روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل الثاني 2 بقلم قوت القلوب

موقع كتابك في سطور

رواية ظننتك قلبي الفصل الثاني 2 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني

رواية ظننتك قلبي البارت الثاني

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة الثانية

(مهمة عمل )
فـ لتَكُفِي أيتها الحياة عن تقييد حريتي ووضعي بخانة المهزومة ، فلن أنساق خلف أوهام إرضائِك على حساب نفسي ، فقد أخذت عهدًا ألا أهتم أو ألتفت إلى الوراء ، لن يشغلني رأى الحاقدين بي ، يكفيني أننى أتنفس بحرية .
سواء إعتقد البعض بأنها مريضة نفسية أو لا ، لم تهتم “عهد” يومًا بما يقال عنها من خلف ظهرها ، فلو كان خصمها قويًا لواجهها وجهًا لوجه ، ودون ذلك فهذا أمر لا يستحق حقًا حتى عناء التفكير به ..
إستقلت إحدى سيارات الأجرة متجهة نحو مقر عملها لبداية يوم عمل جديد ، فهذا بالفعل ما تكترث له أن تحقق ذاتها و تُعلى من شأنها وقيمتها بعملها الجاد ..
توقفت السيارة أمام هذا الصرح الضخم لتدلف نحو الداخل بخطواتها الصارمة التى تجبر الجميع على التعامل معها کَ فرد قوى مثلها مثل زملائها من الذكور فهي لا تقل عنهم جدية وصرامة وأيضًا قوة ..
لم تتجه اليوم لمكتبها مباشرة بل إتخذت الرواق الطويل نحو مكتب مديرها الذى طلب برؤيتها فور وصولها لتطرق الباب بعدة طرقات قبل أن تستمع لصوت السيد “نظمى” يسمح لها بالدخول ..
_ إدخل …
ولجت إلى الداخل برسمية للغاية ملقية تحية الصباح بهدوء …
_ صباح الخير يا فندم ..(لم تكثر بالحديث أو تتطرق لسبب إستدعائها فور وصولها بل إنتظرت أن يبدأ “نظمى” بتوجيه الحديث إليها) .
أغلق “نظمى” أحد الملفات التى كان يطالعها رافعًا من رأسه يحدق بـ”عهد” للحظات قبل أن يستطرد حديثه كما لو كان يراجع قراره الذى إتخذه منذ قليل متأكدًا من أهليتها للقيام بذلك ، ثم بصوت رخيم رد تحيتها قائلاً .
_ صباح الخير ، إقعدي يا “عهد” …
إتخذت مقعدها المقابل له وهي تستمع بإنصات شديد عن سبب هذا اللقاء المبكر فيما إستطرد “نظمى” مستكملًا ..
_ شوفي يا “عهد” ، طبعًا إنتِ من أكفأ الناس عندي هنا ، عشان كدة وقع إختياري عليكِ إن إنتِ إللي حتسافري ..
لم تكن “عهد” تعلم بعد عن كافة تفاصيل هذا العمل لكنها لم تُبدى أى رد فعل سواء بالقبول أو بالرفض الذى هو ليس من شيمها من الأساس ، لكنها إستمعت لتوضيح “نظمى” للأمر حين لوح لها بملف أزرق قائلًا ..
_ ده الملف فيه كل التفاصيل إللى إنتِ حتحتاجيها ..
– أكيد يا فندم ..
مدت كفها تلتقط الملف المقدم لها دون أى إعتراض ، وهذا ما ظنه “نظمى” بها فهي لا ترفض أى عمل يوكل إليها مهما كان درجة صعوبته …
– أنا عارف إنك مش حتخذليني فى إللي مطلوب منك … الأمر بسيط جدًا وموضح لك كل حاجة فى الملف …. فيه أى إستفسار تحبي تسأليني عنه …؟؟؟
– لأ تمام …
– كويس أوى …. الملف معاكِ إدرسيه كويس وإنتي عارفاني مش بحب الأخطاء …
أجابته بإيمائة خفيفة دون أن تلقى حتى ولو نظرة خاطفة عن تلك المهمة الموكلة إليها بل كانت بقرارة نفسها تعلم قدرتها على إنجاز أى عمل مهما تطلب الأمر …
_ تمام ..
أعاد “نظمى” جزعه للخلف وقد إرتسم على ثغرة الغليظ بسمة متكلفة ماكرة للغاية مدركًا أن “عهد” صاحبة المهام الصعبة فهو يقحمها كل مرة بعمل أقسى مما قبله ليردف بتوضيح أقرب الغموض منه للإيضاح …
_ السفر بكره لسويسرا ، وأحب أأكد عليكِ تاني … أنا مبحبش الأخطاء ..
كلمة مقتضبة موجزه كانت هي نهاية لقائها بـ”نظمى” قبل مغادرتها لمكتبِه ..
– أكيد ..
إتجهت مباشرة نحو مكتبها لتطلع على فحوى هذا الملف لتقرأ ما به من مهمة وكلت إليها حين وجدت أن الأمر ما هو إلا رحلة جيولوجية للجنوب السويسري لرسم خريطة لأحد المحميات الطبيعية كخبيرة جيولوجية برفقة مجموعة متدربة ، لم يكن بالأمر الصعب عليها أدائه لكن ما أرّقها بالفعل هو تلك الأجواء الباردة بتلك البقعة ذات درجة الحرارة المنخفضة للغاية بهذا الوقت من العام ، زاد على ذلك أن تلك الرحلة تقع فوق أحد أودية الجبال ..
