رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل السابع 7 بقلم رضوى جاويش
رواية السماء تشهد أيها الماجن البارت السابع
رواية السماء تشهد أيها الماجن الجزء السابع
رواية السماء تشهد أيها الماجن الحلقة السابعة
٧-لا احد
تعالت تلك الصرخات داخل فيلا السعيد، ما أثار تحفظه لهذا الصخب الغير مبرر..
حاول النهوض من على فراشه وحيدا، لكنه لم يستطع فأخذ ينادي على أحد الخدم أو نهى لتأتي لمساعدته في الجلوس على الكرسي المدولب الذي أمره الطبيب باستخدامه بشكل دائم حتى لا يجهد قلبه بالسير على قدميه..
أخذ في النداء من جديد إلا أن تلك الصيحات كانت عالية كفاية لتصم الآذان عن سماع نداءاته .. تنهد في قلة حيلة منتظرا أن يأتيه أحدهم ليخبره بما يحدث ..
هتفت نهى من بين أسنانها محاولة السيطرة على غضبها في وجه ذاك الحقير شهاب وهو يصرخ بهذا الشكل المثير للحنق: قلت لك أخفض صوتك وأنا على استعداد للتفاوض معك فيما تريد ..
تنبه شهاب في فرحة لما تعرض، وهتف في تخابث: تتفاوضين في شأن إرثي من ابنة خالك، أليس هذا ما تعنين !؟..
حاولت نهى السيطرة على الموقف قدر استطاعتها حتى لا يصل صوته الجهوري إلى مسامع جدها فهتفت تهادنه: تعال إلى مكتبي وصدقني لن نختلف .. لكن عليك الرحيل الآن .. أرجوك..
نظر شهاب إليها في ريبة، وأخيرا هتف في سماجة: حسنا .. سأت لمكتبك ونتشاور واعلمي أني لن أتنازل عن حقي أبدااا ..
كانت نهى تعلم أن لا حق له من الأساس في أي إرث، لكن ما كان بيدها حيلة إلا الإزعان لتهديداته المبطنة، وخاصة أن جدها مستيقظا بالداخل ولا تريده أن يقابل ذاك الحقير ويعلمه بأمر حياة، لذا هزت رأسها في استسلام مؤكدة: صدقني سأعطيك كل ما تطلب .. لكن ارحل الآن..
أومأ شهاب برأسه موافقا، وخرج من باب الفيلا لتزفر نهى في راحة مندفعة لتستطلع أخبار جدها ..فتحت باب حجرته في هدوء متطلعة لموضعه على الفراش، ليتنبه هو لوجودها هاتفا: ما هذا الصخب الدائر بالخارج !؟
ابتسمت نهى مؤكدة : لا شيء ذو أهمية يا جدي .. مشكلة مع بعض الخدم وانتهت على خير .. لا تشغل بالك إلا بصحتك أيها السعيد..
قهقه جدها في مودة هاتفا :- أما كفاكِ تدليلا لجدك العجوز !؟..
هتفت نهى في مرح: أبدااا .. سأظل أدلك ما حييت .. فأنت أروع جد ..
ومالت تطبع قبلة حانية على جبينه، ليبتسم هو في محبة خالصة لحفيدته الشقية .. وتمنى داخله عودة حفيدته الأثيرة حتى يهنأ بقربهما سويا ..
*************
خرجت من كوخها عندما بدأ الليل يرخي سدوله، لتجده ممددا أمام كوخه ناظره شاخصا للسماء .. جلست في هدوء دون أن تنبس بحرف .. أدار وجهه إليها لتستقر نظراته عليها للحظة، ثم أعاد وجهته للسماء من جديد هامسا في قلق : الهدوء الليلة قاتل .. هدوء مثير للريبة ..
أكدت وهى تتطلع حولها في اضطراب :- صدقت.. ذاك الهدوء الحذر يقلقني ..
أكد دون أن يستدير لها :- نعم .. أرجو أن لا يكون ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة .. اومأت برأسها ايجابا ليستدير باتجاهها ليراها تولي وجهها للبحر الذي يبدو هادئا بشكل مريب ..
همس مطمئنا :- كل شيء سيكون على ما يرام ..
همست: اتعشم ذلك ..
