كان بيتهاجم عليكي في عرض البحر.
رفعت يدها على جبهتها تقاوم صداع الرأس الذي كاد بأن يقتلها وهي تهمس بألمٍ:
_أنا أخر حاجة كنت فكراها وأنا بقع بالمية وآآ..
بدت مشوشة كثيراً، فقطع توترها حينما استكمل قائلاً:
_أنا اللي أنقذتك من الموت ورجعتك على الاوتيل.
سحبت نظراتها عنه ثم سلطتها على الملابس التي ترتديها ليتملكها الشك، فقال “أيان” بهدوءٍ مخادع:
_متقلقيش، طلبت بنت من الروم سيرفس وهي اللي غيرتلك هدومك.
ابتسامة تسللت لشفتيها وهي تردد بصوتٍ خافت اتبعه دمعات لا تتوقف:
_الحمد لله…
ومن ثم اتجهت نظراتها إليه، لتردد بإمتنان كبير:
_مش عارفة أشكرك ازاي على اللي عملته معايا.
تعمق بالتطلع إليها قبل أن يخبرها بثباتٍ:
_مفيش داعي أنك تشكريني بس أبقي خلي بالك بعد كده من الإنسان ده.
بدموعٍ تدفقت على وجنتها قالت:
_أنا كنت راحة أقابل صديقة ليا والظاهر أتلخبطت باليخت بس الحمد لله ربنا بعتك ليا بالوقت المناسب.
أخفى ابتسامة الشر النابعة على وجهه، ومن ثم أخرج كارت صغير من جيب بنطاله الرمادي، ليقدمه لها، حملته وهي تقرأ إسمه ببهجة عارمة تهاجمها، ثم تطلعت له بعدم فهم فقال:
_ده رقمي لو حبيتي تقدمي بلاغ ضد الكلب ده مستعد أساعدك بشهادتي.
أجابتها بارتباكٍ:
_لا بلاغ لا، انت متعرفش لو أهلي عرفوا اللي حصل ممكن يعملوا أيه فيه!
سألها بثباتٍ مخادع:
_وده المطلوب ولا أنتي عايزاه ينفد بعملته؟
هزت رأسها نافية ثم قالت بتوضيحٍ:
_مش بالظبط بس بابا ممكن يمنعني إني أنزل القاهرة تاني وأنا مش عايزة ده يحصل.
وجحظت عينيها بصدمةٍ وهي تردد:
_يا خبر أنا فضلت هنا طول الليل زمان ابن عمي قالب الدنيا عليا.
وأسرعت تجاه باب الغرفة ثم عادت خطوتين للخلف حينما تذكرت بقائها بدون الحجاب، احمر وجهها خجلاً من وقوفها أمامه طوال تلك المدة بدون حجابها، بحثت بالغرفة بعينيها عما يمكن استبداله بالحجاب، فوجدت مفرش خفيف موضوع على حافة المقعد القريب منها فجذبته ومن ثم عقدته حول شعرها الطويل ومن ثم ودعته بنظرةٍ ممتنة قبل أن تغادر الغرفة سريعاً، تبدلت ابتسامته الصغيرة لملامح متصلبة، ليهمس بصوتٍ يحف بالشر:
_كان قدامي فرصتين أنتقم منك لما شوفت بنتك بتغرق قدام عيني ساعدتها لأن الموت مش هدفي ولا انتقامي يا فهد، والفرصة التانية لما كانت قدامي وكنت أقدر ألوث شرفك بإيدي وهيحصل فعلاً بس برغبتها هي، في فرق بين العشق والاغتصاب وده هتعرفه لما هدفي يتحقق!.
واتسعت ابتسامته الماكرة وكأنها تتشكل بعهد الانتقام القاتل!
**********
خرج “يحيى” من غرفته سريعاً يبحث عنها بلهفة، سكنت نظراته وأحاطتها الراحة حينما رأها تجلس بالخارج وتشاهد البرنامج الكرتوني المفضل لها على التلفاز، استند بجسده على الحائط وهو يتابعها بحزنٍ، انتبهت “ماسة” لوجوده لجوارها فانتفضت بجلستها بذعرٍ ثم كادت بالنهوض لتترك الأريكة، أسرع “يحيى” تجاهها ثم ركع على ركبتيه ليخرج صوته المختنق:
_”ماسة” عشان خاطري سامحيني، أنا مقصدتش، مش عايز منك غير فرصة واحدة بس أصلح بيها اللي عملته.