ربما لم تستحسن سفرها بهذا البرد القارس لكنها ليس لديها رفاهية الرفض .
فهي كما تقسو على الجميع تقسو أيضًا على نفسها ، وبشكل مبالغ فيه ، لا تعطي لنفسها ولو فرصة للتفكير بل دائمًا ما تقحم نفسها بكافة الأعمال دون حساب لما تشاء أو تأبى القيام به ، كما لو أن نفسها شخص آخر تجبره نحو قرارات عقلها المتحجرة وعليها الإنصياع لنفسها دون أن تسمح بأى تدخل عاطفي من جانب لين مظلم بداخلها ..
بعد أن إضطلعت على كامل تفاصيل الملف وطبيعة المهمة التى عليها القيام بها غادرت مكتبها لتتجه صوب شقتها البائسة لتحضير حقيبة سفرها فعليها السفر بالغد ..
لم تدرى أن بتلك الأثناء كانت هناك عيون تتربص بها تنتظر مغادرتها ليدلف إلى مكتب “نظمى” بخطوات قلقة ..
إنه “طه” شاب ثلاثيني طويل القامة نحيل الوجه ، ذو أنف حاد وذقن مدببة ، تتحلى عيناه البنيتان بفراسة وذكاء رغم ظهوره بعكس ذلك إلا أنه شديد الدهاء ، ماهر بعمله للغاية حتى أنه يفوق “عهد” بقدراته وذكائه المتقد ..
دلف “طه” إلى مكتب “نظمى” كما لو كان يستكمل حديثًا قد قطع للتو ..
_ وافقت ..؟!!
رمقه “نظمى” بحدة بنظرة تحمل معنى لا تتدخل فيما لا يعنيك وأن هذا الأمر يخصه وحده بتكليفها بهذا العمل ، ليردف بكلمات مقتضبة ..
_ أيوة يا “طه” قلت لها …( ثم تحولت نبرته لحدة لاذعة )… عندك إعتراض ..!!!
تحول تجهم “طه” لإبتسامة مزيفة وهو يردف بنبرة يخفى بها الضيق الذى حل بنفسه ..
_ لأ طبعًا يا ريس ، هو فيه بعد كلامك كلام ، أنا ..اا .. بس إفتكرتك غيرت رأيك أو ممكن تكون هي رفضت المهمة والسفر …
إحساس داخلي لا يخيب بداخله بأن “نظمى” تضايق من مراجعته لقراره بخصوص “عهد” لتتحول طريقة “طه” إلى التملق ليخرج من هذا المأزق ..
_ دى “عهد” دى أنسب واحدة للمهمة دى ، وحدانيه وتقدر تسافر فورًا ، إختيار موفق يا ريس …
أومئ “نظمى” بلا إكتراث قبل أن يطلب من “طه” مغادرة المكتب فهو لا يحب أن يُعدل أحد على قرار إتخذه ..
_ إتفضل إنت يا “طه” على مكتبك ..
خرج “طه” مغمغمًا بسخط لتكليف “عهد” بتلك المهمة فكم كان يود لو يفسد هذا الأمر برمته …
________________________________
بيت عائلة دويدار …
رغم أن مازال الوقت مبكرًا إلا أن الظهيرة قد أوشكت للغاية ، وخاصة و أن هذا وقت يختلف تمامًا عن موعده الصباحي ، فهو شاب ملتزم للغاية بحكم عمله كرجل قانون ..
إنه (عيسى دويدار) الإبن البكر للمستشار “خالد دويدار” والذى يقطن بذات البناية مع والديه لكن بشقة منفصلة بالدور العلوي ..
رفع سترة حُلته السوداء مستكملاً أناقته بها إستعدادًا لبداية يوم عمل متأخر فاليوم لا عمل لديه بالمحكمة ، بل سيتجه مباشرة نحو مكتبه الخاص …
“عيسى” شاب خلوق قوي الشخصية بشكل ملحوظ ، جاد الطباع كأبيه “خالد” ، متوسط الطول والبنية ، يتمتع بوجه محدب وعينان بنيتان وفم دقيق ووسامة هادئة ، وبرغم جديته المعتادة إلا أن له إبتسامة ساحرة لا تظهر إلا لإستثناء واحد فقط ..
رغم أن كل ما بحياته يسير وفق جدول زمني محدد وأفكار واضحة صفات توارثها من أبيه الملتزم الذى أنشأهم بحزم وجديه بحكم طبعه الجاد ، إلا أن إستثناء حياته وقع بقطعة الشيكولاتة خاصته ، زوجته “غدير” النائمة بعشوائية لا تتناسب مطلقًا مع حياته الدقيقة المرتبة ..
فوضويتها هي أجمل ما بها ، إنها استثنائية خارجة عن المألوف ، هي الشئ المختلف الذى أكسب حياته الرتيبة معنى لكلمة (حياة) ، فـ “غدير” عشق يروي أيامه الجافة مغدقًا حياته الذابلة …
إلتف بجذعه نحوها يتطلع بأعين مبتسمة تجاه تلك الفوضوية التى تغط بنوم عميق للغاية كالغارقة وسط الوسائد ، حتى وجهها مغطى بأكمله بخصلات شعرها المموج .
دنا منها بروح مُحبة ليزيح بعض الخصلات عن وجهها الناعس مقبلاً وجنتها دون أن تشعر به ليبدأ من هذا الوداع بداية يوم عمل جديد ، إستقام حاملًا حقيبته الجلدية متجهًا لمكتب المحاماة خاصته …
________________________________
شقة المستشار خالد دويدار …
تصفح “خالد” أحد كتبه من مكتبته الخاصة يحاول به قضاء هذا الوقت بسأم بعد مغادرة “منار” منذ قليل ..