نهض من موضعه في اتجاه كوخه هاتفا :- تصبحين على خير .. الجلوس هنا لا فائدة منه .. النوم خير وسيلة للهروب من القلق .. هتفت في اضطراب : هل ستنام حقا !؟.. ألا يمكنك أن تبقى قليلا !؟.. أنا أشعر برهبة شديدة من جراء ذاك الصمت المطبق ..
ابتسم مؤكدا : لا تخافي.. الأمور ستسير بشكل جيد.. إنه مجرد هاجس لا أكثر .. اذهبي للنوم بالمثل ..
اكدت في صوت متحشرج :- لن أستطيع النوم والقلق يتآكلني .. لن يغمض لي جفن دون شعوري بالأمان ..
هتف مشاكسا :- الأمان بقربي .. فأنا بائع الأمان الوحيد هنا .. فهل من مشتٍر !؟..
نظرت إليه شذرا هاتفة في غيظ :- ألا تمل أبدا !؟.. أتمنى أن تبور بضاعتك ..
قهقه مؤكدا في ثقة :- الأمان بضاعة لا تبور مع التقادم .. وستدركين ذلك يوما ما..
نهضت متجهة لكوخها وقبل أن تدخل وتغلق بابه خلفها هتفت في ثقة :- قد يحدث ذلك .. أتعلم متى !؟.. حين تطير الأفيال ..
قهقه ولم يعقب على كلماتها وهى تحتمي داخل كوخها، ليحذو حذوها ويدخل كوخه بدوره مستعدا لنوم مبكر .. أبكر من المعتاد..
*********************
دخل شهاب على أخته التي انتفضت في لهفة هاتفة في تعجل :- هااا .. ماذا فعلت !؟..
أقر شهاب :- لم أقابله .. لكن حفيدته الآخرى وعدت بإعطائي كل ما ارغب ..
صرخت شادية في غضب :- لماذا لم تقابله..!؟.. ألم يكن هذا ما اتفقنا عليه !؟..
هتف شهاب في سخط مشيحا بيده :- هذا ما حدث .. لقد صرخت وكان صوتي يوقظ الموتي لكنه لم يظهر وكانت هي تقف بالمرصاد فقلت يكفيني العرض الذي قدمته لي ..
تنهدت شادية في نفاذ صبر هاتفة :- حسنا..
ساد الصمت للحظة لتقطعها هي في صوت كفحيح أفعى، وهى تربت على خدها بسبابتها
في تفكير عميق :- فليكن .. ولنضرب عصفورين بحجر واحد ..
هتف شهاب متسائلا :- كيف ذلك !؟..
تنهدت من جديد في خيبة هاتفة :- سأخبرك يا آخر صبري ..
ونظرت إليه ممتعضة هاتفة في استهزاء:- لا أعرف لما أراد أبوك إنجاب ذكر يحمل اسمه ليبتلينا الله بك لتكون عالة عليٌ غير قادر حتى على القيام بما يقوم به الرجال أيها الغضنفر .. ولا أعرف ما الذي يجعلني اتحملك وأنت مجرد مصدر للمشكلات ولا قدرة لديك على حلها إلا بمشورتي وتوجيهاتي .. أما من منفعة تذكر يمكن أن تأتي من رفقتك !؟..
هتف شهاب في برود فقد استمع إلى تلك المسبة المطولة مرارا وتكرارا حتى اعتادها وأصبحت من الطقوس التي تتبعها أخته، ولم يعد يعبء بها :- وأي منفعة تنتظرين أكثر من مال حفيدة السعيد الغالية !؟..
هتفت وهى تمط شفتيها في سخرية :- لنرى هل ستستطيع تنفيذ ما اتفقنا عليه .. أم أنك ستخيب أملي كما تفعل دوما !؟..
أكد شهاب في ثقة :- بل سأفعل .. فذاك المال هو الأمل الذي أعيش عليه منذ علمت بوفاة حياة .. ولن يكون لغيري ..
هتفت شادية في استهانة وهى تتجه الى المطبخ :- افلح إن صدق ..
وأطلقت ضحكة مجلجلة تسخر منه كما هي عادتها ..
*****************
انتفض داخل كوخه عندما شعر ببرودة الماء تصل لجلده في نفس اللحظة التي تناهى له صرخاتها، ليدرك ما أن نهض من موضعه أن مياه البحر أصبحت بالفعل داخل كوخه .. فمد البحر هذه الليلة قد وصل ذروته وبدأت الريح بالفعل في الزمجرة بالخارج .. دفع بابه ليجدها قد اندفعت من بابها بدورها .. كانت الريح تعلن عن غضبتها وبدأت في دفع الأشياء كلها في طريقها ..