بدت غير مستوعبة لما يقوله، فاستجمع شتاته ليبدأ بالحديث العقلاني عما يوجهه لها فقال:
_طب أيه رأيك منزلش الشغل النهاردة وننزل الملاهي مع بعض زي ما اتعودنا!
ضحكت عينيها حتى وإن كانت تحارب خوفها، فتمسك بالأمل ليعود بإستكمال حديثه:
_وهجبلك كل اللعب اللي عايزاها.
خرج صوتها المرتعش بخوف:
_ولو جيت معاك مش هتعمل كده تاني!
تمزق قلبه فكادت دمعاته بأن تنفلت، ليجيبها بألمٍ غزى صوته المحطم:
_لا يا روحي مش هعمل كده أبداً أوعدك.
وفتح يديه لها، ليشير لها بالإقتراب وقلبه يخفق خوفاً من أن تبتعد عنه من جديد، لحظات انتظرها بقلب يعلو نبضاته بتخوفٍ وإرتباك، فأخفضت قدميها عن الأريكة ومن ثم تمايلت بجسدها الهزيل لتضع يدها بعد محاولات مترددة بين يديه، عادت الحياة باسمة إليه من جديد، فاحتضنها بقوةٍ وهو يردد بفرحةٍ تختلجها الدموع:
_حبيبتي! … والله ما هعمل أي حاجة تضايقك تاني..
ابتسمت بطفولية ومن ثم رفعت يدها لتشدد من احتضانه، فعاد الهواء لينعش رئتيه من جديدٍ، فابتعدت عنه وهي تردد بابتسامةٍ واسعة:
_هخلي “إلهام” تلبسني الفستان الجديد وتكوي شعري.
أومأ برأسه ثم نهض عن الأرض ليشير لها بابتسامة تنبع بعشقها:
_وأنا هلبس عشان ننزل بسرعة.
تعلقت عينيه بها وهي تهرول بعيداً عنه، والفرحة تغزو عينيه الدمعتين، بعد أن فقد الأمل بعودتها إليه مجدداً، ها قد منحه القدر فرصة لا تعوض!
*************
وقفت على بعد من غرفتها، تراقب غرفة ابن عمها المجاورة لغرفتها، ومن ثم هرولت لتطرق على باب الغرفة طرقات متتالية، فما أن فتحت “رؤى” الباب حتى هرولت “روجينا” للداخل لتغلق الباب من خلفها قبل أن يلمحها “بدر”، خلعت”روجينا” الحجاب ثم جلست على الفراش تلتقط أنفاسها التي كادت بالتوقف من خوفها الشديد، فأسرعت “رؤى” اليها لتتساءل في لهفة وقلق:
_انتي كنتي فين من امبارح يا “روجينا” أنا دورت عليكي في كل مكان وكنت هموت من القلق عليكي حتى موبيلك سايباه هنا، واترعبت أقول لبدر حاجة.
التقطت انفاسها بصوتٍ مسموع وهي تخبرها:
_الحمدلله انك مقولتهولش حاجة.
تجاهلت ما قالته ثم سألتها باهتمامٍ:
_إنتي روحتي فين؟!
بحزنٍ شديد قالت:
_أنا ربنا نجدني يا “رؤى”..
كلماتها المبهمة جعلتها تعود بسؤالها بعدم استيعاب:
_أيه اللي حصل!
تملكتها الدموع وهي تقص لها:
_” كريم” زميلي اللي كلمتك عنه قبل كده، اتهجم عليا امبارح ولولا شاب ربنا بعته ليا أنقذني من تحت أيده كان زماني وقعت في كارثة مفيش مخرج منها.
برقت بعينيها وهي تتساءل في هلعٍ:
_وأنتي كويسة؟!
علمت ما تقصده بتلميحاتها فقالت:
_ملحقش يعمل حاجة، الشاب ده أنقذني مرتين، مرة من الحقير اللي اسمه “كريم” ده والمرة التانية لما وقعت في المياة.
وبهيام أضافت:
_أنا معرفتش أشكره كويس على اللي عمله معايا، كل اللي فكرت فيه اني أرجع بسرعة قبل ما “بدر” يأخد باله إني مش موجودة، أنتي عارفة لو عرف حاجة زي كده ممكن يعمل أيه؟!