هو لا يتذمر لعملها الذى كان دومًا محفزًا لها به ، لكن إقامته الكاملة بالمنزل أصبحت تزيد من ضيقته بعد تقاعدة الغير معتاد عليه …
خطوات بطيئة تحركت نحوه ليدرك أن ولده الأصغر “رؤوف” قد إستيقظ أخيرًا ، أغلق كتابه لينظر من فوق نظارته الخاصة بالقراءة تجاه هذا الناعس الذى لا يشبهه إطلاقًا لا بملامحه اللطيفة ولا بصفاته الحانية …
_ إنت صحيت … إيه النوم ده كله يا “رؤوف” ، ما تبطل كسل بقى يا إبنى ده مش باقي على الظهر إلا ربع ساعة …
تملل “رؤوف” بنعاس وقد إتسعت بسمته اللطيفة لتتوهج ملامحة لشاب عشريني ذو وجه مستدير وشعر مموج بخصلات عشوائية تدل على حياته الغير جدية كبقية رجال عائلته ..
فقد تميز “رؤوف” بإختلافه عن الجميع ، شاب محب للحياة والناس ، حنون تلقائي إجتماعي بشكل لا يوصف ، إقباله على الحياة كانت دومًا محط خلاف بينه وبين والده الجاد الحازم طيلة الوقت ..
مع إتساع إبتسامته أجاب والده بلين وهدوء يثيران سخط “خالد” بشكل كبير ..
_ أنا أجازة النهارده يا حبيبي ، أنام لى شوية ، حبة راحة يا “خالود” …
ضرب خالد كفيه ببعضهما البعض متعجبًا من طريقة إبنه المستفزة لينهره بإسلوبه المتكرر …
_ يا إبنى إنشف شوية ، إيه “خالود” دى ، بلعب معاك فى الشارع أنا ..!!!!
بإبتسامة صافية وقُبلة حنونة أجابه “رؤوف” ..
_ وهو أنا أطول يبقى عندى صاحب قمر كدة يا سيادة المستشار …
إرتسمت بسمة خفيفة فوق ثغر “خالد” فهو رغم رفضه لحياة اللين التى إتخذها “رؤوف” إلا أنه يستمتع بتعبير ولده له عن حبه بهذا الشكل ليزجه بخفة ..
_ بس يا بكاش … إنت تعمل الحبة دول على أمك ولا خطيبتك ، مش أنا …
_ وماله يا باشا ، إنت و هم ، هو أنا ليا غيركم ..
إستدار “رؤوف” عائدًا تجاه غرفته لتبديل ملابسة حين إستوقفه والده قائلًا …
_ إبقى كلم “نيرة” ، إتصلت بيك من شوية لقت تليفونك مقفول ، كلمتنى ، وعاوزاك تكلمها ..
تذكر “رؤوف” موعده معها بالمساء مغمغمًا بنبرة منخفضة …
_ أوف … ده أنا نسيت إننا حنقابل النهارده .. (ثم أعلى من صوته مجيبًا والده) … تمام يا بابا .. حكلمها …
دلف إلى غرفته موبخًا إحداهن …
_ ما هو لولا البنت السخيفة إللى طول الليل ترن دى مكنتش قفلت التليفون ، ربنا يستر من زعل “نيرة” أنا مش قد عصبيتها ، بس أعمل إيه فى قلبي الحنين …
عيبه الوحيد كلامه المعسول مع الجميع ، خاصة الفتيات اللاتى يتهافتن عليه لطريقته الناعمة الحنونة معهم ، لكن قلبه يبقي مع واحدة فقط ، خطيبته “نيرة” …
________________________________
أوقات صامته للغاية ، يكاد ينسى بها كيف هو صوت الكلمات ، تلك هي حياتها صامتة باهتة قاتمة ..
مع حلول المساء إنتهت “عهد” من تجهيز حقيبة سفرها ووضعت بها ملابس شتوية ثقيلة للغاية ، فهي تكره البرودة ، لكنها مضطرة لتلك السفرة فهذه مهمة عمل لا يمكنها رفضها ..
كاد اليوم على الإنتهاء وحان خلع قناعها الشرس فلم يتبقى سواها والجدران من حولها ، تنهدت بغصة فمن داخلها هشة للغاية بغير ما تدعى ، أخذت تفكر بأن تتصل بأختها أو خالتها تخبرهم بسفرها لكنها فى النهاية تراجعت وجلست بهدوء تطالع عقارب الساعة وهى تتلاحق ببطء شديد فى إنتظار مرور الوقت …
مدت أصابعها الطويلة تجاه الهاتف لتخرج رقم “وعد” والتى لم تخاطبها بنفسها منذ قرارها الأخير الذى تراه “عهد” منتهى الجنون ، أرادت عقابها لتتراجع عن تلك الهاوية التى ستلقى نفسها لها بمحض إرادتها …
ظلت تنظر للرقم بتردد هل تتصل بها وتودعها أم تبقى على موقفها منها ، بكل مرة تمد إصبعها تتراجع باللحظات الأخيرة …
_ لأ .. مش حكلمك ، طول ما إنتِ غبية كدة ، مش حكلمك يا “وعد” ..
هي تحبها للغاية وتشفق على حياتها التى لا تستحقها ، تتمني أن تثور وترفض هذا الخنوع ، فـ”وعد” طيبة القلب لا تستحق أن تعيش بهذه التعاسة ..
تظن أن بقسوتها على أختها ستتحرك وتأخذ موقفًا يبدل حياتها وتستعيد حياتها من جديد ..