هتف آدم في توتر :- كنت أعلم أن الأمر لن يمر على خير .. ها هي الطبيعة تكشر عن انيابها ..
صرخت في اضطراب وهى تمسك بغطاء رأسها تحاول إحكام سيطرتها عليه مع عدم قدرتها على السير في ردائها الطويل الذي بدأت مياه المد تقذف بأمواجها عليه فبللته كليا وجعلته ثقلا يعجزها عن الحركة بخفة في ظل ذاك الجو الثائر:- ماذا علينا أن نفعل!؟..
ما أن هم بالإجابة حتى دفعت موجة قوية من الريح بسقف كوخيهما ليطيرا في الهواء كأنما هو ريشة لا ثقل لها ..
جذب نفسه بالكاد حتى وصل لموضعها القريب يحاول أن يكون حائط صد لها في مواجهة تلك العاصفة القوية التي تشتد لحظة بعد آخرى، وكذا المد الذي بدأ يزمجر قازفا بأمواجه ليغرقهما كليا ضاربا بظهره في قوة أشبه بحد السيف وهو يقف كصخرة يتناوله عنها في صلابة ..
مد كفه ممسكا بكفها جاذبا إياها جذبا في إتجاه كوخها ليمسك بحقيبة الملابس التي لحسن الحظ وجدها مغلقة، واتجه إلى ذاك التل الذي دوما ما تختلي فيه بنفسها وحيدة على قمته ..
جاهدا حتى وصلا لسفحه وبدأ هو في التسلق من الجانب المعاكس لإتجاه الريح جاذبا حياة خلفه بكف والحقيبة بكف آخر حتى وصلا لداخل كهف في باطن التل كان قد استكشفه منذ وطأت أقدامه الجزيرة وبعد أن كان قد أقام كوخه بالفعل .. كان قد قرر الانتقال إليه لكن وجده رطبا وخانق بعض الشئ وبه بعض الحشرات التي قد تكون مؤذية فعدل عن الفكرة ..
الآن أصبح الموضع الوحيد المتاح لهما بعيدا عن الدغل الذي يمكن أن يكون أخطر مكان لبقائهما في وقت العاصفة نظرا لاحتمالية سقوط الاشجار .. وكذا رغبة في الابتعاد عن الشاطئ لعلو المد بهذه الطريقة الغير معتادة..
توقفت على مدخل الكهف لا تجرؤ على الدخول لتلك العتمة التي تعم باطنه ليدخل آدم في حذر ممسكا كفها مشجعا حتى تتبعه.. همست في صوت باكِ:- هل سنمكث هنا!؟.. همس مؤكدا :- وهل هناك خيار آخر !؟.. الوضع بالخارج مرعب وربما يزداد سوءا.. الحمد لله إني كنت على علم بموضع ذاك الكهف وإلا ما وجدنا مكانا يأوينا في مثل ذاك الظرف القاهر .. تعالي ..
ترك كفها وانحنى ممسدا بكفه بكل حرص على أرض الكهف الصخرية يمهدها لأجلها..
همست متعجبة :- ماذا تفعل !؟..
أكد في نبرة عادية :- أمهد لك الأرض لأتأكد أنها خالية من الحشرات التي قد تؤذيكِ ..
واستطرد عندما لم تعقب صامتة في صدمة لفعلته: يمكنك الجلوس الآن .. هيا ..
جلست حيث ربت على وجه الأرض في ثقة، وأسندت ظهرها على جدار الكهف في حذّر ليجلس جوارها متنهدا هامسا وهو يربت على كفها :- اطمئني .. سينتهي الأمر على خير.. إنها عاصفة وبعض المد ..من حق الطبيعة أن تغضب قليلا ..
اومأت برأسها في هدوء هامسة :-لا يهم ما يمكن أن يكون بالخارج .. نحن هنا في أمان.. أليس كذلك !؟..
اومأ براسه مؤكدا:- نعم نحن بأمان .. واستطرد مازحا :- هل أدركتي الآن أن الأمان سلعة لا تبور أبدا !؟..