احتضنتها “رؤى” بجسد مرتجف وهي تردد بارتباكٍ عصف بها:
_مش مهم كل ده المهم انك بخير الحمد لله ربنا بيحبك عشان كده بعتلك اللي ينجدك.
ومن ثم ابعدتها عنها، لتحاوط وجنتها بأصبعيها وهي تستكمل بدمعات غزت وجهها الأبيض:
_أنتي متعرفيش أد أيه الاحساس ده صعب إنك تعيشه، أصعب من الموت بمراحل وميعرفهوش غير اللي عاشه وإختبره.
منحتها “روجينا” نظرة شك أنهتها بسؤالها الصريح:
_أنتي فيكِ أيه يا “رؤى” من يوم ما رجعتي مصر وأنتي مش طبيعية، حتى طريقتك وكلامك!
ابتعدت عنها ومن ثم جلست على الفراش، لتبكي بصمتٍ مما أكد للأخرى صدق حدسها، فاتبعتها لتجلس جوارها ومن ثم قالت بخوفٍ:
_في أيه؟!
خرجت عن صمتها أخيراً لتبوح عما يضيق بصدرها:
_أنا اتعرضت لنفس اللي انتي واجهتيه يا “روجينا” بس الفرق بينا إنك لقيتي اللي يساعدك لكن أنا لأ.
جحظت عينيها في صدمة، فلطمت وجهها وهي تهمس بعدم استيعاب:
_يا نهار أسود، أيه اللي بتقوليه ده، ازاي وأمته وفين؟!
ردت عليها بدموعٍ تدفقت لتفيق الآلآم بداخلها:
_كنت بحاول أنسى الإنسان اللي حبيته ففقدت نفسي..
ورفعت وجهها مقابلها وهي توضح لها بانكسارٍ:
_عيشتي في أمريكا أثرت عليا وغصب عني اندمجت بعادتهم وبقيت زيهم، لدرجة إني بقيت متقبلة إن فقدان العذرية مع الشخص اللي بحبه مش شرط يكون بعقد جواز..
وتطلعت لها وهي تسترسل بحرجٍ:
_ولما حبيت وجيت أعمل كده الإنسان اللي حبيته رفضني ورفض تفكيري ده، حسيت وقتها إنه بنى آدم متخلف وراجعي..
أجابتها بسخطٍ:
_متخلف وراجعي! .. ده راجل بجد وحبك بجد وأكيد كان هيصونك!
أغلقت عينيها بإلمٍ وكأنها تحارب تلك الغصة المؤلمة التي هاجمتها لتو، ومن ثم استطردت لتفيض بما يعيقها:
_لما رجعت كنت عايزة أنتقم من اللي عمله بس مكنتش أعرف إني بنتقم من نفسي، إحساس انعدام الثقة برفضه ليا خلاني زي المجنونة اللي عايزة تسلم نفسها لأي حد لمجرد إنها تأكد لنفسها إنها جميلة ومرغوب فيها!
صعقت مما استمعت اليه ومع ذلك تماسكت وهي تسألها بإهتمامٍ:
_وبعدين؟
التقطت نفس عميق قبل أن تجيبها:
_قابلت شاب من مصر وبيدرس معانا بنفس الجامعة، كان معجب بيا وأنا حسيتها فرصة أحاول بيها أنسى اللي حبيته وخروجة في التانية طلب مني أروحله حفلة عيد ميلاده، وفعلاً روحت وكان هناك عدد بسيط من أصدقائه ونصهم كانوا من نيويورك، قدملي مشروب ولما شربته حسيت بجسمي بيتخدر، ومحستش بأي حاجة بعدها غير وهو بياخدني أوضته اللي كان فيها اتنين من أصحابه، وأنا مصدومه ومش قادرة حتى اني أصرخ، والغريبة بقا انه مش شايف نفسه عمل حاجة لأنه متأكد إن الشرف عند الامريكان مش شيء مهم زي مانا كنت فاهمه، حسيت ان ربنا بيعاقبني على طريقة تفكيري وعلى خسارتي الكبيرة للشخص اللي حبيته، أنا من اللحظة دي يا روجينا فقدت نفسي وحياتي بقت بتضيق عليا، إحساس الإنكسار بشع وأنا انكسرت أكتر من مرة وفوقت بس متأخر.