مطت شفتيها بتعاسة وهي تلقي نظرها بضيق نحو شاشة هاتفها قبل أن تطفئه متخذة قرارها بعدم الإتصال بها ..
لتكتفي بإنتظار مرور الساعات حتى يحل الصباح لتلحق بطائرتها …
________________________________
بيت وعد …
ذلك المسمي بيت العائلة أيضًا ، لكن هذا البيت يضم عائلة واحدة بالفعل ، إنها عائلة زوجها “عاطف الأسمر” ، الإبن الأكبر للحاج “محفوظ الأسمر” صاحب (تجارة الأسمر لبيع كاوتش السيارات ) ، رجل سوقي غير متعلم لكنه ذو سيط واسع وثراء كبير ..
تزوجت “وعد” من إبنه البكر “عاطف” الذى لاحقها كثيرًا أثناء دراستها بالجامعة لتعلقه المتيم بها ، فهي جميلة رقيقة للغاية ، إستطاعت التمكن من قلبه بقوة ليسقط هائمًا بعشقها برؤيتها فقط حين تمر أمام تجارتهم لبيع الكاوتش بطريقها للجامعة ..
قبلت “وعد” زواجها منه رغبة منها بالشعور بهذا الحب والإهتمام الذى كان يغدقها به ، فهي كانت بحاجة ماسة لهذا الإحساس الذى تفتقره بحياتها مع أختها الوحيدة “عهد” خاصة وهم فتاتان وحيدتان منذ وفاة والدتهما منذ بضعة سنوات بعد صراع من المرض …
حياتهم خاوية قاتمة لا عطف ولا حنان ولا رعاية فيها ، ظنت أن بزواجها من “عاطف” سوف تلتحق كفرد بأسرة كبيرة تعوض حرمانها من فقدانها لأسرتها منذ سنوات طوال ..
لكن سرعان ما تحول عشق “عاطف” الحنون لحب للسيطرة والتملك ، فقد حصل على مبتغاه بزواجه منها ووجودها كواقع ملازمًا له بحياته ..
زاد الأمر سوءًا عائلته التى تعيش معهم بنفس البيت لما يحاولون فرض سيطرتهم عليها بشكل أنهك قواها الضعيفة ، فهي ليست صلده ک “عهد” بل هي ضعيفة مرهفة للغاية …
نظرت نحو تيشرت بالخزانة أسود اللون لتهيم به متذكرة هذا اليوم منذ بضعة أشهر ..
(فلاش باك) ..
﴿ مشطت “وعد” شعر ولدها الأشعث بفوضاوية كوالده بعد أن أنهي إغتساله للتو ، كان يرتدي تيشرت وردي طبع عليه رسمة واضحة لأحد الشخصيات الكرتونية لفيلم خاص بالسيارت التى يحبها “زين” وبنطال قصير من اللون الأزرق القاتم …
إلتفت الصغير نحو والدته يحيطها بذراعيها الصغيران ويطبع قُبلة فوق خدها بلطافة لتنغمس “وعد” بأحضان هذا الحنون ذو الأربعة أعوام فهو الشئ الوحيد الذى يجعلها تتشبث بتلك الحياة وتتغاضى عن كل ما بها لأجلها .
فتحت “وعد” عيناها تنظر نحو “زين” قائله ..
_ يلا بقي ننام ، عشان مامي تنبسط منك ..
مجرد كلمة قالتها بمداعبة لإبنها ببساطة لكن لاقت سخرية قاسية من “عاطف” الذى جلس يطالع التلفاز منذ فترة لا بأس بها بعد عودته من المتجر الخاص بوالده ..
_ مامي !!!! … بلاش عوج وكلمي الواد عدل ..
إلتفت “وعد” تجاه “عاطف” مؤنبة نفسها من داخلها فأين كان عقلها حين أختارت هذا السوقى أبًا لإبنها ، تنهدت ببطء ثم بررت كلماتها ..
_كلمة يا “عاطف” ، كلمة بدلع بيها الولد ، عادى يعنى ..
إعتدل “عاطف” لتظهر ملامحة تجاه وجهها بوضوح لشاب ثلاثيني خمري البشرة وعينان بلون العسل ، له وجه مفلطح وسيم ، يتمتع بشفاه عريضة تناسبت مع وجهه الرجولى ، ذو شعر أشعث بلون بنى تتناثر خصلاته بشكل جذاب مع ملامحه الشرقية ، له إبتسامة مميزة للغاية حين يضحك تظهر له أسنانه العريضة وحركة لا إرادية للسانه وهو يثنيه للأعلى حين تنتابه لحظة من لحظات السعادة …
لم يكن قبيح الوجه مغثى للنفس ، بل كان على درجة وافرة من الوسامة والحُسن ، ربما هذا ما جعله يعطي نفسه قيمة كبيرة تفوق حدها مما زاده غروره بما يملكه ، خاصة مع إمتلاكه لمال والده ليصبح مطمع للكثير من الفتيات أيضًا …
لكنه يفتقر للذوق وحسن الخلق خاصة معها ، فقد تبدلت طِباعه بشكل مقلق بعد زواجه من “وعد” وزاد لديه حب التملك والسيطرة فقد كانت ک نجمة عالية تمنى أن يطولها ..
نجمة متلألئة بالسماء الوصول لها حلم من أحلام الكثير ، قبض عليها بكفه القاسي ليفتتها لرماد تناثره الرياح لتبقى صخرة لا قيمة لها ..