وهتف ساخرا في مزاح يحاول إخراجها من حالة الذعر التي تتلبسها :- بالمناسبة .. هل طارت الأفيال !؟.
اتسعت ابتسامتها مؤكدة :-لا.. بل طارت الأكواخ ونحن هنا عالقون بلا حول ولا قوة..
قهقه لمزاحها الغير معتاد، لتتوقف ضحكاته مع صرختها عندما زمجر الرعد بالخارج وبدأت السماء تبرق ويهطل المطر الغزير..
التصقت به في ذعر حقيقي فهو يعلم أنها تخشى صوت الرعد بشدة .. همس بالقرب من مسامعها التي تخفيها خلف ذراعيها محيطة بهما رأسها:- اطمئني .. لن يصيبك مكروه وأنا بجانبك ..
همست في اضطراب، وبصوت متحشرج وهى ترتجف:- اشعر ببرد غريب ينخر عظامي .. هل هو الموت !؟..
ابتسم مشفقا :- لا .. بل ثيابك المبتلة هى سبب ارتجافك .. علينا أن نشعل بعض النيران للتدفئة .. وعليك تبديلها بآخري جافة..
أشار للحقيبة التي رأت أين وضعها بأحد أركان الكهف حيث هتف أمرا:- لقد هداني الله لإحضارها في آخر لحظة .. إخرجي لك ما يمكن أن ترتديه ودعيني أحاول إضرام النيران في الأعواد الجافة هنا ..
هتفت وقد بدأت في الارتجاف بشدة وهى تتحرك نحو موضع الحقيبة:- وماذا عنك !؟
هتف ساخرا وهو يجمع الأعواد الجافة من هنا وهناك والتي تظهر له على مدخل الكهف عندما تضئ السماء للحظات بفعل البرق :- ماذا عني !؟..الحقيبة ليس بها إلا ملابس نسائية على ما أتذكر ..
وضع الأعواد في كومة بمنتصف الكهف، لتهتف وهى تفتح الحقيبة تتناول منها ما يمكنها ارتدائه :- هنالك مئزر قد يكون صالحا لأجلك.. اعتقد أنه قد يفي بالغرض ..
أخرجته بصعوبة بعد أن فتشت عليه كثيرا نظرا لانتشارالعتمة داخل الكهف، لكن أخيرا طالته يدها عند أول بصيص للنور سطع متزامنا مع صيحة انتصاره منتشيا لنجاحه في إشعال النيران..
ناولته المئزر واضطربت تتطلع حولها ليدرك هو سبب اضطرابها مشيرا لجانب الكهف المنعزل قليلا هاتفا :- يمكنك تبديل ملابسك في ذاك الركن المنعزل .. وأنا سأبدلها هنا وكل منا يولي ظهره لصاحبه .. هل يرضيك هذا !؟..
اومأت برأسها موافقة واتجهت إلى حيث أشار وشرعت في تبديل ملابسها وحذا حذوها، جلست بعد أن انتهت ولم تنظر إليه معتقدة أنه لم ينته لكنه هتف بصوت ساخر :- ألم تنته بعد .. فأنا أقف موليا ظهري كالتلميذ المعاقب بآخر الصف ..
هتفت مؤكدة ولم ترفع نظراتها إليه بعد وهى تعدل هندامها :- بلا انتهيت .. يمكنك الاستدارة ..
وقع ناظريها عليه في تلك اللحظة لتنفجر ضاحكة على مظهره ذاك بهذا المئزر المزركش والذي بالكاد يصل لما دون ركبتيه ..زمجر زاما ما بين حاجبيه :- امنعي الضحك وإلا ..
هتفت تغيظه :- وإلا ماذا !؟.. هل ستتقمص دور صاحبة المئزر !؟..
هتف في مجون :- بل سأخلع المئزر وستندمين ..
هتفت في تردد:- لا .. إنك لن تفعل..
قاطعها في نبرة عابثة وهو يضع كفيه على حزام المئزر المشدود على خاصرته مهددا:-لا تختبري صبري .. فأنا في الأساس أبحث عن حجج لأخلق جو من الإثارة ها هنا..
لم ترد بحرف واحد فعلم أنه كسب المعركة فجلس في محاولة لضم طرفي المئزر ليبدو بمظهر المحتشم ولو قليلا ما أثار نوبة من الضحك حاولت هى كتمانها قدر استطاعتها..