خيم الحزن على وجه “روجينا”، فكلماتها غزت قلبها بسهام قاتلة، فكيف للمرأة أن لا تشعر بألم إمرأة مثلها، احتضنتها وهي تردد بصوتٍ باكي:
_وخبيتي عليا كل ده يا”رؤى” ، أنا كان قلبي حاسس إن أنتي فيكِ حاجة مش مظبوطة ودلوقتي اتاكدت..
شددت الأخرى من احتضنها لتترك العنان لشهقات دمعاتها المكبوتة بالإنفلات، بكت بصوتٍ مرتفع كاد بأن يذبح “روجينا” التي حاولت بكافة الطرق تهدئتها، فأبعدتها عنها وهي تزيح دموعها ثم قالت بحزنٍ:
_ليه سكتي عن حقك مرفعتيش قضية عليه ليه وبهدلتي الدنيا؟
ابتسمت ساخرةٍ:
_مش دي كانت رغبتي من الأول، يمكن ربنا عمل كده علشان أحس باللي كنت ناوية أعمله بنفسي، وأعرف قيمة الشخص اللي ضيعته من إيدي بمنتهى السهولة.
تطلعت لها مطولاً، ثم سألتها بتريثٍ:
_مين الشخص ده؟
ابتلعت ريقها بتوترٍ وكأنها لا تملك الجرءة الكافية لإجابتها، ومع ذلك أصرت “روجينا” بسؤالها من جديد:
_مين يا “رؤى”؟
أطبقت على شفتيها وهي تجاهد بنطق اسمه، وحينما استسلمت قالت بانهزامٍ:
_” بدر”.
ذهلت للغاية، ورددت بصدمةٍ:
_”بدر”!!… أنتي بتهزري صح؟
ردت عليها بضيقٍ:
_تفتكري هيجيلي نفس أهزر وأنا بتكلم عن موضوع زي ده!
قالت مسرعة:
_مقصدش يا حبيبتي بس “بدر” طبعه صعب وأنتي أكيد عارفة ده كويس، إزاي قدرتي تقوليله كده!
عبست بنظراتها الحزينة وهي تجيبها:
_معرفش، قولتلك كنت متأثرة بعادتهم وأنا لا شكلهم ولا زيهم.
استوقفتها ذاتها للحظات، وكأنها تخطو على نفس منهجها حينما كانت تلحق خطى صديقة السوء “تقى”، تذكرت كم إنخلع قلبها حينما ازاح هذا الحقير حجابها الذي حاولت الاخرى اقناعها بالتخلي عنه، فحينما غاب عنها شعرت وكأنها عارية، ربما لأنها لا تشبههم، لا تعلم لما عاد حديث”حور” ليلمع بعقلها بتلك اللحظة عن صاحبة السوء، ومن ثم تم الغزو على عقلها بتذكرها لذاك الشاب الوسيم الذي سلب مفتاح قلبها المغلق، ليعلقه بين يديه، ليعيد من أمامها ملامح وجهه الرجولي الذي احتفظت بها لنفسها، وخاصة إسمه الذي بات مميزاً لها باللحظة التي قرأته عينيها!
***********
كان عليه العودة للبلد قبلهما لأموراً هامة متعلقة بأمور مزارع الفواكه التابعة إليهم، فأوصى السكرتير الخاص به بإرسال الملفات اللازمة بصحبةٍ تسنيم التي تستعد للسفر بالغد، فذهبت للمصنع لتحصل على الأوراق اللازمة لتحضرها بالحقيبة الصغيرة التي وضعها “آسر” على سطح مكتبه، اضطرت للبقاء بمكتبه لفترة طويلة حتى ترتب ما ستحتاج إليه حينما تأتي بالغد، وبتلك الحجة بقيت لوقت طويل بداخل مكتبه، لا تعلم ما الذي يصيب جسدها كلما لامست غرض يخصه، جتى قلمه المعلق من أمامها!
مقعده يشعرها بحنان غريب وكأنه هو من يحتضنها برفقٍ، إحساس الأمان والدفء الغريب الذي استأنست به بداخل غرفة مكتبه جعلتها تشعر بأن هناك ما يربطها به، فربما أصبحت تحبه، لا هل هذا العشق الذي يتنقل على لسان قيس وليلى؟.. أم روميو وجوليت؟!