هكذا هي معه ، مجرد صخرة لا تشعر ولا تثور على وضع خاطئ ، فمنذ متى تخبئ النجوم بين الوحل وتُطالَب ببريق للحياة ..
عقد “عاطف” حاجباه الغليظان بسخط وسأم مما تفعله “وعد” ليردف بإستنكار …
_ طريقتك مع الواد متنفعش ، لازم يبقى جدع كدة زي أبوه وعمه ، إنتِ ولا بتفهمي فى التربية من أساسُه ..
إتسعت خضراوتيها بإستنكار قائله ..
_ أنا يا “عاطف” ، ده أنا حتى خريجة تربية ، ولا نسيت كنت عجباك إزاى ، وكنت بتحبنى إزاى ..؟؟!!!
_ عشان مغفل .. (قالها بتقزز ثم إستكمل محقرًا من ذوقها السيئ بإختيار ملابس إبنهما ) .. وبعدين إيه اللي إنتِ ملبساه للولد ده ؟؟! بمبي … !!! فيه ولد يلبس بمبي …؟؟
– على فكرة لون حلو ولايق على وشه جدًا …
– ولا حلو ولا نيله … دى ألوان بنات … ده ولد .. ولد .. ولا إنتِ مبتفهميش فى الأذواق …؟؟!
نشوة إعترته من تحقيرها ثم أكمل متباهيًا بأخته يحط من شأن “وعد” كما طالبوه جميعًا حتى لا تتعالى بظنها أعلى منه قدرًا وذوقًا فهو بالنهاية لم يستكمل دراسته وتعتبر هي أعلى منه بالمستوى التعليمي والفكري …
_ ده أنا لو أعرف إنك كدة ، عمرى ، عمرى ما كنت فكرت أتجوزك ، أنا كان نفسى فى بت جدعة زى “عتاب” أختى …
نهض متجهًا نحو خزانة الملابس الخاصة بـ “زين” مخرجًا تيشرت باللون الأسود القاتم ثم ألقاه بوجه “وعد” ببرود …
– خدى خليه يلبس ده .. أشيك وأحلى وقلعيه هدوم البنات دى ، ولا أقولك إديها لبنت “عتاب” أهى تنفعها …
ألا يكفيه مقارنتها بـ”عتاب” بل يزيدها ببروده والتحقير منها ومن ذوقها ، إرتجف قلبها بإنفعال لتكتفى بذلك ردًا على تقليله من شأنها ، فهى لا تستطيع الرد وأخذ حقها منه ، لتجد دموعها إجابه له ..
دموع كانت كفيلة بزيادة إنفعال “عاطف” قائلاً بسخط وهو يغادر الشقة ..
_ وليَّه نكد .. ليل ونهار عياط .. عياط … أنا نازل عند الجماعة تحت … دى عيشة تقصف العمر …
خرج من باب الشقة ومن داخلة يشعر بالتأنيب ففى كل مرة يحط من شأنها يصيب قلبه الضيق ، فهو لم ينسى أنه يعشقها بكل ذرة بكيانه ، لكنه لا يود أن تشعره بالدونية كما أخبروه أهله بعد زواجهم ..
مر بشقة والديه بالدور السفلي ، تلك شقتهم الكبيرة التى تحتوى على غرف بكلا الجانبين يتوسطها بهو كبير فالطابق كاملًا مؤثث لوالديه ، وجد “عاطف” والديه وأخته “عتاب” يتناولون طعام العشاء ليشاركهم طعامهم حين سألته “عتاب” بمكر ..
_ إيه … شكلك واخد لك شبشب ونازل …
“عتاب الأسمر” الأخت الكبري لـ”عاطف” و “محب” إمرأة على مشارف الأربعين من عمرها ذات جسد متوسط الطول والوزن أيضًا رغم عشقها للطعام إلا أنها تحب أن تظهر بأنسب صورة …
ذات وجه محدب وعينان سوداوتين وأنف مدبب وفم صغير ، مطلقة ولها ثلاثة فتيات تعيش مؤخرًا بعد إنفصالها ببيت والديها تهيمن بقوة على أى فرصة تُظهِر أنها صاحبة القوة والرأى الصائب …
ثار “عاطف” بصدر متهدج فهو لا يحبذ أن يظهر بصورة تقلل منه خاصة وهو محط إهتمام الجميع …
_”عتاااااب” … لمى نفسك … أنا “عاطف الأسمر” برضه …
ضغطت والدتها “قسمت” بأسنانها فوق شفتيها تمنعها من التمادى فيبدو أنه متضايق للغاية وهو المدلل لديها ..
“قسمت الجويلي” إمراة طويلة نحيلة لا تهتم سوى بأبنائها ومصلحتهم خاصة مدللها “عاطف” حتى لو على حساب أى شئ أو شخص آخر …
مالت “عتاب” بفمها قليلاً متسائله ..
_ أمال فين “محب” إتأخر ليه كدة ؟؟! ..
أجاب والدهم “محفوظ الأسمر” بخشونة وجمود كطبعه كرب أسرة متملك هو الآمر الناهي بها وله الكلمة الأولى والأخيرة ، حتى أبنائه ينصاعون له ولأوامره وأعماله فالكل يعمل لدى “محفوظ الأسمر” والكل يعيش تحت كنفه ببيت العائلة …
_ “محب” راح يستلم دفعة الكاوتش ومش جاى إلا بكره ..
أعلنت “قسمت” البدء فى تناول الطعام قبل أن يبرد ، لكن لا تعلم أن المتوهج هو القلوب وليس الطعام …
– يلا كلوا … مش حنستنى حد … ( كانت تقصد بالطبع “وعد” التى تأخرت عن موعد الطعام وعليها تحمل جوعها بشقتها فلا طعام إلا ببيت العائلة) ..