ليهتف هو في محاولة لكسر تأثير ذاك الجو الساحر داخل الكهف :- هل أقص عليك إحدى أساطيري قتلا للوقت ..
هتفت في حماس :- فكرة جيدة .. كلي آذان مصغية..
هتف في صوت رخيم :- سأقص عليك حكاية يراها البعض حقيقة والبعض الآخر محض خيال .. هى قصة من حكايات ألف ليلة وليلة ..
هتفت في سعادة :- رااائع .. أعشق تلك الحكايات ..
واستطردت تشاكسه :- وأنت ستكون رائع في دور شهرزاد خاصة بهذا المئزر المزركش..
قهقهت ليهتف هو ساخرا :- بل سأكون أروع في دور مسرور السياف لأنهض اللحظة مخلصا عنقك من ثقل رأسك الجميل..
تجاهلت غيظه وسألت في براءة والابتسامة لاتزل تكلل محياها :- لم تقل عن أي شيء تحكي أسطورتك!؟.
استطرد هو في سعادة طفولية وقد قرر تجاهل سخريتها بدوره :-غيرت رأيي .. سأقص عليكِ أسطورة آخرى من الأدب الإغريقي مناسبة تماما لتلك الأجواء التي نعيشها اللحظة..
هتفت في جزل :- حسنا لا بأس .. ما اسمها..!؟..
هتف بدوره وبلهجة محملة بالحماس :- السكايكلبس بوليفيموس..
هتفت تستحثه على البدء :- مدهش .. تبدو مشوقة ..
اكد في خبث مبتسما :- نعم مشوقة جدااا فهى تحكى عن أحد العمالقة ذوي العين الواحدة ..
شهقت معترضة :- لا.. ليس الآن وفى هذا الجو المشحون بالرهبة
هتف في إصرار طفولي :- لن أحكي غيرها..
همست في خنوع :- انت تعاقبني لسخريتي منك ونعتك بشهرزاد .. حسنا .. احكها لعلها لا تثير الرعب..
تنحنح هو وبدأ يقص حكايته هامسا بذاك الصوت الآسر الذي يجذبها جذبا لمداره
لتسبح في فلكه وتصبح تحت تاثير سحره الخاص ما أن يبدأ في سرد أساطيره التي تخلب لبها :- كان العملاق بوليفيموس أحد
أفراد قبيلة العمالقة ذوي العين الواحدة أو السيكلوبس، وكانوا يعيشون على جزيرة يقتاتون على لحوم الأغنام والماشية
وأحيانا لحوم البشر الذين كان حظهم العسر يدفعهم للنزول على تلك الجزيرة ليكونوا طعاما لعمالقتها ..
همست في توتر :- آكلي لحوم بشر في أجواء كهذه !؟..سامحك الله ..
قهقه مستطردا :- كان بورسيوس في رحلة هو ورفاقه الاثنى عشر بسفينته في مهمة ما .. لكن ..
قاطعته مستفسرة :- أليس بورسيوس هذا هو منقذ الأميرة المسلسلة ..أندروميدا !؟..
نظر إليها وعلى وجهه ابتسامة رائعة كللت محياه وظهرت بشكل خلاب على تفاصيل وجهه الذي كانت ألسنة النيران تتراقص عليه لتضفي عليه سحرا من نوع آخر، وهمس في سعادة :- نعم إنه هو بالفعل.. كانت هذه واحدة من المغامرات التي خاضها عندما كان في رحلته لجلب رأس الجرجون أو ميدوزا كما قصصت لك حكايتها ..
واستطرد متفاخرا:- يبدو أنك تستمتعين حقا بتلك الأساطير !؟
ابتسمت في خجل هامسة :- نعم للحق استمتع كثيرا.. ماذا حدث في تلك المغامرة!؟.
استأنف حكايته وتلك الابتسامة مرسومة على محياه هامسا :- للحظ العسر هاج البحر ودفع بسفينة بورسيوس ورفاقه لجزيرة العمالقة ذوي العين الواحدة .. فألتقطهم بوليفيموس في سعادة فما أروع لحم البشر كهدية تأتيه من غير ميعاد ..
ارتفعت قهقهاته عندما لاح الاشمئزاز على محياها وأكمل هاتفا :- سجن العملاق، بورسيوس وأصحابه داخل أحد الكهوف برفقة ماشيته .. وكان كل يوم يتناول على إفطاره اثنين من الرجال ..