*********
ولجت “حور” للمصعد ثم كادت بأن تغلق بابه لتستعد بالصعود لشقة الفتيات، فاوقفه “أحمد” ومن ثم ولج للداخل، فرسمت الابتسامة على وجهه وهو يردد بحماسٍ:
_”حور”.. عملتي أيه في الامتحان؟
ابتسمت حينما رأته يقف أمامها ، فتلعثمت بقول:
_الحمد لله الامتحان كان سهل وكل اللي ذكرته لقيته.
تعالت ضحكاته وهو يخبرها بغرورٍ:
_دي بركات الأكل اللي عملته والقهوة اللي خليتك تركزي كده.
قالت بمرحٍ:
_شكله كده، وتقديراً للي عملته هطلع أغير هدومي وأعملك أحلى طاجن ورق عنب باللحمة.
ضحك وهو يشير لها:
_كده هصحى اعملك فطار وقهوة كل يوم.
قالت بمرح:
_خلاص أنت عليك الفطار وأنا الغدا.
فتح باب المصعد بعدما توقف، وهو يجيبها:
_معنديش مانع مدام هناكل اكلة ترم العضم.
استدارت تجاهه قبل ان تدس مفتاحها بالباب، لتخبره على استحياء:
_قولي بس على الغدا اللي تحبه وأنا عيوني ليك يا “أحمد” والله.
انخطف قلبه مع تردديها لأسمه بصوتها الرقيق، منحها ابتسامة مصطنعة قبل ان يدلف لشقته المقابلة لها، فجلس على أقرب مقعد وكل تفكيره مركز بها، وبكل ما يخصها، حتى صوتها وارتدائها لخمار فضفاض، ببساطةٍ لم يترك شاردة وواردة تخصها الا وفكر بها عن دون قصد وكأن قلبه اصبح متصل بها هي على غير عادته!
***********
بعدما ذهبت لغرفته باحثة عنها، علمت من خدمة الغرف بأنه يجلس بالأسفل، فبحثت عنه بعينيها حتى اهتدت بمحله، لتجده يجلس بطلته الخاطفة للانفاس ويرتشف من كوب العصير الموضوع من أمامه بثباتٍ يفتك بقلبها الضعيف، ارتبكت “روجينا” وأخذت تعدل من حجابها ومن ثم يزداد عقلها تشتت بالتفكير عما ستبدأ بقوله، ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجهه وهو يتابع انعكاس صورتها بالمرآة من أمامه، ومازال لا يمنحها اهتماماً يجلس باتزانٍ وثقة تجعله مرغوب به، يعلم كيف يستغل وسامته وثقته بذاته في الفتك بقلوبهن، وكأنه كان على ثقة بأنها من ستتأخذ الخطوة الاولى، وجدها تقترب منه حتى أصبحت بمرمى بصره، فابتسمت وهي تردد على استحياء:
_كنت بدور عليك.
وضع “أيان” كوب العصير من يديه وهو يردد بثباتٍ:
_عني انا؟ ، ليه خير!
عبثت بأصابع يدها بارتباكٍ وخاصة حينما قال:
_قررتي تقدمي بلاغ ولا أيه؟
ارتبكت “روجينا” للغاية وكأنه اكتشف حجتها للقاء به مجدداً، فقالت بتوترٍ:
_لا بس كنت حابة أشكرك اتاني مرة على اللي عملته معايا.. عن أذنك.
وكادت بالمغادرة، فنهض “أيان” ليقف أمامها ومن ثم قال وهو يسبل بنظراته بعينيه الرمادية الفتاكة:
_طيب الشكر بيبقى بالجفاء ده!
كسى وجهها لون احمر قاتم، فبللت شفتيها بلعابها وهي تتساءل بعدم فهم:
_إزاي!
قال بنظرة ماكرة تعمقت بالتتطلع لعينيها:
_أقصد انك على الاقل تشربي معايا حاجة.
تنفست بارتياح لفهم مقصده، فأشار بيديه على المقعد المجاور له، فجلست وهي تراقبه باهتمامٍ وقلبها يتراقص طرباً لقربها منه، لا تعلم كيف اعجبت به سريعاً هكذا، على الرغم من إنها ترتدي دبلة تخص رجلاً غيره، بقت نظراته الثاقبة مسلطة عليها، الى ان قاطع الصمت بينهما بصوته الرجولي الخشن:
_تحبي تشربي أيه؟
أجابته بعد تفكير:
_عصير برتقان..