تذكرت “وعد” كلمات قوية تستطيع بها أن ترد على ما حط به “عاطف” من شأنها حلت بشفاهها وعقلها ، لكن بعد فوات الأوان ، فقد ألقى بكلماته اللازعة وتركها ، وها هي الآن بعد مرور ما يقرب من الساعة تبادر لذهنها كلمات تصلح لرد كرامتها .
فمن “عتاب” التى يقارنها بها ، فأخته سيئة الطباع غليظة المعشر ، تكره كل من حولها ، حتى أنها تكره نفسها ، تود رؤية الجميع بلا وفاق ، فلن يسعد الجميع وتبقى هي وحيدة تعيسة بينهم ، كرهت “وعد” منذ أن خطت قدمها لبيتهم وحقدت على عشق “عاطف” لها وتدليله إياها ، لتعلن عليها الحرب منذ أول ليلة لها بهذا البيت …
أيقارنها بـ”عتاب” التى أصبحت مثالاً بين الجميع بالخباثة والمكر ، فحتى الثعبان بمكره إلا أن له جلد ناعم يخدع به عدوه ، لكنها كالقنفذ لا نعومة من الخارج أو الداخل ..
تنهدت “وعد” بضيق لتنهى ليلتها باكية تحتضن إبنها الوحيد وسبب بقائها فى هذا الشقاء … ﴾
عادت لواقعها وهي تدفع بالتيشرت الأسود بعيدًا عنها فيكفيها ذكري سيئة بسببه ..
________________________________
بهذا المساء إستسلم البعض لقَدَرِه وقبع ممنيًا نفسه بعجلة الإنتظار والتحمل ، برضوخ نفس ضعيفة للغاية حتى لو إدعت تلك النفوس عكس ذلك ..
لكن ببيت النجار كانت هناك ألسنة تشحذ أنصالها لتنال غايتها حين تجمع ثلاثتهم لتناول الطعام بشقة “فخري النجار” ، حاوطت “راوية” و “صباح” مقعد “فخري” من الجانبين إستعدادًا لتناول طعام العشاء فهذا وقتهم المحدد بذلك كل مساء فور عودة “فخري” من محل العطارة خاصته ..
وجبة عشاء أسطورية تتفنن بها “صباح” لتحضير تلك المأدبة لإرضاء زوجها الذى لم يشعرها بسعادته لوجودها ، تتمنى بداخلها أن يعود كالسابق سعيدًا بزواجهم ، الذى أصبح باهتًا للغاية لا يكترث لها ولا لوجودها ، تشعر أنه يتوسط حياتهم من أجل أبنائه لا أكثر .
بحديث مقتضب ذو كلمات شحيحة للغاية بدأ “فخري” تناول طعامه ، فيما أخذت “صباح” ترمق إبنتها السمراء بأن تخبر والدها بما فعلته بنت عمها اليوم ..
ترددت “راوية” لبعض الوقت هل تخبر والدها بما فعلته “شجن” أم تنتظر قليلاً خوفًا من رد فعله فهو لا يريد إقحام نفسه بمشاكل مع “زكيه” أرملة أخيه ..
تجهزت أخيرًا لإطلاق لسانها وتحفيز والدها على إبنة عمها كما تطالبها والدتها حين طرق الباب بعدة طرقات متتالية لتزم “راوية” شفتيها بضيق فهي تعلم من بالباب بهذا الوقت ، فمن سيكون غيرهم …
دفعت بمعلقتها بقوة وهي تنهض متمتمة بسخط تسب من داخلها طارق الباب ..
_ عالم مفاجيع مبيفوتوش وجبة … هم مفيش غيرهم …
فتحت “راوية” الباب متيقنة بأن هذا ما هو إلا أخيها “فريد” وزوجته المتعالية “حنين” وأبنائهم بالتأكيد ..
_ سلامو عليكووو …
كانت تحية “فريد” الذى دلف مباشرة نحو الداخل متجهًا لطاولة الطعام ، تلته تلك الماكرة بإبتسامتها المستفزة وهى تنحى “راوية” عن طريقها كما لو كانت هي صاحبة البيت و “راوية” ضيفة عندها ..
تهدج صدر “راوية” بغيظ من تلك الحرباء المتلونه تود لو ترشقها بخناجر وليس بكلمات لتردف بتذمر …
_ ولما إنتوا ناويين تطلعوا تتعشوا مش كنتِ تيجي من بدرى تجهزى معانا الأكل يا “حنين” ..!!!!
بطريقة مستفزة إستطاعت بها “حنين” التعامل مع تلك العائلة بحنكة ليصبح لها الكلمة العليا ..
_ والله يا “رورو” أخوكِ أهو يشهد عليا ، إنى كنت تعبانه طول النهار ونايمة فى السرير ومكناش ناويين نطلع خالص ، بس لما بقيت كويسة ، قلت لازمن نعدى عليكم نطمن عليكم …
بدقائق بسيطة كان جميعهم يتخذ مقعده حول الطاولة حين أجابتها “راوية” بتهكم ..
_ لا والحق يتقال إنتِ صاحبة واجب ..
_ أمال إيه يا حبيبتى …
جلست “راويه” تكتم غيظها حين إستكملت “حنين” فرض وجودها كفرد هام بالعائلة …
_ إزيك يا حمايا … إزيك يا حماتى ..؟؟؟
بنهاية جملتها كانوا جميعًا يلتهمون الطعام بشراهة لتمصمص “صباح” شفتيها مغمغمة بسخط ..