هتفت في صدمة :- هل أكلهم حقا !؟..
ضحك مؤكدا :- وهل سيمزح العملاق في أمر كهذا !؟.
تساءلت في اضطراب :- وماذا حدث بعدها..!؟.. بالتأكيد نجا بورسيوس وإلا كيف أمكنه إنقاذ الاميرة.. لكن كيف نجا !؟..
هتف مبتسما :- أنتِ ذكية .. وكيف .. اتركيني أقص لك الحكاية دون مقاطعتي وستعرفين..
هتفت ممتعضة :- حسنا .. اكمل ..
هتف ادم مستطردا :- قرر بورسيوس وأصحابه التخلص من العملاق وعندما فتح العملاق الكهف ليتناول وجبته الصباحية منهم ناداه بورسيوس ..
هتفت مصدومة :- نادى العملاق !؟..
علت ضحكاته ولم يلمها هذه المرة فلقد اعترف أن مقاطعتها لسرده وظهور تلك التعبيرات الطفولية الرائعة على محياها لهو أكثر متعة من الحكاية نفسها وأكمل هازا راْسه مؤكدا :- نعم ناداه ليعطيه هدية .. برميل ضخم من الخمر المعتق كان قد حمله رجاله معهم عند نزولهم من السفينة .. تناول العملاق برميل الخمور في سعادة وما أن تذوقها حتى راقت له فتجرعها كلها حتى ثمل وبدأ يشعر بالنعاس .. لكن قبل أن تثقل أجفانه سأل بورسيوس عن اسمه حتى يعطيه جائزة وهى تركه دون أكله .. فأجابه بورسيوس أن اسمه “لا احد”.. راح العملاق في سبات عميق بفعل الخمر واستغل بورسيوس وأصحابه تلك الفترة في صنع عصا مدببة الرأس وما أن استيقظ العملاق وفتح باب الكهف ناظرا بعينه الوحيدة ليتناول وجبته من الرجال حتى غرسها بورسيوس بعينه مصيبا إياه بالعمى ليصرخ العملاق مناديا أهله مستنجدا هاتفا بصوت جهوري :- لا أحد أصاب عيني بالعمى ..لا أحد أصاب عينى بالعمى..
قهقهت وهى تراه يقلد العملاق مضخما صوته بهذا الشكل الدرامي متقمصا دوره ليقهقه آدم بدوره مستطردا في مرح:- لقد ضحك أهل العملاق عليه مثلما تضحكين الآن واعتقدوا أنه قد أصابه الجنون .. لذا قرر العملاق الانتقام من بورسيوس ورجاله بأكلهم جميعا دفعة واحدة ففتح باب الكهف باحثا عنهم بكف يده بعد فقده عينه وهو يخرج ماشيته حتى يسهل عليه التقاطهم من داخل الكهف لكن بورسيوس وأصحابه استطاعوا التعلق ببطون الماشية الضخمة والخروج من الكهف ومنه حتى سفينهم هربا من جزيرة العمالقة لاستكمال رحلتهم ..
تنهدت في سعادة :- حسنا .. قصة رائعة .. لقد انتهى الأمر على خير ..
لكنها قررت مشاكسته مستطردة :- وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ..
هتف في غيظ :- أوتعلمين !؟.. لدي ميل قوي للخروج في مثل هذا الطقس تاركا إياكِ وحيدة مع حشرات الكهف وزواحفه ..
هتفت تزيد من وتيرة سخريتها :- أو ربما أحد العملاقة يجدني طعاما سائغا فيلتهمني حية .. سيكون ذلك من دواعي بهجتك .. أليس كذلك !؟..
هتف مؤكدا :- بلا هو كذلك .. وسأقيم الأفراح لسبع ليالِ بالطبول الأفريقية لعودتي وحيدا وسعيدا من جديد ..
همست في هدوء :- تصبح على خير ..
ساد الصمت للحظات وهى تتمدد على أرض الكهف توليه ظهرها ليتمدد هو بدوره على الجانب الآخر وقد شعر أنه أحزنها ما أثار بداخله شعور عجيب بالضيق.. ألقى نظرة أخيرة تجاهها، وأخيرا تنهد موليا لها ظهره محاولا الولوج لدنيا الحلم دونها ..
***********
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية السماء تشهد أيها الماجن)