أومأ براسه ثم رفع إصابعيه للنادل الذي اتى مسرعاً ليردد باحترام:
_تحت أمرك يا “أيان” باشا.
أخبره بمطلبه ليغادر سريعاً، فقالت “روجينا” بتخمينٍ:
_واضح انها مش اول مرة ليك بالفندق هنا؟!
ابتسم وهو يجيبها:
_أغلب الصفقات اللي بتممها مع العملاء بتكون هنا، شغلي متنقل بين القاهرة وإسكندرية والصعيد.
بكل اهتمام تساءلت:
_ليه بتشتغل أيه؟
منحها نظرة مطولة قبل أن يجيبها:
_رجل أعمال وتجارتي الاساسية مصانع للأعلاف..
نظراتها كمنت بالأعجاب تجاه هذا الشخص الذي حمل صفات مشتركة من فتى أحلامها، وضع النادل العصير من امامها فأشار لها “أيان” بتناوله، فارتشفت منه بضع قطرات ليعم الصمت من جديد، ليكسره هو حينما تساءل:
_طمنيني ابن عمك زعقلك او قالك حاجة على بياتك بره؟
قالت وهي تطلع له:
_لا الحمد لله معرفش.
رفع حاجبيه وهو يخبرها بهدوءٍ:
_طب كويس.
ابتسمت بارتباكٍ وهي تحارب للنهوض والمغادرة وبداخلها رغبة بالبقاء معه لوقتٍ أطول، وبالنهاية انتصرت فنهضت وهي تخبره بارتباكٍ:
_أنا لازم امشي… عن أذنك..
نهض ليقف من أمامها ثم قال بصوتٍ جعله متلهف:
_طب مش هشوفك تاني، انا حتى معرفش اسمك ايه؟
خطفتها السعادة وهي تخبره بابتسامة رقيقة:
_”روجينا”… اسمي “روجينا”.
قال بهمس ساحر:
_اسمك جميل.
اخفت ابتسامتها بصعوبةٍ وهي تغادر من أمام نظراته الساهمة، فما أن اختفت من امامه حتى عاد وجهه ليتصلب بحدةٍ من جديدٍ…
**********
ما أن وصل للبلد حتى هرع لجواده الذي اشتاق إليه، فمرر”آسر” يديه على جسده الأبيض ليحني رأسه للأرض اشتياق له، ابتسم “آسر” وهو يداعبه ثم قال:
_أكتر حاجة بتوحشني بالمكان ده أنت يا “همام”، بس ببقى عارف اني مهما ابعد واطول هرجع ألقيك مستنيني..
صهل الخيل كتعبير عن حبه الشديد اليه، فابتسم” آسر”وهو يخبره بمشاكسة:
_أممم، شكلي موحشتكش أد ما مهجة وحشتك، انت خبيث وماكر بس ماشي هجبهالك.
وخرج “آسر” ليجذب المهرة “مهجة” ومن ثم ربطها جواره فبدى الاخير سعيداً للغاية، راقبهما “آسر” عن بعد وقد هامت به الذكريات وحنت إليها، فشعر بأن قلبه يحواطه برودة وجفاء لوحدة رؤياها، وكأنه يستأنس باحتضان نظراته لها… زفر وهو يردد بصوت منخفض ساخر:
_شكلي أنا كمان مشتاق للقرب زيك!
*********
ملت بالجلوس أمام البحر لساعاتٍ مطولة، فصعدت للغرفة حتى ترتاح قليلاً، كادت “رؤى” بتخطي الطرقة الفاصلة بين غرفتها وغرفة “بدر” فتفاجئت ببابها يفتح ومن ثم بذراعٍ قوي يجذبها للداخل، لينغلق الباب من خلفها، ابتلعت ريقها بصعوبة حينما كمم فمها ليصبح مقابلها، يحدجها بنظرةٍ مخيفة، ثم أبعد يديه عنها وهو يردد بلهجةٍ حازمة:
_مش هتخرجي من هنا غير لما تجاوبيني على كل أسئلتي.. فاهمة؟.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))