_ عالم جعانة …!!!
رمقت “صباح” إبنتها لإستكمال ما كانت ستقوله ، فيجب إخبار “فخرى” بما تفعله بنت “زكية” ، لتومئ لها “راويه” مستطردة …
_ شفت يا بابا إللى عملته “شجن” بت عمى ..
إنتبه “فخرى” لذكر إسم “شجن” ليرفع رأسه المستغرق بتناول الطعام متسائلاً ..
_ خير ..!!
_راحت تدور على شغل برضه ، بقى إحنا وش كدة …؟؟!
قبل أن يتفوه والدها بكلمة هتف “فريد” بإنفعال وغضب محتد لتطاول هاتان الفتاتان على كل ما يأمرانهما به لتهتز وجنتاه السمينتان اللاتى يشبهن وجنتى والدته السمراء …
_ إيه إيه … إيه إيه …. ليه ؟؟! ملهمش كبير ولا إيه …؟!!! طب وربنا لطالع لهم وموريهم الصح يبقى إزاى ..
أوقفته لكزه قوية من “حنين” بألا يتدخل بهذا الأمر ، فهي لا تريد أن يتعامل “فريد” مع تلك الفتيات الحسناوات والتى كان يتمنى الزواج بإحداهن فى السابق لولا رفض والدته ..
تلك اللكزه جعلته يتراجع على الفور تخوفًا من إغضاب “حنين” ليعود لمقعده قائلاً بصوت مهزوم ..
_ وأنا مالى ، يتحرقوا كلهم …
ألجمهم كلمات والدهم القليلة كأمر واجب النفاذ بأمر لا يتدخل إلا به فقط وبقية الأمور بيد “صباح” ..
_ سيبوهم فى حالهم ، هم أحرار …
تهدجت أنفاس “صباح” بغضب تنهره عن تراخيه بقوة …
_ بقى بت مفعوصة زى دى هى وأختها حيحطوا راس عيلة النجار فى الطين وهم ماشيين على حل شعرهم ويقولوا بيشتغلوا ، وإنت برضة حتسكت لهم يا حاج ؟!!!!
_ أنا قلتها كلمة وخلاص خلصت ، سيبوهم فى حالهم …
قالها بحزم لينهض تاركًا طعامه فلم يعد يحتمل تلك المرأة ومشاكلها التى لا تنتهى ، مما جعل “صباح” تنفعل بقوة …
إمتعض وجه الجميع لطلب والدهم بترك بنات عمهم دون حساب خاصة “صباح” التى إستشاطت غضبًا فمازال “فخرى” يكِنُ لأرملة أخيه بعض المشاعر رغم رفضها للزواج منه بعد وفاة أخيه لتبقى أمًا عزباء متفرغة لرعاية بناتها وبقيت “صباح” تكِنُ لها الضغينة لتفضيل “فخرى” تلك الفقيرة عليها …
________________________________
بالمساء تسكن الأجساد لكن من أين تأتى القلوب بالسكون والراحة .
بتلك الشرفة البسيطة ذات الجدران المتهالكة وقفت “زكيه” تنتظر عودة “شجن” ورافقتها أيضًا “نغم” .
بأعين قلقة للغاية تشدقت “زكيه” لرؤية إبنتها عندما تقترب من بداية الحارة ، حين هتفت “نغم” بصوت خفيض ..
_ أهى يا ماما ، “شجن” جت أهى ..
مجرد رؤيتها بعثت بنفسها الراحة لتبتلع ريقها أولًا وهى تنظر نحو الشرفة بالدور السفلى بأعين قلقة قائله ..
_ روحى إفتحى لها أحسن حد يحس بيها ..
بعجالة دلفت “نغم” نحو الداخل تتسلل كما لو كانوا لصوصًا يسرقون وليس أصحاب هذا البيت …
أحلامنا بالحرية مقيدة بأغلال نظرات المجتمع ، فأين متسع للتنفس بحياة سُلب منها الهواء ، فلقد ألقيت أحلامنا ببئر يوسف وما عدنا نلحق بالقافلة ..
هرعت “نغم” لإستقبال “شجن” التى بدورها صعدت درجات السلم بهدوء حَذِر حتى لا تشعر بها زوجة عمها وإبنتها …
مهمة خاصة عليها العبور بها وليس لصعود درجات السلم ، تهلل وجه “نغم” بوصول أختها لبر الأمان كإنتصار مزيف بحياة مقفرة ..
دلفت تلك الحسناء والتى كان نصيبها كإختها وأمها من الدنيا ، فثلاثتهم كل ما يملكونه حُسنهم و أخلاقهم العالية ..
برغم وصولها لشقتهم بأمان إلا أنها تشعر بكل مرة بحنق على تلك الحياة التى يعيشونها ، حياة باهتة يختبئون بالجدران خشية أى مواجهة ..
وقفت “شجن” لبرهة تتطلع نحو والدتها بعيناها المعاتبتان وهي تضم شفتيها ذات اللون القرمزى الطبيعي ليتجلى وجهها المستدير و وجنتيها الممتلئتان المحاطة بشعرها القصير المميز بملامح تشبه أختها “نغم” أيضًا …
كانت تود “زكيه” لو تكتفي “شجن” بنظراتها فقط ، لكن إرتجف قلبها حين بدأت إبنتها بمعاتبتها ، فـ”شجن” تتمتع بطبع متمرد بخلاف “نغم” المستكينة طوال الوقت …
هتفت “شجن” برفض تام لحياتهم الذليلة بهذا البيت ، لا تتمرد على فقرهم لكن تتمرد على هذا الخنوع ورضاهم بحياة ليست من حقهم …
_ هو ربنا مش حيتوب علينا من عيشة الحرامية دى ، كل يوم تقفوا تستنوا فى البلكونة عشان تفتحوا لى الباب أحسن الست “صباح” تاخد بالها …
شاركت عيون “شجن” المعاتبه نظرات “نغم” المتحفزة لإجابة والدتها ، فهي تجبرهم على تلك الحياة منذ وفاة زوجها ، لتتحلى نظرات الخزى والرضوخ نظرات والدتهم قائله بنبرة مهتزه ..
_ مش بإيدى يا بنات … حنروح فين بس … يعنى نسيب بيت أبوكم ونترمي فى الشارع ؟!!!!!!
لحقتها “شجن” تحاول التأثير على “زكيه” ..
_ أنا حشتغل وأجيب حق إيجار شقة … و”نغم” كمان ممكن تشتغل فى المكتبة إللى جنب المستوصف … ونسيب البيت ده وربنا يتوب علينا من أصحابه …
_ ده مش حل يا بنتى ، حنروح فى الرجلين وحق أبوكم يروح ، وبعدين كل ده كلام مش مضمون ، مهما كان ده بيتكم وحقكم …
شاركت “نغم” الضغط على والدتها ربما ترضى هذه المرة …
_ ويرضى مين إللى بيتعمل فينا كل شوية ده ، لحد إمتى حنفضل مستحملين …؟!!!
تنهدت “زكيه” بقلة حيلة فقد تحملت الأسى لأجلهن لسنوات لحفظ حقهن ولن تتنازل عنه بهذه السهولة ، سنوات من الرضوخ لتتحول لإنسانه سلبية تخشى من المجهول وترضى بالأمر الواقع …
_ خلاص بقى يا بنات مش كل يوم نفتح السيرة دى ، يلا نتعشا وتحكى لنا عملتي إيه يا “شجن” في موضوع الشغل …
حاوطت “زكيه بناتها بحنان لتحتضنهم وتنسيهم بقلبها العطوف قسوة الأيام الجارحة …
________________________________
بإحدى الكافيهات الفخمة للغاية ، جلس “رؤوف دويدار” برفقة خطيبته الحسناء “نيرة” ، تلك الفتاة العشرينية النحيلة ذات الوجه المدبب والأعين الحادة ، جريئة بمشاعرها وتصرفاتها ، غيورة إلى حد بعيد مما جعلها كموقد نار تلتهب شعلته من مجرد شك بسيط ..
خاصة مع إرتباطها بشاب هوائي ک “رؤوف” ، شاب معسول الحديث يميل للتودد إلى جميع الفتيات لتتهافتن عليه بصورة تثير حنق “نيرة” الذى أصبح شغلها الشاغل هو البحث والتدقيق من خلف “رؤوف” ..
كانت جلستهم يغلبها محاولة “رؤوف” لإرضاء “نيرة” أو بمعنى أدق إقناعها أنه لم يكن برفقة سواها بالأمس وأن الأمر لم يتعدى عودته من العمل والخلود للنوم …
_ خلاص بقى يا روح قلبي ، ده أنا حلفت لك إنى والله كنت نايم ..
رمقته بنظرة حادة تكذبه تمامًا ثم أردفت بإنفعال ..
_ ومكلمتنيش ليه ؟!! ، مش كنا متفقين تكلمنى لما تروح من الشركة ؟؟!!!
سحب “رؤوف” زهرة من تلك المزهرية الصغيرة الموضوعة أمامهم فوق الطاولة ليجيبها بحالمية وهو يقدمها إليها إعتذارًا ورجاء لمسامحته …
_ وحياة “رؤوف” خلاص بقى .. المرة الجاية حبقى أتصور الأول قبل ما أنام …
رغم أنها تعلم أنه لا يجد مبررًا مقنعًا إلا أنها أنهت تلك الحالة من شدة الأعصاب بقبول الزهرة وقد إرتسمت بسمة ضعيفة فوق ثغرها قائله …
_ ماشي ، قولى بقى حنروح نختار العفش إمتى ، الفرح خلاص بعد أربع شهور …
_ زى ما حياتي تؤمر ، وأنا من إيدك دى ، لإيدك دى …
شعورها بفرض سيطرتها عليه جعلها تشعر بالرضا مستكملة قضاء سهرتهم سويًا قبل أن يقوم بإيصالها للمنزل ويتجه هو بدوره نحو بيتهم ( بيت المستشار دويدار)
________________________________
بيت المستشار خالد دويدار …
بإرهاق شديد عادت الدكتورة “منار” إلى البيت بعد إنهاك طويل بالعمل بعيادتها الخاصة بعدما إنتهت من عملها بالمستشفي ليصبح اليوم مرهقًا للغاية لا يتناسب مع عمرها والإرهاق الذى تشعر به .
ليلوح وبقوة قرار عرض عيادتها للبيع أو الإيجار والإكتفاء بتلك المسيرة الطبية الزخمة ومشاركة زوجها فترة تقاعدة للإستمتاع سويًا …
توجست “منار” من أن يكون زوجها قد مل من الإنتظار لغيابها الطويل مما سيثير حنقه وعصبيته لتدلف بتوتر تهيئ نفسها لما ستلاقيه من توبيخ وعصبيه …
لكنها حين دلفت للداخل إتسعت عيناها بإندهاش وهى تستمع لتلك الضحكة الرنانة التى تصدح بأرجاء البيت كافة لتردف بتفاجئ …
_ إنتِ !!!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى